Translate

Sunday, April 30, 2023

الله واحد.. قادر على كل شىء - الأنبا موسى - المصري اليوم - 30/4/2023

 الإنسان السوىُّ نفسيًّا وروحيًّا يدرك أن للكون إلها واحدا حقيقيا، وأنه هو الذي خلق البشر جميعًا من أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء. وهكذا يصير جميع البشر إخوة، ويصير الله ربًّا واحدًا، وسيدًا واحدًا للكون كله.

1- الله واحد:

- هذه حقيقة لاهوتية، وأيضًا منطقية.. فالله الواحد هو الخالق الوحيد، والكل مخلوقون (كالبشر)، ومخلوقات (كالكائنات الأخرى). وهذا الكون الفسيح بما يجرى فيه من كائنات غاية في الضخامة كالمجرات، وأخرى متناهية الصغر كالفيروسات، بعضها ينبض بالحياة، والآخر جماد، والكل يجرى في طريقه المرسوم له، فالأفلاك تدور في دقة مذهلة.

والضوء يسير بسرعة مذهلة (300 ك.م. في الثانية الواحدة)، والذرات تتحرك في باطنها وظاهرها بإعجاز خالد، والجينات تحمل الملامح والشفرة الوراثية في سر عظيم.. هذا كله ينطق بالخالق الواحد، مهندس الكون، الواجب الوجود، وأصل كل وجود، وبدونه لا يوجد كائن حى، ولا جماد ما.

- والله واحد.. لأنه اللانهاية الوحيدة في الوجود، فإذا ما حاولنا أن نعد الأرقام صعودًا، نبدأ برقم واحد، ولا نجد للأرقام نهاية، فنصل إلى علاقة غامضة، تتحدى محدوديتنا، هي رقم ما لانهاية.

أما إذا حاولنا أن نعد الأرقام نزولًأ (ناقص واحد) فسنصل إلى نفس الشىء، إلى رقم ما لا نهاية العجيب.. ومعروف رياضيًا أن ما لا نهاية + ما لا نهاية = ما لا نهاية، فليس هناك سوى «ما لا نهاية» واحدة في الكون، وهذا الكائن اللانهائى الوحيد، والفريد في نوعه.. هو الله إلهنا المحب.

2- القادر على كل شىء:

- لأن قوة الله هي القوة الوحيدة المسيطرة على الكون موتًا وحياة هي الله، فكما أنه مانح الحياة، فهو أيضًا من نعود إليه بعد الموت، شئنا أم أبينا، آمنا أو لم نؤمن!!، فالله هو الحياة والخلود، وهو الذي وضع للناس «أن يموتوا مرة، وبعد ذلك الدينونة» (عبرانيين 27:9). وواضع هذا الناموس المهمين على الكل، هو وحده القادر على منح الحياة، مرة أخرى لهؤلاء المائتين، وذلك من خلال القيامة.

3- وهو الخالق الأبدى:

- لهذا يقول سليمان الحكيم عن الله: «جعل الأبدية في قلبهم، التي بلاها (أى بدونها) لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية» (جامعة 11:3). فالإنسان حينما يدرك البعد اللانهائى في الحياة، يدرك الخالق غير المحدود، فيسجد له خاشعًا، ويفهم «سر الوجود»، ومن أنشأ الكون؟، وما هو الطريق السليم؟، وكيف يكون الخلود المفرح والملكوت السعيد؟.

- من هنا يقول معلمنا بولس الرسول: «بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر» (عبرانيين 3:11). وإذا كان دارون لم يفهم من أنشأ الخلية الأولى وأعطاها الحياة، نقول له: هو الله مانح الحياة الوحيد، وآخذها حينما يريد، ومعيدها خالدة أبدية للأبرار وحتى للأشرار، إذ يخرج الأبرار إلى حياة أبدية سعيدة، والأشرار إلى حياة أبدية تعيسة!!.

4- وهو مانح الأخوة الإنسانية:

لأنه ما دمنا نؤمن بالإله الواحد، نعرف أن الله الواحد خلقنا جميعًا من أبوين هما آدم وحواء!!، وهذه الحقيقة تجعلنا جميعًا أخوة في البشرية. ولهذا فحينما ذهب الرسول بولس ليبشر بالمسيحية في أثينا قال لهم.

