Translate

Tuesday, June 28, 2022

«البابا غبريال الثانى» - الأنبا إرميا - المصري اليوم - 8/6/2022

 تحدثت فى مقالة سابقة عن السلطان «صلاح الدين بن أيوب» الذى تولى وَزارة «مِصر» سنة 564 هـ (1169 م)، الملقب بـ«الملك الناصر»، وإقامته الخُطبة لـ«بنى العباس»، ثم تقلده حكم «مصر» بعد موت الخليفة «العاضد بالله».

أما بطاركة تلك الحقبة وأحوال الكنيسة القبطية، فقد توقف الحديث عند «البابا مقارة الثانى» (1102 م- 1128 م) الـ69 فى بطاركة الإسكندرية، الذى شهِدت أيامه عدة أحداث، منها: وصول حملة «الفَِرَِنجة» إلى «الفَرَما» ونهبهم المدينة وحرقها، ثم خطتهم للهجوم على «مِصر»، لكن الأمر لم يكتمل لهم بسبب مرض رئيسهم وموته، وأيضًا قتل الوزير «الأفضل بن بدر الجمالىّ»، وموت الخليفة «الآمِر بالله» مقتولا سنة ٥٢٤ هـ (١١٣٠ م). وقد تنيح «البابا مقارة الثانى» سنة 1128 م، بعد أن قضَّى على كرسىّ «مار مَرقس الرسول» 26 سنة وبضعة أشهر، وخلفه «البابا غبريال بن تريك».

البابا غبريال الثانى (1131- 1145 م)

السبعون فى بطاركة الكرسى المَرقسىّ الإسكندرى. ويذكر لنا القمص «مَنَسَّى يوحنا»، المؤرخ الكنسى، أن الكنيسة ظلت زمنًا دون أب بطريرك بعد نياحة «البابا مقارة الثانى»، بسبب غضب الخليفة على المَسيحيين بعد أن وشى بهم كاتبان يعملان فى ديوانه كذبًا بأنهم يمُدون الفرنج بالأموال، فلم يتمكن الأقباط من طلب سيامة أب بطريرك.

وحدث بعد زمن أن قام الجند على هذين الكاتبين وقُتلا، وقام بعدهما رجل من الملكيين، فطلب إليه الأقباط أن يتدخل ويستأذن لهم فى إقامة أب بطريرك من الوزير «أحمد بن الأفضل»، فأجاب طلبهم ووقع الاختيار على رجل من الكُتاب يُدعى «أبا العلاء بن تريك»، بتول لم يتزوج، ابن عائلة قبطية قديمة، مشهورًا بالنزاهة والأمانة، حتى إنه حين صار شماسًا فى كنيسة أبى السيفين طلب الوزير إليه أن يستمر فى وظيفته، رافضًا أن يتركه لأجل أمانته.

وقد ذكر «ساويرس ابن المقفع» عنه: «رجل كهل، عاقل، صالح، عالم، خبير، ذو سيرة جميلة وصدقة كثيرة وبر ومعروف، محب للصلوات والقداسات، وخدمة الكنائس والغرباء والمرضى، مفتقد الأرامل والأيتام ومَن فى السجون والضيق، مجتهد فى قراءة الكتب وتفسير معانيها والبحث عنها، ناسخ جيد قبطى وعربى.. يخدم فى ديوان المكاتبات وقتًا، وفى بيت المال وقتًا. ومن كتابة (بيت المال) أخذوه لما وقع عليه الاتفاق وكرزوه بطركًا».

ويذكر الأب «مَرقس بن زرعة»، كاتب سيرة «البابا غبريال الثانى»، أن الكرسىّ المرقسىّ خلا زمنًا طويلا، فاجتمع الأراخنة لاختيار بطريرك، وذهبوا إلى «دير القديس أبومقار»، فأشار عليهم رهبانه بالذهاب إلى أحد الآباء الرهبان القديسين بـ«دير السريان» اسمه «أبويوسف» لأخذ بركته ومشاورته، فلما ذهبوا إليه وحادثوه بأمر البطريركية ومن يصلح لها، قال: «ارجِعوا إلى منازلكم فقد تعِبتم فى مجيئكم إلى ههنا فإن بطركم فى «مِصر»! وأشار إليه وسماه لهم، وقال لهم: هو فلان ابن تريك. فرجَعوا، وفعلوا كما قال لهم». وهكذا سُمح للأقباط بالرسامة حين قدموا اسمه، ورُسم بطريركًا بالإسكندرية، ثم فى أديرة وادى النطرون وكانت سيامته سنة 1131 م، فى خلافة «الحافظ لدين الله» (524- 544 هـ) (1130- 1149 م).

