Translate

Wednesday, August 31, 2016

الديمقراطية وتطور الشعوب - د. عماد جاد - جريدة الوطن -31/8/2016

 الديمقراطية فلسفة وقيمة إنسانية راقية، فهى من ناحية شكل من أشكال الحكم مقابل أشكال أخرى، منها الثيوقراطية أو الدينية، التى تعنى حكم رجال الدين، ومنها العسكرية التى تعنى حكم جنرالات الجيش، وهناك أشكال أخرى أفرزتها تجارب الشعوب على مر التاريخ. تنفرد الديمقراطية من بين الأشكال المختلفة للحكم بأنها النظام الذى يقوم على المواطن، حقوقه وحرياته، لذلك فإن التعريف الشائع للديمقراطية أنها «حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه»، هذا التعريف المبسّط لشكل الحكم الديمقراطى يقول إن الشعب هو مصدر السلطات، هو مصدر السيادة، هو الذى يحكم (عبر التفويض، أى اختيار الحكام) وهو وحده صاحب الحق فى التجديد لهم (لحدود معينة، عادة تكون دورتى حكم)، وله وحده سحب التفويض أو استرداد التكليف. تنفرد الديمقراطية عن غيرها من أشكال الحكم بكونها شكلاً من أشكال الحكم لا يقف بمفرده، بل يستند إلى منظومة من القيم الإنسانية، مثل المساواة، الحرية والعدل، فالديمقراطية فى ذاتها شكل من أشكال الحكم، وهى عبارة عن مجموعة إجراءات (تعدُّد الأحزاب، صوت واحد لكل مواطن، الانتخابات حرة ونزيهة، دورية الانتخابات، تداول السلطة) لا تستقيم دون مصاحبة القيم الإنسانية، ولا يمكن اختزال الديمقراطية فى مجموعة إجراءات كالانتخابات الحرة مثلاً، فقد تجرى نظم حكم انتخابات دورية، وقد تكون نزيهة دون أن يعنى ذلك أن نظام الحكم ديمقراطى، كما أن هذه الانتخابات الحرة لا تُفرز بالضرورة حكاماً ديمقراطيين أو يحترمون الديمقراطية، بالعكس هناك تجارب فى التاريخ أفرزت الانتخابات الحرة فيها حكاماً مستبدين سرعان ما ألغوا الديمقراطية وانتهكوا حقوق المواطن، ومنهم من جاء بالديمقراطية وأشعل حرباً كونية («هتلر» جاء بالديمقراطية وأشعل الحرب العالمية الثانية التى راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان). من هنا نؤكد أن الانتخابات الحرة النزيهة شرط لازم لاكتمال الديمقراطية، لكنها ليست شرطاً كافياً، فوجودها ضرورى لاكتمال الديمقراطية، لكن وجودها فى ذاته لا يعنى بالضرورة أن النظام ديمقراطى، فلا بد من توافر القيم الإنسانية الأخرى المصاحبة للديمقراطية، كالحرية والمساواة والعدل.
أفرزت خبرات البشر أشكالاً مختلفة من الديمقراطية، ووضع كل مجتمع بصمته على النسخة المشتركة، فالإنجليز أنتجوا الملكية البرلمانية، والأمريكان أنتجوا النظام الرئاسى، والفرنسيون اختاروا النظام المختلط. اتفقوا فى الجوهر (جوهر الديمقراطية)، ونوّعوا فى الأشكال حسب ظروف وطبيعة كل مجتمع من المجتمعات. على سبيل المثال تحدّدت دورات رئيس الجمهورية فى النظم الرئاسية بدورتين، بمتوسط ما بين أربع إلى خمس سنوات للدورة، لكن المكسيك اختارت أن يبقى الرئيس دورة واحدة فقط، ولمدة ست سنوات.
الديمقراطية إذن شكل من أشكال الحكم توصل إليه العقل البشرى من أجل تنظيم العلاقة بين السلطات فى الدولة، هى شكل من أشكال الحكم ابتدعه الفلاسفة وعلماء السياسة، وتحديداً المتخصص منهم فى نظم الحكم من أجل ضمان حقوق المواطن وتحصينه فى مواجهة سلطات الدولة التى تنفرد بامتلاك واستخدام أدوات القهر. فى البداية كانت ديمقراطية مباشرة، فى زمان دولة المدينة اليونانية، كان عدد المواطنين الرجال الأحرار محدوداً للغاية، ومن ثم كانوا يجتمعون فى الساحة للتداول فى شئونهم الخاصة وشئون بلدهم، يتفقون على ما يريدون من قواعد لتنظيم الحياة فى المجتمع، يتداولون فى شئون أمن مدينتهم وعلاقاتها الخارجية، باختصار كان اجتماعهم فى الساحة عبارة عن مجلس نواب أو برلمان يُشرّع ويُقرّر ويُصدر القوانين. زاد عدد الرجال الأحرار الذين يتمتعون بصفة المواطنة ولم يعد ممكناً عقد الاجتماعات التى يحضرها كل المواطنين الأحرار ليُقرروا شئون مدينتهم أو بلدهم، هنا ابتدع العقل البشرى الديمقراطية النيابية أو التمثيلية.

Tuesday, August 30, 2016

إبراهيم_عيسى يكتب لالمقال: خطأ الرئيس المستمر الذى سيظل مستمرًّا! 30/8/2016



كان يمكن للمسار كله بعد انتخاب الرئيس السيسى أن يصبح مختلفًا لو أدرك الرئيس يومها ما الذى يفتقده، لكن يبدو أن الرئيس السيسى حتى الآن لا يعتقد أنه ينقصه شىء، بل يتباهى فى خطب وحوارات كثيرة أنه يعرف كل شىء عن مشكلات مصر، ويعرف كل حلولها، وتكاد تسمع منه كل مرة أنه ليس فى حاجة إلى أن يقول له أحدٌ شيئًا، فهو مكتفٍ، وكل ما يريده هو أن نسمع كلامه وننفِّذ تعليماته واحنا ساكتين أو ربما واحنا مهللين مصفقين شاكرين حامدين فضله ومعجزاته!
متى يراجع الرئيس هذا المنهج فى الحكم؟
لا أظن أن هناك شواهد تشى بإمكانية هذه المراجعة ولا طبعًا التراجع، لكن مين يعرف لعل قارعة الاقتصاد تشكل عنصرًا جديدًا فى المعادلة.
كان الخطأ من اللحظة الأولى، ولكن المشكلة أنه مستمر، والأكثر إشكالاً أنه سيظل مستمرًّا.
يبقى أن الرئيس السيسى لم يشتغل يومًا فى حياته بالسياسة من حيث هى عمل عام وتنظيمى وجماعى تقوم على المحاججة والإقناع وتصارع الآراء واختلاف وجهات النظر وبناء تحالفات وصناعة موقف وقبول التعددية ونضج تغيير الرؤى والمواقع وتنحية المشاعر والعواطف وأن تجرح دون أن تسيل دمًا وأن تعارض دون أن تخاصم وأنه ليس هناك عدوٌّ دائمًا ولا صديقٌ دائمًا بل مصالح دائمة.
الرئيس السيسى ضابطٌ وطنىٌّ وابنٌ بارٌّ لمؤسسة الجيش، وهى التى تمنع العمل بالسياسة، ومن ثَمَّ لا يملك مقوماتها ولا خبرتها، بل على العكس يضمر كرهًا غريبًا لها ورفضًا فسيولوجيًّا لمكوناتها، فثقافته العسكرية تملؤه وتطغى عليه، ولم نرَها تبرحه حتى فى الشهر السابع والعشرين لتوليه منصبًا سياسيًّا هو الأهم والأرفع فى البلاد، منصب رئيس الجمهورية.
لو عُدنا إلى الفريق حسنى مبارك، حيث ظل ست سنوات يعمل كنائب للرئيس أنور السادات، لكن الأخير أناط إلى السيد أسامة الباز مهمة تأهيل نائبه للسياسة، فضلاً عن مشاركته السادات فى كل تفاصيل العمل السياسى ولو من موقع المتفرج أو المراقب، لكنه قريبٌ ومشتركٌ فى المشهد.
ورغم أننا لا يمكن أن نصف مبارك بالسياسى ونحن مرتاحو الضمير فى التوصيف، فإنه ولا شك تعلَّم من هذه الفترة واقترب من تلك الدائرة وبان عليه فى سنوات حكمه ملامح القرار السياسى، لكن الأهم أنه أحاط نفسه بمجموعة من السياسيين الذين مارسوا السياسة من موقع السلطة، لكنهم كانوا خبراء حقيقيين بضوابط العمل السياسى، مثل صفوت الشريف وأسامة الباز وكمال الشاذلى.
أما الرئيس السيسى فلم يفعلها، ومشكلة البلد ستتفاقم أكثر ما دام يُصمِّم على أن لا يفعلها، وهو إدراك أنه فى منصب سياسى لا تنفيذى فقط!
الرجل لم يفكِّر فى استكمال ما هو ناقص لديه، فيحرص على أن يحيطه رجالُ سياسة حتى لو لم يكن يستسيغ إلا الضباط والجنرالات ولا يعرف التفاهم إلا معهم.
بدلاً من أن يُعيِّن رئيسًا للحكومة يمتلك صفات السياسى وخبرته ولديه مهارات التعامل مع الرأى العام ويحوز تجربة العمل التنظيمى فى جمعيات أو تيارات أو أحزاب، وشارك فى مظاهرات ولو بشكل رمزى خلال الثورتَين واشتبك مع الواقع البرلمانى من قبل، سواء بالعضوية أو بالحزبية، فيكمل هذا الرجل الذى يشغل منصب رئيس الحكومة الخبرة التى لا يملكها السيسى ولا يعرفها، يصمم السيسى على تعيين رئيس حكومة موظف تربَّى على السمع والطاعة وتنفيذ أوامر رؤسائه ومعرفة حجمه أمام الرئيس ويلتزم حدود دوره كسكرتير يتم استدعاؤه فيذهب ولا يملك حتى أن يقتحم على الرئيس برنامجه ولا يومه ويسكت فيطلب منه الكلام ويستأذن قبل أن يتصرف، ولا يملك أية حيلة أمام الرأى العام، وحريص على أن يكون ظهوره شاحبًا ووجوده خافتًا كى يمنح رئيسه كل الاهتمام والأضواء!
فما النتيجة؟
مزيدٌ من الضعف للدولة والغياب المزرى للسياسة، بل وتراجع شعبية مؤكد ومتسع!
ثم بدلاً من أن يضع الرئيس على مقعد رئيس البرلمان شخصيةً برلمانيةً ذات شهرة وذيوع أو شخصيةً ذات تاريخ وخبرة وقدرة سياسية حقيقية، بارعًا فى الحوار والمناورات والمفاوضات ومتواصلاً مع كل التيارات والأجيال ووجهًا معروفًا شعبيًّا وعربيًّا ودوليًّا وواثقًا من نفسه ومجربًا فى أدائه، فيكمل للسيسى ما يملكه من قدرات وصفات وخصائص، سارع السيسى بالموافقة على ترشيح الجهات الأمنية له برجل سمع وطاعة وتنفيذ تعليمات قديم مختبر يقدس الرئيس لأنه رئيس فهو فى خدمة كل رئيس إن طلب وكل سلطة إن أرادت ومخلص متفانٍ فى تلبية التعليمات حدّ العصبية والتوتر والانفعال والافتعال.
فأضاع الرئيس فرصة البلد فى برلمان حقيقى فاعل عاقل ومتوازن وصورة ديمقراطية إيجابية ولو مصنوعة ومصطنعة، ليصبح الوضع البرلمانى مبتذلاً ومذهلاً فى انهياره!
هذا يؤكد لنا أن شيئًا مهمًّا للغاية فى مهام الرئيس مفقود ومفتَقد!!

