Translate

Sunday, September 30, 2018

الهوية المصرية بقلم د. عماد جاد ٣٠/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

عندما نتحدث عن الهوية المصرية، فنحن نتحدث عن مجموعة من الطبقات الحضارية التى تراكمت فوق بعضها البعض وشكلت لنا فى المحصلة النهائية تلك الهوية المصرية المتميزة، نتحدث عن طبقات حضارية تبدأ بالفرعونية ثم اليونانية والرومانية ثم القبطية وأخيرا العربية، تفاعلت هذه الطبقات الحضارية مع بعضها البعض، وتمكنت الهوية المصرية من استيعابها جميعا وأضفت على كل طبقة حضارية سمة من سماتها الذاتية ونستطيع أن نقول إن الهوية المصرية قامت بتمصير كل الطبقات الحضارية التى مرت عليها بحيث أخذت كل طبقة حضارية وافدة سمة مصرية خالصة.
كانت مصر باستمرار رقما فاعلا فى أى معادلة ولم تكن أبدا حلقة مفعول بها حتى فى أكثر مراحلها ضعفا وتدهورا، فعندما اعتنقت مصر المسيحية وكانت تحت الاحتلال الرومانى واجهت الإمبراطورية الرومانية ونجحت فى النهاية فى تحويل روما نفسها إلى المسيحية، واعترف الإمبراطور بالمسيحية واعتبرها الديانة الرسمية للإمبراطورية، ومن مصر خرجت الرهبنة إلى العالم، الرهبنة اختراع مصرى خالص وساهمت مصر فى الفكر اللاهوتى المسيحى على نحو فاق إسهام أى شعب آخر، وعندما اختلف بابا الإسكندرية مع روما حول قضايا لاهوتية حدث الانشقاق الأكبر فى تاريخ المسيحية ما بين النهج المصرى الملتزم أو الأرثوذكسى وبين منهج روما الكاثوليكى.
نفس الأمر ينطبق على مصر عندما تحول غالبية شعبها إلى الإسلام، فقد كانت القاهرة رقما فاعلا فى معادلة العالم الاسلامى، وعلى أرضها نشأ الأزهر الذى يعد مرجعية العالم السنى، وكان إسهام المصريين فى علوم الفقه والتفسير والترجمة هو الأبرز، ولا يزال الأزهر يمثل المرجعية الرئيسية للمسلمين السُّنة فى شتى أنحاء العالم. ونجحت مصر فى إضفاء بصمتها الخاصة على الكثير من أركان العبادة وباتت لمصر نكهة خاصة فى الاحتفالات الدينية تجعل بشرا من مختلف أنحاء العالم يفدون إليها فى هذه المناسبات.
مكونات الهوية المصرية المختلفة والطبيعة الخاصة للشخصية المصرية هى التى حكت مصر والمصريين فى مراحل التقلب التى مرت بها المنطقة، وهى التى وقفت فى وجه محاولات عناصر سلفية لاستهداف بعض الأضرحة فى القرى المصرية، وهى التى دفعت السيدات المصريات على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والاجتماعية والدينية للخروج ضد محاولات الجماعة الإرهابية لتغيير الهوية المصرية، وهى التى دفعت ملايين المصريين للخروج إلى الشوارع فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ للدفاع عن الهوية المصرية والتى نجحت فى النهاية فى لفظ حكم المرشد والجماعة الخارج عن السياق العام للهوية المصرية.
وعلى الرغم من المحاولات الهائلة التى استهدفت الهوية المصرية بهدف تغييرها عكس السياق التاريخى لها، إلا أن هويتنا المصرية صمدت أمام كل هذه المحاولات، ورغم ذلك لم تتوقف محاولات الاستهداف ولعل ما نشهده كل عام من فتاوى سلفية تحرم تبادل التهانى مع المسيحيين المصريين، وفتاوى أخرى تحقر من المرأة وتزدريها تعد مثالا على ذلك، كما أن المحاولات التى يقوم بها البعض لإضفاء طبقة وهابية على الهوية المصرية لم تتوقف حتى اللحظة، محاولات تطول شتى المجالات من سياسية واقتصادية وثقافية وفنية وحتى رياضية، بل إن هناك محاولات هائلة لضرب التوافق الوطنى المصرى الذى صمد فى وجه محاولات التدمير التى شهدتها مرحلة ما يسمى بالربيع العربى. ما نؤكد عليه هنا هو أن هذه المحاولات لن تتوقف، فهى تمثل المدخل لتفتيت المنطقة وتحويلها إلى دويلات دينية وطائفية، وهو الأمر الذى يتطلب من القيادة السياسية والنخبة بمختلف مكوناتها وعيا متقدما بتشكل هذه المحاولات والتى تتجسد اليوم فى محاولات التيار السلفى للنيل من الهوية المصرية.


خالد منتصر - هل التطعيمات تسبّب التوحد؟ - جريدة الوطن - 30/9/2018

وصلتنى رسائل عديدة من أمهات يعشن ذعراً ورعباً من أخبار متداولة ومقاطع من برامج وتصريحات من البعض أن سبب مرض التوحد هو التطعيمات، وبدأ اللغط يزداد لدرجة أن بعض الأمهات بدأن فى الامتناع عن تطعيم أطفالهن، ولأن وزارة الصحة المصرية لم تصدر أى بيانات أو توضيحات، اضطررت للبحث فى المراجع والتقارير، وللأسف وجدت وزارة الصحة الإسرائيلية هى التى كتبت أقوى رد على هذا الكلام، وملخصه ما يلى:
توصل خبراء دوليون إلى استنتاج، بشكل لا يترك أى شك، وهذا ما يتبين أيضاً من معطيات أبحاث، بأن التطعيمات بصورة عامة، والتطعيم ضد الحصبة، النكاف والحصبة الألمانية (MMR) بصورة خاصة، لا تسبب التوحد.
فيما يلى ملخص لأربعة من الأبحاث الكثيرة التى دحضت إمكانية تسبب تطعيم الثلاثى - MMR فى التوحد:
فى عام 1999 قام الباحث برينت تايلور (Brent Taylor) وزملاؤه بإجراء بحث مدروس ومراقب جيداً فحصوا خلاله العلاقة المتبادلة بين تلقى التطعيم الثلاثى (MMR) وبين تطور مرض التوحد. لقد فحصوا سجلات 498 طفلاً يعانون من التوحد ومن اضطرابات ذات خطوط توحدية (Autism like disorder).
إن الأطفال الذين شملهم البحث تم أخذهم من سجلات أطفال متوحدين من مقاطعة North Thames فى إنجلترا من الفترة التى سبقت عام 1998 (العام الذى أدخلوا فيه استعمال التطعيم الثلاثى - MMR إلى نظام التطعيم الروتينى)، وما بعدها. الباحث تايلور قام بفحص انتشار مرض التوحد فى كل مجموعة (الذين تلقوا التطعيم بعد عام 1988، والذين لم يتلقوه قبل 1988). كما قام بفحص سن الطفل وقت تشخيص التوحد. استنتاجاته ومعطياته:
نسبة الأطفال الذين تم تطعيمهم كانت متشابهة فى صفوف الأطفال الذين يعانون التوحد، والأطفال الذين لا يعانون التوحد.
لم يتبين وجود اختلاف بسن تشخيص التوحد فى صفوف أطفال تلقوا التطعيم، وبين الذين لم يتلقوا التطعيم.
المدة الزمنية بين موعد بداية أعراض التوحد، وبين موعد إعطاء التطعيم كانت مختلفة من حالة إلى حالة (بعد مرور شهرين، أربعة أشهر، أو ستة أشهر).
هذه المعطيات لا تدعم آلية وجود علاقة بيولوجية بين التطعيم والإصابة بالمرض.
أبحاث أخرى نشرتها الباحثة نتالى سميث (Natalie Smith) فى المجلة العلمية Journal of American Medical Association، والباحث هيرشيل جيك (Hershel Jick) فى صحيفة British Medical Journal أظهرت أن الارتفاع فى التقارير عن الأطفال الذين يعانون التوحد ليس مرتبطاً بارتفاع استعمال التطعيم الثلاثى- MMR.
أكبر بحث درس العلاقة المتبادلة بين التطعيم الثلاثى - MMR وبين التوحد، نُشر عنه فى الصحيفة الأمريكية الراقية the New England Journal of Medicine فى شهر تشرين الثانى/نوفمبر 2002. هذا البحث شمل 537.000 طفل من الدنمارك بعضهم تلقوا التطعيم، والبعض الآخر لم يتلقوه. وقد تم فحصهم ست سنوات بعد تلقى التطعيم. تبين أن انتشار مرض التوحد كان متشابهاً فى صفوف الأطفال الذين تلقوا التطعيم الثلاثى- MMR، وفى صفوف الأطفال الذين لم يتلقوا هذا التطعيم.
جميع الأبحاث التى فحصت العلاقة بين تطعيم الحصبة وبين التوحد أو أمراض أخرى (أعراض عصبية) وجدت وبشكل واضح أن التطعيم ضد الحصبة لا يزيد من خطر الإصابة بمرض التوحد أو بأعراض عصبية.
من المهم الإشارة إلى أنه فى عام 2010 أزالت صحيفة لانست من سجلاتها المقال الذى أثار هذا الجدل مع نشره فى عام 1998. أسباب إزالة المقال كانت عيوباً خطيرة فى البحث وكذلك عدم الاستقامة، غياب المسئولية والتضليل من جانب المؤلف.

Saturday, September 29, 2018

خالد منتصر - فيتامين «دال».. كمان وكمان - جريدة الوطن - 29/9/2018

تعليقاً على ما كتبته عن هوس فيتامين «دال»، وصلتنى رسالة من الأستاذ الدكتور أحمد مرتجى، أستاذ طب وصحة المسنين ومؤسس وحدة أبحاث هشاشة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس يقول فيها:
تعليقاً على ما كتبته فى 23/9 عن فيتامين «د»، أود الإشارة إلى أن التحدث عن هذا الفيتامين يحتاج إلى الكثير من الشرح، خاصة أن الكثير لا يعلم عنه إلا أشياء بسيطة، خاصة أنه من المواضيع الطبية التى ما زال يجرى عليها فى البلدان المتحضرة الكثير من الأبحاث، لعدم وضوح علاقته بالأمراض المختلفة، لذا أحب أن أوضح الآتى:
أولاً: أعتقد أننى أول من تحدث فى مصر علمياً عن هذا الفيتامين منذ عدة سنوات، أو على الأقل من الأوائل، وبالتأكيد أول من تحدث عن وضعه فى الشرق الأوسط فى مؤتمر الجمعية العالمية لهشاشة العظام فى مؤتمرها، الذى عُقد فى أبوظبى عام 2016، وكذلك فإننى ومجموعتى من الباحثين فى قسم طب المسنين، بطب عين شمس، أول من أجرى دراسات علمية منشورة فى مجلات طبية عالمية عن هذا الفيتامين فى مصر. وأشير إلى أن أول تقرير منشور فى مجلة علمية عالمية عن المسنين بطب عين شمس.
ثانياً: أول من اكتشف هذا الفيتامين هو العالم الألمانى «أولف ويندوس»، الذى حاز عن هذا الاكتشاف على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 1928، وذلك رغم أنه كان يستخدم عن طريق غير معروف فى علاج مرض «كساح» الأطفال عن طريق استخدام «زيت كبد الحوت» الغنى بهذا الفيتامين منذ عام 1824، بواسطة الطبيب الألمانى «شيوتس»، لكن دون معرفة سبب الشفاء، حتى تم اكتشاف أن السبب يرجع إلى فيتامين «د».
ثالثاً: وجد أن الكثير من الأمراض (سواء الخاصة بالعظام والعضلات أو الأمراض الجسمانية الأخرى) يكون مصاحباً بنقص لهذا الفيتامين، لكن السؤال دائماً هو: هل نقص الفيتامين هو السبب، أم أن المرض نفسه يتسبب فى نقص هذا الفيتامين؟.. وإذا رجعنا إلى الأبحاث العلمية المنشورة فى هذا المجال سنجد أن بعضها يرجع سبب المرض إلى نقص الفيتامين، والبعض يرجع إلى أن المرض هو سبب نقص الفيتامين. ولهذا التضارب فقد بدأت الهيئة الطبية الوطنية فى الولايات المتحدة بعمل أكبر دراستين، بخصوص هذا الفيتامين، ولم يتم نشر النتائج حتى الآن.
رابعاً: للأسف، هناك قلة بسيطة من الأطباء فى مصر تعى وضع هذا الفيتامين، وأسباب نقصه وطرق علاجه السليمة، لذا نجد أن الكثير يتعامل مع نقص هذا الفيتامين بطرق غير علمية، سواء طبياً أو فى الأحاديث، مما يُسبّب بلبلة للعامة.
خامساً: هذا الفيتامين لا يوجد فى الأكل إلا بنسب بسيطة جداً ويلاحظ أنه لا يوجد فى الألبان الطبيعية، إلا إذا أضيف إليها. وأكثر المأكولات التى يوجد بها هذا الفيتامين هو سمك السالمون، لكن من النوع (الحر) الذى يتم صيده من البحار، وهو نادر، وسعره مرتفع جداً، وما يوجد بالأسواق غالباً من إنتاج المزارع، وهو يحتوى على نسبة بسيطة من الفيتامين.
سادساً: من المؤكد علمياً فى الوقت الحالى أن نسبة هذا الفيتامين بالدم يجب ألا تقل عن 30 نانوجرام/ مل حتى نتجنّب التأثير الضار على العظام والعضلات. أما بالنسبة لباقى الأمراض، فالمستوى الصحى غير معروف حتى الآن.
بالتأكيد، التحدّث عن هذا الفيتامين أعمق من ذلك كثيراً، ونحن من خلال «الجمعية المصرية للوقاية من ترقق العظام وطب المسنين»، وهى الجمعية الوحيدة فى مصر التى تضم أطباء من تخصصات مختلفة (روماتيزم - عظام - مسنين - باطنة - طب مجتمع...) نحاول دائماً أن نُلقى الضوء على المستجدات العلمية، ومنها هذا الفيتامين.

