Translate

Saturday, October 28, 2023

نعم.. لكن بشرط!! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 8/10/2023

 أولاً: لا للانغلاق!! نعم للانفتاح!!

- المسيحية لم تناد أبدًا بالانغلاق!!

- وقد نادت دائمًا بالانفتاح!!

- لكن هناك ضوابط!!

لا.. للانغلاق!!

- فنحن ندعو السيد المسيح.. «مسيح العالم كله»!!، وهو الذى قال فى خطابه الوداعى عن تلاميذه: «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ» (يوحنا 16:17،15).

... نعم للانفتاح!!

فالمسيحى الحقيقى يسعى بين الناس بالحب، وينشر الخير، ويصنع السلام، إذ...

- قال السيد المسيح:

1- «طُوبَى لِصَانِعِى السَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متى 9:5).

2- وقال عن تلاميذه: «أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ» (يوحنا 18:17).. بمعنى، أنهم لن يتخلوا عن تقديم صورة

جيدة عن الله، لكل من يتعامل معهم: «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ» (متى 16:5).

3- حتى مع من يريدون معاداتنا، طلب منا السيد المسيح قائلًا: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متى44:5). ذلك لأن محبة العدو هى أقصر طريق لجعله صديقًا!!

- وقال القديس الرسول بولس:

1- «لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ» (رومية 17:12).

2- «إن كان ممكنًا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس» (رومية 18:12).

3- ثم وضع لنا المبدأ الذهبى: «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 21:12).

هل من ضوابط؟!

- ننفتح على الجميع بشرط الحفاظ على: إيمانى- عقيدتى- وأحافظ على روحياتى وأخلاقياتى. فأرفض كل دعوة للانحراف أو الخطيئة!! هذا هو المثلث الذهبى، الذى تتحرك داخله:

وهكذا:

1- أتفاعل بالمحبة مع كل من حولى.

2- وأشارك فى بناء وطنى فى اتحادات الطلاب والأحزاب والنقابات، والانتخابات.

3- وأقدم الروح الإيجابية والخدمة المثمرة لجميع الناس، قدر طاقتى.

وهكذا أكون بالحقيقة، «نورًا للعالم» و«ملحًا للأرض» بنعمة الله، والذى ينادينا: انشروا الحب، والخير، والثمار، وامتنعوا عن الرذيلة، والانحراف، والهدم، ففى النهاية «الله محبة».

ثانيًا: لا للتشدد!! ونعم للمرونة:

دائمًا يقولون لنا: «لا تكن يابسًا فتنكسر، ولا تكن لينًا فتُعصر!!». فحين يكون الإنسان «يابسًا»، متصلبًا متحجرًا، ويواجه ضعفات الحياة، سينكسر حتمًا!!. وحين يكون «لينًا»، متساهلًا، متهاونًا، يعصره الناس، وتطحنه الأحداث!!.

ويتحدث علماء النفس عن نوعين من المرونة:

1- المرونة الضعيفة: (Weak Flexibility)

ومعناها «معاهم معاهم» «عليهم عليهم» أو التلون مثل «الحرباء»!! فهى تأخذ اللون الأخصر حينما تسير فى أرض مزروعة، واللون الأصفر حينما تسير فى أرض صحراوية، وذلك كنوع من الاختفاء حتى لا يؤذيها أحد!! يجوز ذلك فى «الحرباء» الضعيفة، التى أعطاها الله هذه القدرة، حماية لها.. ولكن لا يجوز ذلك على الإنسان المخلوق الذى أعطاه الله عقلًا قادرًا على التفكير والتحليل والاستنتاج، بالإضافة إلى الجسد الذى يتحرك والنفس التى تحتوى على المشاعر والغرائز والعواطف.

المرونة الضعيفة تناسب «السمكة الميتة» أو حتى «الحوت الضخم الميت»، الذى يسير مسرعًا مع التيار باستمرار، إلى أن يطرحه التيار على الشاطئ، وينتهى تمامًا.

أما المرونة القوية فهى كالسمكة الحية التى تسبح مع التيار حين تريد، وضد التيار حين تشاء!