البرلمان واحترام الدستور والقانون بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ٨/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

منذ عام ١٩٥٤ ومع انتخاب أول برلمان فى مصر بعد التغيير الشامل لنظام الحكم فى عام ١٩٥٢ وحتى انتخاب البرلمان المصرى الحالى تدور علامات استفهام على شرعية معظم المجالس وطريقة انتخابها وحجم التزوير الذى تم فيها لإنجاح البعض وإسقاط البعض الآخر. وكانت أول انتخابات فى عهد عبد الناصر مثالاً واضحاً لذلك فقد أعطى قانون الانتخاب الحق للسلطة التنفيذية ممثلة فيما كان يسمى «الاتحاد القومى»، بالاشتراك مع الداخلية فى شطب أى عدد من المرشحين يروق لهم، وبالتالى تم نجاح عدد كبير من الأعضاء بالتزكية بعد شطب جميع المرشحين أمامهم. وهو نظام مشابه لنظام الانتخابات فى إيران الآن. بحيث يكون للملالى الحق فى شطب أى عدد من المرشحين. وبعد ذلك يقال إنها ديمقراطية. وتوالت الانتخابات التى زورت جميعها بطرق مباشرة أو غير مباشرة فيما عدا الانتخابات التى أدارها ممدوح سالم فى عهد السادات فكانت انتخابات نزيهة أدت إلى انتخاب شخصيات وطنية محترمة، وقد رأى السادات أن هذا البرلمان بهذه الشخصيات يقف فى طريقه وقام بحل المجلس وتزوير المجلس التالى باستثناء الحادثة الشهيرة حين وقفت عائلة ومناصرو ممتاز نصار فى جنوب أسيوط على الصناديق بالبنادق لمنع تزويرها، واتصل وزير الداخلية بالسادات وأخبره بأنه يمكنه التزوير لكن سوف يكون لذلك ضحايا فى معركة بالأسلحة، فقال له السادات دعه يمر.
وفى عهد مبارك، استمر التزوير العادى بتغيير الصناديق وإضافة أصوات انتخابية حتى صدر الحكم بأن يقوم القضاه بالإشراف الكامل على الانتخابات، وهنا أسقط فى يد الداخلية واضطرت إلى استخدام الشرطة فى منع الناخبين المؤيدين لمرشح لا ترغب فى نجاحه الحكومة، وأغلقت الشوارع على الناخبين، وسُمح فقط بدخول اللجنة لمؤيدى الداخلية وقد شاهدت ذلك بعينى فى دائرة الدقى ومنعوا ابنتى من دخول اللجنة وبعد معركة سمح لها بالدخول لأنها ليست محجبة، وبالتالى لن تنتخب مرشح الإخوان أمام آمال عثمان مرشحة الحزب الوطنى، وهى لم تنتخب بالطبع أياً منهما.
وتغير الأمر بعد ثورة ٢٥ يناير فلم يحدث بعد ذلك تلاعب فى الصناديق ولم يحدث تزوير وكان ذلك واضحاً فى الاستفتاءات المختلفة والانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد الثورة، ولكن كان قانون الانتخابات الذى صاغته الدولة محكماً فى ضمان برلمان موالٍ لها. والبرلمان الحالى به إيجابيات منها وجود عدد من الأقباط والنساء وهو أمر جيد، كما يوجد بالبرلمان شخصيات محترمة ونزيهة نجحت فى الانتخابات الفردية وكذلك بعض أعضاء تحالف حب مصر وكذلك بعض النواب الحزبيين.
وأعتقد أن البرلمان الحالى بالرغم من العيوب الجسيمة فى قانون الانتخاب قادر على تحقيق بعض من التوازن وقادر على أن يكون نزيهاً إذا كانت عنده العزيمة والشجاعة الكافية ليصوت عدد كبير من أعضائه على ما يرونه حقا وفى صالح الوطن.
كل برلمانات العالم المتقدم تقوم بوظيفتها الأساسية وهى سلطة التشريع مع الرقابة على السلطة التنفيذية من رأسها إلى أصغر موظف فيها، وذلك يتم حتى فى أعتى النظم الرئاسية التى يتمتع فيها الرئيس بسلطة كبيرة جداً، وكلنا نذكر كيف حاكم الكونجرس الأمريكى الرئيس السابق كلينتون على الاشتباه فى كذبه أمام الشعب فى حادثة الفتاة التى كانت تتدرب فى البيت الأبيض وكان على علاقة بها وكلنا شاهدنا هذه المحاكمة فى التليفزيون الأمريكى والتى أذيعت على العالم كله. وكلنا نذكر حادثة الإطاحة بالرئيس الأسبق نيكسون فى حادثة ووترجيت والتى تجسس فيها بعض معاونيه على مقر الحزب الديمقراطى المنافس وقد أطيح بالرئيس لأنه كذب على الشعب الأمريكى. إذا كان الرئيس هو أول من يحاسبه البرلمان فبالتالى كل أعضاء السلطة التنفيذية من وزراء وكبار موظفين كلهم رهن المحاسبة.
من البديهى أن البرلمان لا يمكن أن يخالف الدستور الذى تم انتخاب أعضائه على أساسه، وبالطبع لا يمكن أن يتعدى البرلمان على السلطة القضائية، لأنه إذا فعل ذلك فقد مقوماته فى الاستمرار. وعندما يصدر حكم محكمة النقض ويرسل إلى البرلمان الذى يرأسه أستاذ قانون دستورى وأحد الأعضاء فى لجنة العشرة التى صاغت المبادئ الأولى للدستور ويكون رئيس لجنته التشريعية محاميا قديرا وعليما بكل القوانين وتفاصيل الدستور. وقد سألت أحد نواب رئيس محكمة النقض عن الموقف القانونى والدستورى للبرلمان بعد حكم المحكمة فقال البرلمان ليس أمامه إلا الالتزام بالنص الدستورى وهو أمر لا يجوز التصويت عليه.
البرلمان المصرى له احترامه وهو يستمد هذا الاحترام من احترام الدستور والقانون.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Monday, August 29, 2016

اسم الصليب عليكِ! بقلم فاطمة ناعوت ٢٩/ ٨/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

نشأتُ فى أسرة لا يصيبُها الهلعُ إن جاءت طنط إيڤون جارتنا وحضنتنى وهى تقول: «باسم الصليب عليكى كبرتى وبقيتى عروسة!». أو حين تقولها طنط آنجيل لأمى إن شاهدتها فى فستان جديد جميل. أو حين يقولها جارنا أنكل وسيم لأبى، المتصوف حافظ القرآن، حين يخبره أننى حصلت على الدرجات النهائية فى الامتحان.
أول مرة فى حياتى أسمع هذه العبارة الطيبة كانت فى الصف الثانى الابتدائى. كانت ميس راشيل تدور بيننا فى الفصل ونحن نكتب ما تُمليه علينا. توقفت جوار مكتبى وأمسكت كراستى. طُرق بابُ الفصل ودخلت معلّمةٌ أخرى لأمر ما. فهتفت ميس راشيل: «تعالى شوفى يا عايدة. البنت شولة، بس اسم الصليب عليها خطّها حلو خالص». وقتها اندهشت جدًّا كيف عرفت ميس راشيل أننى «شولة»! كنت أظنّه سرًّا عائليًّا لا تعرفه إلا أمى! وقتها لم أكن أعرف أن «شولة» تعنى «عسراء»، أى أكتب بيدى اليسرى. كنت أسمع أمى تقول للناس بدهشة: «فافى شولة بس خطّها جنان!» وفهمت أنه مرضٌ داخلى لا يعرفه أحدٌ إلا أمى. رفعتُ بصرى إلى ميس راشيل التى تعرف أسرار الأسرة، فبدت فى عينى كإحدى ربّات الحكمة فوق جبل الأولمب. من وقتها وضعتُ كلَّ المعلمين فى مرتبة فوق البشر باعتبارهم علماءَ وسحرة. فور عودتى للبيت حكيتُ لأمى ما حدث، فابتسمت وحضنتنى. لم ترتعب من كلمة «صليب» كما يرتعب المرضى ضعاف الإيمان. نحن المسلمين نؤمن بأن السيد المسيح عليه السلام رُفع من الصليب وصعد إلى السماء قبل إتمام الصلب، وصُلب الإسخريوطى عوضاً عنه عقاباً على خيانته. والمسيحى يؤمن أن السيد المسيح صُلب لكى يفتدى البشرية الآثمة، فيحقق معادلة العدل والرحمة، اللذين لا يجتمعان إلا بدم السيد المسيح المصلوب. اختلاف فى فلسفة عقيدتين لا يستوجب التقاتل ولا الهلع، لكم دينكم ولى دينى. الهلع يشير إلى نفس مهزوزة فقيرة الإيمان. كانت أمى رحمها الله تُهدى المعلّمات المسيحيات فى مدرستى تماثيل للسيدة العذراء فى أعياد المسيحيين، وكان جيراننا المسيحيون يهدون جيرانَهم مصاحفَ جميلةً لسياراتهم الجديدة.
تلك البيئة الصحية التى نشأ فيها جيلى وما سبقتنا من أجيال، جعلت قلوبَنا نظيفة، وعقولنا مستنيرة. أحزن حين أسمع ما يجرى اليوم فى بعض المدارس من عنصريات وشقاقات يبثُّها بعض الأهل قليلى الوعى فى قلوب الصغار البرعمية، فينشأون مهشمين روحيًّا ونفسيًّا، ويكرهون كل مختلف عنهم، ويهدمون بدلاً من أن يبنوا مستقبل هذا البلد الحزين.
لم أر مسيحيًّا انزعج حين يسمع منّا نحن المسلمين العبارة المقابلة: «اسم النبى حارسك وصاينك». بل كثيرٌ منهم يقولونها بمحبة وبساطة. وحين يُلحفون فى طلب يقولون: «والنبى!» كما نفعل نحن المسلمين. المسيحيون تشرّبوا أدبياتنا الإسلامية اليومية من طول عشرتنا معًا، دون هلع، ولا نفور، ولا استعلاء. أى هلع يصب مختلا من صليب هو رمزٌ لدى المسيحى وجوهر إيمانه؟!
مازلت أذكر بفرح ذلك الصليب الأزرق الصغير المرسوم بالوشم على رُسغ يد قدّمت لى حبّة تمر لأكسر بها صيامى فى رمضان يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٣ أمام قصر الاتحادية. ولا أدرى لماذا خطر على بالى الآن بيتٌ فى قصيدة أحمد شوقى للجنرال إدموند ألِنبى: «يا فاتحَ القدسِ خلّ السيفَ ناحيةً..... ليس الصليبُ حديدًا كان بل خشبا». وأىُ هلع من جرس كنيسة كان هو السبب فى اختراع السلّم الموسيقى الذى صنع لنا ملايين السيمفونيات والسونتات والألحان الجميلة، كما علّمنا التاريخ؟! عن نفسى أحبّ صوت جرس الكنيسة وأستمتع به حزينًا كصوت ڤيولين شجيّة تملأ قلبى بالشجن، وفرِحًا كما صوت عصفور يشقُّ حُجُبَ الصمت صادحًا يقول: «هنا حياة»!، قلبُ المؤمن يتسع لكل البشر على اختلاف أعراقهم وعقائدهم وألوانهم، أما القلبُ المهترئ فلا يسع حتى نفسَه.

