Translate

Monday, July 30, 2018

ثوار ٢٣ يوليو وتأثير الإخوان: الدروس المستفادة بقلم د. محمد أبوالغار ٣١/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


لقد قرأت معظم ما كتب عن ٢٣ يوليو وربما يكون أهم كتاب هو مصر مجتمع عسكرى (Egypt Military Society) للدكتور أنور عبدالملك الصادر بالفرنسية عام ١٩٦٢ وترجم للإنجليزية عام ١٩٦٨ وقد قرأته فى المكتبة العامة فى كوبنهاجن عام ١٩٧١ أثناء بعثتى الدراسية وآخر كتيب قرأته لمحمد سعداوى (٢٠١٨) عن مقتطفات من مذكرات الضباط الأحرار.
اللقطة الأولى: ما هو الدور الذى لعبته جماعة الإخوان وفكرها فى عقول الضباط الأحرار وما سبب ارتباطهم بها؟ وهم يعلمون أنها جماعة فاشية التفكير والمنهج، وهم ضباط وطنيون بينهم عضوان فقط من الإخوان.
هل أثر فكر الجماعة الفاشى واعتمادها العنف على تصرفات الضباط وفلسفتهم فى الحكم بعد نجاح حركتهم؟
اللقطة الثانية: لماذا أقسم جميعهم على المصحف فى حجرة مظلمة أمام قيادة إخوانية من عبدالناصر إلى خالد محيى الدين وهم أصحاب فكر علمانى.
اللقطة الثالثة: يقال إنهم كانوا يريدون التحالف مع جماعة حديدية التنظيم منتشرة فى مصر ولها قدرة على العنف والتدمير تساندهم.
ولكن الواقع أن الإخوان لم تكن لهم شعبية بل كان عموم الشعب يكرههم ولم ينجح عضو واحد منهم، بمن فى ذلك حسن البنا فى دخول البرلمان، وربما أعجب الضباط بمبدأ السمع والطاعة ومنع الحوار عندهم، وهم بالتأكيد كانوا يعرفون علاقة حسن البنا بالسراى والملك وكذلك العلاقات الملتبسة مع الإنجليز.
اللقطة الرابعة: لم يفكروا فى التفاهم مع الوفد وهو الحزب الديمقراطى المدنى العلمانى، ربما لأن الفكر والمنهج لا يناسب أيديولوجيتهم وطريقتهم فى التفكير (باستثناء خالد محيى الدين ويوسف صديق).
اللقطة الخامسة: قبل الثورة أخبر عبدالناصر الإخوان وحدتو بميعاد الثورة وبعدها قاموا بحل الأحزاب السياسية وتركوا الإخوان وتفاوضوا معهم على إشراك وزراء منهم ولولا طمع الإخوان لتم ذلك، وهو ما يعنى أنهم كانوا مستعدين للتعامل ومشاركة جماعة فاشية معروف انتهازيتها بدلاً من التفاوض مع حزب مدنى له شعبية كبيرة.
اللقطة السادسة: أكد جميع ضباط الثورة احترامهم وحبهم للفريق عزيز المصرى ومعروف أنه وطنى يكره الإنجليز ولكن كان عنده ولع بالألمان الذين درس على أيديهم فى الكلية الحربية فى إسطنبول.
وساعده بعضهم فى محاولة الهروب للجيش الألمانى فى الصحراء الغربية أثناء الحرب العالمية، ما الغرض من الالتحاق بجيش هتلر النازى الذى دمر العالم؟ وهل كان عند بعضهم ولع بمثل هذه النظم شديدة الديكتاتورية؟
اللقطة السابعة: أحداث ١٩٥٤ تشير بوضوح إلى انتصار أغلبية الضباط بقيادة عبدالناصر بالقوة والمكيافيلية على أنصار الديمقراطية (خالد محيى الدين ويوسف صديق) ثم انقضوا على الجماعة الفاشية التى تحالفت معهم.
اللقطة الثامنة: بدأ فى مصر التعاطف مع الإخوان بعد ارتفاع المد الإسلامى فى السبعينيات والثمانينيات وارتفعت شعبيتهم، بالرغم من حظرهم بينما لم تكن لهم شعبية فى الأربعينيات حين كان مسموحاً لهم بالعمل العلنى.
ونحن نعرف أن النظم الفاشية تكتسب شعبية وتحقق بعض الإنجاز لبعض الوقت مثل الحزب النازى والفاشى فى ألمانيا وإيطاليا ولكن دائماً النهاية كارثية.
اللقطة التاسعة: اشترك عدد من ضباط ٢٣ يوليو فى عمليات اغتيال بعضها فشل (حسين سرى عامر- مصطفى النحاس) وبعضها نجح (أمين عثمان) وكان المشاركون فيها منهم عبدالناصر والسادات وخالد محيى الدين وغيرهم.
ويقول عبدالناصر فى فلسفة الثورة أن «الاغتيالات السياسية توهجت فى خيالى المشتعل على أنها العمل الإيجابى الذى لا مفر منه». ويقول السادات فى عام ١٩٤٦ «قمنا بتكوين جمعية سرية للاغتيالات».
اللقطة العاشرة: يوحى كل ما سبق أن الضباط الأحرار كانوا يؤمنون بالديكتاتورية والعنف كطريقة لحل مشاكل مصر.
إعدام خميس والبقرى بعد الثورة بأسابيع هو مثال واضح عن ذلك. ولكنهم كانوا يتحدثون عن الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه وتصويت عبدالناصر مع الديمقراطية طوال الوقت، ويستشهدون بما كتبه ناصر بأن الطريق هو الحرية السياسية والاقتصادية ودورنا هو الحارس فقط ولمدة موقوتة بأجل.
اللقطة الحادية عشرة: حاولوا جميعاً إقامة أحزاب سياسية حتى يظهروا بصورة شبه ديمقراطية أمام العالم بدءًا من هيئة التحرير والاتحاد القومى الاتحاد الاشتراكى بجناحيه منظمة الشباب والتنظيم الطليعى أيام ناصر.
ثم حزب مصر والحزب الوطنى أيام السادات ومبارك وكلها لم تشارك فى الحكم، لأنه ببساطة لم يكن ديمقراطياً. وكلها اختفت فى لحظة بعد ذهاب من أنشأها.
الضباط الأحرار وعلى رأسهم عبدالناصر كانوا جميعاً وطنيين يحبون مصر ويريدون لها ولشعبها كل خير ولكنهم لم يؤمنوا بأى حيز حقيقى من الديمقراطية والنتيجة هى الفرق بين مصر التى عاشت أهوال الديكتاتورية والهند التى عاشت صعوبات الديمقراطية والفرق واضح للجميع.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

خالد منتصرالمرأة.. يحافظون على عرضها بسرقة أرضها!! - جريدة الوطن - 31/7/2018

استيقظنا أمس على جريمة بشعة، بها من المتناقضات ما يكفى المجرة، جريمة تحتاج إلى علماء اجتماع كوكب الأرض لكى يحللوها ويفكوا شفرتها، فدلالاتها أخطر من تفاصيلها، شاب من الدقهلية حاصل على ليسانس دراسات إسلامية يقتل والده بحجر، ويهشم رأسه، ثم يأتى بمنجل ليفصل رأسه عن جسده، وبعدها يحضر الشكائر ويضع فيها أشلاء الجسد المبتورة، موزعاً إياها بين المنصورة وكفر الشيخ!، والسبب أن أباه كان يريد توريث أرضه الزراعية وتقسيمها حسب الشرع بينه وبين شقيقاته، رفض الابن الدارس للشرع والدين والفقه، قائلاً: الأرض لا تذهب لأزواج أخواتى البنات!، ثم كانت تلك الميلودراما الفاجعة التى أثبتت أن العرف أقوى من الدين، وأن التقاليد أقوى من القوانين، وأن هذا المجتمع الذكورى يطبّق قوانينه السرية التحتية بكل قوة، ضارباً عرض الحائط بكل ما هو قانونى أو دينى أو حتى إنسانى، ما زالت سطوة تلك الفكرة الإقصائية للمرأة مسيطرة ومتحكمة فى مفاصل هذا المجتمع، هذا الشاب الذى حتماً مثله مثل الكثيرين من فحول شبابنا كان يتحكم فى شقيقاته وينهرهن ويضربهن إذا لبسن ما يخالف أوامره، أو ظهرت خصلات شعر إحداهن، أو تحدثن إلى رجال دون إذنه، أو رفعن أصواتهن العورة.. إلخ، رافعاً شعار الحفاظ على العرض، تسامح المجتمع المحيط مع عنف وفاشية الحفاظ على العرض، بل شجعه، وصفق له، فتشجع وتغول أكثر، وانتقل من حفظ العرض إلى سرقة الأرض، فالأول كان حقه، والثانى هو حقه أيضاً، وما يفعله هو مجرد استمرار على نفس النهج والطريق، ليس إلا، كنا نعيش فى وهم أن مشكلة منع المرأة من ميراثها فى الأرض الزراعية مشكلة صعيدية فقط، لكننا بجريمة الدقهلية عرفنا أن السرطان قد نشر ثانوياته فى الدلتا أيضاً، وفى دراسة نشرتها «الوطن» منذ سنتين، ولم ينتبه إليها أحد، قرأنا أرقاماً يشيب لهولها الولدان، الدراسة التى أعدتها الدكتورة سلوى محمد المهدى، مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة قنا، تحت عنوان «ميراث المرأة فى الصعيد بين الواقع والمأمول»، والتى درست فيها تلك الظاهرة البربرية فى قنا وسوهاج، نشرت رقماً مفجعاً، المفروض أن يزلزل مكاتب المسئولين فى مصر، ذكرت أن نسبة تقترب من 95.5% من النساء فى المحافظتين «محرومات من الميراث»، بسبب الثقافة السائدة بأن الميراث سينتقل إلى أشخاص أغراب عن العائلة!، وأكدت أنها أثناء دراستها لظاهرة حرمان المرأة من الميراث، اكتشفت أن هناك عدداً من القضاة ورجال الدين أكلوا حقوق شقيقاتهم، ورفضوا إعطاءهن نصيبهن فى الميراث. وأوضحت أنه عندما تحدثت لإحدى السيدات، وحثتها على رفع قضية للحصول على ميراثها، أخبرتها السيدة بأن شقيقها قاضٍ، فلمن تكون الشكوى، وهو المخول بإعطاء حقوق الناس، ولا يعطى شقيقته حقها.
وأضافت أنها التقت إحدى الحالات، رفض شقيقها وهو «رجل دين»، منحها نصيبها من الميراث، معتبرة أنه «أمر فى منتهى الخطورة»، إذاً لا قانون ولا دين رادعاً لتلك الجريمة المسكوت عنها والمتواطأ معها، كما كشفت الدراسة عن أرقام صادمة أخرى، مثل أن 4.5% فقط من النساء اللائى شملتهن الدراسة، أخذن ميراثهن دون المطالبة به، وأن 59.5% تم حرمانهن من الميراث، بينهن 57% طالبن بميراثهن، مقابل 43% لم يطالبن به. وأثبتت الدراسة أن نسبة تُقدّر بنحو 38% لديهن يقين بأنه من المستحيل حصولهن على ميراثهن، فى حين أن 29% اعتبرن أن تقاليد العائلة تمنعهن من المطالبة بميراثهن، و23% لم يطالبن بالميراث أساساً، حتى لا يخسرن أهلهن!!، وحاولت الدراسة الإجابة عن تساؤل: «ماذا حدث بعد أن طالبت 57% ممن تم حرمانهن من الميراث بحقوقهن؟»، فكانت النتيجة «صادمة»، حيث تبين أن 48% منهن لم يحصلن على شىء على الإطلاق، مقابل 34% أخذن جزءاً من حقوقهن، أما من استطعن أن يأخذن ميراثهن كاملاً، فكانت نسبتهن نحو 18%، كما تساءلت الباحثة عن كيفية تصرف عينات الدراسة، اللاتى لم يأخذن شيئاً على الإطلاق من الميراث، فجاءت نسبة 35% منهن بأنهن قطعن علاقتهن مع الأهل، بعد رفضهم إعطاءهن ميراثهن، بينما فضلت 42% «التزام الصمت وتفويض الأمر لله». وقال عدد منهن أثناء المقابلة: «ما باليد حيلة»، فيما أعربت 13% عن أنه ما زال لديهن أمل فى الحصول على ميراثهن، بعد أن قمن بدعوة عدد من الأصدقاء والمقربين، ليقوموا بدور الوساطة عند الأهل، وكانت نسبة من تصرفن بجرأة، وأقدمن على إقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم، لا تتعدى 10% فقط.
إنها أرقام مرعبة تعكس واقعاً أكثر رعباً، فماذا نحن فاعلون؟!.

