Translate

Thursday, June 30, 2016

الحكم الرشيد ومنهج الزجر والوعيد! بقلم د. محمد نور فرحات ١/ ٧/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

أحداث كثيرة شهدتها مصر مؤخرا تدل على أن حكومتنا فى حاجة إلى استرجاع ثقافة الحكم الرشيد والالتزام بها. الحكم الرشيد ليس مجرد حل المشكلات المعيشية للناس، ولكن أن يتم ذلك فى إطار من الالتزام بسيادة القانون والشفافية والنزاهة والمحاسبة وتحمل الاختلاف واحترام كرامة الناس والارتفاع عن الصغائر.
لا يمكن لنظام حكم أن يقوم على التشفى وشهوة الانتقام. الدولة لا تغضب ولا تنتقم. الدولة تجسيد عضوى للقانون والدستور. انتهى الزمان الذى كانت العلاقات السياسية تقوم على منطق القمع والانصياع. هناك وجهة نظر فى دوائر الحكم ترى أنه لمواجهة الفوضى التى حدثت بعد الثورتين لا بديل عن إعادة الاستقرار بالقوة. ولكن لا يمكن أن تكون القوة متحررة من القانون وحسن التقدير. وهل يكون تحقيق الاستقرار بمجرد إمساك العصا الغليظة والانتقام من المعارضين؟ أم بتوسيع دائرة الحوار وتفعيل دور مؤسسات المجتمع سعيا إلى توافقات اجتماعية ترضى شرائحه الواسعة؟ وتلك هى السياسة التى ما زالت بعض دوائر الحكم تنفر من مجرد ذكرها.
كل فعل له رد فعل مساوٍ له فى القوة ومضاد فى الاتجاه. الزجر والانتقام من ناحية يؤديان إلى الاحتقان والغلو من ناحية أخرى. وإليكم شواهد من أحداث الأسبوع الماضى:

١- نجحت الأيادى العابثة فى وزارة التعليم فى تسريب الامتحانات وإدارة حفلات الغش الجماعى مما أدى إلى اضطراب غير مسبوق.
عندما يتظاهر شبابنا الغض دفاعا عن جهد بذله طوال العام وعن مستقبل مهدد بالضياع، لا يستقيم أبدا أن تواجهه الشرطة بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع. لقد نجحنا فى استزراع عشرات الشتلات التى ستنمو كارهة للدولة والمجتمع. كان على وزير التعليم ورجاله أن ينزلوا ليتحاوروا مع الطلاب. فى المجتمعات الناهضة والمتقدمة بدءا من كوريا الجنوبية حتى ماليزيا حتى أمريكا يشترك الطلاب فى صنع قرارات مستقبلهم التعليمى. وبوسعهم اقتراح المناهج وتقييم الأساتذة.
عندنا نعامل الطلاب من منطق افعل ما تؤمر، كما نعامل كل قطاعات المجتمع. النتيجة مزيد من السخط والفشل.
٢- لن أتحدث عن أزمة معاهدة التنازل عن الجزيرتين. كتبت عنهما مقالتين قبل أن يستقر الأمر فى أيدى القضاء. على طرف اللسان حديث يطول حول أداء نواب الشعب ومعلوماتهم الدستورية، وتصريحات إعلاميى الحكومة ووزرائها. المسألة ليست مسألة انحياز سياسى أو محاولة لإحراج نظام خرجنا جميعا بالملايين نطالب به. الأمر يتعلق بالرشد السياسى وفهم أوليات تفسير القانون والمعاهدات والدستور والتعامل باحترام مع سيكولوجية الشعب. غيبة المكاشفة والزجر بالعصا الغليظة والحبس الانفرادى طويل الأمد للشباب، كل ذلك لن يؤدى إلا إلى مزيد من الاحتقان وتفكك جبهة ٣٠ يونيو. وانطلاقا من حقى كمواطن وفقا للمادة ٨٥ من الدستور فإننى أطالب المستشار الجليل النائب العام أن يعلن عن عدد المحبوسين الاحتياطيين ونوع الجرائم المتهمين بها وهل توافرت دلائل كافية على ارتكابها خلاف تحريات الشرطة؟ والمدد التى قضوها فى الحبس؟ وهل تتبع معهم لوائح السجون؟ ونسبة من حكم ببراءتهم منهم.
مهما قيل للناس إن الأرض سعودية وإننا قوة احتلال فلن يصدقنا أحد. قُضى الأمر بحكم قضائى واجب النفاذ ببطلان التوقيع على الاتفاقية. نحن نزهو أن لدينا قضاء مستقلا. (هذا أمر شرحه يطول والدراسات فيه لنا ولغيرنا كثيرة).
وزير الدولة للشؤون القانونية كان نائبا لرئيس مجلس الدولة وعضوا بالدائرة التى ستنظر الطعن قبل أن يتولى الوزارة. كم نادينا بحظر ندب القضاة وحظر تعيينهم فى المناصب التنفيذية قبل مضى سنوات من تركهم المنصة. لم يستمع أحد لأسباب معلومة. معالى الوزير والقاضى رفيع القدر (سابقا) أصدر تصريحا يوم ٢٢ / ٦ اهتز معه اطمئنان الناس للقضاء. قال إن الحكومة ستطعن على الحكم. هيئة قضايا الدولة التى هى هيئة مستقلة وفقا للمادة ١٩٦ من الدستور استجابت لتصريحات الوزير ولا أقول تعليماته وبادرت بالطعن فى اليوم التالى ٢٣ / ٦. كان من المتصور أن تعكف الهيئة على دراسة أسباب الحكم بروية وبعيدا عن تدخل الوزير لتقرر هل تطعن على الحكم أم تنصح الحكومة بالامتثال له. هذا هو مؤدى الاستقلال وفقا للدستور لأنها كهيئة قضائية لا تتلقى تعليمات من الحكومة. فيما مضى كانت تسمى قلم قضايا الحكومة، أما الآن فهى هيئة قضائية مستقلة.
الحكم ببطلان التوقيع على المعاهدة صدر يوم ٢١ يونيو، الوزير صرح يوم ٢٢ يونيو، هيئة قضايا الدولة قدمت الطعن يوم ٢٣ يونيو، تم قيد الطعن وإعلان الأطراف به فى ذات اليوم. تابع الوزير فى تصريحه قائلا «ونتمنى أن يقبل الطعن، على أن يفصل فيه خلال أسبوع». عبارة (على أن يفصل فيه) تفيد الوجوب. ثارت الشكوك والريب والمسؤول عنها تصريح الوزير. علينا أن نتجنب مواطن الشبهات وأن نختار الكلمات.
عزز الشكوك ما نشرته جريدة «المقال» يوم ٢٣ يونيو عن زيارة مساعد وزير الدفاع لرئيس مجلس الدولة وأمينه العام يوم ٢١ يونيو فور صدور الحكم. قد يكون الخبر كاذبا، وقد تكون الزيارة لا علاقة لها بالحكم. درءا للوساوس كان على الجهات المعنية أن توضح الأمر للرأى العام وهذا لم يحدث. هل هكذا تصون السلطة التنفيذية مبدأ استقلال القضاء وترسخ قيمة احترام الدولة للقانون؟
٣- اتفقت الحكومة مع المؤسسات التى تمثل الصحفيين والإعلاميين على وضع مشروع قانون موحد لتنظيم الصحافة والإعلام تفعيلا للدستور. استغرقت المهمة الشاقة سنوات ثلاثا. جرت مفاوضات على مشروع القانون مع الحكومات المتعاقبة وحدث توافق حول صياغته الأخيرة، وعرض على مجلس الوزراء ودفع به لمجلس الدولة للمراجعة النهائية.
فجأة بادر أحد من عرف عنهم دعم النظم الحاكمة على اختلافها، إلى تقديم اقتراح بقانون للبرلمان يعطى لرئيس الجمهورية سلطة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة وما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادة تعيين رؤساء الصحف القومية. مرة أخرى نعود إلى تأميم الصحافة فى مجتمع متغير. المذكرة الإيضاحية للمشروع تحتوى على مغالطات قانونية ودستورية فاضحة. لماذا لم ننتظر حتى يصدر القانون المتوافق عليه وينصرف المجلس الأعلى للصحافة إلى حال سبيله وتشكل الهيئات التى نص عليها الدستور؟ لا إجابة اللهم إلا القفز على الحريات التى كفلها الدستور واستعراض العضلات البرلمانية الزائفة كما كان يفعل أحمد عز. هذا يسمى فى فقه الدستور انحرافا فى استعمال السلطة التشريعية. يقال إن هناك رؤساء صحف بعينهم يراد استبعادهم لمواقفهم السياسية المستقلة.
حضرات النواب المحترمين: سياسة القوة وفرض الأمر الواقع وضعت وستضع البلاد على شفا جرف هار. للقوة المادية حدود معنوية لا يبصرها إلا الأذكياء.
٤- سياسة الزجر فى إطار القانون قد تكون مبررة من أجل مستقبل واضح يتوافق عليه الجميع. ولكنها تفقد مشروعيتها السياسية والأخلاقية إن كانت لمجرد الانتقام والتشفى. قرار فصل ابنة المستشار هشام جنينة من النيابة الإدارية بغير الطريق التأديبى يفتقر لمبدأ دستورى هو تناسب الجزاء مع المخالفة. نعلم أن القرار قد صدر من المجلس الأعلى المختص. ولكن هل كان ليصدر لو لم يكن أبوها مغضوبا عليه؟ أجيبوا بصدق. ألم يعلمنا ديننا أنه «ألا تزر وازرة وزر أخرى»؟.
٥- لم تتحمل دوائر القمع بالدولة أن تبقى على أرضها لحظة واحدة بعد انتهاء عملها مواطنة عربية كانت درّة من درر الإعلام الحر- ليليان داوود. جاءوا إلى بيتها بعد دقائق من إنهاء عقدها واصطحبوها دون حقيبة إلى المطار دون أن تتمكن من ذرف دمعة الوداع على جبين ابنتها المصرية. قد يكون السند القانونى لإقامتها قد انتهى من نصف ساعة بالاتفاق على إنهاء عملها مع رجل الأعمال الأمنى مالك القناة. (القنوات بين الأمن ومجتمع الأعمال والإعلام والأحزاب المهجنة أصبحت مفتوحة). ألم يكن من الشهامة والمروءة أن نمهل ليليان (وهى نصف مصرية) بضعة أيام ترتب أمرها لتخرج من بلادها بكرامة كما دخلتها بكرامة وعاشت فيها بكرامة؟ أم أنها شهوة التنكيل التى لا تليق بدولة تزعم الريادة؟ ضفادع الإعلام الأمنى لم تترك ليليان ترحل دون نقنقة تشوه سمعتها. ليليان لم تتآمر على الأمن القومى المصرى وإلا لوجبت إحالتها للنائب العام بأدلة موثقة وعدم إحالتها جريمة. ليليان لم تتخابر ولم تتسبب فى تسريب الامتحانات أو انهيار سعر العملة أو انفلات الأسعار. ليليان فتحت برنامجها لكل الأصوات المصرية الحرة كما فعل العشرات من الإعلاميين غيرها ودافعت عن الحريات وعن حقوق الإنسان. ليليان عندما كانت خصما شرسا لحكم الإخوان أبقوها وعندما استمرت فى مناصرة الحرية أبعدوها. ذهبت كما ذهب غيرها من أصحاب الأصوات الحرة والأداء المهنى النزيه.
٦- القوة المنفلتة لن تصنع مستقبلا، لأنها بلا هدف، ولا أريد أن أقول بلا أخلاق.
السياسة خلق قويم وأهداف متوافق عليها. الشعوب لا تساق كالقطيع باسم الاستقرار.
تأملوا قول الذكر الحكيم وتوقفوا أمام كل عبارة فيه «فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر». وكل عام ومصر بخير وهدى ورشاد.

ضرورة التنوير وصناعة خطاب دينى جديد (٤ - ٤) بقلم د. عمار على حسن ١/ ٧/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

فى المقالات الثلاثة السابقة شرحت الحاجة الملحة إلى الإصلاح الدينى، ثم شروط تحققه فى الواقع المعيش، وانتهيت إلى ضرورة إصلاح تعليم الإسلام وتعاليمه.
وهناك علوم عدة لابد من إدخالها فى الدراسات الإسلامية، أو «علوم الإسلام»، على مستويين، الأول هو وجود هذه الحقول المعرفية ضمن المناهج التى تدرس فى المعاهد والمدارس والكليات الدينية، وثانيها رؤية المساقات التى تدرس حاليا من فقه وتفسير وعلم حديث وعلم كلام وعقائد... إلخ من خلال هذه الحقول، التى يقاوم الكثيرون من واضعى العلوم الدينية وشارحيها إدخالها ضمن المناهج التى يَدرسُونها ويُدرّسُونها.
ويمكن طرح هذه الحقول المعرفية على النحو التالى:
أ ـ الأديان المقارنة: فدراسة المشتركات والمختلفات بين الأديان، فى العقائد والشرائع والتعاليم والقصص والمرويات، ذات أهمية كبرى فى فهم جوهر كل دين على حدة، ثم جوهر الأديان كلها. فالجهل بأديان الآخرين لاسيما إن كانوا يعيشون معنا يزكى الانفصال الشعورى فى المجتمع، ويزيد من احتمال الفتن، لأن القائمين على الوعظ والدعوة والإرشاد يعمقون من هذا الانفصال، ويزيدون من تلك الفتن، عبر خطاب نرجسى أو شوفينى يحمل الازدراء أو الاستهانة بدين الآخر.
كما أن الأديان المقارنة لا يجب أن تقتصر على الأديان الإبراهيمية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) بل الأديان الأخرى، وكذلك المعتقدات والمذاهب التى انبثقت عن الدين الأصلى، واقتنع بها جمهور من الناس، ورسخت فى التربة الاجتماعية ردحا من الزمن.
وهذا المبحث أهمل طويلا على أهميته، وهنا يقول ميرتشا إليادة وهو أشهر دارسى تاريخ الأديان: «لنعترف صراحة بالأمر. إن تاريخ الأديان، أو الأديان المقارنة، لا يقوم إلا بدور متواضع فى الثقافة الحديثة.. ليس لأن مؤرخى الأديان اليوم هم أقل شأنا من أسلافهم المشاهير، بل لأنهم، ببساطة، أكثر تواضعا منهم، بل أشد انعزالا وأكثر خفرا».
وإذا كان هذا فى الغرب الذى قطع شوطا بالغا فى تطبيق نظريات العلم وإجراءاته على الأديان، محاولا تفسيرها وتقريبها وإصلاحها فضلا عن سبر أغوارها أو الوصول إلى أصولها وجذورها، فما بالنا بالحال لدينا فى الشرق، حيث لا يزال هناك من يقاوم استخدام العلم فى التعامل مع الدين، وكذلك من لا يريد للمسلمين أن يقفوا على ما لدى غيرهم من معتقدات وأديان.
ب ـ علم الاجتماع الدينى: وهذا سيبين بجلاء أثر التطور الاجتماعى على فهم الدين وتأويل نصه، سواء هذا التطور الذى يوجب الاجتهاد والتجديد، أو ذلك الذى يؤدى إلى اختلاق نصوص أو أقوال منسوبة إلى الأقدمين لاستعارتها واستعمالها فى تبرير مسلك أو الدفاع عن مصلحة أو منفعة.
وكانت دراسة الدين من الموضوعات التى نالت اهتمام علماء الاجتماع منذ وقت مبكر، لاسيما مع وجود رؤية اجتماعية فلسفية تنظر إلى الدين بوصفه المنبع الرئيسى لكل العمليات فى المجتمع الإنسانى، فماكس فيبر تعامل مع الدين كمفتاح للتمييز بين المجتمعات الغربية والشرقية، ودوركايم درس دور الدين فى تحقيق التماسك الاجتماعى. ومع دخول أوروبا عصر التصنيع بدأ التساؤل عن علاقة الدين بعمليات التحضر والتحديث. وبمرور الوقت ظهر علم اجتماع الدين الذى يتركز على الوظيفة العامة للدين فى المجتمعات البشرية، وكيف أنه يشكل جانبا من سلوك وأنشطة الجماعة، ويلعب دورا فى تعزيز واستمرار أو إعاقة هذه المجتمعات.
وعلم اجتماع الدين ينطلق من رفض وجهة النظر التى تقول بأن الدين تجربة إنسانية منتظمة ومستقلة بنفسها، وأنه نشاط لا يخضع للتأثيرات الاجتماعية، ويذهب لفحص ودرس هذه التأثيرات المتبادلة بين الدين والمجتمع.
ج ـ التاريخ: ومنهجه غاية فى الإفادة بالنسبة لتمحيص علاقة الآراء الدينية والفقهية لاسيما السياسية منها، وهى مصدر المشكلة الرئيسية التى نواجهها، بالأحداث والوقائع التى جرت فى زمانها. كما أن أغلب ما يقف ضد التنوير وما ينطوى عليه من إصلاح دينى يرتبط بروايات تاريخية تتم استعارتها طوال الوقت لتشكل جزءا صلبا من عملية الحِجَاج والبرهنة التى يقوم بها الوعاظ والفقهاء ومنتجو الفتوى الدينية فى زماننا الراهن.
د ـ اللسانيات: وبوسع هذا العلم أن يكشف لنا عن الألفاظ الواردة فى الروايات التاريخية التى أنتجها البشر فى الماضى وصنعت نصا وخطابا يستعان به فى صناعة الأطر والقيم والتعاليم التى تحكم حياتنا المعاصرة. فمثلا لو وجدنا لفظا فى قول منسوب لأحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى عايشوه ورأوه وعرفنا أن هذا اللفظ أو تلك الكلمة لم تدخل التداول بين الناس سوى فى القرن الثانى أو الثالث الهجرى، لأدركنا أن هذا القول منتحل أو مكذوب. وبذا يمكن استخدام الألسنية فى غربلة جديدة وعصرية للأقوال القديمة التى أنتجها البشر وأخذت شكل النصوص، وغطت عند كثيرين على النص المؤسس وهو القرآن الكريم.
ه ـ علم اللغة: فهو يمنحنا إمكانية تحليل النصوص والخطابات القديمة والراهنة من خلال التحليل المعجمى والنحوى والصرفى، وكذلك فى دراسات البنية الداخلية للنصوص، وعملية التناص، وتبيان مدلول المفردات وأجزائها وتراكيبها وأصواتها وبلاغة صورها، وفحص علاقة ما قيل ويقال بسياقه الاجتماعى. ومثل هذا يساعدنا على التمييز بين الأصيل والدخيل فى المنتج الدينى بشتى صنوفه، خاصة إن كانت يعتمد على البيان اللغوى كوسيلة أساسية لإيصال رسالته عبر خطف الألباب وجذب النفوس، من فرط سحر البلاغة، أو الاستعانة بالتراكيب القديمة التى تنطوى على جزالة وجرس قوى وإيقاع مشبع بالموسيقى أو الصور، لهز القلوب وقتا عابرا، دون أى عناية بمخاطبة العقول.
و ــ الأنثربولوجيا: وهو العلم الذى يدرس البشر فى ماضيهم وحاضرهم، لكى يقرب إلينا أفكار وتدابير وطقوس الكيانات الإنسانية وما مرت به من ثقافات عبر التاريخ، وهو يستفيد من معارف عدة منها علم الاجتماع والبيولوجيا والتاريخ والفنون والفلسفة والفيزياء. ومن فروعه الأنثربولوجيا الدينية التى تدرس أثر العقائد على تكوين المجتمعات البشرية بطقوسها وتصرفاتها وأنماط علاقاتها وإدراك الناس لأنفسهم ودورهم وللطبيعة وعطائها.
ز ـ علم الآثار: وهو الذى يدرس ما تركه الإنسان القديم من موجودات مادية لها صلة بمعتقداته وتدبير معيشته والتعبير عن أفراحه وأتراحه، وبالتالى يفتح بابا لمعرفة كيف تطورت الأديان من خلال هذه الموجودات، وهى مسألة مهمة لتبين للمتطرفين أن ما يدعونه من امتلاك الحقيقة المطلقة هو مزاعم من عند أنفسهم، وأن الأمم الغابرة لم تكن على الكفر والشر، وأن الدين قديم قدم الإنسان.
وعلماء الآثار من خلال قراءتهم للنقوش وعثورهم على قطع أثرية وحفريات بوسعهم أن يدلوا بدلوهم حيال العديد من الروايات الدينية التاريخية التى يرددها الناس باعتبارها حقائق لا تقبل النقد ولا النقض، ولا يصبح من المستساغ أن تظل هذه الروايات متداولة رغم أن الأثريين برهنوا على عدم صحتها، أو على الأقل هزوا ثباتها، أو على الأقل جعلوها موضع مساءلة أمام أفهام المعاصرين.
ح ـ علم النفس: وهنا نجد اختلافا بين اتجاه يذهب إليه سيجموند فرويد ينظر إلى الدين باعتباره ظاهرة عصابية تترجم رغبة النكوص إلى الطفولة حيث الحاجة إلى الأبوة، وآخر يسلكه كارل يونج الذى ينظر إليه باعتباره غريزة ترمى إلى تحقيق الوحدة والاكتمال وتجاوزها يؤدى إلى العصاب، وثالث يؤكده إريك فروم الذى تعامل مع الدين باعتباره تجسيدا لحاجة الإنسان الجوهرية إلى مذهب أو إطار يوجهه، وإلى العبادة لما تحققه من إشباع حاجات روحية.
لكن الاستفادة من علم النفس تتعدى هذه الرؤى الكلية التى تريد أن تفسر الدين بإعادته إلى أسباب حياتية أو احتياجات نفسية واجتماعية بحتة، كى تمتد إلى تبصيرنا بأحوال الإنسان وخواطره والعناصر التى شكلت شخصيته، على اعتبار أن الإنسان ابن عوائده، وكذلك ابن الجينات التى ورثها عن أبيه وأمه وأجداده من الجانبين، وبالموروث والمكتسب صنعت تصوراته وتصرفاته. ومعرفة هذا تجعل بوسعنا أن نعذر الناس، ونصبر عليهم إن أردنا تغييرهم إلى الأفضل، ولا نوصد أمامهم الأبواب إن كانوا يقترفون إثما أو يفعلون سوءا، دون أن نسقط من حساباتنا أن كثيرا مما يعتبره المتطرفون إثما وسوءا ليس بهذا على كل حال.

Tuesday, June 28, 2016

وحيد حامد يكتب: تبرعوا لإهانة مصر! ٢٨/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بسبب الحرب الإعلانية الشرسة القائمة بين مؤسسات الخير فى مصر، سواء كانت أهلية أو حكومية للاستحواذ على تبرعات وهبات وزكاة المحسنين فى هذا الشهر الفضيل، أصبحت مصر التى كانت مصراً بحق وصدق دولة عليلة بها كل أمراض الدنيا، وصارت الموطن الأصلى لسرطان الكبار والصغار، وأهلها جميعاً يحملون فيروس «سى» داخل أجسادهم النحيلة والمهزومة، كما تظهرهم الإعلانات الوضيعة.. بالإضافة إلى كل أمراض الكبد والقلب والكلى والأذن والصدر وكل ما يخطر بالبال.
ومن كثرة وكثافة البث صار المرض على موائد الصائمين فى إفطارهم وسحورهم وحتى فى أوقات العبادة أو حتى الترفيه بحيث تفسد وتدمر وتجعل الدنيا سوداء فى عيون الكبار والصغار، رغم أن الدنيا بالنسبة لنا سوداء فعلاً.
وهنا لا بد أن يكون لنا وقفة جادة وحاسمة، فلا أحد على الإطلاق ضد فعل الخير أو يتنطع وينكر وجود هذه الأمراض المتفشية فى عمق المجتمع المصرى والتى تتطلب فعلاً المساندة والمساعدة والدعم بكل أشكاله.. ولكن عندما يتحول الأمر إلى التجارة بالأمراض والتهويل فى أمرها بقصد جمع المال، فهذا أمر لا يجوز ولا يحتمل ولا يتفق مع أبسط المبادئ الإنسانية.
فإذا انتقلنا إلى جمعيات الخير المعنية بأمر الفقراء والمساكين والغارمين والغارمات، فإن الأمر يكون أكثر سوءاً وعدوانية بعرض إعلانات قبيحة ومتدنية لبشر حالتهم مزرية من شدة الفقر والعوز.. وليس معنى ذلك أن مثل هذه النماذج غير موجودة.. نعم عندنا فقراء وجوعى منذ أيام المماليك وحتى الآن.. ولكن المبالغة فى تصوير مأساتهم وانكسارهم تخالف الحقيقة، وأصبحت الإهانة تسبق المساعدة والقضاء على ما تبقى من كبرياء وكرامة كانا يغلفان الشخصية المصرية.. وعليه أصبح هدف هذه الجمعيات هو الجباية وتحصيل الأموال بالتجارة القذرة القائمة على أوجاع البشر.. من هنا كان لابد أن يكون لنا وقفة مع هذه الكيانات التى توحشت وفجرت.. ولأن الظاهر غير الباطن فإن الكثير من الذئاب قد ارتدى ثوب الحملان فعلاً.
يفوز بنصيب الأسد من حصيلة تبرعات أهل الخير مستشفى «٥٧٣٥٧» بسبب حملاته الإعلانية المكثفة والتى يبثها عبر القنوات المصرية وغير المصرية، وهى حملة تطارد المشاهد مطاردة الثعلب للدجاجة حيث تكون النتيجة محسومة لصالح الثعلب، وإعلانات هذا المستشفى كأنها الذباب الذى لا يمكن هشه أو نشه، وهى ثقيلة على النفس مزعجة ومقبضة تحاول الهرب منها بالانتقال إلى قناة أخرى فتجدها قائمة على تطوير ثقافة التسول وتجميلها إلا أنها تفشل فشلاً ذريعاً لأن التسول له خصائص ثابتة من الصعب أن تتغير أو تتبدل.. أولاها إظهار الضعف والهوان والانكسار لجلب الشفقة، وعصابات التسول التى تسيطر على الشوارع تستغل أصحاب العاهات والأمراض الخلقية وفى غالب الأحيان تصنع هذه العاهات بنفسها.. الأمر الثانى الإلحاح.. ثم الإلحاح.. ثم الإلحاح.. وهذا ما تفعله كافة مستشفيات السرطان وعلى رأسها مستشفى «٥٧٣٥٧» التى تعرض لنا صور الأطفال المرضى فى استجداء رخيص ومزر.. رغم علم القائمين عليه بأن هذا يخالف أبسط حقوق الطفل المريض حتى لو كان الأمر بموافقة منه أو من أهله.. وهنا لا يصبح العلاج بالمجان.. لقد دفع الطفل ثمن علاجه بأن أصبح مادة إعلانية دون احترام لإنسانيته أو خصوصيته.. ورغم علم المستشفى بوجود قوانين تمنع ذلك فإنه يتبجح ويخالف لأنه يعلم تمام العلم أنه لا يوجد من يردعه أو يحاسبه هو أو غيره.. لأن الطفل المريض أصبح ملكاً للمستشفى طالما تفضل وتكرم وسمح بقبوله.. ومن الثابت أنه لا يقبل إلا حالات المرض وهى فى بدايتها والتى يسهل علاجها.. ولأن حجم وكثافة وتكرار إعلانات هذا المستشفى يدفعنا إلى السؤال المهم عن تكلفة هذه الحملة المسعورة.. والسؤال يوجه أيضاً إلى زكية وبهية وسعدية و«٥٠٠ و٦٠٠ و٧٠٠» وكل من يرفع راية السرطان فى مصر المحروسة.. ومن العجيب والمدهش حقاً أن جمعيات حقوق الإنسان فى مصر التزمت الصمت تجاه التجاوزات التى تحدث فى حق الأطفال وعائلاتهم من الناحية الإنسانية وخرق القانون فى وقاحة، وهم الذين يقفون على أظافرهم انتظاراً لأى حادث يعتدى فيه أمين شرطة على متهم فتقوم الدنيا ولا تقعد.. وعليه.. ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. ولم أكن يوماً بالساكت عن الحق.. ولست بالشيطان الأخرس.. وأعلم أن هذا المقال سيجلب على شخصى الكثير من المتاعب.. ولكنى لا أستطيع أن أختزن الحزن فى داخلى أو أكتم رأياً أنا على قناعة به.. ودون توجيه أى اتهام لأحد أطالب بوضع حد لهذه الفوضى والحفاظ على حق المواطن المريض والمواطن خالى المرض فأنا أطالب بالآتى:
١- عدم استغلال المرض فى كافة أنواع التسول احتراما لإنسانية المريض وعدم ابتزازه.. وإعمالاً للقوانين الصادرة محلياً ودولياً فى هذا الشأن.
٢- على هذه المؤسسات الخيرية بكل أنواعها أن تعلن صراحة عن حجم التبرعات التى تأتيها سنوياً أو شهرياً.. وكذلك حجم الأموال التى يتم إنفاقها على هذه الإعلانات المصدرة للكآبة وزرع جذور اليأس والإحباط.. حيث إن الأمم المريضة لا تنهض.. والكيانات القائمة على التسول سرعان ما يصيبها الانهيار.
٣- على هذه المؤسسات أن تكشف عن كيفية إنفاق هذه التبرعات وعدد المرضى الذين تم علاجهم.. وهل الأطباء يعملون بأجر أم هم من المتبرعين..؟ وما أجورهم وأجور جميع العاملين.. وهل هى عادية أم مبالغ فيها؟!
٤- مسألة الاستحواذ على أموال التبرعات واحتكارها سواء بالإعلان المكثف أو الغواية أو الادعاء والمبالغة أمر يخالف شرع الله.. وإنفاق أموال التبرعات لابد أن يكون فى الغرض الذى تم جمعها من أجله ولا شىء غيره.
وتعالوا بنا نلقى نظرة على هذا الموضوع من زاوية أخرى.. بعض هذه الإعلانات لا يكتفى بالتسول وإنما يلجأ إلى الترهيب وتطل علينا السيدة الفنانة منى زكى فى إعلان عن مستشفى بهية قائلة من بين كل ثلاث سيدات فى مصر سيدة معرضة للإصابة بسرطان الثدى.. وتخيلوا أيها السادة حال أى سيدة عندما تسمع ذلك؟؟.. والخوف من المرض يأتى بالمرض.. وإعلان آخر لأحد مستشفيات الكبد حيث يطل علينا شخص وهو يرتدى البالطو الأبيض ويحدثنا قائلاً: فيه ناس عايزة تطلع ولادها دكاترة ومهندسين ولعيبة كرة وتكون الصورة على أناس آخر أبهة.. ثم تتحول الصورة إلى أناس فى غاية الشقاء والبؤس والرجل يقول وفيه ناس عايزة ولادها تتعالج..!! إعلان تحريضى يبث الفرقة ويزرع الكراهية بين الطبقات..!! ولكنها حرب الاستحواذ القائمة بين مؤسسات الخير جعلتهم لا يفرقون بين ما هو مفيد وما هو ضار..!!
أيضاً الكل يتحدث عن المرض وعلاج المرضى.. ولا أحد يحدثنا عن أن الوقاية أعم وأشمل مما يدل على أن المرض فى مصر أصبح بضاعة وتجارة وكذلك الفقر والعشوائيات بسبب نفر من الناس باعوا ضمائرهم وتفرغوا لجمع المال بوحشية أضرت بالسليم والمريض معاً.. الجمعيات الخيرية فى كل بلاد الدنيا تقدم خدماتها فى جميع المجالات بحكمة وإخلاص وعناية فائقة دون هذا الضجيج الذى أفسد الهواء الذى نتنفسه.. وعشرات.. بل مئات المستشفيات فى كل الدنيا تعالج جميع الأمراض التى تصيب كل البشر دون إهانة المريض.. قساة القلوب هؤلاء يبتزون المجتمع الإنسانى ويستغلون الفطرة الطيبة والصافية والمشبعة بحالة دينية وروحية تكمن فى أعماق الإنسان أسوأ استغلال، زرعوا الكآبة فى النفوس وأسسوا ثقافة التسول ونشروا آفات اليأس والإحباط.
وحتى أقطع الطريق على كل منافق مخادع يزعم أو يدعى بالباطل أننى رجل قاسى القلب لا أعرف الرحمة بالمريض أو الفقير أقول لا يعرف ذل المرض إلا من يعايش المرض وأنا رجل مريض قلب وفى حقيبة أوراقى حقيبة أخرى للأدوية وعشت محنة المرض فى الغربة حيث يصبح عذاب المريض عذابين وثلاثة.. فأنا مع المريض والفقير ولكنى ضد التجارة فى أجسادهما.. والحق يقال إن غالبية الجمعيات الخيرية والإنسانية فى مصر كانت تقوم بدورها الإنسانى على أكمل وجه فى خدمة المجتمع.. إلا أن بعض رجال الأعمال الماكرين أسسوا جمعيات خيرية بقصد ظاهر هو الوجاهة الاجتماعية وقصد خفى هو التهرب من دفع الضرائب حيث تخصم قيمة التبرعات من الوعاء الضريبى.. ومع الخير الوفير الذى تأتى به التبرعات تفرغ رجال الأعمال هؤلاء لإدارة الجمعيات وتركوا أعمالهم الأصلية.
ومن المؤسف حقاً أن تدخل الدولة فى هذا المجال الشائك وتنشئ كيانات خاصة بها لقبول التبرعات.. وأيضاً الأزهر الشريف.. والكل عينه ليس على أموال الصدقات وأموال الزكاة فقط.. بل امتد الأمر إلى طلب ثمن هدية عيد الأم.. وتكاليف عيد الميلاد.. وحتى النقود الموجودة فى «حصالات» الأطفال، وبعد يوم أو اثنين سيطلبون منك التبرع بكعك العيد.. وفى عيد الأضحى عليك أن تدفع ثمن الأضحية.. وعليك أن تورد ملابسك القديمة.. وبقايا طعامك.. و.. و...
أقسم بالله أنكم قوم ظالمون..!! أصابتكم حالة سعار ونهم وجشع وسودتم عيشة خلق الله ولم تتقوا الله فى هذا البلد العليل.. دمرتم مورد رزق كان يعيش عليه عدة ملايين وهو السياحة.. من سيأتى إلى بلد شعبه جائع ومشرد وتحتله جميع الأمراض الخبيثة وغير الخبيثة.. مصر الجميلة.. أو التى كانت جميلة يقتلها عمداً نفر من أهلها.. وإنى فى دهشة شديدة من الإعلانات الكثيفة عن الفيلات والقصور والحدائق وملاعب الجولف.. والبحر الذى أصبح تحت قدميك.. إنه التناقض الشديد.. فى بلد عشوائى فيه كل إنسان يفعل ما يريد ودون حساب أو حتى عتاب.. وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم وأختم مقالى الحزين هذا بدعاء أسأل المولى عز وجل أن يستجيب له.. «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».

مصر فى خطر June 28, 2016 د. محمد ابو الغار المصري اليوم


1. لأن فشل نظام السيسى سيكون كارثة على مصر التى سوف تتحول إلى فوضى عارمة وانهيار اقتصادى كامل ومستقبل مجهول، وهو أمر لا يمكن قبوله من أى مصرى وطنى مدنى.
2. لأن البديل الذى يمكن أن يكون جاهزاً للحكم فى فترة قصيرة هو الإخوان المسلمون بمساعدة كبيرة من قوى شرق متوسطية وعربية ودولية، وهذا أيضاً كارثة لأنها ستعود بمصر إلى القرون الوسطى بأفكار شديدة الرجعية يتم تطبيقها بفاشية دينية.
3. لأن جميع القوى المدنية المصرية من أقصى اليمين الليبرالى إلى أقصى اليسار الاشتراكى لم تستطع تحقيق بناء أحزاب قوية أو تكوين جمهور كبير يؤيدها فى الشارع ولا يمكنها تقديم جبهة قادرة على الحكم أو المشاركة الحقيقية فيه حالياً أو فى المستقبل القريب لأسباب بعضها موجود فى تركيبة هذه القوى والأحزاب وتنظيمها وبعضها لأن الدولة الحاكمة لأكثر من سته عقود حاربتها بكل قوة واستخدمت جميع الأساليب غير القانونية والبوليسية لإضعافها.
4. لأن نظام السيسى بالطريقة التى يحكم بها الآن قد يؤدى بمصر إلى حائط مسدود، فالاقتصاد فى حالة مذرية والاستثمار والسياحة فى علم الغيب ومخاطر نقص المياه بسبب سد إثيوبيا على الأبواب، والخبراء يعتقدون أن كثيرا من المشروعات الكبرى تسير فى طريق خاطئ. وهذه الأوضاع هى السبب الرئيسى فى مشكلة تيران وصنافير وأن عودة القوة الإقليمية لمصر مرتبطة بتحسن أحوالها الاقتصادية. إن الإجراءات القمعية العنيفة والحبس لمئات الشباب أدى إلى رد فعل تعاطفى معهم وغضب من الدولة وكانت التبرعات التى جمعت من آلاف المواطنين لدفع الكفالات الضخمة فى ساعات قليلة دليل واضح على مع من يقف الناس.
5. ولأن دول الخليج تأثرت وسوف تتأثر أكثر بسبب انخفاض أسعار الطاقة وسوف تتعرض لضغوط دولية تؤثر سلبياً على ثروتها وربما يحدث فيها انقسامات عرقية وحروب محلية مختلفة، وبالتالى اهتمامها وقدرتها على مساعدة مصر سوف تقل كثيراً، وعليهم أن يعرفوا أنهم أيضاً فى حاجة لمصر الآن ومستقبلاً، وإن الضغط على الشعب المصرى بسبب الظروف الاقتصادية ليس فى مصلحة البلدين.
6. ولأن تأثير ثورة 25 يناير على قطاعات كبيرة وخاصة الشبابية عظيم، ولن يستطيع أى قهر أو عنف أن يعيد الشباب أو غيرهم إلى ما قبل الثورة فلن يقبل أحد ما كان يتم سابقاً ولن يقبل الأقباط بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية مرة أخرى، وعلى الدولة أن تعيد التفكير والتوقف عن قرارات تثير الغضب، وحادثة نقابة الصحفيين مثال واضح على ذلك وهناك من ينصحون النظام بمعارك خاسرة تقلل من شعبيته، ومثال آخر مشروع قانون الصحافة والإعلام المخالف بوضوح للدستور والذى يراد تمريره. وهناك غضب عارم بسبب تيران وصنافير، وقد كانت حيثيات حكم مجلس الدولة - بغض النظر عن أى أحكام مستقبلية - دافعاً لأن يشعر المصريون بالغضب الشديد. فلتبدأ الدولة بمصالحة المجتمع الغاضب الذى اتسع حجمه ليشمل أجزاء من حزب الكنبة الهام. نريد أن يعود الهدوء ونتفرغ لمكافحة الإرهاب وحل المشكلات المتراكمة ولا نلتفت إلى مجموعات مدمرة تدفع بالمواجهة بين الدولة والشعب. وعلى شعبى السعودية ومصر أن يعرفا أنه ليس من مصلحة أحد حدوث فجوة أو تراشق وأنه لا بد من حل سياسى يفرغ الغضب الشعبى العارم وعلى السعودية تقديم تنازلات الآن وفوراً لتسهيل الأمر بالنسبة للسيسى.
7. ولأن القوى المدنية المصرية هى المخزون الحضارى الاستراتيجى الذى يستطيع أن ينقذ مصر، وهذه القوى تتكون من جماعات وتيارات سياسية وقوى علمية مصرية فى كل المجالات من الزراعة إلى الصناعة والاتصالات والكمبيوتر والرى والطب والهندسة وحتى الفلك. كل هؤلاء عندهم تراكم خبرات ضخم وهناك الآلاف من الشباب الواعد الذى حصل على تعليم ومعرفة حديثة، هذه المجموعة من المصريين هم امتداد لمجموعة مشابهة قامت عليها نهضة مصر بعد ثورة 1919 وهى نهضة شاملة فى التعليم والصحة والعلم والتصنيع صاحبتها نهضة ثقافية عظيمة جعلت مصر قائدة بدون منازع للمنطقة. وبعد 1952 استطاع عبدالناصر بذكاء استقطاب كل العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين ليقوم عليهم مشروعه الكبير الذى انهار للأسف عام 1967 بسبب الديكتاتورية. لم يكن عبدالناصر ديمقراطياً ولكن بحسه السياسى أدرك أن الموهوبين من الاقتصاديين والمفكرين والصحفيين والعلماء يجب أن يكونوا رجاله ويأخذون حيزاً أكبر من الحرية ويكونوا جزءاً من نظامه يستمع إليهم فأعطاهم صلاحيات واسعة فقادوا معه ثورة علمية وصناعية وثقافية. وكان نبض الشارع عنده شديد الأهمية، فكان يتفاعل مع الشعب قبل القرارات الهامة ويستجيب لغضبه، وهذا لم يحدث مع الرئيس السيسى فى قضية الجزر مثلاً.
إلى الرئيس أقول: ها هى مصر بمخزونها الحضارى أمامك فشاركها معك بقوة ومسؤولية وليس كسكرتارية وسوف يساعدك ذلك على النهوض بمصر لو أحسنت الاختيار وأجدت الاستماع، وأعطيت المسؤولية لمن يستحقها واستمعت إلى النقد بصدر رحب. عليك جمع شمل كل القوى المدنية لإيجاد حل سريع.
بعد هذا المقال أنوى أن أكتب فى الثقافة والتاريخ لالتقاط الأنفاس وذلك لو لم تداهمنا أحداث جسيمة.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

Monday, June 27, 2016

قلب نظام «الحُلم»..! بقلم د. مصطفى حجازى ٢٧/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

تقول الرواية، التى هى أقرب للنكتة، إنه بعد القبض على أحد أشهر مُلَّاك شركات توظيف الأموال فى ثمانينيات القرن الماضى وإيداعه السجن.. وإغلاق شركاته.. ذهب مواطن ليودع أمواله فوجد الشركات قد أُغلِقت..!
لم يألُ المواطن جهداً فبات يسأل عن صاحب الشركة الشهير.. فلما علم بسجنه.. سأل عن السجن الذى احتجز فيه الرجل ليذهب إليه ويودع أمواله كى يستثمرها له..!
لم يوفق المواطن المنسحق أن يعطى ثمرة شقائه للنصاب المدان.. فبقى ضَجِراً.. يلعن حظَّه.. الذى أضاع منه «وهم» الأمان المالى.. حتى وإن تيقن هو نفسه أنه وهم وسراب.. ولكنه اعتاد الاستنامة للوهم.. وآثر رخاوة تمنى السراب عن أى منطق مُجهِد..!
تلك كانت صورة أولى مثيرة للسخرية أو الشفقة أو الصدمة فى أحد أركان بانوراما حياتنا.. والأكثر صدمة أنها متكررة لا تكاد تختفى وإن بدت بتفاصيل أخرى وظلال أخرى وألوان أخرى..!
تفاصيل إذعان.. وظلال انكسار أمام الحاجة أو رخاوة فى طلبها..!
وفى ركن آخر من ذلك الأفق الصاخب القاسى الذى نحياه كل يوم.. صورة أخرى متكررة وليست أخيرة.. صورة وقف فيها «المصرفى» الجشع فى مكتبه فى «وول ستريت» بنيويورك.. ينقل خبرات جشعة لتلميذه وخليفته المنتظر.. وقف مختالاً يتيه بممتلكاته وبتاريخ صفقاته ويتيه أكثر بتاريخ قهره لخصومه وتدمير حيواتهم..!
فإذا بالشاب الغض الذى ما زالت فطرة الخير فيه تنبض.. يشعر بالاشمئزاز أكثر من شعوره بالانبهار والإعجاب كما أراد رئيسه الفاسد.. وإذا به لا يقدر أن يكتم اشمئزازه.. فيَهُمُّ «الشاب» ليسأل ذلك «المصرفى» البشع: ما هو رقمك..؟!
فيجيب «المصرفى» الجشع مستفهماً: ماذا تعنى..؟!!
«الشاب»: أعنى ما هو الرقم الذى يكفيك ويُقنعك.. ما هو الرقم الذى يجعلك تُقلع عن تدمير كل ما حولك ومن حولك باسم الطموح وادّعاء خلق اقتصاد..!
كم عدد سيارات يكفيك..؟! كم عدد القصور يكفيك..؟! كم عدد اللوحات يكفيك..؟!
كم عدداً من القتلى يكفيك.. كم عدد المدمرين حولك والمنسحقين لك يكفيك..؟!
ويستطرد الشاب قائلا: أنت لا تبنى شيئاً.. حتى وإن بنيت..!!
أنت تبنى أشباه أشياء فقط تعينك على الاستمرار فى لعبة خداعك للبسطاء وغيرهم..!
فرد «المصرفى» بكِبْر يتلبس السطوة أكثر من الحكمة قائلاً: «أكثر»..!!
رقمى هو «أكثر» من كل شىء..!
أكثر مالاً.. أكثر نفوذاً.. أكثر سطوة.. وليس لأنى جشع ولكن لأن هذا حقى!!
واستكمل وقد ذبلت الابتسامة المصطنعة من وجهه ونبت مكانها ذلك الوجه العبوس البائس الكاره لكل ما حوله ومن حوله..!
لا تحدثنى عن الناس.. فهم من يطالبوننى بأن أكون مُخَلِّصَهُم.. ومُحقِّق حلمهم وضامن الأمان المالى لهم من تقلبات المستقبل ومن الفقر والعوز الذى يرونه حولهم فى العالم..!
لا تحدثنى عن الناس.. فهم فاقدو أهلية لا يعرفون ما أعرف ولا يفهمون ما أفهم.. حتى مفكروهم وأكاديميوهم.. هم مجموعة من المثرثرين.. لم يخبروا الحياة كما خبرناها نحن.. نحن أرباب الرأسمالية.. نحن من نحرِّك العالم فى قديمه وحديثه.. حرباً وسلماً.. نحن من يهدئ ويثور ومن يقلب ويعدل.. هذه الأرض كلها لنا.. نحن نعرف مصلحة هؤلاء الضعفاء.. لأننا أقوى حتى وإن لم نكن أكثر علماً ولا فهماً ولا حكمة.. فقط نحن أقوى.. قبضتنا أقوى من عقلنا.. وهذا يكفى..!
بقى المصرفى فى غىّ «الأكثر» حتى انتهى به الأمر إلى المحتوم الآتى مهما تأجل.. وهو عدالة السماء..! فُضِحَت جرائمه.. ولم ينطلِ خداعُهُ على أحد ممن ترقى بخداعهم.. وحتى العامة والبسطاء الذين انبهروا بأدائه وظنوا فيه خيراً وفهماً وإخلاصاً.. فُضِحَ - أمام أبسطهم عقلاً - تدنيه وسوء سريرته ومحدودية قدراته.. وانتهى مآله إلى السجن.. ضاع وضَيَّع..!
بالمناسبة هذا ليس حواراً متخيلاً لكنه واحد من حوارات كثيرة تحمل ذات المعنى وذات المفردات سبقت الانفجار الاقتصادى الكبير الذى حدث عام ٢٠٠٨.. باسم الأزمة المالية النيوليبرالية الأكبر..!
ولكن الأهم والأولى بالتدبر والفهم هو ما استتبع مثل هذا الحوار.. أمثال هذا المصرفى لم يصبحوا أكثر استقامة ولكن أصبحوا أكثر ارتداعاً من احتمالات السقوط وأكثر خوفا من الضياع.. لم يصبحوا مثاليين ولكن أصبحوا بشراً وليسوا أنصاف آلهة.. ليس زهداً فى التأله ولكن لأنهم اكتشفوا أن التأله «وهم» لا يديم حتى رغبتهم فى الاستمتاع والحياة..
احتاج هؤلاء إلى قارعة.. إلى نازلة.. إلى صدمة كبرى لا تفيق ضمائرهم بقدر ما تردع شهوة السطوة والتأله والاحتكار والكِبْر والاحتقار بداخلهم.. هكذا يتعلم البشر..!
الجامع بين الصورتين أن بوَقْع الصدمة أو بِذُلِّها.. لا بِهَدى المنطق.. عرف المواطن المُتَمنى وعرف المصرفى الجشع أن «الأكثر» مسقوف.. وأن «التدنى» له قاع..!
وأن «وَهْم الاستزادة» من السطوة والجبروت لا يضمن بقاءً.. وأن «سراب الاستنامة» إلى الانسحاق ومسخ العقل لا يأتى بأمان..!
كل ترقٍّ حدث فى البشرية على مدار تاريخها - اختياراً كان أو قهراً - جاء حين عرفت البشرية على إثرِ كارثة ما.. إثر حرب إبادة أو حرب جهالة.. أن لكل رذيلة إنسانية حدها.. وحين عرفت الإنسانية كيف تدير رذائلها فلا هى تُنكرها وتدَّعى الملائكية.. ولا هى تُفرِط فى استدعائها مدعية الجبروت والتأله..!
كل ترقٍّ حدث فى البشرية على مدار تاريخها.. كان حين قَلَبت الإنسانية نُظم حُلمها.. قبل وبعد تغيير نُظم حُكمها..!
فلا شبق «الأكثر» يَصُلُح حُلماً.. ولا «الإذعان والتقزم ورخاوة الانسحاق» تَصُلح حُلماً..!
بين سقف يكبح جموح الاستبداد والاستغلال.. وقاع يحتوى استمراء الاستغفال والاستعباد.. يوجد الحُلم.. تلك هى قصة البشرية بين رذيلتين..!
وذلك ما كانت من أجله الدساتير والقوانين والمؤسسات والدولة..!
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..

Saturday, June 25, 2016

فارماسى من فارماكا المصرية! بقلم د. وسيم السيسى ٢٥/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بدعوة كريمة على الإفطار من نقابة صيادلة القاهرة، ممثلة فى الدكتور محمد الشيخ نقيبا، والدكتور رضا مراد وكيلاً عن النقابة، كان حفلا جميلا، بث فيه الصيادلة آمالهم وآلامهم، وتكررت أمامى كلمة السلاسل، وسألت الدكتور محمد الشيخ، ما معنى كلمة سلاسل، فعرفت أنها عشرات الصيدليات لها صاحب واحد!َ. طلبوا منى كلمة عن الصيدلة فى عصر الفراعنة فقلت لهم: سألت صيادلة وصيدلانيات: من أين جاءت كلمة فارماسى؟!، فمن قال إنها كلمة يونانية، ومن قال إنها لاتينية، والحقيقة أنها كلمة مصرية قديمة، وجدناها منقوشة على تمثال للإله تحوت، رب المعرفة، هذه الكلمات فارما كا pharma ka ومعناها: الذى يعطى الصفاء، والمصدر هو كتاب «الطب عند قدماء المصريين» ص ١٠٠ والمؤلف الدكتور بول غليونجى أستاذ الغدد الصماء بجامعة عين شمس سابقاً، قد تكون هذه الكلمات المصرية دخلت اليونانية أو اللاتينية، فالحضارة المصرية ٥٦١٩ ق م، واليونانية ١٠٠٠ ق.م. يقول مارتن بارنال الأمريكى إن نصف الأبجدية والكلمات اليونانية مأخوذة من مصر، وفى اتصال تليفونى بالأستاذة إيناس الشافعى عن أصل فارماكا المصرية، قالت:
الفاء معناها هو. إير معناها العارف. الميم حرف جر. كا معناها النفس.
فتكون فارما كا معناها: هو العارف بالنفس، كما قالت كانت الأفعى ذات الأجراس رمزا للدواء فى مصر القديمة!. كتب هوميروس فيما يختص بالصيدلة فى مصر ٨٠٠ ق.م: هذه التربة الخصبة مصر، التى تنتج آلاف النباتات الطبية التى يصنع منها الدواء، يكاد أن يكون لكل مرض طيب متخصص ودواء، وكل طبيب يعرف أكثر من غيره. كما كتب جون nun: نحن لا نعرف من الأدوية التى كانت تستخدم فى مصر أكثر من ٢٠٪ وذلك بسبب حاجز اللغة.
يقول جونكير Jhonkheer: فى مصر القديمة كان هناك صيادلة لوجود برديات تقول: حافظ - المرّ - فى بيت الحياة، وكلمة مرَّ كلمة مصرية معناها الدواء، وما زلنا نقول: الدواء مر، واللى رماك على المر أى الدواء الأمر منه أى المرض. بينما يرى sigerist أن الطبيب هو نفسه الصيدلى.
كانت أسباب المرض فى مصر ثلاثة:
١- الهواء ٢- الغذاء ٣- الأرواح «الحالة النفسية».
وكانت العلاجات الثلاثة:
١- أدوية ٢- جراحة ٣- روحى «سيكولوجى».
وكان الدواء من أصول ثلاثة:
١- كميائى ٢- حيوانى ٣- نباتى.
وكانت الروشتة أقساما ثلاثة:
١- العقار الموصوف للمريض.
٢- تعليمات للصيدلى أو الطبيب كيف يحضر الدواء.
٣- تعليمات للمريض.. كيف يستخدم هذا الدواء.
عرفت مصر أدوية من أصل معدنى أو كيماوى كالأثيمون لعلاج البلهارسيا!، والنحاس والرصاص، الشب، الكبريت، الزنك «مراهم»، كما عرفت الأدوية من أصل نباتى مثل الأسبرين، الأفيون، الكينا، الحلف بر، بذر الخلة، جوز الطيب، حبة البركة، الخشخاش، ومن أصل حيوانى كالعسل وكبد الثور ودهن الأسد «للصلع» ، دهن الثعبان الأسود لشيب الشعر.
اهتمت مصر بالروائح الزكية، أقماع من الدهن بالعطور توضع فى شعر الرأس، تبخير الملابس باللبان الجاف + بذر الصنوبر + بذر الشمام، تصحن وتوضع على النار، والبخار الناتج عنها تبخر به الملابس، كما كانوا يصنعون أقراصا للاستحلاب حتى تكون رائحة الفم زكية.
احترمت مصر القديمة مهنة الطب والصيدلة، وظل هذا الاحترام الموروث موجوداً حتى الآن. يذكر لنا التاريخ الحديث قرار محمد على باشا وتعيين كلوت بك، يقول:
فخر الملة المسيحية، وعمدة الطائفة العيسوية، وحكيمباشى الجهادية:
عيناك مفتشا عاما للشؤون الصحية الخاصة بـ: عساكرنا المجاهدين فى القوات البرية والبحرية، ومشرفا عاما على الشؤون الطبية والصيدلية.
حتى الفارماسى والفارماكوكنوزى (تحضر الدواء من النباتات الطبية) من مصر.. عمار يا مصر!!.

التحدى الإيرانى للعرب فى القرن الحادى والعشرين بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٥/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، فى منتصف شهر يونيو، مؤتمراً نظمه مركز ابن خلدون، وجبهة تحرير عرب الأحواز.
وربما سمع القارئ لهذا المقال عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، والذى يتخذ من القاهرة مقراً لأمانته العامة، وهو أول وأقدم منظمات المجتمع المدنى، التى ناضلت طوال العقود الأربعة الأخيرة من أجل حقوق الإنسان عموماً، وحقوق الأقليات خصوصاً، سواء فى مصر، أو الوطن العربى، أو فى العالم.
لذلك لم يكن غريباً، أن استنجدت أقلية عربية، تعيش فى إيران، بمركز ابن خلدون، ليتبنى قضية أبنائها، الذين يصل عددهم إلى حوالى عشرة ملايين نسمة ـ أى أكبر من سُكان عدة بُلدان عربية ـ خمسة منها فى الخليج العربى، واثنان منها على شاطئ البحر الأحمر (جيبوتى)، والمحيط الأطلنطى (موريتانيا).
ولم يكن بوسعنا، والأمر كذلك، إلا الاستجابة لاستغاثة هؤلاء العرب، الذين نسيتهم أمّتهم، وجامعتهم العربية.
فما هى قضية هؤلاء الملايين العشرة من العرب الأحواز؟
لقد سمع أو درس المُهتمون بالشأن العام، عن اتفاقيات الدول الاستعمارية، لاقتسام الأقاليم العربية للإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨).
من ذلك أن بريطانيا وعدت اليهود الغربيين، ممثلين بالمنظمة الصهيونية، بتسهيل إقامة وطن قومى لهم، على أرض فلسطين. بينما تترك سوريا ولبنان للهيمنة الفرنسية، والعِراق والأردن ومشيخات الخليج للهيمنة البريطانية. هذا فضلاً عن أن بريطانيا كانت بالفعل تحتل مصر والسودان وعدن، منذ أواخر القرن التاسع عشر.
أما الذى لم نتعلمه فى مدارسنا وجامعاتنا المصرية والعربية، فهو أن إحدى صفقات ما بعد الحرب العالمية الأولى، كانت سلخ شُرفة كُبرى من الإقليم العِراقى، الذى كان تحت الحماية البريطانية، وإعطاءه لشاه إيران، رضا بهلوى. وذلك مُقابل حصول بريطانيا على امتياز التنقيب عن النفط، واستخراجه، وتكريره، على الجانب الشرقى من الخليج، وحول مدينة عبدان، التى هى قلب إقليم الأحواز، الذى كانت تقطنه القبائل العربية منذ القرن العاشر الميلادى.
ورفضت تلك القبائل تبعيتها لبلاد الفُرس، وقاومت السُلطة الفارسية ـ الإيرانية لعدة سنوات، إلى أن قُهرت بالقوة المُشتركة لكل من الشاه رضا بهلوى وبريطانيا. وإمعاناً فى تأكيد الوضع الجديد، وإذلال تلك القبائل، تم القبض على أكبر زُعمائها، وهو الشيخ عبدالله خزعل، وإعدامه، فى مشهد لم يختلف كثيراً عما فعله الفرنسيون مع الأمير عبدالقادر الجزائرى، فى القرن السابق، أو ما فعله الإيطاليون مع المُجاهد الليبى عُمر المُختار، فى عشرينيات القرن العشرين، أو كان البريطانيون أنفسهم قد فعلوه مع الفلاحين المصريين فى دنشواى.
وعودة إلى عرب الأحواز فى إيران، الذين لم تتوقف مُعاناتهم بإجبارهم على التبعية الوطنية لسُلطة غريبة عنهم، ولكن أيضاً لقهرهم ثقافياً. فقد أنكرت عليهم السُلطة الإيرانية الجديدة، الاستمرار فى تعليم واستخدام لُغة أمهاتهم وآبائهم، وهى اللغة العربية، كما حرّمت عليهم ارتداء الأزياء العربية التى كانت شائعة فى كل من العِراق، والجانب الغربى من الخليج، وهو الجزيرة العربية (الكويت، والسعودية، والبحرين، وقطر، والإمارات، وسلطة عُمان). وأكثر من ذلك لم تعترف السُلطات الفارسية، لمدة نصف قرن، إلا بخمسة أسماء فى شهادات الميلاد الجديدة لعرب الأحواز، وهى محمد، وعلى، وحسن، والحُسين، وجعفر!.
لقد كان القصد هو امتهان، إن لم يكن القضاء على، الهوية العربية لقبائل الأحواز. ولكن تلك القبائل قاومت ببسالة مُنقطعة النظير، كل تلك المُحاولات إلا قليلاً.
بل نجح أبناء الجيل الرابع من الأحواز، الذين أفلتوا من القبضة الحديدية الفارسية، ودرسوا أو هاجروا خارج إيران، فى أن يؤسّسوا روابط وجمعيات ومنظمات حقوقية، تدافع عن أهلهم فى إيران، وتطبق المواثيق الدولية عليهم، وفى مقدمتها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والعهد الدولى لحماية السُكان الأصليين.
وقد تشرّفت بالمُشاركة فى تلك الحملات الحقوقية الإنسانية للعرب الأحواز فى إيران. فحضرت أحد مؤتمراتهم المُبكرة الذى استضافته العاصمة الدنماركية، كوبنهاجن منذ عام مضى (٢٠١٥)، ومؤتمرا ثانيا فى مدينة جنيف السويسرية فى أوائل هذا العام (٢٠١٦)، كما شارك مركز ابن خلدون مع جبهة تحرير عرب الأحواز، فى تنظيم مؤتمر ثالث، فى العاصمة واشنطن، فى منتصف يونيو ٢٠١٦، وحضره لفيف من النُشطاء الأمريكيين، ومُمثلون من أعضاء الكونجرس، والأكاديميون المتخصصون فى الشؤون الإيرانية خاصة، وشؤون الشرق الأوسط والإسلام عامة. والجديد الذى تعلمناه فى المؤتمر الأخير، هو أن إيران من أكثر بُلدان العالم تنوعاً، عِرقياً ودينياً، وأن المجموعة الفارسية المُهيمنة على المقاليد الإيرانية لا تتجاوز نسبتها أربعين فى المائة، وأن الأغلبية تضم عشر مجموعات بشرية تشمل: الأحواز العرب، والأكراد، والتركمان، والآذاريين (نسبة إلى أذربيجان فى أواسط آسيا)، والبلوش (نسبة إلى بلوخستان)، والأرمن، والزرادشتان (الذين يُقدسون النار)، والراشتان (ذوى الأصول الروسية، ويسكنون على السواحل الشمالية الغربية لبحر قزوين)، والمسيحيين (من الطوائف الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية).
بل إن أقلية إضافية قد نشأت وتوطدت فى العقود الثلاثة الأخيرة، وهى الأقلية «الأفغانية»، أو التى تكوّنت من الأفغان الذين فرّوا من أفغانستان فى سبعينيات القرن العشرين، نتيجة الغزو السوفيتى لأفغانستان، دعماً لانقلاب شيوعى على النظام الملكى الحاكم (الملك طاهر شاه)، فى ذلك الوقت، والذى رحّبت به حكومة الشاه محمد رضا بهلوى، إمبراطور إيران فى ذلك الوقت، والذى كان هو نفسه مُعادياً للشيوعية وداعماً للملكية فى الجارة الأفغانية. وكان الاعتقاد السائد، حينئذ، هو أن إقامة اللاجئين الأفغان فى إيران ستكون مؤقتة. ولكن الشاهد هو أن تلك الإقامة قد قاربت نصف قرن ـ أى ما يوازى جيلين. وهو ما انطوى على ترسيخ جذور تلك الأقلية الوافدة الجديدة، والتى أضافت إلى التنوع العِرقى واللغوى والطائفى (حيث إن معظم هؤلاء الأفغان مسلمون من الطائفة السُنّية، ويعيشون الآن وسط الأغلبية الشيعية).
خُلاصة القول، أن هذا التنوع البشرى فى إيران، كان يمكن أن يكون مصدر قوة وإبداع إيران، لو أن القائمين على أمور ذلك البلد كانوا أكثر عدلاً وإنصافاً فى إدارتهم للشأن العام. ولكن الشاهد، وما أكده المُتحدثون الذين حضروا مؤتمر واشنطن (١٤-١٥ يونيو ٢٠١٦)، قد اشتكوا مُرّ الشكوى من المُعاملة التمييزية المُتعالية من الجماعة الفارسية المُهيمنة على مقاليد الأمور.
بل أشار عدد من المُتحدثين فى المؤتمر، إلى أن هذا الصلف الفارسى، قد استمر عبر عدة قرون، رغم تغير النُخبة الحاكمة ـ من إيران الصفوية، إلى إيران الشاهنشاهية، إلى إيران الخومينية- وأن ذلك هو الذى يُفسر نزعة النظام الحاكم فى اختراق بُلدان الجِوار، ومُحاولة السيطرة عليها. وها هو واقع الحال فى القرن الحادى والعشرين، وقد اخترقت إيران بالفعل أربعة بُلدان عربية، هى العِراق، وسوريا، ولبنان، واليمن. وها هى تُحاول اختراق كل من البحرين والسعودية، وبقية بُلدان الخليج. وارتفعت الأصوات فى مؤتمر واشنطن، حول تحدى التعددية فى إيران، إلى أهمية العمل على احتواء إيران، وتقليم نزعتها الطائفية التوسعية.
وقد طالب المُشاركون فى مؤتمر واشنطن، بضرورة توعية الرأى العام العربى، بمؤتمر حاشد أكبر فى القاهرة، التى كانت ولا تزال قلب العروبة النابض، وذراعها الصلب، وقد وعدنا، نحن المصريين المُشاركين فى مؤتمر واشنطن، بمُحاولة تنظيم المؤتمر الرابع بالقاهرة، فى نهاية عام ٢٠١٦.
اللهم فاشهد..
وعلى الله قصد السبيل.

Friday, June 24, 2016

خواطر عن الحاسة الخلقية والخطايا السياسية بقلم د. محمد نور فرحات ٢٤/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

قال مَن إذا تكلم وجب الإنصات وإذا كتب وجب الإمعان: ماذا ترون فى الحاسة الخلقية؟ هل هى نتاج الظروف الاجتماعية والتنشئة والثقافة؟ أم أنها موروثات جينية من الأصول وإن علوا إلى الفروع وإن دنوا؟ تساءل: بماذا تفسر أن أخوين جرت تنشئتهما فى بيئة واحدة وفى ظروف عيش مشتركة ومتساوية، أحدهما عدوانى فى سلوكه والآخر متسامح، أحدهما كاذب والآخر صادق، أحدهما إذا عاهد أوفى والآخر إذا اؤتمن خان، أحدهما مبادئه تتبع مصالحه الضيقة، والآخر تنبع مما يعتقده ويؤمن به وما يتبناه من مُثُل؟ وحَدِّث فى الفروق بين المتقاربين فى النشأة المتباعدين فى السلوك ولا حرج. قال: هذا يرجح نظرية الموروثات الجينية كعنصر حاسم فى النزوع الأخلاقى للفرد، فقد يرث أخ بعض الخصائص الجينية من أب أو أم، ويرث الآخر خصائصه من جد أو جدة لأب أو لأم على تعقد الشبكة الجينية. قلت: إن صح أن الأخلاق مرتبطة بالموروثات، ففيم الثواب والعقاب إذن؟ قال: عموما هذا حديث قديم من تراث المتكلمين المسلمين حول الجبر والاختيار شغل حيزا كبيرا من الجدال بين الأشاعرة والمعتزلة.
ولكن يبقى السؤال ملحّاً: هل هناك بشر سيئون يتنكرون لحاستهم الخلقية الفطرية وبشر يستجيبون لها؟ وما الذى يدفع بشرا بعينهم أو مجتمعات بعينها إلى طمس الحاسة الخلقية. ثمة حاسة خلقية تجعل الإنسان يدرك بالفطرة أن الكذب والنفاق والجبن والبخل والنميمة والاعتداء على حقوق الغير من الرذائل، وأن الصدق والكرم والشجاعة ونجدة الضعفاء من الفضائل، فلماذا يدير الناس ظهورهم فى ظروف معينة لهذه الحاسة؟
ثم، هل للدين أثر فى تكوين الأخلاق وصلابتها لدى الناس؟ الكتب السماوية كلها تنطوى على إعلاء من شأن الأخلاق. المسيحية تُعلى من شأن التسامح والصدق والمحبة. الإسلام ينهانا عن الفحشاء والمنكر والبغى، ويأمرنا بالعدل وأن نؤدى الأمانات إلى أهلها. وأخبرنا رسولنا الكريم أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وأمرنا بالصدق ونهانا عن الكذب والنفاق.
ليس أمر الأخلاق حكراً على تعاليم الدين، فقد شغلت قضية الأخلاق الذاتية ETHICS والأخلاق العملية MORALITY حيزا بارزا فى الفكر الفلسفى على مر العصور. وفى العصر الحديث حاول ماكس فيبر عقلنة الأخلاق وربطها بالدين فى كتابه الشهير عن الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية. وتحدث عن هذه الأخلاق المذهبية التى تقوم على العقلانية والشجاعة والتجديد، وكيف أنها أثرت على تطور الرأسمالية المعاصرة.
ولكن الأخلاق البروتستانتية، التى هى روح الرأسمالية فى نظر ماكس فيبر، لم تمنع النظم الرأسمالية من التوحش وأن تخرج فى موجات استعمارية تستنزف الشعوب وتقهرها، وارتكبت فى ذلك فظائع دموية تتنافى مع أولويات الحاسة الخلقية.
على مستوى العلاقة بين السلطة والناس فإن تعاليم الكنيسة الأخلاقية فى العصور الوسطى لم تمنع من إراقة الدماء وقمع المفكرين الزنادقة باسم الدين.
تأكيد الإسلام على التعاليم الخلقية لم يمنع الصراعات الدموية على السلطة منذ عصر عثمان، ثم علىّ، ثم معاوية، وما اصطُلح على تسميته «الفتنة الكبرى» وما تلا ذلك من فظائع، أشهرها ضرب الكعبة بالمنجنيق، وذبح المعارضين والتمثيل بهم، وقول عبدالملك بن مروان المشهور عنه: «والله لو أمرنى أحدكم بتقوى الله لقطعت رأسه»، ولم يمنع العباسيين من إطلاق فرق لذبح المعارضين بدعوى مكافحة الزندقة.
هنا لا تسعفنا إلا نظريات ومذاهب النفعيين والماديين، وفى مقدمتهم مكيافيللى الذى وصف عالم السياسة بأنه عالم القوة والدهاء، وجعل السلطة والقوة المادية هما محرك تصرفات السلطة السياسية، وأن السلطة فى واقعها بلا أخلاق لأن الغاية تبرر الوسيلة. وتبعه فى ذات التوجه فلاسفة الرأسمالية المحدثون، الذين جعلوا من مبادئ اللذة وجلب المنفعة وتجنب الألم القيم الكبرى فى عالم السياسة وفلسفة القانون. ومن هؤلاء جيرمى بنتام وآدم سميث ووليم جيمس وغيرهم، فما هو مفيد ونافع عندهم فهو حق وضرورى.
على أن الأمر تغير جذريا فى العصر الحديث بفعل ثورات الشعوب ضد الظلم ونمو الحركات والتنظيمات العمالية، وردود الفعل العالمية المستهجنة لفظائع الحربين العالميتين، واعتماد مبدأ الديمقراطية التمثيلية الذى يقوم على احترام إرادات الشعوب فى اختيار ممثليها، ونمو مبادئ حقوق الإنسان واتساع حركتها، كل هذه العوامل وضعت قيودا صارمة على مبدأ النفعية السياسية فى العلاقة بين السلطات الحاكمة وشعوبها، فأصبحت النفعية والبراجماتية مقتصرة على حكم العلاقات الدولية، مستترة وراء ميثاق الأمم المتحدة.
أما العلاقات الداخلية بين السلطة والشعب فقد أصبحت محكومة بقيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. شعوب العالم الديمقراطى، اليوم، لا تتسامح فى كذب وخداع وتضليل. لقد أصبحت الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والشفافية والمحاسبة هى (الدين) الجديد للشعوب الحرة فى عالم اليوم.
مثلاً: ليس بوسع الدولة التى تحكمها أخلاقيات الديمقراطية أن تبرم اتفاقات دولية تثور حولها شبهات بالتنازل عن السيادة عن جزء من إقليمها دون أن تصارح شعبها، بل تقمع وتنكل بمَن يخالف أمرها. وليس بوسع الدولة الديمقراطية الحديثة أن تضع قانونا رئاسيا يشكل برلمانا على هوى السلطة التنفيذية ويسبح بحمدها ليل نهار. وليس بوسع الدولة الديمقراطية الحديثة أن تصدر قوانين غير دستورية غير عابئة باحترام الدستور. وليس بوسع الدولة الديمقراطية الحديثة أن تطبق قوانين تسمح لها بالبطش بشبابها المخالفين لها فى سياساتها، وليس بوسعها أن تسلط عملاء الأمن لديها لكى يخططوا بليل لاغتيال الحريات الصحفية وتأميم الصحافة ووسائل الإعلام والإجهاز على منظمات المجتمع المدنى. وليس بوسع الدولة الديمقراطية أن تجعل من محاربة الفساد مجرد شعارات وإعلانات فى الطرقات، فى الوقت الذى تقوض فيه البنية المؤسسية لمكافحة الفساد وتشهر بمَن يتصدون له. وليس بوسع الدولة الديمقراطية أن تتغافل عن احترام الحد الأدنى لمبادئ حقوق الإنسان، وأن تُعتم على انتهاكاتها، وأن تشجع أجهزتها القمعية على ممارسة هذه الانتهاكات، وأن تعمد إلى تشويه المدافعين عنها.
ليس بوسع الدولة الديمقراطية الحديثة أن تفعل ذلك وغيره، لأن النفعية فى علاقة السلطة بالشعب هى نفعية لصالح الشعب، تتوحد فيها مع الأخلاق ومع حرية الشعوب فى منظومة قيمية واحدة.
هذا على مستوى ممارسة السلطة. أما على المستوى الفردى وموقع الحاسة الخلقية كدافع لسلوك الأفراد فالأمر فيه ملاحظات:
أولاها: وجود رابطة عضوية بين الاستبداد وفساد منظومة الأخلاق الفردية للشعوب. نبه إلى ذلك عبدالرحمن الكواكبى، فى كتابه «طبائع الاستبداد». يقول الكواكبى: «الحكومة المستبدة تكون مستبدة فى كل فروعها من رأسها إلى أدنى مستويات المجتمع. والاستبداد هو وجه ملازم للفساد وانتشار سوء الخلق بين الخاصة والعامة».
قُدر لى أن أعايش مجتمعات ذات توجهات اجتماعية وثقافية متباينة خلال رحلتى طلبا للعلم أو أستاذا زائرا فى جامعات أجنبية أو خبيرا فى منظمات دولية. خبرتى بإيجاز شديد أنه: بصرف النظر عن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للنظم الحاكمة، فإن أكثر العوامل تأثيرا فى سلوك شعب من الشعوب هو مقدار ما يتمتع به الشعب من حرية واحترام من الدولة لحقوقه وكرامته.
الحكومات المستبدة تدفع شعوبها دفعا إلى تبنى النفاق والكذب وتغليب الصالح الخاص على الصالح العام وابتداع الحِيَل تلو الحِيَل لتسهيل مخالفة القانون وممارسة الفساد بمأمن من العقاب.
وعلى العكس من ذلك كلما كان نظام الحكم أكثر ميلاً للديمقراطية واحترام كرامة شعبه شاعت بين الناس قيم الصدق والشفافية والإيثار والمروءة. لا يمكن فى نظام ديمقراطى حر أن تجد إعلاميين نهجهم الكذب والنفاق وإلباس الباطل ثوب الحق والحق ثوب الباطل نظير إرضاء الحاكم ومقابل دنانيره. لا يمكن أن تجد إعلاميا يتحمس إلى حد التشنج لمهاجمة ثورة قام بها شعبه من أجل العدل، أو آخر يدافع باستماتة عن حق دولة أخرى فى إقليم وطنه. الاستبداد العام مقدمة ضرورية لسوء الخلق على المستوى الفردى الخاص، بل التخلى عن قيم الوطنية والمواطنة.
ثانيتها: عن علاقة الدين بالأخلاق. لابد أن نميز بين أمور ثلاثة: الدين وفهم الناس له، والدين وقدرة البعض على استغلاله لمصالحه الخاصة، والدين ونمط التدين تطرفا أو تسامحا. كل الأديان تدعو إلى مكارم الأخلاق كما ذكرنا، ولكن فى فترات التدهور الحضارى والاستبداد السياسى والظلم الاجتماعى يتحول الدين عند الحكام والمحكومين إلى ستار لممارسة العنف بواسطة المحكومين والقهر بواسطة الحكام. ومع شيوع مناخ الغلو والتطرف يشيع التمسك بمظاهر التدين وحرفية نصوصه وتجاهل جوهره الإنسانى والقيم النبيلة التى يدافع عنها. عندئذ يصبح التدين الشكلى نوعا من الخداع يمارسه عديمو الخلق والمروءة بإطلاق لحاهم. وهكذا شهدت مجتمعاتنا أفاكين باسم الدين ومنافقين باسم الدين وسفاحين باسم الدين. والمشكلة ليست فى منابع الدين الصافية ولكن فى سيادة الجهل والفقر والاستبداد والتعصب، بما يجعل من الدين ذريعة للتنكر للأخلاق وممارسة كل الشرور.
وخلاصة الأمر أن الحاسة الخلقية أو الضمير الخلقى قابعان فى جوهر كل نفس بشرية، وأن نظرية الشر المتوارث أو الخير المتوارث عصية على التصديق، ولكن الاستبداد والظلم والفقر والجهل وسوء القدوة وانعدام المساواة وشيوع ثقافة التمييز وتغليب التدين الشكلى واستخدام الدين سلاحا لقهر الناس، كل هذا يهوى بالحاسة الخلقية سقوطا فى جرف سحيق تحت ركام ثقافة الظلم والنفاق والفساد الاجتماعى. ولهذا فمن صميم الأخلاق أن تقوّم الشعوب خطايا ساستها. والشعوب التى لا يعنيها أمر حكامها أخطأوا أم أصابوا هى شعوب سقيمة الوجدان ميّتة الضمير.

ضرورة التنوير وصناعة خطاب دينى جديد (٣ - ٤) بقلم د. عمار على حسن ٢٤/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

فى مقال الأسبوع الماضى شرحت ثلاثة شروط للإصلاح الدينى، وهى: الإيمان مسألة فردية، والعقل يكمل مسيرة الوحى، والوعى الأخلاقى، وهنا نكمل:
٤ ـ التمييز بين الدين والسلطة السياسية: فالربط بينهما حوّل الدين إلى أيديولوجيا أو إطار يبشر بالسلطة باعتبارها غاية، أو يبرر لها مسلكها بعد تحصيلها وحيازتها، أو يجند لها الأنصار والأتباع ليقوى شوكتها، ويسعى إلى تثبيت أركانها بتحريم الخروج عليها، أو يرد عنها معارضيها بتكفيرهم وتجهيلهم (من الجاهلية) ونعتهم بالبغى.
وخبرة التاريخ تبين لنا أن السعى إلى السلطة السياسية كان الخنجر المسموم الذى طعن كل الأديان، من دون استثناء، ولذا فإن مصلحة الدين تقتضى التمييز بينه وبينها قبل مصلحة الساسة، وكل من يطرح الدين باعتباره مشروعا للسلطة، أو يتذرع بأن الوصول إلى السلطة ضرورى لحراسة الدين ونشره، هو فى حقيقة الأمر يتلاعب بالدين، ويوظفه بلا ورع ولا تحسب فى سبيل منفعة دنيوية، طالما ارتبطت بالمخاتلة والزيف والخداع والمكر والمراوغة.
ولعل «الآداب السلطانية» تقدم برهانا عمليا ناصعا على الفساد والإفساد الذى أحدثه خلط الدين بالسلطة السياسية فى تاريخ المسلمين. والآداب السلطانية هى «تلك الكتابات السياسية التى تزامن ظهورها الجنينى مع ما يدعوه الجميع بانقلاب الخلافة إلى ملك، وكانت فى جزء كبير منها نقلا واقتباسا من التراث السياسى الفارسى، واستعانة به فى تدبير أمور الدولة الإسلامية الوليدة، وهى كتابات تقوم فى أساسها على مبدأ نصيحة أولى الأمر فى تسيير شؤون سلطتهم، إذ تتضمن كل موادها مجموعة هائلة من النصائح الأخلاقية والقواعد السلوكية الواجب على الحاكم اتباعها، بدءا مما يجب أن يكون عليه فى شخصه إلى طرق التعامل مع رعيته مرورا بكيفية اختيار خدامه واختبارهم، وسلوكه مع أعدائه. وفى عرضها لنصائحها الهادفة إلى تقوية السلطة ودوام الملك، تتبع هذه الآداب منهجية، أو لنقل تصورا عمليا براجماتيا يجعل منها فى النهاية فكرا سياسيا أداتيا لا يطمح إلى التنظير بقدر ما يعتمد على التجربة، ولا يتوق إلى الشمولية بقدر ما يلزم حدود الواقع السلطانى».
فى حقيقة الأمر فإن كثيرا من الفقهاء ومنتجى الخطاب الدينى انخرطوا فى صناعة آراء وأفكار تحت مسار «الآداب السلطانية» استهدفت فى أكثرها إطالة أمد بقاء الحاكم فى عرشه أكثر مما رمت إلى إقامة العدل فى الرعية. والأشد وطأة فى هذا المضمار أن تبرير هذا الهدف جاء من باب دينى، انفتح على استغلال علوم الإسلام ونصوصه فى تحقيق مصلحة السلطة السياسية، وهذه العملية أضرت ضررا بالغا بالمسلمين، ولايزالون يدفعون أثمانها حتى أيامنا تلك، وربما فى المستقبل، ولذا لا بد من إنهاء هذه العملية فى ركاب التنوير، فوحده القادر على وضع حد لها، بعد طول انتظار من قبل الحكماء والعارفين والساعين إلى تحسين شروط الحياة.
وإذا كانت الجماعات الدينية السياسية تحتج فى تبرير مشروعها السياسى بأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قد مارس السياسة، وتصرف كرئيس دولة، فإن مراجعة التجربة النبوية بعلم ووعى تفند هذا التصور، وهنا يقول عبدالإله بلقزيز: «نعم وقع تلازم بين الدينى والسياسى فى التجربة النبوية، ولكن ليس بالمعنى الذى فهمه حسن البنا ودافع عنه. لم تكن السياسة منفصلة عن الدين فى المشروع النبوى، لكنها، فى الوقت نفسه، لم تكن محكومة به أو مجرد فرع من فروعه».
ويذهب على عبدالرازق إلى ما هو أبعد من هذا حين يتساءل فى كتابه الذى لايزال يثير جدلا عميقا: «كم من ملك ليس نبيا ولا رسولا؟ وكم لله جل شأنه من رسل لم يكونوا ملوكا بل إن أكثر من عرفنا من الرسل إنما كانوا رسلا فحسب؟... محمد ما كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وإنه لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم ملك ولا حكومة، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بتأسيس مملكة، بالمعنى الذى يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها، ما كان إلا رسولا كإخوانه الخالين من الرسل. وما كان ملكا ولا مؤسس دولة، ولا داعيا إلى ملك... القرآن صريح فى أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن له من الحق على أمته غير حق الرسالة». ويقود ربط الإسلام بالسلطة السياسية إلى إنتاج «الدولة الدينية»، وهو مصطلح يثير مخاوف فى الفكر السياسى المعاصر، نظرا لأنه يعطى الدولة احتكار تفسير النص الدينى، مما يجعلها مالكة للسلطة الإلهية الكامنة فى هذا النص، وهى سلطة مطلقة بطبيعتها، ومحصنة بعقوبات تصل إلى حد الموت.. وبذا تكون الدولة قد جمعت فى قبضتها بين السلطتين: السلطة الطبيعية للدولة فى ذاتها، وسلطة التفويض الضمنى السماوية.
وحين نتعرض لطبيعة دور الرسول صلى الله عليه وسلم علينا أن نفرق بين «القيادة» و«الرئاسة»، فالأولى ذات طبيعة اجتماعية، وهى تتأسس على سمات وصفات لدى شخص تلقى قبولا عند الجماعة التى ينتمى إليها، فيخلعون عليه مهابة واحتراما وحبا، من دون أى تقيد رسمى حياله، ولا سلطة رسمية له عليهم. أما الثانية فذات منحى رسمى، يرتبط وجودها بوجود منصب، ولا يحظى من يشغله بالضرورة بحبا واحترام ومهابة. وليس له من طاعة على الناس إلا بمقتضى ما يوفره له المنصب من صلاحيات. وأعتقد أن وضع الرسول الكريم كان وضع «القائد» فى المسلمين، وليس وضع الرئيس، وأن تصرفاته السياسية كانت بنت القيادة وليست نابعة من الرئاسة.
من أجل كل هذا فلا تنوير حقيقيا من دون تحقيق هذا التمييز، الذى لا يعنى فصل الدين عن السياسة، فهذا طرح نظرى من الصعب تطبيقه، إذ إن السياسة والدين يهبطان ويصعدان معا ويلتقيان عند كل الثقافات والمجتمعات والحقب التاريخية فى مفاصل عديدة ومتفاوتة القوة، إنما يعنى التمييز التام بين الدين والسلطة السياسية، فلا يتحول الدين إلى أيديولوجيا (عقيدة سياسية) ولا يزعم أى حاكم أن سلطته مستمدة من الله، ولا يستغل الدين فى الدعاية السياسية، أو يكون مجالا للصراع بين المتبارين فى المجال السياسى، فينتقلون فى ممارسة السياسة من مساحة «الصواب» و«الخطأ» إلى مساحة «الإيمان» و«الكفر».
٥ ـ تحديث المجتمع، فقد ظن كثيرون أن ضآلة جهود العقلانيين واضطهاد التنويريين هما ما منعا وجود تنوير وإصلاح دينى حقيقى لدى العرب المحدثين والمعاصرين، لكن هذا يمثل جانبا من المعضلة وليس كلها، وهو جانب أخف وزنا وأقل وطأة إن قيس بجانب آخر يتمثل فى ضرورة تحقيق التحديث بشتى أبعاده.
هنا يقول محمود أمين العالم بعد مراجعة ما كتبه عدد من الفلاسفة والمفكرين العرب عن أسباب عدم استمرار تنوير ابن رشد فى حياتنا بينما استفاد منه الأوروبيون: «تخلف الشروط الموضوعية والاقتصادية والاجتماعية التى تتيح تجسيد التنوير فى مجتمعاتنا وازدهار العقلانية، وغياب التنوير، هو حصاد موضوعى لهشاشة التحديث.. فلا تنوير بغير تحديث.. ولهذا فليس ثمة مفارقة بين تنوير ابن رشد فى أوروبا وتعتيمه فى عالمنا العربى، وإنما هو اختلاف بين مجتمع كان ينمو ومجتمع آخر يتخلف، ولا يزال متخلفا، ولذا فلا سبيل لاستعادة ابن رشد واستلهامه وتمثله، بل تجاوزه، بغير مشروع تنموى تصنيعى زراعى إنتاجى هيكلى شامل، يغير ويطور البنيات الأساسية لمجتمعاتنا العربية».
لكن هناك من يدعو لعدم انتظار نضوح الشروط الاجتماعية فى سبيل تحقيق التنوير وإنتاج الديمقراطية، فها هو محمد جابر الأنصارى يقول: «إذا كان المناخ الاجتماعى العام هو الحائل دون العطاء الفكرى، فمتى كان التاريخ رحيما بأهل الفكر والثقافة؟ ألم تحرق أوروبا علماءها الأوائل الذين قالوا بكروية الأرض ونحو ذلك؟ ولكن الفكر الأوروبى، رغم هذا، مضى فى طريقه بالعطاء والتجديد، ولم ينتظر مجىء الديمقراطية، بل هو الذى أوجدها وخلقها فى نهاية المطاف، أوجدها بتقديم الأفكار الجديدة، والبرامج العملية، والصيغ المناسبة، وهذه حقيقة جديرة بالتأمل. إن الفكر الأوروبى هو الأب التاريخى للديمقراطية الأوروبية، وليس العكس، الديمقراطية وليدة الفكر الريادى المبدع، وليست سابقة له، فلماذا يصر المفكرون العرب على وضع العربة أمام الحصان، ويصرون بسذاجة قائلين: أعطونا ديمقراطية نعطكم فكرا، وإلا فلا، وهم يدركون حقيقة مجتمعاتهم».
فى الحقيقة ليس هناك تناقض بين الاتجاهين، فمن يربط بين التنوير بشتى أبعاده والتحديث يقف على جانب أصيل من الحقيقة، ومن يدعو إلى عدم انتظار المفكرين للإصلاح السياسى كى يقوموا بالإصلاح الفكرى، يقف أيضا على جانب أصيل من الحقيقة، لا يقل أهمية عن الأول. فالمفكرون يجب أن يناضلوا من أجل التنوير أيا كانت ظروف مجتمعاتهم، وإذا كانت هذه الظروف غير مهيأة فعليهم ألا يجلسوا صامتين متحسرين عاجزين حيالها، بل يقدموا الأفكار والتصورات التى تعمل على تهيئتها لتستوعب ما يطرحونه، يقدمونها للناس، فإن فهموها وآمنوا بها سيضغطون هم من أجل التغيير، أو يتصرفون فرادى فى اتجاهه فيحدث ولو تدريجيا، لأن السلطة ساعتها لن يكون أمامها من سبيل سوى الاستجابة لما يطلبه الناس وإلا فقدت شرعيتها، وتحولت إلى سلطة تغلب، لا محالة ساقطة، وإن طال أمد توجدها فى الحكم.
وأصاب أمير الشعراء أحمد شوقى حين قال:
«وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّى... وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ... إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا».
وتحقيق هذه الشروط الخمسة للإصلاح الدينى يتطلب ابتداء إصلاح تعليم الإسلام وتعاليمه كخطوة لازمة نحو التنوير، كيف؟ هذا ما سيجيب عنه مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.

الحكومة تطعن رسمياً على «مصرية تيران وصنافير» إبراهيم قراعة ومحمد القماش ٢٤/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم ................... :) :) :)

شريف إسماعيل
قدم المستشار رفيق عمر الشريف، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، بصفته وكيلاً عن رئيس الجمهورية ورئيسى مجلسى الوزراء والنواب ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، الثلاثاء الماضى، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والقضاء مجددا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا واحتياطيا برفض الطعن المقدم ضد «الاتفاقية».
واختصم الطعن الذى حمل رقم ٧٤٢٣٦، لسنة ٦٢ قضائية عليا: خالد على، وعلى أيوب، ومالك عدلى، المحامين، و١٧٩ آخرين. وقررت المحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار الدكتور عبدالفتاح أبوالليل، نائب رئيس مجلس الدولة، نظر أولى جلسات الطعن المقدم من الحكومة فى جلسة بعد غد.
وأضاف مصدر قضائى: «الحكم تجاهل كل الدفوع المقدمة من الدولة فى القضية، وأنه لا يوجد قرار إدارى نهائى بإتمام الاتفاقية، وتقرير مفوضى الدولة متنافر وخالف القانون ولم يبدِ رأياً فى الدعويين»، حسب زعمه.
وعلى صعيد متصل، أجّلت الدائرة الأولى بهيئة مفوضى الدولة بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، برئاسة المستشار الدكتور محمد الدمرداش العقالى، نائب رئيس مجلس الدولة، ١٢ دعوى لبطلان «قرار التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية» لجلسة ٤ أغسطس المقبل، مع تغريم هيئة قضايا الدولة ٢٠٠ جنيه لعدم تقديمها المستندات التى ألزمتها بها المحكمة، ومن بين هذه الدعاوى دعويان تطالبان «بإلزام رئيس الجمهورية بعرض اتفاقية الحدود بين الدولتين للاستفتاء الشعبى وفقًا للمادة ١٥١ من الدستور».
وقالت الدعاوى: «لا يجوز بأى حال التنازل عن أى من حقوق السيادة على أى قطعة أرض مصرية إلا فى نطاق ما تنص عليه المادة ١٥١ من الدستور».
وطالبت ببطلان قرار الرئيس بالتوقيع على اتفاقية تعيين الحدود، ومن بين الدعاوى المطالبة بذلك رقم ٤٤٧٠٧ لسنة ٧٠ المقامة من ٤٤ شخصًا، بينهم هيثم الحريرى وخالد عبدالعزيز، عضوا مجلس النواب، وحمدين صباحى، المرشح الرئاسى السابق، والمحامون طارق العوضى وزياد العليمى ومالك عدلى.


Monday, June 20, 2016

تحية لذكرى شهدى عطية الشافعى بقلم د. محمد أبوالغار ٢١/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

فى الأسبوع الماضى كتبت عن اغتيال فرج فودة الشهيد الليبرالى، الذى قتلته الجماعات الإسلامية منذ ٢٤ عاماً. واليوم أكتب عن شهيد للوطن تم اغتياله فى مثل هذا التاريخ منذ ٦٦ عاماً. قتل شهدى عطية الشافعى الماركسى فى السجن «أوردى ليمان أبوزعبل» فى ١٥ يونيو ١٩٦٠ بواسطة تعذيب وحشى رهيب طاله هو وزملاءه، ولأنه كان القائد فكان نصيبه من التعذيب مضاعفا. كان الضباط على ظهور الخيل يركضون وراءهم ويضربونهم بالجريد والجنود يضربونهم بالشوم والشلاليت ويضعون رؤوسهم فى حفرة مملوءة بالماء.
ليس مهماً أن تكون ليبرالياً يمينياً أو يسارياً اشتراكياً وإنما المهم أن تكون مصرياً وطنياً تعيش وتموت من أجل مصر.
شهدى الشافعى كان خريج كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وذهب إلى إنجلترا، حيث حصل على ماجستير فى تعليم اللغة الإنجليزية وأصبح أول مصرى قيادى لتعليم اللغة الإنجليزية فى وزارة المعارف. آمن شهدى بالفكر الماركسى والتحق بمنظمة حدتو وهى التنظيم الماركسى الأكبر فى مصر، وتولى رئاسة تحرير صحيفته. وقد قبض عليه فى المرة الأولى فى عام ١٩٤٨ أثناء حكم فاروق، ثم تم اعتقاله فى عهد عبدالناصر، حيث استشهد عام ١٩٦٠.
وتاريخياً كان معروفاً أن اللواء إسماعيل همت كان قائد السجن وقائد عملية التعذيب، التى طالت عشرات من المسجونين السياسيين، وكان هناك ضابطان شهيران فى الوحشية وهما الصاغ حسن منير والنقيب يونس مرعى، والذى كان لاعب كرة فى نادى الزمالك، وهناك حادثة تاريخية هامة لجمال عبدالناصر وهو فى عز عنفوانه وأثناء رحلة لزيارة تيتو، رئيس يوغوسلافيا، وهو صديقه وأثناء احتفال كبير فوجئ عبدالناصر بأن الجميع يقفون دقيقة حداداً، فسأل عن الشخصية التى نقف حداداً عليها، وكانت الإجابة أنه المناضل المصرى شهدى عطية الشافعى، الذى مات اليوم من التعذيب فى سجون مصر. وكانت صدمة كبيرة وإهانة لعبدالناصر لأنه حتى لم يعلم بالخبر فاتصل فوراً بالقاهرة، وأمر بوقف التعذيب نهائياً وهو ما حدث فعلاً وسمح للمسجونين بالزيارات والصحف وتم نشر نعى شهدى عطية فى الأهرام والأخبار بقصائد شعرية من زملائه. وهكذا افتدى شهدى عطية بروحه زملاءه من العذاب والقتل.
ماذا كان شهدى يريد؟ كانت أهدافه الخارجية واضحة ومكتوبة فى كتابه أهدافنا الوطنية ومشروحة للشباب الذى شارك فى أعمال دار الأبحاث العلمية التى كان يشرف عليها. هى ببساطة الاستقلال التام اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وهى نفس أهداف عبدالناصر وكل رئيس وطنى مصرى. وداخلياً كان يريد رفع مستوى المعيشة للجماهير وعلى زيادة اشتراكها الفعلى فى الحكم وكذلك النمو للحريات الاجتماعية والسياسية الفردية.
بعيداً عن الذين يومنون بالخلافة الإسلامية كان نضال المصريين الوطنيين موجوداً فى تيارين كبيرين أحدهما حزب الوفد الليبرالى، وكان هو التيار الأكبر والأوسع والأقوى وتيار الماركسيين وكان فاعلاً وهاماً، ولكنه لم يكن بنفس انتشار الوفد أو قوته، وكانت هناك تيارات أخرى صغيرة.
وعلى عكس ما يتصور الكثيرون أن اليسار كان ضد الوفد فكتب شهدى يقول إن الاستعمار يحارب حزب الوفد وإن هذا الحزب هو أقل الأحزاب تهادناً مع الاستعمار، وكان الاستعمار ضيق الصدر بالوفد، وكان يرى أن محاربة الوفد هى محاربة للحركة الوطنية.
وهو لم يفكر بأن تكون الحكومة شيوعية بأى حال من الأحوال بل كان يرى أن الدولة يجب أن تسيطر على بعض المشروعات الكبرى كالسكة الحديد والتليفونات والتركيز على التعليم والصحة.
وكان شهدى واضحاً فى مساندة حرية المرأة ومساواتها مع الرجل، وقال إن المرأة المستعبدة لا توجد إلا فى مجتمع مستعبد. وكان ضد التعصب الدينى ومؤيداً بالكامل لحقوق الأقليات، وأكد على ضرورة محو كل آثار التعصب الدينى أو الطائفى والسماح التام بحرية العقيدة والعبادة والثقافة وجميع الحقوق العامة الأخرى.
كانت كل أفكار شهدى عطية هو ما يحاول أن يطبقه عبدالناصر فيما عدا بند الديمقراطية، وبدلاً من أن يأخذ شهدى فى حضنه وفى نظامه ويستفيد من طاقاته وأفكاره، وضعه فى السجن حتى مات شهيداً. أنا واثق أن لحظة الوقوف حداداً على شخصية مصرية هامة فى وجود رئيس جمهورية بحجم عبدالناصر كانت صدمة كبيرة له.
مشكلة العالم الثالث هى أن الأغلبية العظمة من حكامه عبر عقود طويلة يعتقدون أنهم يستمعون إلى صوت الشعب بينما هم يستمعون إلى أصوات قليلة منافقة وغير موهوبة وتستمد نفوذها ووضعها بالقرب من الملك أو الرئيس. كلهم يظنون أنهم يعلمون حقيقة ما يجرى فى الشارع ومدى معاناة الناس ويفعلون ما هو حق، معظمهم يعتقدون أن سجن الآلاف من مواطنيهم هو مصلحة كبرى لحماية الوطن وأن بعض التعذيب وربما القتل أمر لا بد منه فى العالم الثالث.
نعم هناك فارق بين دولة وأخرى وزعيم وطنى وآخر عميل فى العالم الثالث، ولكن يبدو أنهم جميعاً يؤمنون بأن الديمقراطية خطر على الوطن.
أهدى تحية لروح شهدى عطية اليسارى الوطنى المصرى، كما أهديت تحية لروح فرج فودة الليبرالى المدنى الوطنى المصرى. وتحية لكل المصريين الوطنيين الذين دافعوا ومازالوا يدافعون عن الوطن.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب بقلم فاطمة ناعوت ٢٠/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

من وقع تصفيق الجمهور وإيقاعه، كانت السيدةُ الجميلة تعرف اسم أغنية السيدةِ الجميلة. الجميلةُ الأولى هى أمى سهير، رحمها الله، المثقفة التى لم تكن تسمح بأن يدخل أذنيها إلا راقى الطرب. وأما الجميلة الثانية فهى السيدة أم كلثوم. بمجرد هدير التصفيق، لحظة نهوض أم كلثوم عن مقعدها الخشبى بعد انقضاء المقدمة الموسيقية، كانت أمى تهمس: «أمل حياتى». عشّاق أم كلثوم الحقيقيون يعرفون الأغنية بمجرد رؤية الفستان الذى ترتديه السيدة العظيمة والمنديل الشيفون الذى تحمله بيمناها ليمتصّ طاقة التوتر التى تنتابها بعد رؤية الجمهور الأنيق المثقف الذى جاء من كل العالم ليسمع شدوها. والجمهور الأكثر عشقًا، لم يكن بحاجة إلى مشاهدة الفستان ليعرفوا اسم الأغنية، بل كانوا يعرفونها من النغمة الأولى من اللحن الموسيقى، ومن المقام الحامل للحن: صبا، بياتى، حُجاز، نهاوند، إلخ. أما أمى الجميلة، فقد غلبت الجميع بمعرفة الأغنية من نغمة التصفيق التى تسبق النغمات والمقام. معجزة سمعية تليق بعاشقة لمعجزة طربية ثقافية هائلة.
تذكّرت كل هذا مع عيد ميلاد الإذاعة المصرية، ٣١ مايو ١٩٣٤. هذا الصندوق الثقافى الهائل الذى كوّن ثقافة أجدادنا وجدّاتنا قبل دخول التليفزيون إلى بيوتنا. واستمر هذا الصندوق المدهش فى مدّ الأجيال التالية بكنوز لا حدود لها من المعارف والفنون الراقية. أمى الجميلة تلك، على عشقها لفن أم كلثوم، كانت حاسمة جدًّا فيما يخص الاستذكار نشدانًا لتفوّق طفليها، شقيقى الأكبر وأنا. لم يكن مسموحًا لنا إلا أن ندرس طوال الوقت، وكل ما عدا هذا من مباهج ولعب وأصدقاء وسينما وتليفزيون، فكانت من الممنوعات والخطوط الحمراء العصية. لكننى استطعتُ بعد جهدٍ أن أجعلها بأن تمنحنى عشر دقائق من كل يوم فى العاشرة مساء، أستمع فيها إلى برنامج «لغتُنا الجميلة» الذى يقدمه الشاعر الكبير «فاروق شوشة»، بعدما أقنعتها أن إنصاتى إليه سوف يدرّبنى على إجادة اللغة العربية فيؤدى هذا إلى تحصيل الدرجات العليا فى المدرسة. ولهذا البرنامج الثريّ يعود جزءٌ كبير من الفضل فى عشقى للغة العربية، بعد القرآن الكريم وديوان الشوقيات، وموسوعة الأغانى للأصفهانى. ثم تماديتُ أكثر فى إغوائى لها، حتى وافقت أن أفتح محطة «البرنامج الموسيقى» بصوت خافت وأنا أستذكر دروسى؛ بعدما أقسمتُ لها أن ذلك يساعد عقلى على الاسترخاء من التوتر، واستيعاب الدروس على نحو أفضل.
كانت محطة أم كلثوم، تبدأ فى الخامسة عصرًا بأغنية لها، تتلوها أغنية للموسيقار الأسطورة محمد عبدالوهاب، تتلوها أغنية لفريد الأطرش، ثم عبد الحليم ونجاة الصغيرة، وغيرهم من رموز الطرب، حتى تختتم برنامجها بأغنية أخرى لكوكب الشرق قبل أن تُغلق بابها فى العاشرة مساء. كانت هى الساعات الخمس التى تزيّن بيوتنا المصرية بأيقونات الصوت والموسيقى والفرح.
فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، كان هذا الصندوق الساحر هو مركز التقاء الأسر المصرية حول حفلات أم كلثوم، لمن لم يستطع أن يحظى بتذكرة لحضور الحفل لايف فى مسرح سينما ريفولى بالقاهرة. لم تكن كل البيوت المصرية قادرة على شراء هذا الصندوق الساحر، فكان الجيران يذهبون إلى البيت «الثرى» الذى يمتلك الراديو لكى يسهروا على صوت الجميلة أم كلثوم.
مَن فينا ينكر فضل برنامج «زيارة لمكتبة فلان» الذى تقدّمه الإعلامية الجميلة الأستاذة «نادية صالح»، بصوتها الشهيّ واختياراتها المثقفة؟ عبر هذا البرنامج كان بوسعنا التلصص على عقول نخبة مصر والعالم العربى، عبر التسلل إلى مكتباتهم والتلصص على عناوين الكتب التى تحملها رفوف المكتبات تلك. قُل لى ماذا تقرأ أقل لك مَن أنت. عبارة صادقة مائة بالمائة لأن اختيار المرء جزءٌ من عقله، كما قال الإمام السيوطى.
فى عيد ميلاد الإذاعة المصرية، أقول: كل سنة وأنت طيب، أيها الصندوق الطيب.

عايش محمد منير | أغنية تتر نهاية مسلسل المغنى ... رمضان 2016

Sunday, June 19, 2016

الصنارة والبطانية…و الفرق الشاسع بينهما | بقلم نجيب ساويرس 18 يونيو 2016 - نجيب ساويرس - الاخبار


كلنا نعرف المثل الصيني الشهير «علمني الصيد ولا تعطني سمكة» لكن معظم المصريين لا يزالون يفضلون توجيه تبرعاتهم وزكاتهم لأعمال الخير المباشرة لأنها في اعتقادهم طريق الثواب الفوري لذلك نري ملايين البطاطين وكراتين الاكل والملابس توزع علي ملايين المهمشين الذين يعيشون تحت خط الفقر في مصر وخاصة في المواسم كرمضان والأعياد.
هذا النوع من المساعدات قد يوفر بعض السعادة للأسر الفقيرة ولكنها بالتأكيد مؤقتة ولا تكفل لهم الحياة الكريمة التي يحلمون بها وتجعلهم تابعين ومتكلين دائما علي الإعانات فإذا كانت كرتونة الاكل ستطعمهم شهرا فماذا عن بقية العام ومن يضمن لهم بطانية وملابس الشتاء القادم؟
لا اعرف بالضبط حجم الأموال التي يتم انفاقها علي كراتين الطعام والبطاطين في ظل ازدياد مساحة الفقر وتصاعد نسبة البطالة ولكني اعتقد انها مليارات كان من الممكن ان يتم تخصيص جزء كبير منها في تمكين الكثير من الاسر المهمشة من توفير مصادر دخل ثابت او حتي مؤقت لها فثقافة الكرتونة والإعانات لا تليق بشعب عريق كشعب مصر.
من المسلم به ان التبرع المباشر بنقود أو طعام أو ملابس مهم جدا لكن في حالات الطوارئ والكوارث كالأعاصير والفيضانات والزلازل والحروب وتكون الإعانات المباشرة مجرد حل مؤقت وخطوة أولي لرفع المعاناة وليست حل دائم فالإنسان لا يستطيع الاعتماد علي الآخرين في تدبير معيشته إلي ما لا نهاية.
ومن ناحية اخري فإن اهل الخير لن يستطيعوا تبني المحتاجين طوال حياتهم ولكن بإمكانهم تأهيلهم وتمكينهم اقتصاديا من خلال تدريبهم وتوفير مشروعات صغيرة وتحقيق نقلة نوعية في قدرات ومهارات الشباب المصري بصورة تجعلهم قادرينً علي تلبية متطلبات سوق العمل حتي يتمكنوا من الحصول علي فرص عمل توفر لهم دخلا ثابتا وتسهم في الوقت نفسه في زيادة الناتج المحلي للدولة وترفع عن كاهلها عبئا ثقيلا.
و في هذا الصدد وتماشيا مع هذا المنطق اسمحوا لي ان احكي لكم باختصار عن مبادرة مؤسسة ساويرس لخلق وتوفير 20 ألف فرصة عمل للشباب والمرأة المعيلة وذوي الاحتياجات الخاصة في القري الأكثر احتياجا بمحافظات الصعيد وهدفي من ذلك هو مناشدة كل رجال الاعمال الذين لديهم جمعيات مشابهة ان يكرروا التجربة فمطلوب توفير 6 ملايين فرصة عمل وليس 20 الفا ولن نستطيع تحقيق ذلك دون ان تتكاتف الجمعيات الاهلية الكبيرة بإمكانياتها البشرية والمادية لتحقيق هذا الهدف فمرة اخري لا يليق ان نترك هذا الوضع اللاإنساني ليتفاقم فمصر المستقبل تنتظر مننا ان نبدأ فورا…
فقد أعلنت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية عن «مسابقة مؤسسة ساويرس لخلق فرص عمل « وقد خصصت المؤسسة 40 مليون جنيه كميزانية تقديرية لخلق 20 ألف فرصة عمل للشباب والمرأة المعيلة وذوي الاحتياجات الخاصة بمحافظات الصعيد من خلال تمويل وتنفيذ مشروعات تنموية. تهدف المسابقة إلي إزكاء روح المنافسة بين جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بهدف الإسهام في توفير حلول مناسبة لمشكلة البطالة وتحقيق نقلة نوعية في قدرات ومهارات الشباب المصري بصورة تجعله قادراً علي تلبية متطلبات سوق العمل. وقد تقدمت لهذه المسابقة 300 جمعية أهلية فازت منهما 30 جمعية.
وتنوعت طبيعة المشروعات الفائزة ما بين مشروعات تدريب من أجل التوظيف والإقراض الصغير وترتكز علي أربعة مجالات رئيسية هي التنمية الريفية والزراعية التي كان لها النصيب الأكبر من المشروعات الفائزة وتشمل تقديم تدريبات علي إعادة تدوير المخلفات الزراعية كالتدريب علي صناعة الأعلاف والكومبوست من تدوير مخلفات ورق الموز والتدريب علي صناعة الأخشاب من تدوير مخلفات سيقان الموز وتوفير فرص عمل داخل مصنع ورق بردي بحيث يتم خلق فرص عمل ما قبل المصنع وداخل المصنع وما بعد خروج المنتج من المصنع. وتشمل المشروعات الفائزة ايضا مشروعات لفرز وتعبئة المحاصيل وتربية المواشي والدواجن وتصنيع منتجات الألبان وتقديم خدمات بيطرية ومشروعات في مجال الحرف اليدوية والتراثية وكذلك الأعمال الحرفية والمهنية مثل صيانة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وأعمال التشييد والبناء هذا بالإضافة إلي مشروعات في مجال الرعاية الصحية.
ان المؤسسة قد اختارت الصعيد كأولوية لتوفير فرص عمل نظرا لارتفاع معدل الفقر ليصل إلي نسبة 50% ولتواجد 90% من القري الأكثر فقرا بالصعيد. مرة اخري اناشد رجال الاعمال الاهتمام والتركيز علي تضافر جهودهم وتوجيه اهتمامهم وتبرعاتهم لخلق فرص عمل جديدة وتمكين اخواننا الذين سحقتهم الظروف الصعبة سواء الفقر او المرض او الجهل او كلها مجتمعة من كسب قوت يومهم والعيش بمستوي يليق بآدميتهم ويصون لهم كرامتهم.

Saturday, June 18, 2016

النحات الذى جعل من صلصال المعرفة تمثالاً! بقلم د. وسيم السيسى ١٨/ ٦/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بدعوة كريمة من وزارة الثقافة لتكريمى الجمعة ١٠ /٦، ممثلة فى مدير قصور الثقافة الأستاذ أشرف أبوجليل، ومجموعة من المتحدثين هم الأستاذ نبيل زكى، الدكتورة إقبال بركة، الأستاذ فايز فرح، ومقرر الحفل أ.د.محمود خيال، جاء الوزير الأستاذ حلمى النمنم وسلم علينا جميعاً، وفى نهاية الحفل قدموا لى ميدالية وزارة الثقافة الذهبية تعبيراً عن تقدير وزارة الثقافة لروادها والعاملين من أجلها.
تحدث الأستاذ أشرف أبوجليل كيف قام بمسرحية تاريخية فى صالون المعادى الثقافى عندى، وكيف أن حب مصر رآه مغزولاً فى جنباتى! ثم تحدث دكتور خيال، وكيف أنه مما ساعدنى على الوصول إلى دقائق الحضارة المصرية أنى أتمتع بذاكرة فيل، على حد تعبيره! ثم تحدث الأستاذ نبيل زكى وكيف أنه لا توجد دولة فى العالم تحتقر تاريخها إلا مصر، فكانت النتيجة.. التخلف، والتعصب، والشعور بالدونية، حتى ظهر د.وسيم السيسى متحدثاً عن حضارة مصر قبل آثارها، بأسلوب بسيط سهل وصل لقلوب الناس جميعاً، فكان البعث.. بعث الروح الوطنية وإلقاء الإحساس بالدونية، والتحرر من التعصب، والتف الناس جميعاً حول مشترك أعظم هو الحضارة المصرية، ثم وصفتنى الدكتورة إقبال بركة - هذه المناضلة الشرسة من أجل كرامة المرأة فى مصر والعالم العربى - بعلى بابا الذى اكتشف كنوز مصر الحضارية ولكنه بدلاً من أن يأخذها، نصب نفسه حارساً عليها، كما وصفتنى هذه الكاتبة الجميلة بأنى نحات بارع صنع من صلصال المعرفة تمثالاً عملاقاً يثير الدهشة والإعجاب، ونفى عن معشوقته «الحضارة المصرية» ما يردده الجهلاء بأنها حضارة وثنية، وهم الذين علّموا العالم البعث والخلود، حتى إن كلمات صوم - حج - زكاة - كعبة - ماعون - ثواب - موت - حساب... إلخ كلها كلمات مصرية قديمة منذ عصر الفراعنة، كما نفى عنهم الظلم والسخرة، وأن العدالة منهم، والعلوم جميعاً منهم، وحتى جينات العالم الأوروبى والآسيوى منذ ٥٥ ألف سنة منهم!.
وأخيراً تحدث الإذاعى الكبير وكيل وزارة الإعلام سابقاً الأستاذ فايز فرح.. «ابن بطوطة».. الذى ارتحل إلى جميع أنحاء العالم سواء بالفكر أو الترحال، تحدث عن والدى وكيف كان أستاذاً للإنجليزية فى جامعة شيفلد، وأنه كان مفكراً.. فيلسوفاً.. أديباً، مترجماً فى مشروع الدكتور طه حسين - الألف كتاب - وكيف ورثت عنه حب المعرفة والبحث عن الحقيقة، كما شارك الدكتور خيال فى رأيه أنه إذا نسى شيئا من مؤلفاته وهى بالعشرات، لجأ إلىَّ حتى أذكره بما جاء فيها!.
جدير بالذكر أن الأستاذ فايز فرح زوج الأستاذة منى الملاخ الكاتبة الصحفية فى مجلة المصور وهى ابنة أخ عالم المصريات ومكتشف مراكب الشمس كمال الملاخ.
جاء دورى أخيراً فى الكلام.. قلت: منذ صباى وأنا أحس بالأسى والألم لشعبى، والناس من حولى.. يختلفون، يتشاجرون، يتعصبون، تعليم سطحى.. يفرِّق ولا يوحد، يزرع بذور الشقاق والكراهية، اهتديت إلى أن المقدس الذى يجمعنا سوياً، ويعيد لنا حبنا وتوحدنا وكرامتنا أمام أنفسنا والعالم هو تاريخنا وحضارتنا، أراد الدكتور فرج فودة نفس الهدف، سلط الضوء على حقبة تاريخية، أزال عنها الغبار، ولكنهم بكل أسف أساءوا فهمه، فكان اغتياله فى مثل هذه الأيام.
لم أذكر فى هذا الحفل الجميل كيف كان فرج فودة وحسين بيكار من أعز الأصدقاء، وكم سهرنا.. على آلة حسين بيكار الموسيقية - البزق - وهو يشدو: أعطنى الناى وغنّ، فالغنا سر الوجود، وحين ارتحل فرج فودة عن عالمنا - قبل السقوط - وهى أحد مؤلفاته، أرسل لى الفنان الكبير حسين بيكار مرثية عن فرج فودة منها:
منين أجيب الكلام اللى بيه يتوصف ألمى
وإزاى أبوح بالألم من بعد ما اتقصف قلمى!
ياللى زرعتوا الكره فى قلوبكم وعملتوا منه شعار
ليه تقتلوا النفس البريئة علنا وف عز النهار؟
امتى الضمير الحر يبقى شعار وعقيدة؟!
مش قناع زايف يتلبس فى المناسبات العديدة! إلخ.
مصر ولّادة أيها الأصدقاء، ولكن قد يغلب الباطل الحق فى كثير من الأحيان، مثل ما حدث لجاليليو وبرونو وكوبرنيكس، وتوماس مور، الشيخ على عبدالرازق، والنقراشى، الخازندار، ولكن يبقى للحق ميزته الكبرى التى ينفرد بها، أنه يجعل من أصحابه رواداً للحق ومصابيح للتاريخ «توماس جيفرسون».