قانون موحد لدور عبادة المصريين (٢) - د. عماد جاد - جريدة الوطن -29/8/2016


فجأة ودون مقدمات، دفعت الحكومة بمشروع بناء وترميم الكنائس إلى مجلس النواب، كى تبدأ اللجان المعنية فى مناقشته كى يتم إقراره فى غضون ساعات، فبعد أن وصلنا جدول الموضوعات التى سوف تناقش فى المجلس هذا الأسبوع ولم يكن من بينها مشروع قانون بناء وترميم الكنائس، صدرت التوجيهات بمناقشة القانون فى اللجان العشر صباح أمس الأحد فى أول يوم عمل للمجلس هذا الأسبوع، وتتجه النية إلى المناقشة السريعة ثم إقرار القانون كى يصبح نافذ المفعول اعتباراً من اليوم التالى لنشره فى الجريدة الرسمية.
القانون على النحو الذى قدمته الحكومة لن يحل معضلة بناء وإصلاح وترميم الكنائس، فمواد القانون صاغتها البيروقراطية المصرية وأجهزتها الأمنية على نحو يزيد من عذابات المصريين الأقباط ولا يعالجها، فعملية بناء وترميم الكنائس فى مصر تم فصلها عن العملية المشابهة التى تخص المساجد، وهو أمر مثير للدهشة والاستغراب، إذا كانت دولة تعترف بالديانات الإبراهيمية الثلاث، فلماذا لا يكون هناك قانون عام موحد ومجرد يحكم عملية البناء والإصلاح والترميم بشكل مبدئى، وإذا كان قانون المساجد لا يثير أى مشكلة فلماذا لا يطبق نفس القانون على الكنائس، لماذا حرصت البيروقراطية المصرية وأجهزتها الأمنية على التفاوض مع الكنائس واتباع أسلوب المناورة والمراوغة وتغيير بعض المواد بعد الاتفاق عليها، وفى النهاية جاء القانون مثيراً لعشرات من علامات الاستفهام ومؤكداً على أنه لن يحل المشكلة بل سوف يزيدها تعقيداً. خذ على سبيل المثال النص الذى يعطى للسيد المحافظ الحق فى رفض الترخيص ببناء أو إصلاح أو ترميم كنيسة، القانون لا يحدد كيفية التعامل مع مثل هذا الموقف، فهو من ناحية لا يحدد الوجهة التى على ممثل الكنيسة التوجه إليها، وإذا كان الرد التوجه إلى القضاء فالقضية يمكن أن تستغرق سنوات وسنوات، كما أن القانون لا يحدد كيفية تعامل مع المحافظ المتشدد أو المتعنت، فماذا لو صدر حكم القضاء بعد سنوات وأثنبت أن المحافظ كان متعنتاً فى رفضه؟ هنا لا توجد إجابة، ومن ثم فإن المحافظ المتشدد يمكنه أن يرفض الترخيص ببناء أو إصلاح كنائس كما يتراءى له دون حسيب أو رقيب ودون خوف من التعرض للحساب.
أيضاً نجد البيروقراطية المصرية وقد نصبت من نفسها رقيباً يتفاوض حول مساحة الكنيسة بل ومكوناتها التى تدخل فى صلب العقيدة وجوهرها مثل الحديث عن مكان المعمودية وغرفة خبز القربان والمنارة والقبة والجرس وغيرها، فما علاقة البيروقراطية المصرية وأجهزتها الأمنية بهذه التفاصيل، ومن الذى أعطاها حق الدخول فى مثل هذه التفاصيل؟
كثيرة هى التحفظات التى ترد على قانون بناء وترميم الكنائس الذى جاء محصلة مفاوضات طويلة بين البيروقراطية المصرية وأجهزتها الأمنية بكافة أشكالها والتى كانت أشبه بولادة متعثرة، ولكن الحكومة وهذه الأجهزة ترغب فى تمرير القانون بسرعة فى المجلس وهى تعلم علم اليقين أنه سوف يعقّد القضية ويزيد من التوتر الطائفى أكثر مما يحل، وهو الأمر الذى يجعلنا نتساءل: إذا كانت البيروقراطية وأجهزتها الأمنية تعلم ذلك، فلماذا الإصرار على سلق القانون وتمريره بسرعة، هل يريدون الحفاظ على القضية متفجرة، وعلى آلام الأقباط المصريين وأوجاعهم، هل يريدون إرسال رسالة بأنهم شركاء فى الوطن فى لحظة الحاجة لهم فقط، أما بعد ذلك فهم مجرد ملف أمنى لدى الأمن الوطنى؟
كنا نحلم بمصر بعد ٣٠ يونيو وطناً لجميع المصريين، وطناً يحتضن أبناءه ولا يميز بينهم، ولكن ما حدث من الحكومة وأجهزة الدولة البيروقراطية والأمنية على مدار الشهور الماضية قتل هذا الحلم وبعث برسالة للأقباط مؤداها: لن تكونوا مواطنين كاملى المواطنة فى بلد يصر على نزع هويته الوطنية وارتداء هوية سلفية وهابية لم تبن وطناً فى يوم من الأيام.

Sunday, August 28, 2016

قانون موحد لدور عبادة المصريين - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 28/8/2016

أعلنت الحكومة المصرية عقب اجتماعها الخميس الماضى موافقتها على المواد العشر التى يتضمنها قانون بناء الكنائس الذى سبق ووافقت عليه الكنائس المصرية الثلاث، وعقب موافقة الحكومة، رحبت الكنيسة بذلك، ومن ثم بدأت رحلة مشروع القانون إلى مجلس الدولة، ثم مجلس النواب كى يتم إقراره قبل ختام دور الانعقاد الحالى الأسبوع الأول من سبتمبر المقبل.
يتضمن المشروع عشر مواد، سبع منها تخص بناء وترميم الكنائس الجديدة، والثلاث المتبقية من المادة الثامنة وحتى العاشرة تخص تقنين أوضاع الكنائس القائمة.
القانون على هذا النحو لن يحل إشكالية الكنائس القديمة ولن يعالج مشكلة بناء الكنائس الجديدة، فهناك مراوغة متعمدة من جانب الحكومة وفى خلفية المشهد تقف الأجهزة الأمنية، وتحديداً الأمن الوطنى على أهبة الاستعداد لتصيد الغموض وتوظيفه فى التعامل مع الملف برمته، لذلك جاءت كلمات الكنيسة الأرثوذكسية متضمنة عبارات الأمل فى أن يجرى التطبيق بحسن نية، وحسب الوعود المقدمة.
القانون يعطى المحافظ المختص الحق فى البت فى الطلب فى غضون أربعة شهور من تقديمه، لكنه لا يحدد التعامل مع حالة رفض الطلب، فلا عقوبة على المحافظ المتعنت، ولا طريق ممهد للشكوى من ظلم أو تعنت المحافظ، صمت القانون هنا ولم يقل لنا ما العمل فى مواجهة رفض محافظ «متعنت» للطلب، إلى من تتوجه الكنيسة ولمن تشكو؟ ولا يوجد سقف زمنى للفصل فى الدعوى، ومن ثم فلا جديد تحت الشمس فى قضية بناء الكنائس الجديدة، فللمحافظ الحق فى رفض الطلب، وعلى المتضرر أن يلجأ للقضاء، وعليه السير فى إجراءات الدعوى التى يمكن أن تستغرق سنوات.
إننا لا نتوقف طويلاً أمام مشتملات الكنيسة التى حددها القانون بدقة، ولا أمام التفاصيل المملة التى حرص القانون على الخوض فيها، ولكننا نتوقف أمام أمرين لا ثالث لهما، الأمر الأول هو رسالة القانون، فصدور قانون لبناء وترميم الكنائس بمعزل عن قانون بناء وترميم المساجد إنما يرسخ مفهوم التمييز بين المصريين على أساس الدين، ويحرص على شق الصف إلى مصرى مسلم ومصرى مسيحى، مسجد وكنيسة، لكل منهما مجاله، ولكل منهما القانون الخاص به، لذلك لا بد من تكاتف جميع المصريين من أجل رفض هذا القانون والمطالبة بقانون موحد لدور العبادة، قانون ينظم شئون بناء وترميم وإصلاح دور عبادة المصريين دون تمييز بينها، ما يسرى على المسجد يسرى على الكنيسة، الجميع يخضع لقانون واحد، وهذا هو التوقيت المناسب للتمسك بإصدار قانون موحد لدور العبادة قى البلاد، والا فلا ضرورة لصدور قانون خاص بالكنائس، نراه يكرس التمييز ويقنن التفرقة بين المصريين.
أما الأمر الثانى، فهو فى غاية البساطة إصدار قانون من مادتين اثنتين فقط لا غير يحل المشكلة جذرياً ويقضى على الاحتقان والكامن فى النفوس منذ عشرات السنين، ينهى الجدل حول هذه القضية بوضع معايير موضوعية موحدة للمساجد والكنائس، وقد صاغت «مصريون ضد التمييز الدينى» مادتين للقانون الجديد، نصت المادة الأولى على «تمنح جميع دور العبادة المسيحية غير المرخصة والتى تقام بها الشعائر الدينية وقت صدور هذا القانون، الترخيص على أن تسرى أحكام هذا القانون على دور العبادة المسيحية المزمع إنشاؤها أو تعليتها أو توسعتها أو تدعيمها أو ترميمها. ونصت المادة الثانية على: «تسرى القواعد المعمول بها عند إنشاء أو صيانة وترميم وتوسعة أو إلحاق مبانى خدمات إلى دور عبادة المواطنين المصريين المسلمين على مثيلاتها من دور عبادة المواطنين المصريين المسيحيين». هكذا وببساطة شديدة ينتهى السجال والجدل العقيم حول قانون بناء الكنائس ويصير لدينا قانون موحد لدور العبادة فى البلاد وتترسخ مبادئ الدستور التى تنص على قيمة المواطنة وعدم التمييز بين المصريين على أساس الدين، قانون موحد ينظم بناء وإصلاح دور عبادة المصريين، من لديه مشكلة فى ذلك؟ هل الحكومة لديها مشكلة أو تحفظ، من لديه مشكلة أو تحفظ فليبدأ بالإعلان عن نفسه ومبرراته!!!!!!

Saturday, August 27, 2016

نماذج كريهة نجيب ساويرس اخبار اليوم 27/08/2016

منذ اسابيع وفي نوبة قلق ليلا فتحت التليفزيون ووجدت فيلم » ميرامار »‬ ويوسف شعبان في دور الشخص الوصولي.. فجأتني فكرة هذا المقال.. فليس سرا أن العثور علي موضوع جديد اسبوعيا صعب جدا... واليكم موضوع مقال هذا الاسبوع وهو عن نماذج من وصوليي زماننا :
- هو رجل أعمال متأقلم مع الوضع السياسي فهو أنيق بالمفهوم الغربي في فترة حكم مبارك وانيق بالمفهوم الشرقي في فترة حكم الإخوان.. جاهز دائما لشكر السلطة والثناء علي إنجازاتها خطأ او صوابا وناجح في الدعاية لنفسه بنفسه!
- هو رجل أعمال يملأ الصحف بأخباره ويستجدي التواجد في المناسبات العامة، تبحث عن استثماراته فلا تجد شيئا لا في الداخل أو الخارج، بارع في العلاقات العامة والمبالغة في علاقاته الخارجية وملك في الدعاية لنفسه لدرجة ان ناسا كثيرة مخدوعة فيه وحجم أعماله، عدد سكرتارياته أعلي من عدد العاملين في شركاته جميعا، وهو ايضا متميز في ثقل الظل.
- هو محام مدعي للشهرة جاهز لأي قضية وأي موضوع قبيح الشكل في مظهره، يبحث دائما عن الأضواء ولا تهمه الحقيقة أو العدل، نصف مجنون يفتعل المعارك والقضايا ولم ينجح في أي موضوع أو قضية.
- هو محامي الاجهزة يرفع القضايا بتعليمات ويتنازل عنها بتعليمات، محامي شخصيات مريبة وجاهز تحت الطلب مدعي شهرة أيضا.
- هو ايضا محام تخصص ابتزاز..استغل ثورة ٢٥ يناير فأفرز إسهالا من البلاغات في وقت حرج ونجح في مسعاه فدفع الكثيرين لاتقاء شره إلي أن تولاه الله بعنايته ووقع في شر أعماله.
- هو نائب في البرلمان نجح بمساعدة من صديق من جهاز أمني ويعمل بزرار وريموت كنترول ويقدم القوانين سيئة السمعة ويدافع عنها دفاعا مستميتا.. رجل كل العصور لكنه للحق لم يغير جلده فهو دائما ابن النظام ماركة تمام يا أفندم..
- هو ثوري ناصري يرتدي قميص الكفاح والثورة صباحا وصديق النظام مساء، يدلي بأحاديث ثورية جهارا ويتقابل مع النظام في الخفاء، جاهز للمساعدة وبارع في الأداء لدرجة أنه نجح في خداع الجميع..
- هي عبده المشتاق النسخة النسائية.. جاهزة لأي منصب وأي عضوية لأي حاجة وفي أي وقت.. مخدوعة في نفسها ولا تدرك قدراتها المتواضعة وبالتالي تقرأ لها إذا كتبت فلا تفهم شيئا وتندم علي الوقت الضائع.
- هو مقدم برامج.. مهم جدا متابعته لكي نعرف من أين تأتي الرياح وموضوعات الساعة المطلوب الدفاع عنها، لا يتورع عن الشتائم ومهاجمة المطلوب مهاجمتهم، لا يتمتع بخفة الظل علي الإطلاق بل ثقيل الدم ومتزلف.
- هو شخصية عالية الصوت يغضب لو اختفت أخباره ولم يتابعه الإعلام، كثير المعارك والخناقات وبارع في إرهاب خصومه فالبعد عنه غنيمة مثير للجدل ونموذج فريد.
- هو صحفي النظام يتلقي الأوامر بالهجوم والتشهير.. جاهز في كل وقت لتنفيذ التعليمات العليا والدفاع عن القرارات المثيرة للجدل، لا يتورع عن إلقاء التهم جزافا حتي وهو يعلم بعدم صحتها وانها دون أي دليل. مارس هذا الدور بعد ثورة ٢٥ يناير بكل تفان فأصبح ملك البلاغات ومازال يمارس دوره بجدارة.

