Translate

Tuesday, February 26, 2019

خالد منتصر - تعرّف على نعمة العلم من الريحانى وزغلول - جريدة الوطن - 2/2019 /27

لو قفزت عقارب الزمن سنة أو سنتين، واكتُشفت المضادات الحيوية مبكراً، تلك الكبسولات التى نُبلبعها الآن مثل الملبس ونُقزقزها مثل اللب والتسالى، وموجودة بالأطنان على رفوف الصيدليات، ما كنا قد فقدنا زعيم الأمة سعد زغلول، وزعيم الكوميديا نجيب الريحانى، كانت المسافة مجرد شهور ما بين المرض الذى ليس له علاج، وما بين اكتشاف الدواء أو العلاج نفسه، علاج نجيب الريحانى كان بالكاد «يا دوب» مكتشف، وعلاج سعد زغلول كان ما زال فى ذهن مكتشفه، ولم تكن صدفة فطر البنسلين على طبق المعمل المهمل قد حدثت بعد لفيلمنج العبقرى منقذ البشرية، العلم نعمة كبيرة، يد بيضاء أنقذت الدنيا، وحنّت على الجميع، عندما قرأت وبحثت فى سيرة مرض هاتين الشخصيتين الفذتين العظيمتين، تمنيت أن أحتضن كل من دخل معملاً واكتشف نعمة من تلك النعم العلمية، وأنا على يقين أن هؤلاء هم أصحاب الفردوس الحقيقى الذى صنعوه لنا على الأرض، وحرّمه عليهم بعض سماسرة احتكار الجنة فى السماء، مات الزعيمان من مرضين يعالجان الآن مجاناً أو بملاليم فى أى وحدة صحية، وصارت الوفاة من أيهما مجرد نكتة أو فولكلور. نجيب الريحانى مات بالتيفود الذى كان علاجه الكلورامفنيكول، وسعد زغلول مات بالحُمرة، التى كان طوق النجاة منها مجرد حقنة بنسلين!!، الريحانى توفى 8 يونيو 1949، والكلورامفنيكول تم اكتشافه عام 1948 على يد العالم Burkholder، يعنى بالبلدى لسه طازة، لم تكن الأبحاث العلمية وتجارب ضبط الجرعات وصرامة منظمات الدواء قد تقدّمت مثل الآن، ويقال إن الأطباء فى المستشفى اليونانى اختلفوا فى جرعة العلاج الجديد الذى تحرّك القصر والباشوات، منهم مكرم عبيد، وأحمد حسنين، لإحضاره من أمريكا، ومن الأطباء من رفض إعطاءه للريحانى، وهناك رواية أنه مات قبل وصوله، الآن وفى أسبوع وبشوية سيبروفلوكساسين يُشفى التيفود وبمنتهى السهولة، وصارت عبارة التيفود القاتل من الحفريات فى متحف التاريخ، أما سعد زغلول فقد توفى من الحمرة فى 23 أغسطس 1927، بينما اكتُشف البنسلين فى سبتمبر 1928، مجرد سنة فصلت بين المرض والعلاج، كان سعد زغلول يقضى إجازته فى قرية «مسجد وصيف»، وقيل إن البداية قرصة بعوضة فى أذنه، هرش الزعيم حتى جرحها وتعامل معها على أنها مجرد إكزيما جلدية، سرعان ما انتشرت فى جسمه، الذى انتفخ وارتفعت حرارته، وتم نقله إلى القاهرة، كان زعيم الأمة يعانى من مرض السكر وتصلب الشرايين، لذلك تطورت الحالة إلى التهاب رئوى، لم يكن هناك حل لذلك الميكروب أو البكتيريا streptococcus، وقع الأطباء فى حيص بيص، ومنهم أسطورة الباطنة حينذاك عبدالعزيز إسماعيل، كان الحل على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، حيث يقبع فيلمنج يُجرى أبحاثه فى معمله المتواضع، والتى ستظهر نتائجها لتقلب العالم رأساً على عقب بعد رحيل الزعيم بأقل من عام.
أتمنى أن نحكى للأطفال والشباب أن أنبياء العصر الحديث وقديسوه هم هؤلاء العلماء، وهم فقط من يستحقون لقب العلماء بجد.

خالد منتصر - الدحيح - جريدة الوطن - 2/2019 /26

أكبر كارثة فى الإعلام المصرى هى عدم وجود المحرّر العلمى فى الصحافة، وغياب البرنامج العلمى فى التليفزيون، فالعلم لغة العصر وغياب الوسيط الإعلامى الذى ينقل لنا أحدث الأخبار العلمية أو يفهمنا ما نعجز عن تفسيره من نظريات وأمور ومعلومات فيزيائية أو بيولوجية أو كيميائية.. إلخ، يجعلنا كالأطرش فى الزفة، وبالطبع الزفة هى الزفة الحضارية الحداثية التى غبنا عنها متعمدين، متدفئين بكراهية العلم، متدثرين بغطاء الجهل المتعالى، لكن فى ظل ثورة الاتصالات الجارفة، ومع الموت الإكلينيكى الذى يحدث ببطء للوسيط التليفزيونى، صارت منصة «اليوتيوب» هى البديل والأمل والمستقبل، وهذا ما أدركه الكثير من الشباب الذكى الواعى المثقف اللماح، من هؤلاء، بل على رأسهم الآن هذا الشاب المصرى، الذى يقدّم حلقات «الدحيح» على منصة «اليوتيوب»، إنه أحمد الغندور، خريج كلية العلوم بالجامعة الأمريكية، هذا الشاب الذى قرّر أن يبسّط العلوم بشكل كوميدى «روش»، بخلطة بصرية غاية فى الجمال والذكاء والتنوع، وبإيقاع مونتاج لاهث يجذب قطاع الشباب، ويسمرهم فى أماكنهم حتى نهاية الحلقة، لغته سهلة، معلوماته موثقة، مبذول فى تلك الحلقات جهد كبير فى البحث من المراجع والمجلات العلمية، وتطرح أسئلة كانت من المسكوت عنها أو من المهمل بحثها عمداً مع سبق الإصرار والترصّد.
الدحيح تجربة مختلفة لزمن مختلف، كنا قديماً نتفاعل مع برامج علمية، مثل تكنولوجيا، وعالم البحار، والعلم والإيمان، وعالم الحيوان، كان ماسبيرو متكفّلاً وقتها بالتصنيع الثقافى الثقيل، ويتحمّل تلك البرامج غير الإعلانية، لأنها تشكل وعياً وطنياً ضرورياً للنهضة والتقدّم، جاء هذا الشاب فى ظل غياب شبه كامل للعلم وتوابعه من على الشاشات وصفحات الصحف، بخفة دم أقنعنا بعدم الربط الشرطى بين العلم والغلاسة، أو البرامج العلمية وثقل الظل، فأصبح الشباب يتابعون قناته على «اليوتيوب» بالملايين، هذا الشاب حمل على كاهله عبئاً تتهرّب منه مؤسسات كبيرة، عبء تعريف الشباب بالعلم ومصطلحاته، من خلال اللغة التى يفهمها، دون تقعّر أو كلكعات مصطلحات، تحية لهذا الشاب الجميل أحمد الغندور، الذى أنصحه بألا يستجيب لدعوات الفضائيات لتقديم برنامجه عليها، فهى حتماً ستسحق أحلامه، ولن تتنازل عن فكرتها بأن العلم مرادف الغلاسة والرخامة الإعلامية، وفى النهاية ستُضحى به فى سبيل عرض برامج العفاريت والردح والنميمة، اترك لهم برامج البردقوش وحبة البركة وكريمات جزيئات الذهب للبشرة، وكل ما هو علم ردىء مزيف يتمرغون فى وحله، يقدّمون تلك الوجبة المسمومة ليُخدروا الناس بحقنة الدجل الإعلامى الذى يسطح العقول ويبتز الجيوب.
أحمد الغندور شاب مصرى حلم ولم يستسلم أو يقلد أو يتسول كتالوجات جاهزة وبديهيات مستقرة، حلم ونجح، أحترم تجربته ومعجب بها وأتمنى له مزيداً من النجاح والتجاوز، حتى تجربته الحالية لا بد أن يتجاوزها، لأن العلم خيال جامح، وشك مستمر، وإبداع خارج الأطر المستقرة المحفوظة، لذلك أثق فى أن همه الحالى ليس فى إعداد حلقات جديدة فحسب، بل همه صار التمرد على طريقة الإعداد نفسها، والبحث عن جديد مختلف، وهذا هو سر النجاح.

Monday, February 25, 2019

إكليلُ غار للجميلة: «سميحة أيوب» بقلم فاطمة ناعوت ٢٥/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


جاءتِ الجميلةُ فى كامل بهائها، مُتوَّجةً بتاج ثقيل تُرصِّعُه آلافُ اللآلئ. فى قلبِ كلِّ لؤلؤة مشهدٌ وفكرةٌ وبيتُ شعرٍ وقلبُ شاعرٍ وروحُ أديبٍ وليالٍ طوالٌ من السَّهر والسفر والقراءة والتدريب الصوتى والحركى والروحى. وصلتِ الجميلةُ على عربة ملكية تجرُّها خيولٌ عربيةٌ قُدَّت من ماء الشِّعر والملاحم والأساطير. ارتقت مِنصّةَ صالونى الشهرى فى أُبَّهةِ الملكات، وتواضع الرسولات، وملاحة المُلهمات. جلستْ أمام الجمهور، فتعلّقتِ الأبصارُ بعينيها اللتين تحملان إرثًا هائلاً من فرائد رفيع الآداب العالمية الصعبة، التى لا يقوى على مطارحتها إلا ذوو البأس وذوو الموهبة من الحقيقيين الذين لا تُدثِّرُهم قشورُ الزَّيف وغُلالاتُ الادّعاء. تكلّمتْ، فتعلّقتِ الآذانُ بصوتها الذى لا يُشبهه صوتٌ. صوتٌ ذو رنين نُحاسىٍّ عميق، يليق بفارسةٍ تمتشقُ سيفَ ثقافتها من غِمْد قلبها، وتقفُ على خشبات المسارح فى مصر والعالم، فتتزلزلُ الأركانُ وتتماوجُ الستائرُ من فرط الجلال والسَّطوة. جلستُ إلى جوارها أنكمشُ فى ارتباكى. هل أجلسُ الآن جوارَ تلك السيدة التى يخفقُ قلبى حين أسمعُ صوتَها الهادرَ يستنطق أفكارَ هوميروس، وسوفوكل، وراسين، وبريخت، ويوسف السباعى، وسعد الدين وهبة، وغيرهم؟! أمرٌ مخيفٌ حقًّا! فرغم تواضعها معى إلى حدّ أن تدعونى صديقتها وابنتها، ورغم سفرنا معًا وتجوالنا على شاطئ البحر، وسهرنا وضحكنا، ورغم قبولها دعوتى لتكونَ ضيفةَ الشرف فى صالونى، إلا أنها تظلُّ الفارسةَ المهيبةَ التى يُخشَى الاقترابُ منها، لا لنِزالها، بل لمجرد مصافتحها. فهل بوسعى الآن أن أجلس جوارها على مِنصّة ساعاتٍ ثلاثًا وأنا رابطةُ الجأش، دون تلعثمٍ وارتباك؟! كان هذا يجولُ بخاطرى منذ صافحتُها فى «نادى الشرق الأدنى للأرمن» بشبرا، حيث مكان الصالون، وحتى ارتقاء المنصّة. أحاولُ استجماعَ شجاعتى وتذكّر ما أعددتُه من كلماتٍ هربت من رأسى جميعُها، حتى أفقتُ على السلام الوطنى يعلن بداية الصالون.
هذه السيدةُ الجميلة وقفت تُحاكم الآلهةَ بصوتها العميق فى فُصحى رائقة أجّجتْ وتوّجت مشهدَ الختام فى مسرحية «الإنسان الطيب من ستشوان»، التى كتبها برتولد بريخت فى منتصف القرن الماضى، وكأنه حين كتبها كان فى مخيلته سميحة أيوب.
«لماذا يفوز الجُناة بحُسن العواقب، والخيّرون لهم كلُّ هذا الشقاء؟ هنالك شىءٌ أيها النيّرون بعالمكم غلط. مشيئتُكم أن أكون طيبة، وفى الوقت نفسه أظلُّ أعيش. مشيئتكم هذه شطرتنى كما الصاعقة إلى نَفَرين. صُنعُ الجميلِ لغيرى ونفسى معًا؛ لم يكن ممكنًا. ألا أن عالمَكم مستحيلٌ بكلِّ الذى فيه من ناقصاتٍ وكلِّ الذى فيه من تعجيز. ذراعٌ تُمدُّ للجائعين؛ تُعضُّ وتُنهشُ من فورها. ومَن يمنحُ العونَ للضائعين؛ يضيعُ بدورِه. ومَن ذا الذى يستطيعُ التروّى، وكبحَ جماحِ الغضبْ، وبالقربِ منه يموتُ الجياع؟ ومن أين كنتُ أدبّر ما ينقصُ الُمعوَزين سوى من كيانى أنا؟ على أن ذلك كان السبيلَ إلى عثرتى. فثِقَلُ وصايا السمواتِ غطّسنى فى الوحول. فلو أننى دُستُ فوق التعاليمِ لاختلتُ فى مِشيتى. وأكلتُ لحدِّ الشبع. هنالك شىءٌ بعالمِكم أيها النيّرون غلط. فى البَدء كنتُ أحسُّ بغضبةِ ذئبٍ لمرأى التعاسة. ولكن رويدًا رويدًا شعرتُ بطبعى تحوّل. وصارت شفاهى حازمةً صارمة. وأصبحَ طعمُ الكلامِ الرحيمِ بحلقى مُرًّا كطعم الرماد. على رغم هذا فقد كنتُ أسعدُ لو أننى صِرتُ حقًّا ملاكَ العشش. فمازال لى بهجةٌ فى العطاء. ومازلتُ ألمحُ وجهًا ضحوكًا. فأسبحُ بين السُّحُب. خُذونى بذنبى. فكلُّ جريمةٍ اقترفتها يدى كنتُ أبغى بها معونةَ جارى، وحبَّ حبيبى. وإنقاذَ طفلى من النومِ دون عشاء. أجل أيها الآلهة. لقد كنتُ شيئًا شديدَ الصغر. أنا الكائنُ البشرىُّ الضعيف. أمام مشاريعِ حضراتِكم».
ذلك هو السؤالُ الوجودىُّ الأبدىُّ الذى حار الفلاسفةُ والحكماءُ فى الإجابةُ عليه: كيف يستطيع الإنسانُ الحفاظَ على طيبته ونقائه وسط عالم ملىء بالقسوة والفساد؟ حين هبط ثلاثةٌ من الآلهة إلى كوكبنا المرزوء بالمحن والمعاصى يبحثون عن «إنسان طيب»، لم يجدوه إلا فى فتاة مُستضعفة لا تجدُ قوتَ يومها. لكن لها قلبًا يحنو على التعساء. وكان عليها أن تستخرج من كيانها رجلًا يحميها من تغوّل الغُلاة. فاعتمرت قناعَ رجل وانشطرت شخصين: فتاة طيبة ورجل قاس. هذا ملخص الحياة التى لم تتعلم بعدُ احترامَ الطيبين وحماية الأنقياء.
أشكرُ سيدةَ المسرح العربى، العظيمة «سميحة أيوب» على إثراء صالونى ومنح جمهوره أمسيةً غنية لا تُنسى؛ نثرت فيها علينا من ثقافتها وخفة ظلها وملاحتها ما ندخره فى خزائن أرواحنا آمادًا طوالا. تحية احترام لسيدة توَّجتْ هامتَها هالةٌ من المجد الذى يقف على تاريخ ثرىٍّ من التفرّد. فالمسرحُ مدرسةٌ نتعلّم فيها ما فاتنا أن ندركه على مقاعد التعلّم.
«الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».

