Translate

Thursday, May 31, 2018

خالد منتصر - الدول المنظمة تحدد أعيادها بعد مائة عام - جريدة الوطن - 31/5/2018

وصلنى من د. مينا بديع عبدالملك رد هو تأكيد على ما كتبته أمس عن ضرورة وجود تقويم منضبط نعرف فيه إجازاتنا وخططنا لسنين مقبلة كترجمة لحياة مخططة وتوقيتات منظمة وطريقة تفكير لا عشوائية، وأهمية الرسالة أنها من أستاذ رياضيات مسيحى بكلية هندسة الإسكندرية، هذا وسع عدسة الرؤية فلم تعد قاصرة على أعياد فى تقويم هجرى فقط، يقول د. مينا:
قضية إعداد جداول مُسبقة بالأعياد قضية حيوية من أجل تنظيم حياتنا والتخطيط لأمور مستقبلية عديدة، وهى ليست أمراً ترفيهياً يمكننا أن نأخذ به أو نتغاضاه، بل هو أمر مهم جداً. وهنا لا بد أن أذكر الواقعة الآتية:
عندنا فى المسيحية موعد الاحتفال بعيد القيامة متغير طبقاً للفصح اليهودى، ففى القرن الرابع الميلادى وبالتحديد فى عام 325م نصت قوانين مجمع نيقية على أن الاحتفال بعيد القيامة يكون فى الأحد التالى للفصح اليهودى أى أنه ينبغى ألا يتفق معه ولا حتى يسبقه. منذ بضع سنوات كنت معاراً للتدريس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعادة الجامعة الأمريكية -كما هى عادة جميع المؤسسات المحترمة التى تحترم أولاً الإنسان- تقوم بإعداد التقويم الأكاديمى لمدة سنتين أو أكثر مسبقاً يضم مواعيد بداية الفصول الدراسية ونهايتها وبداية الامتحانات ونهايتها وأيضاً مواعيد الإجازات القومية والدينية، وذلك كله حتى يكون الفصل الدراسى الأكاديمى يحتوى على 15 أسبوعاً لا أكثر ولا أقل.
بالنسبة للأعياد الدينية هناك الأعياد الدينية الإسلامية والأعياد الدينية المسيحية، التى تنقسم إلى المسيحيين الغربيين والمسيحيين الشرقيين. كانت المشكلة التى تواجه السيدة الفاضلة بإدارة شئون الطلاب بالجامعة هى معرفة موعد عيد القيامة عند الغربيين وموعد عيد القيامة عند الشرقيين وبالتالى تحديد موعد الاحتفال بعيد شم النسيم، لأن الكنيسة الغربية للأسف الشديد خالفت قوانين مجمع نيقية وانفردت بتقويم خاص بها.
فى تلك الأثناء كان نائب رئيس الجامعة لشئون الطلاب هو الأستاذ الدكتور أشرف الفقى، أستاذ الفيزياء بالكلية، فعندما لجأ إليه المسئولون بإدارة التسجيل لإيجاد حل لهذه المشكلة، قال لهم بالحرف الواحد: «عليكم بفلان بقسم الرياضيات وسوف يكون لديه حل لهذه المشكلة». فعلاً اتصلوا بى، وتوجهت لمكتب إدارة التسجيل وعرضوا علىّ الأمر، وقالوا لى: هل لديك حل؟ قلت لهم: فى الغد سوف أكون معكم ولدىّ حل.
كان هذا الموضوع نحو عام 2012، وفعلاً ذهبت لهم فى اليوم التالى ومعى جداول بجميع أيام الاحتفال بعيد القيامة سواء للمسيحيين الغربيين أو الشرقيين حتى عام 3000م (نعم عام 3000م)، وقدمتها لهم وشرحت لهم كيفية قراءة تلك الجداول، وبمداعبة لطيفة قلت لهم: «على شرط فى سنة 3000 نتقابل ونحتفل معاً بعيد شم النسيم». وبذلك أمكنهم ضبط التقاويم الأكاديمية مشتملة كل شىء.
ما أصعب أن تكون الحياة عشوائية.. إن كانت كذلك فلم تعد حياةً بل تخبط.

Tuesday, May 29, 2018

خالد منتصر - أتمنى فى شهر محرم تحديد إجازة العيد - جريدة الوطن - 30/5/2018

أتمنى بصفتى مواطناً مصرياً أن أعرف وأنا فى شهر محرم متى سأحصل على إجازتى عيد الفطر والأضحى؟!، نفسى أجاوب على موظف شركة الطيران وأنا أحجز تذكرتى مثلاً لمؤتمر طبى تصادف ميعاده مع عيد الفطر أو لرحلة إجازة عيد الأضحى.. إلخ، نفسى أجاوبه عندما يقول لى حدد بالضبط ميعاد العيد لكى أحجز لك بناء عليها، نفسى أقول كلمة غير كلمة ماعرفش!!، نفسى فى سنة 1440 هجرية المقبلة يعرف الناس رمضان 1450 مثل باقى تقاويم الدنيا، كان نفسى ألا نتعرض مثلما حدث فى هذا الشهر لتلك البلبلة حين شاهد الناس بدراً فى تمام اكتماله ليلة 12 وشكوا فى صحة صيامهم!!، يا سادة البنوك والبورصة فى العالم تتعامل بالتقويم الميلادى، المؤتمرات الطبية والعلمية والاقتصادية المنتظمة على كل بقاع كوكب الأرض محددة بالشهر واليوم والساعة قبلها بسنين طبقاً للتقويم الميلادى ولا يمكن تحديدها قبلها حتى بشهر طبقاً للهجرى المشابه لمواعيدنا المصرية المضروبة (أقابلك بعد المغرب وأفوت عليك والشمس طالعة… إلخ).
لا أفهم سر تمسك البلاد الإسلامية بالتقويم الهجرى ورؤية الهلال وكأنها الفريضة السادسة فى الإسلام، مع أن الرؤية من الممكن أن تكون إدراكاً بمعنى أوسع من مجرد النظر المباشر، إن التقويم الهجرى ابن زمانه وبيئته ومثل أى تجربة إذا ثبت فشلها نغيرها ونبدلها ونستغنى عنها فى هدوء دون أن يتم تكفيرنا أو اتهامنا بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، كنت أتمنى فى يوم من الأيام أن يكون لدىّ أجندة هجرية مثل الأجندة الميلادية، فيها كل مواعيد الشهور الهجرية بالضبط وبالتمام والكمال بدلاً من تركنا للتخمينات والاستطلاعات، والسعودية قالت كذا، لأ ليبيا صامت النهارده، لأ إيران حتصوم بكرة… إلى آخر هذه التخبطات التى يحسمها الحساب الفلكى بكل بساطة، ويجعلنا نعرف رمضان بعد قرن من الزمان، ميعاده بالتحديد وظهور هلاله بالتأكيد، ويجعلنا نعرف العيد وميعاد الحج وبداية السنة الهجرية بعد ألف سنة وفى أى بلد مهما قرب أو بعد.
نحن الآن يا سادة نعتمد على مواقيت الصلاة بالحسابات الرياضية والفلكية، ولم نعد نرى مثلاً شخصاً يعتمد فى صلاة العصر على أن يرى ظل كل شىء مثله، أو يراقب مغيب الشفق الأحمر حتى يصلى المغرب!! كل مسلم الآن يحدد وقت الصلاة بالساعة أو بالموبايل أو بمشاهدة نتيجة الحائط، لا أعرف اشمعنى بدايات ونهايات الشهور هى التى ما زلنا نتمسك بهلالها وقمرها وبدرها!!، يا معشر المسلمين السفن الفضائية صارت تسير فى الفضاء ملايين الأميال، وتهبط على هدفها بالثانية زمنياً وبالسنتيمتر مكانياً بمجرد الحسابات الرياضية الدقيقة، هناك كواكب ومجرات وتوابع تم اكتشافها ومعرفتها أولاً بالحسابات الرياضية الفلكية قبل رؤيتها بالتليسكوب!!، هناك مراصد عملاقة تستكشف الكون، وأقمار صناعية جبارة تسجل الهمسة والسكنة فى فضاء هذا العالم، كل هذا لا يكفينا نحن المسلمين لكى نقتنع بأن الحسابات الرياضية والأجهزة الفلكية تتفوق دقتها على رؤية العين التى تخدع أحياناً وترى السرابَ حقيقةً، وأن أفضلية التقويم الميلادى على الهجرى ليست أفضلية دين على دين أبداً.
وعلى فكرة التقويم الشمسى فكرة مصرية فرعونية أساساً اقتبسها وطورها الرومان، أقول هذا حتى لا يخرج علينا سلفيو الهوى باتهام وصراخ تباً لكم تريدون تقويماً صليبياً يا كفرة!!! القضية ليست قضية تقويم هجرى أو هلال رمضان وانتظارنا للمفتى مساء أمام التليفزيون لإعلان النتيجة وكأننا ننتظر نتيجة القرعة، لكنها قضية احترام كلمة العلم، واحترام العقل، وعدم الخضوع للتفسيرات الحرفية للنصوص، وجعل الفكر رحباً ومرناً أمام تغيرات الدنيا وتطورات الكون، القضية ليست قضية نتيجة حائط هجرية دقيقة، لكنها قضية اتباع نظام وعدم عشوائية، فمن لا يعرف هل غداً رمضان أم لا، يتبرمج عقله على تفكير الصدفة والعشوائية وكراهية العلم، ذلك لأن العلم يحاول أن يفهم ظواهر الكون التى كان من قبل ظهوره يفسرها بقانون الصدفة أو يحيلها ويلصقها بقوى خارجية، بل يتعدى العلم محاولة فهم هذه الظواهر إلى محاولة التحكم فيها وتسييرها لصالح الإنسان، فقد كان يخاف من الرياح ويجعلها إلهاً، ثم عندما فهمها تحكم فيها واستفاد منها ولم يستسلم إليها، من يستطيع أن يحدد إجازته بعد شهر ويحجز تذكرته بناءً على الشهر الميلادى هو إنسان محدد التفكير، لكن من يقول لك أنا لا أستطيع حجز التذكرة، لأننى لا أعرف ميعاد العيد هو إنسان محدود التفكير، لن يستطيع الانطلاق إلى حدود الحلم وشواطئ التقدم، مواعيد طائرات وحجز فيزا وتذاكر مباريات ومسارح ومواعيد إجازات..إلى آخر كل هذه الأنشطة يعرفها المواطنون فى بلاد الدنيا قبلها بسنة وبالدقيقة والثانية، لكن يعرفها طبقاً لنتيجة الحائط المعتمدة على التقويم الجريجورى وليس التقويم الهجرى، البعض غاضب لأننا نحن المسلمين لا نستخدم التقويم الهجرى ويتهموننا بإهدار الهوية وفقدانها، ولكن أيها الغاضبون، قفوا مع أنفسكم لمجرد دقائق واعترفوا بأن تقويمكم الهجرى بهذه الطريقة العشوائية لا يمكن الاعتماد عليه فى أى نشاط اقتصادى أو اجتماعى أو إنسانى عادى، لا بد أن تسألوا أنفسكم هل هو تاريخ هجرى أم هجرة من التاريخ؟ عندما تقررون الهجرة من التاريخ والحضارة سيلفظكم التاريخ وتخاصمكم الحضارة.

أحفاد روكفلر يبيعون مقتنياته التاريخية الثمينة بقلم د. محمد أبوالغار ٢٩/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

ولد روكفلر مؤسس العائلة عام ١٨٣٩ وتوفى عام ١٩٣٧. وقد بدأ حياته فى التجارة وعمره ١٦ عاماً وأنشأ فى عمر العشرين شركة ستاندرد أويل العالمية الكبرى للتنقيب عن البترول، والتى انقسمت إلى ٣٤ شركة عالمية مثل أكسون أويل وشيفرون وغيرهما. وأصبحت العائلة أغنى عائلة فى الدنيا. وأنجب ثلاث بنات وولدا ثم أنجب الابن ستة أحفاد أصغرهم ديفيد روكفلر، الذى توفى عن ١٠٢ عاماً فى عام ٢٠١٧.
وأنشأت العائلة مجموعة كبيرة من الشركات والبنوك، وأهمها بنك تشيس مانهاتن وعدة شركات أموال وتأمين ضخمة. وساهمت بالتبرعات الضخمة فى مشروعات كبيرة منها مركز روكفلر وسط مانهاتن ومتحف الفن الحديث فى نيويورك والإمبير ستيت، أعلى ناطحة سحاب فى العالم لمدة طويلة، ومركز لنكولن للفنون وسط نيويورك ومركز التجارة العالمى فى نيويورك، وساهمت فى رعاية كبرى الجامعات الأمريكية هارفارد وبرنستون وستانفورد ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا وييل وبرون وتانت وكولومبيا وكورنيل، بالإضافة إلى العشرات من المراكز العلمية والفنية والمتحفية.
وتولى نلسن روكفلر، حفيد المؤسس، منصب حاكم ولاية نيويورك ونائب رئيس الولايات المتحدة وأخوه ديفيد أنشأ بنك تشيس مانهاتن، وهو واحد من أكبر بنوك العالم، وتولى وينثروب روكفلر حاكم ولاية أركانساس وجاى روكفلر، حاكم ولاية وست فيرجينيا. ولهذه العائلة التى يرجع تاريخها إلى ١٤٠ عاماً مبنى كبير يحتوى على أرشيف العائلة. وللعائلة تقاليد غريبة على المجتمع الأمريكى، فالميراث يتم ترتيبه فى حياة الأب، والبنات يرثون نصيبهم أموالاً فقط، أما البيزنس فللذكور، فهم إلى حد ما مثل الصعايدة فى مصر.
اهتمام العائلة بالفنون التشكيلية والموسيقى وكافة أنواع الفن تقليد قديم ومتأصل، ويكفى أن متحف الفن الحديث (لاماما) فى نيويورك ومركز لنكولن الثقافى، وهو واحد من أعظم المراكز للموسيقى والباليه والأوبرا وهو مقر نيويورك فيلهارمونيكاو المتروبوليتان أوبرا. كلها تمت برعاية ودعم العائلة.
دافيد روكفلر كانت له علاقة صداقة وثيقة مع الرئيس الأسبق أنور السادات وأنشأ فى مصر بنك تشيس ناشيونال، بالاشتراك بين بنك تشيس والأهلى المصرى الذى أصبح البنك التجارى الآن.
المقتنيات الفنية الخاصة للعائلة ضخمة ومتنوعة وتتميز بالجودة والذوق الرفيع، ومنها أشياء نادرة ولوحات لكبار الفنانين وتماثيل تاريخية، وكلها قطع تستحق العرض فى أكبر متاحف العالم.
بعد عمر تخطى ١٠٢ عام توفى منذ شهور دافيد، وفجأة أعلن بيت المزادات العالمى الأكبر كريستى عن مزاد كبير يستمر حوالى عشرة أيام لبيع جميع مقتنيات روكفلر، بداية من لوحات كبار الفنانين التأثيريين، ثم أهم فنانى القرنين التاسع عشر والعشرين ثم فازات نادرة وأطقم صينى عريقة ومتعلقات شخصية كعلبة سجائر فضية وأزرار قميص. وقارب إيراد المزاد حوالى ٩٠٠ مليون دولار.
كان الفكر السائد أن الورثة كانوا يتنظرون وفاة ديفيد ليرثوا أمواله ويبيعون التحف التى اقتناها، وكان السؤال لماذا لم يحولوها إلى متحف ولكن ظهور وصية ديفيد روكفلر أوضحت أن كل إيراد المزاد سوف يذهب إلى جامعة هارفارد فى بوسطون ومتحف الفن الحديث فى نيويورك. وبعض النشاطات الثقافية الأخرى.
تحية إلى الأثرياء الذين يخصصون جانباً من ثرواتهم لرعاية الفن والثقافة والنشاطات التنموية. بعض أغنياء مصر يهتمون بهذا الجانب ولكن الأغلبية لا تفكر فى ذلك.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

Monday, May 28, 2018

رحلة العائلة المقدسة.. عيدًا قوميًّا بقلم فاطمة ناعوت ٢٨/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


أولَ يونيو من كل عام، نتذكّرُ يومًا مهيبًا من تاريخ مصر الثرىّ، وقع قبل ألفى عام. فى ذاك اليوم، وصل السيدُ المسيح طفلاً، مع أمه مريم العذراء، عليهما السلام، إلى أرضنا الطيبة؛ يحتميان بها من بطش هيرودس ملك فلسطين.
فقط أرضُ مصرَ، من بين أراضى الله الشاسعات، اختارتها العائلةُ المقدسة ملجأً وسكنًا، فأحسنتْ أرضُنا الدافئةُ استقبال ذلك الوفد الكريم، وضمّت بين شغاف قلبها طفلاً قدسيًّا، لتحميه من قاتل الأطفال. وكبر الطفلُ ليغدو رسولَ السلام الذى «يجولُ يصنعُ خيرًا»، فطوّبه اللُه بالسلام: «وسلامٌ عليه يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا». كانت أرضُنا الطيبة لتلك العائلة ربوةً ذات قرار ومعين. جالت فيها سيدةُ الفضيلة فتفجّرتْ تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت بكل بقعة وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُنا بخصب لا يبور، وإن بارت بقاعُ الدنيا.
طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. هجروا فلسطين ودخلوا مصرَ من باب «رفح»، ثم «العريش». ومن سيناء الشريفة، دخلوا «تل بسطا» بالزقازيق. وظمأ الطفلُ ولم ينجدهم أحدٌ بشربة ماء، وبكت الأمُّ الصغيرةُ، فتفجّرت بئر ماء تحت قدمى الشجرة، وارتووا. واستأنفوا الرحلة إلى «مسطرد» ثم «بلبيس» ثم شمالا نحو «سمنّود» ثم غربًا نحو «البُرّلس» ثم «سخا»، ثم «وادى النطرون». بعدها دخلوا منطقة «المطرية» و«عين شمس». ثم ارتحلوا إلى «الفسطاط»/بابليون، بمصر القديمة فاختبأوا فى مغارة محلّها الآن كنيسة «أبوسرجة» الأثرية. بعدها دخلوا «المعادى»، ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهة فى قرية «البهنسا». ومن بعدها ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا نحو «سمالوط» ومنها عبرت النيل شرقًا حيث «جبل الطير» ودير السيدة العذراء. ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربه إلى حيث بلدة «الأشمونيين» التى شهدت معجزات عديدة للسيد المسيح. ثم ساروا جنوبًا نحو «ديروط» ثم «القوصية» ثم غربًا حيث قرية «مير». إلى أن دخلت العائلة الطيبة منطقة «دير المحرّق»، وهى أهم محطّات الرحلة المقدسة، حيث استقرّت بها الأسرةُ قرابة نصف عام، وتعدُّ تلك أقدم كنيسة فى التاريخ لأنها شهدت طفولة المسيح عليه السلام. بعدها كانت محطتّهم الأخيرة بمغارة فى «جبل درنكة» بأسيوط، لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين.
طوال تلك الرحلة الشاقة القاسية، كانت أرضُنا تذوبُ رحمةً تحت قدمى الفتاة التى اصطفاها الُله لتحملَ فى خِصرها الرسولَ المُطّوب؛ فكان وأمُّه آيةً. تفجرت عيونُ الماء فى الصحراء القواحل، ونبتت زهورٌ بين طيّات الصخور، وتساقط فوق كتفى البتول، من جافّ النخيل، رطبٌ شهىّ يسُرُّ الناظرين. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضَنا الكريمة التى استقبلت المُصطفاةَ، وبارك ابنُها شعبَنا الطيبَ قائلا: «مباركٌ شعبى مصر».
أُكررُ مناشدتى للدولة المصرية أن تجعل (أول يونيو) عيدًا قوميًّا رسميًّا وشعبيًّا، يحتفل فيه المصريون كافة، بذلك الحدث الاستثنائى. وأكرر طلبى الذى أنادى به منذ عام ٢٠٠٣، بأن تنظم وزارة السياحة رحلات رسمية للسياح وللمصريين يقطعون فيها محطّات تلك الرحلة. فيكون لها مردٌّ هائل على إنعاش السياحة، والأهم، انتعاش المعرفة التاريخية عن مصر العريقة فى عقول النشء الجديد. ولقاؤنا الجمعة القادم فى المتحف القبطى للاحتفال.

Sunday, May 27, 2018

خالد منتصرهل انتصرنا فى أكتوبر بحلم شيخ الأزهر؟ - جريدة الوطن - 27/5/2018

فى خطبة الشيخ أسامة الأزهرى يوم الجمعة الماضى أمام الرئيس وقادة القوات المسلحة، وفى ذكرى الاحتفال بانتصار العاشر من رمضان، الذى استعاد لنا كرامتنا بكسر أنف العدو الصهيونى، حكى الشيخ، ومع كامل احترامى وتقديرى له، حكاية تنتمى إلى عالم كرامات الأولياء الصالحين، وليس إلى عالم الواقع، الذى لم يعد يعترف إلا بالعلم، حكاية لا أستسيغها فى تلك المناسبة، التى كان العقل والتخطيط والعلم مفتاحها وحل شفرتها، وسبب انتصارها، وليس الرؤى والأحلام والكرامات والمعجزات، فقد حكى، ومرجعه كتاب د. محمود جامع «كيف عرفت السادات؟»، أن الشيخ عبدالحليم محمود رأى النبى فى المنام قبل حرب أكتوبر يبلغه بالانتصار، فذهب من فوره إلى «السادات»، وقال له لو كنت على استعداد فادخل الحرب على بركة الله، وحكى له الرؤيا وبشّره بالنصر!، وأنا أشك فى صحة هذا الكلام، وأربأ بالشيخ أسامة أن يُكرّره ويعيده على مسامعنا، أعرف أنه مجرد ناقل عن كتاب «محمود جامع» صديق «السادات»، لكننى أعرف أن دراسة الشيخ أسامة تُحتّم عليه التدقيق، لأن الحكاية ليست مجرد قصة عابرة، لكن لها دلالات تنصر الفكر اللاعقلانى وتقحمه فى مسائل وقرارات مصيرية، نود أن نزرع فى عقول شبابنا أنها جاءت بعلم اليقظة لا برؤى المنام، وهو يعرف جيداً أن كتاب الحواديت هذا الذى ألفه «جامع» لا يُعد مرجعاً يُعتد به وإلا فليأخذ الشيخ أسامة باقى ما فيه مرجعية أيضاً، وفيها ما يخجل ويدين «السادات» نفسه، مما هو بعيد عن المنطق والصدق، هل يستطيع الشيخ أسامة من فوق منبر الجامع فى الخطبة نفسها، أن يقص علينا قصة عمولات السلاح التى اعترف بها «السادات»، طبقاً لمذكرات صديقه محمود جامع؟!، هل يستطيع الشيخ أسامة حكى تلك التفاصيل التى لا تُقنع طفلاً عن موظف شركة المضارب الذى أتى إلى محمود جامع يوسّطه للقاء «السادات»، ليعرض عليه بيع أسلحة شرقية وغربية ووعده بأن عمولة «السادات» محفوظة!، وذهب تاجر الأسلحة إلى «السادات» بشنطتين أسلحة!!، تخيلوا أسلحة فى شنط وكأننا فى صفقة سلاح فى قضية ثأر فى الصعيد، لكن الدكتور جامع لم يُحدّد هل كانت شنط خضار أم هاندباج!!، أما رد فعل «السادات» فكان كوميدياً أثار ضحكى عند قراءة المذكرات، اندهش «السادات» الذى كان يجلس مع المشير أحمد إسماعيل قبل خروجه من الصالون، وقال «السادات» مسروراً «عرفوا إزاى أن إحنا عايزين السلاح ده بالذات!!»، تكبير، يعنى «السادات» حافظ السلاح اللى ناقصنا، وموظف شركة المضارب، وشنطة حمزة المعجزة جمعت كل الأسلحة السرية!!، إذا كنت يا شيخ أسامة مصدّقاً حلم الشيخ عبدالحليم محمود فى كتاب محمود جامع، فلتصدق إذاً تلك الحكاية الخرافية والاتهامات الجزافية لقائد الانتصار «السادات» الذى أشدت به فى خطبتك ومدحته، هل تقبل أن يكون مصدرك كتاباً يعترف بأن «السادات» يشترى سلاحاً فى شنطة من موظف شركة مضارب ويقبض عمولات؟!، أما خطر هذا التفكير اللاعقلانى فأترك الرد عليه للدكتور فؤاد زكريا، الذى نبّه إليه فى مقال وقتها من الممكن أن ترجع إليه، قائلاً: «كان من أكثر التعليلات التى شاعت بصدد الهزيمة أنها قد حلت بنا لأننا ابتعدنا عن طريق التقوى مفهومةً بمعنى ساذج. ولم يكن ذلك بالتعليل الذى يمكن اغتفاره لأسباب عديدة أهمها أنه يعمى عيون الناس عن العوامل الأساسية التى كان لا بد أن يفهموا أنها شاركت كلها فى صنع هذه الهزيمة: كمؤامرات الصهيونية المتعاونة مع الإمبريالية، وكالأخطاء التى ارتكبناها نحن أنفسنا قبل حرب عام 1967 وأثناءها، والتى كان ينبغى أن نعيها جيداً إذا شئنا أن نمحو أثر الهزيمة، وفضلاً عن ذلك فإن المنطق نفسه الذى كان ينطلق منه دعاة هذا التعليل يمكن أن يكون حجة عليهم لا لهم، لأننا إذا كنا قد ابتعدنا عن طريق التقوى، فإن عدونا كان، طوال تاريخه، أشد منا ابتعاداً عنه. فهذا العدو ذاته هو الذى شرّد شعباً كاملاً، وارتكب فى حقه أشد الفظائع والمظالم. فلماذا إذاً يكتب النصر لعدو كهذا، إذا كان مقياس النصر أو الهزيمة هو التقوى مفهومةً بهذا المعنى الساذج؟». ويقول أيضاً: «وكان واضحاً أن التدريب الشاق والحساب العلمى الدقيق والتوقيت الذكى والتضليل المخطط والمرسوم للعدو، وفوق ذلك كله حماسة الجندى المصرى وشجاعته، كل هذه كانت العوامل الرئيسية فى النجاح الباهر الذى أحرزناه فى العبور، وفى معارك الضفة الشرقية. ومع ذلك فقد عادت التعليلات اللاعقلية تطل برأسها من جديد، وكان ما يثير الإشفاق فى هذه التعليلات أنها تهيب بقوى غير منظورة قيل إنها حاربت معنا. ولم يدرك مردّدو هذه الأقاويل أن تصديقها معناه أن الذى انتزع النصر ليس هو الجندى المصرى الباسل بدمه وعرقه وشجاعته، ومعناه أن العلم والتخطيط والحساب الدقيق لم يكن له إلا دور ثانوى فى كل ما حدث. بل إن تصديق هذه الأقاويل يعنى ما هو أشد من ذلك وأخطر، إذ إن قائلها يفترض أن ما حدث كان معجزة، وأن الأمور لو تُركت لكى تسير فى مجراها الطبيعى لما أمكن أن يحدث ما حدث. ولست أستطيع أن أتصور فى ظروف التضحية الهائلة التى مر بها جيشنا جحوداً أشد من ذلك الذى ينطوى عليه هذا الافتراض الضمنى». ويضيف «زكريا»: «أعتقد أن تمسّكنا بالارتكاز على أرض العقل الراسخة يعطينا سلاحاً هائلاً فى معركتنا، فى حين أن عودتنا إلى ضباب اللامعقول وإلى التعليلات الخرافية والأسطورية تجعلنا نقف معنوياً على الأرض الهشة نفسها التى يقف عليها أعداؤنا».
يا شيخ أسامة، أعذرنى فى عدم تصديق هذه الرؤيا، وقولاً واحداً لم يكن يعرف ميعاد الحرب إلا القادة العسكريون الكبار حتى بيت «السادات» نفسه لم يطلع على هذا السر، ولم يكن الرئيس وقتها متفرغاً للقاءات لمناقشة رؤى وأحلام وكوابيس!!، فلنعد إلى العقل والعلم والتخطيط فهم طوق النجاة الوحيد، الانتصارات يا شيخنا الجليل لا تصنعها بركة الحلم، كما أن الجرح النازف لا تعالجه الرقية الشرعية.

Saturday, May 26, 2018

بونت ليست الصومال! بقلم وسيم السيسى ٢٦/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

ها هى إيناس الشافعى تلقى بقنبلة فى المياه الراكدة! إنها الآثارية التى تجيد الهيروغليفية قراءة وكتابة كما تجيد العربية والإيطالية.
بونت ليست الصومال، والنطق الصحيح لها بو- وين- ت، وهى قراءة أستاذها الجليل الدكتور عبدالعزيز صالح، وتكتب حروفها بالهيروغليفية الباء B- مربع بمعنى مقر، ثم «وين» وهى فعل الكينونة أى.. TO،BE، أما التاء فهى تاء التأنيث فى الهيروغليفية كما هى فى العربية، فيكون معنى الكلمة المكونة من مقطعين: مقر الوجود والرسم التفسيرى لهذه الكلمة ثلاثة جبال، والصومال ليس بها جبال ولكن الجبال فى الهضبة الإثيوبية! حيث بها بحيرة «تانا» المغذية لمصر بـ٨٠٪ من مياه النيل.
إذن هى بحيرة حتشبسوت التى سجلتها بعثتها إلى إثيوبيا وليست إلى الصومال.
هناك دليل آخر على أن بونت ليست الصومال، بل إثيوبيا، هذا الدليل من قائد الملك بسمتيك فى بونت، يرسل لمليكه رسالة تقول الأمطار غزيرة جداً على مرتفعات الجبال فى بونت! مما سبب فيضانا عالياً فى مصر، فهل هناك مرتفعات جبلية فى الصومال؟! وهل الفيضان يأتينا من الصومال أم من الحبشة؟!
تقول إيناس الشافعى إن حرف الباء المعطشة B نجده فى الهيروغليفية على هيئة مربع، وهى علامة تعنى «المقر» أو حجر الأساس، والمقطع الثانى «وين» على شكل أرنب وتترجم على أنها فعل الكينونة، إذن نحن أمام قراءة تقول: مقر الكون أو الوجود، ثم تأخذ هذه الكلمة مخصصا لغويا عبارة عن ثلاثة جبال، دلالة على معرفتهم بتضاريس الأرض فى هذه المنطقة، والتى تتفق مع تضاريس الحبشة وليست الصومال.
إن أسماء البلدان فى مصر القديمة ثنائية المقطع إلا فى القليل النادر مثل: من- نفر أى منف بر- حج أى سوهاج، ومن حور أى دمنهور، كذلك بووينت، لماذا تنطق ككلمة واحدة بونت؟!
الشىء الجميل أن عالم الآثار الدكتور عبدالعزيز صالح يقول إن الخبسيتو هم الأحباش.. ووضع بالقواميس المخصص اللغوى للحبشة: الجبال الثلاثة.
خلدت الملكة حتشبسوت كشفها هذا على معابدها! إنها بحيرة حتشبسوت وليست بحيرة تانا كما يسميها الغرب الذى سرق تاريخنا ونهب آثارنا.
آن الأوان لعلماء الآثار أن يؤيدوا أو يعارضوا هذا الرأى العلمى.
هذا البحث ألقته إيناس الشافعى فى الجمعية التاريخية، وكانت هناك بحوث أخرى مؤيدة لهذا الرأى، بقى على الجمعية الجغرافية أن تدلى برأيها فى هذا الموضوع.
أعيدوا كتابة التاريخ! إنها صرخة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، وقد استجابت لها باحثة الآثار إيناس الشافعى.

خالد منتصر - ماذا يحدث فى «حقوق عين شمس»؟ - جريدة الوطن - 26/5/2018

لم أكن لأصدق حتى قرأت بنفسى، واطلعت بعينى على هذا الكتاب، كتاب مقرّر على الدراسات العليا بكلية الحقوق عين شمس، بعنوان «الصراعات الإنسانية والسياسية فى الفكر الوضعى والديانات السماوية»، مؤلفه أستاذ القانون الدستورى د. ربيع أنور فتح الباب، الكتاب فيه صفحات عبارة عن انتقاد للمسيحية بشكل سافر ومتعمّد، عُدت إلى عدة تسجيلات قديمة لصاحب الكتاب، وجدته يدافع عن مجلس الإخوان الذى كان قد انحل وقت الإعلان الدستورى، حاولت لملمة الخيوط ومد الخط على استقامته، لأننى لم أجد قراءة موضوعية لفكر دينى أو تديّن، لكننى وجدت تحاملاً على دين بعينه بعبارات جارحة وهجوم قاسٍ، ولم أجد مبرراً أساساً لطرح هذه الموضوعات على طلبة حقوق، ملتزمين بالتعامل مع قانون وضعى، نصوصه واضحة، ارتضيناها دون فتح نقاشات مكرّرة قد حسمناها عن صلاحية هذا القانون الوضعى وتعارضه مع الدين، إلى آخر هذه القضايا التى يستغلها تيار الإسلام السياسى لتزييف وعى الناس، كيف سمحت جامعة عين شمس بكتاب يقول «رجال الدين المسيحى استغلوا مكانتهم فى ارتكاب المعاصى والآثام، لتحقيق أطماعهم ونزواتهم المادية والمزاجية والمعنوية»، والسؤال للأستاذ المحترم: هل ذُكر هذا الكلام عن بعض رجال الدين الإسلامى؟ وهل هو موافق على تحويل مدرج كلية الحقوق إلى نقاش إسلامى - مسيحى عن أفضلية هذا على ذاك؟!، هل توافق جامعة عين شمس على قول «د. ربيع»: «الإسلام لا يعرف الكسل والتراخى عن طلب الرزق، كما تعرفه المسيحية»، هل الحديث عن أن الرهبنة ستؤدى بالقساوسة إلى مخالفات وفضائح بسبب أمراضهم النفسية، هو موضوع مهم وجوهرى لطلبة كلية الحقوق الذين نغرس فيهم بذور الداعشية متعمّدين، ومن يكتب منهم عكس ذلك مخالفاً أستاذه فمصيره السقوط!، عندما يكتب الأستاذ عن نظرة المسيحية إلى المرأة بأنها أصل كل الشرور والفساد وسبب الشهوة والفتنة، لا بد أن نسأله: هل ذكرت بصراحة نظرة أديان أخرى إلى المرأة ما دمت تتحدث يا أستاذ القانون الدستورى عن الديانات السماوية؟!، ومال هذا الكلام بالقانون الدستورى؟!، وما رأى وزير التعليم العالى ورئيس جامعة عين شمس فى اتهام أستاذ القانون الدستورى للكنيسة بأنها تمارس المفاسد والمظالم والشعوذة حتى اليوم؟ ما علاقة هذه الاتهامات بالمادة التى يدرسها الأستاذ لطلبته المسلمين والمسيحيين أيضاً، أم أن الأستاذ يطرد المسيحيين من المدرّج؟!، وماذا عن كلامه عن أن الإسلام يشبع الشهوة الجنسية، والمسيحية لا تفعل مما يؤدى إلى العقد النفسية؟!، ووصفه للمسيحيين بأنهم لا يهمهم إلا المال الذى يجب الحصول عليه بأى وسيلة، ولو على حساب الآخرين، واعتبارهم أن كلام المسيح عن الزهد غير قابل للتطبيق!!، أنا مندهش من سماح جامعة عين شمس بمثل هذا الكتاب العنصرى الذى لا يمت إلى العلم بصلة، إنه للأسف كتاب داعشى بامتياز، والسؤال: هل الجامعة مؤسسة فى مجتمع مدنى أم خلية فى تنظيم طالبان؟.

Thursday, May 24, 2018

حذاء محمد صلاح بقلم زاهى حواس ٢٢/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

أعتقد أن ما فعله نيل سبنسر، أمين المصريات فى المتحف البريطانى، بوضع حذاء محمد صلاح للعرض داخل قاعة عرض الآثار المصرية لم يكن الهدف منه حب الشعب الإنجليزى لمحمد صلاح فحسب، بل لفت الأنظار والدعاية لقسم المصريات كى يشجع الشعب الإنجليزى على زيارة المتحف، نظرًا لعشقهم لمحمد صلاح والدعاية لشركة أديداس.
وهنا أود أن أناقش هذا الموضوع بعقلانية شديدة والبعد تمامًا عن العواطف فى هذا الأمر. وأود أيضًا أن أشير إلى أننى مثل كل المصريين فخور جدًا بمحمد صلاح الذى أصبح أيقونة مصرية عالمية. وأتابعه شخصيًا، وأعشق مبارياته مثل كل الناس فى العالم كله. وأقدر حبه لبلده مصر وما يقوم به من أعمال خيرية لبلدته وأهله بالإضافة إلى تواضعه وأدبه الشديد. وكنت أتمنى أن نضع حذاءه فى المكان المناسب له أى فى متحف رياضى أو فى أى مكان شعبى تقديرًا من العالم لهذا الشاب المصرى المعجزة.
وقد أعجبنى تصريح الفنان نبيل الحلفاوى على تويتر فى جريدة «المصرى اليوم» تعليقًا على هذا الحدث «ليس أثرًا من الآثار ليكون بينها ومكانه فى متحف رياضى أو فى قاعة لأساطير كرة القدم».
وأظنها احتفالية عابرة لن تستمر وحتى لو كانت فهى احتفاء رائع ولكن فى غير مكانه».
ومقالى هذا لا يقلل أبدًا من حجم محمد صلاح عندى وحبى له إطلاقًا، وإنما أنظر للأمر نظرة موضوعية وهى أن الآثار المصرية المعروضة فى المتحف البريطانى هى تاريخ وحضارة شعب عظيم يدل على إبداعهم فى كل فروع العلم والمعرفة ولا يعقل أن نضع حذاء لأى شخص مهما كان كى يعرض بين تماثيل وآثار الفراعنة العظيمة. ونعرف أن المعروض يمثل عبقرية مصرية حديثة للاعب مصرى عبقرى، ولا يوجد أى توافق بين هذا وذاك، ولا يوجد تجانس بين آثار تمثل فترة عظيمة من تاريخ مصر الفرعونية وبين رمز حديث بين هذه الآثار العظيمة.

وقد شاهدنا سبنسر البريطانى وهو يضع الحذاء أمام تمثال الملك رمسيس الثانى داخل قاعة الآثار المصرية. ووجدت أن الحذاء ليس مكانه أبدًا ضمن هذه الآثار العظيمة، ولا يمكن للزائر أن يربط بين الاثنين لأنه لا يوجد أى مقارنة بين الحاضر والماضى.

وأنا أعتقد أن اللاعب المتواضع البسيط محمد صلاح لن يرضى بذلك لأن شخصيته المتواضعة ترفض مثل هذا التكريم، بل فإنه يرفض العديد من التكريمات الأخرى، لذا رأيت أن من واجبى الأثرى أن أوضح رأيى العلمى فى هذا الموضوع بعيدًا عن العصبية أو تفسير رأيى بطريقة قد يفهمها البعض خطأً، لأن هذا الموضوع قد يدفع أحد المواطنين الإنجليز لطلب وضع حذاء لاعب إنجليزى آخر بجوار حذاء محمد صلاح. فهل وجدنا الأرجنتين تضع حذاء ميسى داخل متحف الآثار أو رونالدو بالبرتغال. وهل شاهدنا ساحر الكرة بيليه أو مارادونا توضع أحذيتهم داخل متاحف أثرية؟!!
وهنا يجب أن نسأل: هل من حق مدير المتحف البريطانى وأمين قسم المصريات أن يضعوا حذاء صلاح ضمن معروضات تاريخ وآثار الفراعنة؟!! الإجابة لا. وذلك لأن هذه الآثار تخص الشعب المصرى فقط وليس معنى وجود هذه الآثار بالمتحف البريطانى أنها ملك لهم، بالعكس هى ملك لمصر، وواجبنا أن نعترض إذا ما حدثت أى إهانة لهذه الآثار. وقد سبق أن منعنا مدير متحف برلين من وضع رأس نفرتيتى على تمثال يمثل الجزء السفلى لامرأة.
ومحمد صلاح دخل قلوب العالم كله والمصريين بالذات، وأنا منهم، وأتمنى أن يكون تكريمه ووضع تمثال له داخل متاحف رياضية. ولكن هذا التكريم ليس فى محله ولا فى مكانه ويمثل تعديًا وإهانة للحضارة الفرعونية ليس بسبب وجود العظيم محمد صلاح، ولكن بسبب وجود حذاء أيًا كان ضمن هذه المعروضات. وقد سعدت جدًا بقيام النائب البرلمانى عبدالحميد كمال بتقديم طلب إحاطة للوزراء المعنيين لوقف هذه المهزلة.
وفى النهاية، أرجو أن تقوم اللجنة الدائمة للآثار المصرية فى وزارة الآثار المصرية بمخاطبة المتحف البريطانى لإزالة الحذاء من أمام التمثال، وإذا لم يمتثلوا يجب علينا وقف جميع أعمال المتحف البريطانى بمصر وآثاره.


خالد منتصر - مافيا الأعشاب وراء شائعات «السوفالدى» - جريدة الوطن - 24/5/2018

عندما ظهر دواء السوفالدى المعالج لفيروس «سى» ومن بعده سلسلة الأدوية الحديثة التى تدمر الفيروس وتشله فى مناطق مختلفة، كانت ثورة طبية بكل معنى الكلمة، لكنها فى نفس الوقت كانت كارثة على نصابى الأعشاب وتجار الوهم الذين كسبوا المليارات نتيجة حيرة المرضى الغلابة وقد تسبب السوفالدى فى بوار تجارتهم، وكارثة أيضاً على قلة من الأطباء مرضى النفوس ضعاف العلم ممن لا يهمهم القضاء على المرض بقدر ازدحام عياداتهم مهما كان الثمن، وقد حرمهم «السوفالدى» من هذا الرصيد، حدث رد فعل مضاد وانتشرت شائعات أن تلك الأدوية تسبب السرطان!، ولذلك كان لا بد من الرد، فاتجهت بالسؤال للطبيب النابه والمرجع الأمين والمطلع دائماً على آخر أبحاث الكبد فى العالم د. هشام الخياط، الأستاذ بمعهد تيودور بلهارس، وكان هذا هو الرد وتلك هى الإجابة القاطعة المانعة:
ثبت بالدليل القاطع وبالدراسات الإكلينيكية أن مرضى فيروس «سى» الذين تناولوا الأدوية الحديثة من سوفالدى مع أدوية أخرى.. تقل فيهم نسبة الإصابة بسرطان الكبد بصورة ملحوظة عن المرضى الذين لم يتناولوا الأدوية الحديثة.. وهذه الدراسات الإكلينيكية قد تم نشرها حديثاً من الكثير من المراكز الطبية العالمية سواء فى أمريكا أو أوروبا أو شرق آسيا أو مصر.. وقد ثبت أن جميع مرضى فيروس «سى» الذين تم شفاؤهم مؤخراً بالأدوية الحديثة التى يكون السوفوسبفير أو السوفالدى العمود الفقرى فى أغلب البروتوكولات ثبت فى كل الدراسات الإكلينيكة المستقبلية التى تم نشرها فى 2018 و2017 أن نسب سرطان الكبد قد تراجعت فى هؤلاء المرضى بنسب إحصائية ملحوظة ولافتة للعلماء.. وخاصة فى مرضى التليف الكبدى.. الذين يعانون من نسب إصابة تصل إلى 3.5% قبل علاجهم وتنخفض النسبة إلى أقل من 2% بعد شفائهم من فيروس «سى» بالعقاقير الحديثة التى تحتوى فى أغلب بروتوكولاتها على السوفوسبفير أو السوفالدى.
وحتى فى مرضى التليف المصابين بسرطان الكبد الذين تم علاجهم بالتردد الحرارى أو الميكروويف أو الحقن الشريانى ثبت أن علاجهم من فيروس «سى» بالأدوية الحديثة بعد شفائهم النسبى من أورام الكبد ثبت أن نسب ارتداد الأورام فى أكبادهم أقل من الذين لم يتم علاجهم بالبروتوكولات الحديثة، وهذه أحدث دراسة تم نشرها فى مجلة الكبد العالمية، وهى أعلى مجلة يتم فيها نشر أبحاث الكبد فى العالم، وتمت هذه الدراسة على 149 مريضاً من أكثر من مركز فى أمريكا يعانون من تليف كبدى وتم شفاؤهم نسبياً من أورام الكبد باستخدام طرق العلاج الحديثة وتم علاجهم ببروتوكولات العلاج الحديثة التى يدخل فيها السوفالدى كدواء أساسى فى البروتوكول، وأثبتت أن نسب ارتداد الأورام فى هؤلاء المرضى الذين تم شفاؤهم من فيروس «سى» أقل من المرضى الذين لم يتناولوا العقاقير الحديثة ولم يتم شفاؤهم من فيروس «سى».
ولذا فإن الدراسات الإكلينيكية التى تم نشرها مؤخراً فى أهم الدوريات العلمية أثبتت أن أدوية وبروتوكولات فيروس «سى» الحديثة المحتوية على السوفالدى تقلل من نسب الإصابة بسرطان الكبد فى هؤلاء المرضى وخاصة المرضى الذين يعانون من التليف الكبدى.

Wednesday, May 23, 2018

الزيادة السكانية والتنمية.. أيُّهما أولًا؟! بقلم د. نادر نور الدين ٢٣/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

لأن مصر تعيش على ٧% فقط من مساحة أراضيها أى ٧٠ ألف كيلومتر مربع فقط، بالإضافة إلى كونها دولة محدودة الموارد المائية وقليلة المياه الجوفية والأمطار وكذا التربة الزراعية، فإن الزيادة السكانية تمثل عبئا كبيرا على التنمية فى مصر. الفقر أيضا له ارتباط وثيق بالزيادة السكانية، وتصبح جهود الحد من زيادته طبقا لمبادئ الألفية الأممية الجديدة بالقضاء على الجوع والحد من الفقر عبئا على الدولة فى جميع المجالات. فالارتباط وثيق بين الفقر وتدهور التربة الزراعية وتراجع إنتاجيتها خاصة فى الملكيات الصغيرة والمزارع الأسرية بسبب استنزاف مغذيات التربة بالزراعات المتتالية والكثيفة دون تعويض التربة بالمغذيات والمخصبات اللازمة لتعويض ما امتصته المحاصيل المتتالية بسبب الفقر وعدم القدرة على شراء الأسمدة الكيميائية أو العضوية أو المركبة، على الرغم من كون الفقراء هم الأحوج للتربة الزراعية الخصبة والمستقرة لسد رمقهم ومتطلبات حياتهم إلا أنهم ينهلون ويستنزفون خيرها دون أن يعطوها حقها ولكن دون تعمد التقصير.
وبالمثل أيضا فالمنطق يقول إن الفقراء ينبغى أن يكونوا هم الأقل فى الإنجاب إلا أن الواقع يشير إلى أن الفقراء هم الأكثر إنجابا وأن الزيادة السكانية فى الريف تصل إلى ضعف مثيلاتها فى المدن والحضر، لأن الفقراء يسكنون الريف وربما يسكنون الريف لأنهم فقراء. هذا الأمر لا يعنى أبدا توجيه اللوم للفقراء أو تحميلهم مسؤولية نتاج فقرهم، لأن أمثالى جابوا كل المحافظات والقرى وعملوا فى جميع مشروعات استصلاح الأراضى فى الأراضى الصحراوية وجلسوا وتحدثا وناقشوا المزارعين فى القرى وتعرفوا على أمور غافلة عن صناع القرار أو كما يطلقون عليهم «بهوات مصر». قال لى أحد الفلاحين المخضرمين أنتم لا تفهمون ولا تفكرون ولا تريدون أن تفهموا يا بهوات لأنكم بعيدون عن أهل الريف فى بحرى أو فى الصعيد، وليس من الفقراء أمثالنا من يشارك فى صنع القرار أو يكون من الوزراء أو كبار المسؤولين لأن أولاد أمثالنا يرثون الفقر والفلاحة ويعايرون بفقر أسرهم وكأننا اخترنا الفقر بإرادتنا أو اخترنا السكن فى الريف لنعيش فى الهم والمعايرة وتحميلنا أسباب كل نكبات البلد. أمثالنا لا يمكن أن ينجب أقل من أربعة أو خمسة أبناء وهذا الإنجاب ليس عزوة كما يظن البهوات، لأن مُنى عيوننا أن يفارقنا ابننا إلى الخارج ولو كان الأمر عزوة ما حلمنا بأن يفارقونا. الأمر كلة يرتبط بعملنا فى الفلاحة التى تطحننا بالفقر فلو لم يكن عندى مثل هذا العدد من الأبناء لخسرت من مهنة الزراعة ولأقلعت عن الزراعة منذ زمن بعيد ولبارت كل أراضى الدلتا والوادى، فأمثالنا غير قادرين على دفع أجرة عمالة تعمل فى أراضينا الصغيرة ولكننا نعتمد على الأبناء ليعملوا معنا مجانا وبدون مقابل، ولو حسبنا أجورهم فى تكاليف الزراعة لكانت خسائرنا متتالية وفادحة. الأمر الثانى أن هؤلاء الأبناء وفى أوقات عدم وجود عمل فى أرض الأسرة يمثلون رأس مال متحركا للأسر الفقيرة لأنهم يذهبون للعمل فى أراضى الغير ويأتون بيوميات مالية تساعد الأسرة على المعايش، فأمثالنا ليس لهم دنيا مثل الأثرياء ولكن لنا الآخرة فقط وحتى هذه أيضا غير مضمونة لأن الأثرياء أكثر فعلا للخير من أمثالنا، وبالتالى فإن الفقر قدر نعيشه ربما دنيا وآخرة. أمثالنا من الفقراء نتلقى الاتهامات يوميا بأننا سبب خراب البلد بسبب كثرة الإنجاب وزيادة الدعم مع أننا نكاد لا نكلف الدولة شيئا فأغلب أبنائنا يتركون المدارس مبكرا بسبب عدم قدرتنا على تحمل مصاريفها القليلة ولحاجتنا لعمل أولادنا معنا أو مع غيرنا. ولو كان أصحاب القرار يهتمون بالتنمية وإنشاء المصانع وجعل الزراعة مهنة رابحة لتركنا أولادنا للتعليم وأصبحنا قادرين على استئجار العمالة من أرباح الزراعة، أو لجهزنا الأبناء للعمل فى المصانع التى نتوسع فيها كل يوم ليستقلوا بحياتهم وليخرجوا ولو نسبيا من دائرة الفقر. هل يعلم المسؤولون من بهوات مصر أن أبناءنا فى المدارس الحكومية لابد أن يذهبوا بكامل عددهم ليلا ويوميا إلى أساتذة المدرسة لأخذ الدروس الإجبارية ويا ويل من يتخلف حتى ولو كانت بمقابل زهيد ولكنها ليست فى قدرتنا، فيجنون على أبنائنا بسبب فقر أسرهم لأن البديل هو إخراجهم من المدرسة توفيرا لمصاريفها. المستشفيات فى الريف حدث ولا حرج والأغلبية يفضلون الموت فى بيوتهم عن الذهاب إلى المستشفيات التى لم تعد قادرة على استقبال أعداد المرضى كما أنه ليس لدى الدولة أموال لبناء مستشفيات مجانية جديدة وأمثالنا لا يعرفون العلاج الخاص. اذهب إلى أى قرية واسأل عن المساكن الشعبية التى تبنيها الحكومات المتعاقبة لأمثالنا كما تبنيها لأهل المدن الكبرى ولن تجد!! فيكون الحل أن يقتطع الفلاح من لحمه نصف قيراط (٩٠ مترا) أو قيراطا (١٧٥ مترا) من أرضه ليبنى عليه بيتا ليستر أولاده، ولكن حتى هذا أصبح محرما علينا فلا هم يرحمون ولا يتركون رحمة ربنا. فالمخالفات تصبح بالآلاف وتحضر الهراسات واللوادر للإزالة والجرسة للفقراء فقط دون أن يفكر أحد فى توفير سكن بديل أولا للأسر التى سيزال بيتها الفقير كما يفعلون مع أهل البندر والحضر. هل تعلم يا حضرة البيه أننى إذا بنيت بيتا على قيراط واحد من الأرض ليكون على ثلاثة أدوار فى كل دور شقة صغيرة لا تزيد على ٩٠ مترا مستقطع منها المناور والسلم فيسكن أبنائى الأربعة على دورين فى أربع شقق ويتبقى شقتان نؤجرهما، فهل تعلم كم تعطينا من عائد؟!، ليس أقل من ٧٠٠ جنيه شهريا بمعدل ٣٥٠ جنيها للشقة الواحدة بإجمالى ٨٤٠٠ جنيه فى السنة، فهل هناك قيراط ولا حتى فدان فى الزراعة يعطى عائدا خالصا سنويا بهذه الآلاف من الجنيهات، وهل حسبت الحكومة هذه الحسبة كما نحسبها أم أنها تمارس السلطة فقط والقرارات الصعيبة؟!، هل طورت الحكومة طرق زراعاتنا وأبدعت فى توفير التقاوى عالية الإنتاجية ليزيد دخلنا من الزراعة فنحافظ على الأرض لأنها أصبحت رأس مالنا وسبب عيشتنا المستورة والمجزية؟!، هل حمتنا من التجار الذين يربحون ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه الفلاح من زراعته كربح صاف دون مشقة ولا زراعة ولا رى ولا رش ولا تسميد ولا ضم محصول ولا سولار ولا إيجار جرار أو درّاسة؟!. هل تعلم أن الأبناء من البنين هم المسؤولون فى الريف عن تجهيز مستلزمات زواج أخواتهم البنات وليس الأب؟! هل ترى كم المسؤولية الملقاة على شاب دون العشرين من عمره عندما يصبح أخا وآبا دون إرادته وهو مازال عودا أخضر بينما فى المدن وعند الأثرياء يجهز الأب البنين مثلما يجهز البنات!.
الدولة تظن أن الفقراء ينبغى أن يقللوا الإنجاب حتى تستطيع تدبير تكاليف التنمية، والفقراء يرون أن التنمية للحد من الفقر هى السبيل الوحيد لتقليل الإنجاب حيث لا حاجة إلى كثرة الأبناء ولكن الحاجة ستكون للحرص على تعليمهم بمستوى جيد بعد أن تصبح الزراعة مهنة رابحة، ووقتها يفخر كل منا بابنه المهندس والطبيب والعالم ولا نتوارث الفقر، فأبناء الفقراء سيكررون سلوك الآباء ولا مجال للخروج من الفقر وعيشة الكفاف إلا بالتنمية أولا فالأغنياء والمستورون لا ينجبون الكثير من الأبناء. نريد أن نرى المصانع بالالاف التى تظهر كل يوم وتستوعب أبناءنا ونريد التصنيع الزراعى والتصدير الذى يستوعب إنتاجنا بسعر مجز، ونريد تعاونيات من الشرفاء وليس ممن يتخذونها سبيلا للخروج السريع من الفقر وعلى حساب الفقراء فللأسف فى الريف الفقراء يسرقون الفقراء. نريد رخاء نشعر به ونريد شوارع فى القرى ووحدات صحية فاعلة وليست اسما فقط، ونريد ساحات رياضية وشققا سكنية.. بالمفيد يا سيدنا الأفندى نريد أن نشعر أن هناك من يهتم بالفلاح وبالريف وبالقرى وليس من يكيل لهم الاتهامات ولا التوبيخ ولا يمارس عليهم السلطة، فدخلنا من الزراعة لا يتجاوز ٥٠٠ جنيه شهريا للفدان فماذا نفعل بها لولا عمل أولادنا واستغلالنا لهم بسبب الفقر، ولولا مواشينا ودواجننا بجهودنا الذاتية لكان الحال أشد قسوة. الطفل يا سيدنا الأفندى فى الريف والصعيد فى عمر عشر سنوات هو فى حقيقة الأمر رجل فى الخمسين من عمره، من كثرة ما عاشة من شقاء وحمل الهموم فلا طفولة لأبنائنا، وفى النهاية نحن المحقوقون بسبب كثرة الإنجاب وكأن هناك خيارا آخر!.
التنمية والزيادة السكانية ستظلان تلقيان التبعية على بعضهما البعض وكل منهما يعتقد أن الآخر هو سبب البلاء، فلو كانت هناك تنمية ما كان هناك فقراء معدمون، ولو كان هناك قلة فى الإنجاب لكانت هناك تنمية، والأمر يحتاج إلى فض اشتباك عاجل بتحقيق التنمية أولا والحد من الفقر فى الريف والنظر إلى أهل الريف بإنسانية وتقدير حقهم فى الحياة. والمنظمات العالمية تدعم التنمية الريفية كما تدعم ما تحتاجه من زراعة حديثة وزراعة ذكية ولا بد من التحرك بفهم.


Tuesday, May 22, 2018

حديث مع سائق تاكسى مغربى بقلم د. محمد أبوالغار ٢٢/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

ذهبت إلى مدينة الدار البيضاء فى المغرب بدعوة من الجمعية المغربية للخصوبة لإلقاء محاضرتين. المؤتمر كان ناجحاً ولكن به المشكلة الأزلية لدول شمال أفريقيا المتحدثة بالفرنسية، فالمحاضرات تلقى بالفرنسية ومعظم المتحدثين يتم دعوتهم من فرنسا وبلجيكا ومقاطعة كيوبيك بكندا، وبالتالى لسنوات طويلة كانت الدول الثلاث المغرب والجزائر وتونس معزولة عن المؤتمرات العلمية الطبية لبقية دول الشرق الأوسط، التى تتعامل بالإنجليزية ومعزولة أيضاً عن بقية أوروبا وأمريكا الشمالية.
حدث تطور فى السنوات القليلة الأخيرة بدعوة أساتذة يلقون المحاضرات بالإنجليزية مع إدخال ترجمة فورية.
المؤتمر كان ناجحاً من الناحية العلمية وأضاف إليه أن المغاربة يحبون الغناء والموسيقى والرقص وكان الفن المصرى الكلاسيكى، أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وعبدالمطلب مسيطراً. والدار البيضاء مدينة تجارية على المحيط الأطلسى وتبعد أكثر من خمس ساعات بالطائرة من القاهرة، وهناك فى المغرب مدن قديمة بها حضارة وقد شاهدتها فى زيارات سابقة وأهمها مراكش وفاس ومكناس وطنجة وكل منها له طبيعة خاصة وتاريخ طويل وتستحق الزيارة جميعاً.
الشعب المغربى معظمه يدين بالإسلام، وكان هناك عدد كبير من اليهود المغربيين الذين هاجر معظمهم إلى إسرائيل وكونوا كتلة هامة من اليهود الشرقيين فى إسرائيل. تاريخياً لم يكن هناك مسيحيون فى المغرب باستثناء الفرنسيين الأوروبيين، وحديثاً أنشئت كنيسة للأفارقة من الدول الأفريقية المتاخمة للمغرب.
نأتى إلى الجزء الطريف لنكتشف الدرجة الكبيرة من التشابه بين رجل الشارع المصرى والمغربى الذى يلعب الدين دوراً فى تفكيرهم، ولكن عندهم أيضاً حب للحياة والمرح. ركبت تاكسى بعد محاولات، لأنهم يسألونك رايح فين. كان الراديو مفتوحاً على إذاعة للقرآن، فسألت السائق من هو المقرئ، فقال اسمه وقال إنه يقرأ بالطريقة المصرية. ثم بدأ يتحدث معى فجأة عن الشيخ كشك الذى كنت أعرف أنه كان شيخاً متشدداً له شعبية كبيرة، واكتشفت أن السائق يحفظ عن ظهر قلب بعض أجزاء من خطب كشك وبالذات التى يهاجم فيها الملك الراحل الحسن الثانى والقذافى وغيرهما. وقلت لنفسى هذا سائق متطرف، وسألته ألا تسمعون الموسيقى فى المغرب، فقام بتغيير المحطة إلى أغنية لأم كلثوم ويدأ يغنى ويتحدث باستفاضة عن عبدالوهاب وعبدالحليم، فانفرجت أساريرى وفجأة قال هل يمكن أن أدخن سيجارة فقلت له الشيخ كشك يقول هذا حرام وضحك وبدأ فى التدخين.
التاكسى قديم ومتهالك ربما عمره أكثر من ٤٠ عاماً ويتوقف التاكسى عندما يشير أحد ويسأله عن طريقه، وبذا يركب أكثر من راكب، وذلك كان يحدث فى مصر أيام أزمة التاكسيات. طبعاً يوجد عداد ولكنه لا يعمل، يعنى هناك تشابه كبير. أكثر حاجة أذهلتنى حين ركبت فتاة لمسافة وسألته عن المبلغ المطلوب فقال ٢٠ دينارا، أعطته ورقة بمائتى دينار ولم يكن معه فكة، فقالت سوف أفك من هذا الدكان، ولكنه فتح الشباك، وقال لبائع متجول للفاكهة أعطنى ٢٠ ديناراً فأعطاه البائع المبلغ، فقال السائق له خذها من الآنسة وانطلق بالتاكسى والبائع يصرخ، فسألته هل تعرف هذا البائع، فقال لا ولكن الفتاة سوف تدفع له المبلغ. قلت لنفسى إنه صايع كبير، وأخيراً دفعت له خمسة يورو بعد أن سألته عن سعر التحويل حتى أوفر الوقت ولا أتعرض لدفع الأجرة عند بائع متجول آخر.
حقيقى هناك شبه كبير بين شعبنا وشعب المغرب، وهم أيضاً عندهم فروق شاسعة بين الطبقات اقتصادياً وثقافياً، وعندهم مشاكل سكانية وإخوان وكل حاجة!.
سلامى إلى هذا السائق الذى سعدت بصحبته وعرفت منه الكثير عن المغرب، وتحية إلى د. عمر سفروى، رئيس المؤتمر المغربى.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

خالد منتصر - تسعون عاماً على «نهضة مصر» - جريدة الوطن - 22/5/2018

قصة نحت تمثال «نهضة مصر» والاكتتاب له وتغلُّب المثّال العظيم محمود مختار على كل العقبات بإرادته التى تشبه الجرانيت فى صلابتها، ذكّرنا بها د. عماد أبوغازى فى ذكرى مرور تسعين سنة على إزاحة الستار عن التمثال فى 20 مايو 1928، وأهمية كلام د. عماد أنه يجمع بين الذوق الفنى الرفيع لأكاديمى متميز ووزير ثقافة سابق، وبين أنه واحد من أفراد عائلة مختار وابن لمن خلّد «مختار» بتوثيقه لرحلته الفنية وهو د. بدر الدين أبوغازى، كتب د. عماد على حسابه مقالاً مطولاً بالعامية التى منحت حديثه دفئاً وبساطة، ولذلك تركتها كما هى، وإليكم هذا الاقتباس بما تسمح به المساحة:
مرت 8 سنين بين عرض مختار تمثاله للمرة الأولى فى باريس فى مايو سنة 1920 وإزاحة الستار عنه فى 20 مايو سنة 1928، 8 سنين مليانين معارك طويلة مع البيروقراطية اللى أعاقت العمل فى التمثال، ومعارك مع الساسة المؤيدين لاستبداد الملك فؤاد، لأن تمثال النهضة كان تعبيراً عن ثورة الشعب، وكان فى الوقت نفسه ثورة فى القيم الفنية.
مصر عرفت تماثيل الميادين والجناين من أيام الخديوى إسماعيل، لكن كلها كانت بإيدين نحاتين أوروبيين، وكانت تماثيل لأسرة محمد على وكبار رجال دولتهم، أو تماثيل الأسود الأربعة اللى زيّنت كوبرى قصر النيل، فكان تمثال النهضة أول تمثال ميدان ينحته مصرى فى العصر الحديث، يرمز به لثورة الشعب، ويختار الفلاحة المصرية علشان تكون رمز النهضة، وكان الاختيار ده فى حد ذاته ثورة على قيم الدولة المصرية الحديثة اللى أسسها محمد على، وانتزاع لجزء مهم من الفراغ العام لصالح الشعب، وكان اختيار ميدان باب الحديد، اللى يُعتبر مدخل القاهرة الرئيسى للى جايين من الوجه البحرى أو الوجه القبلى، تحدى للسلطة. وإذا كان رفض تجسيد الفلاحة للنهضة فضل فى نفوس الملك والموالين له ما بيعلنهوش بوضوح، لكن محاولة إبعاد التمثال عن مكانه المختار تكررت أكتر من مرة، لكن توازن القوى كان فى صالح مختار وتمثاله، وانتهى الأمر برضوخ الملك فؤاد وتحديد ميعاد لإزاحة الستار عن التمثال أثناء تولى مصطفى النحاس رئاسة الحكومة الائتلافية بين الوفد والأحرار الدستوريين، ولما اتغيرت موازين القوة بعد 1952 تم نقل التمثال من مكانه الأصلى للمكان الحالى وحطوا مكانه تمثال رمسيس.
التمثال كان فيه مجموعة من الإشارات والدلالات المهمة، مختار اختار الفلاحة رمز للثورة اللى اعتبرها نهضة أو بعث لروح الشعب، واستخدام المرأة رمز لثورات الشعوب أمر متكرر، لكن الرمزية دى لها دلالتها اللى بترتبط بالانتقال للعصر الحديث بثوراته وقيمه اللى بتكون نتيجة لصعود الطبقات الوسطى فى المجتمع.
وفيه 3 عناصر مهمة فى حركة الفلاحة، أولها حركة الإيد الشمال اللى بتقوم فيها الفلاحة بإزاحة الطرحة عن وشها، ورغم إن الفلاحة المصرية ما كانتش بتحجب وشها، لكن ممكن نربط ده بالتحول فى ستات الطبقات العليا فى المجتمع اللى تخلصوا من اليشمك فى سياق المشاركة فى الحراك الثورى. وثانيها نظرة الفلاحة المتطلعة للمستقبل. وثالثها حركة الإيد اليمين اللى تبدو كما لو كانت تستنهض «أبوالهول» اللى بيرمز للماضى البعيد.
«مختار» لجأ لفكرة رمزية مشابهة للفكرة اللى استخدمها «سافان» فى تمثال مصطفى كامل، لما خلى مصطفى كامل مسنود على راس تمثال مصرى قديم، لكن مختار طوّر الرمز فى تمثال النهضة لما اختار «أبوالهول» بدلالاته، وصوّره فى حالة توثُّب للنهوض بفعل حركة الفلاحة اللى بتحفّزه للقيام من الرقاد، هنا الثورة بتستدعى الماضى اللى عرفت فيه مصر حضارة كبيرة كان المصريين من فترة قبلها بدأوا يتعرفوا عليها مع فكّ رموز الهيروغليفية وتوالى الكشوف الأثرية وإنشاء أول متحف للآثار فى سنة 1835، وكأن المصريين فى أواخر القرن التسعتاشر وبدايات القرن العشرين بيعيدوا صياغة هويتهم، وكان تمثال نهضة مصر لمختار انعكاس للهوية الجديدة اللى بتتشكل، وفى الوقت نفسه كان واحد من أدوات تشكيلها.

Monday, May 21, 2018

وحيد حامد يكتب: لـ«المصري اليوم»: كلنا لصوص..!! ٢١/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

أربعة مليارات جنيه هى جملة ما يدفعه أهل مصر الكرام فى شهر رمضان على سبيل الصدقة والتبرع والزكاة. قد يزيد هذا المبلغ قليلاً أو ينقص قليلاً، إلا أنه أولاً وأخيراً مبلغ ضخم وفريسة سمينة تتصارع فوقها وحولها كل الكواسر والضوارى.. أسود ونمور وذئاب وثعالب وحتى الصقور والغربان. هى سبب القتال الشرس بين كل هؤلاء والذى نراه على جميع القنوات المصرية بواسطة الهجمة التترية لإعلانات الجمعيات الخيرية والمؤسسات والهيئات التى تتصارع وتتقاتل بالإعلان من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من هذا المبلغ أو هذه «التورتة». ولا أظن أن هناك من يعترض على فعل الخير الموجود أصلاً فى خلايا كل المصريين، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، فنحن شعب طيب يملك ثقافة دينية وإنسانية تجعله فعالاً للخير بالفطرة، إلا أن الوحوش الضارية التى تتصارع على لحم الفريسة قتلت بغبائها وجشعها ونهمها المواطن المستهدف من هذه الإعلانات المشبعة بالقسوة والمبالغة والتكرار الممل، الأمر الذى أفسد على الناس حياتهم فى الشهر الكريم وغير الشهر الكريم، فلو صدقنا هذه الإعلانات الكاذبة التى تطارد أهل مصر فسيكون هذا البلد «خرابة» لا دولة، وأن كل أهله ما بين مريض بالسرطان سواء كبيراً أو صغيراً، وكأن هذا البلاء يحتل مصر دون غيرها، ومن بعده تتوالى جميع الأمراض الأخرى.. وحسب الإعلانات الفجة التى تطارد المواطن فإن أهل مصر فريق منهم مريض، وفريق لا يجد قوت يومه، وفريق يعيش فى العراء.. وللأسف الشديد فإن صعيد مصر تتم المتاجرة بمشاكله من خلال هذه الإعلانات المقززة والمنفرة.
وللأسف الشديد أيضاً أن هذه الجمعيات والمستشفيات تحصد أموال الخير ولا أحد يعرف كيف تنفق هذه الأموال.. وأنا شخصياً أعرف البعض منهم ترك عمله الأصلى وأغلق شركاته وتفرغ تماماً لجمع مال التبرعات.. وأعرف رجل «السرطان» المتواجد دائماً فى أرقى مطاعم وبارات الفنادق، فقد تحول الأمر من فعل للخير إلى تجارة «بزنس»، وعليه كثرت الأسود والنمور والثعالب..!!، والمحزن حقاً أن جهات رسمية فى الدولة المصرية دخلت فى هذا المجال المشبوه، وأخص تحيا مصر ومؤسسة الأزهر الشريف.. الكيانات الكبيرة والمحترمة لا تفعل ما يفعله الذين يتاجرون بآلام الناس دون أن يكون لديهم ذرة من ضمير.. صحيح عندنا فقر ومرض وعرى.. لكن عندنا جهل بقيمة الوطن.. ورحم الله إحسان عبدالقدوس صاحب.. «يا عزيزى كلنا لصوص».

السؤال أم الإجابة؟ بقلم فاطمة ناعوت ٢١/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

كثيرًا ما علّق قراءٌ على مقالاتى التى تحوى أسئلةً دون إجابات، قائلين: «وأين الإجابةُ؟»، وهنا، أودُّ أن أطرح على السائلين عدة أسئلة:
- هل السؤال أهمُّ، أم الإجابة؟ وأيهما أسبق؟
- هل هناك أسئلةٌ تحمل الإجابة فى طيّاتها؟
- هل هناك إجاباتٌ لكلّ الأسئلة التى دارت وتدورُ فى عقل الإنسان، منذ بَدء الخليقة، وحتى اليوم، لكيلا أقول حتى نهاية الحياة فوق الأرض؟
- ما الذى يُقرّبُنا أكثر من مُشارفة «الحقيقة»: السؤالُ أم الإجابة؟
- هل نسألُ دائمًا، طمعًا فى الحصول على إجابات؟ أم أحيانًا نسألُ ونحن نعلم أن الإجابةَ غيرُ معلومة حتى لحظة السؤال، أو حتى غير مطلوبة؟
- هل يحدثُ أن نسأل، فقط لكى نُفكّر، حتى تعملَ تروسُ عقولنا؟
إن وجدتَ إجابات لكل ما سبق من أسئلة، عزيزى القارئ، فهذا أمرٌ طيب. وإن حيّرتكَ بعضُ الأسئلة، فهذا طيبٌ أيضًا، وما طرحتُ ما سبق من أسئلة إلا لكى نفكّر معًا.
الحقيقةُ، أن المدارس الفكرية الحديثة فى الفلسفات، قد علّمتنا أن «الأسئلةَ» أهمُّ من «الإجابات». ليس فقط لأن لا أحدَ فى العالم يملكُ إجاباتٍ نهائيةً على الأسئلة الوجودية الكبرى، ومَن يزعم غير ذلك كاذبٌ قلبُه. بل كذلك لأن السؤالَ فى ذاته، أىّ سؤال، يحملُ فى طيّاته إجاباتٍ «لا نهائيةً»؛ ربما بعدد البشر المشتبكين مع هذا السؤال أو ذاك.
السؤالُ يثيرُ العقل. يستفّزه، ويُحفّزه ليستيقظ من سُباته؛ ويُحلِّق فى فضاء التفكير. بينما الإجابةُ عادةً تمنحُ العقل قرصًا منوّمًا، ليُكمل إغفاءته اللذيذة الوادعة، وينعم بالنوم والكسل. السؤالُ مُقلِقٌ. والإجابةُ مريحةٌ. السؤالُ هو صكُّ الدخول إلى جحيم التفكير. بينما الإجابةُ هى بوليصةُ الرقود، والركود، فى جنة البلادة الذهنية اللذيذة. السؤالُ هو «العقل». والإجابة هى «النقل». والفارقُ، فى تقديرى، بين الإنسان الذكى الناجح، وبين أخيه البسيط، هو أن الأول يدورُ رأسُه فى فَلَك الأسئلة المترامى، بينما الثانى عقله راقدٌ فى كبسولة الإجابات. الأول تتقاذفه أمواجُ بحر متلاطم من الأفكار الحائرة. والثانى ينعم بالسكون الهانئ تحت شجرة اللاشىء الوارفة. الأول مُتشَكِّكٌ. والثانى مُتيقنٌ. الأول يشقى. والثانى متنعّمٌ. لكن الأول مشروع عالِمٍ أو فيلسوفٌ محتَمل. والثانى غير ذلك. ولهذا يقول المتنبى: «ذو العقلِ يشقى فى النعيم بعقله/ وأخو الجهالة فى الشقاوةِ ينعمُ». وأسمح لنفسى، بعد إذن المتنبى، بأن أغيّر كلمةً فى عَجُز البيت الشعرى، ليصبحَ: «وأخو (التساؤلِ) فى الشقاوة ينعمُ». فذو السؤال لا ينعمُ، حتى فى النعيم. وذو الإجابات الجاهزة ينعَمُ، حتى فى الشقاء.
لأجل كلّ ما سبق؛ عادةً منا نُلقى، نحن الكتّاب، أسئلتَنا فى سلّة القارئ، ثم نمضى دون زعم امتلاكنا لأى إجابات نهائية. وإن امتلك كاتبٌ إجاباتٍ، فمن الأليق والأوفق ألا يقولها؛ حتى لا يصادرَ على القارئ ويمنحه فرصةَ الوصول إلى إجابته الخاصة، التى ليست بالضرورة إجابات الكاتب، وقد تكون أذكى منها وأوفق. كأنما هو تمرينٌ ذهنىّ للقارئ، وللكاتب معًا. وليس من ناجح وراسب فى هذا التمرين الشيّق. فكل الإجابات مقبولةٌ، وإن أخطأتْ. فالهدفُ ليس الإجابة «النموذجية»، بل «التفكير» وإعمال العقل، وليس طرح الإجابة. وعندى أن اليقينَ الوحيد فى هذا الكون، هو «اللايقين». وتلك حكمةُ الله تعالى فى منحنا عقولاً تسألُ وتتحيّر؛ حتى «تتريّض» العقولُ مع السؤال وتنمو. فللعقول «عضلاتٌ» مثلما للجسد. إن سكَنَ الجسدُ عن الحركة، ترهّلت عضلاتُه وضمُرت، وإن توقّف العقلُ عن السؤال؛ ترهّل وشاخ وضمُرَ. وفى مقال قادم سوف أطرحُ ثلاثة أسئلة تركها رسامٌ يائس على إحدى لوحاته، قبل انتحاره، ولم يجد أحدٌ إجاباتٍ عليها حتى اليوم.

الأعمال الصالحة التى لا تموت بقلم د. مينا بديع عبدالملك ٢١/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


كثيرون حفروا أسماءهم على الصخر فظلت ثابتة لا تمحوها الأيام، بينما آخرون نقشوا أسماءهم على المياه فتلاشت ولم يعد أحد يتذكرهم. أكتب ذلك لشبابنا أن يكونوا يقظين ويقدموا أعمالاً صالحة نافعة لهم ولمجتمعهم وللإنسانية حتى تظل ذكراهم الحسنة إلى أبد الأبد، وذكرى الإنسان الصالح تدوم إلى الأبد.
حدث فى ٢٦ أكتوبر ١٩١٠ أن وصلت إلى الأراضى المصرية فتاة أمريكية تُدعى لليان تراشر Lillian Trasher وأقامت فى بيت خاص بالمرسلات الأجنبيات بمدينة أسيوط. وفى أوائل شهر فبراير ١٩١١ طلبت منها بعض المرسلات الأجنبيات أن تزور امرأة كانت مشرفة على الموت. وفعلاً ذهبت لتجدها ملقاة على فراشها فى غرفة مظلمة حقيرة، لا يشاركها فيها أحد غير طفلها الذى لم يبلغ من العمر سوى شهور قليلة ولم يكن يخطر ببالها أنه يوجد فى العالم كله إنسان يعيش فى مثل هذه القذارة والتعاسة. كان الطفل يشرب اللبن من إناء قذر مصنوع من الصفيح وقد رأت لليان تراشر بنفسها اللبن وقد أنتن وأصبح لونه أخضر!! يا للهول يا إلهى، وكان الطفل يشرب منه دون أن يلاحظ أحد تلك السموم التى كانت تملأ اللبن.
بعد فترة قصيرة قضتها لليان تراشر بجوار الأم المشرفة على الموت، استراحت السيدة من آلام الزمان الحاضر بعد أن سلمت بنفسها ابنها الطفل إلى لليان تراشر. فحملته لليان تراشر إلى بيت المرسلات الذى كانت تقيم فيه للعناية بالطفل، وهناك اتضح أن جسم الطفل لم ير الماء منذ ولادته. بل إن الملابس البالية التى كانت تحيط بجسمه الصغير كان من الصعب خلعها لدرجة أنها استعانت بالمقص لخلعها عنه حتى تُلبسه ثياباً جديدة. كانت الرائحة الكريهة التى تنبعث من هذا الطفل الصغير أقوى من أن يحتملها أحد، وقد ظلت هذه الرائحة ملتصقة بجسمه حتى بعد اغتساله بالماء الساخن عدة مرات وذلك لبضعة أيام، كما كانت صرخات الطفل عالية جداً ومزعجة مما أقلق راحة المرسلات المقيمات بالبيت. أمام ضيق المرسلات من صراخ الطفل اضطرت الفتاة الأمريكية النقية لليان تراشر إلى ترك البيت واستأجرت بيتاً إيجاره جنيهان ونصف شهرياً، وقامت بشراء بما تبقى معها من النقود بعض الأثاث. كان هذا البيت هو نواة الملجأ الذى تحول إلى مؤسسة اجتماعية ضخمة واعتبرت لليان تراشر أن يوم ١٠ فبراير ١٩١١ – تاريخ ذهابها ومعها الطفل إلى البيت الجديد – هو تاريخ ميلاد هذا الملجأ. وحتى عام ١٩٦١ تبنت لليان تراشر ما يزيد على ١٠ آلاف طفل، حتى إن الرئيس جمال عبد الناصر أطلق عليها اسم «أم الأيتام المصرية» خلال زيارته للمؤسسة فى الستينيات. وما زالت مؤسسة لليان تراشر بأسيوط تؤدى دورها الإنسانى بتميز. وأعرف بعض السيدات الفاضليات التقيات بالقاهرة يقمن فى شهر ديسمبر بتنظيم زيارة سنوية لتلك المؤسسة العريقة فيجمعن ما يستطعن جمعه من أموال وتبرعات من محبى الأعمال الصالحة فى الخفاء، ويقمن بتسليم المبلغ للمؤسسة ويحصلن على إيصالات استلام لتسليمها للمتبرعين عن حب واقتناع وغيرة قلب وشفقة على الإنسانية المعذبة.
تلك هى أعمال الفتاة الأمريكية لليان تراشر (٢٧ سبتمبر ١٨٨٧ – ١٧ ديسمبر ١٩٦١) التى حضرت من ولاية فلوريدا الأمريكية وهى تبلغ من العمر ٢٣ عاماً – أى فى نضرة شبابها – بغرض الخدمة الصادقة دون أن تنتظر مكافأة من أحد. توفيت لليان تراشر منذ ما يقرُب من ستين عاماً لكن اسمها مازال يتردد، ومازالت مؤسستها تؤدى رسالتها على أكمل وجه، ويكفى تقدير الرئيس والزعيم الوطنى الإنسان الحقيقى جمال عبدالناصر الذى حرص على زيارة المؤسسة وكانت لليان تراشر تبلغ من العمر ٧٤ عاماً.
هؤلاء هم الحكماء الذى حرصوا على تخليد أسمائهم بأعمالهم الصالحة، أما عديمو الفهم الحريصون على اكتناز الأموال من ملايين ومليارات، ويتناحرون على الكراسى الرئاسية فقد مُحيت أسماؤهم وسكنوا فى السجون وبعضها سجون مشددة الحراسة وسلموا أنفسهم للهلاك. فلنحرص على الأعمال الصالحة من أجل وطننا العزيز ومن أجل الإنسانية المُعذبة والأشخاص الذين لا يذكرهم أحد.
* كلية الهندسة – جامعة الإسكندرية

فولكهارد فيندفور رئيس جمعية المراسلين الأجانب فى مصر للمطالبين بـ«المصالحة»: نسيتوا من قتلوا وخدعوا وأفسدوا وخانوا؟ - ٢١/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم











ثلاثة وستون عاماً عمل خلالها فى مصر، عاصر خلالها انهيار الملكية وبزوغ شمس «عبد الناصر»، وندم «السادات» على إتاحة المجال لجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية، مروراً بوصول «العناكب والأفاعى»- كما يحب أن يصف الإخوان- إلى رأس السلطة، وشهد كيف طالب الملايين جيش مصر بإنقاذهم من خطر الجماعة، التى قال له مرشدها، فى حوار صحفى شهير، «طظ فى مصر»، ويرى كصحفى مخضرم أن الرئيس السيسى أدرك أن عدم التحرك وترك الحرية للإخوان كان سيؤدى إلى حربٍ أهلية كارثية. فولكهارد فيندفور، رئيس جمعية المراسلين الأجانب فى مصر، ٨١ عاماً، يشعر بأن مصر وطنه الثانى بعد ألمانيا، يتحدث مزيجاً من اللغة العربية الفصحى، السليمة نحوياً، واللغة العامية، الأصيلة مصرياً، ويرفض فى حواره لـ«المصرى اليوم» ما تتناوله بعض الأصوات بشأن المصالحة مع جماعة الإخوان، ويقول: «حرام على أى شخص يحب وطنه أن يطالب بعودة رجال العار». ويخاطب أصحاب هذه الأصوات قائلاً: «حرية الرأى تتوقف عندما نتحدث عن أعداء الحرية»، ويسأل من تابعوا مواقف الإخوان طيلة حكمهم: «نسيتوا؟».. وإلى نص الحوار:
■ ظهرت أصوات مؤخراً تنادى بالمصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية كيف تتلقى هذه الدعوات كمراقب ومحلل؟
- بصرف النظر إذا كنت وفدياً، شيوعياً، مسلماً أو مسيحياً، أو غير متدين بدين معين، مصرياً أو غير مصرى، لا يمكن تصور بعدما حدث فى مصر، ومع مصر، أننا نسمح لأبواق الإخوان بالعودة إلى الظهور، والبدء لغزل نسيج إخوانى «من تحت لتحت»، وأحياناً بكل وضوح.
الشعب فى ٣٠ يونيو قام بالملايين، والعالم كله شاهد وعرف، مطالباً القوات المسلحة، لأنه لم يكن هناك قوة أخرى تنقذهم، لتخليص الشعب وتحريره من قبضة الإخوان، لأن الجماعة مدعومة من أمريكا بشكل واضح، وولاؤها لواشنطن «من زمان»، مثلما كان أسامة بن لادن عميلاً أمريكياً. من أين تأتى الجرأة لحث نفس هذا الشعب أن يسمح لهم بالظهور مجدداً فى إطار ما يسمى بالمصالحة؟.. مصالحة مع من قَتَلوا وخدعوا وأفسدوا وخانوا؟.
تزداد علامات الغضب على وجهه، وهو يتذكر موقفا جمعه بالرئيس المعزول محمد مرسى فى صحبة مراسلين آخرين.
مصر أول دولة فى التاريخ، أول حضارة فى التاريخ، ويأتى رئيس يقول لى مشكلة المصريين هويتهم، أنا أطالب الشعب المصرى بأن يتخلى عن الهوية، وأنا قلت له «إنت عايزها إيه؟ أى هوية؟ تونسية؟ جزائرية؟»، قال لى: «لا لا.. إسلامية»، قلت له «هل هناك تناقض بين هويتك المذهبية والدينية، وهويتك الوطنية المصرية أو البريطانية أو اليابانية أو الألمانية أو اليونانية أو الباكستانية»، قال «لا لا لا أنت لم تفهم فأنت مش مسلم مبتفهمش»، وتحدثت معه عن المسلمين المخالفين له فى رأيه، وقال لى «لا دول مش مسلمين»، فتركته وغادرت مع من حضروا اللقاء معى.
أنا كنت أعرفه «من زمان»، قبل الثورة، وكنت أعرف الإخوان، وسبق أن حاورته فى مكتبى فقد عرفت العديد منهم كصحفى يحب أن يعرف ويتعرف، وأتذكر أيضاً أن «مرسى» بعد أيام قليلة من حكم مصر، أرسل رسالة ودية غير عادية إلى الرئيس الإسرائيلى السابق، شيمون بيريز، قال له فيها «صديقى العزيز»، سلمها له السفير المصرى الجديد الذى عينه الرئيس المصرى الجديد سفيراً لإسرائيل، بعد أن كان الرئيس الأسبق، مبارك، سحب السفير المصرى من تل أبيب، سنة ٢٠١٠، «لأن إسرائيل كانت زودتها مع الفلسطينيين»، «تيجى إنت» – يقصد «مرسى» –وأنت رئيس مصر، أيام قليلة تُعَد بأصابع اليد من توليك الحُكم وتفعل ذلك؟ «الكلام دا ما يخشش عقل أى شخص يقرأ قليلاً عن التاريخ المصرى، طبعًا فى حاجة غلط أو مخفية على أقل تقدير».
■ يسترسل «فولكهارد» فى رصد ما ارتكبته جماعة الإخوان من جرائم فى حق مصر:
ليس هذا فقط، ولكن مرسى عامل شيخ الأزهر معاملة المنبوذ، وجعله يجلس فى آخر صف فى المناسبات العامة، أو لا تتم دعوته من الأساس.
الأخطر من ذلك عندما أعلن القرضاوى من مقره فى الدوحة، فى قطر، قيام ما سماه «جيش مصرالحر»، أخطأ التقدير لرد فعل الشعب المصرى لابتعاده عن مصر فترة طويلة، لقد فقد الشعور بشعب مصر، ممكن حد يقول جيش ليبيا الحر، جيش العراق الحر، «ما أعرفش ولكن اللى عارفه علم اليقين أن مثل هذه الألاعيب الهدف منها تمزيق وحدة الجيش الوطنى اللى هو المشبك الكبير اللى يضمن ويصون وحدة الشعب، وهو غير منحاز لأى جهة سياسية، وبعدين تستغرب لما تلاقى الناس بتهاجمك بعنف ومش بلغة لينة، وتقول دى مؤامرة ضدنا، مين يتآمر عليك؟ ومين نزل الملايين فى الشوارع؟ الجيش؟ دى خرافة خرافة. لذلك أقول وأؤكد للكل: الجيش المصرى لبى نداءات الملايين من الشعب المصرى اللى فقدوا الأمل فى النجاة من ظلم ومساوئ الإخوان اللى خانوهم خيانة تاريخية الحجم.
■ لكن البعض لا يزال يتحدث عن المصالحة من منطلق ديمقراطى ما رأيك فى الربط بينهما؟
- أنا موجود فى مصر من سنة ١٩٥٥، ولا أزال ألمانياً ولم أشعر فى يوم واحد أننى غريب هنا، بالعكس أنا متفاعل مع مصر والشعب، رغم ذلك أشعر بألمانيتى، ولا تناقض فى ذلك فهويتى الألمانية لا تمنعنى من هذا التفاعل، اللى الحقيقة ُإثراء للروح والعقل، عمرى ما حسيت إنى غريب، أنا حضرت تطورات فى وطنى الثانى مصر، أحداثاً وتطورات عديدة وتفاعلت معها، من هذا المنطلق أتخذ لنفسى «الحق» فى التعبير عما أعرفه وأشعر به من موضوع الإخوان، فلذلك أقول حاجة واحدة: من يطالب اليوم، ويقول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بضرورة إفساح المجال مجدداً لهذه العناكب والأفاعى، ولا يفعل ذلك عن جهل، ولكن عن قصد، فهو قصد غير شريف وغير «ديمقراطى»، ولا أحب أن أسمع هذه الكلمة- الديمقراطية- لكثرة الإساءة إليها. أين كانت الديمقراطية عندما كان فى يدك أن تفعل شيئاً إيجابياً للفلسطينيين. وكذلك ما يحدث فى سيناء، مجرد جزء صغير من مخطط خطير كبير.
وهناك أمر آخر، مرشد الإخوان الراحل، مهدى عاكف، نقلت عنه الصحف تصريحاته التى قال فيها «طظ فى مصر»، ولم يذكر أحد وقتها «قالها لمين؟»، قالها لمجلة دير شبيجل الألمانية، وأنا كنت مراسلها. «اللى فى دمهم فى دمهم»، ومثل هؤلاء تريدون عودتهم تحت اسم حرية الرأى والتعبير، يعنى لما ينزل ٣٠ مليون مصرى من ٨٠ مليون وقتها، ويقولون لا للإخوان، اليوم تريد السماح لهم من جديد ببث سمومهم، وهم من عرض تأجير قناة السويس لقطر، لمدة ٩٩ سنة، وعدد سكانها لا يزيد على عدد سكان شارع شبرا مثلاً، وكذلك الإرهابيون فى سيناء، كلها وقائع موجودة «مش من عندى»، اللى بينسى ده مش ذنبى أنا لكن بص قدامك«، واقرأ حتى جرائدهم، عندما قال مرسى حافظوا على حياة الخاطفين والمخطوفين.نسيتوا؟.
■ لكن كيف ترى التحركات القطرية فى إثيوبيا والسودان والتقارب القطرى مع كل من تركيا وإيران؟
- هذه التحركات ليست طويلة المدى، ومتقلبة، وما أريد أن أقوله أن هؤلاء العناصر والخريطة السياسية غير مستقرة ولا تعيش طويلاً، والأطر السياسية الأساسية هى التى تدافع عنها مصر، وليست وحدها، وكما قال لى الرئيس الراحل أنور السادات، قبل وفاته بأربعة أيام، فى ٢ أكتوبر سنة ١٩٨١، وفى آخر حوار صحفى له على الإطلاق، »أنا ندمان على فتح السجون للإخوان ولمن على شاكلتهم للعودة إلى الوطن وليكونوا عوناً لعصر جديد، لكن وجدت أن همهم الحقيقى الجاه والمال، خونة وضد الوطن، وعرب كثيرون يتصرفون تصرفات مشينة، وبدون ما تسألنى أنا أقولها أنا مصرى أكثر منى عربى، ومع ذلك لست ضد العرب».
■ ونحن نتحدث عن الرئيس الراحل أنور السادات هناك من يشبه الرئيس السيسى بكل من السادات وعبدالناصر ما رأيك فى هذا التشبيه؟
- أنا أرى أن السيسى أدرك أن عدم التحرك، وترك الحرية للإخوان، ومواصلة خطهم، كان سيؤدى دون شك إلى ثورة شعبية وربما إلى حربٍ أهلية كارثية وما حدث ويحدث فى بعض دول الجوار دليل على صحة هذا الإدراك.


Saturday, May 19, 2018

الشباب والتغيير «٢» بقلم الأنبا موسى ٢٠/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

ذكرنا فى العدد الماضى أن العالم انتابته حمى التغيير، بمعنى أن هناك متغيرات سريعة ومتلاحقة ترجع إلى عوامل كثيرة، وذكرنا أنه لابد من التمييز بين الثوابت والمتغيرات فى حياة الإنسان. وذكرنا أولاً: أن التغيير سمة المحدودات: التاريخ- الإنسان- العلم.
ثانياً: الثابت الوحيد هو إلهنا العظيم.
لسبب بسيط للغاية ومنطقى وفلسفى، أن الله أزلى أبدى سرمدى، لا نهائى، بلا حدود. ولهذا فهو فوق أى تغيير!!.
ومـع صعوبة استيعـاب العقل المحدود لله غير المحدود، وهذا منطقى جداً، فيستحيل أن نعبئ البحر فى فنجان!، إلا أن لا نهائية الله يمكن أن تستريح إليها عقولنا، لأن الإنسان يعرف الله من خلال مزيج هام فى داخله بين الروح والعقل والضمير.
١- فالروح: هى العنصر الأبدى فينا، هو الذى يحلق بنا فيما وراء الطبيعة، والمادة، والكون، والموت، والخليقة المنظورة، فنحسّ فى أعماقنا بتلك البصمة الإلهية التى أودعها الله فى داخلنا، عندما خلقنا على صورته ومثاله: فى البر والقداسة والحكمة والخلود. لذلك يقول الرسول إن الإنسان بالتدين السليم والاستنارة بنور كلام الله استطاع أن يميز الأمور المتخالفة، ويحيى الرسوخ والاستقرار الداخلى، ولا يكون كـ«ريشة» فى مهب الريح.
٢- والعقل: كلما تأمل فى الكون المنظور، فما نراه من كون بديع التنسيق، شاسع الاتساع، منظم بدرجة مذهلة، متكامل مع بعضه البعض، يجعلنا نؤمن بالمهندس الأعظم الذى أبدع هذا الوجود. وحتى ما اكتشفه ونادى به دارون يجعلنا نقف حيارى أمام سؤالين لم يستطع الإجابة عنهما:
١- من هو الذى أنشأ الخلية الأولى التى تحدث عنها «دارون»؟
٢- كيف نفسر المسافة الشاسعة بين أرقى أنواع القرود والإنسان؟ حيث فى الإنسان: عقل وروح، فهو يتجاوز ذاته، ويسعى للخلود، ويؤمن بإلهنا العظيم، رب الحياة، ومقيمنا من الموت السائد علينا.
٣- أما الضمير: ذلك الصوت الإلهى فى الإنسـان، أو ما يسمى بالشريعــة الأدبية (Natural Moral Law)، فهو دليل ثابت فى أعماق الإنسان، حيث يستمع الإنسان إلى صوته الداعى إلى الخير (مهما كان الإنسان شريراً)، والموبخ على الخطأ (مهما كان الإنسان غير متدين)، والمادح لتصرفات إيجابية (مع راحة نفسية وسلام وصفاء)، عطية الله للإنسان المؤمن.
الثابت الوحيد- إذن- هو الله، غير المحدود، واللانهائى. وإذا كانت الأرقام ليس لها نهاية فكم بالحرى خالق الأرقام.. إلهنا العظيم؟!.
من هنا ندرك ذلك الاحتياج الإنسانى، الذى يجعله دائم البحث عن الجديد والمتغير وغير الثابت، فهو لا يستريح عند حال، سواء فى عمله أو تفكيره أو دراسته أو حتى سكنه وملابسه، أو حتى مظهره الخارجى.
وهذا السعى الدائم نحو المتغيرات هو نتيجة لعدم الشبع بإلهنا غير المحدود، الذى يجعله قادراً على الإفراز والتمييز، فيمتحن كل شىء ويتمسك بالحسن. كما أن إلهنا العظيم يشبع الإنسان باللانهاية، حينما يصير ابناً لله غير المحدود، فيعيش حياة صالحة، ترضى الله والإنسان!.
وهكذا يختبر القديس أغسطينوس: «وقفت على قمة العالم، يوم أحسست إننى لا أخاف شيئاً، ولا أشتهى شيئاً»، أو كما قال داوود النبى: «مَنْ لِى فِى السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئاً فِى الأَرْضِ» (مز ٧٣: ٢٥).
الإنسان الروحى عنده استنارة داخلية بالتدين السليم، والثقافة الإيمانية، الأمور التى تفيض فى القلب فرحاً وسروراً، وذلك من خلال حياة الصلاة، والتأمل فى كلماته المقدسة، ويستطيع أى إنسان أن يميز الأمور المتخالفة، ويحيى الرسوخ والاستقرار الداخلى، ولا يكون كـ«ريشة» فى مهب الريح.
إذن.. فختام الأمر كله:
«اتَِّق اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ لأَنَّ هَذَا هُوَ الإِنْسَـانُ كُلُّهُ» (جا ١٣:١٢).. بمعنى أن الإنسان المتدين عنده كفاية ذاتية داخلية من الله العامل فيه، تجعله راسخاً وثابتاً لا تهزه أفكار أرضية، أو تيارات متصاعدة، أو موضات وشهوات وأفلام وسلوكيات مستحدثة.
ولكن هذا الرسوخ لا يعنى الجمود، فالشاب المؤمن يقبل أنواعاً هامة من التغيير مثل:
١- «تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ» (رو ٢:١٢).. أى أن يقتنى فكراً مستنيراً، وروحاً شبعانة، ونفساً منضبطة، وعلاقات ناجحة، من خلال التوبة والثقافة الروحية.
٢- «نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِى مِرْآةٍ» (٢ كو ١٨:٣).
أى أنه يجاهد روحياً فى طريق الكمال والقداسة، متشبهاً بإلهنا العظيم!.
٣- «سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا» (فى ٢١:٣).. وهو التغيير الأخير حينما نخلع هذا الجسد الترابى، من بين الأموات إلى خلود أبدى.
طوبى إذن..
- لكل شاب عاش الثوابت ولم يغرق فى المتغيرات.
- ولكل شاب شبع بالرب، واتجه نحو الملكوت.
- فعاش الكفاية، وهتف مع المرنم داوود النبى: «الرَّبُّ رَاعِىَّ فَلاَ يُعْوِزُنِى شَىْءٌ» (مز ١:٢٣).
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

نيافة الأنبا موسى يكتب لـ«المصري اليوم»: الشباب والتغيير ١٣/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

الملاحظ الآن أن العالم انتابته حمى التغيير، بمعنى أن هناك متغيرات سريعة ومتلاحقة، سواء بسبب الإنجازات العلمية المتسارعة، أو ثورة الاتصالات والمعلومات، أو سيل الإعلانات الاستهلاكية المطروحة على الشاشة الصغيرة، أو شبكات الإنترنت... تغير فى كل شىء... فالأحداث تتسارع بحيث نسمع فى كل دقيقة جديداً على خريطة العالم.. والمنتجات والسلع ترى أمام المشاهدين.. والموضات «فى الملابس وتسريحة» الشعر أو حلاقته تماماً.. تجذب الشباب يميناً ويساراً.. حتى إن البعض سماها «الرغبة العارمة فى التغيير» أو «هستيريا التغيير».. فلا استقرار على حال، سواء فى مجال العلوم أو السياسة أو حتى على مستوى الأسرة والمجتمعات الصغيرة.. كل يوم هناك جديد، والشباب يلهث وراءه!!.
لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن فى خارج الإنسان، ولكنها تكمن فى داخله!!، فالإنسان الراسخ الفكر والتوجهات، الذى له فى حياته ثوابت ورؤى وفلسفة، لا يهتز أمام هذه المتغيرات، بل يختار ما هو إيجابى، ويرفض ما هو سلبى!.
المشكلة إذن هى فى التمييز بين الثوابت والمتغيرات فى حياة الإنسان.
أولاً: التغير سمة المحدودات: وهذه بديهية فلسفية قديمة: فـ«التغير والأزلية لا يتفقان»... التغير هو للمحدودات، أما غير المحدود (إلهنا العظيم) فهو ثابت لا يتغير.. ومن المتغيرات- كمجرد أمثلة- التاريخ، والإنسان، والعلم.
أ- فالتاريخ: حركة دائبة لا تهدأ.. ومع أن هناك مقولة شهيرة «التاريخ يعيد نفسه» لكن هذا لا ينفى أن التاريخ حركة تغيير مستمرة، ربما بدأت متباطئة فى عصر الزراعة، فاستغرقت آلاف السنين، ثم تسارعت فى عصر الصناعة، الذى استغرق مئات السنين، حتى دخلنا إلى عصر التكنولوجيا والفضاء والمعلومات والأقمار الصناعية والهندسة الوراثية، فصار التغيير من يوم إلى آخر، ومن لحظة إلى أخرى.
إيقاع الزمن تسارع مع ثورة الاتصالات، فصرنا نعايش الأحداث حين وقوعها، وليس بعد وقوعها.
وهكذا اختلطت الثقافات والحضارات والشعوب، وتداخل البشر معاً من خلال التلاقى الإنسانى على مستوى: الأسفار والرحلات والهجرات المؤقتة والهجرة الدائمة. كما تداخلوا من خلال ثورة الاتصالات والمعلومات التى جعلت من العالم قرية صغيرة، أو ربما حجرة صغيرة، أو حتى ركناً صغيراً فى إحدى الغرف، فمن خلال كمبيوتر صغير (موبايل) يصل إلى العالم كله، بكل ما يحدث فيه من تغيرات؛ إنسانية وفكرية وعلمية وسياسية واقتصادية واجتماعية، حتى صرنا فى الطريق إلى نشوء ما يسمى بالثقافة الكوكبية «Culture Global» فى عصر يمكن أن نسميه عصر العولمة «Globalisation». التاريخ إذن متغير دائماً، سواء فى دورته، أو حتى فى حركة ذات اتجاه واحد.. المهم أنه غير ثابت.
ماذا عن الإنسان؟
ب- الإنسان: مع أن الله خلق الإنسان بطبيعة خاصة، من روح عاقلة خالدة ناطقة، ومن طين مادى جسدى.. إلا أن الإنسان متغير أيضاً، بمعنى أنه دائم الحركة والتطور، سلباً أو إيجابياً، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع.. والتغير فى الإنسان يحدث فى كل عناصره.
- فالجسد يتغير من الحمل، فالولادة، فالطفولة، والرجولة والكهولة،والشيخوخة.
- والنفس تتغير بغرائزها وانفعالاتها وعواطفها.
- والروح تتغير بتوجهاتها نحو الشر أو الخير، نحو السماء أو الأرض، نحو الله أو العالم.
- كذلك يتغير العقل بقدر ما يفكر، ويحلل، ويستنتج، ويدرس ويقارن، وينمو، ويحاور، ويتفاعل.
* أما العلاقات فتتغير بحسب ما يحيط بالإنسان من بيئة اجتماعية: من المنزل إلى الحضانة، فالجامعة، فمكان العبادة، فالمجتمع، فالإنسانية، على اتساعها.. والعالم أيضاً يصيبه التغيير باستمرار.
ج- العالم: هناك فرق شاسع ما بين عصر الدواب البدائى وعصر المركبات ثم السيارات ثم الطائرات ثم الأقمار والصواريخ و«الفمتوثانية»!.
- وهناك فرق بين عالم القبيلة وعالم العولمة. وهناك تغير مستمر فى أسلوب الحياة، والحضارات، والثقافات، وفى الحروب الصغيرة والكبيرة، وفى الإبداع الإنسانى فى الفن والأدب والعلم.
- إذن فالتغير سمة هذه المحدودات: التاريخ والإنسان والعالم... فهل من ثوابت؟!.
ثانياً: الثابت الوحيد هو إلهنا العظيم لسبب بسيط للغاية ومنطقى وفلسفى، أن إلهنا العظيم أزلى أبدى سرمدى، لا نهائى، بلا حدود.. ولهذا فهو فوق أى تغير!!.
(وإلى المزيد إن شاء الله).
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

هند رستم «سيدة الإتيكيت» (٢) الأب بطرس دانيال ٢٠/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

كانت كل يوم جمعة تزور مسجد الحسين والسيدة زينب وكنيسة سانت تريزا وكنيسة مارجرجس، وكانت تتمنى تجسيد دور «مريم المجدلية» لاعتزازها بهذه المرأة التى تقابلت مع السيد المسيح.
كانت تخاف من الفنانين العملاقين حسين رياض ومحمود المليجى، ولكنها تحكى عن مواقفها معهما، فتقول: كنت أصرّح للمخرج حسين الإمام بأننى أرتجف من الفنان حسين رياض، وعندما سمع هذا الكلام قال لها: «اعتبرينى كومبارساً فاشلاً وقومى بأداء دورك بكل بساطة»، وبالفعل وجدت فيه الحنّية والطيبة، وتحكى عن الأستاذ محمود المليجى: «عندما كنت أقوم بدورٍ أمامه بكل براعة، سرقت الكاميرا منه حسب التعبير الدارج، فاتجه نحوى بعد التصوير، فخفتُ متخيلّة أنه سيضربنى، لكنه قام بتهنئتى على أدائى الرائع فى ذلك المشهد». وكانت تقول عنه إنه كان طيب القلب وبسيطاً جداً ومتواضعاً إلى أبعد الحدود، ويأتى قبل التصوير بساعة ويجلس على الكرسى على جانب يدخن سيجارته فى هدوء دون أن يتدخل فى حياة أى شخص، وبعد القيام بدوره يذهب فى صمت واحترام. كما قالت إن الفنانة التى لا تستطيع أن تتمالك نفسها من الضحك أمامها هى زينات صدقى.
كما كانت تحكى لنا أن المخرج القدير فطين عبدالوهاب كان يصل به الحال لضرب الفنان إذا أخطأ، حتى إنها ذكرت أن أحد الفنانين الكبار فعل معه هذا.
كانت تتقابل مع زملائها فى الوسط الفنى داخل الاستوديو والبلاتوهات فقط، وكانوا يتعاملون معاً بكل بساطة ومحبة وكأنهم أسرة واحدة، لدرجة أنها كانت تجرى خلفهم فى فناء الاستوديو، وخاصة مع رشدى أباظة وأحمد رمزى وصلاح ذوالفقار وشكرى سرحان ويخطفون الطعام من بعضهم البعض بكل تلقائية وشفافية.
من هوايتها «ركوب الخيل والدراجات والسباحة وصيد السمك».
كان آخر فيلم لها هو «الجبان والحب» مع الفنان حسن يوسف، حتى إن المخرج حسين الإمام لم يستطع أن يعيدها إلى الفن مرة أخرى. كانت تبتعد عن حضور المهرجانات والمناسبات الفنية لتأكيدها اعتزالها العمل الفنى تماماً، لم يعجبها اللقب الذى أُطلق عليها وهو مارلين مونرو الشرق أو برجيت باردو المصرية، لأن عدد الأفلام التى قامت فيها بهذا الدور لا يزيد على ستة أفلام من أصل ١٢٥ فيلماً قدمتها للسينما.
كان الموسيقار محمد عبدالوهاب يُطلق عليها «الهانم»، كما لُقبت بالعديد من الألقاب، أما عن أعمالها الإنسانية فقد نزلت للشارع بعد النكسة وشاركت الجماهير كمواطنة مصرية، وكانت تطوف قاعات السينما حاملة صندوقاً خشبياً لجمع التبرعات للمجهود الحربى. بالنسبة للأفلام المقرّبة إلى قلبها: «الراهبة»، والذى أنفقت عليه ثمانى آلاف جنيه من جيبها، و«شفقية القبطية» و«باب الحديد». كانت تقدم للصحافة كل تقدير واحترام أثناء رحلتها الفنية وبعد اعتزالها، معتبرة إياها المرشد والمعلم والعين البصيرة التى تكشف أخطاء الفنان وتقوم بتصحيحها وتمدح الناجح وتعطيه حقه فى التقدير والشكر.
رحم الله الفنانة والإنسانة هند رستم التى كانت دائمة الاتصال بى فى جميع الأعياد والمناسبات لتهنئتى.

خالد منتصر - أخيراً علاج للصداع النصفى - جريدة الوطن - 20/5/2018

«شواكيش تدق فى نافوخى».. «عينى ستخرج من مكانها».. «لا أستطيع حتى أن أتلفت»..كل هذه التعبيرات وغيرها هى نشيد الصباح اليومى لأكثر من 200 مليون مريض على مستوى العالم يعانون أخطر أنواع الألم، ألم «الصداع النصفى» migraine ذلك الصديق الرذل الغلس، الذى يهبط عليك دون استئذان، ويخبط على جمجمتك بكرة من الحديد الملتهب، وأنت لا تستطيع أن تمنعه من الاقتحام، منذ يومين أعلنت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية عن موافقتها على أحدث علاج للصداع النصفى، وصار الخبر مانشيت الصدارة فى الصحف العالمية، والخبر الرئيسى فى نشرات الأخبار، فالدواء يعتبر ثورة فى عالم علاج أسخف الأعراض الطبية وأكثرها مدعاة لليأس والإحباط وأحياناً الانتحار!، الدواء اسمه Aimovig من إنتاج شركتى نوفارتس وأمجين، وسر احتفاء العالم الطبى به هو أنه مانع وكابح لظهور الصداع، وليس مسكناً، أى أنه يعمل فى مرحلة ما قبل وليس مرحلة ما بعد، عن طريق إغلاق وفرملة ما يسمى الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين، وهذه هى ثورة الطب الحديث والأبحاث الجديدة، تدخل على السبب الرئيسى والميكانزم الفاعل المؤثر مباشرة، ولذلك أطلق عليه أول دواء معالج للصداع النصفى بحق وحقيقى، لأن سهمه أصاب الهدف وبمجرد حقنة شهرياً، بالطبع هى خطوة على الطريق، وليست نهاية الطريق، فالعلاج الناجع الجذرى الذى يمنعه إلى الأبد لم يكتشف بعد، ولكننا بهذا الدواء وضعنا المفتاح الصحيح فى الباب الصحيح، بالطبع تكلفة الدواء مرتفعة على دولة منهكة اقتصادياً مثلنا، فالدواء مجمل تكلفته 6900 دولار سنوياً مقسمة على اثنتى عشرة حقنة، من أعراضه الجانبية الإمساك، وسيتوافر فى أمريكا تجارياً فى غضون شهور قليلة، أما فى أوروبا، فهو ما زال ينتظر موافقة هيئة الدواء الأوروبية.
الصداع ضيف ثقيل لا ينتظر عزومة!، والمأساة التى يحس بها مريض الصداع النصفى هى أن من حوله لا يأخذون شكواه مأخذ الجد، ويعتبرونها من قبيل الدلع أو قلة الاحتمال فيطلبون منه أن يمارس حياته العادية معهم، بل إنهم فى بعض الأحيان يخاصمونه إذا لم يتفاعل بالشكل المطلوب، وكل ذلك ناتج من أن الشكوى هى ذاتية، وليست لها علامات خارجية موضوعية يستطيع ملاحظتها من هم حول المريض، فيظل المريض دائماً فى قفص الاتهام يعانى من توتر تبرير وشرح حالته للآخرين ما يزيد الحالة تفاقماً ويدخل المريض فى دائرة مغلقة.
ومما سبق نستطيع أن نصف الصداع النصفى بأنه مرض عضوى واجتماعى، ولنستمع إلى نموذج لشكوى من ملفات إحدى العيادات الأمريكية المتخصصة فى علاج الصداع لنقترب أكثر من ملامح هذا الضيف الثقيل، وذلك على لسان امرأة فى الثانية والأربعين تقول إنه يحطمنى، ينبض داخل جمجمتى مع كل دقة قلب، إنه يصاحبنى مع كل دورة شهرية منذ البلوغ، علاوة على مرات أخرى خلال الشهر، يسبقه دائماً فلاشات ضوء مثل الشرار، ومن الممكن أن تستمر الهجمة ثلاثة أيام، جربت كل شىء، لجأت إلى الإبر والمساج، وحتى الهرمونات التى لجأت إليها لتبكير سن اليأس، تناولت 180 نوعاً من الدواء بداية من مضادات الحساسية والقىء، حتى مضادات الاكتئاب والألم، ومنها المورفين كل ذلك بلا فائدة..
وطبقاً للإحصائيات الأمريكية، فإن الصداع النصفى يصيب 25 مليون أمريكى وثلاثة أرباع هذا العدد هو من النساء، والخطير أن نصف هذا العدد لا يعرف مما يعانى مما جعل مجلة النيوزويك فى عدد 11 يناير منذ عشرين سنة تفرد الغلاف لهذا المرض، وتطلق على عام 1998 عام الصداع النصفى نظراً لما حدث فيه من ثورة فى فهم وعلاج هذا المرض.
وليس كل ألم فى الرأس صداعاً نصفياً، فالصداع النصفى ليس مجرد وصف لألم، بل إنه تشخيص دقيق ومحدد لألم يبدأ فى أحد جانبى الرأس ومصحوب عادة بغثيان وحساسية شديدة للضوء والصوت، وقد استطاع العلماء تصنيف واحد وعشرين نوعاً من ألم الرأس بداية من صداع التوتر إلى الصداع الناتج عن الأورام، والمتهم المذنب فى حالة الصداع النصفى هو الأوعية الدموية المحيطة بالمخ والتى تتمدد وتضغط على الأعصاب المجاورة ومن ضمن الدلائل العلمية على ذلك هو الصداع الناشئ عن سحب الكافيين، الذى يتسبب تناوله فى انقباض للأوعية الدموية، وعندما يتوقف فجأة تتمدد الشرايين ويحدث الصداع.
يسبق الصداع النصفى فى نحو 15% من المرضى إنذار، أو ما يسمى بالـaura التى من الممكن أن تكون على صورة اضطرابات فى الرؤية أو ضعف وتنميل فى ناحية من الجسم أو بطء فى الكلام.. إلخ. إنه يحدث فى أى وقت، ولكنه بالنسبة للسيدات يحدث غالباً مع التغيرات الهرمونية، مثل العادة الشهرية والتبويض، وكما أن الصداع لا يحترم الوقت فهو لا يحترم أيضاً الجنس أو السن، فهو يصيب الرجال والنساء على السواء بنسبة 1:3 كما ذكرنا ويصيب أيضاً أى سن حتى الأطفال، ولكن معظم الحالات تنحصر ما بين الثلاثين والأربعين.
ولأن الغموض صفة أساسية فى هذا المرض، فإن أسرى الصداع يحاولون أن يخترعوا أسباباً مختلفة يعزون إليها الصداع كآخر طوق نجاة، فيتهمون تارة الطعام، مثل المكسرات والشيكولاتة والجبن وتارة أخرى يرجعونه إلى قلة النوم أو الجوع أو الرطوبة وعلى العكس يرجعه البعض إلى زيادة النوم أو الشبع أو الجفاف، وفى وسط هذه الأمواج المتلاطمة، حاول العلماء البحث عن شاطئ، ما أدى بطبيب اسمه ميشيل فيرارى من جامعة ليدن بهولندا أن يصرح: «إننا قد خلقنا مرضى رافضين لفعل أى شىء، رافضين للأكل والشرب وحتى النوم، وبالرغم من ذلك فالصداع النصفى ما زال ضيفاً عليهم».
وأصعب الأمواج العاتية التى تواجه العلماء فى أبحاثهم هى أن الصداع لا يمكن توقعه ولا تحديد قوته بالقياسات المعملية أو حتى بصور الأشعة، وحتى الأساس الوراثى الذى كان متهماً على الدوام لم يتمكن العلماء من تحديده إلا فى نوع واحد فقط ونادر وهو النوع الذى يبدأ إنذاره بشبه شلل نصفى.
وتاريخ الصداع حافل بالأساطير والحكايات، ففى كتب الطب القديمة يوصف الصداع النصفى على أنه مرض الأرستقراطيات الفارغات، ولكن اتضح فيما بعد أنه برىء وليس مرضاً طبقياً على الإطلاق.
حلم القضاء على الصداع النصفى ما زال مستمراً، والعلم لا يمل ولا يصيبه اليأس أبداً.