أسئلةُ «جوجان» الصعبة بقلم فاطمة ناعوت ٣٠/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


من أين جئنا. من نكون. إلى أين نحن ذاهبون.
أسئلةٌ بسيطة. طفوليةٌ جدّاً. غُفْلٌ حتى من علامة الاستفهام: (؟). هكذا أراد لها من أطلقها فى وجه العالم! هو ليس طفلا. لكنه فنانٌ. والفنانُ طفلٌ لا يهرَم. لكنّ الأطفالَ حين يسألون كلَّ يوم أسئلةً كتلك، ونحارُ فى الإجابة، يضعون علامةَ الاستفهام فى صوتهم وفى عيونهم.
الزمان: آخر ليلة فى القرن ١٩. المكان: جزيرة «تاهيتى» الساحرة فى جنوب المحيط الهادى. الحدث: قرّر رجلٌ فرنسى فى منتصف العمر اسمه بول جوجان Paul Gauguin أن ينتحر. لماذا؟ الحياةُ لم تعد تروقُ له بشروطها التى يرفضها! وخطَّطَ قبل موته أن يرسمَ لوحتَه الأخيرة ليعلنَ رفضَه للعالم المتحضر الذى هجر الطبيعة والفطرة الأولى. أرادَ أن تمثّل لوحته تلك حالَ عناق أبدىّ بينه وبين الحياة الفاتنة البسيطة التى تطوّقها التقاليد والطقوس والفطرة الطبيعية البكر فى جنوب المحيط الهادى. كان جوجان قد هجر أوروبا الصاخبة وجاء إلى الجزيرة تحدوه رغبة التعلّم من مواطنيها الفطريين. لعبة مصالحة الطبيعة ومعانقتها والقدرة على الاستغناء عن الرفاه وخصام المدنية والحضارة. ثم صارت تلك الأسئلة توقيعَه الخاص على لوحاته القادمة، بعدما أخفق عن الانتحار. وبهذه الكُنية التى وضعها لنفسه عبر أسئلته الثلاثة، عرّف جوجان نفسه بوصفه الإنسان الذى فقد مكانه وزمانه فى هذا العالم. قال إن الحداثة شوّهت الطبيعةَ الإنسانية وحرمتها من هُويتها. هجرَ الباريسيات الساحرات ذوات الكعوب الرفيعة العالية، إلى فتياتٍ يتكلمن بلغة الزهور. يشبكن زهرةً خلف الأذن اليسرى؛ حين يبحثن عن حبيب، فإذا وجدنه انتقلت الزهرةُ إلى وراء الأذن اليمنى. ترك مدينةَ النور والبارات والمتاحف والحضارة والفنون إلى حيث جبالٍ، قممُها حممُ براكين ونار.
كان غاضباً من فرنسا، وطنه؛ لأنها هجرت الفطرة وخاصمت الطبيعة وأسلمت نفسها للمدنية والتحضّر والصخب. ولمّا أيقن أن محبوبته باريس لم تُنصت إلى لوحاته الكثيرة التى كان يدعوها من خلالها إلى العودة للماضى بعفويته ونقائه، بل راحت توغل أكثر فأكثر فى الحداثة والتمدّن، قرر أن يُلقى فى وجهها رسالته الأخيرة شديدةَ اللهجة. ويمضى بغير عودة ويغادر هذا العالم فى رحلةٍ دون إياب. صحيحٌ أن محاولة انتحاره أخفقت، لكن لوحته لم تخفق فى إلهام الفلاسفة، وأسئلته الثلاثة خالدة لم يمحها التاريخ. تقفُ لوحته الآن فى متحف بوسطن للفنون الجميلة بوصفها الأشهر بين أعماله.
تُصور اللوحةُ، المرسومة بالزيت على التوال، مشهداً من جزيرة تاهيتى الساحرة، بنسائها الخُلاسيات، منخرطات فى أعمالهن البدائية بملابس بسيطة وجدائل لم تلوثها أبخرة الماكينات. وفى أعلى يسار اللوحة حفر ثلاثَ عباراتٍ عصيّة:
VENONS NOUS ’OU’D
QUE SOMMES NOUS
ALLONS NOUS ’OU
وقتها، لم يُلتفت إلى تلك الكلمات إلا كجزء من عمل فنىٍّ شهير، وليس كوصيةٍ أخيرة من فنان مجنون، وفيلسوف، جاء إلى الحياة عام ١٨٤٨. أما فى الركن العلوى الأيمن، فوضع توقيعه وتاريخ اليوم الذى أنهى فيه اللوحة: P. Gauguin ١٨٩٧. وبعدما أخفق فى إنهاء حياته فى ذلك اليوم، غادر العالم بعد ستة أعوام فى ١٩٠٣.
فى رواية «الشحاذ» لنجيب محفوظ يقول عمر الحمزاوى: «كان الأقدمون يتساءلون أين تذهب الشمس؟ ولم نعد نتساءل». فتجيبه زوجتُه: «بديعٌ أن نتخلص من سؤال!».
لا شك أن معرفة إجابات الأسئلة شىءٌ جميل ومريح فى كثير من الأحيان. ولكن ثمة أسئلةً لو عرفنا إجاباتها فقدت الحياةُ دهشتَها، وكفَّ الشعراءُ عن الغناء، وتوقف الفلاسفةُ عن النظر إلى السماء، وامتنع الأطفالُ عن الركض وراء الفراشات. أسئلة جوجان تقفُ على رأس تلك الأسئلةِ التى يجب أن تظلَّ أسئلةً مبهمةً ومُلغزةً وبكماء. هى أسئلةُ الأطفال التى تُعجِز الكبار. وكلُّنا، حالَ الكلام عن الكون، أطفالٌ. وتلك إجابتى عن السؤال الأوسط: (من نكون)، ولستُ أعرف إجابةَ السؤالين الآخرين، ولا أنا شغوفةٌ بمعرفتها. أعرفُ فقط أنه يلزمُ أن نظلَّ أطفالاً نسألُ ونرجو ألا نعرفَ. حتى نعيشَ ونُدهشَ ونبدعَ ونحبّ. ولئن كانت مقولة على ابن أبى طالب: «الإنسانُ عدوُّ ما يجهل» صحيحةً فى مستوى، ففى مستوى آخر، نحن نشغف بما نجهل. ولا نكفُّ عن السعى إليه ومحاولة فك شفرته. فأنتَ إن عرفتَ شيئا مججته. لذا يلزم أن تظلّ الحياةُ لغزاً كى نحبّها. لكيلا نفقدَ شغفَنا بها.

Sunday, July 29, 2018

التنمية والديمقراطية بقلم د. عماد جاد ٢٩/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم



كثيرة هى الأسئلة التى تطرحها الوفود الأجنبية التى تزور القاهرة حول مدى ديمقراطية النظام السياسى فى مصر وحدود الدور الذى يلعبه البرلمان، تسألك وفود برلمانية أوروبية وأمريكية بصراحة ووضوح: هل يمارس البرلمان المصرى دوره التشريعى والرقابى على السلطة التنفيذية؟ هل يسير البرلمان خلف الرئيس والحكومة وينفذ كل ما تصدر له من تعليمات من قبل السلطة التنفيذية؟ أسئلة كثيرة تتردد على لسان الوفود البرلمانية الأجنبية التى تزور البلاد، وبالمناسبة عادة ما تأتى هذه الوفود ولديها قدر لا بأس به من المعلومات حول دور البرلمان المصرى وكل ما يجرى بداخله، وعادة ما تطرح مثل هذه الأسئلة لمعرفة إجابات النواب والأكاديميين من مختلف الانتماءات.
والملاحظ من خلال هذه اللقاءات أن الإجابات النمطية لم تعد تنطلى على هذه الوفود، ومن ثم فإن الطريقة الأفضل فى تقديرى هى الدخول فى سجال حقيقى حول هذه القضايا ومن منطلق واقعى يقر بما لدينا من مشاكل بصفة عامة من ناحية ويطرح الأفق المستقبلية من ناحية ثانية، لا تقبل هذه الوفود على الإطلاق فكرة أن النائب تحديدا يتولى الدفاع عن الحكومة وتبرير تصرفاتها الصحيحة والخاطئة، ولكنها تقبل السجال على أرضية موضوعية وتسلم بما يطرح من أفكار مبنية على أسس علمية من ناحية ورؤية سياسية واضحة من ناحية ثانية.
ولعل القضية الأبرز فى الحديث عن أى نظام سياسى وعن دور البرلمان داخله تنطلق من واقع المجتمع الموجود فيه، فالمجتمع السويدى يسفر عن برلمان سويدى، والمجتمع المتخلف والذى ينتشر فيه الفقر وترتفع فيه الأمية الأبجدية والثقافية والجهل والرؤية الأحادية والمغرق فى الغيبيات لا يمكن أن ينتج حياة سياسية ديمقراطية.
فلابد من تشريح المجتمع الواقع لمعرفة طبيعة النظام السياسى والعلاقة بين السلطات وحدود التوازن بينهما ومدى هيمنة سلطة على السلطات الأخرى، والمعروف عالميا أن غالبية تجارب التحول الديمقراطى تقول بأن الديمقراطية أكبر من مجرد شكل من أشكال نظم الحكم، الديمقراطية ثقافة شاملة وقيم إنسانية متكاملة من مواطنة، مساواة، حرية، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، حرية رأى والتعبير، حرية العقيدة وممارسة الشعائر، علمانية السلطة، أى وقوف أجهزة ومؤسسات الدولة على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد، فلا دين للدولة لأنها كائن اعتبارى يظلل المواطنين ولا يحدد لهم اختياراتهم الدينية. وإذا أمعنا النظر فى هذه القيم نجدها عبارة عن ثقافة قد تقبلها شعوب وقد ترفضها، لكن المؤكد أن تحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية وانتشار التعليم الجيد يساعدان على زيادة الطلب على الديمقراطية، فارتفاع معدلات التنمية الاقتصادية يعنى زيادة مساحة الطبقة الوسطى، وتقلص معدلات الفقر وتراجع نسبة الفقراء، كما أن ارتفاع معدلات التعليم الجيد يعنى تقلص نسبة الأمية، وتراجع الفقر والجهل يعنى تراجع البيئة الخصبة للتطرف والتعصب ومعاداة القيم الإنسانية.
وإذا نظرنا إلى مجتمعنا المصرى، فسوف نجد معدلات عالية للفقر تصل إلى وقوع ٢٥٪ من المصريين تحت خط الفقر، ومثلهم فوق خط الفقر مباشرة، ومع التعويم والارتفاع الجنونى فى الأسعار تزايدت نسبة الفقراء فى المجتمع المصرى وسقطت شرائح من الطبقة الوسطى لأسفل خط الفقر وفوقه مباشرة.
أما معدلات الجهل والأمية، فحدث ولا حرج إذا تحدثت عن الأمية الأبجدية، فهناك نحو ربع عدد المصريين أميون، وإذا تحدثت عن الأمية الثقافية فقد ترتفع النسبة إلى ما يفوق الثلاثة أرباع الشعب، ومجتمع بهذه المواصفات لا يمكن أن يفرز نظاما ديمقراطيا، قد نكون على أول طريق التحول الديمقراطى، ولكن ما لم نبدأ فى عملية تنمية حقيقية شاملة وتحقيق إصلاح شامل فى منظومة التعليم مصحوبة بإصلاح الفكر الدينى وخطابه، فسوف ندور فى حلقة مفرغة، المهم أن تبدأ عملية التحول والإصلاح الحقيقى..
السؤال هنا: متى نبدأ؟


خالد منتصرالخسوف عقاب إلهى أم ظاهرة علمية؟ - جريدة الوطن - 29/7/2018

ظلت الظواهر الطبيعية تمثل مصدر قلق وخوف ورعب للإنسان القديم، حتى جاء العلم وفك شفرتها وفهمنا بسببه أن تلك الظواهر لها تفسيرات وآليات وقواعد علمية، سمع إنسان الكهف صوت الرعد ورأى البرق واختبأ من زمجرة الرياح واقتحام الفيضانات، الخوف والجهل جعلاه يخترع لكل ظاهرة إلهاً يلجأ إليه وقت الأزمة، إنه الفزع والرعب وقلة الحيلة هى التى صنعت كل تلك الأساطير التى وصلت قمتها الفنية والملحمية عند الإغريق، ومن أهم تلك الظواهر الطبيعية التى نسجت حولها الأساطير والخرافات ظاهرتا الكسوف والخسوف، والفرق فى التعامل مع أحداث فلكية مثل الكسوف والخسوف وطريقة التناول هو الذى يحدد بوصلة التفكير، ويحدد أيضاً هل هذا الشعب اختار العقل والعلم أم الخرافة والأسطورة؟، ما حدث من تناول إعلامى ومؤسسى ومجتمعى لظاهرة الخسوف التى حدثت أمس الأول، يدل على أننا ما زلنا نعيش بعقولنا فى العصور الوسطى برغم أن أجسادنا تربض فى القرن الحادى والعشرين، فزع وتضرع وتفسيرات تقال وتتكرر على كل القنوات بأن الخسوف تخويف للعباد وعقاب إلهى ورسالة تأديب مبطنة للعبرة والعظة.. إلخ، عندما فك العلم شفرة الظاهرة وفسرها بحركة وأماكن القمر والشمس والأرض بالتليسكوب والحسابات الفلكية، وعندما امتدت عصا علم الفيزياء السحرية إلى كل تفاصيل حياتنا سماء وأرضاً، سكن الاطمئنان مكان الفزع وأزاح كل ما كان يسكن عقولنا ووجداننا من أوهام، أحسست وأنا أرى رد فعل المصريين وأستمع إلى رجال الدين وهم يشرحون تفاصيل الصلوات والتضرعات والدعوات لدرء خطر الخسوف، أننى ما زلت أعيش فى زمن طفل كتاب «الأيام» طه حسين وهو يصف خروج أهل قريته بغطيان الحلل يهتفون كما هتف المصريون وقت الحملة الفرنسية وهم يشاهدون مخترعات الفرنسيس «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف»!!، لكن هل نحن متفردون فى أوهامنا وأساطيرنا حول الكسوف والخسوف؟، لا بالطبع، فقد كان الناس فى العهد البابلى يسمون إله القمر (سين) وإله الشمس (شمش) وهما يسيران العدالة فى الأرض، وكان البابليون يخشون الظاهرتين كبقية الشعوب، فالسبب يكمن فى معتقدهم هو اعتداء الأرواح الشريرة على القمر، حيث يهجم سبعة من الشياطين عليه، أما الهنود فكان عندهم الكثير من الأساطير حول الظاهرة الفلكية، منها أن القمر هو كأس يعود للإلهة (الأمريتا) وكانت تشرب منه إكسير الخلود، وتقوم الأسطورة على أن الإلهة حركت حليب البحار فنشأ (الأمرينا) فقام الغول (راهو) بسرقة رشفة منه، فاكتشف الإله (فيشنو) السرقة وقتل الغول وقطع رأسه، فأخذ رأس المارد يطارد القمر، وعندما يلتهم الرأس القمر يحدث الخسوف، وخلال الخسوف الذى يعتبرونه نذير شؤم لا يطبخون الطعام ولا يأكلون شيئاً خلاله باعتقادهم أن الطعام سيكون مسموماً، وكان الصينيون يعتقدون أن التنين السماوى يهجم على القمر ويلتهمه، فيدقون الطبول ويقرعون الأجراس كى يتقيأه، ويعتقد العرب فى أساطيرهم أن الحوت أو الحوتة هى التى تبتلع القمر، ولإخراجه من بطنها لا بد من إحداث ضوضاء كبيرة تزعجها وتجعلها تخرجه، وفى مصر بناء على هذا الاعتقاد واقتناعاً بأن الشيطان يخنق القمر كانوا يغنون:
«يا حوتة يا مكحوتة قمرنا أكل الحوتة