Sunday, February 24, 2019

ما بين الانتماء والعولمة بقلم الأنبا موسى ٢٤/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


نتابع حديثنا بإذن الله ومعونته حول.. «التوازنات المطلوبة فى حياتنا»...
٩- التوازن بين الانتماء والعولمة
هناك توازن مطلوب فى هذا المجال أيضًا؛ فالعولمة- رغم كل ما تحمله لنا من سلبيات- فيها إيجابيات كثيرة ومهمة. والإنسان المتدين شعاره المستمر هو «امْتَحِنُوا كُلَّ شَىْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ» (١تس ٢١:٥).
العولمة معناها ببساطة أن العالم كله أصبح كتلة واحدة أو سبيكة واحدة، من حيث ثورة المعلومات والاتصال؛ فلم يعد ما يحدث فى قرية صغيرة فى أى دولة خافيًا عن الإعلام العالمى، لذلك أصبحنا نسمع الآن عن «القرية العالمية»، أو عن «الحجرة العالمية» بمعنى أن العالم أصبح مثل:
قرية صغيرة، أو حتى حجرة صغيرة، تستطيع أن تحّس بكل ما يجرى فيها، فى ثوانٍ معدودات، ليس فقط بعد أن يقع الحدث، ولكن فى أثناء وقوعه فى كثير من الأحيان.. بل لا يحتاج الإنسان إلا إلى جهاز صغير (Lab top) أو حتى مجرد «موبايل»، ليضع عليه كمية معلومات لا حصر لها، ويجددها كل لحظة،
وفى كل مكان.
العولمة (Globalisation) - إذن - هى التأثير والتأثر المتبادلان بين أصغر بقعة فى العالم، والعالم كله، سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الثقافى.
إن أى حادث إرهابى يقع فى قرية يذاع فورًا على شبكات الاتصال التليفزيونى، وشبكة الإنترنت، ويمكن أن تكون له ردود فعل على مسطح العالم كله.. فقد تابعنا بالموبايل أحداثًا كثيرة، وشاهدناها بمجرد وقوعها.. وأذكر أننى اتصلت فورًا بأبٍ كاهنٍ بالخارج، بمجرد انهيار البرجين فى أمريكا، لأطمئن على الجميع، فطمأننى بأن بعضهم كان حاضرًا، لكن الله نجاهم.
لذلك يستحيل على أى دولة أو جزء من دولة أن تتخذ أى قرار سياسى بمعزل عن التأثيرات العالمية المصاحبة والتابعة لهذا القرار.
- وعلى المستوى الاقتصادى:
هناك اتفاقيات دولية فتحت الحدود بين الدول، وصار لا بد من المنتج المحلى أن يضارع المنتج العالمى، الذى ستصل إليه يد الجميع، مما يمكن أن يدمر المنتج المحلى.. وبعد ذلك قد ترتفع الأسعار فى احتكار خطير!! وها نحن نرى الكثير من المصانع، وقد أغلقت، وهناك خطة لتحديثها، لتعمل، وتنتج بطريقة تناسب العصر.
- وفى المجال الثقافى:
سوف تسود «ثقافة كوكبية» (Global Culture)، من خلال شبكات البث والإنترنت، وتحمل إلينا ملامح أسلوب حياة مختلف عن أسلوب حياتنا، وتقاليدنا، ومبادئنا: سواء من جهة الأخلاق أو حتى من جهة المأكولات والمشروبات والملابس.
- وحتى على المجال القومى والوطنى:
هناك خطر «ذوبان الهوية الوطنية» داخل فيضان الهويات الأخرى، أو الأسلوب الغربى.. فلا يعود شبابنا معتدًا بمصريته، فخورًا بتاريخه وحضارته وجذوره، حين يذوب فى أساليب وأنماط الحياة الغربية بلا وعى!
نعم.. هناك مخاطر.. مما يستدعى تأصيل أجيالنا الشابة روحيًا، ودينيًا، وعقائديًا، وسلوكيًا، ووطنيًا، حتى نواجه هذا الواقع العالمى الجديد.
■ ■ ■
وبالطبع لا نقصد أن نصم آذاننا عما يحدث حولنا، أو نحاول فرض القيود على شبكات البث، فهذا ضرب من المستحيل، بل علينا أن نعّود شبابنا بعد أن نؤصله روحيًا وثقافيًا - أن يختار الصالح من كل منجزات التكنولوجيا والاتصال، ويرفض الردىء فيها.
- وما أكثر الصالح فى التكنولوجيا، وها نحن نرى الكمبيوتر يدخل إلى مدارسنا ومعابدنا وبيوتنا، ويستحيل أن نتخلف عن هذه الثورة، لنحيا فى عزلة عن العالم، بل المطلوب هو التوازن والتفاعل مع الثورة الجديدة، وتربية ضمائر شبابنا ليختار الصالح، ويرفض الشرير.
١٠- التوازن بين الأنا والآخر
توازن آخر نختتم به هذا الموضوع: «بين الأنا والآخر». فما دام العالم قد صار قرية صغيرة، والتداخل والتواصل والتفاعل والتكامل صارت أمورًا لا بد من معايشتها، إذن، فهناك ضرورة للتعامل مع الآخر بروح طيبة.. ونقصد بالآخر المختلف عنا دينيًا أو ثقافيًا أو اجتماعيًا.. ونحن لا نتفاعل فقط بسبب التداخل العالمى، ولكن بسبب الفهم السليم للدين والحياة.. إذ لابد من ١- التواصل.. مع الآخر بصفة مستمرة.        ٢- التفاعل الدائم معه.
٣- التكامل.. بينى وبينه... إذ أقوم أنا بجزء من العمل، يكمله أخى.. فالآخر ليس عدوًا، بل هو أخى فى الإنسانية.. ونحن جميعًا أسرة إنسانية واحدة، جاءت من أب واحد وهو آدم، وأم واحدة هى حواء. وجميع البشر خلقوا بيد الله القدير، وفيهم بصمته الإلهية، وصوت الضمير، وأشواق الخير.
■ ■ ■
الإنسان المتدين - إذن - يرى فى نفسه ١- نورًا.. يجب أن ينتشر فى العالم،  ٢- وملحًا.. يجب أن يملح الأرض بالطهارة، ٣- وسفيرًا.. ينقل تعاليم الدين للآخرين،       ٤- ورسالة.. يقرؤها جميع الناس، ٥- ورائحة ذكية.. يسعد بها الآخرون،    ٦- وخميرة صغيرة.. تخمر العجين كله.
والإنسان المتدين يرى فى الآخر ١- أنه أخ فى الإنسانية،   ٢- وفى الوطن، ٣- وفى الحياة اليومية،
٤- فالكل خلقهم إلهنا الواحد، ٥- والكل مدعوون إلى العودة إلى الصورة الحسنة التى خُلقوا عليها، وذلك من خلال التدين السليم.
■ ■ ■
إن فى أعماق كل إنسان منا نورًا داخليًا، يحتاج أن نزيح عنه الستار ليشرق من جديد، فى قلوبنا وقلوب الآخرين.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

خالد منتصر - «أيام الخريف».. رواية عن خريف السلطة والنساء - جريدة الوطن - 2/2019 /24

ذبول أوراق خريف السلطة السياسية من خلال غروب أنوثة نساء تعاملن مع تلك السلطة، احتكاكاً وتلميعاً، تعرضن لدلع ودلال تلك السلطة، وأحياناً بطشها وتسلطها، تلك هى الزاوية التى قرأت بها رواية «أيام الخريف» للروائى حسام العادلى، والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، الرواية بالطبع لها زوايا تناول أخرى وأطياف ألوان مختلفة، لكن تلك الزاوية هى البارزة والمضيئة التى تستطيع أن تقيم بناء إبداعياً ونقدياً متماسكاً حولها، خاصة أن الجنس بكل عنفوانه وذروته المثيرة وبكل هزائمه وإحباطاته المهينة يغلف تلك الرؤية ويمنحها ثراء وحيوية، الرواية بطولة نساء بالأساس، أما الرجال فهم لصياغة ردود أفعال، لكن المحرك هو تاء التأنيث، ليلى المرعشلى بنت الباشوات وأستاذة السياسة والاقتصاد والعضو البارز فى الحزب الوطنى الحاكم فى زمن «مبارك»، تضطر إلى الزواج من عميد الكلية العجوز الريفى، هو خريف الذبول وهى ربيع التفتح، ولكنها ثورة ٥٢ التى شطبت الألقاب وشطبت معها الفوارق وجعلت هذا الفلاح يحرث أرض جسد تلك الأرستقراطية، رحل الزوج بعد أن صعدت على المستوى المهنى، ظل الصعود على المستوى السياسى يؤرقها، لا بد أن تستخدم أدواتها الأنثوية للمرور من ثغرة الصراع بين قطبى الصراع فى الحزب عزيز وفؤاد لتقضى على منافستها سوسن حامد بالضربة القاضية، حزب يترنح ويشيخ، سلطة سياسية تفرغت للصراع والكيد والمؤامرات الشخصية والملاسنات وفرش الملاءات الحوارية فى الحوارى المؤتمراتية، وصار لكل فرد عصابة، ولكل عصابة مؤسسة، ولا عزاء لغضب الناس، وبينما يزحف الخريف على جسد «ليلى» المتوهج ظهر «هشام» خطيب ابنتها «ندى» الذى راق لها وأحبته ولم تحس بإحساس الذنب لحظة من أنها اختطفت خطيب بنتها، خلقت علاقة ثلاثية مركبة ومعقدة ومحيرة ما بين الأم والبنت والعشيق، تلهث مع تفاصيلها المربكة المرتبكة طيلة رحلتك مع الرواية، هناك شخصية نسائية ثالثة تحتل ركناً مهماً فى «أيام الخريف»، المذيعة فدوى الجريتلى التى تقود الرأى العام ببرنامجها وتعلى من شأن سياسيين وتسحق آخرين، صداقتها مع د. ليلى هى مزج غريب ما بين الأرستقراطية والوقاحة، لكن المصلحة جمعتهما، «فدوى» هى خريف من نوع آخر، خريف طبقى بجانب الخريف الجسدى، خارجة من حى شعبى فقير، بيت متزمت، كانت ترتدى النقاب، علاقة جنسية محبطة مع الرجال، بحث شبقى عن التحرر كانتقام من طبقتها المتهالكة، تكمل عليها السلطة وتسحق ما تبقى لديها من فتات إنسانية، عندما تسمح بهروب شقيقيها المتطرفين، لا تجد حضناً دافئاً إلا فى صديقة لها هى ملاذ نشوتها المسروقة، «ليلى» تفشل و«ندى» تفشل و«فدوى» تفشل، والخيط المعادل والمترجم لكل تلك الإحباطات هو الإحباط الجنسى، الروائى حسام العادلى صاحب لغة قوية، ممسك بخيوطه الروائية جيداً، عمله كقاضٍ جعله يهتم بحيثيات الإقدام على الفعل أو الجريمة، لا يطبق على أنفاس شخوصه الروائية، يجعلها تتحرك بحرية ولا يصدر عليها أحكاماً أخلاقية، وهو هنا قد تحرر من روب مُصدر الأحكام وارتدى ثوب الروائى الباحث عن الخلفيات السيكولوجية لبطلاته المحبَطات، كل منهن ضحية لا مجرمة، بنص القانون متهمة لكن بنص الرواية ضحية، كنت أتمنى فقط ألا تكون شخصية «ندى» باهتة روائياً عن «ليلى وفدوى»، تلك ملاحظة سريعة لا تنتقص من جودة وجمال الرواية.