2- المرونة القوية (Strong Flexibility)

والمقصود بها أن يكون الإنسان قويًّا، وحيًّا، قادرًا على التفكير والفرز والاختيار. وهكذا يختار أن يسير «مع» أو «ضد»!!. «مع» حينما يكون الأمر بنّاء و«ضد» حين يكون هدامًا.

والأمر هنا قد يكون:

1- القرار: الذى تختار به شيئًا من عدة أشياء، قرار العمل أو الكلية أو غير ذلك.

2- الأشخاص: حين نختار شريك الحياة، أو زميلًا للصداقة، ونرفض آخر.. دون أن نقاطعه أو نخسره، ولكن نبقيه فى حدود الزميل وليس الصديق.

3- البرنامج: على الإنترنت أو التليفزيون أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.. هذا يبنى ويفيد، وذاك يضر ويؤذى!!

4- خطوط الحياة: أى التوجهات التى نراها نافعة، وتلك التى نراها هدامة!

هناك شاب يقضى وقته على «الفيسبوك»، أو أى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعى، أو برامج الأفلام الإباحية، أو مواقع لقاءات معثرة ومتعبة.. نعم هو حر فى ذلك، ولكنه سيقع فريسة إدمان رهيب وخطير، يدمر روحياته، ونفسيته، واجتماعياته، وحتى صحته الجسدية.

... لذلك فالإنسان المرن مرونة قوية:

أولًا: يملك روحًا شبعانة بنعمة الله:

«النَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ» (أم 7:27).. فلأنه شبعان بعمل روح الله داخله، من خلال الكتب المقدسة، والصلاة المرفوعة، والنشاط البنّاء، والثقافة السليمة، يكون قادرًا على ملء الفراغ الإنسانى الداخلى غير المحدود، الذى لا تشبعه مادة، ولا خطيئة، ولا العالم كله، ولا يشبعه إلا الله غير المحدود!

ثانيًا: ويملك ذهنًا مستنيرًا:

... وهذا ما يسمه المفكرون «العقل النقدى» (Critical Mind)، أى الذهن القادر على أن يفرز الغث من السمين! حينما..

1- يقرأ كتابًا. 2- أو يشاهد برنامجًا. 3- أو يستمع إلى صديق. 4- أو تعرض عليه فكرة.

فحين يميز شيئًا ويرى أنه هدام «يستطيع» أن يرفضه ولا يسقط فيه، وحين يرى أمرًا آخر أنه «بنّاء» يستطيع أن يمارسه ويلتزم به: مثل حياة الطهارة أو ضبط النفس والحواس، أو ممارسة وسائط النعمة المختلفة.

فى النهاية: بالإنسان طاقة هائلة، إما أن تبنيه أو تدمره، حسب قراره هو، لأن الله أعطانا حرية الإرادة. وعلينا أن نختار ما يبنينا، لا ما يهدمنا.. وذلك بنعمة الهنا المحب، وبصدق إرادتنا الإنسانية... ولربنا كل المجد، إلى الأبد آمين.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


صيحة شباب: لماذا لا يفهموننى؟!.. ماذا أفعل؟! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 21/10/2023

 هذه صيحة الكثير من الشباب والشابات، وهم معذورون، ولكن الأهل أيضًا معذورون.. ولابد من التفاهم حول:

أولًا: ماذا حدث بين الأجيال؟

لا شك أن ما يسمى «فجوة الأجيال» (Generation Gap) هو أمر واقعى حقيقى.. فهناك فجوة بين الأجيال فعلًا:

1- فجوة عمر.. فالوالدان كبيران، والشباب صغير السن، وبين الجيلين الآن فجوة عمرية كبيرة، وخاصة بعد أن تأخر سن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية، فالشاب يأخذ وقتًا كبيرًا للاستعداد لهذه الحياة المقدسة.

2- فجوة عصر.. فالستينيات غير 2023، حيث «ثورة التكنولوجيا» و«التواصل المستمر بين الناس»، معلوماتيًّا، ومن خلال المواقع الإلكترونية المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعى المتعددة.