وقد منع هذا الأب البطريرك دفن الموتى من الآباء الكهنة بالكنائس، ونقل بإكرام جزيل جسد «البابا مقارة الثانى» من «الكنيسة المعلَّقة» بمصر القديمة إلى «دير القديس أبومقار».

وفى زمان ذلك الأب البطريرك، تولى وزارة «مِصر» أمير من أمراء الدولة يُدعى «رِضوان بن وَلَخْشِى»، كان والى «عسقلان» ثم «الغربية» قبل الوزارة، عانى منه الأقباط إذ يُذكر أنه: «أول وزير أمر ألا يستخدموا النصارى فى الدواوين الكبار ولا نظار ولا مشارفين، وأن يشدوا زنانيرهم فى أوساطهم، ولا يركبوا الخيل، وضاعف عليهم وعلى اليهود الجزية...». و... والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

Sunday, June 26, 2022

فى ذكرى ثورة 30 يونيو 2013.. الميلاد الجديد لمصر - الأنبا موسى - المصري اليوم - 26/6/2022

 أولًا: تسونامى الشباب المصرى:

1- لا شك أن جموع الشباب الهادر بميدان التحرير وميادين مصر الأخرى وكل القطر، كانت كـ«التسونامى» الكاسح، الذي استطاع في أيام قليلة أن يكتسح الكثير من الأمور التي شحنت شبابنا الصاعد بالغضب النبيل.

2- فأُثلجت صدورنا في مثل هذا اليوم 30 يونيو من عام 2013، حيث مشاركة أعداد ضخمة من الشعب المصرى، الشباب المسيحى مع إخوتهم المسلمين، حين انصهر الجميع في حب عجيب، ارتفع فوق كل الفروق الدينية والاجتماعية والمادية والحزبية والفئوية، ولم يكن في ذهن شبابنا سوى مصر والمستقبل!! في ثورة مباركة اكتسحت وخلخلت عروش الفساد والاستبداد وسيطرة فئة معينة للانفراد بالحكم، وعلت الأصوات: لا للفساد والاستبداد.. ولا للحكم الدينى بل المدنى.

3- وقد بُذلت دماء ثمينة في هذه الثورة، حيث اختلطت فيها دماء المحبة للوطن.. هنيئًا لمصر بهذه المحبة التي شاهدناها في عيون الجميع وهذا الانتصار الذي شارك فيه الجميع. ولتحيا مصر التي وعدها الرب قائلًا في سفر إشعياء (800 ق.م): «مُبَارَكٌ شَعْبِى مِصْرُ» (إش 25:19).

4- خرج الشعب يوم 30 يونيو لا يفكر في شىء سوى مصر والمستقبل. لقد نسى كل منهم أي أغراض شخصية أو طائفية.. فاجتمع المسلمون مع المسيحيين، والشباب مع الكبار، رجالًا ونساءً، والموظفون مع العمال والفلاحين، وطالبوا بالتغيير الحقيقى والجذرى من أجل مصر أفضل ومستقبل أفضل.

.. إن شباب 25 يناير، و30 يونيو المسالم الواعى، المحب لوطنه، والمرتفع فوق كل الجراحات.. كان يأمل في مستقبل طيب، حيث:

1- الحرية السياسية، والديمقراطية الكاملة، وصولًا إلى الدولة المدنية الحديثة والجمهورية البرلمانية الحقيقية.

2- الإصلاح الاقتصادى ومحاربة البطالة والفساد.

3- العدالة الاجتماعية وتذويب الفوارق بين الطبقات، وهى حقوق مشروعة ومعقولة.

.. إن مصر قد ولدت من جديد، فهنيئًا لمصر بثورتها المجيدة، وشبابها النقى، مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، متعلمين وبسطاء، فأسرة مصر كلها أجمعت على أمر واحد: مصر جديدة، ديمقراطية، وقادرة.

ثانيًا: 30 يونيو مرحلة حاسمة من تاريخ مصر:

إن مصرنا العزيزة التي تفخر بشبابها الذي ثار على الاستبداد والفساد وجدد وجه الوطن، والذى استشرف ومازال يستشرف آفاق المستقبل، مستكملًا أهداف ثورته المجيدة، التي وصفها قداسة البابا شنودة الثالث حينها بأنها «ثورة قوية بيضاء»: يستكمل مسار الثورة بالآتى:

1- المحبة:

فالمحبة تبنى والكراهية تهدم. وكل الأديان نادت بالرحمة والتسامح، فالمحبة هي الأساسات التي يمكن أن يرتفع فوقها البناء، وهى الأرضية التي نقف عليها بثبات. المحبة تمنع وقوع المشاكل والفتنة، فإن حدثت مشاكل، فهى وحدها الكفيلة بالحل والتراضى وإنهاء الأزمات.