إحنا مين؟! بقلم د. وسيم السيسى ٢٧/ ٨/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

فتحت درج مكتبى، أخرجت جواز سفرى، وجدت عليه: جمهورية مصر العربية. سألت نفسى: هل هوية مصر عربية؟، قلت ربما لأن الهوية باللغة، ونحن نتحدث العربية، ولكنى وجدت أن: الولايات المتحدة تتحدث الإنجليزية واسمها الولايات المتحدة الأمريكية!، وأمريكا اللاتينية يتحدثون الإسبانية وليسوا «إسبان»، والبرازيل تتحدث البرتغالية وليسوا «برتغاليين»، ٢٨ دولة فرانكوفونية وليست الهوية فرنسية بل أفريقية!، إذن الهوية ليست باللغة!.
قلت لنفسى: ربما نحن عرب، لأن دين الدولة الإسلام!، وجدت إيران دينها الإسلام وليست عربية!، كذلك تركيا.. إندونيسيا.. باكستان...إلخ!، إذن الهوية ليست بالدين.
قلت لنفسى ربما نحن عرب بسبب الفتح العربى!، فهل كنا فرسا بعد الغزو الفارسى، يونانيين ثم رومانيين، ثم عربا «٢٠٠ سنة فقط» ثم طولونيين ثم مغاربة فاطميين ثم أيوبيين ثم عثمانيين ثم فرنسيين ثم إنجليزيين، نبقى شعب موزايك، إذن الهوية ليست بفترة احتلالية!.
وجدت: بريطانيا «ويلز- برتيان» بريطانيين!، فرنسا.. فرنسيين!، أمريكا.. أمريكيين!، ألمانيا.. ألمانيين!، سويسرا.. سويسريين.. إلخ!، إذن الهوية بالأرض.
مصر.. نبقى مصريين.
إن كلمة IDENTITY معناها هوية، تطابق، تشابه، تحضرنى كلمات ستامب القائلة: المشكلة فى مصر ليست فى غزوها بل فى الوصول إليها، فلم أجد شعبا متماثلا فى شكله الظاهرى، بل فى طباعه وأخلاقه بل مزاجه مثل الشعب المصرى. نأتى بعد ذلك ننزع عنا اسم مصر «عبدالناصر» كما ننزع هويتنا المصرية ونقول نحن عرب!.
الغريب أن العرب أنفسهم يقولون إننا مصريون، وهذا صحيح، لذا كنا ندفع لهم الجزية، والآن ندخل السعودية، من باب الأجانب، ولا بد أن يكون لنا كفيل!!، حتى الخليجيون أنفسهم يقولون نحن لسنا عربا بل خليجيين، ونحن.. مصر أم الدنيا تتسول هويتها!، ويكفى بحث كمبردج ٤/٦/٢٠١٥ فى المجلة الأمريكية للجينات البشرية بعنوان: EGYPTIAN IN ALL OF US «المصريون فينا جميعاً»!.
جيناتنا المصرية فى الأوروبيين والآسيويين منذ ٥٥ ألف سنة!، يا للعار نحن لا نستحق أن نكون أحفاد هؤلاء العظماء.
هو ذا لاعب مصرى يرفع العلم السعودى، ويدّعى كذبا أنه وجده ملقى على الأرض، وهذا طبيب فى مستشفى الساحل التعليمى يعود إلينا لابسا بالطو عليه شعار مستشفى سعودى، سألته: هل تقبل السعودية أن تلبس بالطو عليه اسم مستشفى الساحل فى أحد مستشفياتها؟!، قال لا.. أقنعته بمصريته!، واستبدل البالطو السعودى ببالطو مصرى. نهضت أوروبا بإحياء قومياتها، كاد هتلر أن يتسيد العالم بإحياء الهوية الألمانية، ولن تعود لمصر قوتها إلا بإحياء هويتها المصرية.
يعتقد البعض أن هويتنا المصرية معاكسة للقومية العربية!!، لقد عرفت مصر أهمية دول الجوار منذ عصر الهكسوس، حين حاصرتهم وأبادتهم فى شاروهين «جنوب غزة». الدفاع عن مصر لا يبدأ من باب البيت، بل من أبعد نقطة عن باب البيت.. سوريا.. ليبيا.. السعودية!، لذا هى كلمات صادقة: «مسافة السكة» التى قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى.
أرضنا.. مائدة ثرية نأكل منها جميعاً.
نيلنا.. وعاء نشرب منه جميعاً.
مصرنا.. نتجمع حولها جميعاً.
مصريتنا.. هويتنا نتشبث بها جميعاً.
أسمع صوت نشاز يقول: أنتم الهاربون من عروبتكم!، أقول له: أنت أيها الهارب من مصريتك.. قل المملكة السعودية المصرية.. هذا أقرب للحقيقة.. هاجر وإسماعيل أحفادنا.. فالعرب أحفاد أحفادنا.. وأعز ولد.. هو ولد الولد.

فى مفهوم التسامح - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 27/8/2016


تُعدّ قيمة التسامح Tolerance، من القيم الإنسانية النبيلة التى تُمثّل ضرورة حتمية لغرس قيم أخرى، أبرزها قبول التنوّع والتعدُّد والاختلاف، وهى القيم اللازمة لزرع قيمة المواطنة وغرسها فى نفوس سكان دولة ما من الدول، فيحدث التوافق والتماسك الوطنى. ونظراً إلى أهمية قيمة التسامح، تجرى احتفالات فى شتى أنحاء العالم باليوم العالمى للتسامح، وهو الذى يوافق السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام، حسب دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجاءت الدعوة، وجاء تخصيص يوم للتسامح، نظراً إلى ما يُسبّبه غياب التسامح من جرائم وعمليات قتل واعتداء تقع بحق الغير أو المختلف، سواء كان الاختلاف موروثاً من لغة وعرق ودين وطائفة، أو كان مكتسباً كطبيعة العمل ومكان السكن والطبقة الاجتماعية. ويبدو مفهوم التسامح أكثر تحديداً فى اللغة الإنجليزية (Tolerance)، ربما على نحو أكثر بكثير من المفهوم فى اللغة العربية، فالمفهوم فى اللغة الإنجليزية يحتوى على قيم قبول التنوّع والتعدّد والاختلاف طوعياً وإرادياً، بينما المفهوم فى اللغة العربية، وتحديداً فى المفهوم الدارج فيه ما يعنى المن من طرف على آخر، طرف يتسامح مع آخر فى ما يعنى «العفو عنه» والقبول بالتعايش معه، باختصار فى المفهوم العربى قدر من التعالى من جانب طرف أكبر وأقوى تجاه طرف أقل وأضعف، ومن ثم فالمفهوم فيه ما يفيد المنح والمن، هذا بينما جوهر التسامح وفق المصطلح الإنجليزى، إنما يعنى القبول الإرادى الطوعى الذى لا فوقية ولا علوية فيه.
قيمة التسامح لا تأتى من خلال الوعظ والإرشاد والتلقين، بقدر ما تكون مكوناً فى ثقافة الشعوب، صحيح أن هذه المفاهيم مثل الحرية، العدالة، المساواة، قبول التنوع والتعدّد والاختلاف والتسامح هى مفاهيم حديثة نسبياً دخلت ثقافات الشعوب على نحو تدريجى، وبعد أن دفعت شعوب العالم ثمناً باهظاً نتيجة غياب هذه القيم، لكن الصحيح أيضاً أن الأمم المتحضّرة استوعبت هذه القيم وعملت على ترسيخها من خلال حزمة قوانين وتشريعات صارمة تُجرّم التمييز والتفرقة بين المواطنين، وترسّخ مفاهيم حرية الرأى والتعبير، حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وقبل كل ذلك تُرسّخ المساواة بين المواطنين جميعاً، بغض النظر عن العرق، اللغة والدين والطبقة الاجتماعية.
تكريس قيمة التسامح يأتى من خلال حزمة من الإجراءات التى تتخذها الدولة وتبدأ بالنص فى الدستور (أبوالقوانين) على المساواة بين المواطنين وعدم جواز التفرقة بينهم بسبب العرق، اللغة، الدين، الطائفة أو الطبقة الاجتماعية، ثم يجرى تحويل النصوص الدستورية إلى تشريعات صارمة تواجه بحسم جميع أشكال التمييز بين المواطنين، وبمرور الوقت سوف تتحول هذه القوانين إلى مكون ثقافى وتغدو جزءاً من ثقافة الشعب المعنى. ولا بد أن يكون واضحاً هنا أن هذه العملية لن تنجح فى الدول التى يجد نظام الحكم لنفسه مصلحة فى عرقلة قيمة التسامح حتى يوظّف قضايا الانقسام الأولى والثانوى لصالحه، يلعب على التناقضات ويحكم. خلال سياسة التوازنات، وهى اللعبة التى مارسها «السادات» ثم «مبارك».
أيضاً لا بد من ملاحظة أن قيمة التسامح تظل مجروحة فى المجتمعات التى تخلط الدين بالسياسة، فسوف تجد باستمرار أفكاراً من قبيل «شعب الله المختار وخير أمة»، وهى أفكار تعطى للمنتمين إليها من حسب رؤيتهم وقناعتهم وضعاً أفضل من ذلك المنتمى إلى المغاير الدينى، الطائفى أو العرقى، فى الوطن نفسه، بل إن جماعة الإخوان رأت فى المشابه الدينى فى أى مكان فى العالم تفضيلاً على المغاير داخل الوطن.
غياب التسامح هو أصل كل الشرور، وتكريس المفهوم ونشره يتطلب جهداً قانونياً ورقياً ثقافياً، نحن فى أمس الحاجة إليه اليوم.