3- فجوة تربية.. فالأجيال القديمة تربت على الطاعة، والاهتمام برأى الكبار، ونصائحهم، وتوجيهاتهم.. بينما تتربى الأجيال المعاصرة، من خلال العالم الافتراضى «World Vertual» على الإنترنت، حيث «الفيس بوك» و«وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة» وغيرها. وهكذا يتفاعل الشباب معًا، فتتشكل ثقافتهم ورؤيتهم للحياة من خلال ما يشاهدونه على الفضائيات والإنترنت والمواقع المختلفة.

4- فجوة تكوين.. فقد تكونت الأجيال القديمة على أساس احترام الكبير، سلطة الكبير على الصغير.. أما الأجيال المعاصرة فهى تحيا «عصر الحريات والديمقراطية والقرار الذاتى»، حتى من الطفل الصغير، حيث يعلمونه (be yourself).

5- فجوة جسمية وذهنية.. ينمو الشباب فى سنة واحدة جسميًّا، فقد تصل قامته إلى قامة والديه، وربما أكثر، فيتصور أن هذا النمو يجعله شبيهًا لهما فى كل شىء!، لكن النمو الجسمى الفجائى السريع لا يصاحبه نمو ذهنى فجائى أو سريع، بل نمو ذهنى تدريجى، ومعه نمو نفسى ونمو روحى، وكلاهما يكون بالتدريج،

فهناك إذن فجوة بين النمو الذهنى والنفسى والروحى من جهة، وبين النمو الجسمى من جهة أخرى.

ثانيًا: ما هو «الصح»؟!

1- أن هناك نموًّا جسديًّا سريعًا للشباب ما بين الطفولة والمراهقة.. لكن النمو العقلى والمعرفى يسير ببطء من سنة إلى أخرى.

2- أن الشباب هم قوة حيوية دافقة، والكبار هم «الدريكسيون Direction» المطلوب لضبط المسار، فيستحيل أن تكتفى السيارة «بالموتور» ولا تهتم «بالدريكسيون»..

وكلمة «Direction»، أى إدارة أو قيادة أو اتجاه، فما قيمة «الموتور» بدون «دريكسيون»، وما قيمة «الدريكسيون» بدون «موتور»..؟!. الاثنان يكمل أحدهما الآخر: حيوية الشباب وحكمة الكبار!!.

3- ولا شك أن الأجيال تختلف، وما قابله الآباء فى شبابهم يختلف جذريًّا عما يقابله الأبناء.. ولكن، إن كان الشباب هو التجديد، فالكبار هم الخبرة.. ولا ينبغى أن تقف الخبرة عائقًا أمام التجديد، ولا ينبغى أن يهمل التجديد دور الخبرة.

4- أن مدرسة الحياة تعطى خبرات يومًا بعد يوم، والإنسان فى السن الكبيرة يكون مخزنًا لخبرات كثيرة يحتاج إليها الشباب فعلًا.

5- أنه لابد من «حوار الأجيال» و«تواصل الأجيال» و« تكامل الأجيال»، وليس «صراع الأجيال»!!.

ثالثًا: فما المطلوب.. إذن؟

1- المطلوب أن يتفهم الكبار ظروف الشباب المعاصرة، واحتياجاتهم، وطبيعة عمرهم وعصرهم والأوساط المحيطة بهم من أصدقاء وإعلام وإنترنت، وأن يترفقوا بهم، فلا يُحبطوا تطلعاتهم، وأن يحسنوا توجيه طاقاتهم.

2- وأن يتفهم الشباب حاجتهم للكبار، فالشباب يجب أن يقدروا هذه الفجوة حق قدرها، فيشعروا بالحاجة إلى فكر وخبرة الوالدين بسبب الخبرات المتراكمة لديهما، والتى اكتسباها من معارك الحياة اليومية فى الأسرة والمجتمع والعالم.