Saturday, February 23, 2019

قصة حفر قناة السويس بقلم د. وسيم السيسى ٢٣/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

بدعوة كريمة من الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، للذهاب لباريس لإلقاء محاضرة بعنوان story of the suez canal، أى قصة قناة السويس، ومقر المحاضرة فى المركز الثقافى المصرى بباريس بمناسبة مرور مائة وخمسين عاماً على حفر قناة السويس.
استقبلتنى الدكتورة الرائعة نيفين خالد فى مطار شارل ديجول وصحبتنى فى سيارة السفارة المصرية حتى المركز الثقافى المصرى، سألتها عن السائق عم محمد النوبى: هل يعمل معك؟!، ضحكت وقالت: بل نحن الذين نعمل معه!، إنه يعمل فى سفارتنا منذ ١٩٨٤!!. كان جمهور المحاضرة غفيراً، معظمهم من الفرنسيين، كانت المحاضرة بالإنجليزية، ولكن كان هناك من يترجم لهم بالفرنسية. حدثتهم عن سنوسرت الثالث وكيف أنه أول من قام بحفر هذه القناة، وسميت بقناة سيزوستريس، وفيها أوصل البحر الأبيض بالأحمر بالنيل «فرع البيلوزيم». وكان ذلك ١٨٦٩ ق.م! وبعد ٦٠ عاماً، أعاد سيتى الأول حفرها، جدير بالذكر أن سيتى الأول والد الملك العظيم رمسيس الثانى الأسرة ١٩.
ومرت الأيام وجاء نكاو الثانى «الأسرة ٢٦» وأراد إعادة حفرها بعد أن غطتها الرمال، ولكن قارئة المستقبل ميليت حذرته من مطامع الدول الأخرى فيها.. فتوقف عن استكمال حفرها.
جاء الإسكندر الأكبر وأمر بإعادة حفرها ولكنه مات صغيراً، وجاء بطليموس الثانى فأتم حفرها. وفى ١١٧م أمر الإمبراطور الرومانى تراجان بحفرها، ولكنه مات! فأتم حفرها هادريان ١٢٢م. ثم جاء الخليفة عمر بن الخطاب وأمر بحفرها، فكانت قناة أمير المؤمنين.
وأخيراً جاء ديليسبس وكان صديقاً لسعيد باشا، وبدأ حفر قناة السويس، وسميت بقناة السويس لأن الحفر بدأ عند السويس. مات سعيد باشا، فتولى من بعده الخديو إسماعيل، الذى تم الافتتاح الأسطورى فى عصره.
كان من أهم المدعوين الإمبراطورة أوجينى، وقصة حبهما معروفة، وكانت سببا من أسباب إفلاس الخزانة المصرية، فقد جاءت وعاشت معه شهراً تكلف مليون جنيه ذهباً، وغرفة نوم من الذهب، وكان الافتتاح الأسطورى فى ١٧ نوفمبر ١٨٦٩.
كان من أعظم ثمار الحملة الفرنسية- بالرغم من أنها كانت حملة احتلالية، وقد كان مع نابليون بونابرت ١٦٠ مائة وستون عالماً، وأول مطبعة دخلت مصر- كتاب وصف مصر.
ليس هذا فقط، بل غيرت الحملة مفهوم المواطنة إلى: «حادثة الميلاد» فى بلدك.. لك كل الحقوق وعليك نفس الواجبات كأى إنسان آخر بغض النظر عن العرق أو الدين أو القرب من الحاكم، أو القوة المالية.
وأخيراً- شامبليون الذى فك رموز كتابتنا الهيروغليفية، فعرفنا أننا نملك أعظم تاريخ وأعظم حضارة.
ختمت محاضرتى بكلمات شامبليون الرائعة:
يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة.


خالد منتصر - رد وزارة المالية على مصادرات الكتب - جريدة الوطن - 2/2019 /23

وصلنى هذا الرد من وزارة المالية على ما كتبته فى هذه المساحة عن سبب عدم عرض كتاب المغربى رشيد أيلال عن «البخارى»، وعملاً بحق الرد، أنشره كاملاً فى المساحة نفسها، وفى انتظار تعليق الكاتب المغربى ودار النشر، تقول رسالة وزارة المالية:
السيد الأستاذ/ رئيس تحرير جريدة الوطن..
تحية طيبة، وبعد..
بالإشارة إلى ما نُشر بجريدتكم الموقرة (ص4، بتاريخ 27/1/2019)، تحت عنوان «الجمارك تفسد عُرس معرض الكتاب» (مرفق صورة)، والذى يتضرر فيه الكاتب المغربى الأستاذ رشيد أيلال مؤلف كتاب «البخارى.. نهاية الأسطورة» من مصادرة كتابه وعدم وصوله إلى معرض الكتاب بالقاهرة.
أتشرف بالإحاطة أن الجمرك المختص بالواردات والصادرات الجوية أفاد بأنه ورد البيان الجمركى رقم 2609 بتاريخ 21/9/2018 باسم المجموعة الدولية وليس دار المتوسطية التونسية، ومشمول البيان كتب متنوعة تخص معرض الكتاب، وبفحص بيان المشمول تبين أن الكتاب المذكور لم يكن ضمن هذه المجموعة من الكتب بالإضافة إلى أن دور الجمارك لا يتعدى الاختصاصات المنوطة بها فى الفحص والتثمين وتحصيل حقوق الخزانة العامة.
والجدير بالذكر أن وزارة المالية ومصالحها لا تدخر وسعاً فى إنجاح جميع المناسبات الثقافية المحلية والدولية.
وفى إطار ما تقدمه جريدتكم الموقرة من خدمات جليلة للمواطنين وللصالح العام، برجاء التكرم بالتنبيه نحو اتخاذ اللازم لنشر الرد على الشكوى المذكورة بمبدأ «حق الرد مكفول».
ونحن إذ نشكر سيادتكم على حسن تعاونكم، نتمنى لكم دوام التوفيق.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.
مدير عام العلاقات العامة والخارجية
طارق عوض

Friday, February 22, 2019

خالد منتصر - العقل الدرامى مسرحَ التاريخ والعقل الغرامى مسخَرَ التاريخ! - جريدة الوطن - 2/2019 /22

الفلسفة اختراع غربى إغريقى، وكذلك الدراما، وكما أتاحت الفلسفة لهم قراءة نقدية للتاريخ ومنهجاً متشككاً فى غربلته، سمحت الدراما بتقليص مساحة القداسة حين صعد الأبطال على خشبة المسرح، خدش المؤلف قداستهم، وعرى المشاهد غموضهم.
مصيبتنا أننا استوردنا الفلسفة بضاعة مغلفة اكتفينا بفض غلافها دون النفاذ إلى كنه صناعتها وكيفية تشكيلها، ثم استوردنا الدراما بعدها بقرون قانعين بالفرجة لا بالمشاركة، راضين بالمسرح لا بالتمسرح، المسرح حالة فرجة سلبية والتمسرح حالة مشاركة إيجابية، وهذه كانت صرخة يوسف إدريس التى حاول تطبيقها فى مسرحيته الأيقونة «الفرافير» التى استوحاها من السامر وكان ينشد فيها شكل التفاعل بين الصالة والخشبة، كان يحلم بأن نعيش جميعاً حالة التمسرح والتفاعل وخلق نص جديد كل يوم.
عندما جاء إلينا كتاب «الشعر» لأرسطو كنا نحسبه يتحدث عن الشعر الذى نعرفه والذى يبدأ بالبكاء على الأطلال ويمر بالغزل والرثاء والفخر والهجاء إلى أن يصل إلى الخاتمة التى لا علاقة لها بالافتتاحية، لكننا وجدنا أن معنى الشعر عنده هو الدراما، هو المسرح، هو الحياة فى صعودها وهبوطها، بلحمها ودمها وأعصابها، لحمة واحدة، نسيج متشابك لا شذرات تفتقد التماسك والإيقاع والاضطراد واللهاث والتصاعد والصراع، شعْرُنا خط مثل رسم القلب به بعض الانحناءات الخفيفة والقفزات المتناثرة، لكنه فى معظم الأحيان يخلو من الصراع الدرامى فيصبح رسم قلب لجثة!، جميل كلغة لكنه فكرياً يقود حتماً إلى التقديس، وهذا هو مأزق قراءتنا التاريخية وبذرته السامة، نحن نقرأ التاريخ كمعلقة شعر طويلة من التقديس والفخار والأحادية الذهنية المكررة الدائرية المرتبطة بحداء الإبل، البطل لدينا ليست له سقطة درامية، وما نظنه سقطة سرعان ما نستخدم آلية التبرير لتحويله إلى إنجاز ومصدر فخار لا مصدر عار، البطل لديهم لديه سقطة بل سقطات، يصارع القدر الذى ينصب له فخاخ الأخطاء والخطايا، المؤامرات عند العقل الإغريقى مباحة للجميع حتى الآلهة، والكل مستباح نقدياً حتى من تُقدم له القرابين، والعرض الدرامى فيه الخشوع والهدوء وفيه أيضاً المجون والصخب، يوم أن طرحت الفلسفة لديهم السؤال لغة وجدلاً منطقياً، يوم أن طرحت الدراما فى نفس التوقيت نفس السؤال تجسيداً وتشخيصاً حركياً، هم مسرحوا التاريخ فتطهروا عبر «الكاثارسيس» الجماعى، أما نحن فحنطنا التاريخ، مسخرناه، سخطناه كمساخيط التماثيل، فتجمدنا عبر التصلب التاريخى المتعدد الجماعى، هم عقل درامى استطاع فهم أن التاريخ صراع، نحن عقل غرامى نفهم التاريخ على أنه اتباع، أقصى أمانينا خلق نسخ فوتوكوبى من ماضيه الذى هو حتماً خير من حاضرنا ومن مستقبلنا، كان خير القرون وسيظل إلى أبد الآبدين خيرها، وإذا حدث ما يسمى بالصراع الدرامى فى تاريخنا نطلق عليه وصف «فتنة»، حتى نلقى بالعبء والحمل والتهمة عن كاهلنا إلى حيث الفضاء السرمدى، ثم نخترع شخصاً سرمدياً آخر، يعيش فى أذهاننا نحن فقط، هو سراب تاريخى، ثقب أسود يشفط كل خطايانا، لكنه يطهرنا كذباً.
المثال الشهير فى التاريخ الإسلامى هو «ابن سبأ» الذى فعل نيابة عنا كل الخطايا، فخرجنا مرتاحى الضمير أننا قد برَّأنا جميع الصحابة الذين خدعهم ابن سبأ، وأعتقد شخصياً أن القبول بأسطورة خداع ابن سبأ لكل تلك القامات والأسماء الكبيرة لا يصب إطلاقاً فى مصلحتهم بل ينال منهم، فأن يضحك عليهم شخص ما مهما كانت قدراته فهذا سيستدعى بالتالى مراجعة كل ما كُتب عن ذكاء وجسارة وشفافية ولماحية هؤلاء، رغم أن «مروان» على سبيل المثال فى الفتنة الكبرى بتصرفاته كان سبئياً حتى النخاع!، فإن كل الرذائل والخطايا التى أصيب بها المسلمون محركها من وجهة نظر التاريخ الإسلامى هو عبدالله بن سبأ، لدرجة أننى تخيلت أنهم سيتهمونه فى وباء إنفلونزا الطيور!
يقول طه حسين: «عبدالله بن سبأ وهم من الأوهام»، ويقول «الوردى» إنه اختراع، ويختتم الفصل الخاص به فى كتابه «وعاظ السلاطين» بقوله: «ابن سبأ موجود فى كل زمان ومكان، فكل ثورة يكمن وراءها ابن سبأ، فإن هى نجحت اختفى اسم ابن سبأ من تاريخها وأصبحت حركة فضلى، أما إذا فشلت فالبلاء نازل على رأس ابن سبأ»!
وبمناسبة قراءة على الوردى الناقدة لمسألة إلقاء التهمة على شخصية مختلقة ومتخيلة، فإن هناك زاوية أخرى فى قراءتنا التاريخية اللادرامية الأحادية التى تحدثت عنها فى البداية، إما الأبيض أو الأسود، على الوردى له قراءة مختلفة ولقطة ذكية تأييداً وشرحاً لما كتبته، قراءة «الوردى» المبتكرة لشخصية «أبى جهل» والتى لا بد أن تثير حفيظة من تعوّد على تقديس القديم المحفوظ بلا نقاش، كتب «الوردى»: «الفرق بين أبى جهل وغيره من نبلاء قريش فى الشخصية لم يكن كبيراً، فمعظمهم كان من الطبقة المرابية المستغلة المتعالية، ومن سوء حظ أبى جهل أنه قُتل فى معركة بدر فى صف المشركين، فنال لعنة الأبد، ولو أن الصدفة ساعدته كما ساعدت غيره فنجا من تلك المعركة ثم بقى إلى يوم الفتح فأسلم لصار من كبار القواد الذين رفعوا راية الإسلام!!
إنها مسألة صدفة فقط، قراءتنا التاريخية لا تصنع وعياً، مجرد تراكم معلومات عشوائى، نحن لا نعى التاريخ بل ننعى التاريخ، التاريخ لدينا يتحول إلى دليل تليفونات بارد، القائد وأمامه الموقعة وتاريخها، وكفى الله المؤمنين شر القتال التاريخى، وابعد عن النقد والوعى وغنى له، التاريخ صار نصاً مغلقاً مقدساً، صار مثل النيش الفخم الذى يحتل حجرات سفرة بيوت المصريين، يعرض الأطباق الفخمة التى لا يؤكل فيها، وفناجين القهوة اللامعة التى لا يُشرب فيها، هو لمجرد الفرجة، التاريخ عندنا مثل النيش، هو لمجرد الفرجة والتفاخر، وليس للوعى وتراكم التجارب والاستفادة منها ونقدها وتجاوزها والبناء عليها.
يقول الفيلسوف الإسبانى جورج سانتيانا: «الذين لا يقرأون التاريخ محكوم عليهم أن يكرروه»، ونحن نحفظ التاريخ ونتلو التاريخ لكننا لا نقرأه، فالقراءة فعل دماغى لا عينى، عمل إيجابى لا سلبى، ونحن نردد كالببغاوات، هذا انتصر وهذا انهزم، وتلك الموقعة تمت فى تلك المدينة سنة كذا، ونظن أننا قد قرأنا التاريخ، التاريخ صيرورة حبسناه نحن فى قارورة، وحبسنا أنفسنا معه، نظن أننا قد تجاوزنا عنق الزجاجة، لكننا تجاوزناه إلى داخل الزجاجة.