2- التفاعل:

لقد علمنا السيد المسيح أن «لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ ‍بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ»، لهذا فعلينا جميعًا مهما اختلفت انتماءاتنا الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أن نتفاعل مقدمين بعضنا لبعض أفعال محبة، وليس كلمات ومشاعر فقط. وها مشروعات اجتماعية مشتركة تخدم الجميع، وعندنا كمثال: مستشفيات ومدارس ومستوصفات وجمعيات ومؤسسات وخدمات تخدم كل المصريين، مسلمين ومسيحيين معًا.

فهناك- بلاشك- قواسم مشتركة كثيرة تجمعنا معًا، قواسم النية الصادقة في بناء مصر المستقبل، والرغبة الأكيدة في العمل معًا لخيرها، وهذا سيعم بالضرورة أرجاء الوطن كله والجمهورية الجديدة.

3- السلام:

فهو الثمرة الطبيعية لكل ما مضى، وهو الرغبة الصادقة في قلب كل مصرى ومصرية، فالسلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، وفى المسيحية نقول عن الله: «هو سلامنا». والسلام هو غاية البلاد والشعوب.

وفى ختام صلواتنا نقول: «يا ملك السلام، أعطنا سلامك، قرر لنا سلامك، واغفر لنا خطايانا».

ثالثًا: صحوة تلى ثورة:

هنيئًا لمصر بهذه الصحوة المباركة التي تلت الثورة المجيدة، بالرغم من وباء فيروس كورونا الذي أصاب العالم، فأثر سلبيًا على اقتصاد العالم، وما كاد العالم ليفوق من هذا الوباء الذي حطم الأخضر واليابس إلا ويعانى من غلاء عالمى من آثار حرب روسيا وأوكرانيا.. ومع كل هذه الكوارث العالمية إلا أن مصر محفوظة في يد الله. بسبب وعد الله لمصر بالبركة، وحكمة قائدها وحكوماتها ومؤسساتها.. فها الدولة تخرج من محليتها إلى عالميتها، وتقوم بنهضة لم تحدث، ليس فقط منذ سنوات، ولكن منذ قرون، فيتحقق كم هائل ومبهر من التنمية الشاملة، في المجالات المختلفة: الزراعى والصناعى والصحى.. واستصلاح طرق- إنشاء كبارى- استصلاح أراض شاسعة- إنشاء مصانع.. إلخ).

رابعًا: الاستمرار في الاهتمام بالعمل الإيجابى البنّاء:

1- إنقاذ الفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون قوتهم: سواء من الذين لهم رواتب لا تصمد أمام ارتفاع الأسعار، أو الذين يعانون البطالة ولا عمل لهم، أو أصحاب المعاشات.. (صندوق تحيا مصر- حياة كريمة- شقق لمحدودى الدخل.. إلخ).

2- الاهتمام بتوفير الأمن والأمان للشعب، والقضاء على الإرهاب بكل صوره، والتعصب والعنف، الذي بدوره قد يؤثر على الاقتصاد والاستثمار والسياحة.

3- العمل الدؤوب وبإخلاص، والتأنى في الحصول على الثمر، والنظر إلى الشعب كله فيما ينفعه.

ونحن نصلى جميعًا من أجل مصر أن تتبوأ مكانتها العظيمة اللائقة، ونصلى من أجل مسـتقبل باهر لشعبها إن شاء الله..

مصر ولدت من جديد..

مصر عادت شبابًا بسواعد شبابها، الذين اختزنوا مع الغضب النبيل حضارة 7000 سنة!!.

الحق فى الرصيف - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 25/6/2022

 وصلتنى هذه الرسالة المهمة من د. صلاح سند أستاذ النساء والولادة بطب القاهرة:

لا أعرف سر كره المصريين للرصيف وكأنه عدو يستحق العقاب، والرصيف فى مصر يتألم ولكنه لا يستطيع الصراخ. ولا أعرف من هو مالك الرصيف الذى عليه الدفاع عنه.