وهم رجال الحكمة والفلسفة: «إِذْ هُوَ يُعْطِى الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَيْءٍ، وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا، لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضًا: (لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ)» (أعمال 17: 22-31). ثم حدثهم عن يوم الدينونة، وعن الخلاص الأبدى.

إذن، فنحن جميعًا صنعنا من دم واحد، على صورة الله ومثاله، فصرنا إخوة في البشرية، نعبدالإله الواحد، وها بولس الرسول يستخدم شعر الوثنيين وحكمتهم وأقوالهم المقبولة.

5- خلق الله الإنسان على صورته ومثاله:

لقد خلق الله جميع البشر على صورته ومثاله، كما قال: «نعمل الإنسان على صورتنا، كشبهنا» (تكوين 26:1)، «فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه، ذكرًأ وأنثى خلقهم، وباركهم الله وقال لهم: أثمروا، وأكثروا، واملأوا الأرض» (تكوين 1: 27،28).

وتتمثل الصورة التي خلقنا عليها الله فيما يلى:

1- خلق الإنسان عاقلًا، ومنحه الحكمة والفهم.

2- وخلق الإنسان ناطقًا، ومنحه قدرة التعبير.

3- وخلق الإنسان خالدًا، فروحه لا تموت بموت جسده، وجسده سيقوم في اليوم الأخير لخلود دائم.

4- وخلق الإنسان بارًا، على صورة الله أصل القداسة ومعطيها للبشر.

5- وخلق الإنسان حرًا، ومن حقه أن يختار ويقرر مصيره بنفسه.

إذا كان هذا هو الإله الواحد، وذاك هو الإنسان المخلوق بيده، على صورته ومثاله، فكيف لا تحدث مشاركة في الحياة اليومية، بناءً على هذه الأخوة الإنسانية، فنحن جميعًا في زورق واحد هو هذه الأرض، ونتعرض معًا لنفس المخاطر، ونستثمر معًا الزرع والضرع، فكيف لا نتآخى في الرب، ونحس بهذه الوحدة البشرية؟!.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Tuesday, April 25, 2023

الدودة المعجزة التي لا تموت - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 25/4/2023

هناك دودة اسمها الدودة المسطحة Planarian، بدأت أقرأ عنها كثيراً عندما نبّهنى إليها مقال عنها كتبه الصديق العزيز «د. المخزنجى» منذ عدة سنوات فى سلسلة مقالاته العلمية الشيقة، و«فيس بوك» ووسائل التواصل الاجتماعى حينما تقرأ كثيراً عن شىء معين، تجد أن الإنترنت يكرم عطاءه معك ويبعث إليك بكل ما يُكتب عن الموضوع وكأنه جالس فى عقلك!لكن بداية ما هى دودة البلاناريا، هى دودة تعيش غالباً فى المياه العذبة، وهى دودة خنثى لديها جهازان تناسليان (ذكر وأنثى)، لكن ليست تلك الميزة الوحيدة، فهناك كائنات خنثى كثيرة، لكن ميزتها العظمى والمدهشة هى قدرتها على التجدّد، من الممكن أن ترد قائلاً «هناك كائنات أخرى تقطع ذيلها فيطلع ذيل آخر.. مش مشكلة»، لا صديقى العزيز، أنت لو قطعت جزءاً من تلك الدودة، لن ينمو الجزء المقطوع فقط، لكن ستنمو دودة كاملة، يعنى لو قطعت رأسها، فهذه الرأس ستصنع دودة من الرأس حتى الذيل!

لذلك هذه الدودة هى نجم معامل البحث فى أهم جامعات العالم الآن، بسبب هذه الصفة الفريدة التى تعود إلى عدد ونشاط الخلايا الجذعية بداخلها، وسبب هذا الشغف العلمى أن بهذا التجدد وبمعرفة سره وميكانيزماته سنجعل من فقد ساقه مثلاً يُجدّد ساقه، وهكذا أى عضو فى الجسم، المدهش أكثر أن تلك الدودة الجديدة التى تم صناعتها من الجزء المقطوع، لا تكتسب فقط المادة الوراثية من الدودة القديمة، بل تكتسب ذاكرتها وخبراتها!فهى بالفطرة تخاف من الضوء، لكن العلماء اختاروا ديدان وجعلوها تقبل الضوء وتتعايش معه، لأنها لا بد أن تمر خلاله للحصول على الغذاء، وعندما قطعوا جزءاً منها ثم نما فى نحو أسبوع لدودة جديدة، صارت تلك الدودة الجديدة لا تخاف الضوء وتتعايش معه!