Friday, July 27, 2018

خلاوة طخينية! بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

«كما أن الشمس تشرق وتغيب، ولكنها تشرق من جديد!
وكما أن النهر يفيض ويغيض (يهبط)، ولكنه يفيض من جديد!
كذلك الإنسان يولد ويموت ولكنه يبعث من جديد!
ولكن عليه أن يبعث نظيفاً كزهرة اللوتس». قرأ بارتولت، عالم النبات الألمانى، هذا النص الهيروغليفى، فدرس زهرة اللوتس، وعرف أنها تطرد من على سطحها الندى، التراب، حتى الصمغ المائى، فصنع ملعقة سطحها كسطح زهرة اللوتس، يضعها فى العسل الأبيض فتخرج بدونه، وأطلق على هذا الاختراع: ملعقة العسل بخاصية زهرة اللوتس:
Honey Spoon With Lotus Effect
اشترت هذا الكشف شركات الأجهزة الطبية كصمامات القلب والشرايين حتى لا يتجلط الدم عليها، أيضاً شركات طلاء جدران البناء، وشركات السيارات والطيارات، أصبح بارتولت مليارديراً! كما أصبح هذا القرن اسمه: قرن زهرة اللوتس، المجلة الأمريكية:
Scientific American
قرأ الدكتور نديم عبدالشافى السيار كلمة هيروغليفية تنطق «حنف» ومعناها: الخاضع للإله الواحد، ورسمها التفسيرى: إنسان راكع، رافع يديه للسماء، بدأ الدراسة عشرين عاماً، فوضع كتاباً بعنوان: «المصريون القدماء أول الحنفاء» ٤٤٠ صفحة، عرفنا منه أن كلمات: دين، آخرة، حساب، صوم، حج، ماعون، أى زكاة، كلها كلمات مصرية قديمة، كما أن له كتاباً آخر: «قدماء المصريين أول الموحدين» ذلك لأنه كان «يقرأ الهيروغليفية». قرأ تيودور بلهارز بردياتنا الطبية فعرف أن مصر سمَّت البلهارسيا «عاع» والدودة «حررت» والدواء أنتيمون كلبوسات شرجية، سرق هذا الكشف، ونسبه لنفسه، ونفس العلاج «الأنتيمون» ولكن كحقن فى الوريد، ولو كان استعمله كلبوسات شرجية، لما فتك بنا «فيروس C» الآن. قرأ الغرب عن علاجنا للصداع النصفى والكآبة بالكهرباء - سمكة الرعاد الصغيرة Eel Fish، فكان علاج جلسات الكهرباء لهؤلاء المرضى الآن. قرأ الغرب عن تفريغ المخ عند التحنيط من الأنف: العظام المصفاوية، فكان علاج أورام الغدة النخامية من الأنف بالإشعاع الآن!.
قرأ الغرب عن استخدام مصر القديمة لثمرة أبوالنوم فاستخرجوا المورفين، شجرة الصفصاف فكان الإسبرين، وحلف البر فكان البروكسيمول... إلخ. صديقى الدكتور محمد حسن - جامعة حلوان - مستمتعاً بشمس وهواء جزيرة فى اليونان، تقدمت منه سيدة: عفواً يا سيدى أعتقد أنك مصرى، ما معنى هذه الكلمة الهيروغليفية؟ قال: آسف لا أعرف! قالت: إذن أنت لست مصرياً! هل هناك إنسان لا يعرف لغة بلده؟!. عاد د. محمد حسن ودرس الهيروغليفية بعد هذه الصدمة الموجعة. يطالب دكتور زاهى حواس والأستاذ عباس الطرابيلى، وزير التربية والتعليم، بتدريس الهيروغليفية. أطالب قداسة البابا تواضروس بتغيير الحروف اليونانية فى صلوات الكنيسة إلى حروف هيروغليفية، فالأبجدية اليونانية تستعين بسبعة حروف هيروغليفية حتى تستطيع نطق اللغة المصرية القديمة، فاليونانية تنطق حلاوة طحينية: خلاوة طخينية، لماذا نلجأ للناقص ولدينا الكامل؟!


خالد منتصرالدروز فجرهم ابن تيمية لا الحزام الناسف - جريدة الوطن - 28/7/2018

السويداء بقعة هادئة فى جنوب سوريا مسالمة، مدينة محايدة بعيدة عن الصراعات، أهلها يؤثرون السلامة ويبحثون عن فتات الرزق فى سكينة، فجأة ومنذ عدة أيام دوت أصوات انفجارات رهيبة فى عدة مناطق وقتل أكثر من 220 من أبناء تلك المدينة الهادئة، فقد أتاهم سفراء الدم وهبط عليهم قراصنة السلب والنهب والذبح والسبى بأحزمتهم الناسفة وقلوبهم الغليظة وأدمغتهم المتكلسة، اجتاحتهم داعش منتشية بالدم والأشلاء، كانت كل جريمة السويداء أن أهلها ينتمون إلى طائفة الدروز، أقلية دمها مستباح لدى الداعشيين، لكن هل الحزام الناسف هو المتهم أم من مسح وفرمت أدمغة بلطجية هذا التنظيم وأشار لهم بأن سكان تلك المنطقة كفار يستحقون القتل؟ ما تم حشوه فى الدماغ من أفكار ابن تيمية أهم من حشو الكلاشينكوف بالرصاص والحزام بالديناميت، كل إرهابى منهم تم تنويمه مغناطيسياً وسلبه روحياً ودهسه عقلياً بكتابات وأقوال ابن تيمية، تعالوا نقرأ ماذا كتب ابن تيمية عن الدروز حتى تكتب صحيفة الدعوى ضد المتهم الحقيقى، وحتى نعرف أن المنفذ ما هو إلا دمية على مسرح عرائس دموى تحرك خيوطه يد ماهرة خطت أصابعها أفكار كراهية وإقصاء للآخر ظلت حتى اليوم كالوشم فى عقول التابعين وتابعى التابعين، يقول ابن تيمية عن الدروز نقلاً عن فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية المجلد 28:
«سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما يحكم به فى الدروز والنصيرية، فأجاب بما يأتى: (وهؤلاء الدرزية كفار باتفاق المسلمين، لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم، بل ولا يُقَرون بالجزية، فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين ولا يهوداً ولا نصارى، لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس ولا وجوب صوم رمضان ووجوب الحج، ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد، فهم كفار باتفاق المسلمين، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً رحمه الله: رداً على نبذ لطوائف من الدروز:
(كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك فى كفرهم فهو كافر مثلهم لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا ويلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يُضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم فى بيوتهم ورفقتهم والمشى معهم وتشييع جنائزهم إذا علم موتها، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأى شىء يراه المقيم لا المقام عليه».
هل عرفتم الآن من فجر الدروز فى السويداء؟!.

فارس الثورة.. بقلم سحر الجعارة ٢٧/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

رد الرئيس «عبد الفتاح السيسى» اعتبار البكباشى «يوسف صديق»، عضو مجلس قيادة الثورة، الملقب بمنقذ ثورة ٢٣ يوليو، بمنح أسرته قلادة النيل، بعد أن تعرض للظلم خلال عقود ماضية، بإخفاء دوره المهم فى تلك الحقبة.
ولمن لا يعرف دور «صديق» فى ثورة ٢٣ يوليو، فلولا تحركه المبكر (قبل الموعد المحدد بساعة كاملة)، واعتقاله للواء «عبدالرحمن مكى»، قائد الهايكستب وعدد من القادة الآخرين لفشلت الثورة.. «وصديق» هو هو البطل الذى أنقذ ثورة يوليو من الانتكاسة فى اللحظة الأخيرة، وهو الذى نفذ خطة الاستيلاء على قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها فى مصر فى ذلك التاريخ.
كان تحرك «صديق» مبكرا بمثابة «الرصاصة التى انطلقت» ولم يكن ممكنا الرجوع، بحسب تعبيره، فكانت العامل الأهم فى نجاح الثورة، لأنه أجهض التحركات المضادة التى كانت تتم على قدم وساق لمواجهة التمرد الذى يقوده الضباط الأحرار.
ورغم اقتناع «صديق» بأن الشيوعيين كانوا أقرب الاتجاهات الثائرة على الأوضاع إلى قلبه، فإنه تركهم فى سنة ١٩٥١، لأنهم انقسموا على أنفسهم، حتى بلغ عدد منظماتهم عند قيام الثورة نحو عشر منظمات، لكن ذلك لم يمنعه من تبنى الفكر الاشتراكى، وما ينادى به من مبادئ كان يرى أن الإسلام يؤكد عليها- بحسب ما جاء فى مذكراته.
لكنه حين انضم إلى مجلس قيادة الثورة بدأ الخلاف بينه وبين «مجلس قيادة الثورة» حول «الديمقراطية».. فوجئ «صديق» بقرار المجلس بالتصديق على حكم إعدام «خميس والبقرى».. وصدم حين استمع لـ«صلاح سالم» يقول: (وإيه يعنى لما نعدم مليون شخص فى سبيل نجاح المسيرة؟)!.
كان الرجل الذى عاش كل عمره فى صفوف الجيش يؤمن بحق الشعب فى تقرير مصيره واختيار من يحكمه من بين القوى السياسية الموجودة وقتها.. وكان الصدام الأخير بينه وبين مجلس قيادة الثورة هو صدور قرارات إلغاء الدستور وحل الأحزاب السياسية وإعلان الفترة الانتقالية منتصف يناير ١٩٥٣.. وهنا أصبحت استقالة «صديق» من المجلس هى المخرج الوحيد ليظل متطابقا مع أفكاره وقناعاته.. فالفارس الذى لعب الدور الأبرز فى إنجاح الثورة لم يكن متكالبا على السلطة بقدر ما كان منحازا للشعب والديمقراطية.. وهكذا تم إبعاده خارج مصر.
عاد «يوسف صديق» إلى مصر بوجه «الثائر» ليشارك عام ١٩٥٤ فى مظاهرات الشعب الداعية إلى الديمقراطية‏، فتم القبض عليه وإيداعه بالسجن الحربى.. وأفرج عنه فى مايو ١٩٥٥.. وحددت‏ ‏إقامته‏ ‏بقريته‏، وعاش فى الظل حتى وفاته عام ١٩٧٥ بعد صراع طويل مع مرض «سرطان الرئة».
ولهذا تجاهله التاريخ رغم دوره البطولى فى تغيير وجه مصر.. حتى أعاده الرئيس «السيسى» للذاكرة الوطنية.. وكأنه قدر كل زاهد فى سلطة أو مطالبا بالديمقراطية!.