Friday, September 28, 2018

خالد منتصر - هل تريدون الدين كيمياء؟ إذاً ألغوا الاستنباط وطبقوا الاستقراء - جريدة الوطن - 28/9/2018

«العلم هو ما تعلمناه حول كيفية عدم خداع أنفسنا»، هذا هو تعريف الفيزيائى ريتشارد فاينمان للعلم. إذاً العلم هو سبيلك الوحيد لعدم خداع نفسك. ودقة وتميز وتفرد هذا السبيل والاحتفاظ به كحائط صد ضد الخدع والأوهام والهلاوس والضلالات، مصدره منهجه وليس سطوته أو سلطته الناتجة عن التخويف والترهيب والوعد والوعيد. والإلحاح من جانب رجل الدين على أن الدين تخصص محظور علينا الاقتراب منه -كما كتبنا وفنّدنا من قبل- ليس إلا إلحاحاً وإصراراً على السلطة والمكانة والهيبة والبيزنس والاحتكار الدائم لصك الحقيقة الذى هو فى جيب رجل الدين فقط، وتصريح دخول الجنة الذى يُخرجه من كُمّ جلبابه كالساحر عندما يخرج الأرنب من القبعة، بشرط أن تسلمه قيادك ولا تفكر إلا من خلال مخه فقط.
الدين والكيمياء مختلفان فى المنهج، الدين والفيزياء كل منهما له أسلوب فى عرض وإثبات الحقيقة. معنى الصدق هنا غير هناك، ما يقوله رجل الدين يقوله منتظراً التسليم والإذعان، لكن ما يقوله رجل العلم ينتظر النقد والتفنيد. الأول يغضب من اعتراضك لأنه وكيل السماء، الثانى يفرح بانتقادك لأنه باحث عن الحقيقة واعتراضك سيجعل مشواره إليها أقصر وطريقه إليها أيسر وأكثر دقة وانضباطاً. هو صراع بين روح القياس والاستنباط التى هى عماد الدين وأساسه، ومنهج الاستقراء الذى هو عماد العلم التجريبى وأساسه. إذا حاولنا تقريب المسألة أكثر، الدين فيه شبه كبير من الرياضيات mathematics، أو بتشبيه أكثر دقة وتقريباً للأذهان، الدين مثل تمارين الهندسة، فلو تذكرت تمارين الهندسة التى كنت تدرسها فى المرحلة الإعدادية، كان التمرين يأتى لك بشكل مثلث مثلاً وفيه زاويتان معروفتان وعليك أن تستنتج الزاوية الثالثة، هذه معطيات ثابتة لن تستطيع أنت كطالب أو مُتلقٍّ أن تغير فيها، لن تستطيع أن تعترض على ما كتبه المعلم، وتقول: أنت قد أعطيتنى زاوية حادة خمسين درجة أريدها ستين درجة أو سبعين درجة، فأنت قد أخذت المعطيات وعليك فقط الحل والبرهان، وأقصى شىء تستطيع فعله هو أن تعمل عملاً يساعدك على الحل، ولكن فى إطار التمرين الهندسى والمعطيات الممنوحة والطريق الذى وضعك فيه المدرس. إذاً أنت فى التمرين الرياضى أو الهندسى تقيس وتستنبط، وكل مجهودك فى مسألة الهندسة هو العراك الفكرى لإثبات المعطى والممنوح والمنزَّل من قبَل السلطة الأعلى وهى المعلم الذى يتم تغييره واستبداله فى الدين بالفقيه والشيخ والملا والكاهن والحاخام، لكنك فى العلم التجريبى تبدأ من ملاحظاتك أنت أو تبنى على ملاحظات من قبلك، ولكن بعد تفنيدها، تنظر إلى تلك الملاحظات الماضوية بروح النقد والشك ابتداء، ولا يتسرب إليك لمجرد لحظة إحساس رعب أو تقديس أو خوف من تغيير أو فزع من اعتراض أو تشكيك، وهذا الفزع من نقد الماضى وأساطين الماضى واعتبارهم أنصاف آلهة ليس فى الدين فقط، فقد ظل العامة قروناً مؤمنين بأن أسنان الرجل أكثر عدداً من أسنان المرأة لمجرد أن أرسطو قد قال ذلك، ولم يجرؤ أحد على فتح فم زوجته لعد أسنانها، وإن حدث وتجاسر زوج وفتح فم زوجته بنية معرفة عدد الأسنان ووجدها مساوية لعدد أسنانه فسيقول فوراً: من المؤكد أننى على خطأ، فأرسطو لا يمكن أن يخطئ، ومن أنا حتى أطاول قامة أرسطو! نفس الفزاعة التى يشهرونها فى وجه كل من يحاول الاجتهاد والخروج عن القطيع، يصرخون فى وجهه: «من أنت أيها الفسل حتى تطاول وتتطاول على أسيادك وتاج رأسك من الفقهاء ورجال الدين»؟!
ولكن ما الذى يميز الطريقة العلمية حتى يتحقق بها كلام «فاينمان» بأنها ضد الخديعة؟
ببساطة لكى نصل إلى قانون علمى لا بد أن نمر بثلاث مراحل:
- ملاحظة حقائق ذات دلالة.
- الوصول إلى فرض يفسر تلك الحقائق.
- استنباط نتائج من الفرض يمكن اختبارها.
بعد تلك المراحل الثلاث إذا تبين صحة تلك النتائج تم قبول الفرض «مؤقتاً» على أنه فرض صحيح. أعيدها مرة أخرى، وأرجو منكم تكرارها معى ووضع ألف خط تحت هذه الكلمة المهمة فى المنهج العلمى «مؤقتاً». ومن مميزاته أيضاً أنه يبدأ من ملاحظة الخاص ليصل إلى العام، وقوة المنهج الاستقرائى -أو بتعبير أدق اختلافه- هو أن الاستقراء علاقة صاعدة induction مكانها المعمل وقراءة الطبيعة، ونستطيع أن نطلق عليها informal sciences «علوماً إخبارية»، أما القياس والاستنباط فهما علاقة هابطة deduction مكانها ومجالها الكتب، ونستطيع أن نطلق عليها formal sciences «العلوم الصورية» مثل المنطق والرياضيات، فأنا فى القياس أكتب عن كتب ومن كتب وهوامش على الكتب وهوامش على الهوامش، ويصير لقبى «الحافظ» الذى نراه يتردد كثيراً فى تمجيد علمائنا المسلمين. ومن مظاهر تميز المنهج الاستقرائى التعميم أو محاولة التعميم المؤقتة أيضاً كما نبهنا من قبل، تعميم جاذبية نيوتن، والذى جاء بعده أينشتاين بتعميم يتجاوز المادة إلى محيط الطاقة والضوء، أما الخطأ المحتمل الذى ينتقد البعض العلم فيه ويسخرون قائلين «خطأ محتمل وتعتبرونه قوة، إنه مظهر ضعف بالطبع»، وهذا الاستنتاج من العقول التى تربت على الفاشية استنتاج مبنى على النظرة الإذعانية الانسحاقية لذوى الهوى السلفى فى التفكير، ذلك لأن الخطأ المحتمل يجعل العالم دائماً فى حالة شك وتساؤل وبحث عن الأجود والأدق والأقرب إلى الحقيقة، وأيضاً من باب الوهم وخداع النفس ومحاولات رجال الدين التقليل من شأن العلم قولهم: «شوفوا يا أهل العلم، ألا تخجلون من أن كتاب كذا فى الحديث أو الفقه ظل صحيحاً طيلة ألف سنة لا يقترب منه شخص بتغيير حرف أو انتقاد عبارة وأنت تغير مرجعك الطبى كل خمس سنوات»، أرد على سخريته بأننى فخور بتغيير مرجعى كل سنة وليس كل خمس سنوات، لأن هذا هو مصدر قوة منهج العلم الذى أتبناه وأعتنقه، وفخور أيضاً بأن كل من انتقد مرجعى الطبى حصل على جائزة نوبل وكانت المكافأة ميدالية، بينما كل من انتقد مرجعك الدينى حصل على حكم إعدام وكانت المكافأة هى رأسه المقطوع! العالم لا يقول مثل رجل الدين «أنا الحق»، بل يقول أنا مجرد مرحلة فى طريق الحق، أنا مجرد طوبة فى مبنى الحقيقة، الساعة لم تكفنى والمتر لم يُشبع شهيتى فى القياس فبحثت عما هو أدق فجاءت الدقيقة ثم الثانية فالفمتو ثانية، وجاء السنتيمتر ثم الملليمتر ثم الميكرون.... إلخ. العالم يقول أنا قليل الحقائق كثير الأسئلة والاستنتاجات، أنا أسعى إلى التجريد، فكلما زاد التجريد زادت انتصارات العلم كما يقول برتراند راسل، فالفلاح الذى يعرف قمح حقله بتفاصيل تفاصيله أفقر من تاجر البورصة الذى لا يعرف القمح إلا مجرداً على شاشة الأسعار، ولأن العلم يحمل فى نواته سر خلوده وانتصاره، ألا وهو إمكانية وقابلية المساءلة والمحاكمة، ولأنه لا حصانة دبلوماسية تمنعنا من تلك المساءلة، لذلك فهو يتطور لأنه يحتضن علامة الاستفهام ويحض على الشك ويرحب بالنقد بل لا يعيش إلا فى حقل النقد وخيمة أوكسجينه.

Thursday, September 27, 2018

بوابة عمّ «وليم» بقلم فاطمة ناعوت ٢٧/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


وأنا طفلةٌ فى المرحلة الابتدائية كان لمَدرستى بوابتان. واحدةٌ على الشارع الرئيسى مُخصّصةٌ لدخول ميس لولو، عميدة المدرسة والمدرسين والشخصيات البارزة من الوزارة، وزيارات أولياء الأمور. حارسها اسمه عمّ وليم، رجلٌ طويل نحيلٌ قوى الشخصية، قليل الابتسام. وأما البوابةُ الأخرى فكانت فى الشارع الجانبى وحارسها عم محمد. وهى البوابة التى يدخل منها التلاميذُ مع المُشرفين أو الوالدين، والقائمين على نظام المدرسة. وكانت باصات المدرسة تقف أمام هذه البوابة، وعلى مقربة منها، تجلسُ امرأةٌ عجوز فقيرة، تتلمّس رزقَها من إحسان المارّة. مصروفى وقتذاك، فى أولى سنوات حياتى، كان لا يتجاوز القروشَ الخمسة، اعتدتُ أن أقسمها إلى: (قرشين لى، وثلاثة للأم العجوز). ولماذا نصيبُها أكبرُ من نصيبى؟ لأن عقلى الطفلَ وقتها كان يتصوّر أن الأكبر عُمرًا يتناول طعامًا أكثرَ من الأصغر.
وأما القرشان اللذان يتبقيان لى: فواحدٌ أشترى به لِبان إيكا، والآخر كيس تشيبس أو قطع كاندى (كلّ الممنوعات عن البيت). فى بعض الأيام كنتُ لا أعطى المرأةَ حقَّها فى مصروفى طمعًا فى حلوى أكثر، ويكون ذلك دائمًا فى يوم صدور مجلة ميكى من كل أسبوع. تلك كانت أتعسَ أيام حياتى وأشقاها. أولا، لابد أن أهبط من الباص بحذر، وأدور من ورائه لأتخفى وراء طابور الباصات بعيدًا عن عيون المدرسين والمشرفين، (حتى لا تلمحنى السائلةُ العجوز). ثم أنحرف يمينًا حتى أصل إلى بوابة عم وليم. ثم أحاول التسلّل للداخل دون أن يرانى. يرانى بالطبع، فيكفهرّ وجهه ويتطاير الشررُ من عينيه، قائلا: تاااانى؟ مش قلنا ألف مرة دخول التلاميذ الحلوين من الباب التانى؟! فأرد عليه بخجل: معلش بقا يا عم وليم. من فضلك بقا خلينى أدخل الطابور!، فيبتسم ويقول: طيب اتفضلى ادخلى. بس آخر مرة، (يقول الأخيرة بحسم وحزم وتنبيه بإصبع السبابة). وبالطبع لا تكون الأخيرة؛ لأن المرّات التى أبخل فيها بقروشى عن السائلة العجوز، للأسف، لا تتوقف.
أقفُ فى الطابور ثم أدخلُ الفصلَ، وأنا حزينة مكسورة القلب، يكادُ تأنيب الضمير يفتكُ بى. ذهنى مشتّتٌ أكادُ لا أسمع كلمةً من شرح المُعلّمات. أخرج إلى الفُسحة وأشترى لبانًا بلا طعم، وحلوى مُرةً مذاقُها حنظل، ولا أشارك الرفاق لعبة الأولى أو هايد اند سيك أو الثعلب فات. أعود إلى البيت صامتةً، بعد انتهاء اليوم الدراسى، ثم أركضُ إلى غرفتى وأغلق الباب. أنظر إلى وجهى فى مرآة التسريحة ذات اللون السماوى، فأجد وجهى مقيتًا مثل وجه العفاريت، ينكسر قلبى وأندسُّ تحت لحافى وأغرق فى النوم الحزين، حتى توقظنى أمى أو المربية قسرًا لأتناول الغداء دون شهية. فى صباح اليوم التالى، أركض رأسًا إلى الأم العجوز حتى أمنحها القروشَ الخمسة كلَّها، حارمةً نفسى من إيكا، وقطع الحلوى، وأعود إلى مرآتى عصرًا، فأشاهد على صفحتها أجمل وجه فى الدنيا، يكادُ من إشراقه يضىء.
استقرّ فى وعيى وقتذاك أن المرايا تثيبُ وتُعاقب. وكان الأمر بالنسبة لى مُلغِزًا مُحيّرًا. كيف عرفت مرآةُ غرفتى أننى اليومَ كنتُ بنتًا طيبة: منحتُ الفقيرة قروشًا من أموالى، وأطعتُ المعلمات، وقدّمتُ الواجبَ المدرسى، وحافظتُ على كراساتى، ولم أتشاجر من رفاقى، وأكلتُ جميع الساندوتشات التى صنعتها أمى فى الصباح، ولم ألوّث يدى بالحبر وجيوبى بالطباشير …..، كيف عرفت المرآة كلَّ ذلك فجعلت وجهى على صفحتها جميلا؟ وفى يوم آخر، كيف عرفت أننى كنت أنانية ولم أعط الفقيرة حقَّها فى ثروتى، فترسم لى وجهًا قبيحًا على صفحتها؟ وآمنتُ بأن تلك المرآة سحرية ترى كل ما أفعل فى يومى، وترسم لى وجهًا وفق أفعالى الطيبة أو الشريرة. وظللتُ طوال طفولتى أخاف من عقاب المرايا، ولم ينته ذلك الخوفُ حينما كبرتُ ونضجتُ وأدركت أن المرايا لا ترى، ولكن عقابها حقٌّ وله تفسير علمى. وكتبتُ قصيدةً: عقاب المرايا صدرت عام ٢٠٠٠ فى أحد كتبى المبكّرة. ومازلتُ أراقبُ سلوكى وأفحصُ قلبى طوال اليوم، وأنا أعمل ألف حساب لمرايا بيتى. المرة القادمة سأحكى لكم التفسير العلمى لظاهرة عقاب المرايا وثوابها.

خالد منتصر - جلال أمين اقتصادى بدرجة عالم اجتماع - جريدة الوطن - 27/9/2018

رحل زرقاء اليمامة د. جلال أمين، قارئ كف مصر وخريطتها الاجتماعية وتحولاتها الثقافية، وهو الذى درس الاقتصاد وصار من أهم أساتذته فى مصر، ولم يكن أستاذاً لعلم النفس أو الاجتماع، لكنه أحياناً يخرج من جعبة غير المتخصص دراسة تكون أكثر عمقاً ونفاذاً وصدقاً من المتخصّص، ينطبق هذا على كتابه الرائع «ماذا حدث للمصريين؟»، الذى لا بد أن يكون فى صدارة مكتبة كل مصرى. د. جلال أمين له دراسات وكتب وإسهامات عديدة، لكن يظل هذا الكتاب هو الأثير والمتفرّد والمتميّز والمؤثر، فجلال أمين ابن بيت متذوق للأدب، لذلك يتمتع بأسلوب أدبى رفيع، ولغة سلسة طيعة اكتسبها من الأب العظيم أحمد أمين، وأيضاً لديه جسارة الاختلاف عن السائد، وقراءة التراث بعين الناقد لا المنسحق، وسبقه فى هذا وأثر فيه شقيقه الكاتب الفذ حسين أمين، إذن نحن أمام خلطة مصرية ثقافية تستطيع الحرث فى تربة جديدة، كوكتيل قادر على إدهاشك، لا تستطيع إلا أن تهتف مع كل قراءة له «إزاى فاتت علىّ الحكاية دى»، أنت ربما تكون قد شاهدت وعاصرت، لكن من خلال عينى جلال أمين أنت ترى المشهد مختلفاً وصادماً وغير مألوف، لا أنسى فى هذا الكتاب قراءته لتغيرات الإنسان المصرى من خلال المصايف، بداية من رأس البر وانتهاءً بمارينا، مروراً بالمعمورة وميامى وجمصة وبلطيم.. إلخ، كيف كان التصييف طلباً للبهجة، وتحول إلى عطش للشو والاستعراض، هذا مجرد نموذج التقطته عين جلال أمين الذكية الواعية العاشقة للمحروسة، عينه التى هى دائماً بكر فى حالة طزاجة مزمنة، والتأبين الحق الذى يستحقه جلال أمين هو استكمال تلك الدراسة بأجزاء أخرى، ماذا حدث للمصريين فى الألفية الثانية؟، ماذا حدث بعد الثورة؟.. إلخ، لو كان جلال أمين بيننا ماذا سيقول عن كومباوندات الساحل الجديدة التى صارت مارينا بالنسبة إليهم «بيئة»؟، ماذا سيقول عن ملاك الفيرارى واللامبورجينى بعد أن صارت المرسيدس بالنسبة إليهم مجرد «توك توك»؟!، ماذا سيضيف جلال أمين عن تطورات الزى الذى صار أفغانياً قندهارياً؟!، جلال أمين مثال ونموذج مثالى للمثقف المهموم الوطنى بجد، ودون صراخ أو استجداء، شجرة الثقافة المصرية التى تضرب بجذورها فى عمق تراب هذا الوطن، تتساقط ثمارها بإيقاع سريع يدعو إلى الفزع والرعب، الفزع ممن يجهلون ملامح مصر، والرعب ممن يستخدمونها سكناً لا وطناً.. رحم الله جلال أمين، وكل أمين على ثقافة وذاكرة وروح مصر.

Wednesday, September 26, 2018

خالد منتصر - صفحة الجريمة دفتر أحوال الوطن - جريدة الوطن - 26/9/2018

أهم صفحة فى الجرائد المصرية ليست الصفحة الأولى، بل هى صفحة الجريمة. منها تستطيع أن تقيس نبض ودرجة حرارة عقل وجسد الوطن، ولذلك أعتبر الملف الذى أصدرته «الوطن» فى عددها أمس هو أهم ملفات هذا العام الصحفية. ولو أردنا خيراً وتقدماً لهذا الوطن لا بد أن يعكف كل علماء الاجتماع والنفس وكل مسئولى الحكومة على دراسته وتحليله، لا بد أن يكون أهم ملف على مكتب الوزيرة غادة والى، وعلى مكتب وزير الداخلية، بل لا بد أن يكون على مكتب الرئيس شخصياً، فالمكتوب فى هذا الملف الشامل الذكى هو رصد لأخطر ما يمر به الوطن، ألا وهو الشرخ الاجتماعى والتصدع السلوكى، فما كنا نراهن عليه من تماسك أسرى يستطيع ترميم أى خراب وغلق أى خرّاج ووقف أى نزيف، قد ذهب مع الريح، وصارت مجرد كلمة أو خناقة أو خلاف فى الرأى أو قرص ترامادول أو نظرة شبق كافية لقتل أسرة وذبح أشقاء وخنق أبناء وتقطيع جثث زوجات وأزواج. أنادى بأن يكون هذا الملف هو قضيتنا المقبلة وحل تشابكاته وارتباكاته هو مشروعنا القومى الملح. يطرح الملف سؤالاً أعمق من مجرد الخلافات الأسرية وجرائم القتل، يطرح أيضاً قضية تعريف الأمن والقانون خارج صفحات الكتب الأكاديمية، تذكرت بعد قراءة الملف قصة «الجريمة» لنجيب محفوظ، فى نهايتها يدور حوار عبقرى بين بطل القصة وأحد ضباط الشرطة، يسأله فيه الضابط باستخفاف قائلاً:
1 - ما واجبنا فى رأيك؟
2 - واجبكم أن تحققوا العدالة.
3 - لا، بل واجبنا هو حفظ الأمن.
4 - وهل يُحفظ الأمن بإهدار العدالة؟
5 - وربما بإهدار جميع القيم!
6 - تفكيرك هو اللعنة.
7 - هل تخيلت ما يمكن أن يقع لو حققنا العدالة؟
8 - سيقع عاجلاً أو آجلاً.
9- فكر طويلاً، بلا مثالية كاذبة، قبل أن تكتب تقريرك، ماذا ستكتب؟
10 - سأكتب أن جميع القيم مهدرة، ولكن الأمن مستتب!!
انتهى الحوار بهذه الجملة التى تحمل بصمة نجيب محفوظ التى تنفذ إلى أعماق الأعماق، والتى تلخص لنا فى نفس الوقت الصراع الأبدى بين العدالة والأمن، ويطرح السؤال الصعب والمحرج وهو: هل لا بد بالضرورة من أن يترجم الأمن مفهوم العدل وأن يكون تطبيقاً أميناً له؟ لا يكفى التحسر بأننا كنا زمان حلوين وطيبين وشعب متدين بطبعه، لا بد أن نتحرك سريعاً ونجيب عن أسئلة الملف، لماذا العنف الأسرى تجاه الفتيات أكثر؟ هل هذا العنف ضد المرأة له خلفية ثقافية أو دينية؟ هل الجيل الحالى قد تصالح مع العنف والقبح؟ لماذا جرائم الميراث التى كل أطرافها يحفظون الآيات ويعرفون أحكامها ويدّعون الإيمان والتدين ويأكلون حقوق بعضهم فيه، هل المخدرات هى السبب؟ هل الأفلام الإباحية هى سبب الجرائم الجنسية؟ هل برامج «التوك شو» هى المرض أم هى العرَض؟ هل اتهام الدراما صحيح؟ أسئلة تحتاج الإجابة وتحتاج أكثر صراحة المواجهة وعدم الالتفاف، نحن نراوغ بتعليق كل خطايانا على شماعة الإعلام والدراما والفن الهابط، لا بد أن نحفر إلى العمق والجذور لا أن نظل ناظرين محملقين فى الثمار وننسى السماد الذى نغذى به الجريمة.

Tuesday, September 25, 2018

الشفافية والوضوح مطلوبان من وزير التعليم بقلم د. محمد أبوالغار ٢٥/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


بمناسبة بدء العام الدراسى عقد وزير التعليم مؤتمراً صحفياً تحدث فيه عن أهمية التعليم والفهم، وأن انتهاء التلاميذ من المرحلة الأساسية بدون القدرة على القراءة جريمة. وتحدث عن حظر التدخين والمحمول بالمدارس وكلها أمور بديهية لا تحتاج مؤتمراً. وما كان مطلوباً من الوزير هو أن يشرح للشعب مدى ما وصل إليه مشروعه عن الإصلاح الجذرى للتعليم وما هى العثرات وأسبابها.
المصريون جميعاً يريدون تقدماً وتحسناً بل وطفرة فى التعليم. الوزير يبدو أن عنده أفكارا ربما تكون جيدة وقد أعجب بها الرئيس والحضور، بعد أن قدمها فى أكثر من محاضرة بطرق الشرح الحديثة على الكمبيوتر.
الشعب المصرى كله فى انتظار تحسن التعليم ولأن مصر فى مستوى التعليم أصبحت فى ذيل القائمة العالمية وحتى العربية بعد أن كان الجميع يأتون إلى مصر للتعلم. ولكن الوزير يضن على الشعب المصرى بالمعلومات، بل ويهددهم بأن من يناقش مشروعه هو ضد الأمن القومى. وأنا أقول له إن مشروع التعليم بالذات مشروع يهم كل المصريين والفقراء قبل الأغنياء لأن الأغنياء عندهم من الإمكانيات ما يعلمون به أولادهم. أما الفقراء فهم تحت رحمة وزارة التعليم ووزيرها.
نعلم أن فلسفة المشروع فى توحيد التعليم الأساسى قد فشلت لأن مؤيدى التعليم الدينى والتعليم الأجنبى باهظ التكاليف ثبت أنهم أقوى من المشروع ومن الوزير.
استخدام التابلت فى تحديث التدريس فكرة جيدة وقد كتبت فى «المصرى اليوم» من شهور أن تطبيقها على مليون ونصف تلميذ يستلزم وجود وصلات كهربائية منتظمة بكثافة فى الفصل ووجود إنترنت قوى أيضاً وقلت إننا يجب أن نتأكد من ذلك بالإضافة إلى تدريب المدرسين على هذه التقنية.

لم تبال الوزارة بالمقترحات التى قالها الكثيرون، والآن قرأنا أن التابلت الذى أعلن الوزير أنه سوف يسلم لمليون ونصف تلميذ قد تقلص إلى خمسين ألف فقط. وقد أعلن الوزير مسبقاً عن نظام الباقة التعليمية ونظم الامتحانات وبنك الأسئلة ويبدو أن كل ذلك لم يتم، والعام الدراسى قد بدأ.
المطلوب من الوزير:
١. أن لا يتعالى على المواطنين ولا يهددهم بدون سبب ولا يعتبر أن أسئلتهم هى تدخل فى ما لا يعنيهم وأن يعرف أن وظيفته كرجل سياسى أن يشرح للناس ويجيب عليهم ويحترمهم.
٢. الوزير كان أستاذاً بالجامعة الأمريكية وخبيرا بالنظم العالمية للتعليم ويعرف جيداً أهمية الشفافية فى ما يقول وأهمية أن يناقش الأمر بديمقراطية مع خبراء التعليم ومع الصحفيين ومع الشعب كله.
٣. نريد أن نعرف عدد التابلت الذى تم توزيعه وهل تم تدريب المعلمين عليها، وكم مدرسة مجهزة لاستخدامه بالوصلات الكهربائية والإنترنت وما أخبار بنك الأسئلة وغيرها من البنود المدرجة فى مشروع الوزير.
٤. الطلاب يشترون الكتاب الخارجى لأنه أفيد لهم من كتاب الوزارة، وبدلاً من معارك وهمية مع ناشرى الكتب، أبذل مجهوداً ليكون كتاب الوزارة هو الأكثر فائدة وجاذبية للتلميذ، وفى هذه الحالة لن يشترى أحد الكتاب الخارجى.
٥. من المهم أن يحدثنا الوزير عن أعداد التلاميذ الذين وصلوا للمرحلة العمرية لبدء السنة الأولى الابتدائية وهل يوجد أماكن لهم فى المدارس وهل حدث تحسن فى الفصول وأعدادها وهل تم استيعابهم.
٦. على الوزير أن يصدر بياناً واضحاً بما تم تنفيذه من مشروعه الذى أصبح غامضاً. فى أى عام دراسى تبدأ دراسة اللغة الأجنبية؟ هل كتب العام الماضى هى نفس كتب هذا العام؟ ما حدث بدقة من تغيير؟ نظام الامتحانات الذى أعلن وحساب أحسن نتيجتين من أربعة امتحانات هل فعلاً سوف يطبق؟ وليس عيباً أن نعلن أن المشروع كان أكبر من قدرتنا وأننا سوف نطبقه على عدة أعوام وندرس الموقف ونعلن الخطة.
أعتقد أن الشفافية أمر شديد الأهمية لملايين المصريين والمصارحة التامة بما يمكن تطبيقه وما لا يمكن من المحاضرة الكمبيوترية التى قدمها الوزير أمر ضرورى.
أما الغموض والتعالى وتهديد المواطنين وخبراء التعليم فهو أمر لن يفيد التعليم ولا الوطن ولا مصداقية الوزير التى يهمنا أن تكون عالية فى وزارة هامة..
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Monday, September 24, 2018

مُعلِّمةُ البيانو بقلم فاطمة ناعوت ٢٤/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


كانت عيناها مُعلّقتين بالأصابع النحيلة. تعلوان، كلما ارتفعتِ الأصابعُ، وتهبطان، هبطتِ الأصابعُ الصغيرةُ، بحساب دقيق، فوق المفاتيح البيضاء والسوداء؛ لتصنعَ نغمةً أو تُشكِّلَ صمتًا. فالصمتُ جزءٌ من النغم. كان قلبُها يخفق مع أناغيم البيانو التى يعزفها الصغار.
أنْ تستمعَ إلى الموسيقى، فقد ضمنتَ أن روحَك ستظلُّ صافيةً لن تتعكّرَ أو تتشوَّه. وأنْ تعزفَ الموسيقى، فأنت من الطيبين الأخيار الذين يساهمون فى ارتقاء البشرية. لأن كلَّ مَن سيُنصِتُ إلى عزفِك، لن تتشوّه روحُه وسوف يحتفظُ بقلبٍ طفلٍ نقيّ يُشيّدُ العالمَ على السلام والرَّغد. وأنْ تؤلِّفَ الموسيقى، فأنت من الاستثنائيين فى هذا العالم الذين يُخلّدهم التاريخُ بوصفهم صُنّاعًا لمجد البشرية، مثل مَن شيّد الأهرامات، ومن اخترع مَصلَ البنسلين، ومن اكتشف قارّات العالم، ومن ابتكر نظرية الجاذبية والكمّ والنسبية. أمّا أن تُعلِّمَ الموسيقى، فأنت من النُخبة المُصطفاة من البشر لأنك جمعتَ كلَّ ما سبق من أمجاد، ووجبَ علينا الانحناءُ أمامك؛ ذاك أنَّ مَن ينشرون علومَهم وعصارات أفكارهم، يشبهون الأنبياء وأصحاب الرسالات الكبرى فى هذه الحياة.
أعرفُ واحدة من أولئك الرسولات اللواتى حصدن جميع ما سبق من أمجاد وشرف. كنتُ أجلسُ إلى جوارها أتأملُ جسدها النحيل يختلج مع وقع النغم، وأرمقُ عينيها البُنِّيتين تعلوان وتهبطان مع الجوابات والقرارات المعقودة بأصابع الصبيّة الجميلة التى تجلسُ إلى البيانو فوق خشبة المسرح فى متحف سوزان مبارك، تعزف الحركة الرابعة من السيمفونية الخامسة التى استلهمها بيتهوفن من وقع قرعات يد صاحب البيت على باب غرفة بيتهوفن المُستأجرة، يطلب الإيجار، الذى لم يكن فى حوزة الموسيقار الفقير العظيم، مع بدايات القرن التاسع عشر، فمنحها اسم «ضربات القدر». تنهضُ الصبيةُ الجميلةُ من مقعد البيانو، وتحصد تصفيقنا الحار، ليجلس محلَّها طفلٌ فى الخامسة من عمره يعزف مقطوعة أخرى لموتسارت، ثم صبيةٌ أخرى تعزفُ مقطوعة لعمر خيرت، وقلبُ مُعلّمة البيانو الجالسة إلى جوارى فى الصف الأول من حضور ريسيتال البيانو، لا يكفُّ عن الخفق مع كل نغمة تصنعها أناملُ تلاميذها وتلميذاتها الذين علّمتهم كيف يتذوّقون النغمة وكيف يعزفون على هذه الآلة العملاقة الملكة: البيانو.
شعرتُ بفرحة غامرة حين علمتُ أن طلاب مدرسة البيانو قد اختارونى بالاسم لكى أُسلّمهم شهادات التخرج والتدرّج بين مستويات التعلّم من الصف الأول وحتى الصف الرابع عشر، جنبًا إلى جنب مع المُعلّمة التى درّبتهم طوال سنوات الدراسة، د. تريزا عبده، مُعلّمة البيانو والمايسترا الجميلة. فى دار الأوبرا المصرية، قدّمتْ أولَ مقطوعة من تأليفها بعنوان رومانس، على الفلوت والبيانو، وهى بعدُ صبيةٌ فى الصف الأول الثانوى. وبعد تخرّجها فى الكونسيرفاتوار قسم التأليف الموسيقى والقيادة، عزفت مع أوركسترا الجيش المصرى بالشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وشاركت فى العديد من الحفلات الأوبرالية تحت قيادة أستاذتها د. سمحة الخولى. ثم قرّرت أن تمنح نُسغَ ما تعلّمت من فنون للنشء الجديد، فأنشأت مدرسة لتدريس البيانو والصولڤيج والنوتة الموسيقية بطريقة أكاديمية احترافية، فتخرّج من بين يديها عشراتُ الموهوبين، بعضهم يجلس أمامى الآن أمام البيانو فى حفل التخرج الذى تشرفتُ بحضوره ومنح شهادات التفوق لأبنائنا الرائعين الذين تمنيتُ أن يصبح مثلَهم كلُّ شباب بلادى وأطفالها. فى كلمتى التى أعقبت توزيع الشهادات تذكّرتُ مقولة أفلاطون العظيمة التى قالها لشعب اليونان بعد عودته من مصر التى استمع إلى موسيقاها وهو يتعلّم العلوم والفلسفة فى مكتبة الإسكندرية القديمة «بيبليوتيكا دو لى ألكزندرينا» التى شيدها بطلميوس الأول قبل ثلاثة وعشرين قرنًا. قال أفلاطون: «علّموا أولادكم الفنونَ ثم أغلقوا السجون». وصدق الفيلسوف العظيم، لأن الفنونَ الرفيعةَ خصمٌ شرسٌ للجريمة والانحطاط الخلقى.
تحية احترام لكل من تعلّمَ الموسيقى ثم علّمها. وتحية لكل الصبايا والأطفال الذين قدموا الفنَّ الرفيع فى ذلك اليوم البهيّ من الأسبوع الماضى. مريم وحيد، مارينا جندى، ماريهان محمود، وطفلها إياد يوسف، رافاييل جرجس، دافيد جرجس، إيرينى نبيل، كاراس نبيل، أليكسا أشرف، ستيفانى أشرف. ومن قبلهم تحية احترام وحبّ لكل أب وأم أرسلا طفلهما أو طفلتهما لتعلّم الموسيقى، وتحية حبّ واعتزاز لمعلّمة الموسيقى: د. تريزا عبده. علّموا أولادَكم الموسيقى، حتى ترتقى مصرُ الطيبة.

Sunday, September 23, 2018

القانون والثقافة بقلم د. عماد جاد ٢٣/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


نعانى منذ عقود ممتدة من حالة تغييب للقانون والانتقائية فى التطبيق على نحو جعل بلدنا يراوح مكانه دون خطوة إلى الأمام فى قضايا مثل المحاسبية، الشفافية، المواطنة والمساواة. واقعنا اليوم يشابه واقع مجتمعات أوروبية قبل قرون طالت او قصرت، تغير الواقع فيها عبر سن قوانين وتطبيقها بصرامة وشفافية، فتوقف الناس عن ممارسة عادات همجية، وتوقفوا عن الاعتداء على بعضهم البعض لاعتبارات تتعلق بعوامل الانقسام الأولى من لغة وعرق ودين وطائفة، أو الانقسام الثانوى التى يكتسبها الإنسان فى مسيرته فى الحياة. تغير الواقع عبر سن قوانين وتطبيقها، حدث ذلك فى دول العالم المتقدم عندما كانت متخلفة مثل حالنا اليوم، خرج البشر فى أوروبا من عصور الظلام والحروب الدينية والطائفية والقومية إلى عالم جديد ينهض على دولة المؤسسات وحكم القانون والمساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، اللغة، الدبن، فالبشر وبعد تجارب مريرة وحروب مدمرة بسبب الانحياز لدين أو طائفة والعمل على تمكينها من الهيمنة والتضييق على المخالف والمختلف، وجدوا أن القاعدة الذهبية للتقدم والتطور هى بناء نظام ديمقراطى بأشكاله المتعددة المعروفة، وحكم القانون، المواطنة والمساواة، حياد الدولة تجاه الأديان والعقائد، بمعنى أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد، لا تنحاز لدين على حساب آخر ولا تمكن طائفة من أخرى، فليس من وظائف الدولة مساعدة أو إجبار المواطن على دخول الجنة، وظيفتها القيام بمهام الحماية والتأمين وتنظيم شؤون الحياة، الدول الفاشلة هى التى تتخذ لنفسها مهام دينية وتخلط الدين بالسياسة.
عندما أرادت هذه الدول بناء قاعدة الانطلاق نحو المستقبل وضعت دساتير ديمقراطية، بنت مؤسسات، فصلت بين السلطات، وسنت مئات القوانين التى تقر المواطنة، المساواة، قبول التنوع والتعدد، حياد الدولة إزاء قضية الأديان والمعتقدات، وفرضت عقوبات صارمة على مخالفة هذه القوانين وتحديدا المساواة بين المواطنين، وكانت هذه القوانين بمثابة الرادع الحقيقى عن ممارسة سياسات التمييز بين المواطنين او التدخل فى شؤون الآخرين، وبمرور الوقت اعتاد المواطنون على وجود هذه القوانين، وتحولت لدى الأجيال التالية إلى ثقافة دون خشية من رادع او عقوبة.
أما فى بلادنا حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض والخرافة، فالأمر مختلف تماما، فلدينا دستور ملتبس، مرتبك بشأن علاقة الدين بالدولة، وفى الوقت نفسه لدينا قوانين بها فقرات غامضة عن عمد تدخل الموضوع فى متاهة ولا تحسم الموقف تجاه قضايا محددة، خذ على سبيل المثال قانون بناء الكنائس الذى صدر مؤخرا عن مجلس النواب من أجل تنظيم وتقنين عملية بناء الكنائس وإصلاحها، وتجد عبارة أن الموافقة على البناء أو الإصلاح «بعد الرجوع إلى الجهات المعنية» ولا يخفى على أحد أن الجهات المعنية هنا تعنى الجهات الأمنية، ومن ثم بات قرار إنشاء الكنائس وإصلاحها بيد جهات أمنية، تعمل وفق الأسس التى وضعت زمن السادات وكادت تفجر مصر أكثر من مرة، وبدلا من أن ينهى القانون حالة الصراع والجدل بشأن إصلاح وبناء الكنائس ساهم فى تعميق جراح المسيحيين فى البلاد ومنع السير باتجاه بناء دولة المواطنة، فما يجرى فى محافظة المنيا ومناطق أخرى هى مجرد أمثلة لغياب إرادة بناء دولة القانون والمواطنة وغرس ثقافة المساواة، فهناك حتى اللحظة عدم إيمان ببناء دولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون، صحيح أن الرئيس يؤكد باستمرار على الرغبة فى بناء دولة مدنية حديثة، لكن الصحيح أيضا أن الوقائع على الأرض تسير فى اتجاه مغاير. الحل الوحيد للخروج من نفق العصور الوسطى الذى ننحشر فيه هو تنقية القوانين وإزالة ما بها من عوار وتضييق، التطبيق الصارم للقوانين على نحو يحولها إلى جزء من الثقافة العامة السائدة، فيكون التعامل بين الجميع وفقا للدستور والقانون لا ميراث العصور الوسطى بكل ما تزخر به من إرث دينى يكبل دولة القانون ويمنع بناء دولة مدنية حديثة، فأساس التعامل بين الدولة والمواطن هى نصوص الدستور والقوانين المستمدة منها والتى تتحول عبر التطبيق الصارم إلى جزء من الثقافة العامة.


ملائكة أرضيون.. عين الكنيسة وحارسها الأمين بقلم الأنبا موسى ٢٣/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

استكمالا للجزء الأول من مقال «الرهبنة جوهرة الكنيسة» المنشور فى ٦ سبتمبر الجارى يأتى هنا سؤال:
ما هى أنواع الرهبنة؟ هل للرهبنة أنواع؟.. نعم.. وهذا حديثنا الآن..
٥- أنواع الرهبنة
للرهبنة أنواع كثيرة، أهمها هذه:
١- نظـــــــــام العزلـــــــة والتوحــــــد: ونقصد به المبادرات الفردية فى القرن الثانى، ثم القديس الأنبا بولا أول السواح (الذى كان سائحاً فى الصحراء عشرات السنين)، وعاش من ٢٢٨م-٣٤١م. والذى لم نتعرف عليه إلا من خلال زيارة القديس أنطونيوس له، حيث سأله الأنبا بولا فى هذا اللقاء عن أمرين:
أ- هرطقة آريوس.. وهل انتهت؟ فأجابه بالإيجاب.
ب- فيضان النيل.. وهل هو مستمر؟ فطمأنه أنطونيوس أن النيل يفيض بالخير كل عام.
وفى هذا نرى أن انعزال الراهب فى جوف الصحراء، لا يلغى لديه انتماءين:
أ- الانتماء الكنسى: حين سئل عن أحوال الكنيسة.
ب- والانتماء الاجتماعى: حين سئل عن فيضان النيل، والحياة اليومية للناس.
٢- نظام الجماعات الرهبانية: وقد شهدتها مصر منذ أن أسسها القديس أنطونيوس عام ٣٠٥م، إذ ترك عزلته ليقود جماعة ضخمة من الرهبان. وكذلك جماعات أخرى مثل تلك التى للقديس آمون الكبير (٢٧٥-٣٣٧م)، فى نتريا بالصحراء الغربية. وتجمعات شيهيت فى وادى النطرون، التى أسسها القديس مكاريوس الكبير (٣٠٠ - ٣٩٠م). وفى مناطق أخرى مثل بسبير والبهنسا وملوى وأسيوط وقنا.
٣- نظام الشركة الرهبانية: وهى المرحلة التى أصبح فيها الرهبان يعيشون داخل أسوار دير كبير، وفى حياة شركة يومية، فى الصلاة والعمل والإنتاج والحرف والصناعات. وهذا النظام أسسه القديس باخوميوس «أب الشركة» (٢٨٦ - ٣٤٦م).
٤- ثم جاء القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (٣٣٣-٤٥١م) - الذى أحيا اللغة القبطية، واستضاف الآلاف فى الدير وقت المجاعة، فربط بين نظامى: العزلة والشركة، فى ديره «الأبيض» فى سوهاج، ووضع قوانين وأنظمة وأساليب إدارة الدير، حيث يقضى الراهب فترة مناسبة فى الدير، ثم يتوحد فى البرية (الصحراء) الداخلية، فى مغارات يحفرها الرهبان بأنفسهم، بمعاونة بعض العمال. ولا يأتى المتوحد إلى الدير، إلا على فترات، ليأخذ بعض المأكولات المناسبة، كتعليمات مرشده الرهبانى. وهذا هو النظام السائد الآن. ومعروف أن قداسة المتنيح البابا كيرلس السادس، وقداسة البابا شنوده الثالث، عاش كل منهما فى مغارة لسنوات كثيرة، يقرأ ويصلى ويسبح الله، الليل والنهار.
٦- كيف انتشرت الرهبنة القبطية فى العالم؟
١- حدث ذلك - كما ذكرنا آنفاً - حينما نشر البابا أثناسيوس سيرة القديس أنطونيوس فى أوروبا، أثناء نفيه هناك، حيث كان قد تتلمذ على يدى أنطونيوس لثلاث سنوات.
٢- الكتب التى كتبها النساك والرحالة الأجانب الذين زاروا مصر، وشاهدوا أنظمة الرهبان، ودرسوا تعاليمهم وأقوالهم، وتقابلوا مع آباء البرية الكبار، وسجلوا كل ذلك فى شهاداتهم مثل: باليديوس وكاسيان وروفينوس وجيروم.
٣- الرهبان المصريون الذين انتشروا فى بلاد أخرى كإنجلترا وأيرلندا وإثيوبيا وإريتريا، أو الرهبان الأجانب الذين عاشوا الرهبنة فى مصر، ثم عادوا إلى بلادهم، مثل: هيلاريون مؤسس الرهبنة فى فلسطين والأردن وسوريا، وباسيليوس الذى أسسها فى آسيا الصغرى، ومارأوجيه فى العراق، وأبيفانيوس فى قبرص.
٧- ما هو دور الرهبنة الآن؟
كان دور الرهبان- ولا يزال- أساسياً فى حياة الكنيسة، ولذلك حرص قداسة البابا شنودة الثالث على تأسيس أديرة قبطية فى المهجر، فى أوروبا وأمريكا وأستراليا...
ومن أمثلة هذا الدور:
١- تقديم نماذج حية مقدسة، سواء من الرهبان القدامى أو المعاصرين.
٢- تركيزهم فى الدراسة أنتج لنا الكثير من الدراسات اللاهوتية والطقوس والعقيدة والتاريخ الكنسى، بالإضافة إلى رصيد ضخم من أقوال هامة فى الطريق الروحى: الصلاة - التوبة - التواضع - التمييز - الجهاد - المحبة - العفة.
٣- قام الرهبان بحفظ الإيمان والتقاليد والطقوس، فى مواجهة الهرطقات التى واجهتها الكنيسة، أو أيام الاضطهاد التى تشتت فيها المسيحيون، حتى بطاركتهم.. مثل الأنبا بنيامين الذى أعاده عمرو بن العاص إلى كرسيه.
٤- تقدم الرهبنة للكنيسة الآباء البطاركة والأساقفة، الذين يقومون بر عاية الشعب، كل حسب اختصاصه أو منطقته الجغرافية.
٥- يرأس البابا البطريرك مجمع الآباء المطارنة والأساقفة «المجمع المقدس» للكنيسة القبطية، وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، فى مجالات الإيمان والتعليم والتشريع والرعاية والعلاقات الكنسية فى مصر والشرق الأوسط وكل العالم.
٨- النهضة الرهبانية المعاصرة
كان قداسة البابا شنودة الثالث، يحب الرهبنة من كل قلبه، ولم يكن فى نيته حين ترهب أن يعود إلى الحياة المدنية إطلاقاً. وقد عاش فى دير السريان لفترة طويلة، قضى منها سنوات فى مغارة متوحداً.
وحينما أراد البابا كيرلس السادس سيامة الراهب القس أنطونيوس السريانى أسقفاً للتعليم (الذى أصبح البابا شنودة الثالث)، أرسل يستدعيه بواسطة رئيس الدير المتنيح الأنبا ثاؤفيلس. وفى أثناء الحديث، فاجأه البابا كيرلس بأن وضع يده على رأسه، وتلا صلوات تجعله أسقفاً.
ولم يستطع الأنبا شنودة أسقف التعليم الفكاك من هذا «الفخ المقدس».. وبدأ عمله أسقفاً للكلية الإكليريكية ولمدارس التربية الكنسية ومعهد الدراسات القبطية.. وجال فى ربوع مصر يعلم ويخدم.. إلى أن اختارته العناية الإلهية بابا الإسكندرية وبطريركاً للكرازة المرقسية.
ومنذ أن تولى قداسته هذا المنصب الجليل، كان يحرص أن يقضى فى الدير جزءًا مناسباً من الأسبوع، كما حرص على إحداث نهضة رهبانية ضخمة، تمثلت فى:
١- إعلاء قيمة الرهبنة فى حياة الشباب والشعب.
٢- تأسيس بيوت للخلوة الروحية للشباب، داخل الأديرة، ليقتربوا من هذا الطريق، فيكتشف البعض منهم أنه مناسب له، مما أدى إلى طفرة فى أعداد الرهبان، حتى وصلوا إلى حوالى ١٥٠٠ راهب وأكثر من ٥٠٠ راهبة.
٣- تعمير الأديرة وتوسيعها لتستوعب الأعداد المتزايدة من الرهبان، وقد أعطت الدولة مساحات كبيرة من الأرض للرهبان، حين رأت نجاحهم فى استصلاحها واستزراعها بطريقة متميزة.
٤- إحياء الرهبنة فى الأديرة القديمة المندثرة مثل: دير القديس باخوميوس - دير الأنبا شنودة - دير الشايب - دير الرزيقات - دير الشهداء - أديرة أخميم - دير الأنبا توماس - دير الملاك بالفيوم - دير مار مينا بأبنوب - دير القديسة دميانة.
٥- إنشاء أديرة جديدة مثل دير الخطاطبة.
٦- تأسيس أديرة قبطية فى المهجر مثل أديرتنا فى: السودان، والقدس، وفرنسا، وألمانيا، وميلانو، وسيدنى، وملبورن، وكاليفورنيا.. وذلك لحفظ الروابط مع الكنيسة الأم، والوطن الأم، والتراث الرهبانى القبطى الأصيل.
■ ■ ■
الرهبنة- ببساطة- هى عين الكنيسة وعقلها وقلبها، والحارس الأمين على اللاهوتيات والنسكيات والعقيدة وأصول طريق الملكوت.. لهذا قيل عن الرهبان إنهم «بشر سمائيون أو ملائكة أرضيون».. هذا بالجهاد الروحى الأمين، وبنعمة من رب المجد.. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


خالد منتصر - هوس فيتامين «دال» - جريدة الوطن - 23/9/2018

صار تناول فيتامين «د» إدماناً وهوساً بعد أن صارت الدعاية المزيفة التى تروج له على أنه علاج لجميع الأمراض من الاكتئاب إلى السرطان تزيف وعى الجميع وتجعلهم عرضة للنصب، وصلتنى رسالة مهمة من أستاذ القلب د. شارل مجلى تتناول هذا الموضوع بالتحليل، يقول د. مجلى فى رسالته على هيئة سين وجيم:
• هل يؤدى نقص فيتامين د إلى هشاشة العظام osteoporosis المنتشر فى كبار السن وخاصة السيدات؟
نقص فيتامين دال ليس هو السبب المباشر لهشاشة العظام. ولكن فيتامين دال والكالسيوم من المواد الضرورى توافرها (بالإضافة لأدوية أخرى أساسية) لعلاج هشاشة العظام.
• ما هى مصادر هذا الفيتامين؟
المصدر الأول هو المواد الغذائية كالسالمون والماكريل والأسماك ومنتجات الألبان. والمصدر الثانى هو التعرض لأشعة الشمس باعتدال حيث يتم تصنيعه فى خلايا الجلد من الكوليسترول.
• هل هناك أضرار من زيادة فيتامين دال فى الجسم؟
بالقطع. أمراض خطيرة فى الواقع. إذا زاد هذا الفيتامين بدرجة كبيرة كما يحدث عند تعاطيه بجرعات كبيرة قد يحدث تسمم للجسم بفيتامين دال، وهذا يؤدى إلى زيادة مرضية كبيرة فى نسبة الكالسيوم فى الدم، مما قد يؤدى إلى تكلس الأنسجة الرخوة فى الجسم كبطانة الشرايين والخلايا العصبية وإتلافها بصورة نهائية وحدوث مضاعفات خطيرة تنتج عن انسداد الشرايين وتصلبها المتسارع وتلف الخلايا المخية.
• هل نقص فيتامين دال موجود بصورة وبائية كما تصور لنا التحاليل التى تجرى له؟
موضوع نقص فيتامين دال تم تضخيمه بشكل مبالغ فيه تماماً من قبَل بعض الأطباء فى الولايات المتحدة كالدكتور مايكل هوليك Michael Holick الذى نشر مقالات علمية غير دقيقة بدءاً من عام ٢٠١١ ضخمتها وسائل الإعلام، مما أدى إلى انتشار حمى إجراء تحاليل هذا الفيتامين التى زادت بنسبة ٨ أضعاف وازدياد مبيعات فيتامين دال بنسبة مقاربة، حيث أثبتت التحاليل وجود نقص فى فيتامين دال فى نحو ٨٠٪ من الشعب الأمريكى وهى نسبة غير معقولة ولا مقبولة. وللأسف فقد اتضح لاحقاً أن هذا الطبيب غير الأمين وزملاءه كانوا يتحركون بدافع مصالح مالية لهم مع معامل التحاليل الكبرى والشركات المنتجة لحبوب وشراب وحقن هذا الفيتامين وحتى مع الشركات المنتجة لأسرة التعرض للأشعة فوق البنفسجية Tanning beds. وقد كتبت الـ«نيويورك تايمز» مقالاً عن هذا الطبيب، وقد ساهمت جهود هذا الطبيب غير البريئة ومقالاته فى تغيير توصيات بعض الجهات العلمية، مما أدى -على غير أساس علمى- أن تعتبر هذه الجهات مستوى الفيتامين الطبيعى فى الدم فوق ٣٠ نانوجرام فى المللى رغم أن هذا غير صحيح لأن المستوى الطبيعى هو ما يزيد على ٢٠ نانوجرام. وقد أدى تغيير التوصيات -مع عدم دقة هذه التحاليل أصلاً فى كثير من المعامل وتضارب وسائلها- إلى اعتبار العديد من الأشخاص الطبيعيين وكأنهم مرضى بنقص فيتامين دال بينما هم طبيعيون تماماً.
• ما هى إذاً المستويات الطبيعية لهذا الفيتامين؟
تعتبر التوصيات الحديثة أن المستوى الطبيعى لفيتامين دال هو ما يزيد على العشرين نانوجرام. ولا يعتبر الشخص مريضاً بنقص الفيتامين ويحتاج إلى علاج إلا إذا نقص المستوى عن ١٢ نانوجرام.
• هل ينصح بإجراء تحليل روتينى لكل الناس لهذا الفيتامين؟
لا يجرى هذا التحليل إلا فى حالة وجود أعراض مرضية متعلقة بالعظام أو نقص شديد فى الكالسيوم فى الجسم أو وجود أعراض نقص امتصاص الدهنيات أو عند المرضى الذين يتم إجراء عمليات تخسيس أو تحويل مسار لهم، علماً بأنه لم يثبت علمياً وجود أى تأثير علاجى جيد لهذا الفيتامين فى حالات الاكتئاب أو الإرهاق العام أو تآكل الغضاريف، كما لم يثبت له أى تأثير وقائى من السرطانات والسكر وأمراض القلب والكسور كما كانت تروج وسائل الإعلام، وبالطبع لم يثبت لهذا الفيتامين أى تأثير جيد فى إطالة العمر.
• ما هى الجرعات التى يوصى بها فى الحالات المرضية؟
الجرعة المعقولة فى البالغين تتراوح ما بين ٦٠٠ - ٨٠٠ وحدة دولية فى اليوم. تخطى هذه الجرعة بصورة معقولة مسموح به. لكن هناك من يتعاطى جرعات جنونية يومياً فى حدود ١٠٠٠٠ وحدة دولية وقد تصل إلى ٥٠٠٠٠ وحدة يومياً. هذه الجرعات هى جرعات سامة بالتأكيد ويجب تجنبها. كما يجب متابعة تحاليل الكالسيوم والفوسفور فى الدم أثناء العلاج.

Saturday, September 22, 2018

د. وسيم السيسى يكتب: الفرق بين التقنية والحضارة ٢٢/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

العمر الافتراضى للثدييات هو خمسة أضعاف السنوات التى تصبح فيها الغضاريف عظاما، وعلى هذا القياس يصبح عمر الإنسان الافتراضى ٢٠ فى ٥، أى مائة عام. وجدت واحداً فقط من كل مائة ألف نسمة فى الولايات المتحدة يصل إلى سن المائة! بينما نجد خمسين ألفاً من كل مائة ألف نسمة فى القوقاز، القوقاز الجديد، أكوادور، كلورادو، هيمالايا، يصلون إلى سن المائة وهم فى غاية الصحة والنشاط، وهم يرون أن من يموت فى التسعين، اتخطف بدرى!!.
أجرى العلماء بحوثاً على الفريقين، وجدنا أن ٨٠٪ من بروتين الدول المعمرة من أصل بحرى أو نباتى، بينما الدول مقصوفة العمر من أصل حيوانى!.
وجدنا الأحمر، الأخضر، الأصفر فى الخضروات والفواكه فى الدول المعمرة خمسة أضعاف الفريق الآخر، كذلك البذور ذات الأجنة كالفول النابت، البليلة، الحلبة، وجبة دائمة يومية عند الشعوب المعمرة، بينما هى صدفة عند الفريق الآخر.
وجدنا زيادة الوزن شبه معدومة فى الدول المعمرة، بينما نجدها متفشية فى الولايات المتحدة، وبالتالى توابع السمنة من سكر، ضغط، أمراض المفاصل، السرطان، لذا قالوا: السمنة أشد خطراً من السرطان.
وجدنا فروقات شاسعة بين الفريقين فى استهلاك الدخان، الكحول، الماريجوانا، العقاقير المخدرة، حتى الدواء نفسه، لذا قالوا الطبيعة أحكم من أبنائها، ووظيفة الطبيب أن يعلم المريض الابتعاد عن الدواء بقدر الإمكان!.
الشعوب المعمرة تعيش فى سلام: أنا بغيرى.. أنا بك.. وأنت بى.. الـ: نحن الجمعى، بينما الولايات المتحدة مجتمع بنى على العنف: ١١٢ مليون هندى أحمر قضوا عليهم، مأساة السود Roots، وحتى الآن، فيتنام - كوريا - العراق - سوريا، ولا أنسى ما شاهدته يوماً فى الهايد بارك من رجل إنجليزى لرجل أمريكى يقول له فى انفعال شديد: أنتم الشأمريكيون.. يا مجانين الكوكاكولا، بنيتم دولتكم على العنف وسوف تنتهون بالعنف أيضاً:
Built On Violence And Wsll End by Violence
احمر وجه الرجل الأمريكى وقال بانفعال شديد: لا تحقر دولة هى الأعظم، ويكفى أنها وضعت علمها على سطح القمر!. فات الرجل الإنجليزى أن يقول له.. فرق بين التكنولوجيا وهى ممارسة العلوم التطبيقية، وبين الحضارة التى هى الإنسانية، والتى عبر عنها عمدة برلين كارين شوربارت: كيف كان سيكون شكل العالم الآن لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة!. هذا صحيح اقرأوا معى: لم أكن سبباً فى دموع إنسان أو شقاء حيوان، كما لم أعذب نباتاً بأن نسيت أن أسقه ماءً!.

خالد منتصر - ما هو المطلوب من التعليم؟ - جريدة الوطن - 22/9/2018

بدأ العام الدراسى بداية المفروض أنها مختلفة تحت شعار ثورة تعليمية جديدة، ونحن جميعاً نتمنى أن تكون ثورة حقيقية فى الجوهر لا فى الشكل، وأتمنى أيضاً أن تكون البداية بتخفيض سقف مبالغة التصريحات التى تنطلق من وزارة التربية والتعليم، وآخرها أن العالم ينظر لتجربتنا التعليمية بانبهار ويتمنى تقليدها.. إلى آخر تلك العنتريات التى تقتل التجربة فى مهدها وتثير غبار الثقة الزائدة الزائفة التى اغتالت من قبل تجارب وأجهضت أحلاماً كان حجمها على الورق فيلاً وعلى أرض الواقع نملة، فنحن لسنا فى معركة صواريخ القاهر والظافر، بل نحن فى معركة فكرية تحتاج إلى النفس الطويل والحكم الموضوعى ومعرفة ما هو المطلوب بالضبط من التعليم، معركة إصلاح التعليم طويلة وشاقة وتحتاج إلى جسارة الاستراتيجية ووضوح الرؤية قبل احتياجها إلى تفاصيل ميعاد تسليم التابلت وتوقيت تسليم الكتب، فترة السبع ساعات فى المدرسة هى الفترة الذهبية التى يستطيع مجتمع فيها أن يشكل عقلية مواطن، لا توجد أى فرصة أخرى منظمة ومنضبطة مثل تلك الفترة لكى توصل رسائلك التربوية، خاصة فى زمن سريع الإيقاع متخم بوسائل التشتيت ومزدحم بملايين المشكلين لعقلك ووجدانك من خلال الشاشة والأزرار والفضاء العام، وكل ما نشكو منه سواء فى الشارع والأسرة والعمل هو إفراز لعدم استغلالنا الجيد لتلك الساعات الذهبية، المطلوب كاستراتيجية خلق طالب له عقلية نقدية، ليس مجادلاً من أجل الجدل والسفسطة، ولكنه الشك والقلق الذى يجعل تعبئة عقله بأفكار متخلفة خرافية مهمة فى منتهى الصعوبة على أمير الجماعة أو داعية الفضائيات، المطلوب طالب لديه انتماء وطنى، يعرف تاريخه بدون انحياز أو تهويل أو تهوين، يتساءل ويسمح له بالتساؤل وطرح علامات الاستفهام، يعرف ما وراء الأحداث وخلفيات التصرفات والقرارات، وليس مجرد حافظ لدليل تليفون بارد مزدحم بأسماء الملوك والحكام والسلاطين وتواريخ المعارك والغزوات، المطلوب طالب يعرف أن التجربة أم الحقيقة ومقياسها، وهذا يتطلب ألا يكون المعمل ديكوراً فى المدرسة، يخاف أمين المعمل من استخدام مواده وأدواته خشية يوم الجرد وضياع العهدة، المطلوب طالب متوازن نفسياً وروحياً وقابل للآخر المختلف سواء كان اختلافاً دينياً أو جنسياً أو شكلياً، يقبل فى فصله صاحب الدين المختلف، وصاحبة الجسد المختلف، وصاحب البشرة المختلفة، المطلوب كتاب أخلاق يحدثه عن الأخلاقى المشترك والضمير العام، لا يبث فيه روح الكراهية من خلال نصوص وآراء نصدرها له على أنها مقدسة فتتسلل إلى نخاعه وروحه وتصنع منه مستقبلاً فاشياً إقصائياً مدمراً للآخر ولنفسه ولوطنه، المطلوب طالب مهذب الوجدان والروح يستمع إلى الموسيقى ويتذوق الرسم ويمارس الرياضة، ولا تخصم حصص الموسيقى من أجل إنجاز حصة الحساب، أو تلغى حصة الرسم لصالح مراجعة اللغة العربية، أو ترتفع صروح الخرسانة فى الحوش لاستيعاب الطلبة على حساب ممارسة الرياضة، أو نمنع المسرح المدرسى بحجة الحفاظ على الأخلاق وعدم تدنيس قدسية محراب العلم!!، مطلوب باختصار تخريج إنسان قادر على صناعة المستقبل لا تدميره.

Friday, September 21, 2018

خالد منتصر - هل يستطيع رجال الدين تحمل ضريبة تحويل الدين إلى علم؟ - جريدة الوطن - 21/9/2018

يكرر رجل الدين دائماً أنا عالم مثلى مثل علماء الفيزياء والكيمياء والبيولوجى، وأثناء أى نقاش أو مناظرة بين رجل دين ومفكر علمانى يتخيل رجل الدين أنه قد أفحم العلمانى بجملته المقدسة الخالدة «هل أنت عالم متخصص فى الدين؟»، نحن من الممكن أن نوافق على تلك الجملة ونمررها فى حالة واحدة إذا تحمل رجل الدين ضريبة العلم ودفع ثمن مناقشاته واختلافاته بصدر رحب وبشروط العلم الحقيقى، على سبيل المثال هل يستطيع رجل الدين أن يتحمل صدمة العلماء القدامى فى الطب ويتعامل مثلما تعاملوا حين سقطت نظرية أن السبب فى قرحة المعدة هو عدم التعادل بين الحامضى والقلوى وإرجاع السبب فى تآكل جدار المعدة إلى الحامض الزائد، وظهور نظرية أن البكتيريا هى السبب، وبدلاً من جراحة كبيرة تشق جدار بطن المريض إلى نصفين صار العلاج مجرد كورس مضاد حيوى! هل يرضى رجل الدين أن تتعرض مقدساته أو ما يعتبره مقدسات إلى هذا الاختبار القاسى؟ والمهم هل رد فعله سيكون هو نفس رد فعل أولئك الأطباء القدامى الذين استقبلوا هذا الخبر أو هذا الاكتشاف بكل فرحة وبهجة واحتضنوا هذا العالم الذى اكتشف تلك البكتيريا بل منحوه جائزة نوبل! لم ينفعلوا أو يغضبوا أو يتهموه بالردة أو بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، لم يطالب هؤلاء الأطباء عندما انهارت قلاعهم العلمية التى احتموا فيها قروناً بأن يصلب ذلك المكتشف وتقطع أيديه وأرجله من خلاف عقاباً له على تطاوله على ذلك المستقر، لماذا لم يفعلوا ذلك؟ لأنه ببساطة ليس فى العلم ذلك المستقر، أو ذلك البديهى المقدس الدينى، سأوافق على ما يقوله رجل الدين وأسميه عالماً فى حالة واحدة إذا حول خطبة الجمعة أو درسه الدينى إلى مؤتمر علمى كتلك المؤتمرات التى نحضرها فى الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، إذا استلهم نفس الروح، وقبل نفس حدة المناقشات وتكسير التابوهات، وإذا صفق لمن صحح له خطأه ونشر هذا التصحيح فى مجلة علمية بمقدمة يرحب فيها بمن انتقده ويضع نظرية هذا المصحح الجديدة بدلاً من نظريته القديمة، هنا سأقول إن رجل الدين قد قبل دفع ضريبة العلم، فالعالم الحقيقى لا يكابر فى الحقيقة العلمية، ويحترم كل الآراء، ولا يحتكر الحقيقة لنفسه، ليس فى العلم أقدمية، ومن الممكن جداً أن يصحح أصغر شاب فى قاعة المؤتمر العلمى نظرية أستاذه، وفى نفس الوقت لا يفقد بوصلة الاحترام لهذا الأستاذ الذى يتلقى هذا النقد بكل رحابة صدر ولا يستهجن ويصرخ قائلاً فى تلميذه «انت إزاى تكدبنى وتطلعنى صغير فى المؤتمر، انت قصدك تهزأنى قدام الناس!!!»، لم ولن يقول العالم الحقيقى هذا الكلام، لأن روح العلم المتمردة تسللت إلى نسيج شخصيته، وهو يستطيع التفريق جيداً بين الحوار والإهانة! الحوار العلمى فى المؤتمرات العلمية الحقيقية لا يشخصن الأمور، بمعنى أننى لا أجد أستاذاً يتفه من رأى زميله أو ينتقده لأن هذا الزميل فيه عيوب شخصية، فلا يقول له أنت مزواج مثلاً، أو رأيتك مرة ترقص وتشرب الخمر فكيف ستمنحنا العلم؟! أو كيف وأنت ترتدين فستاناً قصيراً ولا تغطين شعرك بالحجاب ستعطينا محاضرة عن الكوانتم أو تشرحين لنا علاج الأيدز! الحوار العلمى ديمقراطى بجد وليس شعارات، لأنه يخضع الرأى، أو بالأصح البحث، المنشور إلى اختبارات قاسية لا واسطة فيها ولا مجاملة، هناك معايير علمية يخضع لها الجميع من أشهر الأساتذة إلى المغمورين منهم، من يكذب ويزيف ويدلس ويقول أنا اخترعت دواء ساحراً يشفى كذا.. يتم سؤاله أو بالأصح محاكمته العلمية بكل قسوة وبدون طبطبة: كيف صنعت هذا الدواء؟ وما مادته العلمية؟ هل جربته على الحيوانات؟ وما تلك النسبة إذا كان قد نجح؟ وهل هذه النسبة تتفوق على نسبة نجاح الأدوية القديمة؟ ما أعراضه الجانبية ومدى سميته...إلخ، يتم عصر وسلق وسلخ الأستاذ الذى لا تشفع له شهرته أو مركزه أو الأجيال التى تخرجت على يديه! درع العالم الذى يحميه هو حجته العلمية ومدى قدرتها على الإقناع.
إذا استطاع رجل الدين تحمل الصدمات وبالطبع قبل تحمل الصدمات إحداثها، هنا تحول إلى رجل علم فعلاً وتجاوز الحد الفاصل بين الدين والعلم وسبح فى المياه الإقليمية للمنهج العلمى فى التفكير، إذا استطاع أن يحدث صدمة فى تفسير القرآن مثلما فعل كيبلر حين قال إن الكواكب تدور فى نظام غير دائرى حول الشمس، برغم أن الدائرة كاملة ومقدسة عند القدماء، إذا استطاع أن يتجاسر ويناقش المرويات والأحاديث بنفس منهج جاليليو ويصدم المستقر والمألوف، هنا فقط سنقبل رجل الدين فى أكاديمية العلم فقد خلع ثوب حرفية النص وعبادة سحر الماضى، هل يستطيع أن يصدمنا فى منهج العنعنة كما صدم جاليليو كهنة عصره عندما قال عن تساوى سقوط الأجسام مختلفة الوزن بتجربة برج بيزا، وعندما صدمهم فى آلة تطهير الترع التى لا تطهر الترع، وعندما وجه منظاره لرؤية عطارد بالرغم من عدم ذكر أرسطو لهذا الكوكب، وبالطبع وقتها ما لم يذكره أرسطو فهو غير موجود قولاً واحداً مثل النصوص المقدسة لدى رجال الدين! وبالطبع جاء دوران الأرض حول الشمس بزلزال لكراسى الكهنة، فهل يرضى رجل الدين المعاصر المسلم الآن أن يتحمل تلك الأنواع والدرجات من الزلازل أم أن الثمن والضريبة ستكون رؤوسنا نحن الذين أرقنا منامه الهادئ واستقراره المزمن؟!.

Thursday, September 20, 2018

بقلم فاطمة ناعوت ٢٠/ ٩/ ٢٠١٨ - كمال الجنزورى.. فارسُ البسطاء - ١٩/ ١٠/ ٢٠١٣ - المصرى اليوم



«الفارسُ» يحتاجُ إلى دِرعٍٍ تحمى صدرَه، وتذودُ عنه السِّهام التى تُصوَّب نحوه من نِبال العِدَى. لكنّ ثمّة فارسًا، من نوع فريد، لا يمتشقُ سيفًا ولا يتدثّرُ بدرع؛ ذاك أنه بلا أعداء. يتدرّعُ بالحبِّ والهتاف والتصفيق يحوط به من كلّ جانب، أينما ترجّل وحيثما جال. أعرفُ فارسًا من ذلك النمط الفريد. التقيتُ به فى مكتبه البسيط الأنيق، الذى فى بساطة قلبه وأناقة عقله. فسجّلَ التاريخُ لى أن القدرَ الطيب قد منحنى مصافحة رمز إنسانى وقيمة علمية وسياسية من نسيج خاص، لا يُمنحُ للأوطان إلا كلّ دهور، بشقّ الأنفس. ولماذا بشقّ الأنفس؟ لأن شجرةَ الأقدار الكريمةَ قد تجودُ أحيانًا بالدُهاة ذوى العقول الجبارة، وقد تجودُ أحيانًا بالطيبين المتحضرين ذوى القلوب الرؤوفة. لكنها تغدو شحيحةً حين تقرّرُ أن تصنعَ المعادلةَ الفريدة، فيقترنُ الدهاءُ الفكرى والسياسى مع التحضر والسموّ والطفولة القلبية. مثل ذلك النموذج البشرى النادر، لا يعرفُ الدروعَ ولا الحراسات المشدّدة فى الترحال، رغم ما يفرضُه بروتوكولُ المنصب الرفيع. وكيف يحتاجُ ذلك الفارسُ إلى درع، وهو يمنح زهورَ عقله لصالح خير الوطن، ويمنحُ زهورَ قلبه لصالح بسطاء الوطن؟! لهذا يُجمعُ الناسُ على حبّه. وحتى الخصومُ الذين تتعارض مصالحُهم الانتهازية مع زهور العقل الذكى والقلب النظيف، لا يملكون إلا أن يحترموه، وإن خسِروا بسببه، وبارت بضاعتُهم الفاسدةُ أمام فروسيته.
فى لقائى الأخير بذلك الفارس العظيم، فى مكتبه بالدور الثانى من الهيئة العامة للاستثمار، سألنى عن آخر كتبى وعن أحوال الدنيا والثقافة. وتشعّبَ بنا الحديثُ حول بسطاء الناس وهمومهم. وتذكّرتُ دورَه المشرّف مع طوائف الشعب المهمّشة، منذ كان وزيرًا للتخطيط ومرورًا بترؤسه لوزارات مصر وتنقله بين المناصب الرفيعة، وصولا لأن أصبح أيقونة مصرية غالية مُتوّجًا بلقب (وزير الغلابة). قلتُ له إن البسطاء فى بلادى لا ينسون أنهم كانوا فى بؤره فكره، على مدار عقود طوال تنقّل فيها بين رفيع المناصب السيادية، ولم يتحوّل نظره يومًا عن هموم الفقراء والمُعوزين. وأخبرته أن مرافقى الشخصى من فريق عملى، حين علم أننى على موعد معك، ظلّ طوال الطريق يتحدث عنك وعن مواقفك الكريمة مع بسطاء مصر. وأنه شدّد على فى أن أنقل لك حبَّه واحترامه، لأنه لا يحلُم أن يلتقى به شخصيًّا فى يوم من الأيام. فما كان من الفارس الكريم إلا أن ضغط الزرَّ وطلب من مدير مكتبه أ. خالد العدوى، أن يأمر بصعود «جورج» الذى كان ينتظرنى بالأسفل، إلى مكتبه. ولَم يصدِّق «جورج» وقد وجد نفسَه فجأةً أمام هذا الهرم المصرى الشاهق، الذى نهض من مقعده وصافحه ثم عانقه وقبّله قُبلةً الصديق للصديق. ثم سمح بأن نلتقط له صورة معه. بعدما خرج جورج من المكتب قلتُ: «أشكرك كثيرًا يا دكتور كمال. تلك القُبلة سوف تدومُ ذكراها فى حياة ذلك الرجل، وسوف تُخلّد فى ذاكرة أبنائه. فقال لى: تلك القُبلة وذلك الحبُّ هما زادى وثروتى، وليس المناصب الرفيعة».
ذلك الرجلُ النبيل الذى كان يسرد، ويشرح ميزانية الدولة بكل دقّة، دون أن ينظرَ فى أوراق، لأن اقتصاد مصر وصالحها كان، ويظلُّ همًّه الشخصىّ، المحفورَ فى عقله، مثل أسماء أبنائه، هو ذاته الرجلُ الذى إن خرج من مكتبه مشغولَ البال، فتذكّر فجأة أنه قد نسى أن يُصافح مديرى مكتبه وطاقم السكرتارية وموظفيه، عاد أدراجه معتذرًا، وألقى عليهم سلام الوداع، ولا ينتظر إلى صباح الغد ليفعل.
فى عام ١٩١٧، أنشأ الملك «جورج الخامس» وسامًا رفيعًا يُكرّم به الرموز الوطنية التى ساهمت فى منح بريطانيا مجدَها. «وسام الفارس» الذى منحته الملكة إليزابيث عام ١٩٦٦ للسير د. مجدى يعقوب الأيقونة المصرية الفريدة وملك القلوب. وأما شعبُ مصرَ العظيم، فقد منح الدكتور كمال الجنزورى «وسام الفارس النبيل» من الطبقة الإنسانية الأولى، ليصبح «فارس البسطاء»، وحامى حماهم.
د. كمال الجنزورى، أحبُّك وأحترمُك. وأعتزُّ كثيرًا بأن بعض كتبى لها مكانٌ فى مكتبتك، ومكانةٌ فِى عقلك المثقف، وفى قلبك الاستثنائى الجميل. دمتَ هرمًا من أهرامات مصر الفكرية والسياسية والمجتمعية والإنسانية، وهذا أبقَى وأخلد.

خالد منتصر - حتى لا ننسى مريض «ألزهايمر» - جريدة الوطن - 20/9/2018

غداً 21 سبتمبر، هو اليوم العالمى لـ«ألزهايمر»، ويحتفل العالم به هذا العام بشكل مختلف وعملى أكثر من أى عام مضى، فقد أنشأت منظمة الصحة العالمية المرصد العالمى للخرف، لتجميع بيانات مرضى الخرف dementia، الذى يندرج تحته «ألزهايمر»، الذى يمثل نسبة 70% من مرضاه، ودائماً بداية النجاح هى الرصد الإحصائى المضبوط من خلال قاعدة بيانات دقيقة، بدأت دول العالم تشترك ببياناتها وإحصائياتها ونتائجها فى هذا المرصد، لكن كالعادة مصر لا تمتلك قاعدة بيانات دقيقة لتشترك بها فى هذه المنظومة العالمية، أما المفاجأة الثانية التى سنستقبلها فى اليوم العالمى فهى «قرية ألزهايمر»، القرية الجديدة فى مدينة «داكس» جنوب غرب فرنسا، بالقرب من الحدود مع إسبانيا، وهى قرية مصمّمة خصيصاً للسماح للأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر، بالاستمرار فى عيش حياة طبيعية خارج دار رعاية المسنين، وسيكون لدى الأشخاص الذين يعيشون فى القرية، الذين سيطلق عليهم اسم المقيمين، بدلاً من المرضى، سوبر ماركت خاص بهم، ومركز صحى، ومصفف شعر، وصالة ألعاب رياضية، ومكتبة ومزرعة، وستتم إحاطة القرية بسور، لكنهم سيكونون قادرين على التجول بحرية داخل أسوارها، ويرتدى موظفو التمريض ملابس مدنية، وسيحصل المقيمون على أدوية أقل، فى حين سيساعد المتطوعون فى إدارة القرية، ويأمل مطورو القرية التى تبلغ تكلفتها 29 مليون يورو، أن تسمح للأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر والخرف، بأن يعيشوا حياة أكثر نشاطاً وسعادة، طبعاً أنا لا أحلم بمثل هذا المستوى من الاهتمام، لكننى أطلب توفير الحد الأدنى لمرض خطير أراه أخطر من السرطان، لأنه فقدان للهوية، فعلى الأقل مريض السرطان من الممكن أن يتحرك ويعيش بمفرده، لكن مريض «ألزهايمر»، هو دائماً فى حاجة إلى رعاية، وهنا يأتى دور الجليس، فمعظم بيوت المسنين يرفضون استقبال مرضى «ألزهايمر» دون هذا الجليس، وهى مشكلة رهيبة تسهم فيها ثقافتنا المشوّهة التى تعتبر الجليس «خداماً»، وتعتبر تلك المهنة الراقية السامية العظيمة بمثابة الإهانة!!، وقد بدأت وحدة طب المسنين فى كلية طب عين شمس، برئاسة د. هالة سويد، عقد دورات تدريبية لتخريج هذا الجليس الماهر الملم بمرض «ألزهايمر»، وكيفية التعامل مع المريض المصاب به، هذا القسم هو القسم الوحيد فى كليات الطب المختص بأمراض المسنين، وهو يحتاج إلى كل الدعم والاهتمام، لأنه يهتم بفئة مهمّشة نتعامل معها بإهمال، وأحياناً بعدوانية، وهى فئة المسنين، ولا بد من سماع صوت وخبرة جمعية «ألزهايمر مصر»، التى يرأسها د. طارق عكاشة، التى تحاول جاهدة فى مناخ غير مهتم بهؤلاء المرضى الغلابة الذين يتعامل معهم الجميع بلا رحمة، ومن بينهم للأسف الأقارب والأبناء فى أحيان كثيرة!!، شعار منظمة الصحة هذا العام «كل 3 ثوانٍ هناك شخص ما فى العالم يُصاب بالخرف»، تؤكد إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2017، أن نحو 50 مليون شخص يعانون من مرض «ألزهايمر»، من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص المتعايشين مع الخرف إلى ثلاثة أمثاله بحلول عام 2050 من 50 مليون شخص إلى 152 مليون شخص، وللأسف لا يوجد له أى علاج حتى الآن، وتقدّر التكلفة السنوية لرعاية الأشخاص المتعايشين مع الخرف فى العالم بنحو 818 مليار دولار أمريكى، أى ما يتجاوز 1% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، ومن المتوقع أن تُجاوز هذه التكلفة الضعف بحلول عام 2030 لتبلغ تريليونى دولار أمريكى، الأمر الذى قد يقوّض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويُنهك نظم الخدمات الصحية والاجتماعية، بما فيها نظم الرعاية طويلة الأجل.
يكفى مريض «ألزهايمر» أنه ينسى نفسه، فلا نأتى نحن ونجهز عليه بنسيانه.

Wednesday, September 19, 2018

خالد منتصر - الإعجاز العلمى فى تعدّد الزوجات - جريدة الوطن - 19/9/2018

لم أصدق عينىّ عندما قرأت هذا العنوان على بوابة الأهرام «الإعجاز العلمى فى تعدد الزوجات وفترة العدة» http: //gate.ahram.org.eg/News/1764170.aspx
ما زلنا نخلط العلم المتغير النسبى بالدين الثابت المطلق، فننتهك ونهين الاثنين، ما زلنا نعشق الغيبوبة والوهم، وما زلنا نردد كلاماً لا يصمد لأى مناقشة علمية، وغير مكتوب فى أى مرجع علمى محترم وغير مدون فى أى مجلة علمية مُحكمة، يدعى الخبر أن الفيلسوف الإنجليزى الملحد برتراند راسل مدح نظام تعدد الزوجات الإسلامى، والسؤال لماذا لم يعتنق راسل الإسلام ويخرّ ساجداً ما دام قد عرف تلك المعلومة؟!، ويقتبسون أقوالاً تندرج تحت باب الضلالات اللاعلمية، مثل: قال الدكتور جمال الدين إبراهيم، أستاذ علم التسمم بجامعة كاليفورنيا إن دراسة بحثية للجهاز المناعى للمرأة كشفت عن وجود خلايا مناعية متخصصة لها «ذاكرة وراثية» تتعرف على الأجسام التى تدخل جسم المرأة، وتحافظ على صفاتها الوراثية، لافتاً إلى أن تلك الخلايا تعيش لمدة 120 يوماً فى الجهاز التناسلى للمرأة، وأضاف الدكتور «جمال الدين» أن الدراسة أكدت كذلك أنه إذا تغيرت أى أجسام دخيلة على المرأة، مثل «السائل المنوى» قبل هذه المدة يحدث خلل فى جهازها المناعى، ويتسبب فى تعرضها للأورام السرطانية، وبداية هذا الأستاذ الأمريكانى المصرى عالم التسمم كانت حين قال من قبل فى برنامج كان يقدمه ابن الشيخ الشعراوى بأن اللحية تزيد من القدرة الجنسية!! انظر هذا الرابط:
https: //youtu.be/zinrjfUrDgo
أما قصة الخلايا السبشيال للمرأة المناعية، فهذا وهم كبير، وحكاية أنها متربصة بالجسم الغريب الذى يدخل إليها من الرجل، وتظل رابضة فى الجهاز التناسلى ١٢٠ يوماً.. إلخ، فهذا كلام لا يمت للعلم الحقيقى بصلة.
ثانياً: يقول خبر الأهرام إن العلماء، وبالطبع لا نعرف علماء مين وفين وإمتى؟ مش مهم، المهم أنهم علماء يحققون مرادهم ويروّجون تجارتهم ويحقنون ترامادول السماسرة فى عقولنا المغيبة، يقول هؤلاء الأشباح: الدراسة أثبتت أيضاً أن تلك الخلايا المتخصصة تحتفظ بالمادة الوراثية للجسم الدخيل الأول لمدة «120 يوماً»، وبالتالى إذا حدثت علاقة زواج قبل هذه الفترة، ونتج عنها حدوث حمل، فإن الجنين يحمل جزءاً من الصفات الوراثية للجسم الدخيل الأول، والجسم الدخيل الثانى!!، يا سادة ما تعلمناه هو أن الذى يلقّح البويضة فى الجِماع حيوان منوى، صاحبه هو الذى مارس معها الجنس فى تلك اللحظة، وبعدها تصبح البويضة الملقحة غير قابلة للاختراق من حيوان منوى آخر، وبالتالى لا وجود لصفات وراثية من الزوجين، وإذا لم تحمل، وأتى الحيض بعد ٢٨ يوماً، سيكنس كل جدار الرحم إلى الخارج وعندما تلتقى جنسياً بزوج آخر، فلن يحدث هذا الاختلاط الوراثى الوهمى الخيالى، أما عن الإعجاز العلمى فى تعدد زوجات الرجل، فيقول العلماء -اللى برضه مش عارفين أساميهم- «وبالنسبة لمشروعية التعدد للرجل، ومنعه فى حق المرأة، هناك أمور لا تخفى على كل ذى عقل، فالله سبحانه جعل المرأة هى الوعاء، والرجل ليس كذلك، فلو حملت المرأة بجنين (وقد وطئها عدة رجال فى وقت واحد) ما عرف أباه، واختلطت أنساب الناس؛ ولتهدمت البيوت، وتشرّد الأطفال، ولأصبحت المرأة مُثقلة بالذرية، الذين لا تستطيع القيام بتربيتهم والنفقة عليهم؛ ولربما اضطرت النساء إلى تعقيم أنفسهن، وهذا يؤدى إلى انقراض الجنس البشرى»، نهمس فى آذان هؤلاء العلماء إن هناك اختباراً بسيطاً للمادة الوراثية اللى اسمها الدى إن إيه يعرف النسب بنسبة ١٠٠٪ فى دقائق، وبدون انقراض لأى جنس بشرى!!، وكذلك بعد السونار واختبارات الحمل لا نحتاج الانتظار كل تلك المدة لتحديد الحمل، ويقول الخبر من جهة أخرى إن الإحصاءات تدل على أن عدد الرجال أقل من عدد النساء، والرجال دائماً عرضة للإصابات فى أحداث الحياة التى يتعرضون لها فى مجالات أعمالهم، بالإضافة للحروب، فكان من مصلحة المجتمع البشرى أن يشرع التعدد للرجل، تكبييير!!!!!، إليك عزيزى القارئ تلك الأرقام التى تكذّب هذا الادعاء الكاذب، ولنبدأ بمهد الإسلام، السعودية، التى عدد سكانها فى 2017 بلغ 32٫552٫336 نسمة، ونسبة الذكور إلى الإناث هى: الذكور 57٫44%، والإناث 42٫56%، أى إنه طبقاً لفلسفة الإعجازيين العجزة أن يحدث العكس هناك حلاً للمشكلة، أما فى مصر، مهد زغلول النجار، زعيم الإعجازيين المسلمين فى العالم، فقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ٢٠١٧ أن عدد السكان التقديرى فى مصر بالداخل 91 مليون نسمة، منهم 46 مليوناً، و414 ألف نسمة للذكور بنسبة 51%، 44 مليوناً و609 آلاف نسمة للإناث بنسبة 49%، أى لا بد أن تتزوج المرأة حلاً للمشكلة، وطبقاً لإعجازاتهم برجل ونصف!!، إنه الكذب الفاجر والتدليس الفاضح الذى للأسف ينطلى على أغلب المسلمين، ويجعلهم يجترون الوهم والخرافة حتى الآن.

Tuesday, September 18, 2018

الحكاء الأعظم المعجون بطين مصر..خيرى شلبى بقلم د. محمد أبوالغار ١٨/ ٩/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

هذا الشهر تحل ذكرى أديبنا الكبير خيرى شلبى، الذى رحل عام ٢٠١١. لقد أحدث خيرى أثراً كبيراً فى آلاف المصريين من جيلى والأجيال التالية برواياته وكتاباته النقدية واكتشافاته المبهرة حين غاص فى الأوراق والكتب القديمة. نال خيرى تكريم الدولة بحصوله على جائزة الدولة التقديرية ووسام العلوم والفنون ونال تقديراً شعبياً عظيماً.
ولد عام ١٩٣٨ فى قرية فى كفرالشيخ وكان عنده ولع شديد بالقراءة من صغره وفصل من المدرسة لعدم انتظامه فطرده أبوه من البيت فهام على وجهه وبدأ يعمل أعمالا يدوية مختلفة، وأدمن القراءة هناك. وانتقل إلى الإسكندرية، حيث عمل صبياً لصاحب فرشة الصحف فى محطة. ثم انتقل إلى القاهرة وعاش حياة صعبة ذاق فيها التشرد، فلم يكن له بيت ولا دخل منتظم، وقد جسد هذه الحياة فى روايته موال البيات والنوم.
التقط خيرى بين آلاف الأوراق القديمة النص الأصلى للتحقيق الذى أجراه رئيس النيابة محمد نور مع طه حسين عند اتهامه بالزندقة والكفر بعد نشره كتاب الشعر الجاهلى وكتاب خيرى عن هذه الواقعة رائع ويوضح القيمة الثقافية والأدبية والتنويرية لرئيس النيابة والذى أمر بحفظ القضية، وعظمة القوى المدنية الذين وقفوا جميعاً ومعهم النيابة ضد تيار فاشى متخلف. حقاً هناك فارق بين مستوى التنوير فى أوائل القرن العشرين والكارثة التى لحقت بنا وتمنعنا من التفكير فى القرن الواحد والعشرين.
اكتشف خيرى أيضاً عدداً كبيراً من المسرحيات التى كتبت فى القرن التاسع عشر. نشر خيرى شلبى قرابة السبعين رواية عبر سنوات طويلة تميزت الكثير منها بأنها تعبر عن شخصيات مصرية من قاع المجتمع وأعتقد أنه كان أعظم المعبرين عن المهمشين وتعتبر وكالة عطية واحدة من أعظم رواياته التى سحرت كل من قرأها فهى تجمع بين أعداد من الشخصيات المهمشة التى يصعب أن تتخيل أنها موجودة فى مجتمعنا. كان خيرى شلبى غزير الإنتاج ورواياته تجمع بين بعض أحداث القرية ومعظمها تدور فى المدينة. تمت ترجمة بعض رواياته إلى عدة لغات أجنبية.
عمل خيرى فى الصحافة وكتب فى شبابه فى العديد من المجلات الثقافية وكانت له مقالة أسبوعية فى مجلة الإذاعة ذات التوزيع الهائل آنذاك، وكان هو وسامى السلامونى عمودى المجلة، وفيها نشر أعداداً هائلة من مقاله بورتريه عن شخصيات مصرية والتى جمعها فى كتاب بعد ذلك وقد فوجئت أحد الأيام بأنه نشر بورتريه عنى ولم أكن أعرفه. وقد حولت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية.
أسلوب خيرى سهل وبسيط وتشعر وأنت تقرأ له أنه أمامك يحكى حكاية مسلية وهو مهتم بوصف أدق التفاصيل لأنه يدرس جيداً ما يكتب عنه فهو أحسن من كتب عن عالم الحشاشين وحين كتب عن صانع العود فى صهاريج اللؤلؤ أتحفنا بمعلومات رائعة عن الموسيقى وصناعة الآلات.
خيرى شلبى مصرى صميم ريفى الأصول لكنه رجل المهمشين فى المدينة. بدأ الكتابة والانتشار فى فترة كانت مصر تموج بالتيارات السياسية ولكن خيرى ابتعد تماماً عن السياسة والتيارات المختلفة وابتعد عن جلسات المثقفين فى المقاهى وكان يحب الجلسات الصغيرة الخاصة وتفرغ للفن فأبدع فيه. لم يكن لخيرى شلبى أستاذ ولا معلم ولا مدرسة ولا جامعة وراءه، وإنما تعلم بمجهود شاق من الكتب ومن الحياة الصعبة فهو المثقف الأديب الذى خرج بحق من قاع المدينة.
وفى السنوات العشر الأخيرة من حياته تعرفت على عمنا خيرى بصفة شخصية وتحدثنا وتقابلنا مراراً وكانت آخر مرة فى عام ٢٠١٠ حين كان ضيف نادى الكتاب الذى كان يعقد فى بيتنا لسنوات طويلة وأذكر أننا ناقشنا وكالة عطية وتعرف الجميع يومها على الحكاء الأعظم الذى لم يتوقف عن الكلام والحديث ساعات طويلة وكان الجميع سعداء بالحكى الذى تخطى جميع القواعد والنظم التى كانت تنظم نادى الكتاب ولكن الجميع كانوا سعداء به.
عم خيرى وحشتنا ووحشتنا كلماتك وأقوالك وفنك المصرى الحقيقى.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

خالد منتصر - جمهورية فرنسا القطرية! - جريدة الوطن - 18/9/2018

هذه ليست نكتة ساخرة، ول8كنه عنوان كتاب هو ترجمة لسخط وغضب الكثيرين من الفرنسيين على التغلغل القطرى داخل النسيج الفرنسى. كل من يزور باريس لن تخطئ عينه هذا الحضور القطرى المكثف، وكل من يجلس مع الفرنسيين سيستمع إلى هذه الشكوى من أن فرنسا العلمانية جلست تحت أقدام القطريين فى عهد «ساركوزى»، وهذا مثّل لى شخصياً صدمة كبيرة. قالت مؤلفة كتاب «جمهورية فرنسا القطرية»، «برنجيير بونت»، إن قطر اعتمدت على أموالها فى إفساد السياسيين الفرنسيين من أجل إيجاد نفوذ واسع لها فى فرنسا. وذكرت أنه فى وقت الأزمة المالية عام 2008، كان النظام المالى الأوروبى منهاراً، وكان هناك تعطش للسيولة بالسوق الأوروبية والفرنسية، وقالت: «استغلت قطر الانهيار المالى وعيوب النظام الضريبى فى فرنسا وعقدت اتفاقيات للحصول على امتيازات تحت غطاء التعاون الثنائى». وبحسب «بونت»، استغلت الدوحة النظام المالى المتأزم ونسجت علاقات واسعة، كان لها دور فى حصولها على مناقصات وامتيازات استثمارية كبيرة، وقالت إن قطر قامت بضخ المليارات بشكل مشبوه فى العديد من العمليات الاستثمارية تحت عناوين ومسميات مختلفة، وأكدت أن الهدف من هذا الإنفاق لم يكن الاستثمار التجارى، وإنما شراء النفوذ السياسى بطرق ملتوية، ولنقرأ معاً بعض الأرقام التى هى نقطة فى بحر الاستثمارات القطرية التى تجاوزت الثلاثين ملياراً فى فرنسا:
أصبح ما يقرب من 80٪ من المعدات العسكرية القطرية فرنسية الصنع، فضلاً عن تقديم القوات الفرنسية التدريب العسكرى اللازم للقوات الخاصة فى قطر، وكان آخر تعاون مع قطر شراء 24 مقاتلة من طراز «رافال» من فرنسا.
استحوذ «صندوق الثروة السيادية القطرى» على 2% من شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال»، بقيمة تجاوزت المليارَى يورو، لتصبح قطر من أكبر 5 مساهمين فى الشركة.
اشترت «شركة قطر للاستثمار» النادى الفرنسى «باريس سان جيرمان» لكرة القدم، فى صفقة بلغت قيمتها أكثر من 100 مليون يورو.
قطر صرفت تقريباً 400 مليون يورو على ضم لاعبَى كرة قدم فقط هما نيمار ومبابى!!
استحوذت قطر على المبنى الذى يضم مقر صحيفة «لوفيغارو» ومكاتب السفارة الأمريكية وسط العاصمة الفرنسية باريس، ضمن صفقة بلغت قيمتها أكثر من 300 مليون يورو.
اشترت مجموعة قطرية 4 فنادق فرنسية، من بينها «مارتينيز» فى كان، و«كونكورد لافاييت» فى باريس الشهيران، و«أوتيل دو لوفر» فى باريس و«باليه دو لا ميديتيرانيه» فى نيس.
القائمة لم تنتهِ، والريالات القطرية صارت تتحدث الفرنسية. وبالطبع الإخوان -وهم الأتباع المخلصون- استفادوا، وبالتالى لن يصنَّفوا جماعة إرهابية فى عقر العلمانية! والسبب والإجابة قطر، لكن هل سيقف «ماكرون» الماكر ضدهم ويحمى علمانية فرنسا، أم أنه سيتبع خطى سلفه «ساركوزى»؟ هذا ما ستُظهره الأيام المقبلة.