.. إذن، فحينما تختلف أيها الشاب الحبيب أو الشابة المباركة مع الأب أو الأم، فلا يكون هذا الاختلاف فى الرأى خلافًا، بل فرصة تفاعل وحوار.. حتى نصل جميعًا إلى الاقتناع بالرأى الصحيح.. الذى يريح ويبنى الجميع، وكما يقول الحكيم سليمان النبى: «بالحكمة يُبنى البيت وبالفهم يثبت» (أمثال3:24).

رابعًا: المنظومة المقترحة:

1- المحبة.. وهى حقيقة أكيدة بين الآباء وأبنائهم.

2- الحوار.. فى هدوء وروح تفاهم صادق من الجيلين.

3- الحزم.. حينما يتحول الحوار إلى «مقاوحة غير منطقية» من الأبناء نحو آبائهم.

4- الشرح.. لو اختلف الأب مع ابنه، يشرح مع الأم سبب الاختلاف ليأتى إلى تفاهم مع أبيه، واحترام لسنه وخبراته، وأبوته، وكما يقول سليمان الحكيم: «حكمة المرأة تبنى بيتها» (أمثال1:14).

5- الشفافية.. بوصولنا إلى وضع فيه يصارح الابن أباه والبنت أمها بأى أخطاء أو تساؤلات من أجل الوصول إلى طريق السلامة.

من هنا كان لابد من التكامل بين الجيلين، «وبالمحبة والحكمة يُبنى البيت»، والمجد لله دائمًا.

* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الوطن.. لؤلؤة ثمينة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 28/10/2023

 الوطن هو الأرض أو المكان الذى ينشأ عليه الأشخاص: فى ترابط وتناسق وانسجام ومصالح واهتمامات مشتركة.

وهو بمثابة الأم التى تعطى من دمها لأبنائها بلا حدود، وهو الملجأ الأمين لأبنائه، ولا يشعر بقيمته إلا مَن حُرم منه، وتغرب بعيدًا عنه، فالوطن يُعتبر لأبنائه: الأمن والأمان والدفء والحنان، ومهما تغرب الإنسان عنه لسنوات، إلا أنه يشعر فى أعماقه بالحنين والانتماء، وتكون فرحته وأمله فى الرجوع إليه.

ومن أشهر كلمات قداسة البابا شنودة «مصر وطن يعيش فينا»، ومن هذا المنطلق نقول:

1- لا للتهجير ولا للعنف ولا لقتل العُزل:

أى وطن غالٍ جدًّا فى عيون أبنائه، كارتباط الابن بأمه، فهو ارتباط وثيق، يشعر الإنسان بالفخر لانتمائه لهذا الوطن، وبدون الوطن يشعر الإنسان بأنه لا قيمة له. ونحن فى كل جيل نتفاجأ بمَن لهم مطامع فى مصر العظيمة، التى حباها الله بموقع جغرافى ممتاز، بين قارات العالم. ولكننا أمام كل هذا بالمرصاد، فوطننا العزيز غالٍ علينا، ويستحيل التفريط فى أى شبر من أرضه.

من كلمات المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ومبادئه تجاه القضية الفلسطينية: «لا للاحتلال، لا للتهويد، لا للتدويل». وكان يقول قداسته: «تدويل القدس معناه التنازل عن عروبتها، ونحن نؤمن بعروبة القدس». وقد شهدت أيامه الكاتدرائية المرقسية بالعباسية المؤتمر الوطنى الشعبى من أجل تأييد الشعب الفلسطينى، وكان ذلك مساء يوم الخميس 11 إبريل 2002م بحضور قداسته، وبدافع وطنى قوى وبإدراك عميق للمسؤولية الوطنية، لم يصرح قداسة البابا للأقباط بزيارة الأماكن المقدسة فى القدس وفلسطين، وعبّر عن ذلك: «لن ندخل القدس إلا وأيدينا فى أيدى إخوتنا المسلمين» مجلة أكتوبر 4 يناير 1987، لذلك لقبه الإخوة المسلمون بلقب «بابا العرب».