Thursday, February 21, 2019

خالد منتصر - مساجد أوروبا ليست كلها للعبادة - جريدة الوطن - 2/2019 /21

هاجم البعض طلب الرئيس السيسى فى مؤتمر ميونيخ الأخير بمراقبة المساجد الأوروبية التى تفرخ المتطرفين، وبالطبع استخدموا الرد الحنجورى التقليدى المحفوظ «الحقوا الإسلام ينهار، ودور العبادة تهاجم».. إلى آخر تلك الأسطوانة المشروخة التى يصدقها البعض للأسف ويقعون فى فخاخها فيصبحون احتياطياً استراتيجياً للإخوان يرددون كالببغاوات هلاوسهم، ما نردده دائماً وما قاله الرئيس ليس دعوة لهدم المساجد الأوروبية، ولكنها دعوة للحرص ولمراقبة تلك المساجد التى صار الكثير منها هناك بؤراً إرهابية وأماكن اجتماعات خلايا وعصابات إخوانية وداعشية وقاعدية، وساحات تجنيد لكل متطرف هناك، والحوادث التى تذكر كيف تم تجنيد الإرهابى الذى قتل أو فجر أو طعن بسكين فى أوروبا، دائماً تذكر المسجد كحلقة وصل ومكان تكفير ومأوى دعاة فاشيين يبثون الأفكار السامة للشباب، ولكل من يغالط نفسه ويخدع عقله ويراوغ ضميره محاولاً إقناعنا بأن كل المهاجرين المسلمين إلى أوروبا ملائكة أطهار، وأن كل المساجد هناك هى لذكر الله فقط، سأذكرهم فقط بما حدث فى ألمانيا منذ عدة سنوات، وألمانيا هى أكبر دولة أوروبية تعانى من مجاهدى المساجد، أنعشوا ذاكرتكم، هل تذكرون أن سلطات الأمن فى 28 فبراير 2017 أغلقت فى برلين مسجداً تديره منظمة «فصلت 33»؟ المسجد المغلق كان يتردد عليه أنيس العامرى المتهم بتنفيذ اعتداء بشاحنة على سوق فى برلين أودى بحياة 12 شخصاً، وتبناه تنظيم داعش، وزير داخلية ولاية برلين صرح فى مؤتمر صحفى بأن أنيس العامرى تردد مراراً على مسجد «فصلت» قبل نحو ساعة فقط من تنفيذه اعتداء سوق الميلاد، ولكن هذا ليس السبب الوحيد وراء إغلاق المسجد، فحسب التصريح فإنّ المنظمة التى تدير المسجد متورطة فى عملية جمع تبرعات لتنظيم داعش والقيام بتجنيد عناصر له ونشر أفكار «جهادية»، هل نسيتم إغلاق مسجد الفرقان فى مدينة بريمن سنة 2014 فى إطار حملة مداهمة شملت المسجد و16 منزلاً؟، ووجه اتهام للمسجد وقتها بأنه ينشر الفكر «الجهادى» المتطرف، وقبلها أغلقت السلطات الألمانية مسجد «طيبة» الذى كان يدعى فى السابق «القدس» فى مدينة هامبورج سنة 2010 بسبب أن عدداً من انتحاريى اعتداءات 11 سبتمبر 2001 كانوا يرتادونه، كما تردد أن المسجد كان يُستخدم لتجنيد متطوعين لـ«الجهاد» فى الخارج.
هذا مجرد مثال من بلد أوروبى واحد فقط، وكان لا بد من التنبيه لأن يد الإرهاب طالت الجميع شرقاً وغرباً، ونحن ندفع الفاتورة وليست أوروبا وحدها، المسجد علاقة مع الله وليس علاقة مع داعش، المسجد مكان السكينة والسلام الروحى وليس مكاناً ترفع فيه السكين لإزهاق الأرواح.

Wednesday, February 20, 2019

خالد منتصر - قراءة فى عقل إرهابى لحظة التفجير - جريدة الوطن - 2/2019 /20

لحظة أن ضغط إرهابى الدرب الأحمر على زر التفجير، وجذب صمام الأمان، وفك كوابح حزامه الناسف، لحظة عبثية، قراءتها وفك شفرتها توفر علينا الكثير، وتساعدنا على إجابة سؤال عويص، وهو «كيف يستهين شخص ما بأهم غريزة إنسانية، ألا وهى غريزة الحياة؟!»، كيف لإنسان مثلنا من المفروض أن يفزع ويُغمى عليه عند مشاهدة دم ينزف من عقلة إصبعه، أن يمزق نفسه أشلاء، أكبر جزء فيها أصغر من هذا الإصبع؟!، إنها الفكرة المخدرة التى تُفرمِت العقل والإحساس والروح، تزيف وعيه وتصنع وعياً جديداً لا إنسانياً، يرى الآخر ذئباً، ويرى نفسه هو وجماعته ملائكة أطهاراً منزهين، وكلاء الله على الأرض، محتكرى الحقيقة، لحظة الضغط على الزر لمعت فى ذهنه أثداء حور العين الكواعب اللاتى ينتظرنه فى الفردوس، هو فى قمة الاستعجال والسربعة، سبعون حورية يقتله ظمأ الشبق إلى الارتماء فى حضن كل واحدة منهن سبعين سنة من النكاح المتصل الذى لا يهدأ إلا لاستعادة البكارة، هكذا قال له شيخه وأميره وبالوثائق، منتهى الثقة فى التفجير وتمزيق نفسه، نظرة احتقار يودّع بها المكان وسكانه، يرى الجميع هوام وحشرات كافرة لا تستحق الحياة، رجال الشرطة الذين يهرولون خلفه هم حماة الطاغوت من وجهة نظره، السيدة الغلبانة التى تحمل شنطة الخضار لتلحق بالعيال فى البيت تعيش عيشة جاهلية، فهى غير منتقبة، كل سكان الجمالية والغورية والدرب الأحمر، بل سكان مصر والعالم العربى، بل سكان العالم كلهم يعيشون فى جاهلية، لمعت فى ذهنه الجمل المأثورة التى حفظها من «الظلال» لسيد قطب، المجلد الثانى، حين قال:
«ارتدّت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا اللّه، وإن ظل فريق منها يردّد على المآذن: «لا إله إلا الله» دون أن يدرك مدلولها... إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء.. البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يردّدون على المآذن فى مشارق الأرض ومغاربها كلمات: «لا إله إلا الله» بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثماً وأشد عذاباً يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد».
أنا جندى من جند الله، أنفذ حكم الله الذى لا حكم إلا حكمه، والذى أمرنا بقتالهم «حيث ثقفتموهم»، هكذا فسّروها لى، وهكذا علمنى الداعية الذى تعلمت على يديه، وهكذا أبلغتنى جماعتى من أصحاب الأيدى المتوضّئة الذين أنتظرهم فى الجنة إن شاء الله، تردّدت تلك العبارات، وحملتها مساراته العصبية إلى أصابعه، التى ضغطت على زر التفجير، ما زال يذكر صفحة «معالم فى الطريق» كأنه قد قرأها بالأمس:
«يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة.. لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله، ولا لأنها تقدّم الشعائر التعبّدية لغير الله أيضاً، لكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده فى نظام حياتها، فهى -وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله- تعطى أخص خصوصية الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها».
وهو يجرى بالدراجة مرتدياً الكمامة والكاب، كانوا يصرخون يا مجرم، ده انت جنب الأزهر، وكانوا على ثقة من أنه لن يفجّر نفسه فى منطقة تضم بيتاً من بيوت الله، بل هو أشهر تلك البيوت، لكنه كان يعدو بكل قوته، أعمى البصيرة، فكل المساجد ضرار إلا مساجد عصابته وجماعته، استدعى ما قرأه فى «الظلال»، الجزء الثالث، الذى يقول:
«اعتزال معابد الجاهلية، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلى، وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح، وتزاول بالعبادة ذاتها نوعاً من التنظيم فى جو العبادة الطهور».
من ضغط على زر التفجير ليس الحسن عبدالله، إن أصابعه فقط هى التى ضغطت، لكن المخ الذى أمر، والعضلة التى حركت، والروح التى استفزت، والفكرة التى خدّرت، والنصوص التى غيّبت، تقبع هناك محمية بترسانة من السدنة، من المؤلفة جيوبهم، والمدهش أننا نُنفق على هؤلاء لقتلنا، وندعم أولئك لذبحنا، ونفتح لهم المنابر تعليماً وإعلاماً، للتحريض على تفجيرنا، هل الإرهابى هو المغيب أم نحن المغيبون؟.