ما هو رصيف الشارع؟ هو مساحة مخصصة لمرور المشاة برفعها عن مستوى الطريق الذى تسير عليه المركبات حماية للمارة.

وما هى المواصفات الهندسية للرصيف؟

كثيرة.. وأهمها:

١) ارتفاع الرصيف = ١٥ سم.

٢) أقل مساحة خالية من الرصيف = ٥٠ سم.

٣) ألا يكون فى المساحة الخالية من الرصيف أى عوائق.

٤) مراعاة فرق منسوب الرصيف والطريق، ومراعاة منسوب الرصيف للرصيف المجاور.

وما هى أمثلة كره المصريين للرصيف؟

أ) أولاً من ناحية المسئولين فى الإدارات المحلية:

١- يجعلون مستوى الرصيف أعلى كثيراً من مستوى الطريق (حوالى ٤٠ سم) مما يشكل مجهوداً كبيراً على مفصل الركبة (خاصة مع تقدم العمر) لتسلق الرصيف والهبوط منه.

٢- لا يبالون بعدم تناسب مستوى الرصيف مع الرصيف المجاور بعد تقاطعه مع مدخل أى جراچ يقطع الرصيف، مما يجعل طريق المارة على الرصيف «ماراثون» من الهبوط والصعود المتتالى.

٣- فى كثير من الأحيان لا يبالون بالرصيف الأوسط الذى يُعتبر رصيفاً للأمان للمارة فى الشوارع المتسعة، سواء بعدم وجوده من الأصل أو بجعله شديد الضيق، أو بتضييق المساحة الخالية بالزراعة على معظمه.

٤- إعطاء الرخص أو الموافقات للأكشاك التى تحتل الأرصفة، ولبعض المطاعم والفنادق لاحتلال الرصيف، مع عدم ترك مساحة كافية لمرور المشاة.

٥- غضّ النظر عن مخالفات الاعتداء على حرم الرصيف.

ب) ثانياً من ناحية الناس:

١- الناس رقيقو الحال يحتلون الرصيف لعرض السلع.

٢- أصحاب المحلات يعتبرون الرصيف الامتداد الطبيعى لعرض بضاعتهم، كما يفعل أصحاب المقاهى باحتلال كراسيهم وترابيزاتهم الرصيف الملاصق للمقهى.

٣- الناس «الهاى» يعتبرون رصيف منزلهم أو مستشفاهم مملوكاً لهم، فيتظاهرون بحب الجمال ويقومون بزراعته فلا يستطيع أحد استخدامه للمرور، ويمكن لهؤلاء التمتع بالجمال بزراعة حوض فى جزء منه مع عدم التعدى على حقوق المارة بترك مساحة كافية لهم للمرور.

ويظل السؤال: هل من مدافع عن حق الرصيف وحق المارة؟


معركة كتاب - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 20/6/2022

فى زمن الرئيس مبارك تم تقديم كتابى «وهم الإعجاز العلمى» إلى لجنة مكتبة الأسرة حينذاك وتحمّس المرحوم د. فوزى فهمى، ولكن تم رفضه من شيخ شهير وأجبر د. فوزى على الرضوخ لقرار الشيخ، تمضى الأيام، وإذا بشباب من المغرب يرسل لى رسائل على الإيميل وإنبوكس الفيس بوك يخبروننى بأنهم قد قرأوا على النت مقالاتى عن الإعجاز العلمى، وأنهم مقتنعون بكل كلمة فيه، وأن منهم من ناقش كبير الإعجازيين نفسه فى ندوة عُقدت هناك وأحرجوه ولم يجدوا منه رداً مقنعاً، لدرجة أنه غضب واتهمهم بأنهم عصابة أشرار!!، ويشكروننى على هذا الكتاب.

أخيراً بعد كل تلك الأعوام وبعد كل هذا الهجوم الشرس والسباب السافل والتهديد الصارخ والتربّص الخانق، يظهر لى بريق أمل، ولكنه شعاع ضوء من نافذة الغرب من فاس، حيث عقدت ندوة هذا الإعجازى الذى اتضح أنه إخوانى متعصب بعد ٢٥ يناير، تهاوت الأسطورة الكرتونية وانقشع غبار الوهم على أرض المغرب، أحرجه الشباب المغربى بأسئلة منطقية، حاصروه بمعارف القرن الحادى والعشرين التى من خلالها وبضغطة على الكى بورد عرفوا وتيقنوا أن كل ما يردّده فبركات وتلفيقات وبضاعة أتلفها الهوى الفاسد للإسلام السياسى، الذى لم يترك ثغرة اجتماعية ولا إعلامية إلا ونفذ منها، ليخرب العقل ويسمم الروح، كنت أتمنى وقتها طبعاً أن يكون هذا فى بلدى على أرض مصر المحروسة، ولكن العالم صار قرية صغيرة وما حدث فى «فاس» لا بد أن نجد صداه قريباً فى القاهرة.

