Translate

Thursday, August 31, 2017

خالد منتصر - نجيب محفوظ ودرس خصوصى فى علم الجنس - جريدة الوطن - 31/8/2017

عين الأديب الفنان مختلفة ومتفردة ومتميزة عن عيون كل البشر، فهى ليست مجرد قرنية تمرر الصورة وعدسة تركزها وشبكية تستقبلها على فيلمها الحساس، ثم ترسلها إلى المخ للترجمة، عين الفنان تنفذ إلى الروح وتخترق ما وراء المشهد، عين لها أجنحة شفافة تزيل الركام والصدأ وتنفذ إلى النواة والجوهر مباشرة. نجيب محفوظ هذا الهادئ الباسم المنضبط كساعة بيج بن، كان يمتلك تلك العين، لذلك أصبح نجيب محفوظ العبقرى الذى لا تتخيل وأنت جالس معه على مقهى الفيشاوى مستغرقاً فى الحوار، أنه ينفذ بأشعة إكس عابراً رواد المقهى وعابرى السبيل وحتى البلطجية وبائعات الهوى، لم أتخيل وأنا أدرس علم السكسولوجى فى قصر العينى على يد د.سعيد عبدالعظيم من وجهة نظر الطب النفسى، وعلى يد د.شوقى الحجار من زاوية الأمراض العضوية الجنسية، لم أتخيل أننى سأكتشف رواية «السراب»، وأعيد قراءتها بعين مختلفة، وأكتشف أيضاً أن هذا العبقرى الساحر استطاع فى عام 1948 أن يشرح نظريات فى علم السكسولوجى بمهارة ورؤية لا تقل وضوحاً ونفاذاً عن رواد علم الجنس، مثل ماستر وجونسون وكينزى وكابلان وقدمها وتناولها قبلهم بأكثر من ربع قرن. الضعف الجنسى الذى أصاب كامل رؤبة لاظ ليلة الدخلة والاضطراب الذى عصره كثعبان الأناكوندا ليلة زفافه، هو نموذج يُدرس فى جامعات العالم لمشاعر وأحاسيس العريس العاجز جنسياً، كيف استطاع نجيب محفوظ أن يتخلص من زخارف الكتابة الروائية المملة الثقيلة وقتها، وأن يصنع لنا تلك الجوهرة الروائية بتلك البساطة الآسرة، اقرأوا هذا الاقتباس على لسان كامل رؤبة لاظ، ثم أكملوا قراءة باقى المشهد من الرواية لكى تكتشفوا أنه كان يستحق مائة نوبل، يقول «كامل»: «إننى فى حلم سعيد، ولكن الخوف لا يزايلنى واليأس يثير فى وجهى غباراً، وكيف لى بالنجاة وجسمى ميت لا حياة فيه؟ وأحرق جفاف الخوف حلقى، ووقفت حيال عجزى ويأسى حائراً أتساءل: أى شيطان أغرانى بالزواج؟ ألم يكن عذاب الحسرة القديم خيراً من هذا العذاب؟ كيف خاننى جسمى؟ وإلام يدوم هذا اليأس؟!!»، كيف وصل «كامل» إلى نقطة اللاعودة الجنسية، وكيف خانه جسده اللاهث وسُدت أمامه منافذ النشوة برغم الشبق والشوق إلى جسد زوجته «رباب» التى يحبها ويعشقها؟! إنها الأم، إنها عقدة أوديب.
Oedipal sexual conflict بصورتها الكلاسيكية، أو كما يقولون «زى ما بيقول الكتاب»، أم متسلطة تحب الابن بجنون، وفى غياب الأب تستبدله بكامل، الذى ينسحق أمامها كالمنوم مغناطيسياً، تضطرب الصور أمامه، فلا يعرف هل زوجته هى رباب، أم هى أمه التى لا يجب أن يمسها برغم عشقه لها، إحساس مزمن بالذنب، ارتباط شرطى بين الجنس والدنس والخطيئة والنجاسة، دائرة مفرغة من فشل يقود إلى فشل، منحنى جليدى يشده إلى هوة سحيقة بلا قاع، هنا تلمع الفكرة البكر الطازجة واللقطة العبقرية التى ذكرها علم الجنس فيما بعد تحت عنوان situational impotence، الضعف الجنسى طبقاً لتغير الموقف والرفيقة أو الطرف الآخر، «كامل» العاجز جنسياً عن إقامة علاقة مع زوجته «رباب» ذات الحسب والنسب الجميلة المؤدبة المعطرة، هو نفسه الذى يقيم علاقة جنسية ناجحة وملتهبة مع المعلمة «عنايات» السوقية البدائية المخاصمة للجمال وللإتيكيت!! جثة مع «رباب» وهرقل مع «عنايات»!! موقف نشاهده فى عياداتنا كثيراً وأصبح له توصيفه العلمى، ولكن عين زرقاء اليمامة نجيب محفوظ الرادارية اكتشفته قبل صك المصطلح العلمى بعشرات السنين، طرح علينا «محفوظ» إجابات متعددة عن سبب فك عقدة كامل رؤبة لاظ مع «عنايات» وتركنا لنختار الحل الأنسب والإجابة الأمثل، هل لأن «عنايات» فاعل لا مفعول به؟ هل لأنها أسقطت الحواجز وقدمت له الجنس الخام دون شوكة وسكين وحفلة كوكتيل دبلوماسى؟!!، هل لأنها كانت بعيدة عن صورة الأم الطاهرة المثالية ما سمح له بانتهاك كل المسكوت عنه فى العلاقة واقتحم بجرأة منطقة الألغام تحت شعار هذه امرأة ساقطة مختلفة عن أمى، ولا يمكن أن تكون أمى، لذلك سأفعل معها وأمارس كل الخطايا؟!!.. إلخ.
هكذا العباقرة وفلتات الزمن الأدبية ودرر التاج الروائى والفنى، مع كل قراءة تكتشف زاوية كانت غامضة عليك من قبل، كقطعة الكريستال لها ألف وجه ووجه، وكلها بنفس اللمعان والتألق.

Tuesday, August 29, 2017

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار (2) - جريدة الوطن - 30/8/2017

ذكرنا أمس أن الرئيس السادات، وبفعل علاقاته مع الولايات المتحدة وبدء تدفق المعونات الأمريكية على مصر، أطلق مقولته الشهيرة إن «الولايات المتحدة تمتلك 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط». وبدا واضحاً أنه كلما سارت مصر فى طريق تنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة وتوسيع إطار التطبيع مع إسرائيل، حصلت على ما تريد من واشنطن، والثمن كان فقدان هامش الاستقلالية الذى تتمتع به السياسة الخارجية المصرية فى المنطقة. حافظ «مبارك» على سياسة التبعية للولايات المتحدة وتبنى رؤيتها بالكامل إلا قليلاً، واستمر الحال كذلك إلى أن وقعت اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001 وتبنى إدارة جورج بوش الابن سياسة الشرق الأوسط الجديد ثم الفوضى الخلاقة، وإذا كانت واشنطن قد احتاجت مصر فى غزو أفغانستان ثم العراق، فإن التسليم العربى العام بدور واشنطن فى المنطقة ثم الانفتاح العربى على إسرائيل وطرح مبادرات السلام والاتصال الفلسطينى المباشر بواشنطن، دفع الأخيرة إلى تقليص مساعداتها تدريجياً لمصر فقد كثر عدد من تطوع لخدمة السياسة الأمريكية فى المنطقة، كما أن إسرائيل اشتكت بمرارة من تصاعد قوة الجيش المصرى بفعل برنامج المعونات والمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. لذلك كان عام 2004 هو عام آخر زيارة لمبارك إلى الولايات المتحدة. وجاء باراك أوباما عام 2009 حاملاً سياسة تغيير نظم الحلم فى الشرق الأوسط، وتبنى مع إدارته رؤية إحلال قوى الإسلام السياسى محل النظم القائمة فى عدد من الدول العربية الجمهورية مثل مصر، تونس، ليبيا، سوريا واليمن، ولذلك اتبع سياسة التضييق على هذه النظم والتشهير بها عبر ملفى حقوق الإنسان والتطور الديمقراطى، وبدأت الاتصالات المباشرة مع التنظيم الدولى للجماعة، وتم خلال هذه الاتصالات التفاهم على دعم واشنطن لهذه الجماعات فى الوصول إلى السلطة مقابل حماية ورعاية المصالح الأمريكية فى المنطقة من ناحية، والعمل على التسوية السلمية للقضية الفلسطينية من ناحية أخرى، وهنا طرحت فكرة تطبيق خطة الجنرال الإسرائيلى جيورا أيلاند للتسوية فى المنطقة وفق مبدأ تبادل الأراضى، وفى إطاره تعهدت الجماعة بتجنيس أكبر عدد من الفلسطينيين بالجنسية المصرية، وتقديم نحو ألفى كيلومتر مربع من أراضى شبه جزيرة سيناء لتوسيع قطاع غزة جنوباً فى رفح والعريش مقابل حصول مصر على نحو مائتى مليار دولار من صندوق تعويضات دولى تسهم فيه دول العالم المتقدم ودول الخليج الغنية مع تعويض مصر بمساحة معادلة من صحراء النقب.
سارت الخطة ووصلت الجماعة إلى السلطة وبدأ التحرك لتنفيذ المخطط ومعه تفتيت الكيانات الكبيرة فى المنطقة وعلى رأسها مصر والسعودية، مع تسهيل عملية سيطرة الجماعة على دولة خليجية غنية حتى يمكنها الإنفاق على خططها الإقليمية، وقد وقع الاختيار على دولة الإمارات العربية المتحدة. سار المخطط ووقعت مصر فى الفوضى وسقطت ليبيا فى يد الجماعات، وتمزقت سوريا، ودخل اليمن فى حرب أهلية، ثم ثار الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو وأطاح بحكم المرشد والجماعة ومعهما المخطط الأمريكى للمنطقة بالكامل، فتبدل الحال وبدأت واشنطن فى سياسات عقابية للنظام الجديد فى مصر، وكانت البداية بوقف الأسلحة والمعدات السابق التعاقد عليها وتقليص المساعدات الاقتصادية والتلاعب بالمساعدات العسكرية.
وللحديث بقية