2- الاعتزاز والمشاركة الدائمة فى المناسبات الوطنية:

قداسة البابا شنودة كان لا تفوته أى مناسبة وطنية، بإدراك عميق للمسؤولية الوطنية، فلا ينسى مشاركته فى الاحتفال برفع العَلَم المصرى على طابا يوم 19 مارس 1979م، ورفع العَلَم المصرى على العريش يوم 26 مايو 1979، وقام قداسته بتقبيل عَلَم مصر مع كبار رجال الدولة، فى مشهد يفيض بالوطنية. وفى إطار المناسبات الوطنية أيضًا، فإن قداسته لا يتأخر أبدًا عن المشاركة فى جلسات مجلسى الشعب والشورى، وفى كل مرة يكون فيها لقاء لرئيس الجمهورية مع ممثلى الشعب، وكذلك كان يحرص على الحضور فى المناسبات الوطنية والقومية الأخرى، ومنها: الاحتفالات بانتصارات أكتوبر، عيد تحرير سيناء، عيد العمال، يوم الطبيب، وكثيرًا ما يُدعى إلى ندوة ثقافية فى معرض الكتاب، وسائر المناسبات الوطنية.. إلخ.

3- مصرنا خط أحمر:

كما قالها الرئيس السيسى، لا تدخل لأى بلد فى الشؤون الداخلية لبلادنا. وهنا نجد كثيرًا من بطاركة الكنيسة القبطية كانوا ومازالوا يتمتعون بحس وطنى عالٍ دون رياء أو نفاق أو تملق، ومنهم البطريرك ١٠٩، المُلقب بالبابا «بطرس الجاولى» (١٨٠٩- ١٨٥٢م)، الذى اتصف بالتقوى والورع والتقشف والزهد، قليل الكلام مع هيبة ووقار، يقضى يومه منكبًّا على المطالعة، أو مواظبًا على الصلاة من أجل سلام الكنيسة ومصر والعالم.

كان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة، ولا يخرج من دار البطريركية إلا إذا دعته الحاجة.

أضاف هذا البابا إلى صفاته هذه صفة الحلم فى الرئاسة، والحكمة فى التصرف، والقدوة فى الكلام، فأصبح موضع احترام لدى الكل، كما شغل الأقباط فى عهده العديد من المناصب الإدارية الرفيعة، وإقامة شعائرهم الدينية وباشروا عبادتهم فى حرية.

لما كان «محمد على» موفقًا فى الفتوحات، شرقًا وغربًا، خشيت الدول الأجنبية من هذا، ومنها روسيا، التى قدّرت سوء الموقف لو استمر فى فتوحاته، ففكرت أن تستعين بالأقباط فى الوصول إلى أهدافها ضد محمد على، فأرسلت أميرًا روسيًّا يعرض على البطريرك قبول حماية قيصر الروس للأقباط، فذهب هذا المندوب الروسى إلى الدار البطريركية.

ظنًّا منه أنه سيرى رئيس أكبر طائفة مسيحية فى إفريقيا بحالة تدل على عظمته، ولما وصل رأى إنسانًا بسيطًا يحمل الكتاب المقدس بين يديه، يقرأ فيه وهو يرتدى جلبابًا خشنًا جالسًا على دكة خشبية، ولم يُبالِ به، فسأله فى شك: «هل أنت البطريرك؟!»، فلما عرف منه طلب إليه أن يجلس بجواره، فأخذ المندوب يتفرس فيه، وهو لا يصدق أنه يجالس البطريرك، وبدأ المندوب يسأله: لماذا تعيش بهذه البساطة، ولا تهتم بمركزك فى العالم المسيحى؟!.

فأجابه البابا: أنا عبد السيد المسيح الذى عاش مع الفقراء ولأجلهم، ولم يكن له أين يسند رأسه.. وبعد تعجُب من المندوب، بدأ يعرض على البابا فى بساطة طلب الحماية الذى جاء لأجله، فسأله البابا الحكيم: «وهل ملككم يحيا إلى الأبد؟»، قال له المندوب: «لا يا سيدى البابا، بل هو إنسان يموت كما يموت سائر البشر»، فأجابه البابا: «إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، وأما نحن فتحت رعاية ملك لا يموت، وهو الله»، وهنا لم يطلب البابا الحكيم أى حماية تأتى الأقباط سواء من محمد على أو من أى شخص بشرى آخر.