Tuesday, February 19, 2019

خالد منتصر - حياتك تستاهل تتعاش - جريدة الوطن - 2/2019 /19

فى آخر لقاء لى مع الصديق الراحل الجميل د. طارق أسعد، أستاذ الطب النفسى، تمنّى فى نهاية البرنامج الاهتمام بالخط الساخن لمنع الانتحار وتقديم المعونة النفسية للمقبل على الانتحار، كان متحمّساً فى ما يشبه الرجاء والتوسّل، ولم أكن أعرف أو أقدّر حجم المشكلة إلا عندما استمعت إلى تحليله، لذلك سعدت جداً بحملة «حياتك تستاهل تتعاش» التى دشّنتها الأمانة العامة للصحة النفسية، بالاشتراك مع إذاعة «نغم إف إم»، وتفعيل الخط الساخن «0220816831» لتلقى مكالمات اليائسين المحتاجين إلى طوق نجاة قبل الرحيل عمداً، والغياب اكتئاباً.
لكن هل مشكلة الانتحار تستدعى كل هذا الاحتشاد وتلك الحملة؟، تعالوا نقرأ هذه الأرقام، لنعرف حجم المشكلة: مليون شخص ينتحرون كل عام على مستوى العالم، أى إن عدد المنتحرين فى العالم أكثر من ضحايا الحروب والقتل العمد، 3000 حالة انتحار يومياً، الانتحار هو السبب الأول للموت عند المراهقين والبالغين تحت الـ35، هناك شخص ما ينتحر فى مكان ما فى العالم كل 40 ثانية، الرجال ينتحرون بنسبة ثلاثة أضعاف المرأة، على عكس ما تتخيلون، هناك شخص يحاول الانتحار، ولم ينجح فيه كل ثلاث ثوانٍ!!، أرقام مُرعبة توضّح حجم المشكلة وخطورتها، لذلك أطلقت منظمة الصحة والجمعية العالمية لمكافحة الانتحار شعار connect، care، communicate لدعم المقبل على الانتحار، وكان لا بد فى مصر ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال وندّعى أنه لا توجد لدينا مشكلة انتحار، لأننا كما نردّد دائماً شعب متدين بالفطرة، من الممكن أن تكون النسبة عندنا أقل، لكنها موجودة وتزداد، ولا بد أن نعرف أن الاكتئاب مرض فيه خلل كيميائى ولا علاقة له بنسبة التديّن أو مقدار ما تؤديه من طقوس، لذلك كان يجب على وزارة الصحة إنشاء خط ساخن يتحدث فيه المقبل على الانتحار عندما تهاجمه الهواجس، ليجد من يدعم بالنصيحة، ويعتنى ويتواصل.
فى أحيان كثيرة يكون المكتئب جعان تواصل وعطشان اهتمام، يحتاج إلى من يسمعه، من يصرخ له، أشد الأمراض إيلاماً هو الاكتئاب، ألمه أشد وأعنف وأقسى من السرطان، والمنتحر يعرف أن المجتمع سيلفظه إذا انتحر ولن يحترمه، يعرف كل ذلك، لكنه بالرغم منه ينتحر، هو بتعبيره ماعادش قادر يستمر، عايز يستريح ويريح، حاسس بأنه بيتفرج عَ الدنيا، لامبالٍ بالحياة، ماعادش يفرق عنده حياة أو موت، ماعندوش الدافع.. إلخ، كل هذه الكلمات لمبات حمراء نراها ولا ننتبه وأجراس خطر نسمعها من المكتئب ولا نعيره اهتماماً، إلى أن تحدث الكارثة فنستيقظ على طلقة رصاص أو ابتلاع أقراص دواء أو قفزة إلى المجهول من نافذة، أو من على كوبرى إلى النيل مباشرة، ثم نُمصمص شفاهنا، قائلين ده كان لسه إمبارح بيتعشى معانا، أو كان مكلمنى فى التليفون وكان بيضحك!!، كلام فارغ نخلى به مسئوليتنا عن إهمال هذا البنى آدم وجعله يصرخ إلى الداخل وحيداً يعود إليه صدى صوته من بئر بلا قاع، الطبيب أيضاًً عليه مسئولية، فمن يترك شاباً حاول الانتحار ليُعالجه بعدها فى البيت بشوية أقراص ويقول دى حاجة بسيطة دون أن يدخله المستشفى ويضعه تحت المراقبة، فهو يرتكب جريمة طبية، الانتحار مرتبط بالإنسان، كما قال صلاح جاهين، الذى للأسف انتحر وهو فى قمة مجده:
الدنيا أوده كبيرة للانتظار
فيها ابن آدم زيه زى الحمار
الهم واحد.. والملل مشترك
ومفيش حمار بيحاول الانتحار.

تغيير الدستور: هل هو غاية أم وسيلة؟ بقلم د. محمد أبوالغار ١٩/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

ترجع أهمية الدستور إلى أنه يشمل كل ما يتعلق بوجود الدولة ومقوماتها وعناصر تكوينها وطرق ممارسة السلطة فيها، ويقرر الحقوق والحريات العامة والضمانات لحمايتها، وينظم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
بدأت ملامح أول نص شبه دستورى بعد أيام محمد على، واهتم بالفصل بين السلطات، وساعد هذا النص على إنشاء أول مجلس شورى للنواب عام ١٨٦٦.
أحد أهم إنجازات ثورة ١٩١٩ كان دستور ١٩٢٣ الذى صاغته لجنة من ثلاثين عضواً، وقد قرر لأول مرة أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة لا يتجزأ منها شىء وحكومتها ملكية وراثية وشكلها نيابى، ونص على المساواة والمواطنة والحرية الشخصية، وأنه لا جريمة ولا عقوبة بدون قانون، وكذلك على حرمة المنازل والملكية وعدم التنصت على الرسائل والتليفونات إلا بالقانون، ونص على حرية الرأى والصحافة وتنظيم التعليم وإلزام المواطنين بالتعليم الأساسى ويكون مجاناً، ونص على حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، ولكنه أعطى الملك سلطة التصديق على القوانين التى يصدرها مجلس النواب وأعطى السلطة التنفيذية للملك فى حدود الدستور، وإذا رفض الملك التصديق على القانون أعيد للبرلمان، وإذا وافق بأغلبية الثلثين يكون سارياً، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، ولمجلس النواب أن يقيل الوزارة ولا يتم الاقتراض بدون موافقة البرلمان.
وقد حدث الانقلاب الدستورى الديكتاتورى الأول حين قرر إسماعيل صدقى بالاتفاق مع الملك على حل البرلمان ومجلس الشيوخ وإيقاف دستور ١٩٢٣ وإعلان دستور ١٩٣٠ الذى أعطى للملك الحق فى رفض القوانين التى يقرها البرلمان، وأن القوانين المالية تكون من سلطة الملك فقط، وكذلك حل مجلس النواب أو تأجيل اجتماعاته، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، والانتخابات تكون على درجتين الأولى اقتراع عام والثانية يجب أن يتوفر فيها شرط الكفاءة المالية.
وقد تلا ذلك انتخابات مجلس نواب مزورة لا تمثل الشعب، وخلال خمس سنوات استمر فيها دستور صدقى بدأت القلاقل وانتهت بغضب شعبى عارم أدى إلى رضوخ الملك وإلغاء دستور ١٩٣٠ العودة إلى دستور ١٩٢٣ وانتخاب الوفد.
وفى عام ١٩٥٢، أصدر الضباط الأحرار إعلانا دستوريا بإلغاء دستور ١٩٢٣ وتكوين لجنة من خمسين عضواً لإعداد دستور جديد عام ١٩٥٤ ولكن مجلس قيادة الثورة رفض الموافقة على المشروع لأنه توسع فى الحقوق والحريات.
صدر دستور ٥٦ الذى منع الحريات العامة والحقوق وأعطى كل شىء للسلطة التنفيذية، وبعد الوحدة مع سوريا صدر دستور ١٩٥٨ المؤقت وبدأت سلسلة من الإعلانات الدستورية غير المنظمة، ثم صدر دستور مؤقت تغيبت عنه الديمقراطية عام ١٩٦٤. وفى عام ١٩٧١ صدر دستور جديد صاغته لجنة من ثمانين عضواً، حدد إطار النظام السياسى وضمان الحريات، ولكنه عظم دور مؤسسة الرئاسة وأحال الكثير من المواد إلى القانون، مما أدى إلى انحسار الحراك السياسى. وفى عام ١٩٨٠، تم تعديل مبادئ الشريعة الإسلامية لتصبح المصدر الرئيسى للتشريع، وإضافة التعددية الحزبية وفتح مدد الرئاسة، ما يعنى إمكانية بقاء الرئيس إلى وفاته ولكن السادات تم اغتياله فى العام التالى.
و فى عام ٢٠٠٥، أضيفت مادة تتيح لأكثر من مرشح الدخول فى معركة الرئاسة وإلغاء الاستفتاء على منصب الرئيس.
وفى عام ٢٠٠٧، حدث تعديل غريب على قواعد الترشح للرئاسة وكان الغرض منه إتاحة الفرصة لجمال مبارك للترشح مع تقييد المنافسين له.
ويتضح من التعديلات التى تلت دستور ١٩٢٣ أنها كلها كانت تعديلات لإضافة مزيد من السلطات للملك أو للرئيس ولتعميق الديكتاتورية ومحاربة الحريات والحقوق والديمقراطية بصفة عامة.
وبعد ثورة ٢٥ يناير وعلى عجالة صدر الدستور الأول الذى اختلف المصريون حول مقاطعة الاستفتاء عليه أو الذهاب للتصويت وكانت نسبة الحضور ٣٢% وتمت الموافقة على الدستور بنسبة ٦٤%. واحتوى على نصوص اعتبرها الكثيرون تحولاً إلى دولة دينية.
وبعد ٣٠ يونيو تمت صياغة دستور جديد بواسطة لجنة الخمسين، والدستور كان فريداً من نوعه لأنه كان الدستور الوحيد منذ ١٩٢٣ الذى توسع فى الحريات وأعطى سلطة أكبر لمجلس النواب واهتم بالصحة والتعليم وحدد مدة الرئاسة باثنتين فقط ووافق عليه الشعب بحوالى ٩٨%. ولكن هناك البعض يرون أنه يعطى الحريات بأكثر مما يجب ويعتقدون أن تقليل الحريات وإعطاء سلطات أكبر للسلطة التنفيذية أفضل.
الآن قدم مجلس النواب مقترحاً بتعديل الدستور سوف يجرى عليه استفتاء ويجب أن تتاح الفرصة للمؤيدين والمعارضين لشرح وجهة نظرهم بحرية وعلى جموع المصريين أن يتوجهوا للصناديق للتصويت بما يمليه عليهم ضميرهم وقناعاتهم حتى لا ننتهى بدستور يتم تغييره بعد فترة قليلة كما حدث مراراً فى تاريخ مصر الحديث.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


Sunday, February 17, 2019

مابين الحرية والالتزام بقلم الأنبا موسى ١٧/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


نتابع حديثنا بإذن الله ومعونته، حول.. «التوازنات المطلوبة فى حياتنا»...
٧- التوازن بين الحرية والالتزام
الحرية هى سمة هذه الأيام، ورياح التحرير تهب على كل مكان. والله يحب أن نكون أحرارًا، وقد خلقنا كذلك، ولكنه يحب أن نحيا الحرية الحقيقية، وليس الحرية الوهمية، التى هى فى حقيقتها عين العبودية، لأن «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا ٣٤:٨).
خلق الله الإنسان حرًا، وترك له فرصة الاختيار بين أن يتبع الله أو يتبع الشيطان، واختار الإنسان الخطية والعصيان، فحلت عليه عقوبة: «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (تك ١٧:٢)، «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِىَ مَوْتٌ» (روميه ٢٣:٦)، لكن الله فى محبته لنا، أعطانا التدين السليم طريقًا للإفلات من هذه العقوبة، فبالتدين نتقرب إلى الله تعالى، وننال منه الغفران والمعونة..
لا توجد حرية مطلقة...
غير أنه لا توجد حرية مطلقة، فهذا وهم مدمر، وكما يقولون: «حريتك تنتهى عند طرف أنفك»، أى أنها تنتهى عندما تبدأ حرية غيرك، وعليك ألا تتدخل فى حريته.. فمثلا:
١- أنت حرّ فى أن تقتنى سيارة، وأن تتحرك بها، لكن لابد أن تلتزم بقواعد وقوانين المرور، وإلا تعرضت للخطر، وعرّضت الآخرين معك.
٢- وأنت حرّ فى أن تزور صديقك، ولكنك لست حرًا أن تتلصص على محتويات أدراج مكتبه، بدعوى أن هذه غريزة حب الاستطلاع.
٣- كذلك أنت حرّ فى أن تأكل، ولكن دون أن تؤذى نفسك بكمية أو أنواع الأطعمة التى تأكلها، لئلا تصاب بأمراض خطيرة.
لذلك يجب الموازنة بين الحرية والالتزام!!
وها نحن نرى أمامنا نتيجة انفلات الحرية الجنسية فى الغرب، وكيف أدمن بعضهم الخطيئة والدنس، فلم يستطيعوا أن يتحرروا من ذلك حتى بعد الزواج، فكانت الزيجات المتعثرة، والأسر المفككة، والأولاد المشردون المتعبون نفسيًا!!
إن الحرية المنفلتة فى أمور الجنس قادتهم إلى الإدمان، ثم إلى المخدرات، ثم إلى الجريمة.
لكن الحرية الحقيقية هى من الله، حين نلتزم بعبادته ووصاياه.
لهذا لابد من حرية ملتزمة لها ضوابطها، مثل:
١- الله: النور الأعظم والخير اللانهائى.            ٢- الكتب المقدسة: حيث الوصايا ودستور الحياة اليومية.
٣- الضمير: وهو صوت الله داخل الإنسان.       ٤- الاسترشاد: برجال الدين حيث النصح البنّاء.
٥- قوانين الدولة: حيث أوصانا الله بطاعتها «اخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِىٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ» (١ بطرس ١٣:٢).
٨- بين العلم والإيمان
- لا تعارض بين العلم الكامل والإيمان الحقيقى.. وحينما سألوا «إسحق نيوتن» عن شعوره بعد اكتشافاته المذهلة لقوانين الطبيعة، قال لهم: «كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم».. و«أينشتاين»، صاحب نظرية «النسبية»، قال: «كلما ازددت علمًا ازددت إحساسًا بالجهالة».. ذلك لأنه إن درس شيئًا وأدرك تفصيلاته فوجئ بجديد يحتاج إلى بحث!!
- إن جسم الإنسان يحتوى على ٦٠ مليار خلية، وكل خلية عليها الشفرة الوراثية الخاصة بالشخص، وتحتوى على ١٠٠.٠٠٠ عنصر وراثى.
- وها نحن نتعرف على الفيمتو/ ثانية وهى جزء من مليون بليون من الثانية، حسب تحديد واكتشاف د. أحمد زويل، فى بحثه حول أشعة الليزر.
- وهناك كوكب جديد يتم اكتشافه حاليًا ضمن المجموعة الشمسية، حجمه جبار، لم يصلنا ضوؤه سوى هذه الأيام.. وهناك ما لم يصلنا نوره بعد من كواكب هذا الكون الشاسع الذى خلقه الله تعالى.
■ ■ ■
العلم الحقيقى يمجد الله:
نعم.. العلم الحقيقى يمجد الله، سواء فى سماء الفلك، أو محيط الطيور أو الحيوانات، والكائنات البحرية، أو عالم النبات.. فكم بالحرى عالم الإنسان تاج الخليقة؟!
لهذا فهناك توازن مطلوب بين العلم والإيمان:
فالعلم يبحث فى دائرة الحسّيات، والإيمان يبحث فى دائرة الماورائيات.. ماذا وراء المادة؟ والطبيعة؟ والحياة؟ والكون؟ والموت؟
ومشكلة بعض الباحثين سرعة القفز إلى نتائج غير سليمة:
مثلما حدث فى نظرية دارون «النشوء والارتقاء.. والانتخاب الطبيعى». حيث وجد دارون نفسه أمام سؤالين غاية فى الصعوبة، هما:
١- كيف جاءت الخلية الأولى إلى الحياة؟
٢- ماذا عن الفجوة الجبارة بين «الغوريلا» والإنسان؟
لم يستطع دارون الإجابة، ولكننا «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عبرانين ٣:١١)، فهو الذى يقول للشىء كن فيكون!
نعم بالإيمان نفهم:
١- أن الله هو أصل الوجود، وواهب الحياة للخلية الأولى، ولكل الكائنات الحية.
٢- أن الله صنع الإنسان حين نفخ فيه روحًا عاقلة، ليست موجودة فى الحيوانات. كذلك فإن تشابهت الأعضاء الجسمية بين الإنسان والحيوان، فهذا دليل آخر على وحدة الصانع، الذى خلقهما معًا، وترك بصمة فى كل منهما. لماذا لا نتشابه مع الحيوانات فى بعض الأجهزة الدورية والعصبية والجنسية... إلخ، مادامت الوظائف متشابهة، والخالق واحدا؟! ولكن يبقى فرق جوهرى وهو وجود عنصر «الروح» فى الإنسان، بصمة من الخالق، يحدثنا عنه، ويدلنا إليه.
بماذا يتميز الإنسان؟
هناك فرق شاسع بين الإنسان: صاحب الروح العاقلة، والمتجاوز لذاته، والمتطلع إلى المطلق واللانهائى، والذى سيخضع للثواب والعقاب بسبب صوت الله فى داخله، والروح العاقلة التى يتميز بها.
فرق شاسع بينه وبين الحيوان الذى نفسه فى دمه، يموت فينتهى كل شىء!!
■ ■ ■
إن كانت العين المجردة ترى لمسافة محدودة، وتحتاج إلى التلسكوب لترى الأجسام البعيدة.. كذلك العقل الإنسانى المحدود يدرك المحدودات، ويحتاج إلى الإيمان، عطية الله، ليتعرف على غير المحدود، فالإيمان هو التلسكوب الذى نضعه أمام العقل، فيتأمل الروحيات والإلهيات.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Saturday, February 16, 2019

خالد منتصر - «أهو ده اللى صار» - جريدة الوطن - 2/2019 /17

كنا نظن أن رمضان هو جنة المسلسلات، يظل المنتجون مترقبين قائمة المبشرين بالعرض الرمضانى، وإذا خرج أحدهم من هذا الماراثون ظل يندب حظه كالثكالى والأرامل على مقبرة حلقاته الثلاثين!، لم يبذل أحد طيلة تلك السنوات جهداً للتخلص والتملص من هذا القدر الإغريقى السرمدى الرمضانى وكأنه مصير مكتوب فى اللوح المحفوظ!، أخيراً تم كسر تلك الأسطورة بعدة مسلسلات، شاهدت منها مسلسلاً جذبنى منذ أولى حلقاته، وهو مسلسل «أهو ده اللى صار»، مسلسل مختلف بالفعل، مكتوب بحرفية ومهارة ونفس روائى وحبكة موزونة بميزان الذهب، السيناريست عبدالرحيم كمال أبدع فى توازى الزمانين ولم يفلت منه الخيط، انتقال درامى سلس بين زمن الحرب العالمية الأولى وزمن الحاضر، بين الطربوش والجينز، بين رسالة البوستة والواتس آب، حوار شاعرى رشيق بين شخصيات يوسف ونادرة وعلى بحر وأصداف.. إلخ، بين ابن الباشوات وبنت السفرجى، وبين الموسيقار والراقصة، لم يستخدم التفاوت الطبقى لابتزاز المشاعر بفجاجة، ولكنه استخدمه لبيان التناقض وعزف لحنه العاطفى الخاص برقة ونعومة، أبدع حاتم على المخرج العاشق لتلك الفترات التاريخية المحملة بعبق النوستالجيا، خدمت الصورة وأثرت السيناريو وأثّرت فيه، الممثلون عزفوا أوركسترا «أهو ده اللى صار» بمنتهى الإبداع، الفنانة روبى مدهشة، عصير مصرى مركز لا يحتوى على مكسبات الطعم الأفرنجية، عين نافذة مغناطيسية تطل منها علينا بنعومة وتلقائية وفطرية، ونطل نحن عليها بحب، نصدقها وهذا يكفى، أرشحها لتكون بالفعل نجمة مصر الأولى، وأعتقد أنها قد دشنت نفسها لهذا المركز بعد هذا المسلسل، سوسن بدر التى وصفها شادى عبدالسلام بالهاربة من المتحف، وجه فرعونى وكأنه خارج تواً من معبد من معابد الأقصر، تجسد دور خديجة هانم بكل كبرياء وشياكة ورقى، أحمد داود نجم صاعد بثقة، صاحب ابتسامة مريحة وأداء سهل، لا يحزق ولا يستعرض عضلات، محمد فرج منذ أن لمحته فى قهوة سادة تنبأت بأنه جوكر جيله، «أهو ده اللى صار» مسلسل يستحق المتابعة، كسر القاعدة الرمضانية، وخرج عن المألوف زمنياً ودرامياً، سعيد بأن أشم مرة أخرى عطر مسلسلات أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ فى هذا الثنائى المبشر عبدالرحيم كمال وحاتم على، الدراما المصرية ولادة ولن تموت برغم كل الصعاب والمعوقات.

خالد منتصر - سناء البيسى وعالم اليقين - جريدة الوطن - 2/2019 /16

أنا كمحب للعلم النسبى، لا أثق فى صدق اليقين، وأنا كمحب لسناء البيسى أثق فى صدق رحلتها نحو اليقين، أجمل ما فى كتابها «عالم اليقين» الصادر عن دار «نهضة مصر» هو جهد التجربة وغبار الرحلة، وليس الإجابات والنتائج، نشوته فى مشقة السير المجهدة لا فى كراسى محطات الوصول الوثيرة، غاصت «سناء» الأستاذة الطالبة فى عالم السيرة النبوية وتاريخ الأئمة ومعارك المجتهدين وأماكن القدسية وأسئلة الحيارى، نقبت فى الأشخاص والأفكار والأضرحة وبيوت الرب، تحملت سنين ضنى البحث وسنون صخور المناجم، لكنها دائماً بقلبها المحب الحاضن الشغوف كانت دوماً تكشف الطريق، مصباحها المطل من بين الضلوع لا تنفد بطارياته، رحلة السعى نحو شمعة الضوء فى نهاية النفق رحلة عطش لا ارتواء، لكنه العطش اللذيذ الذى تنعشه مجرد قطرة ندى، كما تنتشى بها زهرة تتفتح فى الفجر، تستقبل أولى قبلات الشمس، سناء البيسى فى هذا الكتاب ومن خلف السطور المعلنة المكتوبة، تكتب على نفس الصفحات بحبرها السرى المعطر، قصة بحثها الشخصى عن اليقين، اللون سر، وقد مس هذا السر سناء البيسى، فاستجابت لنداهة الفن، لتظل حياتها بحثاً دؤوباً ومنهكاً عن سر اللون الموحّد الذى رسم خريطة الدنيا ونقش نمنمات الكون، منذ أن كانت طالبة فى المدرسة، كانت تضبط متلبسة بتلوين كل الأفكار فى كل كتب الدراسة وتحويلها إلى خطوط نابضة بالحياة، اقتحمتها الصحافة المكتوبة، لكنها واجهت اقتحام سن القلم الصحفى الحاد المدبب بطراوة شعيرات ريشة الرسم المرنة الحنون، ظلت منذ أولى خطواتها فى بلاط صاحبة الجلالة لا تقبل التنازل عن سر الفن المقدس أو المساومة عليه، رقصت الباليه على ألحان ماكينات المطابع، عزفت البيانو على أوراق الدشت، كل العيون اتجهت إليها، تريد تأميمها صحفياً، لكنها اختارت أن تحلق مع فنان تشكيلى ثائر متجاوز لكل السائد والمألوف، واجهت الدنيا وعاشت مع ألوان الطيف وذابت فيها عشقاً، واحتفظت بوهج شعلتها الفنية المقدسة، كتبت هذا الكتاب فى فترات استراحتها من تشكيل لوحاتها فى صومعتها، أمام اللوحة وأمام الورق، بالريشة وبالقلم، هى فى رحلة بحث عن اليقين، عن الصدق، عن الحب، عن الجوهر، عن النواة، عن الأصل، ما زالت نشوتها فى السؤال رغم أن عنوان الكتاب يوحى بأنها قد حصدت الإجابات، ما زالت ريشتها القلمية تبحث عن مكامن الضوء فى بورتريه الحياة، وتظلل دمامة القبح فى بعض بقع اللاإنسانية المتناثرة فى خلفية المشهد، تكسر المنظور من فرط ملل الروتين، وتعيد ترتيب المتناثر من شدة الشغف بالإيقاع، سناء البيسى تحاول اختزال الكون فى قنينة ألوان، تجمع كل عبق روائح الدنيا فى زجاجة عطر، ما زالت تبحث عن اليقين فى عالم اللايقين، تحاول عقد معاهدة صلح فى عالم يسوده الخصام، أعشق فى سناء البيسى علامات استفهامها، حتى لو كانت تبحث عن نقاط إجابة، القارئ الذى يظن أنها قد حدّدت وأجابت ما بين القوسين قد خسر الرهان، فهى قد كتبت سطراً طويلاً مفتوحاً لاهثاً من ستمائة صفحة، عليك أن تقرأه بنفس الروح المتسائلة وتشاركها البحث حتى تكسب رهانها المراوغ، جمال الفن فى مراوغته ودلاله وألغازه، وسناء البيسى فنانة حتى لو رسمت بحبر المطابع.

Thursday, February 14, 2019

فاطمة ناعوت تكتب: أحبّوا.. مثل طفلٍ ضرب قدمَه بسهم ١٤/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


 اليومَ، سوف تصطبغُ صفحاتُ العيون بحُمرة الشفق، ويُشرقُ الكونُ بالورود الحمراء وتخفقُ القلوبُ بحُمرة الهوى. سوف يترجّلُ «كيوبيد» عن أرجوحته الطفولية المُزدانة بالزهور ويجوبُ الدروبَ، حاملًا قوسَه وسهامَه. هو أكبرُ طفلٍ فى الوجود. عمره ٣٠٠٠ عام. طفلٌ أبدى لا يكبر أبدًا ولا يشيخ. عبرَ فوق السنوات، وقفزَ فوق العقود وحلَّقَ فوق القرون، لكنه نسى أن يكبُر عامًا واحدًا. شأنه شأنَ الحب: عابرٌ للزمن، شأنَ الحبِّ: معصوبُ العينين، شأنَ الحبِّ: يصيبُ القلوبَ بسهمه الحارق دون إنذارٍ ودون مَنطقٍ.
هو، فى الميثولوجيا الرومانية، طفلُ الآلهة المُدلّل. أمُّه: ڤينوس، ربّةُ الجمال. وأبوه: مارْس، إلهِ الحرب. تقول الأسطورةُ إن الغيرةَ ضربتْ قلبَ ڤينوس من الأميرة سايكى Psyche. لأن جمالَ الأخيرة وحُسنها َالفائقَ شغلَ الناسَ عن عبادة ڤينوس. فأمرتْ الإلهةُ ابنَها كيوبيد بأن يصيبَ الفتاةَ الجميلةَ بسهمٍ لكى تُحبَّ أكثر رجال الأرض فقرًا ودمامةً. لكن كيوبيد انبهرَ بجمالها، فرمى قدمَه بسهم الهوى، ووقع فى عشقها. ولأنه إلهٌ ومحبوبته إنسانٌ، فقد كان ممنوعًا عليها أن تراه. فالبشرُ غيرُ مسموح لهم برؤية الآلهة. شيّد «كيوبيد» لحبيبته «سايكى» قلعةً مهيبة بحديقة غنّاء وظلَّ يزورُها كلَّ ليلة يطارحها الغرام، دون أن تتجرأ البنتُ بالنظر إليه. حتى أوعزت لها شقيقتاها بأن تنظرَ إليه. ولما فعلت غضب كيوبيد واختفى. واختفى القصرُ والحديقة. فضربها الحزنُ وهامتْ على وجهها شاردةً حتى صادفت هيكلَ ڤينوس، فدخلت تتوسّل إليها. أمرتها الربّةُ أن تحملَ صندوقًا صغيرًا وتذهبَ إلى العالم السُّفلى لتملأه زوجةُ بلوتو من جمالها، وتعود به دون أن تفتحَ الصندوق. لكن الفضول جعلَ «سايكي» تفتح الصندوق فلم تجد الجمالَ. بل وجدت نومًا يشبه الموات. فضربها النومُ الطويل. ولمّا وجدها كيوبيد ملقاةً فى الصحراء كالموتى، رقَّ قلبُه لها، فانتزعَ منها النومَ ووضعه فى الصندوق وأحكم عليه الغلق، ثم تزوجها. فمَنَّ عليها «جوبيتر»، إله السماء والبرق، بالألوهية، وصارت «سايكى» ربّةَ الروح. ومنها اِشْتُقَّ اسمُ: علم النفس Psychology.
اليومَ، هو عيدُ الحبّ. هو بداية فصل الربيع عند قدامى الرومان. حيث مهرجانُ الخصب والنقاء. كان الرومان يكنسون البيوتَ وينثرون القمحَ والمِلحَ فى أركانها، ثم يذهبُ الكهنةُ إلى الكهف المقدس، حيث كان الطفلان الإلهان: روميلوس وريميس، مؤسِسا الدولة الرومانية، يعيشان تحت رعاية أنثى ذئب. ينحرُ الناسُ القرابين: عنزةً، رمزًا للخصوبة، وكلبًا، رمزًا للنقاء والوفاء. ثم يُقطّعون جلدَ العنزة شرائحَ صغيرةً ويغمسونها فى الدم، ويجوبُ بها الأولادُ الطرقاتِ ليمسحوا وجوهَ النساء، وصفحات الحقول، حتى يعمَّ الخصبُ: إنجابًا للنساء، ومحاصيلَ للحقول. وعند المساء، تُلقى الفتياتُ أسماءهن فى جَرّة فخارية، ويأتى شبابُ الرومان يلتقطُ كلٌّ ورقةً، فيتزوجُ صاحبتَها. تلك قصة عيد الحب ١٤ فبراير، كما روتها لنا أساطيرُ ما قبل الميلاد.
أما الحكايا الأحدث فتقول إن قدّيسًا اسمه «ڤالنتين»، عاش فى عهد الإمبراطور كلاوديس، الذى جَرّم الزواجَ على الشباب لاعتقاده أن الزواجَ يُضعفُ لياقة الجنود القتالية. لكن القديسَ الطيبَ رأى فى ذلك القانونَ إجحافًا ومخالفة لتعاليم السماء. فراح يزوّجُ العاشقين فى كنيسته سِرًّا، متحدّيًّا أوامرَ الإمبراطور. ولما اِكتُشفَ أمرُه أُعدم يوم ١٤ فبراير، فصارَ اليومُ أيقونةً للمحبّين. وصار يوم «فالنتين» ثانى أكبر عيد على مستوى العالم، بعد الكريسماس، يتبادل فيه الناس التهانى والهدايا؛ إذْ فى أمريكا وحدها يُوزَّعُ نحو بليون كارت فى هذا اليوم. تحملُ قلوبًا حمراءَ وورودًا.
وما بين الأسطورة الڤينوسية وحقيقة القديس الطيب، يوافقُ اليومُ (١٤ فبراير) بداية موسم تزاوج الطيور فى معتقدات إنجلترا وفرنسا. لهذا أصبح سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ، والأصدقاء بطاقاتِ التهانى والهدايا. وترقدُ حتى لليوم، فى مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة فى التاريخ، من عاشق لحبيبته فى عيد الحب. وكانت من تشارلز، دوق أورليانز، لزوجته حين كان سجينا فى برج لندن فى القرن الـ١٥.
الحبُّ هو اللغزُ الذى منحنا كلَّ هذا الميراث الضخم من الأغنيات والأوبرات، والمسرحيات، والروايات، والقصائد والمقطوعات الموسيقية. هو القوة العجيبة التى دفعت الإنسانَ ليبدع القطع النحتية واللوحات التشكيلية والأساطير. هو الكيمياء التى تصنع المشاعر وتخطف العقول، وتجلب السعادة مثلما تجلبُ الحَزَن. إنه الحب الذى جَمَّلَ العالمَ وغمر البشرَ بالبهجة والفرح. إنه الحبَّ الذى حين يُستخَفُّ به، قد يسبب أشدَّ ألوان العذاب النفسى والجسدى والعقلى كذلك. هو لغزٌ اسمه الحبُّ. أحبِّوا، تَصِحّوا، مثل الطفل الذى لا يكبر.
طوبى لكل من لديه قلبٌ يُحبُّ، وطوبى لمن يحبّ الوطن. «الدينَ لله، والوطنَ لمن يحبُّ الوطن».

خالد منتصر - اللاهوت - جريدة الوطن - 2/2019 /14

الكَتَبة كثيرون، والكُتّاب قلة، والكاتب صاحب المشروع عملة نادرة فى زمن الاستسهال، والمفكر المصرى عبدالجواد ياسين ضمن أصحاب المشاريع الفكرية الكبرى، يغزل أفكاره فى هدوء داخل صومعته، بدون ضجيج وبدون شو، أفكار برغم أنها بنت اليوم، لكنها حتماً جنين الغد المرتقب، بعد كتابه الرائع «الدين والتدين»، خرج علينا الدؤوب عبدالجواد ياسين بملحمة فكرية أخرى لا تقل روعة وجدية وتفرداً وأصالة عن سابقتها، كتاب «اللاهوت» الصادر عن مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، كتاب ضخم يحتاج صبراً وتركيزاً واحتشاداً لقراءته، الموضوع صعب وشائك، والباحث فيه يسير فى حقل ألغام مشتعل، وهو محاط بأسوار بديهيات صنمية، أى خدش فيها هو جرح نرجسى نازف يقابل بهستيريا تمنع أى محاولة لتضميده، محاولة فرز ما هو اجتماعى عما هو إلهى داخل الدين، رحلة لا تكفيها مقالات بمساحة الجريدة، فما بالك بعمود صحفى متواضع محدود المساحة، لكنها محاولة لوضع الخريطة الجينية للظاهرة الدينية فى شريط دى إن أيه مضغوط ومقروء، يفرق المؤلف فى البداية بين اللاهوت المرتبط بالذات والديانة المرتبطة بالجماعة، ويمضى فى رحلة لكشف كيفية تأثر فكرة اللاهوت فى الأديان الإبراهيمية بالمحيط الاجتماعى، وتلاقح الأديان الأخرى السابقة، مثل السومرية والكنعانية والمصرية القديمة، وأيضاً اختلاف فكرة اللاهوت فيها عن الهندوسية والبوذية والشنتو.. إلخ من أديان أو فلسفات الشرق الأقصى، يتتبع تشكل فكرة الله والوحى والنبوة. ثلثا الكتاب الأول فى منتهى الأهمية لفهم الثلث الأخير، لكن هذا الثلث الأخير هو أهم وأخطر ما فى الكتاب وأكثرها التصاقاً وحميمية وهو المتعلق باللاهوت الإسلامى والذى تمنيت لو احتل هو الثلثين، لأنه سيستفزنا لطرح أسئلة مسكوت عنها هى بالنسبة إلينا الآن قضية حياة أو موت فى ظل الفاشية الدينية التى تسكن تحت جلودنا وليست فى كهوف صحرائنا فقط، يطرح فى هذا الثلث الأخير سؤالاً، وهو إلى أى مدى يمكن القول بأن اللاهوت الإسلامى كان نتاجاً للقاح عبرى عربى؟، هل هناك تفرقة بين المرحلة المكية فى القرآن، وهى مرحلة اللاهوت، والمرحلة المدنية وهى مرحلة التشريع؟، هل لغة الخطاب المكية إلى الفرد مختلفة عن لغة المواجهة المدنية؟، عصف الكتاب الذهنى يجعلنا فى مواجهة مع حقائق المفروض أن نبنى عليها قناعات فى تعاملنا مع فكرة الدين، منها حضور التوراة فى المرحلة المكية الذى فيه تناغم لا جدل، كيف أثرت مكة كمركز تجارى به سيولة ثقافية وطقوس قرشية مرتبطة بالكعبة فى الذهنية اللاهوتية الإسلامية؟، ما معنى أن الصلاة نفسها لم تتشكل إلا بعد ثلاثة عشر عاماً من بدء الإسلام، أليس هذا ارتباطاً وتلبية لتطور متطلبات الاجتماع البشرى، وولادة اللاهوت بالتدريج لا مكتملاً منذ البداية؟، ما دور الحنيفية فى اللاهوت الإسلامى؟، كيف نخرج كمسلمين من مرحلة التجميد الدينى التى تلت مرحلتى التدشين والتدوين؟، كيف توسّعت مساحة النص فى السنة والوحى عند الشيعة؟، وكيف حسم «الشافعى» الصراع لصالح الرواية على الرأى؟
كتاب «اللاهوت» ليس مجرد كتاب للقراءة العابرة، ولكن لا بد من عقد حلقات نقاشية وموائد مستديرة وعصف ذهنى فعال حول أفكاره، كتاب ليس لرفوف المكتبة، ولكنه لتلافيف العقل.

Tuesday, February 12, 2019

خالد منتصر - الجرى تجاه السرطان بزيادة الوزن - جريدة الوطن - 2/2019 /13

دراسة نشرتها مجلة «ذا لانسيت» العلمية الأسبوع الماضى أثارت ضجة عن علاقة السمنة والبدانة بالسرطان، العلاقة كانت قديماً بين السمنة والضغط أو السمنة والسكر، لكن العلاقة الآن بين السمنة والسرطان صارت مؤكدة، ونسبتها عالية، لدرجة أن السمنة مسئولة فى بريطانيا على سبيل المثال عن واحدة من كل عشرين حالة إصابة بالسرطان، وصارت الأبحاث تبحث عن النسبة والإحصائيات، لا عن مناقشة هل السمنة لها علاقة أم لا؟، فالعلاقة صارت الآن من البديهيات العلمية، ولا بد من مواجهتها بحسم والتعامل مع السمنة على أنها مرض عضوى وليست مجرد أرقام زائدة على ميزان، بيانات الدراسة المنشورة فى «اللانسيت» حصلوا عليها من تشخيص حالات الإصابة بأنواع هذا المرض خلال نحو عشرين عاماً، وتناولت الدراسة حالات الإصابة للأشخاص بين 25 - 84 عاماً، لتجد زيادة مفاجئة فى معدل الإصابة بالسرطان لفئة الشباب 25 - 49 عاماً، كثير منها بسبب السمنة وزيادة الوزن، ومن بين 12 سرطاناً مرتبطاً بالسمنة شملتها الدراسة، تظهر 6 أنواع ارتفاعاً كبيراً بين الشباب الأمريكى، والأنواع هى: سرطان القولون والمستقيم، وسرطان بطانة الرحم، وسرطان المرارة، وسرطان الكلى، وسرطان البنكرياس، والسرطان النخاعى المتعدّد (الميلوما)، الذى يظهر عادة لدى أشخاص تتراوح أعمارهم بين الستينات والسبعينات، ووفقاً لمركز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة، فقد شهدت الفترة بين عامى 1999 و2016، ارتفاعاً فى معدل انتشار السمنة بالولايات المتحدة من 13.9٪ إلى 18.5٪ بين الأطفال والمراهقين، ومن 30.5٪ إلى 39.6٪ بين البالغين، محاولات تفسير الربط بين السمنة والسرطان تعدّدت، ومنها بتبسيط أرجو ألا يكون مخلاً الآتى:
- تُسبب كثرة الدهون فى الجسم ارتفاعاً فى مستويات الأنسولين وهرمونات النمو، حيث يؤدى هذا الارتفاع إلى تحفيز الخلايا على الانقسام بشكل أكبر.
- يحفّز موت الخلايا الدهنية الموجودة بكثرة فى الجسم، إرسال خلايا مناعية لإزالة الخلايا الميتة، مما يسبب الالتهابات التى بدورها تزيد سرعة انقسام الخلايا، وبالتالى تزيد خطر الإصابة بالسرطان.
- تعمل الخلايا الدهنية على إنتاج هرمون الاستروجين بعد سن انقطاع الطمث، حيث يعتبر الاستروجين من العوامل التى تحفّز على انقسام الخلايا بشكل سريع، خاصة فى منطقة الثدى والرحم، مما يسبب حدوث خلل فى الخلايا، وبالتالى زيادة خطر الإصابة بالسرطان.
- تؤدى زيادة الدهون فى منطقة البطن إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، وقد يرتبط أيضاً بالإصابة بسرطان البنكرياس، وبطانة الرحم، وسرطان الثدى، خاصة لدى النساء فى سن ما بعد انقطاع الطمث.
وتتنوع وتتعدّد أنواع الأمراض السرطانية المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، حيث يبلغ عددها حالياً 13 نوعاً مختلفاً، ويتم ترتيبها على حسب قوة هذه العلاقة، كالتالى: سرطان الثدى بين النساء اللاتى تخطين سن اليأس، ثم سرطان الأمعاء، ثم سرطان الرحم، ثم سرطان المرىء، ثم سرطان البنكرياس، ثم سرطان الكليتين، ثم سرطان الكبد، ثم سرطان المعدة، ثم سرطان الحوصلة المرارية، ثم سرطان المبيضين، ثم سرطان الغدة الدرقية، ثم أحد أنواع سرطان خلايا الدم، ثم أحد أنواع سرطان خلايا المخ.

د. محمد أبوالغار يكتب: حديث عن الحرية مع سائق تاكسى فى استوكهولم ١٢/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


تعودت على استخدام المواصلات العامة فى أوروبا بسبب سهولة الاستخدام والراحة فى استعمالها، ولكن فى رحلتى الأخيرة فى استوكهولم لم أستخدمها، لأن الشوارع كانت مغطاة بالجليد، ودرجة الحراراة وصلت إلى ١٩ تحت الصفر، فكان المشى فيها للوصول إلى محطة المترو أو الأوتوبيس يشكل خطراً كبيراً بسبب سهولة الانزلاق. وكان جميع سائقى سيارات الأوبر والتاكسى التى ركبتها من المهاجرين إلى السويد من الجيلين الأول أو الثانى.
ركبت مع سائق عراقى قال إنه من كركوك وإنه تركمانى، يجيد اللغة العربية والتركية والسويدية، وهاجر إلى السويد منذ ما يقرب من ٣٠ عاماً. قال إنه متزوج من سيدة من بوسنيا، وإنه درس فى شبابه فى صربيا أيام صدام حسين. وقال إن السويد هى بلده الذى ينتمى إليه ويحبه، وإن العراق بالنسبة له ماض، وإن العراق قد تم تقسيمه، والفوضى والفساد والإرهاب سائدة فى كل مكان. ثم قال إن أيام صدام كانت أحسن، لأن العمل كان متوفراً والأحوال الاقتصادية متميزة، وكانت فرصة الكسب عظيمة، وما دمت بعيداً عن السياسة والتحدث أو العمل بها فأنت آمن. الآن لا عمل ولا أمان.
سألته عن أحوال العراق بعد حرب صدام ضد إيران، فقال إنها كانت حربا مريرة فقد فيها العراق مئات الآلاف من الشباب وخسر فيها اقتصاده، ولكن لماذا خاضها صدام؟ قال: جنون العظمة، حين يصل الديكتاتور إلى مرحلة معينة يعتقد أنه قادر على كل شىء وفجأة يجد نفسه لا شىء. وماذا عن اجتياح الكويت والتصميم على عدم الانسحاب؟، قال إن هذا أحد جوانب الجنون، الذى لم يقدر فيه حسابات العالم كله، بالرغم من التحذيرات المتتالية بضرورة الانسحاب.
ثم قال إن الطغاة أنواع، بعضهم لا يخشى العالم الخارجى مثل صدام، وبعضهم يرى أنه لكى يظل آمناً عليه أن ينصاع بالكامل للقوى الخارجية ليضمن حيادها تجاهه وبقاءه فى السلطة بينما هو مستمر ينكل بالشعب بقوة.
سألته عن الديمقراطية؟، فقال فى العراق الديمقراطية لا تشبع جعاناً ولا تغنى فقيراً، ولكن هنا فى السويد الديمقراطية هى التى قامت ببناء الوطن وأدت إلى الرخاء، وإن الحرية وحماية حقوق البنى آدم هى سر تقدم هذا البلد الذى يعيش فى طبيعة قاسية. قلت إنه فى الثلث الأول من القرن التاسع عشر هاجر ثلث سكان السويد إلى أمريكا، هرباً من الجوع والفقر وقسوة الطبيعة وإن التقدم الهائل لهذا البلد حدث بسبب دخوله الثورة الصناعية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، والتى تلاها مباشرة مبادئ حقوق العمال وحقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، بالإضافة إلى أنها لم تخض حرباً منذ سنوات طويلة جداً. والبلد يعيش فى الديمقراطية الاجتماعية، فالنظام هيكله رأسمالى والقطاع الخاص يملك كل شىء، ولكن الضرائب التصاعدية الضخمة والنقابات القوية تضمن الحقوق للجميع. والتعليم والصحة مجاناً على أعلى مستوى فى العالم، ورعاية كبار السن ومعونة البطالة تضمن حياة كريمة للجميع.
وقال: عشنا فى العراق فى انقلابات ومؤامرات وحروب متتالية، وأنا من الأقلية التركمانية التى تسكن الشمال فى كركوك، وأقصى الشمال يسكنه الأكراد، ولكن به سكان من العرب الذين هجرهم صدام حسين ليحدث تغييراً فى التركيبة السكانية فى الشمال.
سألته هل أنت سعيد بالديمقراطية والمساواة الكاملة فى السويد وأنت تأتى من خلفية عرقية ودينية مختلفة؟ فأجاب بأنه لا يتخيل الآن أن يعيش بدون الديمقراطية، فقلت له ولكنك قلت إن الديمقراطية لا تشبع إنساناً، فقال إن هذا فى العراق لأننا من أعراق كثيرة مختلفة نعيش سوياً، فقلت له إن بلاداً كثيرة عربية تحكم بالديكتاتورية، سواء كانت جمهورية أو ملكية، وليس بها هذا التعدد الكبير فى العرقيات، فأجاب بأنه لا بد أن يكون هناك شىء خاطئ فى هذه المنطقة، التى ترفض التقدم وترفض الحرية وترفض العمل بجدية لتحسين الاقتصاد. ثم قال إنه على اتصال بوالده وأقاربه فى كركوك وبالتليفون وبالفيديو، وهو يعرف أحوالهم بدقة.
سألته أخيراً وأنت تعيش تحت حرية كاملة وديمقراطية متميزة مازلت تقول بأن الديمقراطية لا تشبع جوعاناً؟، فقال ربما مازلت أخاف من صدام حتى هذه اللحظة، فالخوف يقتل الأفكار ويقتل الأمل، بل يقتل الإنسان وهو مازال على قيد الحياة. أنا هنا فى السويد لا أخاف، ولكن أعماقى وتاريخى مليئان بالخوف ولا بد من أن يكسر أهلنا هذا الخوف حتى نعيش كالبشر ونتقدم للأمام.
قلت له إن أديبنا الكبير نجيب محفوظ قال: لا تخف، الخوف لا يمنع الموت ولكنه يمنع الحياة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

خالد منتصر - الإعجاز فى أمة العجز - جريدة الوطن - 2/2019 /12

انتشر أخيراً فيديو لأستاذ جليل وكبير فى كلية الطب يقف فى جامع ويتحدث عن الإعجاز العلمى فى مسائل طبية مكانها ليس المسجد على الإطلاق، ولكنها نشوة الإعجاز فى أمة عاجزة، وذكر نفس المعلومة من قبل فى عدة برامج. ما زلت حتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا دخل أستاذنا الكبير تلك اللعبة الرديئة التى من العيب أن يقع فى فخها أستاذ مثله كنا نحبه ونعشق محاضراته، لماذا قبل أن يجره الإعلاميون إلى هذا الملعب الذى يستخدمون فيه هذا المنهج كأداة جذب إعلانات وتغييب عقل وترويج خرافة؟! حزين أنا، بل فى غاية الحزن والأسى، على العالم الكبير حين يخلع بالطو أستاذ الطب ليرتدى عمامة زغلول النجار استجداء لتصفيق الشارع المتدروش. الفيديو يتحدث عن إعجاز «فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ» التى لخصت ٢٠٠٠ صفحة من كتاب علمى يتحدث عن الماء!! وهدد بأن من لا يؤمن بتحليله الإعجازى فهو حتماً جاحد.. والرد باختصار:
لو ذكرت الآية بالكامل لفهم المستمع، وبمنتهى البساطة، أن المعنى المقصود لا يمت بصلة لما ذكرته حضرتك من عدم تخزين الماء بالجسم، الآية هى: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ»، أى إن المسألة لا علاقة لها بتخفيف الصوديوم فى الجسم من جرّاء تخزين الماء الذى لا بد أن يخرج عن طريق الكلى والعرق... إلى آخر القصة الطويلة التى علاقتها بالآية مثل علاقتى باللغة الصينية!! وهذا ما قاله الطبرى يا أستاذنا الجليل. وقوله: «فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه»، يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطراً فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم. ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبناً أو غيره: سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته، وكذلك إذا استسقت له، قالوا أسقيته واستسقيته، كما قال ذو الرمة:
وقفت على رسم لمية ناقتى... فما زلت أبكى عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه... تكلمنى أحجاره وملاعبه
وكذلك إذا وهبت لرجل إهاباً ليجعله سقاء، قلت: أسقيته إياه.
وقوله: «وما أنتم له بخازنين»، يقول: ولستم بخازنى الماء الذى أنزلنا من السماء فأسقيناكموه. فتمنعوه من أسقيه، لأن ذلك بيدى وإلىّ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء، كما حدثنا أحمد، قال: ثنا أبوأحمد، قال سفيان: «وما أنتم له بخازنين» قال: بمانعين.
إذن هناك وجهان من التفسير لا علاقة لهما بالإعجاز العلمى المزعوم الذى اكتشفه أستاذ الطب من شيخ الجامع الذى يقول إنه تفوّق على مجلد هارفارد!! وكلا التفسيرين يشهد له قرآن.. الأول: أن معنى وما أنتم له بخازنين، أى ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له، ننزله متى شئنا، وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله «وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم»، وقوله: «ولله خزائن السماوات والأرض»، ونحو ذلك من الآيات، الوجه الثانى: أن معنى وما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم، أى لا تقدرون على حفظه فى الآبار والعيون والغدران، بل نحن الحافظون له فيها، ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى «وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه فى الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون»، وقوله: «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين»، وقوله: «أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً»، وقوله: «ألم ترَ أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض»، إلى غير ذلك من الآيات.
وفى النهاية، أتمنى من الأستاذ الكبير أن يعلمنا أن الألفَى صفحة المكتوبة عن فسيولوجيا إخراج المياه من الجسم هى المنهج العلمى «اللى بجد»، والذى سيخرجنا من ظلام الجهل والتخلف، هم فى الغرب لا يفتون بل يعملون، وهذا هو السر.