خالد منتصرهستيريا الحبة الزرقاء أصابت الحوامل! - جريدة الوطن - 27/7/2018

استيقظ المجتمع الطبى والباحثون الأكاديميون على خبر مفزع وهو وفاة 11 طفلاً رضيعاً فى هولندا تناولت أمهاتهم عقار السيلدينافيل (الفياجرا) لعلاج نقص تدفق الدم فى المشيمة، الذى لا يوجد له حل حتى الآن، والذى يؤدى فى معظم الأحوال إلى وفاة الأجنة. الأطفال ماتوا بارتفاع الضغط فى الرئتين، لكن لنتعرف أولاً على تفاصيل التجربة ثم نناقش لماذا هذا الفزع والذعر فى الوسط الطبى.
الدراسة التى تم إيقافها كانت تهدف لمعرفة تأثير تعاطى الحوامل مادة سيلدينافيل المستخدمة فى أقراص الفياجرا على نمو الجنين وذلك بعد أن توفى 19 رضيعاً جراء تعاطى أمهاتهن، أوضح مركز AMC للدراسات الأكاديمية فى أمستردام أن هذه المادة الموسعة للأوعية الدموية كانت تعطى لنساء حوامل فى مستشفى أمستردام الجامعى وفى سبعة مراكز طبية أخرى فى هولندا، وكان أطفال هؤلاء النساء يعانون من اضطرابات جسيمة فى النمو، وحسب المركز فإن 19 رضيعاً لإجمالى 93 امرأة تعاطت مادة سيلدينافيل وأن 11 من هؤلاء الأطفال حديثى الولادة كانوا يعانون من أمراض فى الرئتين على رأسها ارتفاع ضغط الدم فى الرئتين، الذى يمكن أن يؤدى إلى نقص الأكسجين، ولمعرفة تأثير هذه المادة أعطى القائمون على الدراسة مجموعة أخرى مكونة من 90 امرأة كن يحملن بأطفال مصابين أيضاً باضطرابات جسيمة فى النمو، مادة وهمية (بلاسيبو) لا تأثير لها بدلاً من مادة سيلدينافيل الفعالة، وقال الباحثون إن تسعة من أطفال هذه المجموعة توفوا أيضاً ولكن ليس من بينهم حالة وفاة بسبب مشاكل فى الرئتين.
انتهت تفاصيل الخبر ولكن لم تنته الأسئلة التى فجرتها تلك الدراسة التى بدأت منذ ثلاث سنوات وكان مقدراً لها الانتهاء بعد سنتين (2020)، تلك الأسئلة المعضلة والمحيرة هى:
هل من حقى كباحث فى الأمراض الميئوس منها أو التى لا علاج لها حتى الآن مثل حالة المشيمة التى لا يصل إليها الدم الكافى أو الزهايمر مثلاً أن أجرب أى علاج؟
من المؤكد أن الأمهات أو السيدات الحوامل قد وقعن على تعهدات بقبول التجربة وفهمن مخاطرها لكن الطفل المقبل والجنين الضيف لم يوقع، هل لأنه لا يملك إرادة الرفض من حقنا أن نجرب كما نشاء؟.. سؤال يطرح نفسه بشدة على التجارب التى فيها طرف آخر ضعيف الحيلة مثل الأطفال.
هل ما ينجح على الفئران هو بالضرورة ناجح على الإنسان؟
متى يقف البحث الطبى.. هل بعد موت رضيع واحد أم ثلاثة أم لا بد من الانتظار حتى يصبح العدد أكثر من عشرة؟!
هل الباحث هنا متهم أم مجتهد؟.. وهل تنفع النيات فى البحث العلمى والطب القائم على الدليل؟
تلك الأسئلة وغيرها مطلوب من باحثى هولندا الإجابة عنها لأن الصمت سيفتح أبواب جهنم.

Thursday, July 26, 2018

خالد منتصررسالة فان جوخ الأخيرة - جريدة الوطن - 26/7/2018

أقرأ فى تلك الأيام كتاباً من أجمل الكتب التى قرأتها فى حياتى، وهو كتاب «رسائل فان جوخ»، أدعوكم لقراءة هذه التحفة الفنية الفكرية ولى عودة إلى الكتاب تفصيلاً فى مقالات أخرى، لكن سأقدم لكم رسالته الأخيرة البديعة لشقيقه المخلص ثيو، الذى مات حزناً بعد ستة أشهر من وفاة شقيقه فنسنت، تلك الرسالة التى لو كانت قد وقعت فى يد عابر سبيل وقرأها كان سيعرف حتماً أن صاحبها سينتحر، سأقتبس منها ما تستطيع المساحة استيعابه:
عزيزى ثيو:
إلى أين تمضى الحياة بى؟ ما الذى يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة..
إننى أتعفن مللاً لولا ريشتى وألوانى هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد.. كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن.. ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطاً وألواناً جديدة، غير تلك التى يتعثر بصرنا بها كل يوم.
كل الألوان القديمة لها بريق حزين فى قلبى. هل هى كذلك فى الطبيعة أم أن عينى مريضتان؟ هأنذا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها.
فى قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة، أريد لألوانى أن تظهرها، فى حقول «الغربان» وسنابل القمح بأعناقها الملوية. وحتى «حذاء الفلاح»، الذى يرشّح بؤساً ثمة فرح ما أريد أن أقبض عليه بواسطة اللون والحركة.. للأشياء القبيحة خصوصية فنية قد لا نجدها فى الأشياء الجميلة وعين الفنان لا تخطئ ذلك.
اليوم رسمت صورتى الشخصية، ففى كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسى:
أيها الوجه المكرر، يا وجه فنسنت القبيح، لماذا لا تتجدد؟
أبصق فى المرآة وأخرج..
واليوم قمت بتشكيل وجهى من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون:
عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر، ولحية كألسنة النار. كانت الأذن فى اللوحة ناشزة، لا حاجة بى إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط على، بين رأسى خارج اللوحة وداخلها... حسناً، ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟
أرسلتها إلى المرأة التى لم تعرف قيمتى وظننت أنى أحبها.. لا بأس فلتجتمع الزوائد مع بعضها.. إليك أذنى أيتها المرأة الثرثارة، تحدثى إليها... الآن أستطيع أن أسمع وأرى بأصابعى. بل إن إصبعى السادس «الريشة» لتستطيع أكثر من ذلك: إنها ترقص وتشب وتداعب بشرة اللوحة..
أجلس متأملاً:
لقد شاخ العالم، وكثرت تجاعيده، وبدأ وجه اللوحة يسترخى أكثر.. آه يا إلهى، ماذا باستطاعتى أن أفعل قبل أن يهبط الليل فوق برج الروح؟ الفرشاة، الألوان، وبسرعة أتداركه: ضربات مستقيمة وقصيرة. حادة ورشيقة.. ألوانى واضحة وبدائية. أصفر، أزرق، أحمر.. أريد أن أعيد الأشياء إلى عفويتها، كما لو أن العالم قد خرج تواً من بيضته الكونية الأولى.
أمس رسمت زهوراً بلون الطين بعدما زرعت نفسى فى التراب، وكانت السنابل خضراء وصفراء، تنمو على مساحة رأسى وغربان الذاكرة تطير بلا هواء. سنابل قمح وغربان. غربان وقمح.. الغربان تنقر فى دماغى. غاق... غاق.. كل شىء حلم. هباء أحلام، وريشة التراب تخدعنا فى كل حين.. قريباً سأعيد أمانة التراب، وأطلق العصفور من صدرى نحو بلاد الشمس.. آه أيتها السنونو سأفتح لك القفص بهذا المسدس:
القرمزى يسيل. دم أم النار؟
غليونى يشتعل:
الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادى. للرمادى احتمالات لا تنتهى: رمادى أحمر، رمادى أزرق، رمادى أخضر. التبغ يحترق والحياة تنسرب. للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تماماً: كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقاً بها... لأجل ذلك أغادرها فى أوج اشتعالى.. لكن لماذا؟! إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهى البؤس أبداً..
وداعاً يا ثيو.. «سأغادر نحو الربيع».

هـ. ق. … أقصر رسالة فى التاريخ! بقلم فاطمة ناعوت ٢٦/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


«أستاذة فاطمة، هـ. ق.؟» وصلتنى هذه الرسالة من أديب عربى كبير، صدرت له رواية وأرسلها لى بالبريد قبل عدة شهور. وريثما تفكرون فى معنى الرسالة، وقبل أن تظنّوا أنها أقصر رسالة يمكن أن يرسلها شخصٌ إلى شخص، دعونى أخبركم بأن تلك الرسالة المكونة من حرفى الهاء والقاف، ليست أقصر الرسائل، بل هناك ما هو أوجز.
أقصرُ رسائل التاريخ، لم تكن حرفًا أو حرفين. بل مجرد «علامة ترقيم». كان ذلك عام ١٨٦٢، حين سافر فيكتور هيجو، الروائى الفرنسى الأشهر، للاستجمام على ضفاف أحد الشواطئ، بعد شهور من الإجهاد أمضاها فى تأليف روايته العظمى «البؤساء» Les Misérables التى بلغت صفحاتُها ألفًا ومائتين من القطع الكبير. سلّم مخطوطة الرواية لدار النشر، ثم سافر. وبعد أيام من الطباعة والتوزيع، أرسلَ للناشر تلغرافًا مكتوبًا فيه فقط علامة استفهام: (؟). فردَّ عليه الناشرُ بتلغراف مكتوب فيه فقط علامة تعجب: (!). هل خمّنتم المقصود فى التلغرافين؟ حسنًا، علامةُ الاستفهام تعنى: (ما أخبار مبيعات الرواية؟). وعلامة التعجّب أرسلها الناشرُ ليقول: (المبيعات عجيبة
تفوق الخيال!).
يعلم كتّابُ الأعمدة الصحفية «صعوبةَ» الاختزال والاختصار، مثلما يعلم المبتدئون «سهولةَ» الإطناب والتكرار والحشو؛ ما يسميه الغربُ Bla Bla، أى الثرثرة واللغو دون مضمون. لهذا ختم الزعيمُ إبرام لنكولن إحدى خطبه قائلا: «معذرة على الإطالة، لم يكن لديّ وقتٌ للاختصار!»، وكتبها من بعده الزعيم سعد زغلول فى إحدى رسائله.
فى رواية «حرير»، للإيطالى أليساندرو باريكو؛ دخل رجلٌ على عمدة القرية، وألقى على مكتبه منديلاً من الحرير، ثم سأل: «تعرف ما هذا؟» فأجاب العمدة: «أغراض نسائية!» فقال الرجلُ بامتعاض: «غلط. بل أغراض رجالية. أموال!» فطرده العمدة. خرج المطرودُ وشيّد معملاً وكوخًا قرب الغابة. ثم راح يُربّى دودَ القزّ فى صمت. وبعد عدة شهور عاد إلى العمدة، وألقى على مكتبه رزمةً ضخمة من المال، وسأله: «تعرف ما هذا؟» فأجاب العمدة: «أموال!» فردَّ الرجلُ بامتعاض: «غلط. هذا هو الدليل على أنكَ تيس!» وجمع أمواله ومضى. فاستوقفه العمدة صارخًا: «ماذا بحق الشيطان عليّ أن أفعل؟» فأجابه الرجل: «لا تفعل شيئًا حتى تصبحَ عمدةً لبلدة غنيّة». وبعد سنوات امتلأت البلدة بمعامل حلِّ الشرانق، لتغدو من أكبر المراكز الأوروبية لتصدير الحرير.
الإيجازُ هو البلاغة. وأعظم مثال على دقّة القول الموجز، ما قالته بلقيس ملكة سبأ حين شاهدت عرشَها جىء به محمولا، فسألها الملكُ سليمان: «أهذا عرشُك؟» وكان به اختلاف طفيف فى ترتيب الأحجار الكريمة. فما قالت: (هو)، ولا قالت: (ليس هو)، ولم تقل: (به اختلاف)، إنما أوجزت كلَّ ما سبق فى إجابة عبقرية: (كأنه هو)، وكانت من أبلغ القول. الإيجازُ سمةُ الأدباء الكبار. ونذكرُ الشاعرَ الأمريكى «إزرا باوند»، الذى حذفَ من قصيدة صديقه الشاعر البريطانيّ ت.س. إليوت أكثرَ من نصفها؛ لتغدو «الأرضُ الخراب» The Waste Land فى ثوبها المُختزل (٤٣٤ سطرًا) إحدى أشهر قصائد التاريخ، وأعظمها.
ولا تقتصرُ عبقريةُ الحذف على الإبداع الأدبيّ وفنون القول، بل تمتدُّ لتشمل الفنونَ الأخرى. فهذا بيكاسو يقول: «اللوحةُ عادةً ما تكون بناءَ طبقات فوق طبقات، على نحو تراكميّ، أما فى مدرستى، فاللوحةُ تتطور عن طريق حذف الطبقات والخطوط؛ حتى تصلَ إلى تجريد مُتقشّف للهدف المرسوم بأقل عدد من الخطوط والمسطحات». وهذا بالفعل ما تعلمناه على مقاعد قسم العمارة بكلية الهندسة. أن نرسم أعقد التفاصيل بأقل عدد من الخطوط.
وتُعلّمنا التكنولوجيا فضيلةَ الاختزال، وذكاءه فى المُغرّد Twitter. فكل تويتة يجب ألا تزيد على ١٤٠ حرفًا، ولو أزدت حرفًا تأتيك رسالةُ توبيخ: Try to be more clever!. تمامًا كالعصفور الذى «يُزقزق» نغمةً قصيرة، لكنها تحمل أعظمَ رسائل الدنيا: الموسيقى والجمال. والآن، هل نجحتم فى تخمين معنى الرسالة التى وصلتنى من الأديب الكبير؟ (هـ. ق.؟): «هل قرأتِ الرواية؟».

Wednesday, July 25, 2018

خالد منتصررفض مصافحة «حمدين» ليس إنجازاً ثورياً - جريدة الوطن - 25/7/2018

انتقدت بشدة تحالف حزب الأستاذ حمدين صباحى مع الإخوان فى انتخابات ما بعد يناير 2011، واعتبرتها من وجهة نظرى سقطة تاريخية وتضحية بالاستراتيجية الفكرية من أجل التكتيكات اللحظية السياسية العابرة، لكننى فى الوقت نفسه أعترض بشدة على موقف المهندس عبدالحكيم عبدالناصر، الذى رفض مصافحته واستقباله فى ضريح الزعيم الراحل وتسويقه إعلامياً على أنه إنجاز ثورى ومدعاة للفخر والتباهى!، فهذا خلط للذاتى بالموضوعى ومبالغة شديدة فى الانفعالات تزيد من ضبابية رؤيتنا وتعمّق من خلافات من يقفون أو المفروض أنهم يقفون فى نفس الخندق، فلو قابلت أنا حمدين صباحى شخصياً برغم اختلافى معه فى هذه النقطة، فسأصافحه بحرارة لأنه بالرغم من هذا الموقف الحزبى السياسى السابق لا أستطيع وصمه بالخيانة أو أتعمد إهانته بعدم مصافحته ورفض استقباله، فأنا ضد الاغتيالات المعنوية للوطنيين، و«حمدين» رجل وطنى، شئنا أم أبينا، أصاب وأخطأ فى مسيرته السياسية ونتفق ونختلف معه فى إطار من الموضوعية، ولا نعتبر المتلفظ باسمه بمثابة القابض على الجمر، والسياسة دوماً ممارسة مليئة بالفخاخ والمطبات والألغام، لكنه، قولاً واحداً، ليس من الإخوان الخونة الذين يعتبرون مصر بقعة من بقاع الخلافة الإسلامية الأممية الكبرى، هو كان وما زال يقف معنا على أرضية الوطن المشترك، والسؤال للمهندس عبدالحكيم عبدالناصر، الذى كان يقرأ الفاتحة فى عيد الثورة على الأب الزعيم، هل تقييمه للناصرى حمدين سيتأثر ويتغير عندما يرى صورة «عبدالناصر» فى بداية الثورة، وهو يقرأ نفس الفاتحة، ولكن فى ضريح آخر هو ضريح حسن البنا؟!، هل سيتغير رأيه عندما يعرف أن الأب اختار من بين كل الأحزاب والجماعات من عهد ما قبل الثورة وزيراً إخوانياً؟، هل سيصافح حمدين ويستقبله عندما يدرك كم كان سيد قطب مقرباً لمجلس قيادة الثورة فى بداياتها؟!، أقول هذا لتوضيح وجهة نظرى للمهندس عبدالحكيم، وهى أن السياسة ليست بهذه الحدة وليس فيها الأبيض الناصع والأسود الداكن، فيها منعطفات فكرية وقناعات تتغير على أرض الواقع وممارسات تختبر فعالياتها ونجاحاتها فى معمل الزمن، وهمسة فى أذن المهندس المحترم ابن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رداً على انتقادك لحمدين صباحى بأنه يتحدث باسم الناصرية وبأنه لا يحق له هذا، أقول له ولا أنت أيضاً يحق لك احتكار الحديث باسم الناصرية!، فليس معنى الوراثة البيولوجية أن تكون بالضرورة ملتصقة كالتوأم السيامى بالوراثة السياسية والفكرية والأيديولوجية، وليس معنى أنك تحمل لقب عبدالناصر الأب، الذى هو بالضرورة لقب فخر واعتزاز وقيمة كبرى، لكنها فى النهاية قيمة شخصية لا تتعدى حدود القرابة، ولا تمنح حضرتك هذا الاحتكار، فمن الممكن جداً، بل ومن الطبيعى والمألوف أن يتفهم الفكر الناصرى شخص من غير أبناء عائلة عبدالناصر، فإنجلز ولينين اللذان ينتميان إلى بلد آخر، وحتى محمود أمين العالم ولطفى الخولى وفيليب جلاب، الذين ينتمون لقارة أخرى كانوا ماركسيين أكثر من ابنته جينى ماركس!!.
عزيزى المهندس المحترم عبدالحكيم عبدالناصر.. علينا أن نتدرب على لغة الحوار، وألا نجعل خلافات السياسة تصادر الإتيكيت الإنسانى.

Monday, July 23, 2018

هل الوزير وظيفته إرضاء الرئيس فقط؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٤/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

عندما يتم اختيار وزير للوزارات الخدمية فالوزير مثل وزراء الصحة والتعليم والثقافة والتموين والمواصلات والتضامن يبدأ عمله بالتخطيط ليستمر وزيراً أطول فترة ممكنة. وطول الوقت ومن أول لحظة يفكر بخوف شديد فى يوم مغادرة المكتب ورفع كشك البوليس واختفاء الأصدقاء الوهميين وغياب صوره من الصحافة.
الجميع بدون استثناء يعلم أن صاحب القرار النهائى فى بقائه أو ذهابه هو الرئيس وهو أمر طبيعى فى كل الجمهوريات الرئاسية فى العالم. ينطبق ذلك على الدول الديمقراطية والدول الديكتاتورية والدول البين بين. وبسبب غريزة البقاء فى السلطة يحاول كل وزير حسب القدرة والمفهومية إرضاء الرئيس. نعلم أنه فى الديمقراطيات البرلمانية يضع الوزير استراتيجية وزارته خلال فترة وجوده فى المعارضة أما فى النظم الرئاسية فسياسة الوزارة تضعها مؤسسة الرئاسة ومستشاروها ومهمة الوزير تنفيذ هذه السياسة، وليس وضع استراتيجيات. طبعاً هناك بعض الاستثناءات. النتيجة هى محاولة الكثير من الوزراء الجدد إرضاء الرئيس وكافة الهيئات السيادية والأمنية التى من الممكن أن تقدم للرئيس تقارير قد تؤدى إلى فقدهم لمنصبهم.
وحتى يرضى عنه الرئيس يقوم بعضهم بإصدار قرارات عنترية مظهرية، ويركزون على الإعلام مما يؤدى إلى فشل الوزير فى عمله الحقيقى وتغييره فى أقرب فرصة ممكنة.
بعض الوزراء يفكرون فقط فى رأى الرئيس فيهم وينسون تماماً أن هناك شعباً وأن هناك رأياً عاماً وأنهم مسؤولون عن تنفيذ أمور تهم الناس وأن قرار الرئيس ببقائهم مرتبط بأدائه فى الوزارة وعدم ارتباطه بفساد. بعضهم لا يفكر فى أن فساد رجال الوزير هو الطريق إلى النهاية.
عندما تولت وزيرة الصحة الحالية سعدت بذلك لأن الغضب كان قد وصل مداه من الوزير السابق ولأنها قد تساعد فى إصلاح المنظومة الصحية. ولكن الجميع فوجئ بسلسلة من القرارات المذهلة كان أولها مشروع إذاعة السلام الوطنى فى المستشفيات صباح كل يوم. هذا القرار كان الغرض الأساسى منه هو إرضاء السلطات فظنت أنهم سيكونون سعداء بذلك. الوزيرة لم تدرس هذه الفكرة التى لا يمكن تطبيقها وأنها لا يمكن أن تنفذ وأنها سوف تتكلف معدات وإذاعات المستشفيات ليست فى حاجة إليها. لم تستشر أحداً ولم تفكر هل سيفيد هذا المنظومة الطبية والمرضى. النتيجة أن خفة دم الشعب المصرى انقضت على القرار بطريقة جعلت مصر كلها تتندر على الوزيرة، وفى البداية بدلاً من أن تقول إنها سوف تدرس الأمر صممت على رأيها وأصدرت أمراً بشراء المعدات لتنفيذه وأخيراً تراجعت وقالت إنها لم تصدر القرار وهو ما أفقدها المصداقية وبدلاً من أن تعتبر أن هذا درساً مفيداً للتروى انهالت التصريحات الوهمية غير المدروسة عندما أعلنت أن قائمة الانتظار فى معهد القلب سوف تتوقف وسوف يتم الاستغناء عن المسؤولين بدلا من معرفة السبب ومحاولة إيجاد الحل. والحل معروف بتوفير الإمكانيات وليس بتصريحات عنترية. ثم أعلنت أنه لا بد من إجراء امتحان معادلة للأطباء الخبراء القادمين لمصر وهو أمر وهمى لا يمكن أن يحدث. ربما تكون الوزيرة قد اكتشفت فجأة أن هناك شعبا ورأى عام فأصدرت قراراً متميزاً بأن تدفع الوزارة مصاريف الدراسات العليا لأطبائها وأرجو أن تكون هذه بداية القرارات الجيدة.
قرأت أن وزير الرياضة والشباب الجديد أعلن أنه يخطط لإقامة كأس العالم فى مصر مستقبلاً وأنا أود أن أذكره بصفر المونديال الشهير أيام مبارك. قبل أن يعلن الوزير ذلك كان عليه أن يدرس ما نحتاجه لإقامة كأس العالم وهل هناك فرصة حقيقية أن تقوم الفيفا بإسناده لمصر؟
هناك أيضاً تصريحات أراها غريبة من وزير المالية الجديد. وكذلك وزير المواصلات بعد حادثة القطار. والأمر ينطبق أيضاً على مجلس النواب فعندما يعبر بعض النواب عن رأيهم فى بعض القوانين فهذا حقهم وحق الشعب وليس تعطيلاً للمجلس. إسقاط العضوية لمن قال رأياً مخالفاً ضار بمصداقية البرلمان وسمعة الدولة داخلياً وخارجياً. هل يعتقدون أنهم بذلك يكسبون رضاء الرئيس؟ لا أعتقد ذلك. مصر الآن فى ظروف اقتصادية صعبة ومستقبل معقد وغامض لمنطقة الشرق الأوسط. إسقاط العضوية أمر له أثر شديد السلبية على الوطن والتاريخ لا يرحم ويذكرنا دائماً بالكوارث التى حدثت فى برلمان صدقى عام ١٩٣٠.
أنصح الجميع بالدراسة والتروى قبل اللإدلاء بتصريحات وإصدار قرارات تفقدهم المصداقية وتحرج النظام.
إرضاء الرئيس يكون بالإجادة فى العمل والأمانة وإبعاد الفساد عن وزارته وليس فقط بكيل المديح له وعلى الوزير أن يعرف أنه جاء ليخدم الشعب المصرى ويرفع مستواه ولم يتول هذا المنصب فقط لإرضاء الرئيس.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


خالد منتصرهل أدوية الضغط مسرطنة؟! - جريدة الوطن - 24/7/2018

صرّح الرئيس السيسى، أمس، أن مصر قد واجهت أكثر من عشرين ألف شائعة فى ثلاثة أشهر فقط. وأخطر الشائعات ليست شائعات السياسة والتموين والاقتصاد، إنما الأخطر والأكثر تدميراً هى الشائعات المتعلقة بالصحة. وللأسف التناول الإعلامى وطريقة تعامل وزارة الصحة مع الأخبار الطبية صارا كارثة، فقد تم نشر أنه قد اكتُشف أن مادة «الفالسارتان» (تُستخدم فى علاج ضغط الدم المرتفع وقصور القلب)، التى تنتجها شركة صينية، بها شوائب مسرطنة، وقد كانت بعض الشركات التى تنتج أدوية «generics» قد استخدمت هذه المادة الفعالة من هذه الشركة الصينية، وأصدرت وزارة الصحة بياناً بأسماء هذه الأدوية والشركات، مما أدى إلى خوف وبلبلة لدى المرضى والأطباء والصيادلة، خوفاً من أن يكون العيب فى مادة الفالسارتان عموماً، حيث لم تنشر الوزارة بياناً بالأدوية السليمة الخالية من هذه الشوائب، وبما أن شركة «نوفارتس» تنتج أدوية ضغط مهمة جداً هى «تارج، كوتارج، كوديوڤان، اكسفرچ، اكسفورچ HCT، إنتريستو» تحتوى على هذه المادة، فقد أصدرت بياناً يهمنى أن تطّلعوا عليه حتى يطمئن المرضى، البيان الذى اطلعت عليه يقول:
تؤكد «نوفارتس فارما» (ش.م.م) عدم تأثر أى من منتجاتها فى مصر بقرار سحب منتجات معينة تحتوى على مادة الفالسارتان، جميع منتجات «نوفارتس فارما» التى تحتوى على عقار فالسارتان لم تتأثر بالشوائب التى تم اكتشافها وتحديدها مؤخراً، وهى «N-نيترو صوديوم إيثيل أمين» (NDMA)، الموجودة فى مادة فالسارتان الفعالة التى تُصنّعها إحدى الشركات بالصين. وجدير بالذكر أن هذا المصنع الصينى غير مسجل كمورّد لمادة فالسارتان الفعالة لمنتجات نوفارتس فارما، ولا يُستخدم لتوريد هذه المادة الفعالة لإنتاج أى تشغيلات تجارية أو إكلينيكية لأى من علاجاتها، حيث تنتج «نوفارتس فارما» مادة فالسارتان الخاصة بمنتجاتها داخل مصانعها، ولا تستخدم أى مصدر لهذه المادة الفعالة من خارج منظومتها.
وتؤكد الشركة أن أهم أولوياتها هى الاهتمام بصحة وسلامة المرضى، والتأكد من حصولهم على علاجات الشركة التى يحتاجون إليها. ويهمنا أن نطمئن المرضى ومقدمى الرعاية الصحية فى مصر أن كافة منتجاتنا فى السوق المصرى آمنة وفعالة.
هذا هو البيان الذى يقطع ألسنة الشائعات، لكن الأهم هو أننى عرفت أن رئيس مجلس إدارة الشركة نفسه يتناول دواء الضغط الذى يحتوى على هذه المادة!! إذاً، كما يقول المثل العربى «قطعت جهيزة قول كل خطيب»، ولنتأكد أن الشائعات صارت هى قنبلة هيروشيما المعاصرة، فلنحذر.