حينئذ لم يسع المندوب الروسى إلا أن ترك البابا وهو يشعر بعظمة هذا الرجل البسيط، وقال: «لم تدهشنى عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات، ولم يهزنى كل ما فى هذا القطر من العجائب، بقدر ما هزنى ما رأيته فى هذا البطريرك القبطى». ولما وصل نبأ هذه المقابلة إلى مسامع محمد على سُرَّ جدًّا، وذهب إليه ليهنئه على موقفه وما أبداه من الوطنية الحقة، فقال له البابا الوقور: «لا تشكر مَن قام بواجب عليه نحو بلاده»، فقال له محمد على: «لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك».

حفظ الله مصر من كل سوء، ولربنا المجد إلى الأبد آمين.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, October 1, 2023

هل كان للأقباط دور فى حرب 6 أكتوبر؟ - الأنبا موسى - المصري اليوم - 1/10/2023

 أولًا: مفهوم المواطنة:

المواطن هو الإنسان الذى يستقر فى بقعة أرض معينة وينتسب إليها، أى مكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية، أى علاقة بين الأفراد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق فى تلك الدولة.

ولكن هل يولد الإنسان مواطنًا؟ ومتى يصبح الفرد مواطنًا حقيقيًّا؟ العنصر الأساسى فى مفهوم المواطنة هو الانتماء الذى لا يمكن أن يتحقق دون تربية المواطنة. فهى ضرورية لتحقيق المواطنة، والمواطنة هى القلب النابض لمفهوم الديمقراطية، والمواطن له حقوق وواجبات فى الدولة التى ينتمى إليها، وهذه الحقوق والحريات يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين فى الدولة، دونما تمييز من أى نوع، ولاسيما التمييز بسبب: العنصر أو اللون أو اللغة أو أى وضع آخر.

ثانيًا: بعض رموز من الأقباط ودورهم فى حرب أكتوبر:

1- اللواء باقى زكى يوسف:

هو من أشهر اللواءات فى حرب أكتوبر، وهو صاحب فكرة فتح الثغرات فى الساتر الترابى المعروف بخط بارليف، باستخدام ضغط المياه.

اشتغل فى السد العالى من سنة 1964 حتى 1967، وهناك كانوا يستعملون المياه المضغوطة فى تجريف جبال الرمال، وسحبها، وشفطها فى أنابيب مخصوصة، عن طريق ترومبات، لاستغلال مخلوط المياه والرمل فى عمليات بناء جسم السد العالى.

Nigeria the most popular African football team from 90s
00:00
01:10 / 01:20
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player

انطبقت الفكرة فى خط بارليف الذى بنته إسرائيل على الشط الشرقى لقناة السويس لمنع القوات المصرية من العبور، وتفتحت الثغرات باستعمال مياه القناة واجتازت قوات المشاة والمدرعات المصرية، واستولت على الحصون الإسرائيلية، وهذه كانت بداية الانتصار الذى حققه الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، فلولا هذه الفكرة لما تم الانتصار.

2- اللواء أركان حرب شفيق مترى سدراك:

هو من أهم اللواءات الذين استشهدوا فى حرب أكتوبر وهو نموذج رائع للقائد الملتحم بجنوده قبل ضباطه. وخلال حرب الاستنزاف قبيل العبور العظيم عبر برجاله إلى سيناء من بورسعد والدفرسوار وجنوب البلاح والفردان، حيث قاتل العدو فى معارك الكمائن. ويوم السادس من أكتوبر1973م قاد اللواء أحد ألوية المشاة التابعة للفرقة 16 مشاة بالقطاع الأوسط فى سيناء، وحقق أمجد المعارك الهجومية، ثم معارك تحصين موجات الهجوم الإسرائيلى المضاد، قبل أن يستشهد فى اليوم الرابع للحرب الذى يوافق يوم 9 أكتوبر 1973م وهو يتقدم بقواته لمسافة كيلومتر فى عمق سيناء، عندما أصيبت سيارته بدانة مدفع إسرائيلى قبل وصوله إلى منطقة الممرات فى عمق الممرات، ليلقى أجله ويسهم فى رد الاعتبار لمصر.

حصل اللواء شفيق مترى سدراك على جميع الأوسمة والنياشين التقليدية والدورية والاستثنائية، ولكن أعظم هذه الأوسمة والنياشين هو «وسام نجمة سيناء» من الطبقة الأولى، والذى منحه الرئيس أنور السادات لأسرته، تقديرًا لما أظهره الفقيد من أعمال ممتازة تدل على التضحية والشجاعة فى ميدان القتال، أثناء حرب السادس من أكتوبر 1973م وهو أعلى وسام عسكرى مصرى، وتم إطلاق اسمه على الدفعة 75 حربية، وهى من أفضل خريجى الكلية الحربية.

كذلك من الأسماء القبطبة البارز دورها فى حرب أكتوبر: اللواء فؤاد عزيز غالى- العميد نعيم‏ ‏فؤاد‏ ‏وهبة- اللواء ثابت‏ ‏إقلاديوس- عميد‏ ‏مهندس ‏ميخائيل‏ ‏سند‏ ‏ميخائيل- اللواء‏ ‏أركان‏ ‏حرب سمير‏ ‏توفيق‏ ‏عبد ‏الله- اللواء ‏صليب ‏منير‏ ‏بشارة... إلخ.

ثالثًا: ماذا يتوجب علينا تجاه مصر؟

1- التمسك بمصريتى وبهويتى المصرية:

- أنا مصرى.. سليل الفراعنة!. - أنا قبطى.. ابن القديسين والشهداء!

- سليل بناة الأهرام، مخترعى الورق «Papyrus»، والطب «Medicine»، والكيمياء «Rem nkemi» (ابن الأرض السمراء)، عرفنا التوحيد قبل الكثيرين (أيام أخناتون)، أصحاب كتاب الموتى، والحكمة الخالدة، والفلاح الفصيح، بل إن عيد الميلاد «الكريسماس» (mac =الميلاد Christ –= المسيح) هى كلمة قبطية أخذها عنا العالم كله.

2- التمسك بحقى فى المواطنة الكاملة:

- المواطن المسيحى لا يحيا فى عزلة أو فراغ، بل داخل مجتمع ينبغى أن يتفاعل معه، ويقدم له المحبة والمشاعر الطيبة، ويصنع الخير مع كل إنسان. ولأنه عضو فعال فى المجتمع، فإنه يتمسك بكل حقوق المواطنة، ويقوم بكل التزامات وواجبات المواطنة.

إجمالًا..

يجب أن يكون المسيحى مواطنًا صالحًا، يتمسك بالانتماء للوطن، فالانتماء الوطنى يجمع ويوحّد الكل فى محبة مصرنا العزيزة والغالية، التى تحتاج إلى مواطنين صالحين، يرفعون شعار المواطنة، التى فيها يتساوى الجميع فى الحقوق والواجبات.

إن الجيل الرقمى لديه وسائل كثيرة للتفاعل الاجتماعى من خلالها يستطيع أن يستثمرها حسنًا لبناء الجماعة الوطنية فى محبة ووحدة وتآلف.

- المواطنة هى السقف الأهم لهيكل البناء الذى يجمعنا كأعضاء، ولكل عضو خصوصيته.

- أرادوا صلبك يا وطنى لكنهم لم يعلموا أن بعد الصلب قيامة.

لذلك فالمواطن المسيحى لا يشترك فى نشاطات هدامة، ولا يكف عن العمل البنّاء لصالح الوطن كله، ومع أنه ملتزم بحياته المسيحية الروحية، إلا أنه ملتزم أيضًا بالوطن، وبأخوته فى الوطن، ينشر الحب والنموذج الطيب، ويتفاعل باستقامة مع الجميع، ويطيع قوانين الدولة حسب وصية الإنجيل... نرجو من الرب أن يحفظ بلادنا والعالم كله من الأخطار.. له كل المجد إلى الأبد آمين.