Friday, August 26, 2016

الكابتن إكرامى والطفل مينا (٤) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 23/8/2016


فى ختام حديثنا عن هذه القضية نطرح رؤية عامة للواقعة التى تمثل جزءاً من ظاهرة مَرضية فى المجتمع المصرى ونطرح رؤية للخروج من هذه الظاهرة والتغلب عليها تحصيناً لتماسك مجتمعنا المصرى ومن على أرضية مصرية، فالعنصرية توجد على المستوى الفكرى فى كافة المجتمعات وإن بدرجات متفاوتة، ووفق هذه الرؤية أيضاً فإن عدم وجود اعتداءات جسمانية أو أعمال قتل لا يعنى خلو المجتمع من العنصرية، بل العنصرية كامنة على مستوى الفكر، وأسيرة الأحاديث الداخلية، تتحين الفرصة للخروج والتعبير عن نفسها بشكل مفتوح قد يصل إلى جرائم الإبادة. وكثيراً ما تتكشف العنصرية الكامنة عند الرد على فعل عنصرى قادم من آخر أو آخرين، لذلك من المهم جداً مواجهة العنصرية على المستوى الفكرى وهى مهمة شاقة تتطلب توافر قناعة فكرية بالقيم الإنسانية وفى مقدمتها المساواة والحرية، وقبول التنوع والاختلاف. وهنا يكمن التحدى الأبرز وهو مواجهة الأفكار العنصرية والتمييزية فكرياً وذلك عبر أدوات التنشئة التى تتمثل فى الأسرة المصرية، ودور العبادة من مسجد وكنيسة والدروس الدينية التى يتلقاها الأطفال والشباب، والمدرسة والآداب والفنون وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة، فمواجهة العنصرية فكرياً تبدأ منذ نعومة الأظفار وعبر أدوات التنشئة التى تتشارك فيها الأسرة والدولة.
مواجهة العنصرية على المستوى الفكرى تحول دون دخولها إلى مراحل تالية ممثلة فى البعدين الانفعالى ثم السلوكى، فالمواجهة على المستوى الفكرى لا تتطلب سوى نشاط فكرى، كما أنه بإمكان الدولة أن تستخدم ما لديها من قدرات من أجل نشر فكر إنسانى عقلانى، فكر يتوافق والمواثيق الأساسية لحقوق الإنسان، فكر يتواءم مع الفطرة السليمة والتوازن النفسى. وهنا لا بد من تطوير وتحديث الخطاب الدينى، والتركيز على القيم الإنسانية، والابتعاد عن بث أفكار الكراهية والتحريض، والتوقف عن الدعاء على المختلف دينياً وطائفياً، وتنقية التراث مما علق به من أفكار ودعوات أبعد ما تكون عن جوهر الدين، واحترام العقد الاجتماعى بين المجتمع والحكومة الذى يقول إن وظيفة الحكومة أرضية، أى تسهيل حياة الإنسان والأخذ بيد الفئات الضعيفة فى المجتمع، فليس من وظائف الدول إدخال الإنسان الجنة، فتلك علاقة بين الإنسان وخالقة وحده جل وعلا هو الذى يقرر مصير الإنسان، ومن ثم فلا وظيفة دينية للدول، بل تقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان والعقائد، وتظلل كل من يحمل جنسيتها بالحماية والتأمين وتعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة.
ترك الأفكار التمييزية والعنصرية تتطور وتدخل مرحلة «الانفعال» يجعل المواجهة عسيرة للغاية إذ ينقلها إلى مرحلة السجال والمحاججة، وهى المرحلة التى يعيشها كابتن إكرامى ورفاقه وكل من يشاركه الفكر ويشاطره طريقة التصرف البغيض تجاه المغاير دينياً، فقد عبر عما يحمل من فكر عنصرى بغيض تجاه المخالف دينياً وانفعل فى المشهد وقام بطرد الطفلين مينا وبيير، معبراً عما يحمل من فكر يقول له إنه سوف يثاب عما فعل وإن سيئات له ستذهب لقاء ما أقدم عليه من ظلم بيّن لطفلين مسيحيين.
من هنا نقول إن المطلوب أولاً إزالة ما فى العقول من أفكار عنصرية رافضة لقيم المواطنة والمساواة، قبل تبنى القيم الأخيرة. أما ترك الأمور تتفاعل لتنتقل من المكون الفكرى إلى الانفعالى فسوف يكرر مشاهد ظلم مينا وبيير فى كل المجالات، والخطر الأكبر والأشد هنا هو ترك الأمور إلى أن تصل لمرحلة المكون السلوكى (بمراحله الخمس المختلفة التى تتراوح ما بين الامتناع عن التعبير خارج إطار الجماعة والتجنب، وبين ارتكاب المجازر والمذابح) فيعنى أن الخطر قد تفاقم وربما يكون وقت العلاج قد مضى والمجتمع قد انقسم ومن ثم يدخل فى مراحل صراع مرير دخلت فيه مجتمعات أخرى وانتهت بالدمار والخراب. الفرصة متاحة اليوم لبدء عملية إصلاح حقيقى شامل، والبداية تكون بقرار من الدولة التى تمتلك قدرة على التحكم فى غالبية أدوات التنشئة من مناهج تعليم، وإصلاح الفكر الدينى ومن ثم خطاب دينى جديد، وتوظيف الفنون والآداب وأيضاً وسائل الإعلام فى نشر قيم المساواة، والعدل، وقبول التنوع والتعدد والاختلاف، وقبل كل ذلك غرس قيمة المواطنة فى نفوس الجميع.

Wednesday, August 24, 2016

د. مصطفى حجازى يكتب: مصر.. و«الظِل المُستقيم»! ٢٤/ ٨/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