خالد منتصر - هل عمدة البندقية غلطان؟! - جريدة الوطن - 30/8/2017

خرج عمدة مدينة البندقية بعد أحداث الدهس والطعن الأخيرة فى برشلونة وبلجيكا وفنلندا.. إلخ، بتصريح صادم يقول فيه إنه سيُطلق النار على أى شخص يصرخ «الله أكبر»، وأن من يرد الذهاب إلى الله بسرعة فسيتكفل هو بإرساله مباشرة!!، لكن هل هذا العمدة اليمينى هو رد فعل أم فعل؟!، هل تصريحه قد صدر فجأة نتيجة حلم أو كابوس فى المنام، أم نتيجة دم وأشلاء فى الواقع؟!، هو صادم نعم، لكننا نحن من غذّينا يمينيته، وروينا بذرة هذا التصريح، نحن من نتحمل الخطأ، وليس هذا الرجل، نحن من قتلنا بالبندقية، وليس عمدة البندقية، ومن إيطاليا ودروسها المستفادة إلى مصر ونارها المتأجّجة، فالإرهاب الإخوانى وأحفاده من الدواعش والجهاديين و«القاعدة» و«أنصار بيت المقدس» إلى آخره من أفاعى التأسلم السياسى، استطاعوا تغيير آية «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» إلى «ألا بذكر الله تقطع الرؤوس»!!، هم الذين يدّعون أن أعداءهم هم من يغيرون كلمات الله ونصوصه المقدّسة، باتوا يؤلفون ديناً جديداً يحض على الإرهاب والذبح وقطع الرؤوس وبتر الأطراف وسحل الجثث، يقتلون باسم الله ويذبحون الضحية أمام الشاشات، وهم يهتفون «الله أكبر» وتحت راية مكتوب عليها لفظ الجلالة!!، أى رب أمرهم بهذه الهمجية وبهذا التوحُّش، علينا قبل حظر التجول أن نطبّق حظر التكفير، علينا قبل اتهام اليمين الأوروبى أن نجتث هذا اليمين الجهادى، علينا قبل إعلان سيناء منطقة عسكرية أن نعلن مصر منطقة ودولة مدنية بكل ما تعنيه كلمة المدنية من معانى التحضر وقبول الآخر وتطبيق مبدأ المواطنة والأحقية بالكفاءة لا بالديانة، علينا قبل فرض التفتيش الذاتى أن نمنع التفتيش فى النوايا عبر تقييم المواطن من خلال عقيدته الدينية، علينا قبل توزيع الكمائن ألا نقع فى كمين مراقبة الأخلاق عبر الشرطة المجتمعية، وهى اسم الدلع المقترح لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، علينا أن نسأل أنفسنا قبل الغرق فى التفاصيل البوليسية سؤالاً بسيطاً هو مفتاح الحل، ما الذى جعل هذا الانتحارى الذى يُفجّر نفسه فى الأبرياء ويجعل مصر سرادقاً كبيراً فى لحظة؟ ما الذى زيّف وعيه ومسح عقله تماماً ففجّر نفسه بأطنان الـ«تى إن تى» حتى تشظى إلى خلايا لا أعضاء، وتشرذم إلى شذرات «دى إن إيه»، لا إلى أشلاء آدمية؟!، هل هو المال؟ بالطبع لا، هل هى الشهرة والصيت؟، لا وألف لا، إنه التخدير الدينى، وعد الجنة والحور العين، فتاوى الاستشهاد وتحقيق رغبات الرب بنسف الكفرة الملحدين وإعلاء كلمة الله من خلال الدم والبتر والسحل والذبح والإرهاب والتفجير، ما الذى جعل هؤلاء الإرهابيين أسفل أنواع الإرهابيين الذين عرفهم التاريخ وأقذرهم وأشرسهم وأحطهم أخلاقاً وأقساهم قلباً وأغباهم عقلاً وأكثرهم انعداماً للمشاعر، إنهم يضربون عربات الإسعاف حتى يموت الجنود الجرحى، فى سابقة لم تعرفها شعوب آكلى لحوم البشر!!، لكم أن تتخيلوا مدى السفالة والانحطاط وموت الضمير، إسرائيل فى عز وقمة حرب أكتوبر كانت تحترم بروتوكولات الحرب وتبادل الأسرى والتعامل مع الجرحى المصريين، ولم تكن تطلق الـ«آر بى جى» على الإسعاف حتى تجهز عليهم، من أى رحم نجس ولد هؤلاء؟!، من أى نبت شيطانى ومن أى كهف خرج علينا هؤلاء الضباع مصاصو الدماء؟ إنهم وغيرهم خرجوا علينا من بين صفحات الكتب الصفراء وفتاوى دعاة البيزنس الدينى وسماسرة الكهانة لذلك لن ننتصر على الإرهاب إلا بإعلان الحرب الفكرية والثقافية على هؤلاء، من الممكن أن نقبض على جناة أى مذبحة، لكن من المستحيل أن يكون سجنهم أو إعدامهم نهاية المعركة، إنه فقط البداية.

Monday, August 28, 2017

خالد منتصر - صوت الإمام - جريدة الوطن - 29/8/2017

تجديد الخطاب الدينى لن يحدث من خلال رجال الدين فقط، بل أكاد أجزم أن دورهم هو أقل الأدوار لأنهم محبوسون فى قمقم المنظومة ولا يستطيعون النظر أبعد من جدرانها الأسمنتية المصمتة وأسوارها الفولاذية المحكمة. من هنا تأتى أهمية كتاب مثل كتاب «صوت الإمام» الصادر مؤخراً عن دار العين، الكتاب تأليف عالم الاجتماع الكبير وعميد كلية الآداب السابق د. أحمد زايد، يحلل ويشرح، بمشرط العالم الخبير وبعدسة المثقف الواعى، حالة الخطاب الدينى الإسلامى الحالى، الكتاب يناقش سياق هذا الخطاب وكيفية تلقِّيه، كيف حوّله رجال الدين إلى شفرة غامضة لا يفكها إلا الكهنوت، يفرق المؤلف بين الدين كمصدر قيم وطاقة روحية وإضفاء معنى على العالم وبين التدين كمنتج بشرى يخضع للتغير والمصلحة.
فى فصل مهم جداً فى الكتاب يحلل هذا الخطاب الدينى من خلال خطب المنابر وغيرها من وسائل التواصل، ويجيب عن سؤال مهم: هل تم دمج الدين فى بث قيم التنمية، أم أن هذا الخطاب يمجد الماضى ويبث قيم التواكل والسلبية؟ للأسف كانت نتيجة الدراسة محبطة وصادمة، غابت كل قيم الجهد والعمل وصناعة المستقبل عن هذا الخطاب.
المهم فى هذا الكتاب أنه لم يغرق أو يكتف بالتحليل الأكاديمى، وإنما قدّم خريطة طريق للحل أتمنى أن تكون على مكتب الرئيس اليوم قبل الغد، فلا يمكن أن نجدد فكرنا الدينى بمدّ اليد لطلب الحسنة من المؤسسة الدينية، ولكن من خلال علماء مثل د. زايد من خارج تلك المؤسسة سيتحقق التغيير. يطرح مؤلف كتاب «صوت الإمام» الأسس العامة لتجديد الخطاب الدينى من خلال 3 مستويات، أولاً: تقديم التاريخ الإسلامى كتاريخ واقعى وليس كتاريخ مصنوع نصنعه على هوانا، فنذكر ما نريد ونسكت عما لا نريد، ثانياً: نقد نصوص الخطاب الدينى التفسيرى وتوضيح تحيزاتها وارتباطاتها السياسية والاجتماعية، وميلها الأصولى المتطرف، ونموها فى اتجاه معاكس لمتطلبات الحاضر والمستقبل، ثالثاً: إعادة فهم دور الدين فى الحياة، ومعنى الإيمان، والتأكيد على مدنية الدولة وانفصال الدين عن السياسة، والتأكيد على أن الدين أمر يتعلق بالمجال الخاص ولا بد ألا يكون هذا الدين اختزالياً استبعادياً، والعمل بجدية على تعريف إجرائى للإيمان بعيداً عن الشكليات.
كتاب «صوت الإمام» يحتاج إلى مناقشة مجتمعية، فهو ليس من نوعية الكتب التى نتسلى بتصفحها قتلاً للملل ثم نضعها على الرف، فهو صوت من مجموعة أصوات أساتذة علم اجتماع ونفس وفلسفة، لا نريد تركهم يصرخون فى البرية ونفقد أصواتهم مثلما فقدنا من قبلهم صوت نصر أبوزيد وفرج فودة وغيرهما ممن قضوا حياتهم يصرخون صرخة «زرقاء اليمامة» محذرين من هذا المصير المؤلم، ولكننا للأسف مجتمع يعبد مزيِّفى وعيه ويجلد موقظيه ويغتالهم فى وضح النهار.

د. عماد جاد - المعونات واستقلال القرار - جريدة الوطن - 29/8/2017

يدرس طلبة العلوم السياسية فصلاً عن المساعدات والمعونات الخارجية ضمن باب أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول، المعونات تُقدّم من الدول للمساعدة على تنفيذ سياستها الخارجية فى أى منطقة من مناطق العالم، حجم المعونات وانتشارها جغرافياً يتوقف على قدرات الدولة الشاملة ومجالها الحيوى ودائرة اهتمامها، فالقوى العظمى أو الكبرى ذات القدرات الشاملة الأكبر تطال سياساتها الخارجية العالم كله مع اختطاف درجة الاهتمام من منطقة إلى أخرى، عكس الدول الأضعف والأصغر التى ينحصر اهتمامها فى جوارها الجغرافى فقط لا غير، وعادة ما تكون متلقية للمساعدات، وكأنّما اتسمت سياسة دولة بالعالمية، كلما تضخم حجم المعونات والمساعدات التى تقدمها، والعكس صحيح كلما تقلص مجال اهتمام الدولة الجغرافى، تراجعت معلوماتها الخارجية وترجمت فى مجال صغير ومحدود للغاية. وبالنسبة إلى الدول المتلقية للمساعدات والمعونات يتحدّد حجم ما تتلقاه من معونات ومساعدات على ومن الدولة ومكانتها وأهميتها الاستراتيجية ودورها فى تنفيذ السياسة الخارجية للدولة المقدِّمة للمساعدات. أيضاً معروف أن تقديم المنح والمساعدات والمعونات عملية مركبة، فهناك دول تقدم معونات ومنحاً ومساعدات، وهناك أيضاً دول تتلقى فقط، وهناك نوع ثالث من الدول تتلقى وتقدم معونات فى الوقت نفسه، دول مثل الولايات المتحدة، روسيا الاتحادية، ألمانيا وكل دول العالم الأول ومعها الدول البترولية الغنية مثل السعودية والإمارات تقدم معونات فقط للمساعدة على تنفيذ سياستها الخارجية، أما دول العالم الثالث، لا سيما فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهى تتلقى المعونات فقط، وهناك طائفة ثالثة من الدول تتلقى المعونات وتقدمها فى الوقت نفسه مثل مصر وإسرائيل، فكلاهما تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، وتقدم قدراً أقل مما تحصل عليه كمساعدات ومنح ومعونات لدول فقيرة قريبة من مجالها الجغرافى الحيوى للمساعدة على كسب النفوذ وتسهيل تنفيذ سياستها الخارجية، مصر وإسرائيل تقدم المساعدات المتنوعة لدول أفريقيا (جنوب الصحراء)، وإسرائيل تقدم المساعدات أيضاً لدول وسط آسيا الإسلامية، تحديداً لكسب النفوذ، ومنها التضامن مع الدول العربية. مصر تقدم مساعدات تنموية ومعونات خبرات ومنحاً دراسية، وإسرائيل تقدم مساعدات تنموية وتحديداً فى مجال الزراعة والرى بالتنقيط ومساعدات أمنية وعسكرية، لا سيما خدمات شركات الأمن لحكام أفريقيا لتأمين نظم الحكم ومنع الانقلابات العسكرية ضد الدول الحليفة.
ويتوقف مدى الانصياع من الدول المتلقية للمساعدات لتلك التى تقدمها على وزن ومكانة وثقل الدول المتلقية ودورها الإقليمى، وما يمكن أن تقوم به، سواء فى عرقلة سياسات الدول المقدّمة للمساعدات أو ما يمكن أن تقوم به فى تسهيل تنفيذ هذه السياسات، وبالنسبة لمصر فقد كانت تتلقى مساعدات مباشرة وغير مباشرة من الاتحاد السوفيتى لمنع الاختراق الأمريكى للشرق الأوسط، وبعد حرب أكتوبر 1973 وعقب توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية فى مارس 1979، بدأ برنامج تقديم المساعدات الأمريكية للبلدين والهدف كان تثبيت معاهدة السلام وتمكين مصر من الصمود فى وجه المقاطعة العربية، وتدريجياً التحقت مصر بالسياسة الأمريكية وعملت على خدمتها فى المنطقة، وتعاونت مع حلفاء واشنطن فى المنطقة، وتحديداً السعودية وباكستان فى مقاومة الوجود السوفيتى فى أفغانستان عبر تشكيل ظاهرة «المجاهدين الأفغان»، وأطلق «السادات» مقولته الشهيرة بأن الولايات المتحدة تمتلك 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط. وبدا واضحاً أنه كلما سارت مصر فى طريق تنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة وتوسيع إطار التطبيع مع إسرائيل، حصلت على ما تريد من واشنطن، والثمن كان فقدان هامش الاستقلالية، الذى تتمتع به السياسة الخارجية المصرية فى المنطقة. فما الذى جرى وأدى إلى تقليص المساعدات الأمريكية لمصر، وهل هذا التقليد ضد مصالح مصر أم فى صالحها؟
وللحديث بقية..

لماذا كل هذا العك مع أقباط مصر؟ محمد أبو الغار - المصرى اليوم 29/8/2017

منذ مذبحة الزاوية الحمراء فى السبعينيات ووضع الأقباط يتدهور تدريجياً ولم يصبح الأمر فقط إرهاباً وقتلاً من متشددين بل حدثت فجوة مخيفة بين المسلمين والمسيحيين تهدد مصر ومستقبلها. كما لم ينصت السادات إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق التى رأسها د. جمال العطيفى وصاغ معظم توصياتها د. رشدى سعيد رحمهما الله، وترك الحبل على الغارب ليفعلوا ما يريدون، وانتهى الأمر باغتيال السادات وانطلق الإرهابيون يقتلون المصريين جميعاً. وضع أقباط مصر الفقراء أصبح متردياً والنظام مسؤول سياسياً وتنفيذياً ممثلاُ فى الداخلية والحكم المحلى.
1- الأقباط من الصفوة الذين يعيشون فى المدن الكبيرة لهم وضع اجتماعى واقتصادى متميز وعلاقات وثيقة مع أجنحة النظام والأمن يجعلهم لا يشعرون بحدة المشاكل التى يتعرض لها الفقراء من أقباط قرى الصعيد.
2- أقباط قرى الصعيد فقراء مثلهم مثل مسلمى الصعيد ونسبة الأمية والمرض والتقزم تماثل المسلمين وهم يعانون من نفس العادات والتقاليد مثل ختان البنات وعدم توريث المرأة بنفس الدرجة. الفارق الوحيد هو حجاب المرأة المسلمة. إذن لماذا يحدث كل هذا الظلم للمسيحيين؟
3- حدثت تغييرات هائلة أدت إلى انفصال اجتماعى وثقافى ومجتمعى بين المسيحيين والمسلمين، خاصة فى الريف، وكان ذلك راجعاً إلى انتشار الإسلام السياسى ومناداته بالبعد عن المسيحيين بالإضافة إلى إعلام عنصرى سمم عقول البسطاء من المسلمين.
4- تواطأت بعض أجنحة النظام بالصعيد وتُرك الأمر فى يد الداخلية ممثلة فى ضابط أمن دولة شاب فى محافظة نائية محدود الثقافة والمعرفة بالتاريخ وتفكيره ينحصر فى الحفاظ على الأمن فى اللحظة الحالية، أما أمن المواطنين فلا يهمه فى شىء. معظم الضباط من الجيل الحالى نشأ فى أسر إسلامية محافظة ونظرتهم للأقباط فيها ريبة وقلق بطبيعة التربية وعدم مخالطة الأقباط، لذا فإن تقاريرهم وتوجهاتهم تعكس وضعية ذهنية متعصبة ضد الأقباط فى أحيان كثيرة. الشرطة المصرية بطبعها تقف مع الحاكم ومع الأقوى من الناس وليس مع الحق، والضابط يظن أن وقوفه فى صف الأغلبية المسلمة دائماً سوف يحقق نجاحاً أمنياً.
5- السلطة المحلية ممثلة فى المحافظ وهو فى الأغلب لواء جيش أو بوليس سابق معلوماته عن المشكلة القبطية وتاريخها شبه معدومة وتصوره لمستقبل مصر ووحدة شعبها هامشى. أهم شىء عند معظمهم المشاريع المظهرية والتواصل مع الإعلام ومدح الرئيس حتى يستمر فى منصبه، ولذا فإن معظم المحافظين لا يهمهم حل مشاكل الأقباط وإنما يهمهم إخفاؤها والتغطية عليها. وربما يكون إعطاء المحافظين محاضرات فى حقوق الإنسان أمراً مفيداً.
6- المصريون جميعاً يعانون من البيروقراطية الحكومية ولكن تأثيرها السلبى على المسيحيين فى الحصول على وظيفة أو استخراج وثيقة كارثة كبرى بسبب تعنت سببه اختلاف فى الدين. أصبحت الكنيسة تدريجياً هى المسؤولة عن حل هذه المشاكل وذلك بالتفاهم بطرق مختلفة بعضها قانونى وبعضها ودى، وأضاف ذلك عبئا جديدا وعملا آخر للأساقفة بالإضافة إلى عملهم الدينى الأساسى.
7- سيطرت على مدارس الريف قيادات الإسلام السياسى فأصبح وضع التلاميذ والتلميذات الأقباط داخل المدارس فى فترة النضج العقلى والفكرى سيئا للغاية وتربوا على الخوف وسماع إهانات مباشرة وغير مباشرة بعضها فى الكتب المدرسية وبعضها شفاهة ووضع ذلك حاجزاً كبيراً بين المسلمين والمسيحيين.
8- اضطر فقراء الأقباط لأن يعيشوا حياتهم اليومية بدون حقوق المواطنة الكاملة، وأن يتقبلوا معاملة مواطن من الدرجة الثانية حتى يعيشوا بسلام وأمان نسبى.
9- بعد 25 يناير انكسر حاجز الخوف عند المصريين جميعاً وأصبحوا جميعاً يطالبون بحقوقهم وهذا هو سبب الاحتقان المجتمعى الحالى. ويقوم النظام بمحاولة استرجاع إعادة المصريين إلى نفس الوضع السابق وهو مستحيل. المسيحيون الآن لن يقبلوا بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية ولهم كل الحق فى ذلك ويجب على القوى الوطنية والمدنية مساندتهم ولكن الإسلام السياسى والمتزمتين دينياً وكذلك رجال الشرطة يريد للأقباط أن يخضعوا تماماً. على الداخلية أن تتقبل تنفيذ الدستور وأن تعيد تأهيل ضباطها لتفهم الوضع الحالى وإلا استمر الغليان إلى ما لا نهاية.
10- أعداد المسلمين والمسيحيين تتزايد، وعدد المسيحيين فى القرى أصبح فى حاجة لكنائس جديدة ولكن القوانين والأمن مازال يعرقل هذه الطلبات حتى اضطر البعض للصلاة فى هدوء فى أحد المنازل. أنا لا أفهم ولا أتصور لماذا يمنعهم الأمن ويطالبهم بأخذ تصريح؟ هذا تخلف وانحياز ضد حرية العبادة والمواطنة التى ينص عليها الدستور، وخيبة من المحافظ ورجال الأمن. هل يأخذ المسلمون ترخيصاً للصلاة؟ يجب على المحافظ والشرطة الوقوف بوضوح مع الدستور والقانون.
أخيراً من مصلحة النظام أن يحل المشكلة بالعدل فهناك حلول عاجلة وهى التزام الشرطة باحترام القانون وإعطاء المسيحيين حقوقهم كاملة ومنها ممارسة شعائرهم الدينية. يجب إعادة تدريب الضباط ليفهموا أن المواطنة جزء من الدستور وعليهم أن يساندوها. الإعلام يجب أن يوعى الناس طوال الوقت. ويجب معاقبة من يخالف ذلك بمن فيهم ضباط الأمن الوطنى والشرطة. وعلى المدى الطويل إصلاح التعليم ضرورة ليصبح تعليماً مدنياً حديثاً.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك

فى البحَثِ عن «الأُمَّة».. بقلم د. مصطفى حجازى ٢٨/ ٨/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


ليس بعد «العَين» «أين».. هكذا يُقال.. أى أن جَلَاءَ المُشَاهَدة يكفى عن البحث والتحليل.
مَن يُعَطِّلُون الدساتير ويَحتقِرون الدساتير.. يعبثون بالدساتير تحت مسميات التعديل.. فما الجديد.. غير الهَرَج؟!.
ما الذى يستدعى الاستِنفار والصخب وإنفاق الجُهد فى تأكيد ما هو مؤكد.. فمَن لم يرَ فى التعطيل والإجهاض ما يدعو للاستنفار والغضب.. فما الذى يجعل الاستنكار والفورة هما الفعل الأَوْلَى عند استباحة المستباح سلفاً والتمثيل بالوثيقة المُمَثل بها وبجوهرها سلفاً بعد قَتلِها بالتجميد والاحتقار؟!.
لن ينتهى الهَرَجُ السياسى فى مصر فى قريب.. فهناك من يَصنعُه.. وهناك مَن يَحيَا عليه.. وقبل ذلك هناك حاضنة تُغَذِّيه بالخِفَّةِ والأثَرَةِ والافتِتَان بالسطوة وأوهام القوة..
ولن يزول الاستنزاف الاقتصادى والاجتماعى والإنسانى بالكُلِّية فى مجتمع يُرَاد له أن يبقى يلهث ولا يلتقط أنفاسه.. فهناك مَن بقاؤهم مَقرون ببقاء مُجتَمع لاهثٍ لا يقوى على فِكرٍ أو قَول أو فِعل.. وإلا بَدَت عوراتُهم وتهافُتُهم وخِفَّتُهم..!.
ولكن تبقى الاستجابة لغواية الهَرَج السياسى أو الاستسلام لدور الضحية هى التضييع بعينه..
ويظل استحضار المظلومية والتماهى فيها ليس فعلا سياسياً ولا حتى إنسانيا ذا قيمة..
الأجدى فى أوقات الهرج هو التسامى عليه والبحث فى أصل احتياج المجتمع لا الاستسلام لما يُملَى عليه ويُرَادُ به..
الأَوْلَى فى أوقات الأزمات الكبرى والمِحن أن نَجتَهِد لنعرف لماذا يجافينا العدل بالأساس.
ولن يكون من فعل أَوْلَى فى وقت الهرج الحالى والتالى إلا فى البحث عن «الأُمَّة».
وإن بَدَت تلك كلمات تَحُثُّ على فِعلٍ مُستقبلى- بعيد أمَد- فى وقت حرائق حالَّة يُراد لها ألا تنطفئ.. فيظل هو فعل العقلاء والعدول والمخلصين إذا أرادوا قيادة لمستقبلهم فى وقت أزمة أو غير أزمة.. وأى دعاوى غير ذلك باسم مجابهة الواقع الحالّ وعدم التسويف- مع التسليم بإخلاصها- لن تخلو من مظنة إدمان الأزمة والهرج واللهاث حتى الموت استشرافاً لدور ضحية الفسدة والتاريخ.
وفى وسط هذا الهرج الذى صار كالقدر دهمتنى الكلمات التالية ولم تغادرنى..
ولم يَدُر بخلدى وقتئِذ أن ما سوف تحتاج إليه مصر بعد عشرين سنة من عمر الثورة ليس «عودة الروح» ولكن «عودة الوعى»..
فهل ستسترد مصر الوعى الحر يوماً؟!.
لذلك كان لابد لكتاب «عودة الوعى» من أن يُكتب فى يوم من الأيام.
وهو كتاب لن أكتبه أنا.
وهو كتاب لن يُكتب قبل أن يُفتَح ملف الحقيقة.. كل الحقيقة.. من يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ حتى الوقت الحاضر..
كانت تلك كلمات «توفيق الحكيم» وبعض سُطورِه فى كتابه «عودة الوعى» الذى كتبه فى ٢٣ يوليو ١٩٧٢.. وحق لنا بمثلها أن نسأل ما الذى باتت مصر عليه وما الذى تحتاجه اليوم بعد خمسة وستين سنة..؟!.
«مصر ٢٠١٧».. «أُمَّةٌ» تائه منها «معنى الوطن».. ومُبَدَّد فيها «جوهر الدولة»، وإن بقيت لها أطلال مؤسسات.
«مصر ٢٠١٧».. مجتمع فى حالةِ تَرَبُّصٍ دائم..
سُلطَةٌ مُتَرَبِّصَةٌ بِمُواطنيها تَرَاهُم هى مترهلين متخاذلين كَسَالى مُضَيِّعين.. ومُواطن مُتَرَبِّص بمؤسساته لا يكاد يثق فى أيِّها.. يراها تَكيد له.. لا تأبَه بِه.. تَجبِى مِنه ولا ترعاه..
مُواطن- فى عين مؤسسات السلطة- مُدَانٌ حتى تَثبُت براءته.. وخائن حتى تَثبُت وطنيته..

وسُلطَة- فى عين مواطنيها- مُدَانة فاسدة.. كَاذبة حتى يُقبَل صدقها.. إن ثَبُتَ.. وإن صَدَقَت..!.
«القانون» لدى المواطن أداةُ الدولة للنكاية والإذلال.. أكثر منه ملاذاً للعدل أو الخير.. شَرٌّ كُلُّهُ لا خَيَر فيه.. شَرٌّ يلَزَم تَجَنُّبه والفِرار منه ومُحاولة إجهاضه وملاحقته وإبطاله فى كل وقت..
و«القانون» لدى الدولة هو أداتها للقهر وإثبات الهيبة، أكثر منه قاعدة لاستقرار المجتمع وضمانة للتعايش ومرجعاً للثقة- التى هى أصل الأمن والاقتصاد والإبداع والعلم والترقى- وأصلاً للعدل، الذى هو روح الدولة!.
«مصر ٢٠١٧».. مُجتَمع مُحتَقِن بالقلق.. تكاد تخنقه مخاوفه.. تقتله كل يوم إهانة غياب المنطق..
يكتم أصل شكواه وإن تَكَلم كثيراً عن أعراضها التى لا تكد تَبرَحهُ طوال عُمُره إلا لِمَاماً..
قد يبدو مُجتَمعاً ثَرثَاراً يتحدث كثيراً عن أوجاعه الاقتصادية والاجتماعية.. قد يبدو شكّاءً بكّاءً.. ولكن صمته الذى لا يسمعه أحد هو الصُراخ الأكثر ألماً.
وجعه الحقيقى هو فى الغربة عن معنى وطنه..
فى الغربة عن العدل.. فى الغربة عن الحرية.. فى الغربة عن أن يحيا إنساناً.. ذلك وجعه الذى يحياه ولا يعرف له اسماً.. ولا يملك له وصفاً..
وفى وسط كل ذلك الحال، الذى يصح وصفه بأننا فيما «قبل الدولة» وما «قبل المجتمع».. تبقى «الأمة المصرية» الغائبة الحاضرة هى «المَتن» وما دونها «هوامش» ستزول.. هى مَن استعادت روحها وبحثت عن ذاتها وأنتجت ثورتها الحضارية والفكرية عقب ثورتها السياسية فى عام ١٩١٩.. وهى التى استقالت من دورها وأوكلت أمرها لأصحاب السلطة فيها عقب مباركتها حركة جيشها فى عام ١٩٥٢، فانكفأت وكأنها انتحرت.. وهى التى تبَدَّت بشائر استفاقتها فى ٢٠١١ و٢٠١٣ وإن لم تستعد روحها بعد..!.
ولم يلتفت التاريخ كثيراً لهوامش البهلوانيات السياسية وأفعال الحواة فى دساتير أو فى غيرها.. بقيت كلمة الأمة وقرارها هو المتن.
ما تحتاجه مصر ٢٠١٧ هو «إحياء الأمة»، التى لا روح لجسد الدولة بغيرها ولا معنى للوطن إلا فيها..
إحياء الأمة هو فى عقول تستلهم الإنسانية والعدل ولا تقبل بغيرهما.. تقتفى دروبهما فى قانون يتسيد ولا يتسيد غيره..
ما تحتاجه مصر بعد قرابة خمسين سنة من تنادى الحكيم على الوعى من أجلها.. أن تكون «الأمة فوق الدولة».. ويكون «العدل فوق القوة»..
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..

الرجل الوحيد الطاهر فى العالم! بقلم د. نوال السعداوى ٢٨/ ٨/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

تشتعل اليوم معركتان مترابطتان فى التاريخ: تحرير النساء وتحرير العبيد.
تحدث المعركة الأولى فى تونس، أكثر البلاد العربية والإسلامية تقدماً فى مجال تحرير المرأة، منذ تصاعد الحركة النسائية فى عهد بورقيبة، وتحريم تعدد الزوجات بالقانون، ومنع الطلاق إلا فى المحكمة بإرادة الزوجة والزوج، وفى عهد القائد السبسى اليوم تتحقق المساواة بين المرأة والرجل فى الميراث والزواج بغير المسلمين، ولم يبق أمام تونس إلا المساواة فى النسب، ومنح الشرف لاسم الأم مثل الأب. وتحدث المعركة الثانية «تحرير العبيد» فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى من أوائل البلاد- منذ إبراهام لينكولن- التى منعت العبودية، لكن العبودية بقيت بأشكال خادعة وعبارات جميلة براقة، منها الديمقراطية والانتخابات الحرة والليبرالية الجديدة والحريات الدينية والسوق الحرة.
أغلب المؤسسات التونسية الرسمية والشعبية دعمت المساواة بين النساء والرجال فى عهدى بورقيبة والقائد السبسى، لم يعترض إلا بعض رجال الدين ممن يؤمنون بأن «إثم حواء» محفور مع «إثم المعرفة» فى اللوح المحفوظ، لا يمحوه الزمان ولا المكان، لأنه نص قطعى ثابت، لا يقبل الاجتهاد أو التأويل أو التغيير، ولأن الله خلق المرأة من ضلع أعوج، وجعلها متاعاً للرجل، واجبها الطاعة والخضوع، يؤدبها زوجها بالضرب الشرعى المباح، أو بالطلاق الشفهى متى شاء، أو الزواج بغيرها كما يشتهى، بل يحق له قتلها، إن رغبت فى الانعتاق، كما يحق للسيد أن يقتل العبد، وكما يحق للحاكم أن يقتل الثائرين أو يودعهم السجون.
لم يرتعش بورقيبة ولا القائد السبسى أمام القوى الدينية السياسية والاتهامات بالكفر والحرق، هكذا تحررت تونس من جماعات النص القرآنى الثابت، وسبقت البلاد العربية والإسلامية إلى الحرية والكرامة، فلا حرية ولا كرامة فى بلد يتجرع نصف سكانه الهوان، وكان الرجل التونسى يطلق زوجته بأسهل مما يخلع حذاءه، مجرد أن ينطق كلمة «طالق» تصبح زوجته فى الشارع، كما يحدث عندنا اليوم، رغم حضارتنا الإنسانية العريقة، والإلهة المصرية «ماعت» رائدة العدل فى العالم، وشقيقتها «إيزيس»، إلهة المعرفة والحكمة.
وعندنا اليوم نساء محجبات العقل، وإن كشفن الرأس والذراعين، أو الساقين والركبتين، بعضهن عضوات المجالس العليا، أو رئيسات مؤسسات كبرى، أو عميدات وأستاذات جامعيات، تؤمن الواحدة منهن بأن لزوجها الحق فى أربع زوجات على الأقل، ليشبع شهوته طوال الشهر دون انقطاع، إذ يحرم عليه الجماع أيام الحيض.
فى علم الحيوان (الزؤلوجى) لم يرد أن الثيران أو البغال تمارس هذا النهم الجنسى، ولا ينتقل البغل من بغلة إلى أخرى لإشباع شهوته، بل إن الأسد، ملك الغابة، يكتفى بزوجة واحدة، وإن مرضت اللبؤة وانقطعت عن الجماع بقى معها زوجها يرعاها، أما قانون الأسرة عندنا فيعطى للزوج الحق فى إعادة زوجته إلى أهلها، إن مرضت أو عجزت أو امتنعت عن خدمته أو إشباع شهوته.
صوت النساء المصريات الجماعى أصبح غائباً، تمكنت الحكومات المتعاقبة من ضرب حركات التحرير الشعبية، ومنها الحركة النسائية، وشجعت تصاعد القوى السياسية الدينية السلفية للبطش بأى عقل يفكر، وتم اختزال تحرر المرأة فى خلعها الحجاب، تقليداً لهدى شعراوى بعد عودتها من فرنسا فى بداية القرن الماضى، لكن حجاب المرأة ليس إلا الجزء الظاهر من المشكلة، ويظل حجاب العقل هو الأساس، وغياب التفكير الحر المبدع الخلاق، فى العلم والفن والسياسة والاقتصاد والثقافة والتاريخ والفلسفة والدين والأخلاق.
فقدت عقولنا القدرة على كشف الازدواجية فى القيم والقوانين، عجزنا عن كشف القوى الداخلية والخارجية، السياسة الاقتصادية المتخفية وراء الدين، التى لم تنهب مواردنا فقط، بل نهبت عقولنا، ودفعت المجتمع المصرى إلى اعتبار رأس المرأة عورة، بل أصبح رأس الطفلة عورة، ويمكن تزويجها لعجوز فى التسعين، فقدنا القدرة على نقد الأفكار المتناقضة، وتم دفع المرأة المحجبة إلى التجمل السطحى ونتف الحواجب وتلوين الشفتين، واستهلاك المساحيق وعمليات شد البشرة، تحت اسم الحداثة والأنوثة، وانتشرت الفنون الرخيصة والأفلام المبتذلة والإعلام الردىء والإعلانات المشبعة بالأجساد العارية، أصبحت القوى الدينية السياسية تتغذى بالفساد، ودأبت على التمويه والخداع، فالمساواة بين النساء والرجال تقليد غربى إباحى يفسد الأخلاق، ويقضى على ضعف الأنثى الربانى الذى يجذب الرجل إليها، وإن حظى الذكر بضعف نصيب الأنثى فلأنه المسؤول عن الإنفاق، رغم أن الإحصاءات تكشف أن أغلب النساء يمارسن الإنفاق على الأسرة مثل الرجال وأكثر، ويشاع أيضاً أن الزواج من غير المسلم يلوث المرأة المسلمة وينقض طهارتها، كأنما البلايين من الشعوب غير المسلمة أنجاس، أو أن الرجل المسلم هو الطاهر الوحيد فى العالم!


د. عماد جاد - بناء دولة المواطنة (2) - جريدة الوطن - 28/8/2017

توقفنا عند الحديث عن اختطاف ثورة 25 يناير من قبل الجماعة الإرهابية، واستخدام الآليات الشكلية للديمقراطية من أجل بناء نظام سياسى دينى سلطوى، وقلنا إن الشعب المصرى ثار مرة ثانية، واسترد ثورته بمعاونة الجيش فى الثلاثين من يونيو، فعاد الأمل من جديد فى استكمال بناء دولة مدنية حديثة بشكل تدريجى تطورى، تدريجياً اكتشفنا أن الميراث السلطوى لدى الأجهزة المصرية ومقاومة عملية التحول الديمقراطى أقوى من آمال المصريين، ووصلنا إلى المشهد الراهن المتخم بالمشاكل والمخاوف أيضاً.
نعم، وضعت تعديلات الجماعة والتيار السلفى على دستور 1971 قيوداً شديدة على إحداث تطوير على دستور 71، فقد سار دستور الجماعة خطوات على طريق تأسيس دولة دينية كاملة أقرب إلى ولاية الفقيه الإيرانية، ومن ثم كانت المساحة المتاحة هى العودة إلى دستور 71 وشطب وإلغاء عدوان الجماعة والتيار السلفى على هذا الدستور وهو ما لم تتمكن منه لجنة الخمسين التى وازنت ما بين تطلعات القوى المدنية المصرية إلى دستور عصرى متقدم فى شأن صيانة الحقوق والحريات ورفع الامتيازات التى حققها التيار الدينى فى دستور 2012، وبين رغبة أجنحة فى سلطة ما بعد 30 يونيو فى عدم إغضاب التيار السلفى الذى وجد فى مشهد 30 يونيو، هذه الملاءمة والحسابات الذاتية كبّلت الدستور الجديد بقيود نعانى منها اليوم بشدة، سواء تمثلت فى تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية لحساب البرلمان أو الترتيب كى تكون مدة رئيس البرلمان والوكيلين فصلاً تشريعياً كاملاً، وليس دور انعقاد، ويجرى التصويت على هذه المناصب سنوياً، وفق دستورنا الحالى بالانتخاب لمدة خمس سنوات كاملة، وهو أمر غير موجود فى أى دولة فى العالم.
نأتى بعد ذلك إلى جوهر المشكلة، الدستور ورغم كل التحفظات التى سقناها، ويمكن أن نسوقها، يظل فى مواده الخاصة بالمساواة والحقوق والحريات حبراً على ورق، فقد تعلمنا أنه لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، ومن ثم فلا تطبيق لقانون دون مؤسسات قوية تمارس دورها الدستورى، تراقب وتحاسب ولا أحد فوق القانون، فإذا كان فاقد الشىء لا يعطيه، فإن غير المؤمن بحقوق المواطنة والمساواة وعدم التمييز لا يمكن أن يطبق هذه المواد، سواء من خلال العملية التشريعية التى تحول نصوص الدستور ومواده إلى قوانين أو من خلال مؤسسات الدولة التنفيذية والبيروقراطية التى بإمكانها إفساد كل شىء وتحويل القوانين إلى مجرد حبر على ورق.
الاتجاه العام داخل مؤسسات الدولة المصرية حتى اللحظة الراهنة مؤسسات مبنية وفق هيكل سلطوى منغلق ثقافياً أحادى الرؤية دينياً، لم يهيأ بعد كى يقبل التعددية وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، نعم، الرئيس تحدث كثيراً عن دولة المواطنة والمساواة، تحدث عن دولة مدنية حديثة وعن المواطنة، ولكن الواقع على الأرض مغاير تماماً، وقوى التشدد والتطرف والانغلاق تواصل ضرباتها دون مواجهة حقيقية من الدولة دون رادع من قمة السلطة، بل ما هو بادٍ هو حالة من الصمت غير المفهوم وغير المبرر والمثير للشك أيضاً. السؤال هنا: هل النظام الحالى الذى يعلم تماماً تضحيات الأقباط ودورهم الوطنى على مر التاريخ وتحديداً فى السنوات الأخيرة، موافق على ما يجرى؟ وماذا يتوقع من ردود فعل للأقباط فى الفترة المقبلة؟

عاطف بشاى - الفنان الأجير - جريدة الوطن - 28/8/2017

قالت لى يوماً الفنانة الراحلة «مريم فخرالدين» إنه من عاداتها اليومية أن تتصل فى الصباح الباكر بالفنان الكبير الراحل «أحمد مظهر»، الذى قاسمها بطولة الفيلم الشهير «انت من الأحرار يا على» أقصد فيلم «رد قلبى»، وذلك للاطمئنان الدائم عليه فتبادره: «بونجور يا برنس».. فيرد عليها: «بونجور يا إنجى» (وهما اسماهما بالفيلم).. ثم تسأله عن أخباره فيقول لها فى أسى إن المخرجين والمنتجين أصبحوا يعزفون عن إشراكه فى أفلامهم -بسبب كبر سنه- خوفاً من رحيله أثناء التصوير، فيتسبب لهم فى مشكلة إنتاجية.. لذلك فقد نصحته بأن يكون واقعياً وأن يوافق على العمل «باليومية» مثلها.. سألتها: وماذا كان رد فعله؟!.. قالت: «أتصور أن سماعة التليفون قد وقعت من يده.. فقد سمعت صور ارتطامها وانقطع الصوت»..
وقد رشحتها لتلعب دوراً مهماً فى مسلسل من تأليفى وبطولة «فريد شوقى» و«سناء جميل» هو «الشباب يعود يوماً».. فجاءت إلى الاستوديو أثناء التصوير للاتفاق.. وحينما تقدم منها مدير الإنتاج ومعه العقد لتوقعه فوجئنا بها تقول له: «مالوش لزوم العقد.. المسألة أبسط من كده بكتير.. شوفوا انتم عاوزين كام يوم ونتفق على أجر اليوم.. تدفعوه لى وأنا مروحة كل يوم بعد التصوير..»، ففغر مدير الإنتاج فمه فى ذهول غير مصدق ما تقوله، وكان قد ارتدى أفخر ملابسه وصفف شعره وتعطر ببرفان ثمين، ليكون فى شرف استقبال حسناء الشاشة زهرة الرومانسية فى الزمن الجميل.. «والشعر الحرير على الخدود يهفهف» والتى لم تنسَ أن تؤكد له مرددة: «بس بشرط لازم تجيلى البيت قبل التصوير بيوم (تبيت علىّ) ومعاك ألف جنيه عربون».
وقد بررت لى سلوكها هذا موضحة: «أنا ونجوم جيلى شبعنا نجومية.. ولن نخسر هذه النجومية الآن بسبب دور صغير.. أو أجر هزيل أو يومية مثل الأجراء أو عمال التراحيل، لو تعنتنا وفرضنا شروطنا لن يلتفت لنا ولن نعمل.. لأن السينما المصرية لا تحترم ولا تقدر إلا النجوم..».
لذلك فقد كان ذكاء فريد شوقى الذى أبقاه نجماً يفرض نجوميته على صناعة السينما المصرية -رغم تقدمه فى السن- أنه كان ينتج أفلامه ومسلسلاته بنفسه بل يقوم بتأليف قصصها.
والحقيقة أن حتى هذا الحل الذى لجأت إليه «مريم فخر الدين» بالعمل باليومية ليس دائماً حلاً مرضياً.. أو آمناً.. وأذكر أن الفنانة «نعيمة الصغير»، التى كانت تعمل بنفس هذا النظام، اتفقت على القيام بدور أم فى فيلم بأجر خمسة آلاف جنيه لخمسة أيام تصوير.. فقد تم خداعها، بسبب أنها لا تقرأ ولا تكتب، فلم تنتبه إلى أن المخرج قام بتصوير دورها كله فى يوم واحد.. ولم تحصل إلا على ألف جنيه فقط.. كانت قد اشترت بهم ملابس للدور..
أكتب ذلك اعتراضاً على ما كتبه الصديق الناقد «طارق الشناوى» فى «المصرى اليوم» مستنكراً حالة الغضب التى انتابت الفنانين الكبيرين «يوسف شعبان» و«محمود الجندى»، وهو ما دفعهما لإعلان اعتزال الفن ضد القواعد المجحفة للوسط الفنى الذى لا يراعى حقوق الكبار.. ويعلق على ذلك بجملة: «لا تبصق فى بئر شربت منها يوماً.. فقد تعود لها يوماً ما»، وأردف: «سوف أفترض أنك لن تعود أبداً إليها.. فهل تتنكر لمن كان يوماً مصدر حياتنا ورزقنا؟!».
الغريب أن طارق أورد بنفسه مثالاً مؤلماً للإجحاف والجحود.. والإقصاء الذى تعرض له الفنان «عماد حمدى» حينما صرخ عندما كان مطلوباً من المخرج «حسام الدين مصطفى» حذف (20) دقيقة من فيلم «سونيا والمجنون»، فتخلص تقريباً من كل دور «عماد حمدى» ولم يقترب من أدوار «نجلاء فتحى» و«محمود ياسين» و«نور الشريف»، وعندما عاتب المخرج قال له: الناس تقطع التذكرة من أجل «نجلاء» و«محمود» و«نور».. هذا وقد علق على ذلك «عماد حمدى» وهو يروى ذكرياته عن أحوال السينما والفن فى بلادنا للناقدة «إيريس نظمى» فى ذلك الوقت قائلاً بمرارة: «لقد أدركت فى تلك اللحظة أن عماد حمدى قد انتهى!».
إن ما تسميه يا عزيزى «طارق» تنكراً لا يجوز فى حق من «منحكم يوماً الحياة والحضور والتاريخ» معلناً أنك لا ترضى بأن يغادرا الحياة الفنية على طريقة «يا رايح كتر من الفضايح» فإنهما لم يتنكرا أو يبصقا على الفن، بل عبرا عن استيائهما لسوء التقدير ونكران إبداعهما.. فكما أعطاهما الفن احتفاء بنجومية بازغة فى شبابهما فقد منحاه عصارة إبداعهما وذوب نفوسهما واحتراق أعصابهما وكل حياتهما..
إنه ليس تنكراً بل ألم ممزوج بالأسى والحسرة لقسوة الزمن الضنين وغلظة قلوب المحتكرين.. وسوء أحوال الفن الهابط الذى يركز على تيمات مستهلكة لأفلام تجارية مسفة تعتمد فى بطولتها على سيناريوهات تافهة تفصل خصيصاً لشباب متواضعى الموهبة ولا تحمل سوى أسمائهم.

«مسافة السكة» لـ المنيا الشقيقة يا ريّس! بقلم فاطمة ناعوت ٢٨/ ٨/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


أعلمُ، ويعلمُ الجميعُ، أن مصرَ واقعةٌ بين فكّى وحش أعمى اسمُه الإرهاب. وأن جيشنا المصرى العظيمَ يقفُ لهذا الوحش بالمرصاد، يُثخنه الجراحَ وينالُ منه كلَّ منال، ولا يغفلُ عنه لحظةً وإلا أطبقَ الوحش فكّيه على أوصال بلادنا، فأتى على الأخضر والثمر. يعلمُ كلُّ مصرى أننا ننامُ ليلَنا آمنين ملء جفوننا، لأن عيونًا لا تعرفُ النومَ تسهرُ تحرسُ أمنَنا عند كل بقعة من حدود مصر شرقًا وغربًا وشمالا وجنوبًا. وأن غولَ الإرهاب البغيض يتشوّف أن يلتهم قلبَ مصر الذى يُخبئه جيشُنا بين راحتيه القويتين، ويحميه.
كلُّ ما سبق حقائقُ لا تخفى على عاقل. لكننا كذلك نعلمُ ونتذكّر ما تعهّد به الرئيسُ عبدالفتاح السيسى، مطمئِنًا الدولَ العربية الشقيقة أن جيشنا المصرى الباسلَ جاهزٌ للذود عن أية بقعة عربية يطالُها التهديد، قائلا: إن جيشنا فى «مسافة السِّكة» إذا تعرضت دولةٌ شقيقةٌ لأى خطر. ذاك أن القوات العسكرية المصرية هى جيشُ العرب والعروبة.
واليومَ، نرفعُ إلى الرئيس مطلبَنا، نحن عقلاء مصر، بأن يكون جيشُنا العظيم على «مسافة السكّة» من بقعة عزيزة يطالُها الخطرُ المباشر، والتهديد اليومى الغاشم. ونُعلن، نحن المصريين، بكلّ حزن وخجل، أن تلك البقعة المحزونة «مصريةٌ» قبل أن تكون عربيةَ شقيقة، تقعُ على مرمى حجر من قلب كلّ مواطن مصرى. كما نعلن مطرقى الرأس خجلا، أن ذاك الويلَ الذى يُصبِّحُها ويُمسّيها تُشعلُه للأسف أياد مصرية غارقة فى الدماء ملوّثة بالإثم. أياد سوداءُ لم تتعلّم الوطنية، ولم يمرّ ظِلُّها يومًا تحت مظلّة الإنسانية. بقعةٌ غارقةٌ منذ دهرٍ فى وحل الطائفية والاستقواء والهمجية اسمُها: محافظة «المنيا». تلك المحافظة المرزوءة بالفواجع منذ سنواتٍ، لا تخضعُ للقانون المدنى الذى نعرفُ، ولا تنضوى تحت مظلّة المدنية التى ننشدُ، إنما يحكمُها قانونُ القبيلة الأعمى، وقانون الجلسات العرفية الظالم، وقانون الغاب الهمجى، وقانون الغلبة بالأكثرية البلهاء التى تستضعفُ أقليةً لا يحميها إلا تضرّعاتٌ للسماء وصلواتٌ، عسى اللهَ أن يمدّ يده بالرحمة والعدل. مواطنون مسيحيون من «عزبة الفرن» مركز أبو قرقاص/ المنيا، أرادوا أن يرفعوا صلواتهم فى أعيادهم، كما نرفعُ نحن المسلمين صلواتِنا خمسًا فى كل يوم. فهل تتطلّب الصلاةُ رخصةً يمنحُها إنسانٌ لإنسانٍ؟! سؤالٌ يبدو ساذجًا إجابتُه القاطعةُ بالنفى، عند كلّ عاقل راشد. لكنْ، فى بلد العجائب «مصر»، يحدثُ أن يأتى رجلُ دولة، برتبة محافظ، ليقول إن «الصلاةَ لله تستوجبُ ترخيصًا»! أعلن هذا اللواء عصام البديوى محافظُ المنيا متحجّجًا بأن قرى الصعيد تخضع «للعادات والتقاليد» القِبلية التى تمنعُ فتح الكنائس فى القرى للأقباط، لأن المتشددين الإسلاميين يرفضون هذا، وإنهم يرون أنهم الأكثر عددًا والأبطشُ قوة! وأن تغيير ذلك النهج يتطلّب إعادة تأهيل المجتمع ثقافيًّا حتى يسمح شخصٌ ما لشخصٍ ما أن يُصلّى! فهل يُعقلُ أن يعترف رجلُ دولة باستجابته للبلطجة العصبية إلى أن «يتأهلُ المجتمعُ ثقافيّا»؟! ما دوره إذن كمسؤول يمتلك صلاحيات تمكنه من تطبيق القانون بحسم على الخارجين عن القانون؟! هل تقبلُ الدولةُ المصريةُ أن تترك حفنةً من الأشرار يفرضون قانونَهم العنصرى ودستورهم التمييزى على قانون مصر ودستورها الذى منح كلّ مواطن حقوقًا متساوية مثلما فرض عليه واجبات متساوية؟!.
فى تلك الدولة المصرية الشقيقة: «المنيا» تعرّت سيدةٌ مسيحية وسُحلت فى عرض الطريق ولم يأت حقُّها. وفى تلك الدولة المصرية الشقيقة قُصّت جدائلُ طفلات مسيحيات أمام زميلاتهن، ولم تأت حقوقهن. وفى تلك الدولة المصرية الشقيقة تتمُّ كلّ نهار ويلاتٌ طائفية سافرةٌ على أقباط مصر الذين هم منذ ألفى عام مواطنون أصلاء لهم حقوقٌ على مصر، لم يعرفوها منذ دهور.
المصرى المسلمُ يُصلّى فى بيته وفى مسجده وتحت ظلّ شجرة وعلى ضفاف نهر وفى عرض الطريق، فتُحترَمُ خصوصيتُه وتُحمى مساحتُه الأثيرية التى يُصلّى فيها، وينالُ بعدما ينتهى مباركاتِ المارّة ودعواتهم: «حرمًا... جَمَعًا». فلماذا لا يحقُّ للمسيحى ما يحقّ للمسلم فى أن يُصلّى أينما شاء فى كنيسة أو فى بيتٍ أو فى عرض الطريق؟!.
يا سيادة الرئيس، إن من يرتكب فعلا فاضحًا علنيًّا، بأن يقضى حاجته فى الطريق العام لا يوقفُه الناسُ، إنما يمرّون عليه مرور الكرام ولا يستنكرون بذاءته، وهذا أمرٌ عجيبٌ لا يحدث إلا فى مصر، فهل نسمحُ بما هو أعجب بأن يُحارَبُ من يرفعُ للسماء صلواتِه ونجواه، سواء فعل هذا فى كنيسة أو فى بيتٍ أو فى حقل أو فى الطريق العام؟! وهل نسمحُ بأن يتمّ هذا العسفُ الطائفى بيد مسؤول يقول بملء الفم إن المصلّين لم يحصلوا على «ترخيص» بالصلاة، ومن ثم يحقُّ لمواطنين من غير ذوى صفة أن يمنعوهم؟!.
سيادة الرئيس، إن لم تسارع إلى إطفاء جمرة الطائفية المشتعلة فى المنيا، والضرب بيد القانون على أيدى الإرهابيين ومن يُشعل أتون الفتنة، فاعلمْ أن مصرَ تتصدّع من داخلِِِها. أعداءُ الوطن خصوم السلام من داخل مصر، ليسوا أقلّ خطرًا ممن هم خارجها، إنما هم الأشدُّ خطرًا على الإطلاق. سيادة الرئيس: المنيا الشقيقة تستغيثُ بك، فهل تكون قوّاتنا المسلحة على «مسافة السكّة»؟.

Sunday, August 27, 2017

د. عماد جاد - بناء دولة المواطنة - جريدة الوطن - 27/8/2017

تنص دساتير الدول المدنية على مختلف أشكال نظم الحكم التى تتبناها، سواء كانت جمهورية أو ملكية، برلمانية كانت أو رئاسية، على قيمة المواطنة والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن عوامل الانقسام الموروثة (مثل اللغة، الدين، العرق والجنس أى النوع) وهى عوامل يكتسبها الإنسان بالمولد ولا دخل له بها، ومن ثم تسمى عوامل انقسام أولية لو موروثة، أو كانت عوامل انقسام مكتسبة (مثل الطبقة الاجتماعية، الوظيفة والانتماء السياسى والحزبى)، الفارق الجوهرى بين الدول الديمقراطية المدنية الحديثة حقيقة وغير الديمقراطية أو التى فى طريقها إلى التطور الديمقراطى يتمثل فى العلاقة بين المؤسسات والأفراد ومدى احترام القانون وتطبيقه بشكل عام مجرد، الدول الديمقراطية تسود فيها المؤسسية وتمارس المؤسسات الدور المحدد لها دستورياً، وهى أقوى من الفرد أياً كان موقعه، تسودها قواعد المساواة أمام القانون، والحريات فيها مدونة وعلى رأسها حرية الرأى والتعبير، حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، أما الدول غير الديمقراطية فيسودها تسلط حاكم فرد ونخبته، هم فوق المؤسسات وفوق القانون، بل توظف المؤسسات والقوانين فى خدمة الفرد والطبقة الحاكمة، والنموذج الأبرز هنا فى عالم اليوم دولة كوريا الشمالية وعدد كبير من الدول العربية، وكانت معها دول أفريقيا جنوب الصحراء وغالبية دول آسيا وأمريكا اللاتينية، ولكن الأخيرة بدأت تغادر هذه المكانة وعرفت طريقها إلى الديمقراطية مع منتصف العقد الأخير من القرن العشرين وتحديداً بعد سقوط سور برلين وانهيار الكتلة الشرقية، حيث تحولت غالبية دول شرق ووسط أوروبا إلى النظام الديمقراطى وفق المعايير الغربية، ويرجع الفضل فى ذلك إلى الميراث الثقافى والحضارى الأوروبى من ناحية والاتحاد الأوروبى وحلف الناتو من ناحية ثانية، اشترط كل منهما معايير وشروطاً معينة للالتحاق بكل منهما، وهى معايير تبنى النظام الديمقراطى الغربى بكافة قيمه ومعاييره، ثم بدأ التحول يعرف طريقه إلى دول أمريكا اللاتينية وأخيراً دول أفريقيا جنوب الصحراء التى تحولت من مجتمعات قبلية متخلفة إلى دول ديمقراطية تسودها قيم المواطنة والمساواة. أما النوع الثالث من الدول فهى التى تسير فى منتصف الطريق، مثل بلدنا مصر التى كان بها نظام شبه ديمقراطى أو ديمقراطية مدارة أو مسيطر عليها، وينطبق ذلك على أواخر فترة للسادات وطوال عقود حكم مبارك الثلاثة، فقد كانت العملية شكلية والانتخابات صورية والأدوار والحصص توزع من قبل أجهزة النظام ومؤسساته الأمنية بالأساس.
كان التصور وكذلك كانت الآمال فى أن تعرف مصر طريق التطور الديمقراطى الحقيقى التدريجى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فجرى اختطافها من قبل الجماعة الإرهابية واستخدمت الآليات الشكلية للديمقراطية من أجل بناء نظام سياسى دينى سلطوى، ثار الشعب المصرى استرد ثورته بمعاونة الجيش فى الثلاثين من يونيو فعاد الأمل من جديد فى استكمال بناء دولة مدنية حديثة بشكل تدريجى تطورى، تدريجياً اكتشفنا أن الميراث السلطوى لدى الأجهزة المصرية ومقاومة عملية التحول الديمقراطى أقوى من آمال المصريين ووصلنا إلى المشهد الراهن من الأزمات والمشاكل والمخاوف أيضاً.
وللحديث بقية

خالد منتصر - هل عميد «دار العلوم» إخوانى؟! - جريدة الوطن - 27/8/2017

أرجو من رئيس جامعة القاهرة التحقيق فى هذه المعلومات والرد على سؤال يؤرق الجميع، وهو: هل عميد «دار العلوم» إخوانى فعلاً؟ ولو هو كذلك لماذا تحتفظ به حتى الآن؟؟!، وإذا كان غير ذلك فلتُرسل لنا ما يبرئ ساحته، المعلومات المتاحة تقول -وهى ما زالت فى طور المعلومات حتى يرد رئيس الجامعة- إن الدكتور عميد كلية دار العلوم الذى ما زال يمارس عمله فى قيادة الكلية وتوجيه الطلاب وأخونة الكلية، وتقديم أشكال الدعم المختلفة للجماعة منذ أن كان مسئولاً عن الجماعة بمنطقة مكة المكرمة، ثم العمل القيادى أثناء حكم الإخوان، كما يظهر فى صور موجودة لمن يريدها، وهو إمام يؤم القيادى صلاح سلطان، المحكوم عليه بالإعدام فى قضية مسجد الفتح، وذلك فى صلاة جنازة على أحد قتلى الإخوان المسلمين، ثم صورته وهو يخطب فى مظاهرة إخوانية يستحثّهم على الجهاد، وهناك عدد من جريدة «التحرير» صادر يوم تعيينه قائماً بأعمال عميد الكلية، منشور فيه بالصورة والكلمة ما يُقال عن نشاطه الإخوانى، نرجو الرد على ما فيه، والسؤال الذى يسأله كثيرون داخل الكلية: لماذا تبقى عليه جامعة القاهرة قائماً بالأعمال حتى الآن؟ لمصلحة من؟ ومَن الذى يحميه؟ وكيف تُبقى عليه الجامعة مرشحاً للعمادة؟ وهل انعدم الأساتذة بالكلية؟، الأسئلة المطروحة على رئيس الجامعة، هل صحيح أنه كان مسئولاً عن تحصيل اشتراكات الإخوان بمكة طوال فترة التسعينات، ثم أصبح قيادياً حركياً بعد عودته 2009، هل قام بأخونة شاملة ضمن 20 وظيفة بالكلية، ما بين رئاسة أقسام ومديرى مراكز ووظائف مديرى إدارات.. إلخ؟، هل منح عشرات الدرجات العلمية (ماجستير ودكتوراه) لطلاب الإخوان؟، هل فعلاً تم إهدار دولارات المجلة ببيعها فى السوق السوداء بمحلات الصرافة الإخوانية؟؟؟!
أنتظر من رئيس جامعة القاهرة الفاضل الرد على تلك الاتهامات التى هى بالطبع حتى الآن مجرد أسئلة، وليست اتهامات، لأننا نريد التوضيح فقط، ونريد مصلحة جامعتنا الرائدة، ومستقبل أجيالنا المقبلة.

Friday, August 25, 2017

خالد منتصر - ليس دفاعاً عن «مبارك» ولكن عن «محفوظ» - جريدة الوطن - 26/8/2017

«آفة حارتنا النسيان».. قالها عمنا وتاج راسنا الإبداعى وأيقونتنا الروائية نجيب محفوظ، ولكنه كان لا بد أن يضيف إليها: «وآفة حارتنا أيضاً التفكير بالتمنى»!!، فقد تلقف الجميع تصريح ابنة نجيب محفوظ للإعلامية منى الشاذلى بأن قلادة النيل التى منحها «مبارك» لوالدها هى مزيفة ومطلية بقشرة!!، وهذا ليس خبراً عادياً يمر مرور الكرام، وأتحداها أن تثبت أمام المصريين صدق كلامها عملياً، ليس تحدياً للحفاظ على صورة مبارك، فأنا أتهمه اتهاماً صريحاً بأنه ارتكب جريمة ترك الفكر السلفى يرعى فى الشارع المصرى ويصحّر عقول المصريين، ولن أغفرها له ولن يسامحه المصريون عليها، وأنا لا أدافع عنه على الإطلاق، ولكنى أدافع عن نجيب محفوظ، الذى هو أخلد من ألف مبارك، أنا وأنت وكل المصريين من منحنا نجيب محفوظ قلادة النيل، وليس مبارك، ومن حقنا جميعاً أن نتأكد أننا لم نُخدع، ابنة نجيب محفوظ تروج لصورة ذهنية عن أبيها هى صورة تنفع لتاجر «مانيفاتورة» أو سمسار عقارات، وليس لروائى عالمى مبدع يقرأ له العالم كله بانبهار، الصورة هى لشخص أول ما تسلم القلادة ظل يقلب فيها هو وزوجته، هذه ليست من الذهب الخالص عيار 18، إنها فالصو يا عطية، فعلاً إنها فالصو يا نجيب، غداً مبكراً والعصافير تشقشق نذهب إلى محل الصاغة ونكشف عليها!!، يخبرهم الجواهرجى بأنها فالصو!!، لا يعرف بهذا الخبر أصدق أصدقائه سلماوى والقعيد والغيطانى.. إلخ، لكنه يحتفظ بالسر الرهيب، ورغم مرور كل تلك السنوات، فإن القشرة الزائفة ما زالت موجودة، ولم تتقشر القلادة حتى هذه اللحظة!!، السؤال المنطقى، وهذا هو ما يهمنى، أن نفكر بمنطقية علمية بعيداً عن فكر التمنى والتربص، ما الذى يجبر مبارك على تخصيص الفالصو لنجيب محفوظ وتخصيص الذهب الخالص لغيره ومن ضمنهم البرادعى مثلاً؟؟، وماذا كان يضيره وينتقص منه إذا منحه الذهب؟؟! هى كانت فلوس «مبارك» عشان يبخل بها على «نجيب»؟؟!، ، هل كان سيبيع مبارك الأصلية، ويضع الفرق فى جيبه؟؟!، هو «مبارك» كان مستنى ثمن قلادة نجيب محفوظ ما كان عنده حسين سالم؟؟!.. هذا هو سؤال رجل الشارع العادى البسيط الذى لم أسمعه من المثقفين الذين تداولوا الخبر على السوشيال ميديا بتهليل وحبور وسرور!!، هل لو كان نجيب عولج فى الخارج، وكانت الدولة مستعدة لذلك إبان محاولة الاغتيال، ألم يكن سيكلف الدولة أضعاف ثمن القلادة؟؟!!، تحليلى الشخصى أن ابنة نجيب محفوظ تكره علمانية والدها، وهذا شىء مؤسف، فنجيب محفوظ هو ابن الحقبة الليبرالية العلمانية، وهذا سر خلوده وتألقه ووهجه، وشطب تلك الصفة عن شخصيته وإلباسه ثوب الدرويش والإصرار على بناء زاوية تحمل اسمه بدلاً من متحف هى محاولات اعتذار غير مسئولة عما تعتبره البنت خطيئة أبيها، مثل كتابته لرواية «أولاد حارتنا» مثلاً، هذه المحاولات لم يفعلها الصحفى الإخوانى محمد عبدالقدوس مع أبيه، الذى ظل فخوراً بتراثه الروائى، وبرغم خلافى الفكرى مع محمد عبدالقدوس، فإننى أحترم وأقدر له موقفه هذا، القضية ليست قضية قلادة نيل، ولا حتى قضية نجيب محفوظ، القضية صارت قضية عقل مصرى حتى المثقف منه، عقل يصدق ما يتمناه وما ينحاز له حتى لو كان يخاصم المنطق، ما دمت كارهاً لمبارك، فمستعد أن أصدق أى حكاية مختلقة وهمية لا يصدقها طفل، حتى ولو شوهت تلك الحكاية قامة فكرية وإبداعية فى حياتنا، مثل قامة نجيب محفوظ وإظهارها على أنها منسحقة تخشى البوح بسر خطير، مثل هذا السر واختزاله فى صورة رجل سمسار قلادات!! وليس رجلاً يبحث عن المجد الأدبى.

التعليم أو الكارثة بقلم د. وسيم السيسى ٢٦/ ٨/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم



العلم نور والله نور السماوات والأرض: لو يرى الله بمصباح لما كان إلا العلم جل الله شأناً «أمير الشعراء»
كان أجدادنا المصريون يقولون: العلم هو غاية الإيمان بالله، والجهل هو غاية الكفر به. أجمع العلماء على أن ما نريده فى حياتنا يجب أن ندخله فى مدارسنا، وأن التعليم ليس إعداداً للحياة بل هو الحياة نفسها.
مستشارنا الثقافى السابق فى واشنطن، الأستاذ الدكتور وجدى زيد، يحدثنا عن التعليم فى كتابه الرائع (التعليم ومستقبل مصر: رؤية واقعية وخطة عملية)، يحذرنا قائلاً: لا تصدق أن هناك ثورة ما لم يكن التعليم هو قلب هذه الثورة! وكيف أن اليونان اقتلعت جذور التعليم من أسبرطة حتى يتمكنوا منها، لذا قال أحد شعراء اليونان: هزمناهم «أسبرطة» ليس حين غزوناهم، بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم! لقد سرقت اليونان مكتبات مصر عند الغزو اليونانى، فخرجت مصر من التاريخ بعد سرقة ذاكرتها المعرفية! كانت صرخة رونالد ريجان ١٩٨١: أمة فى خطر، انهيار مستوى التعليم، نصف خريجيها لا يصلحون للأعمال التى يلتحقون بها! جاء التقرير: لو أن المسؤولين عن التعليم فى أمريكا قوة معادية، لاعتبرنا ما يقومون به عملا من أعمال الحرب!. دعونى فى نقاط ألخص ما وصل إليه العالم بخصوص التعليم.
١- التعليم يوفر ثلث ميزانية أى دولة.
٢- التعليم الفنى التكنولوجى يجب أن يكون ٧٠٪ والتعليم العام ٣٠٪.
٣- يجب تغيير نظرة المجتمع الدونية للتعليم الفنى التكنولوجى، كما يجب أن يكون فى كل مدينة كبرى ثلاث جامعات على أرقى مستوى من الأساتذة والأجهزة: Universty TECHNOLOGY colleges وأن تتخصص كل مدرسة أو كلية فى احتياجات المنطقة التى فيها: COMMUNITY COLLEGES.
٤- روح الفريق المعدومة فى مصر، ليس هناك أول وأخير فى الدول المتقدمة، هناك: لقد أرضيت الممتحنين ونجحت، أو نأسف أنك لم ترض هيئة الممتحنين.
٥- تنشيط فص الإبداع الأيمن من المخ بالموسيقى، الغناء، الرقص، الرسم، النحت، التصوير، الشعر، الخطابة، الملاعب لممارسة الرياضة.. إلخ، أما الفص الأيسر فهو فص الحفظ، فص الشيخ محمد عبده، حين قال لمن يتباهى إنه حفظ البخارى كله: لقد زادت نسخ البخارى نسخة!
٦- التطرف والتعصب فى كليات الطب والصيدلة والهندسة على أشده لأنها كليات تخلو من العلوم الإنسانية وبالتالى العقلية الجدلية النقدية، فأصبحت عقليات وصفها أمير الشعراء: فياله من ببغاء عقله فى أذنيه!
٧- حدثنى أ. د. إبراهيم بدران يوماً كيف أن ابن أخته فى الخارج يعلمونهم بطريقة:
أنسى ما قلت، أتذكر ما رأيت، أفهم إذا شاركت وجربت، وكيف أن «ابن أخته» أراه منطقة الـAxilla تحت الإبط، صورة على الشاشة، الشريان ينبض، الوريد يحس جريان الدم، العصب يعطيه إحساسا بالتنميل إذا وضع أصبعه على ما يراه.
٨- تعليم اللغة الإنجليزية منذ سن الرابعة، تقدمت الهند لأنها كسرت حاجز اللغة بينها وبين اللغة العالمية الآن ألا وهى الإنجليزية، إذا كان العلم فى الصين.. تعلموا الصينية، كان الأوروبيون يتعلمون العربية لدراسة أعمال ابن سينا وابن رشد، كذلك الترجمة والبعثات، جاءت إلينا اليابان ١٨٤٨م تدرس سر نهضة مصر فى التعليم.
٩- لا يمكن أن يتقدم التعليم إلا بالمعلم، رفعت أنجيلا ميركل رواتب المعلمين، أراد الأطباء المساواة، قالت: عيب عليكم أن تطلبوا المساواة بمن علموكم وجعلوكم أطباء، تقول إليزابيث باولر: أصبحت معلمة لأنى أحب مساعدة المظلومين!
١٠- هذه المغالطات: لقمة العيش أولاً، المصانع أولاً، الأمن أولاً! لا يا سادة.. نهرو، بورقيبة جعلا ميزانية التعليم ٤٥٪ وقال نهرو: ذلك لأننا دولة فقيرة...!
١١- التعليم أو الكارثة.

د. عماد جاد - خطاب مفتوح إلى سيادة الرئيس - جريدة الوطن - 26/8/2017

سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، أكتب إليكم هذا الخطاب المفتوح بعد أن حالت حواجز كثيرة دون توصيل المحتوى بشكل مباشر أو غير مباشر، سيادة الرئيس، تعلم مدى الحب الذى يكنه لك غالبية المصريين، فيما عدا فئة محدودة لا تؤمن بالوطن، وتراه حفنة من التراب العفن، سيادة الرئيس أتذكر أننى حينما تشرفت بلقاء سيادتك للمرة الأولى فى أبريل 2011، وتطرق الحديث إلى موقف الأقباط من الثورة وعلاقاتهم الخارجية، وهل يمكن أن يستقووا بالخارج، أتذكر جيداً أننى طلبت الكلمة، وقلت بوضوح إن الأقباط مواطنون مصريون حتى النخاع، يعشقون مصر وترابها، وإنه لا ولاء لهم خارج حدود مصر وإنهم على مر التاريخ، ورغم ما تعرضوا له من ظلم ومعاناة لم يتطلعوا إلى الخارج أبداً، لم يطلبوا حماية من غير مصرى، وإنه لا توجد قطعة أرض على وجه الكرة الأرضية أكثر قداسة من أرض مصر من الناحيتين الوطنية والدينية، وإننى أعرف نفسى باعتبارى مصرياً مسيحياً وليس مسيحياً مصرياً، أى انتمائى الوطنى يسبق انتمائى الدينى، وكان هذا الحديث فى حضور الفريق محمود حجازى، رئيس الأركان الحالى، واللواء محمد العصار، وزير الإنتاج الحربى الحالى، وكل من سعد الكتاتنى، علاء الأسوانى، والصديق معتز الدمرداش.
سيادة الرئيس، قمت بعمل بطولى سجله التاريخ لك بالاستجابة لمطالب المصريين، وقمت بحماية ثورة الشعب، فاستحققت حب المصريين جميعاً على مختلف انتماءاتهم إلا قليلاً، وقد أثبتت الأحداث صدق وأمانة ما ذكرته فى ذلك الاجتماع، الذى دام قرابة سبع ساعات، فقد حُرقت كنائس، وهُدمت بِيَع وقُتل وسُحل أقباط، وجرى تخريب أديرة تاريخية، ولم يصدر عن الأقباط أى رد فعل، بل اعتبروا كل ذلك فداء للوطن، وقال البابا تواضروس الثانى كلمته التاريخية: «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن»، فكانت مقولة رائعة تعادل مقولة سلفه العظيم البابا شنودة الثالث، التى قالها كحكمة خالدة، وهى: «مصر وطن يعيش فينا، لا وطن نعيش فيه»، وأتذكر أننى نقلت لقداسة البابا تواضروس الثانى استغاثة بعض أقباط المنيا بعد فض رابعة بأنهم يتعرضون لتهديدات من قبل الجماعات الإرهابية، ومن ثم يطلبون حضور عدد من دبابات الجيش حتى يشعروا بالحماية والاطمئنان، أتذكر كلمات قداسة البابا فى ذلك الوقت، إذ قال إننى لو طلبت ذلك، فسوف أشتت انتباه الجيش، والأولوية اليوم لحماية البلد وكل الخسائر يمكن تعويضها فيما بعد، المهم الحفاظ على الجيش المصرى، وعدم تشتيت انتباهه.
سيادة الرئيس، تفاءل الأقباط بعهدك وساد بينهم إحساس عام بأن عهدك سيكون عهد سلام وأمن ومساواة، عهد تنتهى فيه معاناة الأقباط وتتوقف سياسات التمييز ضدهم، لذلك نزلوا بكثافة للتصويت لك وتحرير دستور البلاد الجديد، وبذلت الكنيسة جهوداً ضخمة فى شرح حقيقة ما يجرى فى البلاد للعالم الخارجى، وقد حضرت ذلك بنفسى فى حوار قداسة البابا مع أعضاء البرلمان الأرثوذكسى فى «يريفان»، عاصمة أرمينيا، وشهدت جهود مبعوثيه فى نيويورك وعواصم أوروبية.
سيادة الرئيس، اتخذت خطوات شجاعة وغير مسبوقة على طريق بناء دولة المواطنة، والأقباط يتمنون ذلك، لكن يا سيادة الرئيس ما زال الظلم قائماً من قبل عناصر أمنية وتنفيذية لا تزال تعمل وفق عقلية التمييز، تستخدم المتطرفين فزاعة لمنع بناء الكنائس وحرمان الأقباط من الصلاة إلى خالقهم، خالق الكل، الأمر الذى أصاب قطاعاً منهم بالإحباط، وهناك من يستغل ذلك داخل أجهزة الدولة الأمنية ومؤسساتها التنفيذية كى يؤثر سلباً على حب وتقدير الأقباط لك وعلى الإنجازات التى تحققها سيادتك على الأرض فى كافة المجالات.
سيادة الرئيس، أكتب لكم هذا الخطاب المفتوح بعد أن عجزت عن توصيله بطرق مباشرة وغير مباشرة، أرجوك تدخل لإنهاء معاناة الأقباط كمواطنين مصريين لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، يعشقون مصر وترابها الوطنى، ويرون فيك زعامة تاريخية وشجاعة منقطعة النظير فى إرساء أسس دولة المواطنة والمساواة.

«الإسلام السياسى» ومرض السُكَّرى.. هل من نهاية حقاً؟ بقلم د. عمار على حسن ٢٥/ ٨/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

لا يمكن أن نفكر فى تفكيك الإسلام السياسى بعيدا عن إمعان النظر والتدبر مليًّا فى ثلاث سمات له، يجب أن تؤخذ فى الاعتبار حال تقييم وجوده ودوره وأفكاره وأنماط تصرفاته المتكررة، ألا وهى:
١ ـ تعد الجماعات والتنظيمات التى توظف الإسلام كأيديولوجيا فى سبيل تحصيل السلطة والثروة هى الظاهرة الأكثر توالدا وانشطارا من بين الحركات السياسية والاجتماعية الحديثة والمعاصرة، وربما تفوق فى ذلك بكثير التنظيمات الشيوعية التى كانت تعانى من الانقسام الدائم على نفسها، وطالما أدى هذا إلى إضعافها.
فلا تكاد تظهر جماعة دينية سياسية حتى يدب الخلاف بين أجنحتها وأفرادها بسبب الصراع حول المنافع، أو بفعل تباين وجهات النظر حول مقولات وآراء فقهية أو تفاسير لآيات وأحاديث أو تقدير لمواقف تاريخية صنعها الأولون، أو لاختراق الأجهزة الأمنية لها وتجنيد بعض عناصرها ودفعهم إلى إثارة الشقاق فى صفوفها بغية كسر شوكتها، وتتمكن هذه الأجهزة أحيانا من القبض على قيادات كبرى ممسكة بدفة الأمور داخل التنظيم فيتصدع بغيابها. وقد يكون سبب الانقسام هو طمع بعض قيادات التنظيمات فى التصعيد بين صفوفها وحقدها على الممسكين بالزمام والمتحكمين فى القرار، أو للتغيرات التى تطرأ على السياق الاجتماعى ـ السياسى الذى يحيط بهذه التنظيمات ويضغط عليها من كل جانب، وبلا هوادة.
لكل هذه الأسباب تتشظى هذه الجماعات والتنظيمات، وتصير مجموعات صغيرة، بعضها يذوب ويختفى، وبعضها يفقد الفاعلية بمرور الوقت. لكن هذا التشظى لا يمنع من أمرين هما:
أ ـ اتجاه بعض هذه الجماعات الصغيرة إلى التحالف، ولو مؤقتا، أو التنسيق بينها فى العمليات الإرهابية.
ب ـ تحول هذه الجماعات إلى أخرى تحمل اسما جديدا، وقد تعدل من بعض أفكارها وتدابيرها، ويمكن أن تغير قياداتها أو تدفع بآخرين إلى صفوف القيادة.
٢ ـ يبدو «الإسلام السياسى» مثل مرض السكرى، لا يرجى منه شفاء، لكن يمكن التحكم فيه، وتقليل أخطاره. وقد تكون هذه غاية ما يمكن الوصول إليه حال تبنى استراتيجية لتفكيكه، أو تقليم أظافره، وخلع أنيابه الحادة. فطيلة تاريخ المسلمين وهناك دوما من يوظف الدين فى الصراع السياسى، فيطلق فكرة تتمكن، مهما كانت درجة تهافتها أو تناقضها، من أن تجذب إليها أتباعا، يدافعون عنها، ويعملون من أجل تحقيقها على أرض الواقع. ولا تخلو حقبة زمنية من هذا التاريخ من ظهور تلك الجماعات، حتى لو لم يكن المؤرخون قد انتبهوا إليها، وسجلوا يومياتها.
٣ ـ تستفيد هذه الجماعات والتنظيمات من الاتكاء على حضور الدين فى المجال العام من ناحية، ومن الجهد الذى بذلته فى سبيل بناء مجتمعها العميق من ناحية أخرى. وهذا يعطيها منعة حيال أى محاولات لتفكيكها. فطالما أطلق «الإسلام السياسى» خطابا فى وجه من يتصدون له باتهامهم بأنهم يريدون النيل من الإسلام نفسه، أو يريدون إيذاء الأفراد والأسر التى تستفيد من برامج النفع العام التى تتبناها هذه الجماعات.
فى ضوء الملاحظات سالفة الذكر، يمكن النظر إلى مسألة تفكيك «الإسلام السياسى» من ثلاث زوايا:
أولا ـ دحض الأفكار: وهذه مهمة ليست عويصة إن استعمل مواجهو خطاب الإسلام السياسى التفكير العلمى، ونشروه على نطاق واسع، عبر مدارس التعليم ومؤسسات التثقيف والإعلام. فخطاب هذا الجماعات ينطوى على عيوب جسيمة، فهو بالأساس خطاب عاطفى بوسعه أن يعبئ الجماهير ويحشدها سريعا لكنه لا يستقر فى الرؤوس طويلا، إلا إن كانت خاوية، أو لا تمتلك القدرة على النقد، أو تتعرض لخطاب آخر مغاير. كما أنه خطاب تقليدى، لغته عتيقة فى الغالب الأعم، ومسار برهنته ذو طبيعة تاريخية، تبدو مجافية لواقعنا المعيش فى كثير من المواقف والمواضع، كما أنه خطاب متناقض نظرا لاختلاف مشارب وأهواء الجماعات التى تنتجه، وتضارب الروايات التاريخية التى يعتمد عليها، وتقلبه حسب مصالح هذه الجماعات، التى تجعلها أحيانا تظهر عكس ما تبطن، وتبدى غير ما تخفى.
ثانيا ـ تحجيم الأدوار: وهذا يتطلب سد الثغرات التى تنفذ منها التنظيمات والجماعات الدينية المسيسة إلى أعماق المجتمع، من خلال تطبيبها لعوز الناس، لاسيما مع تراجع دور الدولة فى تقديم الخدمات للمواطنين، واتساع الهوة بين الطبقات، والنقص الكبير فى احتياجات الناس الأساسية من غذاء وكساء ودواء وإيواء. فهذا التراجع ساهم إلى حد بالغ فى تمدد «الإسلام السياسى» مستغلا توظيف إمكاناته فى العمل الخيرى والنفع العام، وعلى رأسها الوفورات المالية والشبكات الاجتماعية والمؤسسات الدينية، فى جذب قطاعات عريضة من الناس إليه، وربطه بهم، ودفعهم إلى الالتفاف حوله.
وهذا التحجيم يحتاج إلى عدة إجراءات أساسية. هى وجود مشروع وطنى جامع وقيام الدولة بدورها الرعائى وترسيخ مبدأ الدور الخيرى منزوع السياسة.
ثالثا ـ إطلاق الحوار: فالتجربة تقول بجلاء إن أتباع هذا التيار يتمسكون به أكثر كلما شعروا بأن هناك من يعلن الحرب عليهم، فوقتها يظنون أن ما لديهم ثمين، لدرجة أن هناك من يقاتلهم عليه، ويلوذون بجماعاتهم أكثر كى تحميهم، فتؤوى المطاردين، وتعول أسر المسجونين، وتتفنن فى ابتكار الطرق التى تمكنها من مواصلة طرح خطابها على النخب وعموم الناس والتحايل فى مواجهة من يقصدون تحجيمها. أما الحوار فقد أدى فى بعض التجارب إلى انفضاض كثيرين من الأتباع عن تنظيماتهم، بعد أن اهتز فى رؤوسهم اليقين الزائف، وأدركوا خطأ أفكارهم، وعدم صواب قياداتهم طيلة الوقت وفى كل المواقف كما يزعمون.
لكن الحوار لا يجب أن يجرى بلا ترتيب أو تخطيط، إنما وفق خطة واضحة المعالم، ينهض بها علماء من كافة التخصصات، وتتوفر لها كافة الإمكانات، ولا يجب أن تقتصر على السلطة إنما يسهم فيها المجتمع المدنى والمفكرون المستقلون، وتتم من خلال آليات متعددة، سواء كانت مباشرة عبر مناقشة أتباع «الإسلام السياسى» وجها لوجه، أو عبر الكتب والبرامج المتلفزة ومؤسسات التعليم والتثقيف.. إلخ.
إن «الإسلام السياسى» قد اقتات على فشل الآخرين، واستفاد من انغلاق المجال العام، وتراجع الدور الرعائى للدول، ووجود مؤسسات خيرية ودعوية له تتمدد باستمرار، فى الحفاظ على وجوده، وتعزيز نفوذه، وطرح نفسه باعتباره بديلا، بل منقذا، ولا سبيل إلى تفكيك هذا التصور، أو على الأقل تحجيمه، إلى من خلال تبنى استراتيجية ترمى إلى منعه من أن يكون على الهيئة التى ظهر ويظهر عليها.