فاطمة ناعوت تكتب: على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف.. وحبل الفيل ٢٣/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


يقفون على عتبات باب مهمٍّ، يفصلُ بين عالمين. عالم رحبٍ ملوّن بخيالات الطفولة والصبا والبراءة حيث الكبارُ يحملون عنّا مسؤولياتنا، ويُسدِّدون عنّا فواتيرَ أخطائنا، وعالم أرحب ملوّن بريشة مموهة بالأمل والترقّب والأسرار والغموض، تحاول رسم صورة للغد الُمقبل حيث النضوج والجدية والمسؤولية، لأن أحدًا لن يحمل عنّا تبعات ما نفعل.
أبناؤنا الذين تركوا مقاعد المدرسة بالأمس ويتأهبون اليوم لدخول الغد الوشيك الذى يصنعونه فى مدرجات الجامعة الواسعة، أهديهم هذه الكلمات عن «كهف الفيلسوف، وحبل الفيل».
الشهر الماضى كنتُ فى ميساساجا بكندا، وطلبت منى السيدةُ المثقفة «فيبى وصفى»، مديرة مدرسة فيلوباتير الثانوية الكندية، أن أحضر حفلَ تخرج طلاب المدرسة الذين تأهلوا لدخول الجامعة، وأشاركهم فرحتهم بكلمة أُلقيها بالإنجليزية تحفزهم على الدخول من بوابة المستقبل نحو الغد المشرق.
وقررتُ أن تكون كلمتى بعنوان «I Have a Dream» «لديّ حُلمٌ». حكيت للطلاب الكنديين، من أصول كثيرة من بينهم مصريون، حكايتين طريفتين.
الأولى عن «أسطورة الكهف» كما تصورها الفيلسوفُ الإغريقى أفلاطون. حين تصور أن بعض الأشخاص محبوسون داخل كهف منذ مولدهم. مقيدون بالسلاسل وجوههم مصوّبةٌ نحو حائط لا يرون سواه، تنعكس عليه ظلالُ مَن يسيرون بالخارج من بشر وحيوانات. فيتصور أولئك الأشخاصُ بالكهف أن تلك الظلال هى البشرُ وليس ظلالها. فلو تصورنا أن شخصًا من أولئك الأشخاص نجح فى كسر القيود والسلاسل وخرج من الكهف المظلم، وشاهد ضوء الشمس لأول مرة فى حياته. سوف يكتشف بعد برهة أن ما ظل يراه هو ورفاقه طوال أعمارهم ليس إلا ظلالا، وأن الحقيقة شيءٌ آخرُ تمامًا. ذلك هو «التفكير خارج الصندوق»، وعدم الاستسلام للفرضيات المغلوطة مهما عشّشت داخلنا سنوات وعهود. ذلك هو الدرس الأول الذى على أبنائنا تعلّمه فى مقبل أيامهم.
الحكاية الثانية عن الفيل الصغير الذى كان صاحبُه يربط ساقَه بحبل صغير جوار باب البيت حتى لا يمشى بعيدًا. كل عام يكبر الفيلُ، والحبلُ هو الحبلُ الصغيرُ لا يتغير ولا يغلُظ. بوسع الفيل، حين كبر وصار قويًّا، أن يقطع الحبل بركلة واحدة صغيرة، ويهرب. لكنه لا يفعل، بل يظل واقفًا جوار الباب.. لماذا؟ لأن الفيل يحمل من ذكريات الماضى أنه حاول كثيرًا، حين كان طفلا، أن يقطع الحبل ويركض فى الحقول والمراعى. لكنه أخفق مرةً تلو مرة، لأن الحبل كان أقوى من أقدامه الصغيرة آنذاك. فاستقر فى وعيه أنه أضعفُ من الحبل، فكفَّ عن المحاولة، غافلا أن حجمه وقدراته اليوم صارت أكبر كثيرًا من الحبل الصغير النحيل. ذلك هو فقدانُ الأمل والزهد فى تكرار المحاولة فى حل مشاكلنا. وهو ما على أبنائنا أن يتجنّبوه فى مقبل أيامهم. ذلك هو الدرس الثانى ألا يكفّوا عن محاولة حل المشكلات التى واجهتهم وأخفقوا فى حلّها.
هذان هما الدرسان اللذان تمنيتُ أن يدركهما التلاميذ الكنديون، وهما ذاتهما الدرسان اللذان أحكيهما للتلاميذ المصريين اليوم على مشارف الجامعة أيضًا. وأما الدرس الثالث والأهم هو ما قاله باولو كويللو فى رواية «الخيميائى». إن حلم الإنسانُ حلمًا ما، وآمن به جدًّا وأصرّ على تحقيقه، تآمر الكونُ بكامله من أجل تحقيقه معه.
وأذكّركم بأغنية «I Have a Dream» لفريق ABBA التى تقول:
«لديّ حلمٌ/ أغنيةٌ أغنيها/ كى تساعدنى على أن أواجه أى شىء. إذا شاهدتَ العجائب فى حكايات الجنيّات/ سوف تستطيع أن تصنع المستقبل/ حتى لو أخفقت مرّةً/ أنا أؤمن بالملائكة/ الشيءُ الطيبُ فى كل شيء أراه/ أنا أؤمن بالملائكة/ حينما أعرفُ أن الوقت فى صالحى/ سوف أعبرُ الشلال وأجتازُ النهر/ لأن لديّ حلمًا».

Sunday, July 22, 2018

د. عماد جاد يكتب: إنها المنظومة يا ... ٢٢/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


حادٌّ هو الجدل الذى اندلع بين المصريين على مختلف انتماءاتهم ومواقعهم الاجتماعية والاقتصادية، بل العلمية حول ما حدث فى بطولة كأس العالم لكرة القدم التى جرت فى روسيا الاتحادية من منتصف يونيو الماضى إلى نصف يوليو الحالى، طال الجدل مختلف مناحى أحداث المونديال الكروية والاجتماعية والثقافية بل السياسية أيضا، فقد خرجت كافة الفرق العربية والإفريقية من الدور الأول، واحتلت مراكز متأخرة فى ترتيب الفرق المشاركة، هذا بينما برزت على الساحة الكروية قوى لم تكن معروفة من قبل مثل أيسلندا، وتطورت قوى قديمة وقفزت عدة مراكز مثل بلجيكا التى احتلت المرتبة الثالثة عالميا، وفرضت قوى ثالثة نفسها على الجميع، وقدمت صورة نموجية لدولة صغيرة محدودة الموارد، وهى كرواتيا التى تعاطف معها العالم، وخاضت للمرة الأولى مباراة النهائى، وحصلت على المركز الثانى، ونالت احترام العالم، وباتت مطمحا لزيارة ملايين السياح من مختلف أنحاء العالم وهى الدولة التى ظهرت إلى الوجود عقب تفكك يوغوسلافيا فى منتصف تسعينيات القرن الماضى.
انصب شق مهم من الجدل بين المصريين والعرب على أداء الفرق الأوروبية واللاتينية على اللياقة البدنية والانضباط التنظيمى، على حالة الانتماء الوطنى، بل العشق للأوطان الذى بدا واضحا فى أثناء عزف النشيد الوطنى، التأثر الشديد من اللاعبين بسير المبارايات وحالة الدعم الشعبى والسياسى للفرق القومية (الرئيس الفرنسى ورئيسة كرواتيا فى المباراة النهائية)، أجروا المقارنات بين لاعبينا ولاعبيهم، مسؤولينا ومسؤوليهم، وهناك من توقف عند غلبة العناصر الإفريقية على الفريقين الفرنسى والبلجيكى، وهناك من ذهب إلى القول، عقب فوز بلجيكا بالمركز الثالث، بأنه فوز للأفارقة والمجنسين وأبناء الجيل الثانى من المهاجرين، وترددت الأقوال نفسها عقب فوز فرنسا بكأس العالم بقريق أكثر من ثلثيه من أصول إفريقية، وتساءلوا: لماذا تفوز فرنسا بلاعبين من أصول إفريقية ومغربية بكأس العالم، بينما خرجت الدول الإفريقية والعربية من الدور الأول؟
الرد ببساطة شديدة أن هؤلاء اللاعبين الأفارقة والمغاربة ولدوا وعاشوا فى بيئة غربية مغايرة تماما للبيئة التى قدموا منها أو جاء منها آباؤهم، فقد نشأوا فى بيئة غربية تمثل منظومة حضارية وثقافية مغايرة تماما، منظومة متكاملة أساسها ثقافى ينهض على احترام الإنسان بصرف النظر عن عرقة، لونه، دينه أو طائفته، منظومة تقبل التنوع والتعدد والاختلاف وتحترمه وتحافظ عليه، منظومة تستند فى التقييم إلى القدرات والملكات لا علاقة لها بعقيدة الإنسان، إيمانه أو عدم إيمانه، منظومة أنشأت نظما سياسية ديمقراطية السيادة فيها للشعب والمسؤول موظف عام مكلف يخضع للمتابعة والمساءلة. منظومة فصلت بين الدين والسياسة، وأنهت مقولة أن الحاكم يمثل الرب على الأرض، منظومة تقدر العلم وتعلى من قدره، ولا ترى سلطانا على العقل سواه.
باختصار بات هؤلاء الأفارقة والعرب أبناء هذه المنظومة ونتاجا لها، ومن ثم فمن تجنس بجنسية هذه الدول بصرف النظر عن أصله، عرقه، دينه، طائفته، بات مواطنا كامل المواطنة، وانخرط ضمن هذه المنظومة وبات جزءا منها. ومن لم يتجنس وواصل العمل ضمن هذه المنظومة محتفظا بجنسيته الأصلية، حقق قفزات نوعية كبرى ما كان له أن يحققها لو لم ينخرط فى منظومة هذه الدول (مجدى يعقوب، أحمد زويل، فاروق الباز، وفى الرياضة محمد صلاح).

الأنبا موسى يكتب: نبل المقاصد.. لا يكفى! ٢٢/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


لا شك أن شبابنا يواجه تحديات اقتصادية ذات مصادر متنوعة، وبخاصة فى هذا القرن الجديد الحادى والعشرين.. وهذه بعضها:
١- الأزمة المالية العالمية
بدأت فى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب أزمة العقارات، حيث قامت البنوك بتقديم قروض ضخمة لهذا القطاع، دون دراسة لإمكانية السداد، ولجدوى المشروع الكبير، وبعد استحالة السداد المناسب، انهار هذا القطاع، وكانت الخسائر فادحة.
وبدأت الدولة تسعف البنوك من خسائر ضخمة، وذلك من مخزونها الخاص، وحتى الآن لم تظهر جدوى هذه الإسعافات، فمازالت البطالة تتفشى فى الغرب.
وانتقلت العدوى إلى أوروبا، فانهار الاقتصاد اليونانى بسبب ديونه الضخمة، وأخذ قروضاً هائلة من الصندوق الدولى.. وفى الطريق إلى دول أخرى.
حتى أصبح يقال: «إن شمس الاقتصاد التى كانت تأتى من الغرب أصبحت الآن تأتى من الشرق» ويقصدون الصين والهند ودول آسيا.. وها نحن نرى زحف المنتجات الصينية فى كل مكان، ورحلات الشباب من بلادهم إليها!
٢- ازدياد معدلات البطالة
هناك بطالة لحوالى نصف مليون من الشباب سنوياً فى أمريكا.. والبطالة تزداد فى كل مكان، سواء كانت صريحة أو مقنَّعة، وذلك بسبب:
أ- الأزمة المالية العالمية.
ب- ازدياد النسل بصورة غير محسوبة.
ح- نوعية التعليم غير المناسب لسوق العمل.
د- تنامى تيار الخصخصة.
هـ- قلة مشروعات التدريب والتأهيل المهنى الفعال.  
و- عمالة الأطفال وأطفال الشوارع.
٣- تزاوج رأس المال بالسلطة
فمع تقديرنا لدور رجال الأعمال فى إقامة مشروعات تحّد من البطالة وهى أمور لابد منها لاستمرار الاقتصاد فى دوره.. إلا أن «الخصخصة» و«الميكنة»، حينما يتم تبنيها حكومياً، تسهم فى زيادة البطالة. كما أن توغل الرأسمالية يكون على حساب الاقتصاد المنتج، ليحل محله الاقتصاد الريعى. ومن هنا تزداد البطالة، ويقل الإنتاج، ويضعف التصدير. وهناك تجارة يمكن أن تضرب المنتج المحلى.
٤- الميكنة
وهذا تطور سريع، يجعل من الماكينة بديلاً عن عشرات العمال.. ويستحيل أن نطلب من صاحب العمل ألا يستخدم الميكنة لكى يوظف بدلاً منها عمالاً.. هذا تطور حتمى يستحيل أن نتلافاه وإلا فسوف نعادى التطور العلمى العالمى.
٥- الحاجة إلى الطريق الثالث
لا شك أن الاشتراكية رغم نبل مقاصدها، كثيراً ما كانت سببا فى «الفساد والإفلاس».. ولكن الرأسمالية أيضاً تكون- حينما تتوغل- سبباً فى «البطالة» وهروب رؤوس الأموال، والاقتصاد «الريعى» غير المنتج.. لهذا يحتاج العالم الآن إلى ما يسمى بالطريق الثالث الذى يأخذ من الرأسمالية «حرية حركة رأس المال»، ومن الاشتراكية «نبل المقاصد والأهداف»... فيكون نوعاً من الرأسمالية المنضبطة حكومياً، من خلال قوانين ومؤسسات متخصصة.
٦- الاحتياجات أكبر من الإمكانيات
ويظهر هذا جلياً فى احتياجات المعيشة اليومية، والأكثر حين يأتى الاحتياج إلى شقة، أو زواج، أو مشروع حرّ... إلخ.
أضف إلى ذلك التقاليد والعادات المعوَّقة مثل: اتساع الشقة وموقعها، الشبكة، تكاليف الزواج، وحفل الزواج... إلخ.
٧- الانفجار السكانى
تعانى مصر من التناسل المتزايد، فكثيرًا ما يكون هذا عائقًا فى إتمام الزواج أو حتى التفكير فيه! الذى يأكل كل تطور اقتصادى أو معيشى، فنحن كنا ٢٠ مليوناً سنة ١٩٥٢ و٦ ملايين فدان، وفى سنة ٢٠١٠ صرنا ٨٥ مليوناً، مع نمو قليل فى الأراضى الزراعية، والآن ما يقرب من ١٠٠ مليون!
أضف إلى نقص الرقعة المنزرعة نقص المياه، واحتمالات تهديد مواردنا المائية، وإصرارنا على الرى بالغمر، بدلاً من الرش أو التنقيط.
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Saturday, July 21, 2018

البرديات المخفية! بقلم د. وسيم السيسى ٢١/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


هل كنت تحب أن تعيش فى عصر قدماء المصريين ولا أقول الفراعنة لأنه خطأ، فلاندرز بترى وأنت لا تحبها! قلت: أحب أن أعيش بعد آلاف السنين، قبل اليوم الموعود بعشر سنوات، حتى أرى ما وصل إليه هذا المخلوق الرائع- الإنسان- من علوم وإنجازات.
سألتنى: ما الشىء الذى تتمنى أن تعرفه وغير قادر على أن تعرفه؟
قلت: البرديات التى وجدها كارتر فى مقبرة توت غنخ آمون ١٩٢٢م، ثم اختفت بعد ذلك!
قالت المذيعة: أرجو أن توضح أكثر!
قلت: كان هناك ٥٣٩٨ قطعة فى مقبرة توت، تمت سرقة الكثير منها مثل بوق إعلان الحرب الموجود الآن فى الـB.B.C، هيئة الإذاعة البريطانية، الخاتم الذهبى لتوت فى متحف المتروبوليتان فى نيويورك، ولكن أخطرها البرديات! كان مدير الآثار فى ذلك الوقت مرقس باشا حنا منع كارتر من التنقيب بعد أن فاحت سرقاته، ذهب كارتر لسعد زغلول دون فائدة، رفع قضية دون فائدة، ذهب لمساعد القنصل البريطانى ١٩٢٤ يطلب منه أن يعود للتنقيب، رفض مساعد القنصل، فألقى كارتر بهذه القنبلة.
لدىّ برديات تغير التاريخ اليهودى كله وقصة الخروج! هنا عاد كارتر للتنقيب! كتب عن هذا الموضوع الكاتب الصحفى محسن محمد فى كتابه: سرقة ملك مصر، كما كتب عنه توماس يونج، مدير متحف المتروبوليتان، فى كتابه: القصة التى لم تقل.
كما كتب أندروكولنز، كريس هيرالد: «توت عنخ آمون ومؤامرة الخروج». وترجم هذا الكتاب دكتور رفعت السيد، وتحدث عنه عاشق المصريات محمد عاصم.
اختفت البرديات، وحين سألوا كارتر عنها قال: لقد أخطأت، كانت ملابس توت الكتانية!
تحدث اللورد كارنارفون إلى اثنين من أصدقائه عن هذه البرديات، اختفى هؤلاء الشهود بعد ذلك، كما مات كارنارفون فى ظروف غريبة بعد كشف المقبرة بسنة، قالوا عنها لعنة الفراعنة.
جدير بالذكر، أن كارنارفون كان فقيراً، تزوج من ابنة ألفريد روتشيلد وكان اسمها Almenia، ورثت عن والدها ثروة طائلة، وهذا يوضح صلة كارنارفون باليهود. لماذا لا يصدر قانون أن يكون خمسون بالمائة من بعثات التنقيب من المصريين؟! بل لماذا لا يكون التنقيب من أوله لآخره من المصريين؟! لدينا العلماء وكليات الآثار تتفرج على الأجانب يعبثون بتاريخنا كما عبثوا بعقائدنا- الإسرائيليات- تاريخنا انتقائى ومزيف لأننا تركناه فى أيدى المزورين.
إنها صرخة دكتورة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها الرائع: أعيدوا كتابة التاريخ!

المحروسة عاصمة جديدة لمصر بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢١/ ٧/ ٢٠١٨- المصري اليوم

أحد كُتابى المفضلين، الذى أستمتع بهم نثراً وشِعراً، هو الأستاذ فاروق جويدة. وقد لفت انتباهى استخدامه الدائم لوصف المحروسة، كإشارة إلى مصر، وآخرها فى عموده هوامش حُرة، فى الأهرام، الجمعة ٦ يوليو الجارى، وهو ينقد حكومتنا السابقة، لعدم قيامها بإعداد المواطنين نفسيا، قبل أن تتخذ بعض قراراتها المهمة، حيث كتب: «لا توجد حكومة فى العالم لا تُمهد الرأى العام لقراراتها، وتترك المواطنين حائرين بحثاً عن الأسباب أو تحمُّل النتائج، أو الغضب الصامت إلا فى أرض المحروسة».
ورغم موافقتى على مضمون مقاله المذكور عموماً، إلا أننى أنوّه هنا فقط عن استخدامه لكلمة المحروسة، للإشارة إلى مصر.
والطريف هو أن هذا اللفظ، المحروسة، كان هو بالفعل نفسه الذى دأب الكثيرون من الحُكام والمحكومين، فى وادى النيل، على استخدامه للإشارة إلى مصر طوال القرون الأربعة، من السادس عشر إلى العشرين. وحيث كانت العاصمة والبلاد كلها يُطلق عليهما نفس الاسم، وهو مصر. وأذكر فى طفولتى أنه كلما توجهت أسرتى إلى العاصمة فقد كنا نقول، نحن ذاهبون أو عائدون من مصر. أى أن الشائع كان التماهى بين العاصمة والديار المصرية كلها. وربما كان ذلك لأن كل السُلطة ومعظم الثروة كانت مُركّزة فى العاصمة، فأصبحت القاهرة فى الخيال الشعبى هى مصر، وأصبحت مصر هى القاهرة.
أما الآن، ومصر كلها فى مرحلة إعادة بناء نفسها، وضمن ذلك تخفيف الكثافة السُكانية عن المُدن الكُبرى، التى تحولت أجزاء كبيرة منها إلى عشوائيات، يُقدر المُتخصصون حجمها بحوالى ٣٥ فى المائة من سُكان تِلك المُدن.
وحسناً فعلت الدولة بفكرة وخطة عاصمة إدارية جديدة. ورغم أن هناك مَنْ ينتقدون القرار، إما بسبب ما ينطوى عليه من نفقات باهظة، فى رأيهم كان الأولى أن تُنفق على إصلاح وتجميل العاصمة القديمة، أو لأن الموقع ليس بعيداً عن العاصمة الحالية، وهو ما يُهدد بنمو كُتلة عمرانية حضرية مُتصلة مع العاصمة الحالية (القاهرة)، أى أننا سنكون بصدد نفس المشكلة خلال جيل واحد (أى الخمس وعشرين سنة القادمة). وكأنك يا أبوزيد ما غزيت! كما يقول المثل الشعبى.
ولكن هذا الكاتب يؤيد الاتجاه إلى إعادة نشر العمران خارج الوادى والدلتا، اللذين لا يُمثلان أكثر من ستة فى المائة من مساحة مصر الكُلية (وهى مليون كيلو متر مربع).
ولكن عودة إلى تسمية العاصمة الجديدة. هناك بُلدان أخرى اختارت لنفسها مواقع وأسماء لعواصم جديدة، واكتفت بإضافة لفظ جديد مع نفس الاسم القديم. من ذلك أن الهند، بعد استقلالها عن بريطانيا عام ١٩٤٧، شرعت فى بناء عاصمة جديدة، بديلة للعاصمة دلهى، وأطلقت عليها لفظ الجديدة (New)، فأصبحت نيودلهى. وحدث شيء مُشابه فى البرازيل، حيث قررت منذ خمسين عاماً أن تنقل العاصمة من المدينة المليونية الكبيرة ساو باولو، وبعيداً عن مليونية أخرى قريبة وهى ريو دى جانيرو، وأسّست برازيليا فى الداخل البرازيلى على مسافة مائتى كيلو متر من كلا العملاقين الحضريين على الشاطئ الغربى للمحيط الأطلنطى. ونجحت البرازيل بالفعل فى اختراق تعبير الداخل البرازيلى الشاسع، والذى ظل مُهملاً لأكثر من ثلاثمائة سنة.
وعودة إلى موضوعنا، وهو اقتراح تسمية العاصمة الجديدة بكلمة واحدة، وهى «المحروسة» (Mahrousa)، ليسهُل كتابتها ونُطقها بكل اللغات الحية، وهو أفضل من الكلمات الثلاث.
وعلى الله قصد السبيل

Thursday, July 19, 2018

الخوف من الخوف بقلم فاطمة ناعوت ١٩/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

أحيانًا، يصحو المرءُ على خوفٍ مبهم لا سببَ محددًا وراءه، ومتعددة أسبابُه فى آن. الخوفُ من الغد، من المرض، من الشيخوخة، من العَوَز. الخوف على الأولاد، والخوف من غدر الزمان، وهلمَّ جرّا. تلك مخاوفُ إنسانيةٌ طبيعيةٌ، بل ربما صحيّة، لأنها تحُثُّ المرءَ على العمل والأخذ بالأسباب. لكن ثمة مخاوفَ مرضيةً نمطيةً سجّلتها الموسوعةُ السيكولوجية تضمُّ ستمائة نوع من الفوبيا، Phobia. وهى كلمة إغريقية تعنى «الرُّهاب»، وهو الدرجة العُليا من الخوف المَرضيّ. وكل الملحقات التى تتصل بها مفردات إغريقية كذلك. رهابُ الأماكن الضيقة Claustrophobia، الأماكن الواسعة Agoraphobia، المرتفعات Acrophobia، وغيرها. وبعضها شاذٌّ عجيب، مثل رهبة أشياء محببة للنفس؛ مثل الخوف من الزهور Anthrophobia، من الذهب Aurophobia، من العدالة Dikephobia، من سماع الأخبار السارّة Euphobia، من المعرفة Gnosiophobia، من سماع الموسيقى Melophobia!!! أنا شخصيًّا مصابة بإحدى الفوبيات الشاذة، غير المدرجة فى تلك الموسوعة، لأنَّ لا ترجمةَ إغريقيةً ولا لاتينيةً لها، ولا حتى بأية لغة سوى العربية، ذاك أن المفردة ابنةٌ كاملةُ الشرعية لثقافتنا الإسلامية. أخاف من المسحراتى! صوتُ دقات طبلته يرعبنى! والسبب قديمٌ يعود إلى طفولتى. حين كانت مُربيتى تهددنى لو لم أشرب كوب الحليب سوف تجعل المسحراتى يحبسنى فى «الطبلة»! ركضتُ إلى أبى أسأله ما معنى «طابية»، فقال حصنٌ يختبئ فيه الجنود. واستقرّ فى عقلى الصغير آنذاك، الذى خلط بين الكلمتين، أن المسحراتى رجلٌ ضخم يحمل فوق ظهره حصنًا يحبس فيه الصغار الأشقياء.
ولأننى هذه الأيام أصلُ الليلَ بالنهار فى مكتبى من أجل ترجمة روايتين ضخمتين سوف تصدران عن دار «المدى» ببغداد، فقد صحوتُ هذا اليوم على خوف مروّع من فقدان بصرى! أرجو ألا يتوغّل داخلى ذلك الخوفُ فيغدو فوبيا العماء Scotomaphobia.
ولكى «أُخَوُّفَ» الخوفَ منى، قررتُ أن أفتِّشَ عن رهابه الخاص. ما قاله الفلاسفةُ والأدباء حول «الخوف». فالهجومُ، كما تعلمون، خيرُ وسيلة للدفاع. فوقعتُ على مقولات جميلة، قررت أن أترجم لكم أجملَها، لنحتشدَ جميعًا صفًّا واحدًا منيعًا ضدّ عدو البشرية المزمن: الخوف.
يقول الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، فى خطابه الأول بعد تولّيه الرئاسة العام ١٩٣٣: «الشىءُ الوحيدُ الذى علينا أن نخافَه، هو الخوفُ ذاته، لأنه بلا اسم، بلا عقل، بلا مبرر، مجردُ رعبٍ يشِلُّ طاقاتنا التى نحتاجُ إليها؛ فنحوّلَ التراجعَ، تقدّمًا». ويقول كولريدج: «فى السياسة، ما يبدأ بالخوف، عادةً ما ينتهى بالحماقة». ووضع فريدريك نوت، الخوفَ على رأس قائمة الدوافع الخمسة للقتل: «الخوفُ- الغيرةُ- المالُ- الانتقامُ- وحمايةُ من تحبُّ». وقال إدجار وليس فى كتاب «دليل الشمعة المجدولة»: «الخوفُ طاغيةٌ مستبدٌّ، أكثرُ رعبًا من مِخْلَعة، وأشدُّ فحولةً من أفعى». وأما «المخلعة»، فهى أداة تعذيب كانت تستعمل فى بريطانيا القروسطية. يتم خلالها مطُّ جسم الإنسان على إطار خشبى مستطيل، حتى يتمزّق. وما زالت هناك نسخةٌ منها فى برج لندن. ويقول المثل الألمانى: «الخوفُ يجعل الذئبَ أكبر حجمًا، مما هو عليه فعلا». ويقول الرومانى بوبليوس سيروس، فى القرن الأول قبل الميلاد: «ما نخافه سوف يمرُّ أسرعَ مما نأمل فيه وننتظره». أما الفاتنة بريجيت باردو فقالت: «الوحدةُ تُخيفنى. تجعلنى أفكر فى الحب، والموت، والحرب. أحتاج إلى أن يتشتت ذهنى ليخرج من القلق، والأفكار السوداء». أما الجميل صلاح جاهين، فقال فى إحدى رباعياته: «سَهّير ليالى وياما لفيت وطُفْت/ وفْ ليلة راجع فى الضلام قُمت شُفْت/ الخوف كأنه كلب سَدِّ الطريق/ وكنت عاوز أقتله/ بس خُفْت/ عجبى!».
أما أنا، فسأقول لنفسى ما قاله فرانك هربرت فى تعويذة بينى جيزيريت «الابتهالُ ضد الخوف»: يجب ألا أخاف. الخوفُ قاتلُ العقل. الخوفُ هو الميتةُ الصغرى التى تجلب المحوَ التام. سوف أواجه خوفى. سأسمحُ له بأن يعبرَ فوقى، ومن خلالى. وحينما يمضى سوف أشخصُ بعيونى الداخلية لأتأملَ طريقه الذى سلك. الخوفُ قد مرَّ ولن يكون هناك شىء. وحدى أنا سوف أبقى».

Tuesday, July 17, 2018

«الزوجة المكسيكية» رواية مبهرة بقلم د. محمد أبوالغار ١٧/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم

إنه عمل روائى مذهل عن أعظم القصاصين المصريين، نشر فى القاهرة حديثاً. العمل يجمع بين أحداث تاريخية مهمة لم يكن يعرفها أحد عن العبقرى، أهم كتاب القصة القصيرة فى مصر والأدب العربى كله، ولأنه كان شخصية فذة وكتب الرواية والمسرح والمقالات الصحفية وكان يثير ضجة من الإعجاب به والهجوم عليه فى كل مكان يظهر فيه أو حدث يشارك به، كان اكتشاف زواجه، الذى استمر لمدة عام فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، من مهندسة معمارية من المكسيك وهى أيضاً بنت أحد أهم الفنانين التشكيليين فى العالم كله وهو دياجو ريفيرا، حدثاً مثيراً. الرواية تكشف الكثير عن تفاصيله وهو أمر يهم كل المهتمين بالأدب والفن والثقافة والتاريخ وحب مصر ورجالها العظماء.
الرواية تحكى عن فترة شديدة الأهمية فى تاريخ مصر الحديث وهى السنوات التى تلت ١٩٥٠ وفيها حركة الجيش عام ١٩٥٢ والتحولات والمعارك التى حدثت فى ١٩٥٤ ليصبح عبدالناصر الزعيم والرئيس الأوحد.
هذه رواية بها كل مقومات الفن الروائى وليست كتاباً عن التاريخ ولكنها تكشف أحداثا تاريخية حقيقية وضعت داخل إطار روائى محكم. الرواية تحكى عن أستاذ فى الجامعة الأمريكية تدهشه إحدى طالباته وهى فتاة أمريكية حضرت من كاليفورنيا لتقوم بدراسة الماجستير عن رواية البيضاء للأديب الراحل يوسف إدريس، وهذه الرواية أثارت ضجة كبيرة لأن اليسار اعتبرها هجوماً عليه، وأن إدريس تخلى عن توجهه اليسارى بعد خروجه من المعتقل فى أوائل الخمسينيات. اكتشفت الطالبة بمساعدة أستاذها القصة الحقيقية الموثقة عن زواج الكاتب الشهير من الفتاة المكسيكية، وحدث ذلك حين كان كاتبنا ضمن وفد اليسار المصرى فى مؤتمر السلام فى فيينا عام ١٩٥٣ وتعرف عليها فى المؤتمر الضخم، وكان أبوها الفنان العالمى وزميله بيكاسو رؤساء المؤتمر. تحكى الرواية كيف اشتعلت قصة الحب فى فيينا التى كانت مقسمة بين الحلفاء الأوروبيين وكان لجرأة وجسارة كاتبنا العبقرى أثراً كبيراً فى وقوع الفتاة المكسيكة فى حبه. وأقامت لمدة عام بالقرب من ميدان السيدة زينب واستمرت الحياة بحلوها ومرها وتقلباتها مع جنونه وعبقريته فى فترة عصيبة من تاريخ مصر، وفى النهاية انفصلا وعادت للمكسيك حيث تزوجت مرة أخرى وأنجبت.
تتحدث الرواية عن حياة الكاتب فى طفولته وفى الجامعة حيث كان زعيماً طلابياً وبدايته الإبداعية ومعاناته فى الكتابة وكتب معبراً عن فترة أوائل الخمسينات «لقد شكلت الأقدار طريقها عبر الأحلام الكبيرة والألم الدفين. اليوم عندما أنظر لتلك السنوات تصدمنى حقيقة أن النهايات ارتبطت بالبدايات، وخدعت نفسى استسلمت لفكرة مفادها أن الاستبداد المؤقت قد يفضى إلى العدل والتحرر والهزيمة التى تلتها كانت قاسية وكان أقسى منها خداع النفس، تنازلنا عن حريتنا كأفراد وجماعات وتيارات وجعلناها قرباناً لتحقيق الاستقلال والعدل الاجتماعى وحرية الأوطان وفوجئنا بعد سنوات باحتلال للبلاد من جديد».
ينتقل المؤلف بين طالبة الماجستير وأستاذها وعثورهم على تفاصيل حياة الأديب العبقرى وزوجته المكسيكية وكيف تم لقاؤهما وزواجهما ثم الانتقال إلى مصر حتى انتهى الزواج. قام المؤلف بدراسات متأنية لتوثيق الوقائع التاريخية قبل أن يضمها للبناء الروائى والحبكة الفنية، هناك تفاصيل مثيرة فى الرواية مثل علاقة تحية كاريوكا بالتيار الماركسى، وذكر كثير من الصحفيين المرموقين آن ذاك بأسماء رمزية، أما الضباط الأحرار فذكرهم بأسمائهم الحقيقية ومن بين السطور ومن الأحداث نعرف ما حدث للصحافة المصرى التى أصبحت صحافة الرأى الواحد بلا روح.
الرواية تعكس أحداث وروح أوائل الخمسينيات للمتمرد على الماركسية وبها تفاصيل مثل طلب عبدالناصر مقابلة بطل الرواية يسأله عن قصده الحقيقى فى قصة قصيرة نشرها فى جريدة المصرى وقال له زملاؤه حالك أحسن من عبدالرحمن الشرقاوى الذى اعتقل بسبب كتابته لرواية الأرض. وتنتقل الرواية إلى المكسيك لتحكى ما حدث لزوجته السابقة بعد الانفصال والعودة.
تستلهم الرواية بعض النصوص من رواية البيضاء أحدها «وكان يتكلم عن مصر ولكننى كنت أحس أن مصر التى يتكلم عنها غير مصر التى أعرفها. كان يتكلم عن الثورة ولكنى أحس فى أعماقى أن الثورة التى يتكلم عنها غريبة عن نفسى تماماً وكأنها ثورة لا يمكن تحقيقها إلا فى الكتب وحتى الكتب التى كان يحملها كانت فى أغلبها فرنسية».
إنها حقاً رواية رائعة تحكى عن جانب تاريخى هام ومثير فى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى للكاتب الطبيب د. إيمان يحيى.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


Monday, July 16, 2018

لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟ بقلم فاطمة ناعوت ١٦/ ٧/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


لاحظ علماءُ الاجتماع أن المجرمين والسفّاحين والُمتحرشين واللصوصَ والغلاظَ والمتطرفين والإرهابيين، وغيرهم من الخارجين عن ناموس الإنسانية، نادرًا ما يستمعون إلى الموسيقى أو يرتادون المسارحَ أو دُوْرَ الأوبرا وغيرها من محافل الفنون الراقية. لكنّها ظلّت ظاهرةً أو ملاحظةً ينقصُها الدليلُ العلمى الذى يؤكدها، أو ينفيها.
عكف العلماءُ على محاولة تفسير تلك الظاهرة العجيبة عن العلاقة العكسية والتاريخية بين تعاطى الفنون، وتعاطى الجريمة، من خلال تشريح ودراسة وظائف المخ البشرى. وخَلصَت النتائجُ إلى أن الإنصات إلى قطعة موسيقية راقية، أو مشاهدة لوحة فنية مدهشة، أو حضور عرض مسرحى مُبهر- يُحفّزُ المخَّ البشرى على إفراز هرمونات تساعدُ خلايا فصّ الدماغ الأيمن على العمل. والفصُّ الأيمنُ من المخ هو المسؤول عن إنعاش الجانب الرومانسى فى الإنسان والحثّ على الإبداع والخلق والحدس والخيال والاختراع. أما الفصُّ الأيسر من المخ البشرى، فهو الفصُّ الفاعل النشِط بشكل دائم، فى الدماغ. وهو المسؤول عن الجوانب العملية من النشاط البشرى اليومى، مثل تسيير الأمور الحياتية والغريزية لدى الإنسان؛ كالحفاظ على الحياة والشعور بالخطر لتجنّبه وتنظيم الغرائز المعتادة من طعام وشراب ونوم، وغير ذلك. ومحصّلة ما سبق هو أننا «نستمع» إلى الموسيقى بفصّ أدمغتنا الأيسر، لكننا «نتذوّق» الموسيقى بالفصّ الأيمن من الدماغ. وكذلك «نشاهدُ» الباليه والعروض المسرحية بالفصّ الأيسر لأدمغتنا، لكننا «نسمو» و«نعلو» ونستخلص القيم الرفيعة من تلك الفنون، فقط بالفص الأيمن من أدمغتنا. كذلك أثبت العلماءُ أن الفصَّ الأيمن هو الأنشط فى الإنسان الذى يسخدم اليد اليسرى، أى «الأعسر»، أو «الأشول». وهذا ربما يُفسّر لنا ظاهرة أخرى هى أن كثيرًا جدًّا من الفنانين والعلماء؛ يستخدمون اليد اليسرى.
فى كتابى الجديد الكتابة بالطباشير الملوّن، وشيك الظهور عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، حاولتُ أن أطرح بعض الرؤى التى تؤكد قيمةَ الفنون الراقية فى بناء الإنسان وتشييد الحضارات ونهوض المجتمعات. فثمة علاقة وثقى ومباشرة، أثبتها علماء الأنثروبولوجى والسوسيولوجى، بين عُلوّ الفنون واحترامها فى مجتمع ما، وبين مستوى تحضّر مواطنى ذلك المجتمع وحسن سلوكهم، ورُقى أخلاقهم.
أتذكّرُ معكم الآن زيارة الفيلسوف الإغريقى أفلاطون لمصر الجميلة فى القرن الرابع قبل الميلاد، قبل نشوء الحضارات والمجتمعات فى أرجاء الأرض. جاء أفلاطون إلى مكتبة الإسكندرية القديمة لينهل من علومنا وفنوننا. وفى أحد النهارات السكندرية الطيبة، وجّه الفيلسوفُ كلامَه إلى أبناء شعبه الإغريقى فى أثينا، قائلاً فى كتابه (القوانين): «الموسيقى فى مصرَ كاملةٌ متكاملةٌ. وعلى الشعب اليونانى أن يستمع إلى الموسيقى المصرية، ليتعرّفَ على ما فيها من عناصر ممتازة، فنيًّا وأخلاقيًّا وتربويًّا، دونًا عن موسيقى كلّ الشعوب الأخرى». ثم ختم مقولته بعبارته الشهيرة، التى تُعدُّ نصيحةً قيّمة لشعبه اليونانى: «علّموا أولادكم الفنون، ثم أغلقوا السجون». وقصَدَ أفلاطون بهذا أن الجريمةَ والفنون لا تجتمعان فى مكان واحد. تختفى الجريمةُ من المجتمع الذى يتعاطى أبناؤه ألوان الفنون الراقية كافةً من مسرح وشِعر وموسيقى ونحت وتشكيل، وغير ذلك.
هكذا وصل الفيلسوفُ بذكائه وفطنته وثقافته الموسوعية، منذ خمسة وعشرين قرنًا إلى ما أكّده العلمُ فى العصر الراهن، كحقيقة علمية تشريحية مؤكدة، لا تقبلُ الشكَّ. وفيما بين الفيلسوف القديم الملاحِظ، والعالِم الحديث المؤكِّد، وصل أديبٌ عظيمٌ إلى الحقيقة ذاتها، فدوّنها فى أحد أعماله الخالدة. هو البريطانى وليم شكسبير ابن القرن السابع عشر. فى مشهد جميل من مسرحية «يوليوس قيصر»، كان قيصر يستعرض قائمةَ الشخصيات المرشحة لخيانته والتآمر ضدّه بُغيةَ اغتياله. فمرّ ببصره فوق اسم ربيبه «بروتوس»، فلم يتوقف كثيرًا. فقد كان يوقن أن ظهره آمنٌ من غِيلة تلميذه المخلص، قبل أن يعرف أنه سيكون قاتله. ثم وقعت عيناه على اسم «كاسيوس»، فهتف لنفسه قائلاً: «إن كان على أن أحذرَ أحدًا، فليس إلا كاسيوس. احذرْ كاسيوس، فإنه لا يحبُّ الموسيقى!».
صدق أفلاطون، وصدق شكسبير، وإن خانه حدسُه، وصدق العلمُ، وصدقت من قبلهم جميعًا الموسيقى، وصدق الفنُّ الرفيع.