تعلمت من شباب المغرب الذى أنقذنى من إحباطى أن دورى هو أن أبذر البذرة ولا أنتظر الحصاد، وأيضاً ألا أخاف من غربان الحقل وخفافيش الكهوف، فحتماً ستثمر البذرة ويبزغ النور، ولا بد من دفع فاتورة التنوير الذى للأسف نقاومه ونخشاه، رغم أنه الحل والأمل.

بعد أن منحنى شباب المغرب الأمل، وبعد أن تفاعل مع أفكارى وما أكتبه ضد فكرة الإعجاز متابعون من مصر ومن جميع البلاد العربية، ومنهم من كان يهاجمنى بضراوة، وتحول بعدها إلى مقاتل ضد خرافات الإعجاز، بعدها قررت أن أكتب هذا الكتاب مرة أخرى وأتوسّع فى شرح الفكرة، ما كتبته هنا ضعف حجم حلمى القديم، فقد أصلت فيه للفكرة وأجبت عن سؤال لماذا أنتقد فكرة الإعجاز العلمى؟، وكيف أنها مخربة للدين والعلم على السواء؟، وانتقلت فيها من التأصيل والتنظير للفكرة إلى توثيق معاركى مع تجار الإعجاز، التى لم تكن سهلة أبداً، والتى ما زالت مستعرة ومشتعلة حتى تلك اللحظة التى تقرأون فيها هذا الكتاب، ما بين تهديدات وقضايا وبلاغات وبرامج مخصوصة تشتمنى وتسبنى وتلطخ سمعتى وتغتالنى معنوياً وكتائب إلكترونية تقرصن وتنشر سفالات وضيعة ومنحطة.. إلخ.

بالطبع دفعت الثمن من أعصابى ومن أمانى وعيشى دائماً على حافة الخطر، مقتنعاً بأنها ضريبة ولا بد أن أدفعها، فلا يمكن أن تجرى جراحة زرع مخ دون أعراض جانبية ومضاعفات فكرية، مستحيل أن تغير البديهى والمألوف وأن تخرج مجتمعاً من دفء القطيع وأمان الأفكار المستقرة التى تربوا لمئات السنين على أنها مقدسات وثوابت، هذه المعارك ليست كل المعارك ولكنها مجرد عينة لتدريب الشباب على الرد والحوار وعدم الرهبة والفزع من زعزعة وخلخلة ما يظنه الناس ثوابت وبديهيات.

لم أكتفِ بالمعارك التى خضتها مع دجالى الإعجاز ولذلك قررت أن أقدم فى الجزء الأخير من الكتاب صوراً من الإعجاز العلمى الحقيقى المختلف عن إعجازاتنا الوهمية، لكى يعرف القارئ أين نحن بعجزنا؟، وأين هم بإعجازهم ومعجزاتهم؟، لكى يتأكد ويحسم مع نفسه طريقة الحل ويرسم طريق النجاة، طريقة التفكير النقدى المتشكك، وطريق المنهج التجريبى النسبى بخريطة العلم.

توجّهت فى الكتاب بالشكر لأسرتى التى احتملت معى كل تلك المخاطر والصعاب فى سبيل قضية لم تجلب لهم إلا الصداع، وأفقدتهم مزايا مادية كثيرة كنت سأحققها لهم لو توجّهت إلى الشاطئ الآخر، حيث تجار خرافة الإعجاز يحصدون المليارات من الدولارات، ويحصدون أيضاً التكريم والدلع والحفاوة والمكانة، لكنهم شاركونى كل لحظة داعمين واثقين من صدق وعدالة وأهمية قضيتى، قضية العلم الحقيقى لا المزيف، وأتوجه بالشكر لكل من علمنى حرفاً عن أهمية التفكير العلمى، وعلى رأسهم الراحلان الجميلان د. أحمد مستجير أستاذ الوراثة، ود. فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة، كتبته رغبة فى أن يكون بذرة عقل فى تربة نمو وازدهار، لا فى تربة دفن ونسيان.

Sunday, June 19, 2022

اجعل من حياتك رسالة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 19/6/2022

 أولًا: أكتشف موهبتك:

أعطانا الرب (وزنات) أي مواهب عديدة لنتاجر بها وننجح، ونسعد في الحياة الأرضية، لحساب النجاح في الوصول للحياة الأبدية السعيدة، والحياة قد تبدأ في حقيقتها في اللحظة التي يكتشف فيها الإنسان نفسه، ويعرف ما هي مواهبه وقدراته وإمكانياته.. ونذكر من هذه المواهب أو الوزنات:

- وزنة الوقت.

- وزنة نسمة الحياة.

- وزنة الذكاء.

- وزنة حب العطاء.

- وزنة المواهب مثل: القراءة، التمثيل، والموسيقى، والرسم، والكتابة، والشعر، والفنون، والآداب المتنوعة.

- وزنة خدمة المحتاجين والفقراء.. ذلك لأننا لا يمكن أن نفصل خدمة الله عن خدمة الإنسان، فهما وجهان لعملة واحدة.

ويستطيع الشباب أن يكتشفوا وزناتهم (مواهبهم) المعطاة لهم من الله من خلال وسائل كثيرة نذكر منها:

1- الصلاة: حين أطلب من الرب أن يكشف لى ما أعطانى لكى أستثمره بأمانة، فيرسل لى الإجابة إما بفكرة في الذهن، أو دعوة من المدرس، أو نجاح مميز يحسه الآخرون.. إلخ.

2- الإرشاد: حين أسأل أبى أو مرشدى أو مدرسى، فيرشدنى إلى عمل معين أو خدمة ما أو مشروع مناسب.

3- الحوار: في مناقشة أي عمل تظهر مواهب ووزنات المتحاورين، فنكتشف أن هذا شخص روحانى، والثانى عقلانى، والثالث وجدانى، والرابع حركى، والخامس اجتماعى.. ولكلٍ مواهبه ووزناته.

4- المشاركة: فالعمل الجماعى المشترك هو أفضل مجال تظهر فيه المواهب والطاقات والوزنات، حيث يكمل الجميع بعضهم بعضًا، في مسرحية أو معرض أو احتفال أو مسابقات أو فرق تسبيح.

5- التدريب: فهذا ينجح في أعمال الكمبيوتر، وذاك في اللغات، والثالث في الموسيقى، والرابع في القيادة والإدارة.. فهذه الكورسات التدريبية تظهر مواهب الذين يلتحقون بها.

ثانيًا: اجعل من حياتك رسالة:

هنا تأتى «سينرجية» الاجتهاد الإنسانى وعمل الله.. وكلمة Synergy مكونة من مقطعين:

(Syn = Together)، و( Erg = work)، فمعناها إذًا أن نعمل معًا (working together): الله والإنسان، نعمة الله والاجتهاد الإنسانى، نعمل ونتكل على الله ولا نتواكل.

فلا نعمة بدون اجتهاد ولا اجتهاد بدون نعمة الله.. أي أن الإنسان الذي يجتهد في ضبط نفسه، وأداء عمله، والالتزام بمسؤولياته، ينال جزاء تعبه، وينال نعمة من خلال الله. وأيضًا الإنسان الذي يجتهد، ويجعل من حياته رسالة يستثمر فيها ما أعطاه الرب له من موهبة، فينمو ويتقدم ويثمر. لهذا يقول الرسول بولس: «نحن عاملان مع الله» (كورنثوس الأولى 9:3).. ويقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: «الفرس معدَّ ليوم الحرب (الاجتهاد الإنسانى)، أما النصرة فمن عند الرب (النعمة)» (أمثال 31:21).

وعند «استثمار الوزنات».. لا بد من مراعاة:

1- الدافع.. الأمانة والمتاجرة فيما أعطانى الله من مواهب ومزايا ووزنات.

2- الوسيلة.. أن أعمل بقوة الله، الذي بدونه لا أستطيع أن أعمل شيئًا، وبه أستطيع كل شىء.

3- الهدف.. أن يتمجد الله في كل شىء في حياتى.

مع الأخذ في الاعتبار:

أ- إذا ما نجح الإنسان في دراسة ما، فحصل على الدكتوراه مثلًا، أو في مشروع اقتصادى فربح الكثير، أو في نشاط رياضى فحصل على بطولة ما، أو في عمل اجتماعى فأحسّ به الكل وامتدحوه، ونال إعجاب الكثيرين... هذا الإنسان ربما يشعر بالغرور، والتميز، وبأنه أفضل من كثيرين فاشلين أو أقل نجاحًا. وقد يقارن نفسه بمن هم أقل منه نجاحًا، فيزدرى بهم، في أعماقه، شاعرًا بتميزه عنهم، وهذا مرفوض.

ب- وعكس هذا أن يقارن إنسان نفسه بمن هو أكثر نجاحًا منه فيحسده ويتمنى أن يتجاوزه، وهذا أيضًا مرفوض.

ج- ولكن الوضع الصحيح إذا ما نجح الإنسان ينسب النجاح لله -القادر على كل شىء- ليس فقط أمام الناس، ولكن في أعماقه، فلولا الله الذي أعطاه الوزنة، وساعده في استثمارها، لما نجح أو تفوق!!.

د- وإذا ما فشل هذا الإنسان في عمل ما، لا يصاب بصغر نفس أو يأس، بل يقول في أعماقه: أنا السبب، ضعفى وكسلى وعدم أمانتى.. سامحنى يا رب وأعنى كى أكون أمينًا فيما أعطيتنى، كى أجاهد حسنًا، واثقًا أن النجاح سيكون منك، وسوف أعطى المجد- كل المجد- لك.

هـ فالإنسان المعتمد على ذاته يكون معرضًا في النجاح لضربة كبرياء، وفى الفشل لضربة يأس!!.

و- أما الإنسان الذي يجتهد في استثمار وزناته، معتمدًا على الله.. فإذا ما نجح يشكر الله لعمله في الضعف البشرى، وإذا ما فشل ينسحق أمام الله، واثقًا أن الله قادر أن يحوِّل الفشل إلى نجاح، بنعمته، لذلك يقول نحميا: «إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبنى».

فليكن دافعنا هو الأمانة مع الله صاحب الوزنة والمواهب.. ووسيلتنا قوة الله العاملة في ضعفنا، وجهادنا المخلص في استثمار الوزنة قدر الطاقة. وهدفنا هو مجد الله صاحب كل شىء.. الرب يبارك حياة ووزنات الجميع، له كل المجد إلى الأبد آمين.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Sunday, June 12, 2022

الشباب ما بين الطمع والطموح واستثمار الوزنات - الأنبا موسى - المصري اليوم - 12/6/2022

 هناك ثلاث كلمات، نحتاج أن نميز بينها: الطمع، والطموح، واستثمار الوزنات، فما المقصود بها؟، وما الفرق بينها؟.

1- الطمع:

وهو أن يحب الإنسان النصيب الأكبر، والغنى السريع، سواء بوسائل سليمة أو بوسائل خاطئة، مثلما نسمع هذه الأيام عن القبض على «مستريح»، وتعبير «مستريح» كما عَرّفه البعض هو: «لفظ يطلق على النصاب العبقرى صاحب القدرة على الإقناع- بطريقة ملتوية- في جمع الأموال الطائلة، مستغلا أصحاب النفوس البسيطة، والطامعة في تحقيق الثراء السريع».

فالإنسان الطامع هو من يحب أن يأخذ أكثر مما يعطى، وربما دون أن يعطى!، وهذه خطيئة عظمى، اعتبرها الكتاب المقدس بمثابة عبادة للأوثان!، فحين جاء شخص يطلب من السيد المسيح أن يقسم الميراث بينه وبين أخيه، قال له: «يا إنسان، من أقامنى عليكما قاضيًا أو مقسمًا؟». وقال للجموع: «انظروا وتحفظوا من الطمع» (لوقا 13:12-15). ويقول سليمان الحكيم في أمثاله: «تمنى البُطل يُقل، والجامع بيده يزداد» (أمثال 11:13).

وجاءت خطيئة الطمع مقترنة بعبادة الأوثان في مواضع عديدة، نذكر منها: «الطمع الذي هو عبادة أوثان» (كولوسى5:3).. «كل زان أو نجس أو طماع، الذي هو عابد للأوثان، ليس له ميراث في ملكوت الله» (أفسس5:5).

فالطمع في جوهره عبادة للذات والمادة والعالم، وهذه كلها أوثان يجب ألا نتعبدلها دون الله، الذي أوصانا قائلًا: «للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» (متى 10:4).

الطمع إذًا هو نوع من عبادة الذات، دون الله، ولذلك دُعى عبادة أوثان!!.

ولنا أنموذج هام في الكتاب المقدس، في العهد القديم، عن شخص اسمه أخاب، وهذا كان ملكًا، طمع في حقل نابوت اليزرعيلى، لذلك عاقبه الله (ملوك الأول4:21). الطمع- إذًا- مرفوض، ولا يحتاج ذلك إلى شرح!!.

2- الطموح:

يحب الشباب كلمة «الطموح» ولديهم الحق في ذلك.. فالشباب مقبل على الدنيا، وأمامه مستقبل عريض، لذلك فهو مهتم بألا يكون كسولاً أو خنوعًا أو متقاعسًا، وهو يريد أن يكوّن نفسه: ماديًا وعلميًا واجتماعيًا. وهذا كله طيب.. لكن المشكلة تكمن في نوع هذا الطموح.. هل هو طموح ذاتى، بقدرة الذات، ولمجد الذات؟!، أم هو طموح روحى، بقدرة الله، ولمجد الله؟!.

الطموح الذاتى خطأ وخطر، ففيه يقول الشاب: أريد أن أكون كذا، وأستطيع أن أكون كذا بذراعى ومجهودى، لأصل إلى مركز مرموق يمدحنى فيه الناس، فأكون ممجدًا في عيونهم، وفى عينى نفسى!.

وهنا الخطورة:

- فالهدف هو تمجيد وتضخيم الذات، على حساب الله.

- والدافع بشرى محض، يتناسى معونة الله وإرشاده في الفكر والتخطيط والثمر.

- والوسيلة هي القدرات الذاتية: الشخصية أو العلمية أو المادية.

لهذا يحذرنا سليمان الحكيم من «طموح العينين وانتفاخ القلب» (أمثال4:21).

فهل معنى ذلك أن نمتنع عن الطموح ونحيا في الخنوع والكسل، ونرضى بمستويات أقل في العلم والعمل والمادة والمستوى الاجتماعى؟!، لا طبعًا.. لكن كل المطلوب هو اقتناء الطموح الروحى الذي فيه يكون:

- الهدف هو مجد الخالق مانح العطايا.

- والدافع استثمار الوزنات والمواهب التي أعطاها الرب لى.

- والوسيلة هي المعونة الإلهية العاملة في الإنسان الضعيف.

وهنا نجد أن كلمة «استثمار الوزنات والمواهب» أفضل من كلمة الطموح.. فما هو استثمار الوزنات؟.

3- استثمار الوزنات:

والمقصود بالوزنات أن الرب أعطى لكل إنسان وزنة أو اثنتين أو خمسا، كل «على قدر طاقته»، كما ورد في مثل الوزنات (متى 14:25-30).

صاحب الوزنتين استثمرهما وتاجر، فربح وزنتين أخريين، فكافأه الرب!.

وصاحب الوزنات الخمس، ربح خمسًا أخر، فنال مكافأة هو أيضًا.

أما صاحب الوزنة فطمرها في التراب، ثم أعادها إلى سيده بدون متاجرة أو ثمر.

إذًا فالرب يطلب منا استثمار الوزنات والمواهب التي أعطاها لنا. وهو عادل في توزيع الوزنات بين البشر وفى المحاسبة عليها. لذلك فحين طمر صاحب الوزنة وزنته في التراب، وأعادها دون ربح، عاقبه السيد، وأعطى وزنته لصاحب الوزنات الخمس، ليس لكى يزداد الغنى غنًى، ولكن لأن صاحب الوزنات الخمس عنده قدرة أكبر على الاستثمار، فأعطاه وزنة أخرى، أي أضاف إليه 20% جهدًا. أما لو كان قد أعطى الوزنة لصاحب الوزنتين، إذًا فقد أضاف إليه 50% جهداً!!، لذلك يقول الكتاب المقدس: «لأن كل من له يُعطى فيزداد، ومن ليس له، فالذى عنده يؤخذ منه» (متى 29:25).. أي من يستثمر وزناته بطريقة صحيحة، الله يعطيه وزنة أو مواهب أخرى جديدة.

إذًا، علينا أن نستثمر وزناتنا أو مواهبنا.. فقد يكون لدينا وزنة علمية فنحصل على ماجستير ودكتوراه، ويصير منا أحد العلماء المرموقين، أو وزنة مادية فنقدم خدمات إنسانية للفقراء، ومشروعات تخدم الجميع، وحاليا تقوم الدولة بذلك «حياة كريمة»، أو أن يكون لدينا وزنة إدارية فنقود مؤسسة نحو نجاح باهر!!.

المهم أن هذا كله يكون:

- بقوة الله خالقنا.. وليس باقتدارنا الشخصى فقط.

- ولمجد الله وليس لتضخيم الذات، الذي يقود للكبرياء والتعالى!.

الرب معنا، ومن نجاح إلى نجاح!.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية