Translate

Thursday, October 31, 2013

ومازال الزياط مستمرا بقلم إسعاد يونس ١/ ١١/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم

■ حيث إن المواطن منا بيتنشق على مسؤول يعمل حاجة كويسة.. لأننا بصراحة فقدنا الأمل فى كل حاجة.. وأصبح النموذج الطيب المشرف حلما بعيد المنال.. أو فاكهة فى غير أوانها.. يمكن إحساس ظالم لكن العملة الرديئة بتطرد العملة الجيدة واللى بنشوفه يوماتى يكسر القلب ويسد النفس.. لكن هذا هو الواقع.. إلا إن الواحد لما يشوف حاجة كويسة لازم يتكلم عنها.. فقد رأيت رؤى العين وزير التربية والتعليم يرد حقا وينصف مظلوما.. ووجب على تحيته.. فشكرا للسيد الدكتور محمود أبوالنصر على استجابته لاستغاثة مدرسة عريقة وشهيرة ومهمة كادت تغلق أبوابها بسبب تعسف بيروقراطى وسوء تقدير من بعض المسؤولين.
■ أنا كأم، ومثلى كثيرات، لا أؤمن بضرب أولادى.. شريطة أن أكون مربياهم عدل.. ولما الواد ولا البت يتعوجوا بتأثير خارجى.. أوعى وأفهم وأتناقش وأتفاوض وأبذل مجهودا مضنيا فى الإقناع.. ماقدرتش والعيل أصر على العوج.. بطوح ضهر إيدى بعزم ما فيا.. إتعدل.. استبينا وعملنا مصالحة وبقينا أصحاب.. ما اتعدلش.. الشبشب يشتغل بقى.
■ المشكلة إن الحكومة بتاعتنا ماشية حافية.
■ فيه مثل بلدى بيقول «لوتفيتها لفوق نزلت فى عبى.. ولو تفيتها لتحت نزلت فى صدرى».. ومعناه أن ما هو منسوب للواحد حتى ولو كان بصقته.. ملزوق فيه ومحسوب عليه.. ولذلك.. فإن العيال اللى مزيطة فى البلد دى ونازلة تكسير وإتلاف وطايحين بلا رادع ولا لجام.. فى الآخر محسوبين على البلد برضه.. واضح أن هذا نتاج لفترات طويلة هاجر فيها الآباء بحثا عن المال والاستقرار المادى فى الدول العربية.. وسابوا العيال هنا تربيهم الشوارع أو تستلقطهم الجماعات لتجنيدهم.. أو لتأجيرهم باليومية.. فى الآخر.. هو فصيل من الرعاع الذى لا يقوّمه التصرف الأمنى.. ولكن الدولة والشعب مسؤولان عن ضبط إيقاعهم وتقويم سلوكهم.. ليس من باب العقاب ولكن من باب إعادة التأهيل.. فبمراقبتهم يتضح إنهم عيال نشيطة وعندها صحة بالصلاة ع النبى الحبيب اللهم لا قر ولا حسد.. لديهم قدرة على خلع البيبان والقفز من فوق الأسوار وتسلق الحيطان ولا النينجا تيرتلز والرجل الوطواط.. يقذفون بالحجارة ولا رماة الجلة فى الأوليمبياد.. ويصوبون بالمولوتوف ولا لاعبى المقلاع فى المباريات الرومانية القديمة.. يطوحون ويشوحون بالعصاة ولا رقاصين التحطيب فى فرق الغجر التى كانت تطوف بالموالد زمان.. يصوبون فرد الخرطوش بثقة وتحد إلى صدور الطلبة والمدرسين والشرطة والأمن وأى حد.. عيال قلوبها ميتة ودى ميزة مطلوبة.. يصيحون صيحات عنترية ولديهم حناجر لا تنخدش ولا تبح.. يعنى عيال قويلة وصدورها مش عليلة.. لديهم جرأة مطلوبة وإن كانت فى غير محلها.. يعنى شجاعة وإقدام واستبسال.. لدرجة أن أحدهم ممكن يتحدى قوات الشرطة ويقلع بنطلونه واللى تحته ويستعرض إمكانياته فى التبول فى العلن كده.. كأنه هو الوحيد الحائز على هذه الميزة.. ولا هامه إن حد بيصوره ولا أى حاجة.. يعنى الغريزة الحيوانية عنده نشيطة وواخدة حيزها ويتخذ من الكلاب الضالة مثلا أعلى.. أما الصفة الغالبة فهى إن العيال دى فاضية وما وراهاش حاجة.. رافضين الانتظام فى صفوف الطلبة والامتثال لقوانين الجامعات وأى قوانين أخرى.. وده معناه إن الأمخاخ فاضية ورافضة تتعبى.. وبالتالى إيدك منهم والأرض إن كنت منتظر أو متوقع علماء أو شعراء أو أساتذة أو مهندسين أو دكاترة أو، وتلك هى المصيبة، أئمة.. إنسى يا عمرو.. الميزة الأهم بقى إنهم مش متربيين ومالهمش أهل يبكوا عليهم.. اللهم إلا فى حالة واحدة.. لو اتقبض عليهم.. حاتلاقى النداء التقليدى.. قبضوا علينا واحنا بنخرّب يا بيه.. ده الواد كان بيصرف على اخواته.. بيطلع الصبح رايح الجامعة ويرجع جيبه ملغم فلوس.. نصها يجيب بيهم ترامادول علشان يكمل جهاد والنص التانى بنقلّبه فيه عشان نربى اخواته ويطلعوا فالحين زيه.
■ طيب.. كيف يمكن أن نهدر كل هذه الإمكانيات؟؟.. فصلهم من الجامعة فصلا نهائيا سوف يضمهم إلى باقى اخواتهم أطفال الشوارع اللى ما شاء الله بقوا من أثرياء القوم دلوقتى بعد تجنيدهم فى الجماعات الإرهابية واليومية بقت عال العال.. عقابهم فى السجون سوف يؤدى لنفس النتيجة فى حالة القبض العشوائى وعدم ثبوت جريمة تقع تحت طائلة القانون الجنائى.. إذن الحل هو إنشاء معسكرات تجنيد تأهيلية تعيد ترتيب جينات ومواصفات هذا الكائن.. لا يخرج فى مهمات ولا يأمن منشآت ولا حاجة من دى.. لكن يقبع فى هذا المعسكر سنة كاملة.. يتعلم فيهم الضبط والربط ومعنى الانتماء لوطن.. يصحى خمسة الصبح كده بالنفير اللى يخرم صرصور ودنه ويقوم على شخيط الشاويش عوكل.. يتعلم الرجولة على حق.. حيث إنه من الواضح إن العيال دى فاهمة الرجولة غلط وأخذوا معلوماتهم من ذكور لكن مش رجالة وهناك فرق.. فى هذا المعسكر حايلعب رياضة ويربى جسمه والأهم عقله.. ولما يتعوج يتحكم عليه يقيس مساحة المعسكر بدبوس ابرة.. وستتجلى مواهبه المذكورة أعلاه.. ويمكن نكسب واد مقاتل شرس لكن فى الوقت نفسه مؤمن بوطنه وفاهم إن اللى كان بيعمله ده خيابة وخيانة وكان عبارة عن حجر داير لابد من لطه.
■ أن يطلق على من ذهبوا للتجمهر أمام مسرح راديو حيث يسجل باسم يوسف حلقاته أنهم مؤيدو السيسى ضد مؤيدى باسم هو نكتة بايخة فجة رخمة رخامة الكون.. إن دلت على شىء فإنما تدل على كمية الفراغ والبطالة والأوفر الذى يجتاح الناس.. خلاص؟؟.. خلصت معاناتكم فى الحياة وانتصرتم فى كل قضاياكم القومية عشان تروحوا تقفوا قدام مسرح وتحصل خناقات وشد وجذب وتماسك بالأيدى؟؟.. ولولا حماية الدولة متمثلة فى وزارة الداخلية للمكان وفريق العمل كانت قلبت فضيحة.. مفيش حاجة اسمها أنصار السيسى.. فيه حاجة اسمها أنصار الدولة ذات المؤسسات.. الدولة التى يحترم مواطنوها القانون ويحترموا أنفسهم ولا ينحدروا لهذا المستوى.. تركتم إيه لحازمون ومرسيون وزعبلون؟؟.. إن من يحب السيسى يحب النظام والالتزام والإخلاص للوطن.. يحب الحكمة والهدوء.. يحب الرجولة فى أخلاق الفرسان وردود الأفعال الرصينة.. يعنى يحب الناس المتربية.. السيسى رمز لحب مصر.. والأنصار أنصار مصر وليس شخص.. جبتولنا الكلام الله يهدكم.
■ إحنا أصبحنا شعب ما بينامش.. كنا زمان بنصهلل طول الليل وننام فى غير ساعات النوم.. لكننا حاليا نعانى من الأرق الشديد والخوف والترقب.. الواحد لو نام ساعة بيفوته حدث جلل.. بيقولوا النوم فاتورة لازم تندفع.. مهما أجلته لازم حاييجى وقت وتنام غصب عنك.. فماتستقواش على نفسك قوى وإدى نومك حقه.. أتذكر بهذه المناسبة واحدة صاحبتى.. شخصية مشهورة جدا إعلاميا ومتعددة الأنشطة.. تستغل كل ساعات اليوم فى عمل جاد ومرهق واجتماعات ومؤتمرات ومشاوير... إلخ.. جاء عليها وقت أن كانت تجهز لمؤتمر مهم جدا وواصلت العمل الليل بالنهار دون كلل أو ملل.. تستقبل الناس وتشرف على راحتهم وتحضر العشوات والغدوات وكل اللى قلبك يحبه.. حتى جاء يوم كانت ستختتم المؤتمر بعشاء لجميع الشخصيات المهمة التى حضرته.. لبست واتأنتكت ولا مايا دياب فى عصرها وأوانها.. وتوسطت المائدة بين علية القوم تحدث هذا وتضحك مع تلك وتجامل الجميع..
وضعوا أطباق العشاء، وكان الصنف الأول مكرونة سباجيتى بولونيز يعلوها تل من اللحمة المفرومة بالصلصة.. كانت فى هذه اللحظة توجه حديثا مهما للجميع.. والكل ينظر لها باهتمام شديد جدا.. وفجأة.. فى منتصف الجملة وبدون أى مقدمات.. سقط رأسها جوه طبق المكرونة.. ولقينا اللحمة المفرومة بالصلصة بتلظ تحت خدها.. نظرنا غير مصدقين.. الولية ماتت ولا إيه؟؟.. محدش عارف يعمل إيه.. وهى ساكتة خالص بلا أى حراك.. قمت بشويش واقتربت منها أهمس «فلانة.. إنتى اتهبلتى ولا إيه؟.. قومى.. فضحتينا»..
ولا من مجيب.. هارسود.. بدأ الجمع يقلق واللى وقف واللى رجع لورا والستات مش مصدقة.. وأنا أحاول رفع رأسها من الطبق وأردد اعتذارات هبلة ليس لها أى معنى.. ودى متبتة وقتيلة.. لأ وخرج منها شخير خبيث كده علامة النوم العميق.. كانت الموقعة التالية هى رفع رأسها عنوة وتسليك اللحمة والمكرونة من شعرها والرموش الصناعى.. ومحاولة شيلها من على الترابيزة والذهاب بها الى أقرب خن تتستر فيه.. حيث استقرت على جنبها فى دعة وسكينة ولا كأنها عاملة العملة السودة دى لحد الصبح.. طبعا لما صحيت كانت هناك موقعة أخرى من اللطم على منظرها وبريستيجها والذى منه.. فخلوا بالكم.. وارد جدا أى حد منا يحصله نفس الموقف.. وساعتها ماتضمنش يكون طبق مكرونة.

BEST Andrea Bocelli Song EVER! - (HQ Sound) - The Lord's Prayer (better ...

http://www.youtube.com/v/TAFj2-u2cGQ?autohide=1&version=3&autohide=1&autoplay=1&attribution_tag=NlPmmfGZwLJ0s8sFRTQeuw&showinfo=1&feature=share

Tuesday, October 29, 2013

مواطنون أم أبناء قبيلة؟! بقلم د. علاء الأسوانى ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٣ - المصري اليوم

أثناء دراستى فى الولايات المتحدة كنت أعيش فى سكن الطلبة التابع لجامعة إلينوى، كان زملائى فى السكن من كل أنحاء العالم، وبينهم بعض الطلبة العرب الذين كنت أتبادل معهم التحيات والأحاديث العابرة. ذات يوم جاءنى زميل عربى وقال:
- معنا فى الجامعة زميلة عربية (ذكر اسمها وبلدها)، وهى على علاقة بطالب بولندى.. هل رأيتهما؟
كنت قد رأيتهما من قبل فى حديقة السكن والمطعم وبدا لى أنهما فى حالة من الغرام العارم. استطرد الزميل قائلا:
- هذه الفتاة منفلتة أخلاقيا، وهى تتبادل القبلات علنا مع رفيقها البولندى بدون احترام لمشاعرنا نحن العرب فى الجامعة. إن دمنا حر ولن نقبل هذا الخزى أبدا. لقد حصلنا على بيانات أبيها كاملة وقررنا أن ننذرها أولا لعلها تترك رفيقها البولندى وتعود إلى الصواب وإلا فإننا سنخبر أباها بتصرفاتها الداعرة.
قلت:
- ألا تلاحظ أنكم بذلك تتطفلون على إنسانة لا تعرفونها وتحشرون أنفسكم فى حياتها الشخصية.. إنها ليست قاصرا ولستم أوصياء عليها.
بدت الصدمة على الزميل وصاح:
- يا أخى هل أنت عربى؟ هل تقبل عروبتك أن ترى فتاة عربية تتبادل القبلات مع عشيقها الأجنبى أمام عينيك فلا تغضب ولا تثور؟ أمرك غريب فعلا!
قلت له:
- أنا مسؤول عن نفسى فقط ولست مسؤولا عن ملايين النساء العربيات، ثم إذا كنتم تعتبرون أنفسكم مسؤولين عن هذه الفتاة، فلماذا لم تساعدوها فى أى شىء من قبل، ولماذا تتدخلون الآن بغرض قمعها وتهديدها بسبب تصرفات شخصية؟
بعد نقاش عبثى أكدت له أننى لن أشترك معهم فى «الشرطة الأخلاقية» التى شكلوها، فانصرف وهو يشيعنى بنظرة احتقار صريحة، وعرفت بعد ذلك أنهم فعلا واجهوا الفتاة بغضبهم من سلوكها، فردت عليهم بأنها حرة فى حياتها، ثم تقدمت ضدهم بشكوى إلى إدارة الجامعة التى استدعتهم للتحقيق، فكفوا عندئذ عن ملاحقة الفتاة خوفا من العواقب. هذه الواقعة تدل- فى رأيى- على أن بعض الناس بالرغم من حصولهم على قسط راقٍ من التعليم لا يتصرفون باعتبارهم مواطنين أحرارا، وإنما باعتبارهم أعضاء فى قبيلة.. لقد أحس هؤلاء الطلبة بالغضب لأن فتاة لا يعرفونها عشقت رجلا لا يعرفونه لمجرد أن الفتاة عربية، وهم يعتبرون أن العرب جميعا أعضاء قبيلة واحدة كبيرة، وبالتالى فإن كل فتاة عربية تعشق رجلا غريبا يصبح من واجبهم ردعها أو الانتقام منها. إن انتشار التفكير القبلى فى مجتمعاتنا العربية يشكل عائقا حقيقيا أمام بناء الديمقراطية. إن ثقافة القبيلة تتناقض مع الديمقراطية، لأنها تؤسس للاستبداد والظلم والتمييز إذ تعتمد على المبادئ التالية:
أولاً: المسؤولية الجماعية
بينما تؤكد الثقافة الديمقراطية أن المسؤولية فردية بحيث يصبح كل مواطن مسؤولا فقط عن تصرفاته التى فعلها بإرادته الحرة فإن التفكير القبلى يعتمد مبدأ المسؤولية الجماعية، فيعتبر مثلا ضباط الشرطة جميعا مسؤولين عن جرائم التعذيب وقتل المتظاهرين التى اقترفها بعض زملائهم، ويعتبر الأمريكيين جميعا مسؤولين عن جرائم الجيش الأمريكى فى العراق، ويعتبر اليهود جميعا فى كل أنحاء العالم مسؤولين عن جرائم إسرائيل (حتى لو كانوا معارضين لها)، ويعتبر الأقباط مسؤولين عن تصرفات أى قبطى، فعندما أنتج أحد أقباط المهجر فيلما يسىء للإسلام، أطلق شيوخ الإسلام السياسى لعناتهم وشتائمهم ضد الأقباط، باعتبارهم مسؤولين جميعا عن الفيلم المسىء.. إن مبدأ المسؤولية الجماعية يمنع قيام الدولة الحديثة التى تقوم على أن كل مواطن له حقوق وعليه واجبات لا تتغير طبقا لدينه أو مهنته أو جنسه.
ثانياً: التعصب المهنى
عندما تقرر تحويل روايتى عمارة يعقوبيان إلى فيلم فوجئت ببعض الصحفيين يتقدمون بشكوى ضدى إلى نقابة الصحفيين، يعتبرون فيها أن شخصية الصحفى الشاذ فى الرواية تسىء إلى الصحفيين جميعا، وقد طالبوا بحذف الشخصية من الفيلم أو منحها أى مهنة أخرى غير الصحافة حتى لا يفهم الجمهور أن بين الصحفيين شواذا جنسيا. كان نقيب الصحفيين آنذاك مثقفا كبيرا هو الأستاذ جلال عارف، الذى بادر بحفظ الشكوى وأكد لى أن نقابة الصحفيين قلعة الحريات لا يمكن أن تحاسب مؤلفا على خياله. لكن ما حدث معى تكرر عشرات المرات، فما إن تظهر شخصية سيئة فى فيلم أو مسلسل إلا ويعلن من يشاركونها فى المهنة احتجاجهم الشديد. إذا كانت الشخصية المنحرفة محاميا يحتج المحامون، وإذا كان طبيبا يرفع الأطباء دعوى لمنع عرض الفيلم أو المسلسل. هذا التعصب المهنى جانب من التفكير القبلى، وهو يشكل قيدا مزعجا على حرية الإبداع، لكنه أيضا قد يأخذ طابعا معاديا للديمقراطية عندما يحاول أصحاب كل مهنة انتزاع مكاسب تخصهم وحدهم، كما يحدث الآن فى لجنة كتابة الدستور، فالقضاة يرفضون إخضاع ميزانية نادى القضاة لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، ويريدون إدراجها كرقم واحد غير قابل للنقاش أمام مجلس الشعب، والعسكريون يصرون على استمرار محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو سلاح فى يد السلطة تم استعماله لتأديب المعارضين وقمعهم منذ عام ١٩٥٤ وحتى الآن، كما يرفض العسكريون الاعتراف بحق الرئيس فى تعيين وزير الدفاع (وهو الأمر المتبع فى كل الدول الديمقراطية)، لأنهم يعتقدون أنه لا يجوز لرجل مدنى، حتى لو كان رئيسا انتخبه الشعب، أن يحدد من يرأس الجيش.
رابعاً: نسبية الحق
بينما تؤكد الثقافة الديمقراطية أن المواطنين جميعا سواء أمام القانون، تطالب الثقافة القبلية بتضامن أبناء القبيلة مع بعضهم البعض ماداموا فى صراع مع الآخرين، بغض النظر عمن صاحب الحق فى النزاع القائم. ومن هنا فإن التفكير القبلى عاجز عن الرؤية الموضوعية، لأنه يرى الحق فى أى قضية طبقا لموقعه منها. نسبية الحق واضحة الآن فى مصر.. بينما يحاكم مرسى المعزول- عن حق- بتهمة إهانة القضاء، لأنه اتهم بعض القضاة بالتزوير فى خطاب علنى، نرى محاميا اشتهر ببذاءته يظهر فى الفضائيات فيوزع على الشخصيات العامة سيلا مقذعا من الاتهامات بالخيانة والعمالة والرشوة، لكن أحدا لا يحاسب هذا الشتام، لأنه مرضى عنه من السلطة الحالية. وبينما يحاسب قضاة من أجل مصر- عن حق- على ممارستهم السياسة، ما يتناقض مع حيدة القاضى المفترضة، نرى فريقا آخر من القضاة طالما أعلنوا عن آرائهم السياسية فى مؤتمرات صحفية عقدوها لهذا الغرض، ومع ذلك لم يحاسبهم أحد على ما فعلوه.. إن نسبية الحق تعطل الفكرة الديمقراطية التى تعتمد على المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن علاقتهم بالسلطة.
خامساً: صناعة رمز الوطن
فى البلاد الديمقراطية يعتبر الناس رئيس الجمهورية موظفا عاما من حقهم وواجبهم أن يوسعوه نقدا وتوبيخا إذا أخطأ، وإذا لم ينصلح أداؤه فإن البرلمان يسحب الثقة منه ويطرده من منصبه. فى هذا الإطار هناك فى الغرب مئات البرامج الكوميدية التى تسخر من أداء كبار المسؤولين وأولهم رئيس الجمهورية الذى يتقبل دائما أن يكون مادة للدعابة، لأنه يدرك أن النقد الموجه إليه مهما يكن مؤلما أو جارحا الغرض منه أولا وأخيرا تحقيق الصالح العام وليس الإهانة الشخصية. أما فى مصر فإن التفكير القبلى يدفعنا إلى رفع الحاكم فوق مستوى البشر العاديين. الحاكم بالنسبة إلينا ليس موظفا عاما، وإنما هو والدنا الذى ننحنى لنقبل يده، ورمز الوطن الذى يعتبر نقده قلة أدب وربما خيانة. الدليل على ذلك ما يحدث مع الإعلامى الموهوب باسم يوسف، الذى اشتهر بتقديم صور كاريكاتورية تسخر من شخصيات عامة فى برنامجه الشهير الممتع (وإن كنت أتمنى أن يتخلص من التلميحات الجنسية التى تسىء إليه). خصص البرنامج حلقات كاملة للسخرية من الرئيس المعزول، وعندما اعترض أنصار الإخوان وقف الجميع لمساندة باسم يوسف دفاعا عن حرية التعبير، ثم ثار المصريون ضد مرسى وعزلوه وانحاز الجيش لإرادة الشعب، وعاد برنامج باسم يوسف ليستأنف طريقته المعتادة، فقدم بعض الدعابات ضد الفريق السيسى، هنا قامت الدنيا ولم تقعد، وتبرأت قناة «سى بى سى» من البرنامج الذى أنتجته، واعترض كثيرون على إطلاق الدعابات ضد الفريق السيسى لأنه قائد الأمة ورمز الوطن إلى آخر هذه العبارات التى قيلت نفاقا عن كل رؤساء مصر السابقين بلا استثناء.. الفريق السيسى أدى مهمة وطنية عظيمة، وجنب مصر الحرب الأهلية، وحمى إرادة الشعب. كل هذا صحيح، لكن الفريق السيسى يجب ألا يكون رمزا للوطن، لأن رمز الوطن الوحيد يجب أن يكون المواطن الذى أقيمت الدولة أساسا من أجل تحقيق مصالحه وحماية حقوقه.
السير ونستون تشرشل (١٨٧٤- ١٩٦٥) قاد بريطانيا إلى النصر فى الحرب العالمية الثانية واستمد منه الإنجليز شجاعتهم فى أصعب الأوقات، وبالرغم من ذلك فقد سقط تشرشل العظيم فى أول انتخابات عامة أجريت بعد الحرب، أحب الإنجليز تشرشل واعتبروه بطلا قوميا، لكنهم لم يؤلفوا الأغانى فى حبه وتمجيده ولم يعتبروه رمزا للوطن، بل أسقطوه فى الانتخابات لأنهم اعتقدوا أن بريطانيا تحتاج بعد الحرب إلى سياسى آخر غير تشرشل، يحمل لها أفكارا جديدة وسياسات مبدعة مختلفة.. إن صناعة الفرعون، التى يتقنها للأسف بعض المصريين، هى المسؤولة عن كل الكوارث التى حاقت بنا.
كان عبدالناصر زعيما عظيما، لكننا صنعنا منه فرعونا فحاقت بنا هزيمة ١٩٦٧ المنكرة، وصنعنا من السادات فرعونا فحدثت الثغرة فى حرب ١٩٧٣ ووقعت مصر فى براثن الانفتاح الاقتصادى الذى ألقى بملايين المصريين فى هوة الفقر أو أجبرهم على الهجرة، ولولا أن صنع بعض المصريين من مبارك فرعونا لما ساد الفساد فى عهده، ولما استمر فى الحكم ثلاثين عاما بالقمع والتزوير، ولما جرؤ على محاولة توريث مصر لابنه وكأنها مزرعة دواجن.
إن الثورة ليست مجرد تغيير سياسى إنما هى بالأساس تغيير إنسانى يطرح نظرة جديدة للعالم ويعيد مناقشة كل المسلمات ليخرج برؤى جديدة تؤدى إلى التغييرات الجذرية فى كل المجالات. لن تنجز الثورة أى تغيير مادام الفكر القبلى موجودا فى أذهاننا، لأنه بحق يشكل غشاوة تمنع رؤيتنا للمستقبل. لن نتمكن من بناء الدولة الحديثة إلا إذا آمن المصريون بأنهم جميعا متساوون، وبأنه لا يوجد مسؤول فوق المحاسبة أو النقد الساخر، حتى لو كان الفريق السيسى نفسه.
الديمقراطية هى الحل

Monday, October 28, 2013

وحيد حامد يكتب: أسباب الحزن ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم

أسباب الحزن كثيرة ومتنوعة..

وأحياناً يحبس الإنسان أحزانه فى داخله، ويختزنها فيأتيه الاكتئاب كالضيف الثقيل والغليظ، ويجد نفسه محبطاً ومنبطحاً ومحاصراً باليأس، يتمنى أن يفلق رأسه تماماً، ويعيش اللامبالاة مستمتعاً بالسلبية ومحذراً بالوهن والفتور، ولكنه لا يقدر.. وجذور الحزن يصعب اقتلاعها إذا كانت متعلقة بالوطن.. لأن الحقيقة الثابتة والتى تعلن عن نفسها بكل صدق ووضوح أننا أمام وطن يضيع.. وطن تأكله النار.. وطن يعمل الجميع على إحراقه، الأعداء بكل الكراهية التى فى نفوسهم، والأصدقاء بكل ما لديهم من قدرة على صنع البلبلة وزراعة العبث، بالإضافة إلى كم هائل من المسؤولين لا يهشون ولا ينشون، ولديهم برودة ألواح الثلج تاركين الفوضى تنهش فى جسد الأمة كأنها السرطان فى مراحله المتأخرة، وهم فى أماكنهم قاعدين، كأنهم «البيض» مرصوصاً على سطح كرتونة... وطن يندفع إلى الخراب الحقيقى كأنه جلمود صخر حطه السيل من عل.. ومع هذا فإن البلادة هى التى تحكم.. والركود هو الذى يسيطر، ويستبد..
آفة القوة استضعاف الخصم..
وما يجرى على الساحة الآن يؤكد أن جماعة الإخوان أقوى من الدولة.. وليست أقوى من الجيش، وكلنا يذكر التصريح المهم لمرشد الجماعة الدكتور محمد بديع الذى أعلن فى وضوح تام بأن الجيش وجماعة الإخوان هما القوتان الوحيدتان فى مصر.. وأرى أن الرجل كان صادقاً، ودعونا نتخل عن السفالة ونتحل بالشجاعة، ونعترف بأنه لولا حماية الجيش للثورة فإن الجماعة كانت ستبتلع الوطن ابتلاع الأفعى للأرنب.

إن حماية الجيش للشعب الذى هو منه مسألة وطنية خالصة لا تقبل النقاش والمزايدة مهما خرج علينا قوادو السياسة بكل الادعاءات الباطلة التى تعمل على هدم هذه الحقيقة الثابتة والتى تحرص عليها كل القوى الوطنية التى لم تتلوث عقولها، وليس معنى هذا أننا نريد للجيش أن يحكم البلاد، ولكننا نريده أن يحمى البلاد حتى تختار من يحكمها حكماً مدنياً لا دينياً ولا عسكرياً.. وهذا الأمر لا تريده جماعة الإخوان ولا التيار الدينى بكامله ودعونا من الطبطبة وتقبيل أرنبة الأنف لأن النار تحت الرماد.. ولأننى لا أستهين بقوة الجماعة بل أستهين بالذين يقللون من شأنها.. لأنها على مدار الأربعين سنة الماضية وهى دولة قائمة فى الخفاء، وتمتلك كل مقومات وعناصر الدولة الفعلية.. اقتصاد الجماعة أقوى من اقتصاد الدولة وإن كان يصغره فى الحجم، ويكفى أنه غير محمل بالديون.. والاستثمارات فى الداخل لتشمل المصانع والمزارع والمستشفيات والمدارس والعقارات وتجارة المواد الغذائية وشركات الصرافة وأيضاً السياحة وحتى المطاعم على سبيل المثال وليس الحصر.. ولها فى الخارج استثمارات متنوعة ومتعددة وعليه فإنه لا يوجد إخوانى عاطل فى صفوف الجماعة، ولذلك لا أندهش إطلاقاً لرؤية المظاهرات الإخوانية التى لا تنقطع، فالعاملون خلف هذا الاقتصاد بداية من المصنع الكبير وحتى دكان البقالة وكشك السجائر وصولاً إلى عربة الفول هم قوة ضاربة فى الجماعة ولا يمكن أن يتخلوا عنها لأن حياتهم ومعيشتهم مرهونة بحياة الجماعة، ومؤسساتها الفاعلة.. والذين يقدرون أفراد الجماعة بنصف المليون أو أكثر قليلاً يعيشون الوهم.. أيضاً تملك الجماعة القوة المسلحة والمدربة على القتال لإيمان الجماعة الشديد بأهمية القوة فى فرض الإرادة، وها نحن نرى بأعيننا دون أن يحكى لنا أحد.. توسعت الجماعة وانتشرت وزرعت الخلايا النائمة فى كل مكان.. كما أنها تملك جهاز المخابرات الخاص بها.. ولها رجالها فى الإعلام وفى السلك الدبلوماسى، كما أنها زرعت أفرادها فى الدول العربية والأجنبية.
والذين نجحوا فى اختراق الجاليات المصرية فى سهولة بسبب حالة الخواء والجفاف، التى يعانى منها كل الذين يعيشون فى الغربة، علينا أن نعترف صراحة ودون خجل أن الجماعة استمرت فى زحفها الشرير طوال عمرها كله، ولم تؤثر فيها بعض الضربات القوية لأنها كانت تصيب السطح دون أن تصل إلى جذور التنظيم المدفون فى باطن الأرض والمستمر حتى الآن، فرغم القبض على الكثير من القيادات الظاهرة والتى كانت تملأ الدنيا صخباً وضجيحاً فإن نشاط الجماعة الإرهابى والفوضوى مستمر وبفاعلية، مما يؤكد أهمية القيادات المدفونة فى باطن الأرض والتى مازالت تملك القدرة على الفعل الذى يهدد سلامة الوطن واستقراره، ونذهب إلى الجانب المظلم فى تكوين عقيدة الجماعة العدوانية والشريرة، حيث لا تعرف الانتماء إلى الوطن، بل تتعامل معه على اعتبار أنه العدو، ويجوز لها أن تحرقه، وتدمره بكل قوة ودون رحمة..
وليس فى هذه الأيام فقط، ولكنه منهج ومخطط ثابتين فى بروتوكولات الجماعة.. حسن البنا أول من أشعل الحرائق، وزرع القنابل فى الشركات والمحال والفنادق وأيضاً فى المحاكم.. وسيد قطب هو الذى خطط لنسف الجسور وتفجير القناطر الخيرية حتى يغرق الوجه البحرى كله.. وما أشبه الليلة بالبارحة.. عاد الإرهاب قاسياً ومدمراً.. الأمر الأخطر والأكثر حمقاً وغباء هو استهداف الأقباط عن عمد فى محاولة جادة لإحداث فرقه وفتنة فى سعى واضح ومباشر لتحطيم وحدة الوطن.. وأن تموت طفلة بثلاث عشرة رصاصة تخترق جسدها، وتسرق روحها الحالمة البريئة، أى رصاصة لكل سنة من عمرها فهذا أمر غاية البشاعة وعلى باب كنيسة وفى مناسبة سعيدة، مما يدل على توطن الغل والضغينة داخل هذه النفوس المريضة عقلياً والمجنونة بالفتك.. امرأة سافلة من جماعة الإخوان كشفت عن هذه الأمراض عندما كتبت تقول: «إنها تتمنى أن تسجد لله شكراً عندما تحتل إسرائيل سيناء وتذل الجيش المصرى الخائن والجبان... إلى آخره» يا ألطاف الله.. هذه المرأة الإخوانية بالكاد تستلقى على ظهرها وتنظر إلى السقف، مثلها مثل العاهرات اللائى صرن أشرف منها وأنبل، ومعها كل الذين لديهم قناعة بهذه الخيانة المعلنة التى تستوجب العقاب.. العقاب لا هذا الحمق.. ومع كل هذه الدماء، وكل هذا الغدر.. وهذا الإصرار على أحداث الفوضى وشل حركة الوطن يخرج علينا من يقول المصالحة، وبالمناسبة كلهم إخوان.. والمدهش والغريب أنهم أصحاب مطالب ولهم شروط..!!
منتهى الاستخفاف بعقول المصريين وإرادتهم.. إذا كنتم تريدون القتال فأنتم الخاسرون.. والمتاح أمامكم الآن أن تكونوا مصريين لا إخواناً.. السليم وغير المعطوب منكم له ما لكل المصريين من حقوق وواجبات.. أما المعطوب والذى ارتكب جرائم وآثاماً، فالقضاء أولى به، وبالتالى نقول بكل وضوح كفانا هزلاً ومماطلة... وعلينا أن نعترف صراحة وبلا خجل أن الحكومة الحالية وغير المتجانسة والمصابة بداء الفتور وفقدان الهمة هى التى تشجع جماعة الإخوان على ارتكاب هذه الأفعال الخسيسة.. هذه الحكومة عاجزة عن إدارة البلاد. وهى مكونة من ثلاثة فرق.. فرقة أصابها الوهن منذ سنوات والأجدر بها أن تركن إلى الراحة والتأمل، لأن العمل خارج قدراتهم.. وفرقة قلبها مع ثورة يونيو.. وسيفها مع الجماعة.. وفرقة تحتل أماكنها على سبيل سد الخانة، وليس لديهم القدرة على الفعل واتخاذ القرار.. والأمانة تقتضى أن أستثنى ثلاثة أو أربعة على الأكثر ليس من بينهم السيد زياد بهاء الدين، الرجل المتفضل علينا بقبوله المنصب والغامض المتخفى وراء نظارة..
هذه الحكومة تدعم جماعة الإخوان بعجزها عن الفعل حتى إن المجتمع المصرى بكامله ارتد إلى الحالة التى كان عليها أيام حكم مرسى وجماعته، وأصبحت الحياة فى مصر منفلتة وضائعة، والكساد وضيق الرزق وتلف المرافق والفوضى التى لا تجد من يردعها وهذا الكم الهائل من التخبط والتوهان وأزمة المرور الخانقة كلها أشياء أصابت الناس باليأس والإحباط، وبدأت همهمات السخط تنتشر، حكومة عاجزة عن فرض تسعيرة للخضروات فهل تملك القدرة على فرض القانون؟ بالطبع لا.. حكومة لا تقدر على معاقبة أى مخالف أو مرتكب جرم، فهل هى قادرة على مواجهة إرهاب الجماعة؟ بالطبع لا.. هذه الحكومة ينطبق عليها المثل الشعبى «ضرب الغازية فى حمارها» بمعنى أن ضرب الغازية كله لين ورقة وبالتالى الحمار لا يمشى وكأنه هو الآخر يقول: «ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب»..
حكومة تفرض قانون الطوارئ، ولا تستخدمه، وتجنى القيل والقال وسوء السمعة.. حكومة هشة مذعورة ومترددة، خطواتها واحدة للأمام واثنتان إلى الخلف.. ولا أبالغ إطلاقاً بأن الجماعة تكسب أرضاً، والحكومة تخسر أرضاً وهى غير مبالية، وإذا كانت الجماعة يحكمها، ويحدد مسارها مبدأ السمع والطاعة فإن قوادى السياسة يمزقون وحدة القوى الوطنية، ومثلهم مثل القوادين فى عالم الدعارة تماماً لا يعرفون الحياء، جلودهم سميكة، ولا يخجلون من أفعالهم، وأتذكر حادثاً طريفاً وقع معى أنا شخصياً: منذ سنوات كنت فى لندن، وبينما أنا جالس فى هول الفندق أتأمل ما يدور حولى، فإذا برجل مهيب بهى الطلعة وشديد الأناقة، يمسك فى يده سيجاراً فاخراً غير مشتعل، هذا الرجل اتجه نحوى باشاً ومرحباً بنظراته وكان من الطبيعى أن أتجاهل ذلك ظناً منى أنه يقصد شخصاً آخر، خاصة أننى لا أعرف أحداً ولا أحد يعرفنى، والرجل عالى المستوى تحسبه أحد السفراء أو أحد كبار رجال الأعمال ولو عقد أى إنسان مقارنة بينى وبينه أكون أنا الجرذ ويكون هو القط.. وقناعتى أننى الشخص غير المعنى، ولكن حدث غير ذلك.. وقف أمامى مباشرة وقال بلهجة شامية:
- أستاذ وحيد...
ومع قليل من الارتباك قلت نعم.. وإذا بالرجل يندفع مرحباً مبدياً إعجابه بأفلامى السينمائية وأنه شاهد فيلم الإرهاب والكباب أكثر من خمس مرات... و... و... والحقيقة أننى سررت، وطربت لذلك.. هناك من عرفنى فى لندن وهو رجل أبهة بالتأكيد إن له شأناً عظيماً وكان على أن أرد على هذا الترحاب بما يليق، وسألته أن يعرفنى بنفسه، فذكر اسمه، ولما سألته عن عمله ازدادت ابتسامته اتساعاً، وقال بكل هدوء وثقة:
«معرص» وجاى أعرض عليك خدماتى..
لا حياء.. ولا خوف من فضيحة.. ولا إحساس بكرامة أو شرف.. وهكذا قوادو السياسة الذين ينتشرون على الساحة السياسية فى مصر الآن.. الوطن بالنسبة لهم سبوبة يجب التصرف فيها بأى شكل وقبض العمولة. الفرق الجوهرى والوحيد بين القوادين فى مجال الدعارة ومجال السياسة أن النوع الأول لا يحمل فكراً من أى نوع، أو يدعى الحكمة والوطنية.. أما النوع الثانى فحدث ولا حرج كل منهم أطلق على نفسه الصفة التى يخدع الناس بها.. هذا خبير.. وهذا محلل.. وهذا ناشط.. وهذا لديه حزب مقره شقة من حجرة وصالة وحمام ومائة شخص أو يزيد تؤويهم الشقة بدلاً من المقهى.. والأمثلة كثيرة..
هؤلاء يعملون على زيادة هزات الارتعاش عند الحكومة ويدمرون عقول الناس عن عمد، والأمر المحير أننا كنا نثق فى عدد غير قليل، ونراهم على قدر كبير من الوطنية، إلا أن الأيام كشفت لنا عن مفاجآت لا يدركها أو يستوعبها صاحب عقل سليم.. أحد المرشحين السابقين لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية الماضية، والذى لم يتمكن من الحصول على خمسين ألف صوت وربما أقل.. زعم بأن القوات المسلحة لن تسمح له بالترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة لأنهم يعلمون أنه سوف يقوم بتغيير جميع قيادات القوات المسلحة ويستعين بقيادات شابة.. سلامتها أم أحمد.. حضرته فاكر إن القوات المسلحة فريق كرة سلة فى ناد رياضى.. ولا يعرف بسلامته أن الجيوش تعتمد على الكفاءة والخبرة والدراية وحُسن التدريب والولاء التام للوطن.. ولكن لأنها «هيصة» فالكل يثرثر ويبغبغ كما يشاء.. هذا البنى آدم يعلم تماماً أنه لو استوفى شروط الترشح وأراد طرح نفسه من جديد فلن يمنعه كائن من كان لا جيش ولا شرطة ولا جن أحمر..
ولكنه التنطع وضيق الأفق وانتفاخ الذات، ومع هذا فإن مصيبة هذا الرجل أخف من مصائب أخرى، فالأخطر من التنطع هو النفاق خاصة نفاق الحكام والأقوياء وكل صاحب سلطة ونفوذ.. وحقيقة الأمر أن النفاق متأصل فى نفوسنا ونتعامل معه على أنه جزء من تراثنا وثقافتنا حتى إننا نتعلمه فى المدارس، وتأملوا قصائد أعظم الشعراء فى مدح الخلفاء والسلاطين على مر العصور.. ورحم الله المتنبى والبحترى وابن الرومى وغيرهم كثير فى زمن الخلافة.. أما فى هذا الزمان فلا يوجد حاكم إلا وكانت حوله كتائب من المنافقين تتنافس فيما بينها، وأذكر أن فى مصر المحروسة شخصيات نحمل لها كل الاحترام مدحت الملك فاروق منهم الشاعر الكبير أحمد شوقى حيث أنشد..
فاروق يا أذكى نبات الوادى.. ولمحة الآباء والأجداد
ويا مناط العهد من فؤاد.. إلى اليد المأمولة الأيادى
وأيضاً العقاد وهيكل وعلى محمود طه وحسن البنا، وغنى له عبدالوهاب وأم كلثوم، حتى إن بعض علماء الدين زعموا أن نسبه يمتد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القادم إلينا من دول البلقان، ونفاق عبدالناصر والسادات ومبارك وحتى مرسى فاق كل حد، خاصة مع تقدم وسائل الإعلام وتطورها وأنا شخصياً لا أخشى أهل النفاق، ولكن أخشى على الذين يتم نفاقهم، فكم أفسد النفاق رجالاً كانوا كالجبال فى صلابتهم، ونقلهم النفاق من حال إلى حال، بالتأكيد ليس أفضل من الحال الذى كانوا عليه..
ونحن نعرف وبالاسم عواجيز السياسة والرأى الذين رقصوا أمام عبدالناصر وصولاً إلى محمد مرسى.. نفس الرقصة وذات الإيقاع.. ونجوم الجيل الحالى الذين دقوا الطبول لمبارك فى زمانه هم الذين عزفوا الألحان أمام مرسى وإخوانه وعندما ذهبوا إلى غير رجعة جاء الدور على «الفريق السيسى» والرجل الآن صاحب شعبية لا تنكر بفضل انحياز الجيش للمطالب الشعبية، والتى عجلت برحيل جماعة الشر والسوء.. والرجل يستحق كل التقدير والاحترام ولكن ليس النفاق الذى يمارسه البعض بفجاجة كالتى يمارسها الإخوان بالكتابات السافلة على جميع الحوائط والتى تحمل السباب والشتائم للرجل.. وفى هذا الشأن يتساوى الذى يشتم ويسب مع الذى ينافق، فكلا الأمرين يشكل إساءة للرجل.. ولا أحد يقدر على منع الهجاء ولا منع النفاق.. فحتى الآن لم نسمع أنه تم القبض على شخص يلوث الحوائط بكل أنواع السباب.. ولم يستنكر أى شخص هذا النفاق المفضوح.. والعقلاء الأذكياء يعرفون كرسى السلطة «أى سلطة» لا تحمله أربعة أرجل وإنما أربعة شياطين، والدليل على ذلك أن الصغار الذين تبوأوا سلطات صغيرة تغيرت أحوالهم وتبدلت وأصبحوا مجرد خدم لأصحاب كل سلطة أعلى، وغابت تماماً كل الشعارات بل والأفعال التى كانت تنحاز للحق والعدل والحرية وصاروا كالألوان الباهتة.. وهكذا الدنيا تسير!!..
ونعود إلى الفريق عبدالفتاح السيسى والإشكالية القائمة الآن.. هو بالنسبة للجماعة وأنصارها ومحبيها وداعميها مطلوب ميتاً، والتيار السلفى بالتأكيد ليس من أنصاره وإن زعم غير ذلك.. «كده على بلاطة» وفى أى لحظة يمكن أن ينتفض ضده، أيضاً الرجل ليس على هوى كل السادة الذين يخططون لخوض معركة الرئاسة، نظراً لوجود احتمالات قوية بأن يخوض المعركة.. وقد يقول قائل إنهم عدة أفراد وأقول إن لهم أنصاراً ومؤيدين لا يمكن إنكارهم أو التقليل من شأنهم.. وهم جميعاً يعلمون أن «السيسى» سيكون المنافس القوى والذى يخشى منه، وهؤلاء فريقان.. فريق لا يريده رئيساً ولا حتى وزيراً ويرجو له الاختفاء، وفريق يرى استمراره وزيراً للدفاع لأن الضرورة تقتضى ذلك، وقد قالوا فى الأمثال لا تناقش الأحمق لأن الناس لن تعرف من هو الأحمق ومن هو العاقل.. الجيوش فى كل بلاد الدنيا تتطور وتجدد نفسها فى كل المجالات ولا تظل ثابتة على حالها..
وهذا التجديد يشمل الرجال والمعدات والأسلحة وأساليب التدريب، وبالتالى فإن أى قائد عسكرى لا يستمر فى موقعه أكثر من ثلاث سنوات، وفى حالات نادرة حرصاً على قوة الجيش أولاً وأخيراً، وأعتقد أن مصر بالتحديد قد تأثرت بوجود المشير طنطاوى وزيراً للدفاع لمدة عشرين عاماً أو يزيد، وقوة الجيش وتحديث المعدات وتجديد القيادات مسألة يعرف قدرها أساتذة العلوم العسكرية.. وأنا أدعو أصحاب العقول إلى إعمالها.. من هو الرئيس المنتخب الذى سيبقى «السيسى» وزيراً للدفاع أسبوعاً واحداً بعد أن يقسم اليمين.. فلو كان الرئيس القادم ضعيفاً فسوف يتخلص من الرجل خوفاً منه.. ولو كان الرئيس القادم قوياً فسوف يتخلص منه لأن وجودهما معاً معناه الصراع..
وعليه فإن استمرار وزير الدفاع الحالى فى منصبه بعد انتخاب الرئيس الجديد خدعة لا يمكن القبول بها.. وعليه فإن الرجل بعد أن صار زعيماً بحق وصدق بالنسبة لقطاع كبير من الشعب المصرى، إما أن يخوض معركة الرئاسة شأنه شأن الآخرين.. وإما أن يكتفى بما فعله من أجل مصر ويعيش فى الأذهاب بطلاً ومخلصاً وزعيماً.. أما الجيش المصرى فلا خوف عليه إطلاقاً إنه صانع القادة الأكفاء أصحاب الهمة والعزيمة.. علينا أن نتذكر أسماء مثل الفريق فوزى والفريق عبدالمنعم رياض وأحمد إسماعيل والجمسى والشاذلى وأحمد حمدى والرفاعى وأيضاً حسنى مبارك قائداً ومقاتلاً، فمن العار أن نغفل حقيقة أو نسقط تاريخاً..
وأيضاً الفريق مدكور أبوالعز وأبوغزالة ولو استعرضنا أبطال القوات المسلحة الأحياء منهم والأموات فإننا نرفع رؤوسنا عالياً شاكرين المولى عز وجل الذى أعطانا مثل هؤلاء الرجال.. والآن وليس الأمس تحفل القوات المسلحة بحشد هائل من القادة الأكفاء أصحاب القدرات القتالية والعسكرية القادرة على حماية الوطن وليس «السيسى» وحده.. ثم إن الجيش يضم كل فئات الشعب المصرى بكل أطيافه وأداء الخدمة العسكرية واجب على كل مصرى، ولا يمكن أن ينسلخ الجيش عن شعبه أو ينسلخ الشعب عن جيشه.. أفيقوا يرحمكم الله...!!
خارج السياق
القاهرة والجيزة وسائر المدن المصرية أصبحت محتلة بالقبح والقذارة والتسيب بعد أن زحفت العشوائيات التى كانت تحيط بهذه المدن إلى داخلها، وتم الاعتداء والسطو على كل ما هو عام وخاص، غزوات همجية سحقت كل ما هو حضارى وإنسانى، وأصبحت الشوارع فى قبضة البلطجية الذين استخفوا بالدولة العاجزة، فأصبحت إرادتهم فوق إرادتها، والذى يتفقد أحوال المدن يصاب بالهلع والفزع ويتمكن منه اليأس فى عودة هذه المدن إلى ما كانت عليه لا سيما أن الفوضى هى التى تحكم الآن.. ولذلك لا أعجب ولا أندهش من جميع فنادق القاهرة نسبة الإشغال فيها مؤسفة وعدد غير قليل مغلق تماماً، فالمدينة أصبحت عصية على السائح وعلى المواطن الذى يسكنها إذا أراد الإقدام على مغامرة الخروج.. وفى تقديراتى المتواضعة أن فرض النظام وأعمال القانون وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه ليس فى خطورة مواجهة الإرهاب والقلاقل التى تحدثها جماعة الإخوان.. ولا أعتقد أن جميع المدن المصرية فيها مدينة واحدة يمكن الزعم بأنها محتفظة بطابعها وثوابتها الحضارية.. أما كيف وصلت المدن إلى هذه الحالة من التردى والانهيار فتكون الإجابة إهمال الدولة وعدم القدرة على النهوض بمسؤولياتها الفعلية، وكما أسلفنا هى تسلك سلوك «الغازية» عندما تضرب حمارها فيكون العقاب غير مؤثر أو فعال.. سوف تشهد المدن المصرية حرب شوارع حقيقية حتى تعود إليها كرامتها المفقودة ونظامها المفقود أيضاً.

Sunday, October 27, 2013

فقط لأنها ليست ولداً؟ بقلم د. نوال السعداوى ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم

يتصاعد النقد للحكومة الانتقالية اليوم (فى أواخر أكتوبر ٢٠١٣) لعجزها عن اتخاذ القرارات الحاسمة التى تفرضها الأحوال الاقتصادية والأمنية والقانونية والاجتماعية والتعليمية والثقافية الهابطة الموروثة من النظام السابق الساقط، وهو نقد مهم ومطلوب يذكرنا بما حدث بعد ثورة يناير ٢٠١١ وسقوط مبارك فى ١١ فبراير.. تولى حكم مصر المجلس العسكرى وحكومات تكنوقراط مع ممثلى الأحزاب الجديدة ، وثبت فشل الجميع فى تحقيق أهداف الثورة أو تمهيد الطريق لتحقيقها، وبالمثل تفشل الحكومة الانتقالية الحالية، لسبب بسيط: أن أغلب أفراد هذه الحكومات والأحزاب التى تكونت بعد الثورة لم يكن لهم علاقة بالثورة «المجيدة» إلا إعلامياً وخطابياً، وقد اتبعوا الأسلوب التكنوقراطى البيروقراطى لتطبيق القانون القديم تحت اسم الشرعية الدستورية والحفاظ على الدولة، رغم أن الثورة تعنى تغيير نظام الدولة واتباع الشرعية الثورية لوضع الأسس للنظام الجديد سياسياً واقتصادياً وقانونياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً وأخلاقياً، وإصدار ما يحقق ذلك من دستور جديد وقوانين وقيم جديدة.
السياسة لا تستطيع تجاوز الممكن والمتاح، وتقوم على التنازلات عن المبادئ الثورية (على رأسها العدل) للتوفيق بين مصالح الأحزاب السياسية والدينية المتنافسة فى الساحة.
إذا نظرنا إلى هذه الأحزاب نجد أن أغلبية الشعب خارجها، مثلا النساء نصف الشعب خارج هذه الأحزاب (لا يسمح القانون بتكوين حزب للنساء) ولهذا يتم التضحية بحقوقهن من أجل إرضاء أحزاب أخرى لا تمثل إلا قلة صغيرة مسيطرة بالمال والإعلام.
الأقباط أيضاً خارج الأحزاب (لا يسمح القانون بتكوين حزب للأقباط) ولهذا يتم التضحية بحقوق الأقباط فى لعبة التوازن بين القوى السياسية، لماذا يسمح بتكوين حزب سلفى إسلامى ولا يسمح بتكوين حزب قبطى؟
ويتم التضحية بحقوق الفقراء، عمال وأجراء وفلاحين، لعدم وجود أحزاب لهم.
لو تأملنا الأحزاب المتنافسة فى الساحة المصرية نجد أن أغلبها من رجال الطبقة الوسطى والعليا وأصحاب الأعمال، ويدور الصراع السياسى بين هؤلاء الرجال وأغلبية الشعب يتفرج عليهم.
لو نظرنا إلى الوجوه فى لجنة الخمسين ماذا نرى؟
أغلبهم رجال كهول وشيوخ من الطبقتين العليا والوسطى وأصحاب الأعمال والمهن الحرة ورجال الجامعات الأكاديميين، وقلة قليلة من النساء.
فى جريدة الأهرام (٢٤ أكتوبر ٢٠١٣) صورة لمن يسمونهم القوى الثورية والرموز الوطنية، ماذا رأينا؟ صفوف رجال كهول بالبدل الأنيقة والكرافتات الملونة ولا يوجد بينهم إلا امرأة شابة شقراء ترتدى نظارة سوداء وفتاة سمراء حسناء شعرها طويل أسود، وصورة أخرى لرئيس الوزراء يلامس بيده الحنون رأس شقيق الطفلة مريم التى قتلها الاعتداء الإرهابى الإسلامى على كنيسة الوراق.
كانت السيدة الأولى (فى عهد السادات ومبارك) تزور المصابين فى المستشفيات وتوزع عليهم البونبون.
ويقول الناس: كم مرة طالبت الحكومة الأقباط بضبط النفس واليوم يطالب الأقباط الحكومة بضبط الجناة.
وتنشر الأهرام (فى ٢٤ أكتوبر) أن تحقيقات النيابة كشفت عن أن الجنود المكلفين بتأمين كنيسة الوراق لم يحضر أحد منهم منذ ١٤ أغسطس الماضى.
أطلق الرئيس المؤمن (السادات وصديقه ريجان) العنان للإخوان والتيارات الإسلامية الأصولية التى توجه ضرباتها للأضعف سياسياً (النساء والأقباط)، أعوان الحكم من المشايخ ورجال الدين غرسوا كراهية النساء والأقباط على مدى العقود الأربعة الماضية، يكرهون المرأة لكونها امرأة، أما القبطى فهو مكروه فقط بسبب دينه،
الطفلة التى شنقها أبوها بحبل علقه بالسقف لأنها لم تنظف الشقة (المصرى اليوم ٢٤ أكتوبر ٢٠١٣) لو كانت ولداً لما شنقه ولما طلب منه تنظيف البيت.

Saturday, October 26, 2013

بقلم د. وسيم السيسى ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٣ السيد/ رئيس الجمهورية بالمصرى اليوم

أرجو أن تقبلوا استقالتى من لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية لسنة ٢٠١٣م للأسباب الآتية:
١ - بعد حوارات صعبة توصلنا «نحن الأعضاء» فى لجنة المقومات الأساسية لوصف مصر بأنها دولة مدنية ذات سيادة... إلخ «مادة ١»، وقد وافق على هذا التعريف عشرة أعضاء مقابل أربعة أعضاء، فإذا بى أفاجأ بأن لجنة الصياغة المكلفة بصياغة ما تتوصل إليه اللجان الفرعية، حذفت كلمة مدنية، منحازة للأقلية «أربعة أعضاء» ضد الأغلبية عشرة أعضاء.
٢ - إن ثورة ٣٠ يونيو تلغى دستور ٢٠١٢ وبالتالى يصبح باطلاً.. وما بُنى على الباطل.. فهو باطل، وهذا يعرِّضنا إلى المساءلة القانونية فى المستقبل.
٣ - أين نجوم القانون الدستورى يا سيادة الرئيس؟ أين إبراهيم درويش، ونور الدين فرحات، وتهانى الجبالى، ويحيى الجمل... إلخ؟!
٤ - كان عدد أعضاء لجنة «الأشقياء» لدستور ١٩٢٣ ثلاثين عضواً، وعدد أعضاء لجنة دستور ١٩٥٤ خمسين عضواً حين كان تعداد مصر ثلاثين مليون نسمة، والآن نحن تسعون مليوناً، أفلا تكون لجنة دستور ٢٠١٣ مائة وخمسين عضواً على أقل تقدير؟!
٥ - تقولون هناك خمسون عضواً احتياطياً! وعند التأمل نجد أنها كلمة لا معنى لها! اعتذر أحدهم من حزب النور، كما مات أحدهم فى حادث أليم، فلم يعوض هذا الاحتياطى شيئاً، ألم يكن من الأوفق والأدق أن نستبدل كلمة «احتياطياً» بـ«موازى»!
٦ - صحيح أن أعضاء الاحتياطى هذا يدلون بآرائهم، ولكن لا صوت لهم؟! وهل من المعقول أن رواداً للفكر على سبيل المثال: عبدالمعطى حجازى، المخزنجى، آمنة نصير، نهاد أبوالقمصان، ناصر أمين، ناجح إبراهيم، نجيب أبادير، صفاء زكى، إبراهيم عيسى، وحيد حامد.. لا صوت لهم، وهم الذين يملأون الدنيا فكراً وعلماً؟! وماذا كان يحدث لو أن هذه اللجنة كانت تسمى لجنة المائة بدلاً من لجنة الخمسين؟! وكلهم يكون لهم حق التصويت!
٧ - كيف يمنع الأعضاء الاحتياطيون من حضور مناقشة المسودة الأولية للدستور، والمواد التى تم الانتهاء منها باللجان الفرعية، بينما نجد نص المادة واحد من القرار الجمهورى ٥٧٠ لسنة ٢٠١٣ يقول: يشارك الأعضاء الاحتياطيون فى مناقشات اللجنة ولجانها الفرعية دون أن يكون لهم حق التصويت؟! هذا القرار يوضح أن الأعضاء الاحتياطيين هم مكون من مكونات اللجنة التأسيسية بموجب قرار جمهورى منشئ لها.
٨ - طالما تحدثت فى لجنة المقومات الأساسية، واللجنة العامة على الهواء أن سر الفشل هو محاولة إرضاء كل الناس، وأن كلمة مدنية معناها: ليست عسكرية ولا دينية ولا علمانية، فكلمة مدنية Civil، وكلمة علمانية SECULAR أى أن رجال العالم يحكمون وليسوا رجال الدين!
وطالما شرحت أن: الإسلام دين الدولة «مادة ٢» كانت مادة ١٤٩ فى دستور ١٩٢٣، ثم مادة ١٩٥ فى دستور ١٩٥٤، وأن هذه المادة وضعها الإنجليز «الملك فؤاد، والمفتى محمد بخيت» خوفاً من الشيوعية، وزاد عليها السادات ١٩٧١ «ومبادئ الشريعة.. إلخ» فهى مادة الخوف من الشيوعية، والمجاملة للإخوان!
كما طالبت بتعديل «المادة ٣» إلى غير المسلمين بدلاً من المسيحيين واليهود.. كل هذا ذهب هباء.. وشعار اللجنة: قل ما تريد ونحن نفعل ما نريد!
طلب الخليفة العباسى من أبى العلاء أن يكون له ناصحاً ومشيراً، فرد عليه: قالوا عنى عالم، والقائل بهذا هو الظالم... إلخ، فلما سألوه: لماذا استقلت «اعتذرت»؟ قال: توحد؟ فإن الله ربك واحد.. وابعد عن عشرة الرؤساء!
أرجو يا سيادة الرئيس أن تقبلوا استقالتى فأنا علائى المذهب، وفقكم الله إلى تقدم وسلامة مصر.


Friday, October 25, 2013

التاريخ الحقيقي للحروب الصليبية ترجمة: مايكل رأفت تنويه




 المقال مترجم وهو لا يُعبر بالضرورة عن رأي ناقله بل يعبر عن رأيي صاحبه في 
الأساس... وقد تتفق الأراء وقد تختلف عنوان المقال الأصلي: What the Crusades were really like? لم يكن الصليبيون مجرد معتدين بلا أى دافع , قتلة جشعين أو مستعمرين من القرون الوسطى , كما يصورون دائما فى بعض كتب التاريخ . توماس مادين Thomas Madden, الذى يشغل كرسى قسم التاريخ فى جامعة سانت لويس و مؤلف كتاب " التاريخ المختصر للحملات الصليبية A Concise History of the Crusades" يثبت أن الصليبيين فى الحقيقة لم يكونوا سوى مجرد قوات دفاعية لم يستفيدوا من حملاتهم بأى أراضى أو أموال أو مكاسب أرضية . في الحقيقة يؤكد توماس مادين ان الحروب الصليبية لم تكن سوى حروب دفاعية , لا حروب لأجل الأستعمار. قد شارك "مادين" مع وكالة زينيت[1] في مناقشة أكثر تلك الأساطير شيوعًا عن الحملات الصليبية و الأثباتات التى عثر عليها حديثا والتى تثبت زيفها. ودار اللقاء مع مايدن في صورة مجموعة من الأسئلة التي يجيب عليها، وها هو اللقاء: (تابع بالأسفل) س : ما هى أشهر تلك الأعتقادات الخاطئة عن الحملات الصليبية و الصليبيين ؟؟ مادين : أشهر الأساطير الشائعة عن الحملات الصليبية هى التالية : الأسطورة الاولى : الحملات الصليبية كانت حملات أعتدائية بلا أى سبب ضد العالم الأسلامى الوديع . و هذه المقولة خاطئة الى أقصى درجة . فمنذ أيام محمد , وضع المسلمين نصب أعينهم دائما غزو العالم المسيحى . و قد أدوا عملا جيدا بصدد هذا أيضا , فبعد عدة قرون من الغزو المستمر , أستطاعت جيوش المسلمين أن تغزو و تسيطر على شمال أفريقيا بالكامل , الشرق الأوسط , أسيا الصغرى و معظم أسبانيا. بمعنى اخر , بحلول القرن الحادى عشر كانت القوات الأسلامية قد أوقعت بثلثى العالم المسيحى . فلسطين , موطن يسوع المسيح , مصر مهد الرهبنة المسيحية , أسيا الصغرى التى زرع فيها القديس بولس الرسول بذور المجتمعات المسيحية الاولى - هذه الأماكن و البلاد لم تكن مجرد أطراف ثانوية للمسيحية بل قلبها . و لم تكن الأمبراطورية الأسلامية أنتهت بعد - من توسعاتها - ولكن قد بدأت فى الضغط غربا نحو القسطنطينية , و تخطتها فى النهاية متجهة الى داخل أوروبا نفسها . فكان الأعتداء الذى بلا أى سبب يأتى من الطرف الأسلامى حصرا. فكان على المتبقى من العالم المسيحى فى لحظة ما ان يدافع عن نفسه و الا أستسلم ببساطة للغزو الأسلامى. الأسطورة الثانية : كان الصليبيون يلبسون صلبان , ولكنهم فى الحقيقة كانوا يهتمون فقط بالأستيلاء على الغنائم و الأراضى فكانوا يتخذون شكلهم المتدين الورع كغطاء لجشع لا حد له. أعتقد المؤرخون ان أرتفاع معدل السكان فى أوروبا ادى الى نشوء أزمة وجود الكثير من النبلاء الذين قد تربوا ونشئوا فى جو من الفروسية و صناعة الحرب , ولكنهم لم يكن لهم اى أراضى أو أقطاعيات من الممكن أن يرثوها . لذلك كانت الحملات الصليبية " صمام امان" بأرسال هؤلاء الرجال المحاربين بعيدا عن اوروبا الى الاماكن التى يستطيعون فيها ان يحصلوا على الكثير من الأراضى لأنفسهم على حساب الأخرين ( غير الأوروبيين) . الدراسات الحديثة - فى ظل وجود قواعد البيانات المحوسبة و بمساعدتها - قامت بنسف تلك الأسطورة . نحن نعلم الأن ان من قاموا بالأستجابة لنداء البابا فى سنة 1095 كانوا من النبلاء الذين يمتلكون الأراضى و الأقطاعيات فعلا -كما هو الحال فى الحملات الصليبية الأخرى اللاحقة . تكوين و أطلاق الحملات الصليبية كانت عملية مكلفة للغاية, و قد أجبر الأعيان و العظماء على بيع أو رهن اراضيهم لكى يوفروا التكاليف اللازمة للحملات . و كان معظمهم أيضا لا يهتمون بان يحصلوا على ممالك تقع فى ما وراء البحار . و كما هو حال الجنود اليوم , كان جنود الحملات الصليبية فى العصور الوسطى فاخورين بتأديتهم لهذا الواجب و لكنهم أشتاقوا كثيرا للرجوع الى مواطنهم . بعد النجاح الساحق للحملة الصليبية الاولى , التى أسفرت عن وقوع أورشليم و معظم اجزاء فلسطين فى يد الصليبيين .قام الصليبييون بالرجوع فعليا الى أوطانهم ما عدا قلة قليلة بقيت لكى تؤمن و تحكم الأراضى التى تم السيطرة عليها حديثا. كانت الغنائم أيضا نادرة , فى الحقيقة , على الرغم ان الصليبيين بلاشك حلموا بالثروة الكبيرة التى كانوا سوف يحصلون عليها فى المدن الغنية كثيرة الثروة التى تقع فى الشرق , و لكنه فعليا لم تستطع - تلك الغنائم - ان تعوض تكاليفهم الباهظة التى تكلفوها . و لكن الاموال و الأراضى لم تكن هى السبب الأول فى أطلاقهم لحملاتهم , لقد ذهب الصليبيين فى تلك الحملات أولا لكى يكفروا عن خطاياهم و يكسبوا الخلاص بعمل أعمال صالحة فى أرض بعيدة عن مواطنهم . لقد تحملوا هذه التكاليف الباهظة و الصعوبات لأنهم قد امنوا أنهم بمساعدتهم لأخوتهم و اخواتهم المسيحيين فى الشرق كانوا يدخرون كنوزا لا تصدأ ولا يفسدها السوس. لقد كانوا واعين بقول المسيح انه من لم يحمل صليبه لم يكن مستحقا له . و تذكروا أيضا انه " لا حب أعظم من هذا ان يضع الأنسان نفسه لأجل أحبائه" . الأسطورة الثالثة : عندما دخل الصليبيين أورشليم فى عام 1099 قاموا بذبح كل رجل و أمرأة و طفل فى المدينة حتى وصل الدم الى كعوب الأقدام. هذه المقولة هى المفضلة لبيان الطبيعة الشريرة للحملات الصليبية انه صحيح بكل تأكيد ان كثير من الناس الذين فى أورشليم قد قتلوا بعدما اوقع الصليبيين بالمدينة . و لكن هذا ينبغى ان يفهم فى سياقه التاريخى . المعايير الأخلاقية التى كانت مقبولة فى حضارات أوروبا ما قبل الحداثة و كذلك حضرات أسيا كانت تعتبر المدينة التى قاومت محاولات الأستيلاء عليها و فتحت عنوة ملكا للقوات المنتصرة , و هذا لا يشمل المبانى أو البضائع فقط لكن البشر أيضا , ولهذا كانت أى مدينة أو اى حصن (تحت الحصار) ينبغى ان يقيم أذا كان سوف يصمد فى مواجهة المحاصرين . فأذ لم يكن , كان من الحكمة ان تتم مفواضات على شروط الأستسلام . فى حالة أورشليم , قاوم المدافعون عن المدينة حتى النهاية , لقد حسبوا أن أسوار المدينة الهائلة المنيعة سوف تمنع الصليبيين من دخول المدينة حتى تأتى قوات التعزيزات من مصر , و لكنهم كانوا على خطأ . عندما سقطت المدينة , قتل الكثيرين , و لكن هناك أيضا من تم أفتدائهم أو تركوا أحرار . بالمقاييس الحديثة ربما تبدو تلك الأمور وحشية . و لكن هانك من الرجال و النساء و الاطفال الذين لا ذنب لهم يقتلون فى الحروب الحديثة أكثر بكثير من الذين يتم قتلهم بالسيف فى يوم أو أثنين , انه لا يسوى الكثير لو كان الناس الذين فى تلك المدن المسلمة التى أستسلمت للصليبيين قد تركوا بدون أذى و أرجعت لهم ممتلكاتهم و تركوا يمارسون معتقادتهم الدينية بحرية . أما بالنسبة للشوارع الغارقة فى الدماء هذه , لا يوجد أى مؤرخ يقبل هذا الخبر أكثر من أنها مبالغة أدبية , أورشليم مدينة كبيرة , كمية الدم اللازمة لملئ الشوارع كلها بالكامل و لعمق ثلاثة أنشات سوف يتطلب قتل الكثير من الناس أكثر من الذين يعيشون فى المنطقة كلها و ليست المدينة فقط . الأسطورة الرابعة : الصليبيون كانوا مجرد مستعمرين من العصور الوسطى متسترين برداء الدين . من المهم ان نتذكر ان فى العصور الوسطى لم تكن الحضارة الغربية هى تلك الحضارة القوية المسيطرة التى تستأسد على منطقة بدائية متخلفة . بل كان الشرق الأسلامى هو الأكثر قوة و ثراء . لقد كانت أوروبا هى العالم الثالث وقتها . الدويلات الصليبية التى تكونت على أثر الحملة الصليبية الاولى لم تكن لكى تزرع الكاثوليك فى وسط العالم الأسلامى على غرار الأستعمار البريطانى لأمريكا , الوجود الكاثوليكى فى تلك الدويلات الصليبية كان دائما تواجد قليل و محدود , أقل من 10 % عدد السكان . هؤلاء كانوا الحكام و القضاة بالأضافة الى التجار الأيطاليين و ذوى الرتب العسكرية. لقد كانت الأغلبية الساحقة من السكان فى تلك الدويلات الصليبية من المسلمين . لم تكن تلك الدويلات مستعمرات بقصد زرع الكاثوليك فى الشرق الأسلامى ولا حتى ك "مصنع" للكاثوليك كما كان الحال فى الهند بل كانت مجرد قواعد صليبية, , لقد كان الهدف الرئيسى لنشوء تلك الدويلات الصليبية هو الدفاع عن الأماكن المقدسة فى فلسطين ,خاصة أورشليم . بالأضافة الى توفير جو من الأمان للحجاج المسيحيين لكى يزوروا تلك الاماكن . لم تكن هناك لتلك الدويلات الصليبية دولة أم ترعى تلك الدويلات أقتصاديا , ولم يستفد الأوروبيين من تلك الدويلات أقتصاديا , بل على العكس كانت تكاليف الحملات الصليبية لكى تدعم الشرق اللاتينى أهدار حقيقى للموارد الأوروبية, و بما أن تلك الدويلات كانت مجرد قواعد عسكرية فقد ركزت بالأكثر على الشؤون العسكرية. عندما كان المسلمون يحاربون بعضهم البعض , كانت الدويلات الصليبية تلك فى أمان . و لكن بمجرد أن أتحد المسلمين أستطاعوا ان يفككوا القوات الصليبية و يبعثروهم و ان يستولوا على تلك المدن مرة أخرى و طرد المسيحيين منها نهائيا سنة 1291. الأسطورة الخامسة : لقد شنت الحملات الصليبية أيضا ضد اليهود . لا يوجد فى التاريخ بابا واحد دعى الى حملات صليبية ضد اليهود . خلال الحملة الصليبية الأولى قام عدد كبير من الرعاع - من الذين لا ينتمون الى القوات الأساسية للحملة - بالنزول الى قرى منطقة الراينلاند[2] وقرروا نهب و قتل اليهود الذين وجدوهم هناك . من ناحية , كان هذا مجرد جشع خالص , و من ناحية اخرى نتج هذا عن أعتقاد خاطئ ان اليهود بوصفهم صالبى المسيح , كانوا هدف شرعى للحرب . قام البابا أوربان الثانى و كذلك من أتى بعده من الباباوات بالتنديد و بقوة بتلك الهجمات على اليهود . كما قام الأساقفة المحليين لتلك المناطق و رجال الأكليروس الأخرين بالأضافة الى العامة بالدفاع عن اليهود , بالرغم من النجاح المحدود لتلك المحاولات . على نحو مماثل , أثناء بدايات الحملة الصليبية الثانية ,قام مجموعة من المارقين بقتل الكثيرين من اليهود فى المانيا قبل أن يدركهم القديس بيرنارد و يضع حد لهذا . هذه الحوادث المؤسفة غير المقصودة التى حدثت أثناء الحركة الصليبية كانت ناتج غير محمود للحماسة التى كانت تسود الحملات الصليبية . وكمثال فى العصر الحديث , قام مجموعة من الجنود الأمريكان خلال الحرب العالمية الثانية بأرتكاب بعض الجرائم بينما هم خارج البلاد فى حملات عسكرية , و لقد تم القبض عليهم و معاقبتهم كجزاء لتلك الجرائم و لكن هدف الحرب العالمية الثانية لم يكن يشمل أرتكاب تلك الجرائم . "التوتر الحالى بين الغرب و العالم الأسلامى لم تكن للحملات الصليبية فيه أثر يذكر" كما يقول أحد المؤرخين. س : هل تظن ان الصراع بين الغرب و العالم الأسلامى هو بشكل ما نتيجة للحملات الصليبية ؟ مادين : لا , ربما تكون هذه أجابة غريبة خاصة عندما نرى ان بن لادن و الأسلاميين الأخرين دائما ما يصفون الأمريكيين ب"الصليبيين". من المهم ان نتذكر انه خلال العصور الوسطى - و حتى السنين المتأخرة من القرن السادس عشر - كانت القوة العظمى بالنسبة للعالم الغربى هو الأسلام . كانت الحضارة الأسلامية حضارة ثرية , متطورة و قوية جدا . بينما كان الغرب متأخر و ضعيف نسبيا . كما انه جدير بالملاحظة , انه بأستثناء الحملة الصليبية الأولى , باءت كل الحملات الصليبية التى أطلقها الغرب بالفشل . ربما أبطئت الحملات الصليبية من التوسعات التى كان المسلمون يقومون بها , لكنها لم تنجح فى أن توقفها أبدا لقد أستمرت الأمبراطورية الأسلامية فى التوسع أكثر فأكثر فى المناطق المسيحية , فقامت بغزو البلقان , معظم أوروبا الشرقية بل حتى أكبر مدينة مسيحية فى العالم , القسطنطينية . من المنظور الأسلامى, لم تكن الحملات الصليبية شئ يستحق ان يلتفت اليه , حتى انه لو كنت سألت شخص ما فى العالم الأسلامى فى القرن الثامن عشر عن الحروب الصليبية , لم يكن ليعرف اى شئ عنها . لكنها كانت مهمة بالنسبة الى الأوروبيين , لأنها كانت جهود عظيمة ذهبت أدراج الرياح . و لكن , خلال القرن التاسع عشر , عندما بدء الأوروبيون فى غزو و أستعمار دول الشرق الأوسط , أعتبر الكثير من المؤرخين - خصوصا الكتاب القوميين و الملكيين الفرنسيين - ان الحملات الصليبية كانت المحاولة الأولى لجلب ثمار الحضارة الغربية للعالم الأسلامى المتخلف , بمعنى اخر , تحول شكل الحملات الصليبية الى مجرد حروب أستعمارية . هذه النظرة كانت تدرس فى المدارس التى أقيمت فى المستعمرات , و أصبحت نظرة مقبولة فى الشرق الأوسط . فى القرن العشرين , أصبحت الامبريالية شئ مكروه و معاب , فتمسك الأسلاميون و القوميون العرب بالنظرة التى كانت الأستعمار ينشرها بشأن الحملات الصليبية , مدعين ان الغربيين مسئولين عنها و عليهم ان يتحملوا ملامتها لأنهم بدؤا بالتحرش بالمسلمين منذ ذلك الحين. س : هل هناك تشابه بين الحملات الصليبية و الحرب ضد الأرهاب اليوم ؟ بجانب انه فى كل من الحربين كان الجنود يقاتلون لأجل هدف سامى أكبر من حياتهم , و أنهم تمنوا بشدة ان يعودوا الى أرض الوطن بعد أن يحققوا هذا الهدف , لا أرى تشابه أخر بين الحملات الصليبية و الحرب على الأرهاب . الدوافع التى وراء الحرب فى المجتمع العلمانى ما بعد عصر التنوير مختلفة بشدة عن الدوافع التى وراء الحملات فى العصور الوسطى . س : ما هو الفرق بين الحملات الصليبية و الجهاد الأسلامى ؟ مادين : الهدف الرئيسى من الجهاد الأسلامى هو توسيع رقعة "دار الأسلام" - الأراضى الأسلامية - على حساب "دار الحرب" ( البلدان الغير خاضعة للأمبراطورية الأسلامية) , بمعنى أخر , "الجهاد" هى حرب توسعية , هدفها هو غزو غير المسلمين و أخضاعهم للحكم الأسلامى . و من ثم تخضع الشعوب التى هزمها المسلمون لخيار بسيط , الذين لا ينتمون الى "أهل الكتاب" - المسيحيين و اليهود - أما أن يعتنقوا الأسلام أو يقتلوا , اما بالنسبة ل"أهل الكتاب" فأما ان يخضعوا للحكم الأسلامى أو يقتلوا . انتشار الأسلام أذن كان مرهونا بالنجاح العسكرى للجهاد الأسلامى . بينما الحملات الصليبية تختلف بشدة عن الجهاد الأسلامى فى هذا الشأن, فالمسيحية منذ نشأتها منعت دائما التحول القهرى اليها مهما كانت الأسباب . أذن , التحول خوفا من السيف و القتل , لم يكن مسموحا به فى المسيحية ابدا . على عكس الجهاد , لم يكن الهدف من وراء الحملات الصليبية هو توسيع رقعة العالم المسيحى أو نشر المسيحية بواسطة التحول القهرى . لقد كانت الحملات الصليبية رد فعل مباشر و متأخر زمنيا لقرون من الغزو الأسلامى للأراضى المسيحية . كان الغزو التركى لأسيا الصغرى بداية من سبعينات حتى تسعينات القرن الحادى عشر هو الحدث الرئيسى الذى أشعل فتيل الحملة الصليبية الأولى . دعى البابا أورلبان الثانى فى سنة 1095 للحملة الصليبية الأولى كأستجابة للأستغاثة العاجلة من الأمبراطور البيزانطى فى القسطنطينية . نادى أوربان فرسان العالم المسيحى لكى ما يساعدوا أخوانهم الشرقيين . لقد كانت أسيا الصغرى منطقة مسيحية , جزء من الأمبراطورية البيزانطية , بشرها القديس بولس الرسول . بينما كان القديس بطرس هو أول أسقف لأنطاكية . كتب بولس الرسول أيضا رسالته المشهورة الى المسيحيين من أهل أفسس . كذلك كتب قانون الأيمان فى مدينة نيقية . كل هذه الأماكن فى أسيا الصغرى . أستعطف الأمبراطور البيزنطى مسيحيى الغرب لكى يساعدوه فى أستعادة الأرض و طرد الأتراك . و قد كانت الحملات الصليبية هى تلك المساعدة التى قدمها مسيحيوا الغرب اليه . كان هدفهم ليس فقط أستعادة اسيا الصغرى , لكن أيضا أستعادة كل الأراضى المسيحية التى ضاعت نتيجة للجهاد الأسلامى , وهذه تشمل بالطبع الأراضى المقدسة . بإيجاز , الفروق الأساسية بين الحملات الصليبية و الجهاد الأسلامى هو أن الحملات الصليبية كانت حملات دفاعية ضد الجهاد الأسلامى . تاريخ الحملات الصليبية فى الشرق بأكمله هو رد فعل للعدوان الأسلامى . س : هل حقق الصليبيين أى نجاح فى تحويل العالم الأسلامى للمسيحية ؟ ميدين : أذكر انه فى القرن الثالث عشر , قام بعض الرهبان الفرانسيسكان بتنظيم أرسالية تعمل فى الشرق الأوسط لكى ما تحول المسلمين الى المسيحية . لكنها لم تلقى نجاحا , غالبا بسبب ان الشريعة الأسلامية تعتبر التحول الى ديانة أخرى جريمة كبرى . ولكن هذه المحاولة عمتا , كانت منفصلة عن الحملات الصليبية , التى لم تكن تهتم لتحويل أى شخص للمسيحية . كما أنها- تلك المحاولات - أعتمدت على الأقناع فقط , بدون اللجوء الى العنف . س : كيف برر العالم المسيحى هزيمة الحملات الصليبية ؟ مادين : بنفس الطريقة التى برر بها يهود العهد القديم هزيمتهم . الله قد منع الأنتصار عن شعبه لأنهم كانوا خطاة. و قد أدى هذا الى حركة تقوية كبيرة فى أوروبا هدفت الى تطهير المجتمع المسيحى بكل طريقة ممكنة . س : هل أعتذر البابا يوحنا بولس الثانى حقا عن الحملات الصليبية ؟ هل قام فعلا بأدانتها ؟ مادين : هذه أسطورة غريبة , لأنه قد تم أنتقاد البابا لأنه لم يعتذر بكلمات مباشرة واضحة عن الحملات الصليبية عندما سئل الغفران من كل الذين سبب لهم المسيحيون الأذى بغير وجه حق . لم يدن أبونا المقدس الحملات الصليبية , ولا أعتذر عنها . لقد أعتذر عن خطايا الكاثوليك فقط . لاحقا قد تناقل عن البابا يوحنا بولس الثانى انه قد أعتذر لبطريرك القسطنطينية عن غزو الصليبيين للقسطنطينية فى عام 1204 . فى الحقيقة , لقد كرر البابا يوحنا بولس الثانى ما قاله سلفه البابا أينوسنت الثالث ( 1198 -1216) . بأنه كان هناك الكثير من الأخطاء الغير مقصودة التى بذل هو الكثير لكى يتجنبها . لقد أعتذر يوحنا بولس الثانى عن خطايا الكاثوليك الذين أشتركوا فى الحملات الصليبية . لكنه لم يعتذر عن الحملات الصليبية نفسها ولا حتى عن نتائج الحملات .

لا تتركوهم يدفعون الثمن بقلم د. عمرو الشوبكى ٢٤/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم

طالب كثير من المصريين إخوانهم المسيحيين بالمشاركة فى الحياة السياسية، وأحيانا انتقدوهم بسبب عزلتهم عن المجتمع خلف أسوار الكنائس، وانشغالهم بهمومهم الطائفية أكثر من انشغالهم بهموم الوطن، إلى أن فاجأوا الكثيرين بمشاركتهم فى كل الانتفاضات التى واجهت حكم الإخوان حتى سقوطه، وأبهروا الوطن كله بتلك الإيجابية والوطنية الخالصة لصالح البلد لا الطائفة، ودفعوا ثمنا باهظا من حرق للكنائس واعتداء على البشر وكأن قدرهم أن يدفعوا فى كل الأحوال الثمن أكثر من غيرهم، سواء حين اتهموا بالعزلة تعرضوا لاعتداءات طائفية، وحين شاركوا فى النضال السياسى تعرضوا أكثر من غيرهم للاعتداءات الإخوانية.
وربما يكون الاعتداء الهمجى على كنيسة الوراق وسقوط أربعة شهداء، بينهم طفلة، يؤكد أن هناك استهدافا إرهابيا يتعرض له المسيحيون المصريون يجب مواجهته بكل حسم.
رسالة أحد المواطنين المسيحيين لى قبل جريمة الوراق بيومين كانت محزنة ومؤلمة فى الوقت نفسه، وهى عظيمة فى اللغة والمضمون، وفتحت جراحا علينا أن ننتبه لها جميعا إذا أردنا أن نبنى دولة قانون وعدل حقيقية.
«الكاتب الكبير الأستاذ الدكتور/ عمرو الشوبكى.. تحياتى لكم وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وبعد...
أكتب إليك ليس فقط باعتبارك كاتبا وسياسيا مرموقا، بل لأنك أيضا عضو بلجنة صياغة الدستور.
اسمى باسم رجائى عبدالشهيد، أعمل معلما بإحدى مدارس أسيوط. ما أكتبه إليك هو صرخة من القلب، صرخة ألم وحزن وغضب، أرجو أن ترفعها إلى المسؤولين، وإلى لجنة الخمسين، وإلى كل من بيده الأمر فى وطننا الحبيب. إنها صرخة مواطن مصرى تصادف أن يولد مسيحيا، فعاش بنفسه هموم الأقباط ومعاناتهم منذ أطلق السادات وحش التطرف ورعاه ليأتى على أخضر مصر ويابسها. يعلم الجميع أن البابا تواضروس لم يكن الشخص الوحيد الذى دعم بيان ٣ يوليو، كان هناك أيضا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وكذلك كان هناك نائب رئيس حزب النور. ومع هذا فإن الإخوان بعد فض اعتصاماتهم لم يحرقوا مقرا لحزب النور، ولم يقتربوا من أى معهد أو مدرسة أزهرية من تلك المنتشرة فى ربوع مصر. جامعة الأزهر فى بلدى أسيوط لم تمتد لها يد بأذى. البعض وجَّهَ نقدا شفهيا أو مكتوبا للإمام الأكبر، لكن شعارا واحدا ضد فضيلته أو ضد ممثل حزب النور لم يكتب على سور معهد أزهرى أو مقر لحزب النور. بالطبع لا أطالب بأن يوزع الإخوان شرورهم على الجميع، ولكننى فقط ألفت النظر إلى أن الحرق والتدمير والشعارات المهينة كانت كلها من نصيب الكنائس والمدارس ودور الحضانة ودور الرعاية الصحية المملوكة للكنائس، فضلا عن ممتلكات المسيحيين ومصادر أرزاقهم. هذا الاستهداف هو حصاد الكراهية التى بذر بذورها ورواها شيوخ معدودون من فوق منابرهم على مدار عقود، وهو استهداف يختلف عن استهداف إرهابيى الإخوان منشآت الجيش والشرطة، فالاعتداء على الجيش والشرطة عمل إجرامى خسيس ولا يمكن تبريره، لكنه مفهوم لكون الجيش والشرطة القوتين الوحيدتين القادرتين على ردع إرهاب الإخوان. ولكن غير المفهوم هو استهداف الأقباط لمجرد أنهم أقباط. مرشد الإخوان، الذى عز عليه يوما إيذاء النباتات، أطلق يد أتباعه فى التنكيل بالأقباط. أما الذين يحاولون تسويق فكرة أن الشرطة هى التى أحرقت الكنائس، فهم يسخرون من عقولنا أو يخاطبون جمهورا يعيش فى كوكب آخر. نحن يا سيدى الذين وقفنا فى شرفاتنا ونوافذ منازلنا فى أسيوط نراقب ألسنة اللهب وهى تلتهم الكنائس، ونشاهد سياراتنا فى الشوارع وهى تحترق، ونبكى على مصادر أرزاق الغلابة التى نهبت وأحرقت. نحن يا سيدى الذين خنقتنا سحب الدخان، وعشنا أياما هى الأطول فى أعمارنا خشية امتداد اللهب إلى منازلنا. نحن يا سيدى الذين أغلقنا على أطفالنا غرفا داخلية حتى لا تقع أعينهم على تلك الجرائم البشعة فتتشوه نفسيتهم أو تتأثر علاقتهم بأشقائهم من المسلمين. نحن فقط يا سيدى من يحق لنا تحديد هوية الجناة، لأننا نعرف أكثرهم ونطالع وجوههم يوميا، ونعرف بالتأكيد أنهم إرهابيو الإخوان والجماعات المسماة زورا الإسلامية. ويملؤنا القرف والغثيان والحنق عندما نسمع من يشكك فى هذه الحقيقة. إن كل تشكيك فى مسؤولية الإخوان وأتباعهم عن هذه الجرائم يمثل حرقا إضافيا لكنائس المسيحيين ومشاعرهم. لا أوجه كلامى للإخوان أو أتباعهم، إنما أوجه صرختى إلى من يتعاملون مع مبادرات المصالحة. لقد صدرت مبادرات كثيرة، إحداها صدرت عن قاتل سابق ورئيس حزب حالى، وأخرى صدرت عن كادر إخوانى ظل عاما ونيف يشيد بعبقرية مرسى، ثم عندما قرر الاعتذار جاء اعتذاره متأففا ومترفعا فوق جبال من التبريرات والمطالب، ثم كانت المبادرة الحكومية للدكتور زياد بهاء الدين، ثم سمعنا عن مبادرة الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، وبعدها سمعنا بالعودة إلى مبادرة الدكتور محمد سليم العوا. مبادرات كثيرة العدد وكثيرة البنود، لكن جميعها تخلو من بند واحد يخص الأقباط. الجميع يبحث عن صالح الإخوان ويشترى خواطرهم، ولا غضاضة فى ذلك لولا أننا لم نقرأ عن بند واحد يلزم المجرمين بالاعتذار للأقباط عن الحرق والتدمير الذى أصابهم دون ذنب جنوه سوى تصديقهم لخرافة أنهم مواطنون مصريون. لم نقرأ عن بند يلزم من أخطأوا فى حق الأقباط بالاعتراف بحقهم فى المواطنة، أو حتى حق أقباط دلجا وغيرها فى الذهاب إلى حقولهم. لم نسمع عن بند واحد يحظر على الإسلاميين وصف مظاهرة بأن معظمها أقباط، وهو الوصف الذى يترجم على الفور إلى أمر مباشر للقتلة باستهداف الأقباط دون سواهم. أوجه صرختى أيضا إلى لجنة الخمسين. المادة ٤٤ من دستور الغريانى تحظر التعريض بالأنبياء والرسل كافة، لكنها تسكت سكوتا تاما عن التعريض بأتباع الأنبياء، وتكفير أتباع الأنبياء، وإهانة رسالات الأنبياء. إن بلاغة (أفضل دستور عرفته البشرية) تتجلى أكثر ما تتجلى فى تلك المادة العبقرية، فهى تحدد واجبات الإرهابى ومسؤولياته. ليس على الإرهابى من قيد سوى ألا يتعرض لنبى بالشتم أو السباب، أما غير ذلك فأمامه أتباع ذلك النبى يفعل بهم ما يشاء، وأمامه رسالة ذلك النبى يقدح فيها من فوق منبره كيف شاء، ويحرض على أصحابها من ميكروفونه كيف شاء. لقد عاش المسيحيون يا سيدى أكثر من أربعين عاما مثل لعبة فى أقدام الحكام وأقدام تيار الإسلام السياسى. إذا غضب التيار الإسلامى على الحاكم وجه غضبه إلى الأقباط. وإذا أراد الحاكم الإفلات من ضغوط معارضيه غض الطرف عن تحرشهم بالأقباط. كثيرا ما اشتكى الإخوان من تعرضهم للاضطهاد، لكن أحدا منهم لم يعترف بأن هذا الاضطهاد كان ثمنا لتطلعهم إلى السلطة ومنافستهم للحاكم على النفوذ والامتيازات. أما الأقباط فيجرى اضطهادهم بلا ثمن. لم يعد الأقباط فى مصر يا سيدى يشعرون بأنهم بشر، هم مجرد وسائل يمتطيها كل طرف لتحقيق غايته. يستخدمهم الحاكم للضغط على الخارج، وتستخدمهم المعارضة الإسلامية للضغط على الحاكم، ويقدمهم الحاكم قربانا للإرهابيين كلما أراد أن يشغل الناس عن فساده. هذا الوضع المأساوى للأقباط يجب أن يحل فى الدستور الجديد. إن الأقباط لا يعولون كثيرا على ممثلى المسيحيين فى لجنة الخمسين، فأبرزهم ثلاثة قساوسة، وهؤلاء شاغلهم الأساسى هو ضمان أن يكون أمر تزويج وتطليق المسيحيين فى حوزة الكنيسة، وهو مطلب أدنى كثيرا من حقوق المسيحيين المصريين، التى يجب أن تصان فى الدستور القادم، وهى مسؤولية معلقة فى رقاب الخمسين دون استثناء، فهل يسمعون؟».
لا توجد رسالة أوضح من ذلك، فهل سنعى خطورة الموقف قبل فوات الأوان؟

البلد زااااااااااطت يا قوم بقلم إسعاد يونس ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم


■ تعقيباً على مقال الأسبوع الماضى وعلى أزمة السياحة وسرقة الآثار.. وصلتنى رسالة من مرشد سياحى زميل (مع فارق السن أكيد) يدعى يسرى سمير غلبان وحاله عدم من قطع العيش ووقف المراكب السايرة وخلو البلد من السياح.. يتمنى أن أتبنى مبادرته لدعم السياحة التى تدعو للإعلان عن فتح مقبرة الملك سيتى الأول فى وادى الملوك بالأقصر ومقبرة الملكة نفرتارى بوادى الملكات مجانا ولمدة شهر لكل زوار مصر.. ويمكن للأجانب كمان اللى عارفين قيمة المقبرتين دول.. وذلك فى وقت شتوى مناسب للجو فى الأقصر الغالية.. هذه المقابر مغلقة منذ زمن بدون سبب واضح، رغم تميزها بروعة محتوياتها ورسومها والقصص المعروضة على حوائطها وشهرتها العالمية.. هذه المبادرة يجب أن تكون مقرونة بحملة دعاية جيدة وممكن توصل لأنها تكون حدث عالمى بالنوسبة للناس اللى بيفهموا برضه.. وعلى فكرة هناك أعداد غفيرة من المصريين بيفهموا يعنى ويقدروا ثروة بلادهم الأثرية.. ويعتقد أن مبادرة أخرى من مصر للطيران بأن تخفض الرسوم التى تفرضها على الطيران التشارتر سيساعد كثيرا على نجاح هذا الحدث.. ويوضح أنه كان قد سبق له أن عرض هذه الفكرة على العديد من المسؤولين إللى إدوله الطرشة وتعللوا بأن تجهيز هذه المقابر للعرض مشكلة، ولكنه يؤكد من واقع خبرته العملية أن تجهيزها لن يستغرق أسبوعا واحدا لو الناس مخلصة وجادة.. أنا شخصيا لو سمعت عن مهرجان زى ده من خلال وسائل الإعلام حاروح فورا ومعايا كل معارفى.. أما عن تصوير هذا الحدث فحدث ولا حرج.. بس إنتوا هموا كده وصحصحوا.
• لا أدرى إن كانت هذه مصلحة أم لا.. فالبريد الإلكترونى الخاص بالزهقانين يحظى بمحبة غير محدودة.. تنهال عليه رسائل من كل صوب وحدب.. يالهوى على حدب دى.. قوية.. ميل مُرزق.. أصحو كل صباح لأتصفحه فأهنأ بالأردغانة اللى حاصلة فيه.. تصله رسائل من الأحبة القراء.. وتصله شكاوى من المكلومين والمقهورين، بحثا عن أى لمحة ضوء، وأملا فى إن العبدة لله تحاول إيصال الاستغاثة لأى مسؤول.. وقد تصله بعض رسائل اللطافة المشهور بها الأربع أصابع اللى طالعلها بنى آدمين.. وهذه تجعلنى أدخل فى إغماءة ضحك مبالغ فيها من كتر الهبل والهيافة واللغة الركيكة وحتى السباب العبيط.. وتصله أيضا رسائل من بعض الأشخاص الذين يكونون مجموعات من المعارف ليكتبوا إليهم نوعا من المقالات الدورية والتى يبدو أن أحدا لا ينشرها لهم.. ربما لأنها تعج بالكراهية للجيش والشرطة والقضاء والإعلام والشعب والعيشة واللى عايشينها.. فقرروا أن يصنعوا من هذه المجموعات قراء دائمين لهم ولو بالعافية.. حيث إن وصول رسائلهم إلىَّ يثبت أنهم يفعلون ذلك.. وكنت قد راسلت بعضهم طالبة رفعى من على قوائم مراسلاتهم، حيث إننى لست مهتمة ولا معجبة بهذا الكم من الهذى والهرتلة وأحيانا خفافة الدم الإخوانية المشهورة الباعثة على التبول اللاإرادى.. ولكن أبدا.. إصرار شديد على إشراكى فى مهرجان البلاهة هذا.
■ لكنه أيضا ولسبب لا أدريه يكتظ بمراسلات عجيبة غريبة من مجموعات من البشر المفروض أنها تخاطب بعضها فى دائرة مغلقة.. يعنى جماعات مشبوهة تخطط لهدم هذا الوطن.. وناس كارهة مصر وشعب مصر واللى خلفوا مصر.. وعمالة تتآمر فى الخباثة وتعطى أفرادها تعليمات ونصائح وأوامر بالتحركات.. حد مش ابن حلال منهم داسس عنوانى فى قائمة مراسلاتهم.. وفاتحلى نافذة على غرفهم السرية.. كل مرة أفتح فيها هذه الرسائل أتوقف أمامها متعجبة.. الناس دى بتورينى الكلام ده إزاى وهما عارفين توجهى وكرهى ومقتى الشديد لهم.. مش خايفين دول؟؟.. بيقولوا لبعض كلام كبير قوى.. طبعا بالمتابعة والمراقبة يتضح أن كله فشنك.. وأنهم يخططون الوهم فى رؤوسهم.. وأن التواريخ التى يحددونها لبعضهم البعض تمر مرور الكرام ويرجعوا يقولوا لبعض النصر قادم بإذن الله.. فاضل خطوة ونخلص من السيسى.. ويعدون بعضهم بالأمانى والورود يوم ما يقضوا على السيسى وينضفوا البلد من الشعب الخائن اللى ماليها على تمة عينها ده وتفضى عليهم.. أحيانا أقوم بتنظيف الميل من رسائلهم، لأنها لا تعنينى، وإن كانت تصيبنى بالاندهاش من القدرة الفذة على التخيل والتحليق فى عالم لا يمت للواقع بصلة.. ولكننى فى أحيان أخرى أحتفظ بها من باب ألا أنسى وجود هذه الكائنات فى حياة مصر.. ويمكن من باب إنى فى يوم من الأيام.. وبدون استئذان سأقرصن هذه الرسائل وأنشرها فى كتاب.. ويبقوا ييجوا يقاضونى.. على الأقل ساعتها حانعرف مين هما.
■ شاهدت فى أحد الفيديوهات الدكتورة منى مكرم عبيد تصل إلى مطار إحدى الدول بمفردها وقد التف حولها بتاع نفرين تلاتة كده رافعين علامة القىء الصفراء وقاعدين يتنططوا حواليها زى القرد أبو زمبلك هاتفين «يسقط حكم العسكر ورابعة» وبتاع.. والسيدة المحترمة تمشى فى طريقها محاولة الوصول لباب المطار ومعها شخصيتين تلاتة واضح إنهم حضروا لاستقبالها وبيحاولوا حمايتها لا نطع من دول يمد إيده ولا حاجة.. طب إنت لو مكانها تعمل إيه؟؟.. لأنها حتى لما قررت تستمر فى السير غير ملقية للأمر بالا.. فضل واد أسمر طويل وأهبل كده يتنطط فى وشها وكإنه بيقولها إلزقينى بالقلم على صداغى عشان أفرفر فى الأرض وأستموت زى المعزة الوالدة وأقول ضربتنى وأنا بهتف يابيه.. هل كانت تتوقف لتراقبه فى صمت لحد ما الزمبلك يفضى؟؟.. ولا لحد ما اليومية اللى قابضها تخلص؟؟.. ولا فعلا لحد ما تقلع اللى ف رجلها وتلبسهاله ف دماغه؟؟
■ حتى المعارضين للسيسى بدون سبب من باب لو بطلت أعارض أموت.. أو أفقد الفولوورز بتوعى على تويتر.. أو يوسف الحسينى حايبطل يجيب اسمى ف برامجه ويتريق عليا.. توقفوا طويلا طويلا أمام حديثه مع جنوده.. وشعروا بالخجل والحوسة من حكمته وعدله ومنطقه مع رجاله.. الراجل ده بيزنقهم كل زنقة والتانية.. وعليه استحقوا لقب «المزانيق».
■ البلد زاطت يا سادة.. يا سادة.. يااااااااااا سادة.. هل هناك من يسمعنى؟؟.. أو يسمعنا؟؟.. البلد زاطت.. واخدين بالكم ولا النظر عالقد والسمع يادوب؟؟.. رجعنا تانى للشعور بأن البلد مالهاش كبير.. والحكومة مالهاش مالكة.. والسلطة مرخرخة.. والقوانين أستك منه فيه.. خرج الموضوع عن مظاهرات لفئة ضالة تشعر بالحصار، وبأن البلد لفظتهم والناس كرهوا أبوهم واللى خلفوهم ومابقوش طايقين سيرتهم ولا مناظرهم.. أصبح الشعب كله فى جانب وقد كتب عليه أن يقف ليشهد فصولا من العبث وقلة الأدب وسوء التربية والبيئة الواطية.. عيال فاقدة لا ليها رابط ولاحاكم ولا رادع يملأون الدنيا صراخا فى أى وكل مناسبة.. وعلى الجانب الآخر إرهاب وتفجيرات وضحايا وجثامين ووجع قلب.. أما أنتم يامن تملكون السلطة فانضممتم إلينا لتقفوا فى الصف وتمصمصوا شفايفكم فى حسرة وأسى.. ما هذا التراخى؟؟؟.. هلكتونا كلام عن قانون الإرهاب والطوارئ والتظاهر.. وإنتوا ما شاء الله ولا بتعملوا حاجة غير اللت والعجن.. كل يوم من هذا العبث يكلف الدولة والناس بلاوى متلتلة.. ولا إنتوا عشان بتقبضوا ماهية ثابتة وبدلات وبلح أمهات مش حاسين بالناس؟؟..
لأ والأكادة تخرجون لتعلنوا علينا أن قانون الطوارئ سينتهى العمل به فى أربعتاشر نوفمبر.. يا صلاة النبى.. لا والنبى تخلوه شوية.. ما هو قاعد مآنسنا.. ولما ينتهى العمل به إيه اللى حايتغير؟؟.. هو كان اتطبق عشان ينتهى العمل به؟؟.. كل الفرق إننا حانمشى نقول لبعضنا.. مفيش قانون طوارئ.. زى ما كنا بنقول فيه قانون طوارئ.. كل ما حدث فى هذا القانون طوارئ إن الناس المحترمة المتربية فى بيوت مش شوارع احترموا ساعات حظر التجوال رغم قطع عيش الكثيرين منهم.. وانصاعوا صاغرين للتعليمات وقعدوا فى بيوتهم احتراما ليكم.. أما الحوش ولمامة الشوارع فهم الذين انطلقوا يعيثون بالبلد فسادا وتدميرا.. سيطرتوا عليهم بعد ما اخلينالكم البلد؟؟.. لأ.. نفذتوا أى قوانين من اللى هريتونا حديث عنها دى؟؟.. لأ.. قبضتوا على المجموعة اللى بتخطط لكل ده خارج الأسوار زى عاصم عبدالماجد وطارق الزمر وآل الظواهرى؟؟.. لأ.. قطعتوا الإرسال بين المجرمين اللى متلقحين فى السجون وبين ذويهم اللى متزعمين حركة التخريب بناء على توجيهاتهم بالمفتشر كده؟؟.. لأ.. وضعتوا خطة للقبض على من تبقى من المجرمين خارج الأسوار قبل موعد محاكمة المقلوع؟؟.. الله أعلم.. اتخذتوا أى إجراءات لقمع العيال الفاسدة اللى أهاليهم نسيوا يربوهم وهما بيربوا دقونهم؟؟.. نتمنى.. الغرض.. هذا التسيب ليس له إلا تفسير واحد.. تقذفون بالكرة إلى ملعب الناس.. فتأخذ حقها بيدها ونقلبها مذبحة بقى.. واللى ما يقيسش غضب الشعب حاليا.. يبقى بيستعبط.
■ خبر يقول إن السيد وزير التضامن الاجتماعى سيفرض رسوما إضافية على دور السينما لتضاف إلى حصيلة إعانات الجمعيات الأهلية.. طيب بص بقى.. إحنا حاندفع الرسوم الإضافية دى.. بس تتردلنا إعانات تسول.. يا سيدى.. مش كل ما واحد يتزنق يفرض رسوم على الصناعة دى.. خصوصا وهى مصابة بوفاة إكلينيكة حاليا.. الرحمة يا عم الحاج.. سيذكر التاريخ أن مصر خنقت صناعة السينما بإيدها.. وخنقت السياحة بإيدها.. يا ساتر.. ده ولا ريا وسكينة.
• سؤال أخير.. هو باسم قرّ على إيه بالظبط فى الإعلان بتاع الواد اللى بيقول لأبوه «عيش إنت» ده؟؟؟؟؟؟.. المعلنين حصلهم خلل أخلاقى ولا إيه؟؟؟؟

Tuesday, October 22, 2013

Get Service flim


.. تأملات من حجرة الخادمة بقلم د. علاء الأسوانى ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم

LA CHAMBRE DE BONNE حجرة الخادمة.. هذا التعبير يعرفه الفرنسيون، لكن المسؤولين فى الفنادق الفرنسية لا يقولونه أبدا.
منذ القرن السابع عشر كان الأثرياء الفرنسيون يخصصون الدور العلوى فى بيوتهم للخادمات. كل خادمة تأخذ حجرة ضيقة تحت سقف البيت مباشرة، ولكل عدة حجرات حمام مشترك، مع الوقت تطور الأمر فتحولت حجرات الخادمات إلى حجرات للطلبة يستأجرونها بأسعار زهيدة، ثم بدأ أصحاب العمارات والفنادق يضمون بضع حجرات للخادمات وينشئون فيها حماما ودورة مياه، ويضعون فيها أثاثا أنيقا ويؤجرونها للنزلاء، فصارت حجرة الخادمة فخمة مميزة، وربما يزيد إيجارها على الحجرات الأخرى. فى فنادق باريس أحب دائما النزول فى حجرة الخادمة، لأننى أرى منها مشهد المدينة من أعلى، كما أنها عادة ما تكون أنيقة تتخللها عروق الخشب التى تتدلى من السقف، فتضفى عليه إطارا تاريخيا جميلا. زرت فرنسا مدعوا من مهرجان أدبى فى مارسيليا وقد خصصت لى إدارة المهرجان ندوتين لأتحدث فيهما عن روايتى الجديدة «نادى السيارات» مع قراءة أجزاء منها بالفرنسية. قبل موعد المهرجان قررت أن أقضى بضعة أيام فى باريس وحجزت حجرة خادمة فى أحد الفنادق المطلة على ميدان الأوديون فى وسط باريس.
أجريت عدة لقاءات صحفية، وعقدت ندوة فى جمعية الصداقة المصرية- الفرنسية، قمت بتوضيح حقيقة ما حدث فى مصر، قلت ما يعتقده كل مصرى (ما عدا الإخوان وأنصارهم) من أن ٣٠ يونيو موجة ثورية عظيمة قرر فيها المصريون سحب الثقة من رئيس الجمهورية، كما حدث فى دول ديمقراطية عديدة. اكتشفت للأسف أن حقائق كثيرة غائبة عن أذهان الفرنسيين، فهم لا يعرفون مثلا أن مرسى عطل القانون والدستور فى إعلانه الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢، ولا يعرفون أن مصر الآن بلا برلمان مما يجعل جمع التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس إجراءً ديمقراطياً سليماً... ندوتى الأخيرة فى باريس كانت لغرض أدبى صرف فقد دعانى جاك لنج، مدير معهد العالم العربى، لكى أتحدث عن روايتى الجديدة. الأستاذ جاك لنج واحد من كبار المثقفين الفرنسيين يحظى باحترام واسع فى العالم، وقد تولى منصب وزير الثقافة ووزير التعليم أكثر من مرة. اتفقنا على أن يدير الندوة الأستاذ جيل جوتييه، وهو روائى ودبلوماسى سابق، وهو أيضا الذى ترجم كتبى جميعا إلى اللغة الفرنسية. كنت واثقا أن الإخوان لن يتركوا ندوتى الأدبية تمر بسلام، لكننى لم أفكر فى إلغاء الندوة لأننى أدافع عن الحق، أدافع عن الثورة، وعن حق المصريين فى اختيار من يحكمهم وعزله من منصبه إذا أرادوا. حصل الإخوان على تصريح بتنظيم مظاهرة ضدى لمدة ساعتين أمام معهد العالم العربى، وقامت الشرطة الفرنسية بحشد أعداد كبيرة من الجنود لحماية المعهد إذا لجأ الإخوان للعنف.
فوجئنا بأن الإخوان لم ينظموا مظاهرتهم، وأدركنا بعد ذلك أن غرض الإخوان من طلب التصريح بالمظاهرة كان خداع رجال الشرطة الفرنسية ليصرفوا نظرهم عما سيفعلونه داخل الندوة.. ما إن دخلت إلى قاعة الندوة حتى لاحظت شيئا غريبا. فى الصفوف الأولى جلس أشخاص ملتحون متجهمون معهم أطفالهم وزوجاتهم المحجبات. بقية القاعة كانت ممتلئة بجمهور معظمه من الفرنسيين، بالإضافة لجمهور كبير بالخارج لم يسمح له بالدخول. طلب الأستاذ جوتييه من المسؤولين فى المعهد السماح للجمهور بالدخول حتى لو تابعوا الندوة وقوفا، لكن الأحداث تلاحقت بسرعة. تحدثت ما يقرب من نصف ساعة عن الأدب ورواية «نادى السيارات»، ولاحظت أن الجالسين فى الصفوف الخلفية فقط هم الذين يتجاوبون مع ما أقوله، أما الإخوان فى الصفوف الأمامية فراحوا ينظرون لى شزراً، وفجأة قام رجل ملتحٍ وصاح:
- إننا نريد أن نتحدث عما يحدث فى مصر.
قال له الأستاذ جوتييه إن هذه الندوة أدبية بالأساس ووعده بأن يعطيه الفرصة لمناقشتى فيما يريد، ولكن بعد أن أنتهى من الحديث عن الرواية. فجأة قام أحد الإخوان من الناحية الأخرى وصاح: «ما هذا..؟» كانت هذه كلمة السر، فقاموا جميعا مرة واحدة وخلعوا ملابسهم ليظهروا تيشيرتات رابعة التى يلبسونها وراحوا يوجهون الشتائم المقذعة لشخصى وللجيش المصرى، فرددت عليهم بأنهم خونة لأنهم خانوا الثورة، كما أنهم يقتلون الجنود المصريين. بدأوا الهجوم حتى قبل أن أرد عليهم ولاحظت أن معهم أدوات شرعوا يستعملونها فى تكسير كل شىء فى القاعة الزجاج والموائد والمقاعد حتى تليفون الأستاذ جوتييه أخذوه وحقيبتى الصغيرة دهسوها بأقدامهم لولا أن أنقذها رجل الشرطة بعد عناء. أسوأ ما رأيت مشهد الحاضرين من الفرنسيين وهم يهرولون خارج القاعة وقد تملكهم الرعب. ما ذنب هؤلاء الذين جاءوا لحضور ندوة أدبية، ولماذا يتم ضربهم وترويعهم بهذا الشكل؟!. قام رجل الشرطة بحمايتنا أنا والأستاذ جوتييه ودفعنا حتى انسحبنا إلى الدور الأسفل للمسرح، وظللنا لمدة ربع ساعة نستمع إلى أصوات تكسير محتويات القاعة، وعرفت فيما بعد أن بعض الحاضرين اعترضوا على الإخوان فانهالوا عليهم بالضرب المبرح. بين هؤلاء سيدة فرنسية صاحت فى الإخوان:
- إن ما تفعلونه شىء غير متحضر. لقد جئنا إلى ندوة أدبية لنستمع إلى أديب مصرى.
كان جزاء هذه السيدة لكمة شديدة فى وجهها أوقعتها على الأرض، بينما الإخوان يواصلون شتائمهم للجميع. تم إخراجنا من الباب الخلفى للمعهد، وجاء إلينا السيد جاك لنج ليطمئن علينا، وقد بدا عليه الاستياء الشديد مما يحدث. دعانى صديقى أوليفييه دارفور، مدير الإذاعة الثقافية الفرنسية، إلى العشاء فى منزله، حيث وجدت مجموعة من المثقفين الفرنسيين أعربوا كلهم عن حزنهم وأسفهم مما حدث. قال لى الأستاذ دارفور:
- يحزننى أن يحدث ذلك فى فرنسا بلد الحريات والفنون. لم يحدث فى فرنسا قط أن تم منع أديب من الحديث عن روايته بهذا الشكل الهمجى.
الأستاذ جاك لنج والأستاذ جيل جوتييه أدانا ما حدث فى بيانين كان لهما تأثير بالغ على الرأى العام الفرنسى. تأثرت كثيرا من حملة التضامن الواسعة التى وصلتنى أصداؤها من مصر وفرنسا، بل ومن دول غربية أخرى اتصل منها الناس ليتضامنوا معى. فى اليوم التالى ذهبت إلى مارسيليا فوجدت عددا كبيرا من المصريين فى استقبالى، وعلى رأسهم القنصل المصرى السفير طارق يوسف. كان مشهدهم رائعا ومؤثرا وهم واقفون فى الشارع يغنون «عظيمة يا مصر». قامت إدارة مهرجان مارسيليا بتأمين كامل للندوة. حضرت أولاً ندوة مفتوحة تحدثت فيها عن الرواية، وبعد ذلك جرت قراءة لبعض مقاطع من الرواية بواسطة واحد من أهم الممثلين فى فرنسا، هو فيليب كوبير، الذى قام بدور البطولة فى الفيلم الشهير الذى أنتج عن قصة حياة الفنان الفرنسى العظيم موليير. كانت هذه أول قراءة للترجمة الفرنسية لرواية «نادى السيارات»، واستقبلها الجمهور الفرنسى بحماس وظلوا يصفقون عدة دقائق بعد انتهاء الفنان كوبير من القراءة. التقيت بصديقى الأستاذ تيرى فابر، وهو كاتب ومفكر فرنسى كبير من الذين أخذوا على عاتقهم إجراء التواصل الثقافى بين فرنسا وشعوب البحر المتوسط، وقد عمل على إنشاء متحف رائع للبحر المتوسط فى مارسيليا، أتمنى أن يزوره المسؤولون عن المتاحف فى مصر ليستفيدوا من هذا الإنجاز العظيم. ثمة سؤال ألح على ذهنى ولم أعرف له إجابة فطرحته على الأستاذ فابر. قلت له:
- معظم الفرنسيين الذين قابلتهم بمجرد أن عرفوا حقيقة ما حدث فى مصر تضامنوا مع الثورة، لكننى لا أفهم لماذا يصر بعض السياسيين الفرنسيين على مساندة الإخوان وهم يعرفون أنهم جماعة فاشية إرهابية؟!
رد علىّ الأستاذ فابر قائلا:
- هؤلاء السياسيون الغربيون ينظرون إلى مصر من خلال نظرية الاستبداد الشرقى.. هذه النظرية وضعها بعض الساسة الأوروبيين فى القرن التاسع عشر، وتتلخص فى أن المصريين (وشعوب الشرق عموما) لا يصلحون لممارسة الديمقراطية لأن ثقافتهم الإسلامية تتعارض مع الديمقراطية وتمجد الحاكم المستبد. هؤلاء السياسيون أكدوا على مدى أعوام لصانعى القرار فى الغرب أنه لن تحدث ثورة فى مصر أبدا لأن المصريين لا يفهمون الديمقراطية ولا يحتاجون إليها. عندما حدثت الثورة المصرية أصيب هؤلاء السياسيون بصدمة لأن آراءهم عن المصريين تبين أنها غير صحيحة. إنهم يدافعون عن الإخوان الآن تماما كما دافعوا من قبل عن مبارك، لأنهم يعتبرون استمرار الاستبداد فى مصر أكبر دليل على صحة نظريتهم التى تؤكد أن الديمقراطية تصلح للغربيين فقط، أما المصريون فلا يصلح لحكمهم إلا حاكم مستبد مثل مبارك أو جماعة فاشية مثل الإخوان.
رأى الأستاذ فابر ذكرنى بمعركة خاضها الدكتور طه حسين فى ثلاثينيات القرن الماضى، عندما طالب بتدريس اللغتين اللاتينية واليونانية فى كلية الآداب المصرية، حيث إنه لا يمكن لأى دارس أن يطلع على التراث الإنسانى دون إتقان هاتين اللغتين. الغريب أن أكثر من عارض تدريس اللاتينية واليونانية كان أستاذا إنجليزيا اسمه كوبلند متخصصا فى العصور الوسطى، ولما احتدم الخلاف سأل الدكتور طه حسين الأستاذ كوبلند:
- لماذا تعارض تدريس اللاتينية واليونانية فى الجامعة المصرية. هل تعرف جامعة إنجليزية واحدة لا تدرس هاتين اللغتين؟!
فأجاب كوبلند:
- صحيح أن اللاتينية واليونانية تدرسان فى كل الجامعات البريطانية، لكن الجامعة المصرية ليست مثل جامعات بريطانيا، ومصر ليست أبدا مثل بريطانيا.
وجدت تطابقاً بين منطق بعض الساسة الغربيين ومنطق كوبلند، الذى يعرف أهمية تدريس اللاتينية واليونانية فى الجامعة، لكنه يرى المصريين غير جديرين بأن تكون لهم جامعة محترمة. تماما كما أن بعض الساسة الغربيين يدركون تماما أن الإخوان جماعة إرهابية فاشية خارجة على القانون، لكنهم مع ذلك يدعمونها لكى تحكم مصر التى لا تصلح فى رأيهم إلا للاستبداد الشرقى.
إن الثورة المصرية فى لحظة فارقة، إن توالى العمليات الإرهابية بواسطة الإخوان يفرض علينا جميعا الاصطفاف فى مواجهتها، ولكن بناء قواعد حقيقية لدولة القانون فى الدستور الجديد هو واجبنا الآن. يجب أن تكون الانتخابات المقبلة شفافة وعادلة، وأن تجرى كلها تحت إشراف دولى. يجب أن تبدأ إجراءات العدالة الانتقالية فورا، فيتم تحقيق عادل فى كل الحوادث التى أدت إلى سقوط ضحايا منذ بداية الثورة فى يناير ٢٠١١ حتى الآن. يجب أن نثبت للعالم كله أن الثورة المصرية قادرة على بناء الديمقراطية التى قامت من أجلها.
الديمقراطية هى الحل

د. عماد جاد : إصلاح النظام الدولى «1» بالتحرير 22 اكتوبر 2013




أعلنت المملكة العربية السعودية اعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن الدولى لتكون ضمن عشر دول غير دائمة العضوية فى المجلس، وقبل ذلك اعتذرت المملكة عن إلقاء كلمة أمام الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد أثار هذا الموقف استغراب ودهشة العديد من دول العالم، لا سيما أنه من غير المعروف عن السعودية اتخاذ مواقف حادة فى علاقاتها الدولية، كما أنها لم تدخل من قبل فى صدام سياسى مع قوى دولية كبرى، وكان موقفها الأبرز تاريخيا هو المشاركة فى فرض الحظر البترولى على الدول الداعمة لإسرائيل، بعد اندلاع حرب أكتوبر 1973.

ومنذ ذلك الوقت لم يسجل للمملكة العربية السعودية خلاف شديد مع القوى الدولية الكبرى، كما أنها سارت فى طريق التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية. والجديد فى موقف المملكة العربية السعودية هو المبرر الذى ساقته للاعتذار عن عدم قبول العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، وهو الخلل الشديد فى تركيبة وأداء مجلس الأمن الدولى الذى عجز تماما عن حل معضلات الشرق الأوسط، وأبرزها القضية الفلسطينية والأزمة السورية. السؤال هنا: وهل جد جديد يدفع المملكة إلى اتخاذ هذه المواقف الحادة من مجلس الأمن الدولى؟ الحقيقة أن الجديد هو السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والتى يبدو أنها قررت التعاون مع تيار الإسلام السياسى على حساب علاقاتها التقليدية مع الدول العربية «المحافظة»، كما لا يمكننا تجاهل ما سرب مؤخرا من خطط أمريكية لتقسيم الكيانات الكبيرة فى الشرق الأوسط والتى تقع السعودية فى القلب منها.

سبق للعاهل السعودى أن وجّه خطابا حادا للرئيس الأمريكى باراك أوباما على خلفية دعمه لجماعة الإخوان فى مصر واتخاذه موقفا معاديا لثورة الثلاثين من يونيو.

الملاحظ أنه رغم أن واشنطن هى المقصودة من وراء القرارات السعودية، فإن الأولى تجنبت التعليق على قرار المملكة، فقط وجهت التهنئة لنيجيريا لانتخابها عضوا غير دائم فى المجلس، أما من وجّه النقد الشديد لموقف المملكة فهى موسكو غير المستهدفة من قبل مواقف الرياض، ولكن يبدو أنه موقف مرتبط برغبة موسكو فى غلق أى حديث عن «إصلاح مجلس الأمن»، إضافة إلى الخلافات السعودية الروسية طويلة الأمد منذ الحرب الباردة وحتى اليوم على النحو الذى يتجلى فى الموقف مما يجرى فى سوريا.

عموما يفتح موقف المملكة العربية السعودية الأخير المجال أمام عودة الحديث عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولى، وهى قضية مثارة بقوة من قِبل قوى دولية مثل ألمانيا وإقليمية مثل الهند والبرازيل. والحقيقة أن الحديث عن إصلاح مجلس الأمن الدولى أو النظام الدولى هو حديث قديم ومتكرر، لا سيما مع معرفة أن النظام الدولى هو عبارة عن البنيان الذى تقيمه الدول المنتصرة فى الحرب على قمة النظام، حدث ذلك منذ «معاهدة صلح وستفاليا» عام 1648 والتى أنهت الحروب الدينية فى أوروبا، أو حروب السبعين عاما، وتكرر الأمر بعد الحرب العالمية الأولى بإنشاء عصبة الأمم، ثم بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء الأمم المتحدة والتى هيمنت عليها الدول المنتصرة فى هذه الحرب ومنحت نفسها العضوية الدائمة فى مجلس الأمن والتى تعطيها حق النقض أو الفيتو فى المجلس، وهى خمس دول «الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتى، ورسيا، وفرنسا، وبريطانيا والصين الوطنية، تايوان» والتى حلت محلها الصين الشعبية. وإذا كانت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والصين الشعبية لا تزال تتمتع بقدرات شاملة تضعها على رأس النظام الدولى، فإن الأمر الم يعد كذلك بالنسبة لفرنسا وبريطانيا، حيث تتقدم ألمانيا الاتحادية عليهما بفارق قدرات شاملة كبيرة، كما أن قوى إقليمية رئيسية اقتربت من دخول العالم الأول من حيث القدرات الشاملة (مثل الهند والبرازيل) ترغب فى الحصول على تمثيل مناسب لها فى مجلس الأمن الدولى، وفى السياق نفسه تتطلع دول إفريقية (جنوب إفريقيا ونيجيريا) إلى التمتع بكرسى دائم فى المجلس نيابة عن القارة السمراء، كان أن دولا عربية وإسلامية تتطلع أيضا إلى نفس الموقع لتمثيل ثقافة وحضارة مهمة فى عالم اليوم (مصر، المملكة العربية السعودية، باكستان وتركيا) فهل يمكن أن يتحقق ذلك أم أن القضية أكثر تعقيدا من ذلك؟

Saturday, October 19, 2013

عبدالفتاح السيسى وحور محب بقلم د. وسيم السيسى ١٩/ ١٠/ ٢٠١٣ بالمصرى اليوم


منذ عشرين عاماً، اشتريت سيارة مرسيدس جديدة، وفى الإسكندرية اصطدم بها شاب متهور، فأضاع جمالها وفرحتى بها، قال والدى كلمات لا أنساها: «لابد أن تؤمن بمبدأ الفداء يا بنى، شىء يعوض فداء لشىء ربما لا يعوض».
تأملت هذه الكلمات، فعرفت معنى الأضاحى.. الحيوان الذى يعوض.. عن الإنسان الذى لا يعوض، كل عيد أضحى مبارك ومصر كلها بخير.
يقول وندل هولمز: كل إنسان أربعة: الإنسان كما يراه الله، الإنسان كما يرى نفسه، الإنسان كما يراه الناس، الإنسان كما يراه أقرب الناس إليه. السلوك هو ما يراه الناس، والأخلاق هى ما يراها أقرب الناس إليك، فإذا كان الفرق شاسعاً تظهر أمامنا كلمات برنارد شو: المظاهر خادعة! من هنا وجب التدقيق قبل تكوين أى رأى عن الأفراد، سواء فى الحياة السياسية أو الاجتماعية! صحيح إذن حكمة الشعوب التى تعبأ فى كلمات قليلة مضيئة نافذة، خذ مثلاً: لا تذم ولا تشكر إلا بعد سنة وستة أشهر! ومثلاً آخر: اللى تتجوز بسرعة تندم على مهلها!
لم أقع فى حيرة.. مثل حيرتى فى موضوع رئاسة مصر!.. طالما تحدثت عن أسوأ أنواع الحكم: ١ - الحكم الدينى ٢ - الحكم العسكرى، ذلك لغياب أعظم كلمة فى قاموس أى لغة ألا وهى: النقد.. النقد بمفهومه العلمى: أ- الإيجابيات ب- السلبيات ج- العلاج، هذه الكلمة السحرية تعتبر أجندة أجنبية لنظام الحكم العسكرى، كما تعتبر كفراً وحزب الشيطان لنظام الحكم الدينى، ولا يمكن لدولة أن تتقدم بدون هذه الكلمة القادرة على التغيير من أصغر صغير لأكبر كبير!
ولكنى أستعرض التاريخ فأجد أن من وحّد القطرين كان مينا، ومن أقام الإمبراطورية كان تحتمس الثالث، ومن طرد الهكسوس كانوا سقنن رع، كاموس، أحمس، ومؤسس مصر الحديثة محمد على باشا، ومن طرد الإنجليز جمال عبدالناصر، ومن حرر سيناء وهزم إسرائيل.. السادات، ومن حرر مصر من الصهيونية العالمية وأدواتها.. أمريكا، إسرائيل، تركيا، أوروبا، قطر، الإخوان.. هو عبدالفتاح السيسى، كما أن أول من وضع قانوناً لحقوق الإنسان كان حور محب «الأسرة ١٨»، كانوا جميعاً عسكريين.
أتكون مصر فى حاجة إلى حاكم عسكرى مستنير فى لحظات التاريخ الفارقة، ثم نعود للحكم المدنى بعد ذلك؟!
من العسكريين من كانوا سبباً فى كوارث لبلادهم: هتلر «عسكرياً»، مبارك «ثقافياً واقتصادياً» ناصر «انتكاساته بعد إنجازاته» محمد على باشا فى تمدده العسكرى حتى وصل لـ«الآستانة»!.. حيرة ما بعدها حيرة!
ما أشبه اليوم بالأمس البعيد، البلاد ممزقة، فقيرة بعد الدرويش إخناتون الذى ضيع مصر، ومن بعده رجل الدين المتآمر «آى» ثم جاء العظيم حور محب، عرف أن الشعوب تهلك من غياب العدل، وقلة المعرفة، فقدس تحوت رب المعرفة، كما اعتبرها جريمة كبرى أن يتخطى قاضٍ حدود العدل، كان مصلحاً قبل أن يكون سياسياً، وجد الفساد، الرشوة، ورجال الجيش فى كل مكان، فأصدر قانوناً لحقوق الإنسان، أعاد لمصر وجهها الحضارى المدنى، بعد أن كانت على شفا الهاوية.
كانت مصر تهتف باسمه:
مرحباً بك يا من اسمك فى كل مكان.
إن بُعد صيتك جعل الرهبة فى قلوب الأعداء.
السلام عليك يا مليك مصر.
ترك حور محب مصر وهى موحدة بعد أن كانت ممزقة، تركها قوية ثرية بعد أن كانت فقيرة ضعيفة، تركها تؤمن بالعلم.. بر الأمان، وليست دروشة إخناتون الذى أوقع البلاد فى صراعات دينية بالرغم من أن مصر كانت موحدة من قبله بآلاف السنين «خرطوش- مينا موحد القطرين بتوحيد العقائد»، متون «الأهرام». ترى هل يحمل السيسى جينات حور محب؟! مارجريت كاندل عالمة الجينات تقول: ٩٧٪ من جينات المصريين مسلمين ومسيحين واحدة، وهى جينات الفراعنة.. عظيمة يا مصر.