- ١- «مكان الإصابة»!
تقول الرواية- أو النكتة إن شئت- إن عائلة ورثت قصراً منيفاً شهد القاصى والدانى بتفرد موقعه وجلال عمارته.. وجرى عليه من نوائب الدهر ما هدَّمَ بنيانه.. كما أحدَث قاطنوه من التفريط والجهل وأُحدث عليهم من مخازى الاستبداد.. ما كان كفيلاً بأن يُترك القصر متهالكاً وبعضه على وشك السقوط..!
بات حال أهلِه بين مصاب وكسير من جراء تساقط ركام البيت فوق رؤوسهم.. وحينما هَمَّ بعضُ من أبناء العائلة- ممن تَصدوا وأصروا على إدارة شؤونها- أن يَضعوا حداً لمصير انهيار القصر أو هكذا زَعَموا.. ذهبوا لأهل الطب.. ولم يذهبوا لأهل الإنشاء والعمارة..!
وبدعوى أن العطب هو فى إصابة أخوتهم جراء سقوط الركام.. وليست الكارثة فى تحلل الدار نفسها..!
صَدقَّهم من صَدقَّهم.. حتى صَدَّقوا أنفسهم.. فلا مَنطق يحكُمُهم- إن صَدَقوا- إلا التباكى على المكاسير والمصابين..!
وحينما ذهبوا لأهل الطب ووصفوا لهم علاجاً يضعونه على «مكان الإصابة».. عاد أبناء العائلة الجادون وكلهم حماسة وإخلاص.. وبمنتهى الجِديّة والهِمّة قاموا بدهان سُلم القصر المتهدم.. وبعض من حوائطه بالعلاج الذى وصفه الأطباء..!!!
ولمَ لا..؟!!
أليس الدَرَج ومحيط الحوائط هو «مكان الإصابة».. أى حيث أصيب أخوتهم..!!
كَذِبُهُم أيها القارئ العزيز إن استطعت..!!!
انتهت الرواية أو النكتة.. وبقى أهل الدار ينتظرون نهايات أخرى.. ينتظرونها وهم لا يزالون يبحثون عن دواء الحجر عند أطباء البشر.. وعن دواء البشر عند أطباء الحجر.. ولا يعرفون فرقاً بين هؤلاء ولا هؤلاء..!
الأهم أنهم ينظرون إلى قصرهم يتحلل أمام أعينهم وهم يتصايحون ويتنازعون على سلطة الحديث للأطباء والخبراء ووجاهة تمثيل العائلة.. لم يُفيقهم سوء تقدير البلاء.. وعجزهم عن حسن التداوى منه.. حتى وإن حضر دواؤه.. مرات ومرات ومرات..!
تلك هى القصة.. بين تخمة من سلطة.. وفقر فى حُكم..!
وبين فَيض من كِبرٍ وقلق وغضب.. وغَيض من منطق وحِكمة..!
- ٢- السلطة والحُكم والحرب والصراع وأمور أخرى..!
«السلطة» ليست هى «الحُكم».. ولكنها مسوغ قانونى وإيذان بشرعية الإدارة فيه..!
السلطة هى شرعية اتخاذ القرار.. أما الحُكم فهو أهلية صناعته.. والوعى بالسياق الإنسانى قبل التقنى والسياسى والاجتماعى الذى من أجله يصنع القرار وفى إطاره يُتخذ..!
الحكم هو البصيرة التى عليها يُبنى التوجه وتُدرس الأولويات.. أما السلطة فهى الإجراء البيروقراطى لتقنين وإصدار القرار الواجب فى شأن حياة الناس..!
التربع على السلطة ليس عنواناً على الكفاءة.. كما أن إحرازها فى ذاته لا يُورِثُ أهلية حُكم ولا يضمنها..!
وعليه فليست كل رئاسة قيادة.. وليست كل قيادة زعامة..!
فالرئاسة- أى رئاسة لدولة أو شركة- «وظيفة».. أما القيادة فـ«منهج وبصيرة حُكم».. وأما الزعامة فـ«هبةُ وقَدَرُ وقُدرَة»..!
كما أن الصراع غير الحرب.. والحرب غير معاركها..!
الحرب قتال مادى فى سلسلة معارك.. أما الصراع فهو سُنة تدافع أرادها الله للبشر يوم أن قَدَرَ لهم استخلافاً فى الأرض وقَدَّرَ عليهم إعمارها..!
الحرب لها جنودها تربوا على اكتساب البأس وإنفاذه.. تربوا على القتل من أجل الحياة.. وعلى الدمار من أجل البقاء والحماية..!
جندى المعركة يحتاج للإعاشة والسلاح المادى.. التقشف والتعبئة المعنوية هى سلاحه النفسى.. لا يجوز فى حقه إرهاف الحس.. بل الخشونة وإغلاظ الوجدان وتربية القسوة كلها واجبة فى حق إنضاج سمته النفسى القادر على القتل والتدمير وقبول التضحية دونما تردد..!
تجفيف الجدال وإلغاء العقل أمام إطاعة الأمر هى منطق إنضاج عقله المقاتل.. ونحن إذ نتمثل أعلى درجات التضحية الإنسانية وهى التضحية بالنفس ونحن فى موقع جندى المعركة.. يبقى موقعنا ومسؤوليتنا أمام الله والوطن هى فرع على موقع كل منا كـ«جندى» حياة وصراع وإعمار.. لا الأصل..!
أما جندى الصراع أو جندى الحياة أو جندى الإعمار- سمه ما شئت- فلا يحيا إلا بإرهاف الوجدان وحب الحرية ونخوة الإنسانية.. لا يبنى عقله إلا سعة الأفق والدهشة والتساؤل.. واستشراف كل مستغلق عليه من الحقائق.. فلولا الدهشة والجدل والإبداع ما كان العلم وما كان الإعمار فى الأرض وما كان الترقى وطلب الترقى والذى هو عين الجهاد..!
صرف الصراع فى الحياة إلى ثقافة حرب القوة المادية احتكام إلى «وهم».. فلولا العقل ما كانت القوة المادية.. ولولا وعينا بطبيعة مسؤولياتنا كجنود حياة وإعمار.. ما كان لأدوارنا ومسؤولياتنا كجنود معارك وجود ولا قيمة ولا قدرة على البقاء..!
ولننظر حولنا إلى دول شقيقة.. حين غابت شعوبها بالكلية عن ثقافة صراع الإعمار.. لم تفلح فى أى من المضمارين لا المعارك والحروب المادية ولا صراع بقاء.. حتى وإن كُفِلَ لها من الأموال والموارد ما تنوء به رقاب شعوبها.. ليبيا وغيرها مثالاً..!
المجتمعات تبنى بجنود حياة.. هذا هو فرض العين.. ومنها نَفَر يؤهل للمعارك.. وهذا هو فرض الكفاية.. فمن أجل الأوطان تكون الجيوش.. وليس من أجل الجيوش تكون الأوطان..!
الخلط بين تلك الأمور.. بجهل أو بسوء تقدير أو بسوء نية.. هو عين مصائبنا..!
وهو الخلط الذى ما نهضت أمة فى الإنسانية إلا بعد أن برأت منه وأقرت بكارثيته وأسست حياتها على الإنسانية والوضوح.. بعد أن دفعت أثمانها قتلى حروب وأوطان تبددت وحضارات غابت بعد أن انكسرت..!
الخلط بين تلك الأمور هو ما يبقى بلادنا مستنزفة فى غير صراعها الواجب.. وكأنها تحرق مواردها وتحرق مستقبلها..!
مصر على مدار تاريخها بقيت مستنزفة فى معارك سلطة.. فى كل مواقع السلطة صغرت أم كبرت.. أكثر من انشغالها باستحقاقات الحياة وصراعها..!
لم تكن بالضرورة معارك مادية.. ولكن فيها يكمن جوهر الحركة اليومية للقائمين على أمرها.. إما برغبة فى إحراز موطئ سلطة أو التناطح فى السبيل البقاء فيه..!
وهو أمر لم يبقِ من السياسة إلا الدسائس.. ولم يبقِ من الاقتصاد إلا صفقات التركيع أو شراء النفوس أو عناوين التدليس والإلهاء.. ولم يبقِ من المجتمع إلا قطاعات منكسرة أمام قوت اليوم.. وقطاعات أخرى هاجرت داخل ذواتها يراودها الكفر بالوطن.. وقطاعات ثالثة من بغايا كل عصر «هُم لمن غَلب»..!
مصر «المواطن» عاشت أبداً مثقلة بطنين الطامحين فى السلطة حيناً.. وبغلظة الخائفين على مغادرتها أحياناً أكثر.. ومصر البيروقراطية متخمة بالسلطة بأكثر مما تحتاج.. ذاهلة عن تحديات الحكم وعلومه وأدواته..!
مصر «المواطن» مفتقرة إلى مشروع حكم معنى بترقية شأن الوطن وتمكين المواطن.. ومصر البيروقراطية بقيت أبداً فقيرة فى كل ذلك.. لا تعرف فى شأن المواطن إلا تسكين فوراته واتقاء شره والتدليس على وعيه للتخفف من متطلباته وتجنب مواجهته بحقائق يكون منطقها له لا عليه..!
- ٣- إدمان الأزمة..!
مصر البيروقراطية المتخمة بالرئاسات والصلاحيات.. والمتخمة دائماً بالسلطة التى تكاد تخنقها.. بها فراغ موحش- لا يكاد يبرحها- فى القيادة والإدارة وحتى الوعى بطبيعة تلك اللحظة من التاريخ..!
مصر البيروقراطية.. لا تستطيع- برغم حديث لا ينقطع عن التحديات والمشاكل- أن تسمى أصل مشاكلنا.. ولا أبالغ إن قلت مصر الشعبية بِرُمَتِها صارت تعرف اسم المشاكل ومبانيها وتعجز عن توصيف حقائقها وأصلها..! مثل «أهل القصر» يعرفون أنهم جرحى ومكاسير الركام المتساقط فوق رؤوسهم.. يتباكون على ذلك كل يوم بل كل لحظة.. ويتصاخبون بضرورة وضع حل وحتمية النجاة وإعادة القصر «قد الدنيا».. ولكنهم لا يستطيعون أن يتبينوا أنهم لا يعرفون كيف يعيدون إعماره.. وأنهم جاهلون بعلوم صيانته وتشييده.. وأن تلك علوم لها من يملكون ناصيتها وكثرة الحديث باسمها لا يورث خبرتها..!
مصر البيروقراطية ذهبت بوجع السياسة إلى أهل الاقتصاد.. وبوجع الاقتصاد إلى أهل الإعلام.. وبوجع المجتمع كله سياسة واقتصاداً وتعليماً وإعلاماً إلى أهل الأمن.. بعد أن كَفَرَت بكل من دونهم من أهل اقتصاد وسياسة وعلم وفكر وكَفّرتهم وطنياً..!
فهم فى نظرها بين موتور وخائن.. ومُتهَم بإعمال عقله.. ومُتلَبس بإشاعة المنطق.. وطموح بائس يحلم بأن يعالج الحجر أهل الحجر وأن يعالج البشر أهل البشر..!
مصر البيروقراطية تتلهف لروشتة «صندوق النقد الدولى».. ولا أبالغ إن قلت إن روشتة النقد الدولى ليس بها من جديد واحد عن أوجاع مصر الاقتصادية الآن وإن تفاقمت.. وعن أوجاعنا قبل خمس سنوات أو عشر سنوات أو ثلاثين سنة.. وهى أقل تفاقماً.. ولكنها روشتة علاج كالذى وصفه الطبيب لمصابى القصر ومكاسيره.. له ضوابط تسبقه وعلم بأصل الداء أين يبدأ فى هيكل قصر متهالك.. وأين ينتهى فى ساكن للقصر يموت كل يوم تحت الركام المتهاوى فوق رأسه ورأس أبنائه..!
الحل التقنى فى حديث الاقتصاد.. لا جديد فيه ولن يكون فيه جديد.. ولكن الجديد الغائب أو المغيب دائماً هو حديث السياسة والمجتمع.. حديث العقل الذى قد يرفع بعض من علامات الدهشة والتعجب حين يرانا نستخدم الأدوية التى وصفت لجروح الاقتصاد فى «تزيين» الدَرَج السياسى المكسور أو الحائط المجتمعى المتهدم.. فلا اقتصاد داوينا.. ولا بعطب سياسة وإعوجاج مجتمع أقررنا.. أو نوينا أن نقيمه بعد أن نستقيم..!
مصر البيروقراطية العميقة- المزمنة حتى الآن- مدمنة للأزمة تحيا بالرمادية وفيها..!
خوفاً على سلطتها.. تخشى القطع فى أى شأن.. كى لا يبدو عجزها أو تُضبط متلبسة بفشل أو تتحمل كما ينبغى أن تتحمل مسؤولياتها أمام ما أعطيت من صلاحيات.. تفعل ذلك كله متوهمة أن ذلك يبقيها فى مراتب أنصاف الآلهة فوق النقد وفوق الفشل وفوق المسائلة.. ويضمن لها الهيمنة المطلقة على مجتمعها..!
ولكن الحقيقة أنها وإن توهمت أنها تملك رقاب الناس.. فلاهى تملك عقول الناس ولا قلوبهم..!
مصر البيروقراطية.. المتلبسة مواقع أنصاف الآلهة أورثت مجتمعها خبلاً.. فمقابل كل إصرار على احتكار سلطة.. ابتدع المجتمع لنفسه سلطاته وصلاحياته.. وصار فوق القانون كما أرادت سلطته لنفسها أن تكون فوقه..!
ولأن احتقار القانون وكسره وابتذاله وتطويعه للمصلحة الخاصة هو دأب السلطة.. لم يُرَبَ المواطن إلا على ذلك.. ولم يُرِد غير ذلك… فهو لا يعرف عن القانون إلا كونه قَدَرُ مُنَزَلُ عليه لإخضاع رقبته..!
مصر «المواطن» ترى القانون سلاحاً فى يد سلطته من أجل إذلاله وتحجيم حركته ولا مردود خيراً منه.. ولا يراه سلاحاً يقيم العدل ويدرأ الظلم ويؤمن حياته.. فما كان من هذا المواطن إلا أن استعدى القانون فلسفةً وفكرةً.. قبل أن يخترقه نصوصاً ويكسره ممارسة..!
ما كان منه إلا أن أنفذ قوانينه هو.. ونظرة واحدة إلى حال شوارعنا ومحافلنا العامة لنعرف أين يقع القانون من أصحاب السلطة ومن المحكومين.. الكل يهينه.. الكل لا يعبأ به.. الكل ينافق باسمه.. الكل فى عَنَتٍ من أن يجرب أن يكون القانون سبيله لحياة أسكن وأعدل وأرقى..!
تُخمتا «السلطة» وفقر «الحكم» على مدار عقود.. ذهبت بالاقتصاد من التأميم.. إلى الخصخصة.. إلى المصادرة المقنعة والاحتكار الناعم والتأميم لصالح مؤسسات لا لصالح دولة..!
تُخمتا «السلطة» وفقر «الحكم» على مدار عقود.. أحالت مؤسسات الوطن إلى إقطاعيات.. ثم ما لبثت وبدعوى إعادة تأهيلها والحد من فسادها.. ذهبت بها إلى خنقها تحت وطأة ترهلها.. ثم إلغاء أدوارها واحتكار مقدراتها والهيمنة التامة عليها وتجفيف ما بقى فيها من كفاءات بالعنصرية المؤسسية..!
تُخمتا «السلطة» وفقر «الحكم» على مدار عقود.. ذهبت بتعريف الوطنية من التحرر من المستعمر.. إلى التوحد مع صاحب السلطة.. إلى احتكار الوطنية والأثرة فيها وإنكارها إلا على نفر بسيط يتقلص كل يوم..!
تُخمة «السلطة» وفقر «الحكم» على مدار عقود.. ذهبت بنا إلى أسئلة نهائية إن فُتِحت لن تغلق إلا بإجابات تتبنى المنطق قبل أن تبنيه وتُكرَسه.. ولكنها إجابات كاشفة صادمة منشئة لواقع جديد.. ومنها مثالاً لا حصراً.. «إنت عملت إيه لمصر..؟!».. وهو النسخة المصرية من الحسبة الوطنية..!
تُخمتا «السلطة» وفقر «الحكم» على مدار عقود.. ذهبت بتعريف الدين من الرغبة فى تزكية النفس وإحراز مصالح الناس وتحقيق مراد الله فى خلقه.. إلى الانسحاق أمام أفهام سياسية ومذهبية للدين.. إلى احتكار جماعات للحديث باسم الله وإنكار الإيمان على كل أحد إلا من تباركه سلطة المتنطعة..!
وأخيراً آن لنا أن نعى أن..
الاقتصاد فرع على أصل السياسة والمجتمع.. النجاح فيه «ظلُ» لاستقامة السياسة وإيمان المجتمع بملكيته لوطنه وشراكته فى المصير..!
والسلطة فرع على أصل الحكم وصلاحها «ظلُ» لِرُشد الحكم..! ولن يستقيم «ظلُ» و«العودُ أعوجُ».. هى بديهية لو وعيناها نجونا من مصير «نُكتَة» عائلة القصر.. نجونا من مصير مجتمع «رضى بجهلِه ورضى عنه جَهلُه»..!
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..

الكابتن إكرامى والطفل مينا (٣) - د. عماد جاد - جريدة الوطن - 23/8/2016

رغم نفى الكابتن إكرامى للواقعة، فإن شهادة أكثر من طفل مسيحى تعرض لنفس الموقف تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك صحة الوقائع المنسوبة لهذا الرجل الذى تختزل قصة تحولاته ما مر به المجتمع المصرى، فإكرامى هذا الشاب الوسيم المفعم بالحيوية والمقبل على الحياة، الذى شارك فى التمثيل فى فيلم كوميدى مع فريد شوقى وسمير غانم، أصبح عابس الوجه مكفهراً، لم يطق سماع اسم مصرى مسيحى، خرج عن شعوره بمجرد سماع أسماء «مينا وبيير»، فما إن أُبلغ بأسماء اثنين من الأطفال الذين تجاوزوا الاختبارات فى موقع حارس المرمى، وأن اسميهما «مينا وبيير»، حتى أشار لهما إلى بوابة الخروج من النادى، وطلب منهما المغادرة.
السؤال هنا: ما الذى أوصل شخصاً مثل إكرامى إلى اعتناق هذا الفكر المتشدد القريب من فكر الجماعة، والذى لا يبعد مسافات كبيرة عن فكر داعش؟
الحقيقة وبعيداً عن توجيه الاتهامات، ما حدث للكابتن إكرامى هو ما حدث للقطاع الأكبر من المصريين، تعرضوا لرياح الوهابية المقيتة على النحو الذى جعلهم يحملون فكراً متشدداً منغلقاً يضيق على شريك الوطن المغاير فى الدين والطائفة، وجاء ذلك كمحصلة لعملية شحن فكرى متواصل والاستسلام للفكر الوهابى الذى غزا بلدنا تارة حينما ذهبنا للعمل فى بلاد النفط، وتارة أخرى نتيجة تلاعب رجال السياسة والفكر فى مصر وانبطاح الكثير منهم أمام أموال الخليج. كانت محصلة ذلك أن تحولت مصر الموصوفة بأنها «فجر الضمير»، والحضن المفتوح لكل هارب أو فار من بلاده وباحث عن الأمن والأمان، تحولت إلى دولة منغلقة تميز بين مواطنيها بسبب الدين والطائفة، فقدت كثيراً من ملامحها الإنسانية التى عرفت بها على مدار التاريخ، الدولة التى احتضنت ملوك اليونان وألبانيا وشاه إيران وغيرهم ممن طلبوا الأمان ووجدوه فى مصر، إلى دولة يرفض لاعبها مصافحة لاعب منافس ويعتبر ذلك نوعاً من «الجهاد فى سبيل الله».
اجتاح التشدد والتطرف والغلو مجتمعنا المصرى يوم أن فُتح الباب أمام الفكر الوهابى، يوم أن ضعفت أو أضعفت مناعة مصر، فاخترقها الفكر الوهابى وعبث بعقول وقلوب المصريين، فصاروا عكس أجدادهم، مغرقين فى الغيبيات، منغلقين، متشددين على نحو يمكن تفصيله من خلال نظريات علمية تتناول العنصرية والتطرف، تتحدث عن مكونات ثلاثة للعنصرية، الأول هو المكون المعرفى: ويتمثل فى المعتقدات والأفكار والتصورات التى توجد لدى أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types التى تعنى تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم فى ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التى تتعرض للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحاً وأكثرها مقاومة للتغيير. الثانى هو المكون الانفعالى: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التى تغلف المكون المعرفى، فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالى يصعب وصفه بالتعصب. الثالث هو المكون السلوكى: وهو المظهر الخارجى للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلى خمس درجات:
أ- الامتناع عن التعبير اللفظى خارج إطار الجماعة على نحو يعكس سلوك كراهية دفينة.
ب- التجنب: أى الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخرى رفضاً لها.
ج- التمييز: ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال، أى السعى إلى منع أعضاء الجماعات الأخرى من الحصول على مزايا أو تسهيلات أو مكاسب سواء على نحو رسمى أو واقعى.
د- الهجوم الجسمانى: أى الاعتداء البدنى على أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخرى.
هـ- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصرى وتعبر عن نفسها فى شكل مذابح جماعية بناء على أساس الانقسام أو التمييز.

Tuesday, August 23, 2016

آمال المصريين تحطمت ولكن مازال الحلم ممكناً بقلم د. محمد أبوالغار ٢٣/ ٨/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

كنت طفلاً حين قامت مجموعة من ضباط الجيش بإزاحة الملك فاروق عن العرش وطرده خارج البلاد. وبعد معارك داخلية بين الضباط تم إخراج البعض من السلطة وسجن البعض وتعيين أكثرهم نقاء ووطنية سفيراً واعتقل محمد نجيب أقدمهم رتبة وأكبرهم سناً فى بيته فى المرج لسنوات طويلة وأصبح عبدالناصر القائد الأوحد.
سمعت الكبار حولى يقولون إن مصر تتغير وكان هذا أول أمل لى. وأعلنت مصر نهاية الفساد وبداية التقدم وعندما بلغت أربعة عشر عاماً قال لى أبى إن معظم مؤيدى الملك أصبحوا مؤيدين لضباط العهد الجديد ولم يكن متفائلاً. وعندما كان عمرى ١٦ عاماً قام عبدالناصر بتأميم القناة وكان الشعب المصرى فى معظمه سعيدا بهذه الخطوة الجريئة وبعد أسابيع حدث الهجوم الإنجليزى الفرنسى الإسرائيلى واحتلت معظم سيناء ومدينة بورسعيد وتحطم سلاح الطيران المصرى على الأرض ولكن كاريزما عبدالناصر وخطبه النارية صورت لنا أننا انتصرنا وتوقفت الحرب، كما علمنا بعد ذلك بسبب ضغط الرئيس الأمريكى لأن أمريكا لم تستشار من ناحية وانتهزت الفرصة لتأخذ مكان إنجلترا فى المنطقة. وبسبب هذه الظروف وكاريزما وشجاعة عبدالناصر تحولت الهزيمة العسكرية الفادحة إلى نصر سياسى. وصدقنا أننا هزمنا ثلاث دول وتخيلنا أننا على أعتاب أن نصبح دولة كبرى، وكانت دعاية نظام ناصر قوية ومنظمة وألهبت مشاعر شعب يحلم بأن يستعيد تاريخه القديم العظيم، ولاح أمل جديد. ودخلت كلية الطب وعمرى ١٦ عاماً وبعد سنتين فوجئنا بإعلان اتحاد مصر وسوريا وحمل السوريون عبدالناصر بسيارته وتصورنا أننا فى القريب سوف نصبح دولة عظمى وأن ناصر سوف يوحد كل البلاد العربية، وكان هذا هو الأمل الثالث. لم نكن نعلم أن قيادة الجيش المصرى كانت بعيدة جداً عن المهنية وكانت غارقة فى أنواع عديدة من الفساد، وبعد انهيار الوحدة مع سوريا وعودة عبدالحكيم عامر فاشلاً استمر قائداً للجيش بل وتم إسناد أعمال مدنية كبيرة للجيش منها مكافحة الإقطاع والنقل العام والجمعيات الاستهلاكية وغيرها الكثير، وكلها ليست من مهام الجيوش. وفجأة قام عبدالناصر بحركة عنترية بدون استشارة أحد بإغلاق مضيق تيران وقفل الملاحة أمام إسرائيل وكانت الهزيمة الفادحة للجيش المصرى واحتلال سيناء بالكامل والضفة الغربية والجولان هى نهاية كل آمال جيلى.
راح كل الأمل وانهارت الأحلام وفقدت مصر آلاف الرجال والمعدات وضرب الطيران على الأرض مرة أخرى، وهاجرت العقول المصرية وزحف بترول الجزيرة العربية بأفكاره الوهاببة على العقل المصرى فى وقت كانت فيه مصر فى أضعف وأفقر أحوالها. وزحفت ملايين العمال المصريين للخليج وعادوا ببعض الأموال وحولوا القرى المصرية إلى كتل أسمنتية وأطراف المدن إلى عشوائيات وجاءوا بأفكار شديدة التخلف فغيروا ثقافة المصريين وطريقة كلامهم وملبسهم وغنائهم واكتسح الشيخ الشعراوى زكى نجيب محمود ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. هكذا فقدنا كل الأمل حين أدت الهزيمة العسكرية الفادحة إلى هزيمة ثقافية أفدح.
وجاء السادات فحققت مصر نصراً عسكرياً عظيماً ورفع الروح المعنوية للمصريين ثم وقعت معاهدة السلام وانهالت المنح والمساعدات والقروض على مصر وظهر أمل جديد فى أن تنهض مصر من كبوتها ولكن الانفتاح الكبير صاحبه فساد أكبر وانتشر تيار وهابى إرهابى متخلف، وتم اغتيال الرئيس.
وجاء مبارك فاستبشر الناس خيراً لأنه كان ضابطاً معروفاً بنظافة اليد والانضباط وكان المصريون قد تعبوا من زعامات كبيرة لها قرارات خطيرة منفردة فى حكمى ناصر والسادات، وبعد سنوات قلائل ظهر أن مبارك ديكتانور بطىء الحركة يحب الركود، ودب الفساد فى كل أركان الدولة لمدة طويلة وهى الفترة التى نهضت فيها شعوب مثلنا.
ظهر أمل جديد فى ٢٥ يناير ٢٠١١ حين انتفض الشعب المصرى ينادى بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ونجح فى إزاحة مبارك وحرك مشاعر العالم كله بثورة مدنية نظيفة سلمية. ولكن سرعان ما تأكدت من أن ٢٥ يناير لن تحقق مطالبها الآن، لأن الثوار لم يكونوا منظمين، والديكتاتورية منعت أى تنظيم عبر سنوات طويلة ومنعت تكوين أى منظمات ديمقراطية، وكان الإخوان المسلمين هم الفصيل الوحيد المنظم وبدأت معركة بين الإخوان والجيش انتهت بنجاح أول رئيس إخوانى ودخول مصر العصر الفاشى.
ولكن الشعب المصرى خرج بعد عام واحد عن بكرة أبيه فى مظاهرات عارمة، صحيح أن بعضها كان بمساعدة أجهزة أمنية وبعض رجال الأعمال ولكن ٣٠ يونيو كانت فى معظمها حركة شعبية خالصة، وبدا لى أمل أخير بعد ٣٠ يونيو أن تصبح مصر ديمقراطية متقدمة.
وترشح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية بعد أن صدق الشعب على دستور حديث يلائم العصر وللأسف الشديد لم تتحقق الديمقراطية التى انتظرناها، وصدرت قرارات مصيرية مفجعة بدون استشارة أو دراسة وبالتالى دخلنا فى نفق جديد مظلم وبدأنا نفقد الأمل.
وأخيراً هل هناك أمل بعد إحباطات متتالية عبر ٦٠ عاماً؟ يبدو هناك فى الأفق أمل حقيقى وحيد وهى روح ٢٥ يناير التى غيرت المصريين بالكامل ولنذكر أن الثورة الفرنسية حققت أهدافها بعد سنوات طويلة من الديكتاتورية والفساد، والثورة المصرية سوف تنجح وسوف يغير المصريون أى نظام ديكتاتورى أو فاشى أو فاسد إلى نظام ديمقراطى.
والأمل دائما موجود، فليحلم المصريون..
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

كابتن إكرامى والطفل مينا (٢) - د. عماد جاد -جريدة الوطن - 23/8/2016

  
             ما أقدم عليه الكابتن إكرامى وما قاله إمام مسجد قرية «كرم اللوفى» بمحافظة المنيا يعبر عن التحولات التى مر بها المجتمع المصرى وكيف جرفت رياح الوهابية الروح المصرية الأصيلة التى كانت سائدة حتى منتصف سبعينات القرن الماضى، اجتاحت رياح الوهابية غالبية المصريين بما فى ذلك الطبقة الوسطى التى عادة ما تعتبر مستودع القيم فى المجتمع، وأكلت الطبقة الدنيا بالكامل لاسيما أن فئات هذه الطبقة جاهزة تماماً لتبنى أفكار التشدد والتطرف، بقيت شرائح محدودة من الطبقة الوسطى إضافة إلى الطبقة العليا، تقاوم رياح الوهابية العاتية.
مصر اليوم ليست هى مصر المبتسمة المتسامحة حاضنة الجميع بصرف النظر عن العرق واللغة والدين، مصر اليوم اكتست بثياب الوهابية زيّاً وفكراً، وما نراه اليوم من مظاهر وسلوكيات هو أعراض لمرض عضال تمكن من الإمساك بمصر وغالبية شعبها، والشفاء منه يتطلب أولا الإقرار بالمرض ثم التشخيص الدقيق لدرجة انتشار المرض وأخيراً وصف العلاج الناجع، وقبل كل ذلك تكون هناك رغبة حقيقية فى الشفاء واستعادة الروح المصرية، لأن هناك مرضى يعشقون الحالة ويتعايشون معها.
علينا أن نبدأ بالقول إن ظاهرة التطرف والتشدد ظاهرة إنسانية موجودة فى كل المجتمعات، فالتطرف لرأى أو فكر أو معتقد أو عرق آفة شهدتها مختلف المجتمعات الإنسانية، وأدت فى أحيان كثيرة إلى وقوع الحروب والمواجهات وأعمال القتل الجماعى والإبادة، بل كانت وراء إشعال حروب كونية. وتوجد فى مختلف المجتمعات الإنسانية شرائح أو فئات متشددة أو متطرفة تنطلق من قناعة ذاتية بالسمو والتفوق لعامل متوارث من عوامل اللغة والعرق، أو الدين والمعتقد، وعادة ما تعمل نظم الحكم وأجهزة الدول على مقاومة هذه الظواهر ومحاصرتها والحد من أنشطتها الهدامة.
وكلما زاد عدد معتنقى الأفكار المتطرفة والعنصرية، ارتفع مؤشر الخطر وارتفعت معدلات جرائم الكراهية والعنصرية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافق مع انتشار هذه الأفكار أزمة اقتصادية أو اجتماعية، أو كانت الأزمة مركبة، فى هذه الحالة يجرى البحث عن المختلف والانتقام منه. وعندما تتسع قاعدة التشدد والتطرف والعنصرية، عادة ما تسفر عن نظام حكم يعبر عن هذه الأفكار ويعمل على تعبئتها وتنظيمها، وهو ما فعله هتلر الذى استثمر واقع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى والإذلال الذى عانت منه برلين بفعل معاهدة فرساى التى فرضت عليها دفع تعويضات هائلة للدول المنتصرة وفى مقدمتها فرنسا، فى ظل هذه الحالة والحديث عن الجنس الآرى ونقائه، بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية التى أخذت معها حياة نحو خمسين مليون إنسان، وانتهت باحتلال ألمانيا وحالة من الدمار الشديد فى كل أنحاء أوروبا.
وتدريجياً بدأ العالم يستشعر خطورة العنصرية وما تحمله معها من مشاعر التطرف والتعصب، فأخذ يضع مواثيق حقوق الإنسان، وعمل على تجريم الأفكار العنصرية، وبدأ يعمل على صياغة منظومة قانونية تجرم أعمال القتل الجماعى على خلفية عنصرية أو عقائدية أو غيرها من العوامل. وهنا طرحت بعض الأفكار الخاصة بتقييد سيادة الدولة حتى لا تتخندق نظم حكم وراء هذا المفهوم وترتكب أعمال قتل وإبادة فى حق جزء من الشعب، ووصل التطور إلى الذروة بإنشاء المحكمة الدائمة لجرائم الحرب فى روما عام 1998، حتى يمكن النظر مباشرة فى جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية دون الوقوع فى أسر حسابات القوى الكبرى، لأن تشكيل محكمة للنظر فى هذه الجرائم قبل ذلك كان يقتضى صدور قرار من مجلس الأمن وهو الأمر الذى كانت تجهضه دولة واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن.

Monday, August 22, 2016

كابتن إكرامى والطفل مينا - د. عماد جاد - جريدة الزطن - 22/8/2016

استمعت إلى المداخلة التليفونية التى أجرتها الإعلامية رشا نبيل بقناة دريم مع الكابتن إكرامى المسئول عن اختبارات الناشئين بالنادى الأهلى، ثم مع الطفل مينا الذى ما إن سمع الكابتن إكرامى اسمه حتى أمره بمغادرة الاختبارات والخروج خارج النادى. حاول الكابتن إكرامى نفى صفة التطرف والتشدد عن نفسه وإنكار وجود دوافع تمييز دينى وراء طرد الطفل مينا من الاختبارات، مطالباً الطفل بالمجىء مرة ثانية يوم الاثنين المقبل (اليوم) لخوض الاختبارات، وهو ما كذّبته نبرات صوت الطفل الذى يبلغ من العمر ١٢ سنة، فقد أعلن الطفل بكل قوة اعتذاره عن عدم خوض التجربة مرة ثانية، قائلاً: «لقد تعرضت للإهانة ولا أريد التعرض لها مرة ثانية»، مضيفاً: «إذا كان وانا عندى اتناشر سنة عملوا معايا كده، أمال لما يبقى عندى عشرين سنة هيعملوا معايا إيه؟ هيحرقونى؟». خرجت كلمات الطفل شديدة القسوة وتعبر عن حزن عميق وألم شديد سبّبه له شخص متطرف ومتعصب لم يطق سماع اسم طفل لمجرد أن اسمه يشير إلى مسيحيته، رغم أنه طفل مصرى كان يراوده حلم اللعب فى النادى الأهلى الذى يهواه ويشجعه بجنون، إلا أن الكابتن إكرامى ومن على شاكلته من المتطرفين والمعتصبين الذين غزا الفكر الوهابى قلوبهم وعقولهم فتحولوا إلى كائنات مجردة من المشاعر والأحاسيس، باتوا يرون فى الكراهية والتضييق على المخالف الدينى نوعاً من الجهاد الذى يثابون عليه ومصدراً من مصادر جلب الحسنات. التضييق على طفل مصرى مسيحى بات فى قناعة الكابتن إكرامى مصدراً من مصادر جلب الحسنات وإذهاب السيئات، التنكيد على طفل مصرى برىء جائز فى عرف السيد إكرامى ومن على شاكلته، وسوف يثاب عليه من رب العباد!!
لم تكن واقعة الطفل مينا هى الواقعة الأولى مع الكابتن المجاهد إكرامى، فقد سبقتها ولحقت بها وقائع عديدة، ولا أحد يحاسب فى بر مصر. السيد إكرامى هنا مثله مثل شيخ الجامع فى قرية «كوم اللوفى» الذى قال فى تحقيق رائع لجريدة الأهرام إن كوم اللوفى جزء من أرض الإسلام لا يجوز بناء كنائس فيها، وأيده فى ذلك مقرئ القرآن فى المسجد، ولم يراجعهما أحد رغم أن شيخ الجامع يفخر بانتمائه للأزهر وبأنه يمثل الإسلام الوسطى.
حال كابتن إكرامى وشيخ مسجد قرية كوم اللوفى كحال ملايين المصريين الذين تعرضوا لرياح الفكر الوهابى الأحادى المعادى لكل القيم الإنسانية، الرافض للمواطنة وحقوق الإنسان، العامل ضد الحرية والمساواة، الذى يرى المشابه الدينى فى أى بقعة من بقاع الأرض أقرب من شريك الوطن المغاير دينياً أو طائفياً. هذا الفكر الذى يُعد أساساً لكل تطرف وعنف وإرهاب، لا يعرف سوى الكراهية على النحو الذى تجلى فى سلوك الكابتن إسلام الشهابى تجاه لاعب إسرائيل الذى هزمه فى لمح البصر، فما كان من اللاعب المصرى إلا أن رفض المصافحة المعتادة بعد مثل هذه اللقاءات، فنال ما نال من استهجان الجمهور وتوبيخ اللجنة الأولمبية وقدم صورة متخلفة عن مصر مهد الحضارة وملجأ المضطهدين من شتى أنحاء العالم. مصر فجر الضمير باتت على يد أصحاب الفكر الوهابى بلا ضمير فى عيون قطاع من أولادها وعيون العالم، مصر المكتسية برداء الوهابية باتت نموذجاً للتشدد والانغلاق والتطرف، تصدّر، مثل أفغانستان وباكستان والسعودية، العنف والإرهاب إلى العالم ويمتنع السياح عن القدوم إليها خشية التعرُّض للنصب والاحتيال، وتعرُّض السائحات للتحرش فى غياب غريب وعجيب للمحاسبة ودولة القانون.
وللحديث بقية.

Sunday, August 21, 2016

إلى الأستاذ فاروق جويدة.. كفاية شبعنا كفتة! - خالد منتصر - جريدة الوطن - 21/8/2016

أحرص على قراءة مقال الكاتب والشاعر فاروق جويدة فى جريدة «الأهرام»، لأننى أجد فيه متابعة دقيقة للأحداث وعرضاً أميناً للمشاكل والقضايا التى تؤرق هذا الوطن، ولكنى صدمت من مقال الأمس السبت 20 أغسطس الذى عرض فيه لاكتشاف شقيق الزعيم جمال عبدالناصر لعلاج جديد للسرطان من أعشاب مصرية، للأسف وجدت المقال ترسيخاً للعلم المزيف pseudoscience الذى شبعنا منه على مدى السنين الماضية سواء كان على يد ملك الأعشاب صاحب الفضائية الذى من أهم ابتكاراته كريم أعشاب تكبير الأرداف، أو على يد صاحب اختراع صباع الكفتة الشافى للإيدز!!، ولا يعفى الأستاذ جويدة من المسئولية تبريره بأنه ليس طبيباً، فالحس العلمى للصحفى لا يحتاج شهادة من كلية الطب والمفروض أن يتوفر هذا الحس فى كبار كتابنا من صناع الوعى، ولا يعفيه أيضاً أنه يعرض القضية على أكاديمية البحث العلمى لكى تناقشه لأنه لا يجوز نشر هراء لا علمى فى مكان مهم وزاوية خطيرة مثل زاويتك يا أستاذ «فاروق» فى أهم جريدة فى الشرق الأوسط!!، فهل يعقل أن تقبل منى مقالاً أبشرك فيه بأننى اكتشفت أن بلع نشارة الخشب ع الريق يشفى الروماتويد!!، هذه هى المأساة والكوميديا السوداء التى لا أتصور كيف مرت عليك تفاصيل هذه الرسالة الكارثية بدون أن تكتشف أنها تنتمى وبجدارة إلى عالم الفنكوش، لو طرحت على نفسك تلك الأسئلة يا أستاذ فاروق قبل النشر لكنت قد مزقت تلك الرسالة ولكان مصيرها هو أقرب سلة مهملات، وليس أقرب عمود صحفى مؤثر.
السؤال الأول: هل العلم فيه شقيق رئيس أو ابن خالة نبى؟!، العلم الزائف هو الذى دائماً يستند إلى سلطة سياسية كانت أو دينية، ما مؤهلات هذا الشقيق العلمية الصيدلية مع كامل احترامى لشخصه؟!، هذه المؤهلات التى مكنته من اكتشاف العشب المصرى المعالج للسرطان وإجراء التجارب الإكلينيكية عليه، نحن لسنا ضد الأعشاب ولكننا ضد الدجل بالأعشاب، نحن مع العلم، مع أن يدخل العشب أو أى مادة التجارب الإكلينيكية الفارماكولوجية المعتمدة طبقاً لبروتوكولات البحث العلمى على أى دواء فى العالم، هذا هو شرطنا الوحيد، هكذا دخل عشب الديجتاليس لعلاج القلب والأتروبين لعلاج العين والأسبرين المشهور من لحاء شجرة الصفصاف كمسكن ومضاد للتجلط.. إلخ، لكن أن يقول لك شخص إنه شاهد شخصاً موريتانياً فى ليبيا تعرف منه على هواية الأعشاب، وأن تعتبر حضرتك هذا فتحاً مبيناً وليس دليلاً على أن علاقة هذا الشخص بعلم الصيدلة مثل علاقتى باللغة الصينية، فهذا خطأ بل خطيئة صحفية، فالطب ليس هواية والصيدلة ليست مزاجاً أتعلمها من هاوٍ موريتانى، بل هى علم وله قواعد وأسس.
السؤال الثانى: هل العلم مقياسه الشهر العقارى؟!، صاحب الرسالة يقول لك إنه قد سجل اختراعه فى الشهر العقارى وأن مراكز البحث العلمى الروتينية تضطهده!!، أحب أن أزف إليك وإليه تلك البشرى وهى لو فتحت تلك المراكز البحثية ذراعيها لصاحب الرسالة ومخترع علاج السرطان لاستحقت الإغلاق والقبض على مديرها بتهمة إهدار المال العام!!، الأبحاث ليس طريقها الشهر العقارى يا شاعرنا الكبير، ولكن طريقها المعمل، الدواء الذى تتناوله حضرتك لأى مرض لا قدر الله تتكلف أبحاثه المليارات، هل صرف شقيق الزعيم الراحل تلك المليارات؟!، هل أجرى أبحاثاً على الحيوانات ثم الإنسان ثم عقد دراسات مقارنة مع البلاسيبو ثم عرف درجة السمية والفعالية والأعراض الجانبية ودرجة الأمان؟!، هل عرف كل ذلك؟!، أم أنه اكتفى بنصائح صاحبه الموريتانى عندما كانا يتناولان حلة الكسكسى فى طرابلس!!!، لا أجد شاعرنا العزيز إلا بيت المتنبى: كم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء!!.
السؤال الثالث: هل هناك ما يسمى بعلاج السرطان على إطلاقه، باكيدج واحد على بعضه؟!، هل يجرؤ عالم على أن يخرج على المجتمع الطبى ويصرح لقد اكتشفت علاجاً للسرطان من الثدى إلى الرئة إلى الكبد إلى الفشة والطحال والكوارع؟!، وكأننا فى مسمط، لا يوجد مثل هذا الهراء اللاعلمى إلا فى جلسات الدخان الأزرق وليس فى المؤتمرات العلمية المحترمة، ماينفعش نقول بنعالج السرطان، العلم الآن والطب القائم على الدليل بمدارسه الحديثة يعرف عبارات طبية محددة مثل هذا الدواء يؤثر على إنزيم كذا أو خلية كذا المناعية أو هورمون كذا.. إلخ، هذا الدواء يُصلح خللاً ما، أو عطباً هنا أو نقصاً هناك، لكن أن نتعامل مع أى مرض بسياسة الزنبيل ونعبى كل حاجة فيه، فنحن إما نمارس التهريج والهزار أو نمارس طق الحنك.
أرجو كل الكتاب والصحفيين خاصة من يمتلكون تأثيراً ولهم مكانة فى قلوب قرائهم ومتابعيهم، كفاية ترويج للعلم المزيف والخرافات والأوهام، شبعنا واتهرينا مخترعين مزيفين بمعدل مخترع لكل مواطن، فى الأسبوع الماضى فقط طالبة اخترعت علاجاً للسرطان من المانجو العويسى، وأخرى من آداب الفيوم اخترعت محركات صواريخ!!!، كفاية يا عالم ياهوه شبعنا كفتة.