لو وصل العلماء إلى الجين المسئول عن إعادة نمو وإنبات الدودة الجديدة وأعضائها ستكون ثورة علمية غير مسبوقة، سيصبح زرع الأعضاء من الماضى، فبمجرد حقنة خلايا جذعية فيها هذا الجين السحرى المحفّز، سينمو العضو المفقود الذى كنا نريد زرعه!! سيصبح البتر فى خبر كان، وسيصبح الخلود أملاً يطارده العلماء للحصول عليه. 

Sunday, April 23, 2023

الشباب والتحديات الاقتصادية - الأنبا موسى - المصري اليوم - 23/4/2023

 تهانينا القلبية لإخوتنا فى الوطن بعيد الفطر المبارك، راجين للجميع تمام الصحة والسلامة.

لاشك أن هذا القرن الجديد شهد وسيشهد تحديات اقتصادية كثيرة وكبيرة، نذكر منها على سبيل المثال:

1- تزايد معدلات البطالة: حيث يتزايد عدد السكان فى العالم، وبخاصة فى الدول الفقيرة. وحتى فى الدول الغنية بدأت معدلات البطالة تزداد بسبب الميكنة، والتكنولوجيا الحديثة، والروبوت، إذ تستطيع الماكينة أن تستغنى عن عشرات ومئات العمال، بعد عمليات التحديث والحوسبة (Computerization). وبسبب التكنولوجيا الحديثة قيل إن هناك بعض المهن التى ستختفى قريبًا.

على سبيل المثال منها: بعض الأطباء، وموظفى البنوك، وبعض المدرسين، وعمال التجميع، العاملين بالمصانع والمزارع، والترجمة و.. إلخ. وأكثر من ذلك أصبح الروبوت لا يقتصر على المصانع وبعض الأعمال فقط، بل سيدخل ليحل مكان الطبيب، ومكان المذيع، وقيل إن الصين حاليًا تستعين باثنين من الروبوتات لقراءة نشرات الأخبار، وبهذا تستغنى عن المذيعين.. فالذكاء الاصطناعى فى بعض الوظائف سيكون بديلًا عن العمل الذى يقوم به البشر، وكل هذا بدوره سيؤدى إلى زيادة معدلات البطالة.

2- ضرب المنتجات المحلية: وذلك من خلال اتفاقية التجارة العالمية (الجات)، وكيف أجبرت كافة الدول على فتح حدودها للسلع الأجنبية، مما عرّض الناتج المحلى والصناعات القومية لخطر الركود، إذ تضافرت مجموعة من الشركات العالمية متعددة الجنسيات، والغاية فى الضخامة والثراء، على فرض منتجاتها بأسعار رخيصة، وإغراق الأسواق المحلية بمنتجاتها الجيدة، مما ضرب سوق البضاعة المحلية بالركود.

وتم إغلاق عدد من الشركات والمصانع المحلية. وبعد حين.. وبعد ضرب الصناعة المحلية.. تحتكر الشركات العالمية المنتجات وترفع أسعارها كما تشاء. وهذا بدوره يهدد الكثير من العمال والموظفين بالبطالة.

3- تنامى الاتجاه نحو الخصخصة: مما اضطر الدولة إلى التخلى عن أهم أدوارها الاجتماعية، إذ يتم بيع القطاع العام إلى شركات وطنية أو أجنبية، تطبق سياسات القطاع الخاص على العمال والموظفين، والاستغناء عن الكثيرين منهم.

ومع أن القطاع العام سياسة فيها الكثير من العيوب بسبب الفساد والإهمال، إلا أن دوره مهم فى تحجيم الأسعار وحصانة العمالة لمصلحة محدودى الدخل. وذلك يستدعى تدخل الدولة- أثناء مسيرة الخصخصة- فى رعاية العمال ومحدودى الدخل، بواسطة قوانين تحميهم، وضرائب تصاعدية ترعاهم.

4- سيطرة رجال الأعمال على السياسة: وهذا أمر مهم، إذ تساعدهم قدراتهم المادية على دخول الانتخابات والفوز فيها ليأخذوا بزمام التشريع والقرارات المهمة فى أيديهم، مما يحفظ لهم مصالحهم، ربما دون رعاية لمحدودى الدخل، وهذا ما نراه واضحًا فى الولايات المتحدة.

5- سيطرة المال على وسائل الإعلام: بحيث تصير الإعلانات هى المصدر الرئيسى لشاشات التلفزيون والإنترنت، وتتراجع قيم الدين والأخلاق والأسرة إلى الخلف، مفسحة المكان لأفلام منحلة، ومواد إعلامية مدمرة، تخاطب الغرائز، وتنشر الرذيلة. والكتاب المقدس يقول: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِى تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغرِقُ النَّاسَ فِى الْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ». (تِيمُوثَاوُسَ الْأُولَى 6:‏9).

6- شهوة الثراء السريع: إذ تتصاعد قيمة المال أمام الأجيال الصاعدة، وتتراجع قيمة الغنى الروحى والقناعة والالتزام بالمبادئ السليمة، الأمر الذى يُعرِّض الشباب لتبنى مبادئ منحرفة مادية، وأهداف أرضية محضة، دون اهتمام بحياة الروح أو خلود الملكوت. ويقول سليمان الحكيم: «غِنَى الْبُطْلِ يَقِلُّ، وَالْجَامِعُ بِيَدِهِ يَزْدَاد». (أمثال 11:13). «كُنُوزُ الشَّرِّ لا تَنْفَعُ». (أمثال ١٠:‏٢).

7- تفشى الفساد وغياب القدوة: حينما يتربع المال على عرش القلب، فتفسد ذمم بعض كبار المسؤولين، فيتربحون من وظائفهم، ويفرضون بالمال نفوذهم، وهذه أمور تضغط على نفسية الشباب الفقير، أو محدودى الدخل، وهم الغالبية، مما يُحدث حراكًا اجتماعيًّا خطيرًا، وينشر أفكار التطرف والتمرد والثورة لديهم. والكتاب المقدس يعلمنا: «لتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ لأنَّهُ قَالَ: لا أُهْمِلُكَ وَلا أَتْرُكُكَ». (عب 5:13).

8- تزايد صور الإسراف المستفز: وتعاطف بعض الصحف مع احتفالات ومناسبات الأثرياء، فى الزواج والفرص العائلية، بسبب ما يدفعه هؤلاء من أموال، الأمر الذى يستفز شبابًا لا يجدون فرصة عمل، ولا فرصة زواج!!. وكم نتمنى أن تراعى الصحف القومية والمعارضة والمستقلة هذا البُعد الاجتماعى الخطير، الذى يقود الشباب إلى الإحساس بالمرارة، والرغبة فى التمرد، ويقول الحكيم سليمان: «بَرَكَةُ الرَّبِّ هِى تُغْنِى». (أمثال ١٠:‏٢٢).

هذه بعض صور التحدى الاقتصادى الوافد، مع ثقافة السوق الحرة، التى لها- بلاشك- ثمارها الاقتصادية المهمة، ولكنها تحتاج إلى ضوابط اجتماعية ومادية حتى لا تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يهدد الأمن الاجتماعى والسياسى والقومى.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, April 16, 2023

القيامة فى حياتنا - الأنبا موسى - المصري اليوم - 16/4/2023

 كل سنة وجميعكم بخير بمناسبة الأعياد المباركة وما تحمله من أفراح، فنفرح بالقيامة وما تحمله من معان سامية ترفع من قيمة الإنسان، وما أعده الله له من فرح ومتع روحية فى العالم الآخر.

أولًا- القيامة رجوع إلى الأصل:

حينما ناجى داوود نفسه قبل الموت، قال لها: «ارجعى يا نفسى إلى موضع راحتك، لأن الرب قد أحسن اليك» (مزمور7:116)، ولم يقل لها اذهبى!!.

وحينما تحدث سليمان الحكيم عن الموت قال: «فيرجع التراب إلى الأرض كما كان، وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها» (جامعة 7:12).

لذلك فالإنسان المؤمن، يتطلع دائمًا، وفى شوق، إلى الملكوت المعدّ له منذ تأسيس العالم. ولهذا يقول الأب الكاهن فى كل قداس: «ارفعوا قلوبكم» فنرد قائلين: «هى عند الرب»!!، فالمؤمن يفكر فى السماويات، ويقول مع بولس الرسول: «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِىَ فِى السَّمَاوَاتِ» (فيلبى 20:3) لذلك يقول الكتاب عنه: الصديق واثق عند موته (أمثال 32:14)، واثق أنه سيقيمنا من الأموات بجسد نورانى.

- فلنحيا السموات بفكرنا...

- ونحيا السموات بقلوبنا...

- ونحيا السموات بتسابيحنا...

- إلى أن نحياها فعلًا هناك!!

ثانيًا- الإنسان مخلوق مختلف:

- حينما خلق الله الحيوانات خلقها من تراب، وأعطاها نفسًا حية، أى أن الحيوان = جسد + نفس.

- وحينما خلق الله آدم، خلقه أيضًا من تراب، إذ يقول سفر التكوين: «جَبَلَ (أى خلق) الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ» (تكوين 7:2). لكنه يقول: «َنَفَخَ فِى أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» (تكوين 7:2). هذه النفخة الإلهية لم تعط للحيوانات، فهى «روح عاقلة» من عند الله، جعلت آدم خالدًا كخلود الله، لأن فيه هذه النسمة أو النفخة الإلهية.

- وبهذا يتشابه الإنسان مع الحيوان فى: الجسد + النفس فقط، ويُضاف إليه مع نفخة القدير: العقل + الروح (الروح العاقلة).

لذلك يقول الكتاب المقدس: «خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ» (تكوين 27:1)، فما معنى هذا؟

1- معناه أن الله روح، والإنسان كائن روحانى، يفكر فى الأبدية والخلود، ويريد أن يتجاوز الموت.

2- ومعناه أن الله هو «اللوغوس» أى الحكمة اللانهائية، والإنسان أيضًا كائن عاقل، ويجب أن يحيا بالحكمة.

3- ومعناه أن الله حرّ، ليس لأحد سلطان عليه، والإنسان أيضًا خلقه الله حرًّا فى اختيار مصيره الأبدى، وحرًّا فى قرارات كثيرة، فالله يريد مخلوقات عاقلة حرَّة، تختار بإرادتها أن تحيا مع الله، أو أن ترفض الله!، وعلى الإنسان أن يختار، ويتحمل مسؤولية قراره، لهذا قال الله: «قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ.. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا» (تثنية 19:30).

(وإن كان الإنسان مسيَّرًا فى بعض الأمور الزمنية مثل: الجنس واللون والملامح وربما المستوى الاجتماعى، ومستوى الذكاء.. وهذه كلها يمكن تطويرها للأفضل باستمرار).

4- ومعناه أن الله هو المتسلط على الكون كله، والإنسان أيضًا أعطاه الله سلطانًا على الكائنات الأخرى حين قال: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ...» (تكوين28:1).

5- وكما أن الله «قدوس» قداسة لا نهائية، فقد أعطى الإنسان قبسًا من بره وقداسته، فكان آدم وحواء فى جنة عدن، فى قداسة وشركة مع الله، يتمتعان بصحبته المستمرة (وذلك قبل السقوط طبعًا).

6- أيضًا الله أبدى، وخالد... والإنسان أيضًا جعلته الروح العاقلة التى فيه كائنًا يحيا الأبدية، وخالدًا، أى له حياة أبدية، ولا تنتهى حياته بالموت الجسدى مثل الحيوان لأن: نفس الحيوان فى دمه (لاويين 14:17)، أما الإنسان فله حياة أبدية، هو يختارها فى حياته بقراره الحرّ، ليقضيها مع الله إلى الأبد فى ملكوت السموات، أو فى المكان الآخر بعيدًا عن الله، وفى عذاب أبدى!!.

ثانياً- أمجاد القيامة:

ونستطيع أن نحصى - على الأقل - أربعة أمجاد سنأخذها بالعيان فى الأبدية السعيدة، وهذه الأمجاد هى:

1- مجد القداسة:

فالكل قديسون، فى حضرة القدوس، وفى عالم القداسة الكاملة، لهذا رأى معلمنا يوحنا الحبيب- فى رؤياه- المفديين فى «ثياب بيض» (رؤ 9:7). علامة الطهر والنقاوة، فهيهات أن تطاول الخطيئة الأجساد النورانية، والأرواح المكملة، وسكان السماء‍!.

2- مجد السعادة:

إذ سيسمع كل مؤمن يصل إلى مشارف العالم الآخر، كلمات الرب: «نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا على القليل، فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك» (متى23:25).

3- مجد الشركة:

فنحن الآن فى محفل أبرار مكملين، إذ هناك نلتقى بالملائكة والقديسين، وعلى رأس الكل، أم النور، سيدة الطهر والنقاء، وكل من ساروا على دربها من القديسين والرسل الذين ازدروا بالأرض ليمتلكوا السماء.

4- مجد الخلود:

فالحياة هناك ليس لها نهاية.. إنها الخروج من الزمن، والدخول إلى الأبدية واللامحدود. هناك نتحد بالله فى خلود مقيم، تحقيقًا لوعده الصادق والأمين: «إنى أنا حى، فأنتم ستحيون» (يوحنا 19:14)، «من آمن بى، ولو مات، فسيحيا» (يوحنا 25:11).

■ ■ ■

وهكذا تمتد فرحتنا بعيد القيامة المجيد، من فرحة يوم بذاته.. إلى فرحة عمر شامل.. إلى فرحة أبدية سعيدة.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, April 9, 2023

زمان التوبة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 9/4/2023

 ونحن فى أيام الصوم- سواء الصوم الكبير أو صوم رمضان لدى إخوتنا المسلمين- فلنرجع إلى الله بالتوبة، وما دامت الخطيئة هى الابتعاد عن الله، فالتوبة - إذن- هى تصالح ورجوع إلى الله. ولكى يقبل الله صومنا وصلواتنا، لابد من:

أولًا: لا تؤجل التوبة:

«اللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِى كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِيًا عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ» (أعمال 30:17).

«إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ» (لوقا 5:13).

لذلك لا تؤجل توبتك إذن!!.

فباب التوبة المفتوح للجميع سيظل هكذا إلى لحظة من اثنتين:

- إما فى المجىء الثانى، والقيامة العامة! والدينونة..

- وإما أن أذهب أنا إليه، حين أترك هذا الجسد الفانى فى موعد لا أعرفه!

لهذا حينما سأل الشاب أباه الروحى: ما أفضل يوم للتوبة يا أبى؟ أجابه: اليوم الذى يسبق الوفاة يا ابنى! فمضى الشاب فرحًا، قائلًا لنفسه: تمتعى يا نفسى بكل ملذات الدنيا، المهم أن تتوبى فى اليوم السابق للوفاة!!.. وفجأة، تذكر الشاب أنه لا يعرف يوم وفاته، فعاد ليسأل أباه الروحى: «ولكنى لا أعرف يا أبى يوم وفاتى!!»، فأجابه أبوه الروحى: «إذن، فلنتب من الآن!!».

توبة القديس أغسطينوس..

عندما سمع آيات الكتاب المقدس القائلة: «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِى النَّهَارِ لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ لاَ بِالْمَضَاجِعِ وَالْعَهَرِ لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ.. وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ!!» (رو 11:13-14).

هذه هى الآية المقدسة التى كانت سببًا فى خلاص القديس أغسطينوس، حيث كان يحمل إنجيلًا، وإذا بطفلة تقول له: «افتح واقرأ».. ففتح وجاءته الآية السابقة، وكانت سببًا فى خلاصه، حيث ذهب إلى القديس أمبروسيوس وتاب واعترف، وصار قديسًا بتولًا وفيلسوفًا لاهوتيًا!!.

وفى هذه الآية نلاحظ موضوع «زمان التوبة»، وضرورة «سرعة» التوبة، وذلك فى الكلمات التالية:

- «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ»!!

- «خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا»!!

- «تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ»!!

- «لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِى النَّهَارِ»!!

وكلها كلمات تفيد معنى الوقت، والسرعة، والتوبة العاجلة!!

لذلك يقول الكتاب المقدس:

- «الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين 7:4).

- «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ (الخطيئة)» (أفسس 14:5).

ويقول معلمنا يوحنا الرسول: «مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِى الْقِيَامَةِ الأُولَى (أى التوبة). هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِى (الأبدى فى الجحيم وجهنم) سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ» (رؤيا 6:20).

وفى هذه الآية نلاحظ:

1- إن القيامة الأولى هى قيامة التوبة، وهى تغيير الذهن، وترك الموت الروحى والبعد عن الله.

2- إن من يتوبون لا يسقطون فى الموت الثانى (الأبدى) الذى للخطاة، رافضى التوبة حتى النهاية، وإلى النهاية.

- ما أحرانا أن نتوب سريعًا!! - وباستمرار!!

- حتى ننال النصيب المعد لنا!!

ثانيًا: التوبة طريق الحياة:

ينادى معلمنا بولس الرسـول الإنسان الغارق فى الخطية قائلًا: «اسْـتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِىءَ لَكَ الْرب» (أفسس 14:5).

ولا شك أن الإنسان الغارق فى خطاياه هو فى حكم الميت، ويحيا فى قبر من قبور الخطية. ولعلنا نذكر بنى إسرائيل حينما اشتهوا أكل اللحم، وأعطاهم الرب المن والسلوى بكميات وفيرة، ثم غضب عليهم وأمات الكثيرين منهم، ودفنوا فى مكان دُعى: «قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ» أى «قبور الشهوة».

وهل هناك قبور أكثر وأخطر من قبور الشهوة؟..

- شهوة الجسد موت!

- وشهوة العيون موت!

- وتعظم المعيشة موت!

- ومحبة العالم موت!

■ «وَأَمَّا الْمُتَنَعِّمَةُ (بالخطيئة) فَقَدْ مَاتَتْ وَهِىَ حَيَّةٌ!» (1تيموثاوس 6:5).

■ لأن «اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ» (رومية 6:8).

- وطوبى لمن نفض عنه أكفان الشهوة، وانتفض تاركًا قبور الخطيئة، وانطلق نحو ملكوت الحياة، وعاش حياة الملكوت!

- طوبى للإنسان الذى لم تخدعه شهوات هذا الدهر، ولم تحبسه قبور هذا الزمان!

■ «فَالْعَالَمُ يَمْضِى وَشَهْوَتُهُ» (1يوحنا 17:2).

■ «وَالشَّهْوَةُ تَبْطُلُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدى» (جامعة 5:12).

إذن.. «مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ» (متى 26:16).

- فهل بدأت يا أخى العزيز طريق التوبة؟

- هل نفضت عنك شهوات هذا الزمان الخانقة؟

■ وفى المثل الذى طرحه السيد المسيح والمعروف بمثل الزارع، علمنا أن الشهوات الجسدية والمادية هى كالشوك الذى يخنق فيك كلمة الله ومعرفته.

لذلك تعال إلى الرب.. وادخل إلى شعب الله، المحب له، والراجع إليه تائبًا..

نعم، إن توبتك يا أخى سوف تدخل بك إلى زمرة شعب الله، لتصير من «أَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أفسس 19:2)، فأى امتياز أعظم من هذا؟!

- أن يصير الله أبًا لك!

- وأن يصير القديسون والمؤمنون إخوة لك!

فهو القائل:

■ «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 25:11).

■ «إِنِّى أَنَا حَىٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 19:14).

نعم.. إن الرب هو سر حياتك!!

- حياتك الجسدية.. لأنك به تحيا وتتحرك وتوجد!!

- وحياتك الروحية.. لأنك به تدخل إلى العشرة الإلهية فتحيا روحك!!

- وحياتك الأدبية.. لأنك فيه تصير ابنًا لله!!

- وحياتك الأبدية.. لأنك فيه تصير وارثًا للملكوت!!

فلنحيا مع الرب وللرب، ولإلهنا كل المجد إلى الأبد.. آمين.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية