Translate

Sunday, October 31, 2021

كونوا مكتفين بما عندكم - الأنبا موسى - المصري اليوم - 31-10-2021

 1- نعيش الآن فى عالم سريع التغير والتطور، عالم يسوده التنوع الكبير، نعيش حياتنا نلهث للحصول على كل ما هو جديد، ولا نعلم ما هو الحد لما نريده، وما نرغب به، وما نبحث عنه، وما نسعى إليه. نصل إلى مرحلة نشعر فيها وكأننا عبيد لما نريد.

2- إننا فى كل ما نمر به نفتقد أمرًا مهمًّا ألا وهو الاكتفاء. يعلّمنا الكتاب المقدس أن نكون مكتفين بما عندنا. والطريقة الأسهل للوصول إلى الاكتفاء هى الشكر.

علينا أن نشكر الله على كل عطاياه. فعندما نشكر نقدّر قيمة ما لدينا، وبهذا نتنفس الصعداء ونشعر بالراحة أن ما لدينا يكفينا وهو نعمة من الله، فلماذا نلهث وراء المزيد، بينما متطلبات الإنسان الأساسية، هى:

أولًا: سكن صغير وبسيط:

1- يقولون إن أحد الشعارات الأساسية فى حياة اليابانيين هو: «Small and beautiful»، أى «صغير وجميل»!.

وأعتقد أننا لو رفعنا هذا الشعار فى حياتنا، لأصبح الزواج أرخص فى التكلفة جدًا! ولكن ماذا نقول أمام الكبار الذين يرفضون التطور، والتسليم بالأمر الواقع، ويتمسكون بشقة واسعة، أربع حجرات وصالة رحبة، لكى يلعب فيها الأطفال بالدراجة، ولكى تكون «شقة العمر»؟

2- حقًا، هى شىء أفضل جدًا، ولكن هل من المناسب والمنطقى أن نعيش على أمنيات الماضى، فى مستقبل مزدحم وصعب؟! لا شك أنه من الخطأ أن نحيا القرن الحادى والعشرين بعقلية الأربعينيات والستينيات!!.

3- التطور شريعة الحياة، والتفكير المنطقى والعملى هو الحل السليم للمشكلات، حين كنت فى زيارة لكندا منذ سنوات، وجدت لافتات تعلن «حجرة ونصف للإيجار» وأثناء تواجدى فى زيارة سألت الأحباء حولى: «ما معنى نصف حجرة»؟ فقالوا لى المرافق، أى دورة مياه صغيرة ومطبخ صغير. فعدت أسأل: «وهذه الحجرة للنوم، أم هى لاستقبال الضيوف؟» (وكنت جالسًا فيها)، فإذ بالشباب يطلبون منى أن أقوم من على «الكنبة»، ويفتحونها لتصير سريرًا عريضًا جدًا.

4- أتمنى لو أن الوالدين قبلا سكنًا صغيرًا وجميلاً لأبنائهما، مكونًا من حجرتين ومدخل بسيط! إن هذا السكن سيصلح للعروسين وأطفالهما لمدة لا تقل عن عشر سنوات، يقومان بعدها أو خلالها بالحصول على سكن أوسع، ويتركان سكنهما لعريسين جديدين!! هل هذه فكرة خيالية؟ لا أعرف.

5- ولكنى أتمنى أن يقوم أصحاب رؤوس الأموال بدراسة اقتصادية، وعلمية، وقانونية، كالتأجير المفروش المتقطع، مع الحصول على مقدم قانونى (لمدة سنتين فيما أعتقد)، وحاليًا تقدم الدولة تسهيلات لذوى الدخول المنخفضة والمتوسطة فى الحصول على الشقق فى المناطق الجديدة.

6- إن مشكلة صعوبة الزواج تهز المجتمع المصرى هزًا عنيفًا، وهى سبب أساسى فى أمور كثيرة، مثل:

أ- اللجوء إلى الأساليب المنحرفة فى الحصول على الأموال، والوصول إلى الثراء السريع.

ب- الإحباط النفسى والمعنوى لدى الشباب، لصعوبة الوصول إلى زواج سعيد.

ج- الانحرافات الأخلاقية، والاتجاه إلى الإدمان نتيجة تأخّر سن الزواج لدى الجنسين، وصعوبة ضبط النفس، خصوصًا لمن ليست لهم حياة دينية وروحية سليمة.

ثانيًا: أثاث بسيط وجميل:

1- تزخر بيوتنا بكميات هائلة من الأثاث الثقيل والمكلف. إن الكرسى الواحد ثقيل كالدبابة، ومائدة الطعام مشكلة رهيبة، إذ يحتاج التنظيف تحتها إلى عشرة رجال، ليتمكنوا من «زحزحتها»، وكذلك السرير والدولاب.

2- وبالطبع، فسيدة البيت محتاجة إلى دولاب جديد كل يوم بسبب الملابس المكدسة، التى تتكاثر كما تتكاثر الأميبا، بسرعة رهيبة. فهل من المعقول أن تظهر هذه المناسبة بنفس الفستان؟! هذه مشكلة كبيرة!.

3- بل حتى الرجال بدأوا يسيرون فى نفس الطريق، فهذه «موضة» جديدة للرجل، وهذا عطر جديد خاص بهم، ويكفى أن تجلس للحظات أمام إعلانات التليفزيون لتسمع عن «الرجل العصرى»، وترى شبابًا يتمايلون وهم يعرضون القمصان والبدل والبنطلونات بأسلوب غير مريح!!.

4- نحن لا نرفض التجديد، والجمال، والنظافة، ولكننا نرفض الإسراف، فالكتاب المقدس يقول: «السِّكِّيرَ وَالْمُسْرِفَ يَفْتَقِرَانِ» (أمثال 21:23).

5- كما نرفض الابتذال حين ينسى الرجل صلابة الرجال، ومسؤوليات الحياة اليومية وأعباءها، ويبدأ أن يهتم بشكله وملابسه ورائحته العطرية، بأسلوب مبالغ فيه.

6- والمرأة العاملة، المطحونة فى العمل، والمواصلات، وأعمال البيت، وتربية الأطفال، كيف تقبل أن يكون لديها هذا الأثاث الثقيل الخرافى؟! كيف ستحركه، وكيف ستنظف بيتها؟! وما قيمته؟! لماذا لا يكون الأثاث بسيطًا، خفيفًا، متينًا، وجميلاً؟!

7- لا شك أنه سيستهلك كمية أقل من الأخشاب، فى وقت ننادى فيه بترشيد الاستهلاك، ولا شك أن الجهاز سيكون أرخص، وكميته ستكون أقل، ولو أضفنا إلى ذلك أن السكن سيكون مجرد حجرتين ومدخل، فلا شك أن العروسين سيترددان ألف مرة أن يضيفا قطعة أثاث جديدة.

8- رأيت فى أحد البيوت صورة جميلة معلقة على الحائط فى مدخل الشقة (الأنتريه)، عليها ملاك جميل يحيط بأبناء الأسرة، ولما جاء وقت الطعام، وجدتهم ينزلون الصورة، المثبتة فى الحائط بمفصلات، ويضعون تحتها قطعة خشب، فصارت الصورة مائدة جميلة، تكفى لستة أشخاص على الأقل. وبعد أنتهاء الطعام، عادت المائدة إلى أصلها، «صورة جميلة معلقة على الحائط».

9- توجد الآن كنبة «أستوديو» يمكن أن تتحول إلى سرير بسرعة، ويوجد سرير «بدورين»، يستوعب أشخاصًا دون أن يشغل مساحة... إلخ.

10- متى نتحرك لتخفيض نفقات الزواج؟ ومتى يترك الجيل القديم أبناءهم ليشكلوا مسكنهم الصغير بصورة بسيطة ورخيصة وعملية؟ إن سعادة أولادنا لن تكمن فى «أثاثهم»، بل فى «أساسهم» الروحى، الذى يخلق من بيتهم أسرة متماسكة سعيدة مملوءة نعمة وأثمارًا صالحًة!.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

قديس الطب ومنقذ أطفال العالم - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 30/10/2021

 احتفل العالم اليوم بذكرى ميلاد الطبيب عالم الفيروسات الأمريكى الجنسية، الروسى الأصل، اليهودى الديانة «سولك»، مكتشف لقاح شلل الأطفال. إنه يستحق الاحتفال ليس ليوم واحد بل لقرن بأكمله، إنه قديس الطب الذى لا بد لكل أطفال العالم أن يهتفوا له فى صوت واحد: «شكراً لك أيها الرائع العظيم»، فقصة هذا الرجل ملحمة، وحكاية انتصاره على شلل الأطفال قصة تصلح لفيلم لو قُدِّر له أن يخرج إلى النور سيكون من أهم كلاسيكيات السينما، قصة حياته هى سلسلة انتصارات وكفاح ضد أخطر وأعتى المشكلات والعوائق، بداية من رفض أى جهة أمريكية تعيينه فى أى وظيفة نتيجة ديانته اليهودية، وانتهاء بالحرب الضروس حتى من الزملاء، ومن بينهم «سابين» نفسه، شريكه ومنافسه فى اكتشاف وتطوير اللقاح من الحقن إلى الفم.

كى نتعرف على حجم الإنجاز وعبقرية الاكتشاف وإعجاز الجهد الذى بذله «سولك»، لا بد أن نتعرف أولاً على مدى المعاناة التى كانت تعانيها أمريكا، ومعها العالم كله، من وحش شلل الأطفال الكاسر، يكفى أن تعرف أن فصل الصيف قبل 1955، سنة إعلان الاكتشاف، الذى من المفروض أنه فصل النشاط واللعب للأطفال، كان موسماً للسجن داخل المنازل وإغلاق حمامات السباحة وانتشار الرعب والفزع فى أرجاء أمريكا كلها، أى ارتفاع فى درجة الحرارة أو آلام فى العنق تُفسَّر على أنها شلل أطفال، كانت أهم صناعة أمريكية هى صناعة الرئة الحديدية البشعة التى يُسجن فيها الطفل الذى افترسه شلل الأطفال وفتك به حتى شُلت عضلات قفصه الصدرى فلم يعد قادراً على التنفس، تسحب هى الهواء وتضخه فى عملية شهيق وزفير اصطناعية لمساعدة المريض على الحياة، كانت بمثابة آلة تعذيب يُدفن فيها الطفل طوال حياته ولا يظهر منها إلا رأسه!! كل سنة كان ينضم إلى طابور المعاقين نصف مليون طفل، وكان نصيب الولايات المتحدة وحدها عام 1916 هو 27 ألف طفل مصاب، وكانت بداية الاهتمام على شكل حملات منظمة لمحاربة هذا المرض اللعين مع عيد ميلاد روزفلت 30 يناير 1938، وهو أشهر مريض بهذا المرض فى العالم، واستطاعت الحملات فى أول عام تجميع 1٫8 مليون دولار، وهى الخميرة التى ساعدت «سولك» على أبحاثه، ماذا فعل «سولك» بعد هذا الاضطهاد الذى عاناه بسبب دينه وبسبب عبقريته وتفوقه؟ هل قرر أن يفجر نفسه فى عملية انتحارية لينتقم من الآخرين الكفار؟! هل قرر أن ينتقم مادياً ويتاجر ببراءة اختراع يذل بها العالم الذى رفضه ونبذه فى البداية؟ رفض «سولك» أن يسجل براءة اختراع وخسر سبعة مليارات من الدولارات كان سيكتنزها فى حساب البنك، ظل يعمل 18 ساعة يومياً لكى يهزم دراكيولا شلل الأطفال ويخرج اكتشافه إلى النور، حاول «سولك» فى أواخر الأربعينات تطبيق أبحاثه على القرود، وكان لقاحه عبارة عن فيروس ميت، وفشل فى أولى تجاربه 1954 عندما حقن فى البداية 137 طفلاً بلقاحه، وارتفع الرقم إلى 2 مليون طفل تقريباً، لكن 260 أصيبوا بعد لقاحه التجريبى، ومن بينهم توفى أحد عشر مصاباً، وظل «سولك» يطور من حقنة المصل حتى أعلن اكتشافه العظيم على العالم عام 1955، وبعدها طور «سابين» الفكرة وجعل الفيروس مضعَّفاً وليس ميتاً وعلى شكل نقط فى الفم وليس حقناً، وخرج اكتشافه إلى النور عام 1957.

العلم لا دين ولا وطن له، شكراً «سولك» أقولها لروحك نيابة عن أطفال الدنيا الذين أنقذتهم من مصير السجن فى الرئة الحديدية، وأقول لروحك ملاحظة أخيرة فى صيغة سؤال: هل نما إلى علمك أن الدول الثلاث التى ما زال منتشراً بها شلل الأطفال هى أفغانستان وباكستان ونيجيريا وهى للأسف بلاد إسلامية؟ ومع الأسف والخجل أيضاً أنهم يطاردون هناك البعثات الطبية التى أرسلت لإنقاذ أطفالهم بحجة أن التطعيم فيه دهن خنزير ويسبب العقم! لترقد روحك فى سلام ولتدعُ معنا من قبرك بالهداية لمن ما زالوا يعتبرون العلم عدواً.


Friday, October 29, 2021

آسفين إحسان.. لم ننصفك - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 28/10/2021

 فى مصر أحياناً يطرح المثقف برحيله أسئلة على المجتمع الثقافى أكثر ضجيجاً، وأكثر استفزازاً وصداماً من الأسئلة التى طُرحت أثناء حياته، أسئلة تعرى الواقع الثقافى وتكشف عن كم اليقينيات والتابوهات التى تعشش فى نخاعه ونواته، أسئلة حين تطرحها فى نقاش أو حوار سرعان ما تجد من يكتب عن الحرية التى بلاسقف ينقلب إلى فاشى متعصب وكأنك تتحدث إلى أمير جماعة فى كهوف تورا بورا، إحسان عبدالقدوس من ضمن تلك الأسماء التى ألقت برحيلها حجراً فى البحيرة الراكدة وأسئلة ما زالت معلقة تنتظر الإجابة، وقد حفزنى على تذكر إحسان وموقفه وموقف النقاد منه ما كتبه الصديق السيناريست الكبير عاطف بشاى عن عدم إنصاف إحسان، وهو مقال بديع أكد فيه موقف النقاد اليساريين من إحسان، وهم الفئة الغالبة فى النقد فى الخمسينات والستينات، السؤال هو عن إحسان عبدالقدوس وهل لا بد أن يمر الروائى من باب النقد اليسارى؟

ظل الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، برغم إنتاجه الكبير والضخم، بعيداً عن الاحتفاء النقدى الذى يليق ببصمته وتميزه وتعدد إسهاماته، خاصة فى الستينات والسبعينات، وظل تصنيفه ككاتب سياسى وصحفى هو السائد والمسيطر، لكن كبار النقاد حينذاك والذين كانوا جميعاً من اليسار، كان تدشين الروائى لا يتم إلا من خلال ختمهم الخاص، وكان عالم إحسان عبدالقدوس بالنسبة لهم هو مجرد مجتمع بورجوازى مخملى ليست فيه رائحة الفلاح أو عرق العامل أو مشكلات البروليتاريا، وللأسف تحكمت تلك النظرة حتى فى من يحب أدب إحسان، فأصبح يخفى هذا الإعجاب حتى لا يفضحه أو يجرسه كبار النقاد ويتهموه بأنه من بقايا البورجوازية المتعفنة، احتفت به السينما وصارت أفلامه الأكثر جماهيرية، ولكن هذا بدلاً من أن يصب فى صالحه صار سبة وتهمة بأنه يغازل مشاعر الشارع الذى يشعله ويجذبه الجنس، وكأن الكتابة عن الحب والجنس جريمة، قمة الإحساس بالمرارة أن يتم تصنيفك وسجنك فى قفص هذا التصنيف، بسبب الانتماء الأيديولوجى الذى جعل البعض ممن لا تطاول قامتهم واحداً على عشرة من إحسان يتربعون على القمة وتكتب عنهم الدراسات المطولة ويحصلون على الجوائز، كل هذا الاحتفاء بسبب الانتماء إلى الشلة والانتساب إلى الرابطة.

آسفين إحسان فإنصافك لم يتم نقدياً على مستوى الرواية والقصة برغم شهرتك وانتشارك، وكأن الشهرة سبة، والانتشار عار، والبساطة خطيئة، عايروك بأنك بتاع سينما ورواياتك للشاشة وليست للناس، وهل السينما تقدم لكائنات فضائية مختلفين عن الناس؟! أعتقد أنه قد آن الأوان لقراءة إحسان بعين مختلفة، عين حيادية، عين منصفة، بعد أن تجاوز الزمن المدارس النقدية ذات النظرة الأيديولوجية الضيقة، النظرة التى تتعامل مع الرواية على أنها نص فنى وليست منشوراً سرياً أو مانفستو حزب!


Wednesday, October 27, 2021

كيف تغتال موهبة؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 27/10/2021

 ندمت على عدم معرفتى به، إلا قبل موته بفترة قليلة، إنه على سالم، هذا الكاتب المسرحى الكبير الذى يعد نموذجاً مثالياً وإجابة نموذجية على سؤال: «كيف تغتال موهبة بدون معلم؟»، أن يظل كاتب فى قيمة وقامة على سالم محاصراً مسرحياً أكثر من ثلاثين عاماً لمجرد أنه أعلن رأياً مهماً، كان هذا الرأى صادماً، فهى كارثة وجريمة، على سالم كاتب مسرحى موهوب وليس سياسياً صاحب منصب أو كادر حزبى، أعلن أنه مع التطبيع، أخى المثقف من الممكن أن تختلف معه وتنتقده بشدة فى مقال أو كتاب، ولكن أن تفصله من اتحاد الكتاب وجمعية الأدباء وتقطع عيشه وتغلق مسرحياته وتمنع نزول اسمه على فيلم شارك فى كتابته وهو «أيام السادات» وتلغى تصوير مسرحياته، فتحرم جمهوره من: «سهرة مع الضحك، وبكالوريوس فى حكم الشعوب، والكلاب وصلت المطار»، وكل مسرحياته القصيرة ذات الفصل الواحد، بل وتلاحق فرق قصور الثقافة وتتهمها بالعمالة والخيانة إذا تعاطت مع مشهد من مسرحياته، بل وعلى المستوى الإنسانى تقطع رجله من أى مقهى يتجمع فيه أصدقاؤه القدامى الذين عزلوه وكأنه جذام بشرى!!، كارثة ومصيبة أن نتعامل مع موهبة بحجم على سالم بهذه الطريقة الدراكولية، هو إحنا عندنا كام على سالم عشان نعمل فيه كده؟!، كان أول تليفون عندما دافعت عنه وقت قرار فصله من اتحاد الكتاب، وقلت للمثقفين المتحمسين لذبحه وقتها أنتم لا تختلفون عن الإخوان فى تعاملكم مع المختلف، قلت له: إننى أختلف معك سياسياً، لكنى محب لك، عاشق لكتاباتك، وأعرف أنك فى موقفك السياسى صادق مع نفسك ومقتنع ولا تنظر إلى سمسرة أو تجارة أو مصلحة شخصية، أنا ضعيف أمام المواهب عموماً وأمام موهبتك خصوصاً، مهما اختلفت معك، فالمواهب كنوز وآبار نفط بشرية لا يهبها لنا الله إلا على رأس كل مائة سنة والتفريط فيها كارثة كونية، ثم ضحكت، وقلت: بالإضافة إلى أنك دمياطى مثلى، وهذا سبب قِبلى عنصرى!!، أحس بأنك فى المسرح «أسطى أويمجى» لا يُشق لك غبار، تنحت كلماتك ومشاهدك بصبر وأناة الأويمجى، تحفر فى العمق وتزيل الزوائد وتركز على النمنمات واللفات واللفتات، الفكرة عميقة فلسفية، لكنك تلفها بمنتهى الحرفية فى ورق سيلوفان ملون طفولى مبهج، كان الرد هو جملة كتبها فى مقدمة «أربع مسرحيات ضاحكة من شدة الحزن»، قال: «كاتب المسرح عاشق للحياة والدنيا وأعماله فى النهاية هى بطاقات دعوة للناس لكى يشتركوا معه فى حب الحياة ومعاداة القبح»، عرفت بعد ذلك وتأكدت أن الكوميديان البارع حزين مزمن ومكتئب أعظم، كان صوته الجهورى المسرحى ذا جرس موسيقى مهما قهقه بالضحكات، ففى نهاية جملته دائماً دمعة ترغب فى الانفلات والتحرر من أسر الكبت، عاصرت هذا الاكتئاب فى ملامحه قبل أن أتشرف بأن يعرفنى أو يقرأ لى، أثناء هستيريا الهجوم عليه، قرر أن يكسر هذا التجاهل وهذه اللامبالاة وأن يخترق حفل الزار الذى قرر فيه الجميع ذبحه معنوياً، بعدما دق على أبواب كل النجوم ليعرض عليهم مسرحيته: «الكلاب وصلت المطار»، رفضها الجميع، البعض يتأدب مراعياً العِشرة القديمة، والبعض بجلافة وغلظة وقلة ذوق اعتبرها جزءاً من النضال الثورى وخطوة من خطوات تحرير القدس، قرر على سالم أن يقوم ببطولتها مع الفنان إبراهيم يسرى، ولكن المسارح أيضاً أغلقت أبوابها أمامه، لم يجد إلا مسرحاً تختلف نوعية جمهوره تماماً عن نوعية متذوقى فن ومسرح على سالم، العرض كان على خشبة مسرح نجم فى الدقى، دخلت المسرحية وكان الجمهور صفين فقط، معظمهم دخل متخيلاً أنها مسرحية مناظر وإيفيهات والبعض دخلها ليستمتع بالتكييف، أصر على سالم على عرض المسرحية، كان المنطق والحدس البسيط يؤكدان أنها ستفشل وكان يقاوم، رأيته بملابس الممرض الذى كان يؤدى شخصيته فى العرض وغلالة الدمع تنزل على مآقيه مع نزول الستارة، وكأنها تكتب مشهد النهاية فى مشوار تألق وإبداع هذا الفنان الموهوب الرائع، وكأنه كان يريد تمريض المسرح المريض وجعله يُشفى من سرطانه، لكنه فشل فى تلك التجربة، وكُتب على مسرحياته بعد ذلك أن تظل حبيسة الأدراج ينشرها فى مجلات لا تقرأ، وأحياناً يمثلها هواة لا يشاهدهم إلا أهاليهم ومعارفهم.

الآن عرفت سر الشجن الذى كان كريشندو لحن ضحكته المجلجلة، الذى حاول دائماً إخفاءه ولم ينجح.


Tuesday, October 26, 2021

تحية لمهرجان الجونة السينمائى - محمد أبو الغار - المصري اليوم - 25-10-2021

 نجح سميح ساويرس فى إنشاء مدينة متكاملة على شاطئ البحر الأحمر، وأصبح لها طابع خاص بها، فهى مشتى ومصيف، وبها عدة فنادق من مختلف المستويات وعدد كبير من المنازل، ولا توجد لها أسوار تحجب جزءًا عن الآخر، وبها مدارس وجامعة ومستشفى متكامل ومطار، ويعيش فيها البعض بصفة دائمة، والكثيرون يقضون أوقاتًا طويلة أو قصيرة حسب الظروف. وكانت الجونة مكانًا جذابًا للسياحة العالمية، خاصة من أوروبا، ومصدر رزق لمئات العاملين من المصريين، معظمهم من صعيد مصر الفقير الذى يحتاج أهله العمل. وقد سهّلت الوصول إليها الطرق السريعة خارج المدن التى أقامتها الدولة، فأصبحت المسافة تُقطع فى أقل من خمس ساعات بالسيارة، وفى ساعة بالطائرة، ومنذ خمس سنوات قررت الجونة البدء فى مهرجان الجونة السينمائى، الذى تم بطريقة احترافية مع خبير المهرجانات السينمائية، الأستاذ انتشال، ومساعده المخرج اللامع أمير رمسيس. ومنذ العام الأول نجح المهرجان وبدأ يضع نفسه على خريطة مهرجانات الشرق الأوسط. مصر لها تاريخ طويل فى مهرجانات السينما، منها مهرجانات القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان وغيرها، وكان مهرجان الجونة إضافة متميزة إليها.

مصر تستحق مهرجانات قوية وناجحة، وإسهام القطاع الخاص يُثرى الثقافة السينمائية ويشجع على السياحة. مهرجان الجونة بدأ يلفت أنظار قطاعات واسعة من الشعب المصرى، خاصة أن نجوم السينما من المصريين، وخصوصًا الممثلات، كانوا يرتدون ملابس لافتة للنظر بتصميماتها وألوانها وأشكالها غير المعتادة بالنسبة للجمهور المصرى، ولكنه أمر طبيعى فى المهرجانات العالمية، وكان ذلك مثار تعليقات إيجابية وسلبية، ولكن فى مجملها أثارت الانتباه إلى المهرجان.

الأمر المهم فى أى مهرجان سينمائى هو نوعية الأفلام المعروضة فى المسابقات المختلفة، ومن المعروف أن هناك نوعية من الأفلام المهمة والتجريبية تكسب جوائز وتحقق نجاحات كبيرة فى المهرجانات، ولكنها لا تحقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا. وفى معظم المهرجانات العالمية هناك لجان تحكيم متميزة وعندها خبرة ومعروف عنها الحياد. وبالطبع فى الفن عمومًا من موسيقى ورواية وفيلم ولوحة لا توجد قواعد صارمة لتقييم هذه الأعمال، وهناك العامل الشخصى، فما يعجب محكمًا أو فنانًا قد لا يلاقى نفس الإعجاب من محكم أو فنان آخر. وهذا بخلاف الفروع العلمية مثل الطب والكيمياء والطبيعة، حيث توجد قواعد تضع فروقًا بين عمل وآخر.

لم أشاهد مهرجان الجونة هذا العام بسبب حضورى مؤتمرًا طبيًا فى أمريكا. كان المهرجان هذا العام مختلفًا، فقد تابعته مصر كلها بسبب بعض الأحداث غير المتوقعة. كان الحدث الأول هو حادث حريق كبير فى جزء من مقر المهرجان. وظهرت الكفاءة البالغة فى السيطرة على الحريق، ثم سابق العاملون الزمن فى إصلاح المكان وإعداده، بحيث بدأ المهرجان بأبهى صورة فى نفس المكان بدون تأخير، وشعر الجميع بالخبرة ووجود خطة محكمة للتعامل مع المفاجآت، وكان هذا خبرًا سعيدًا للجميع.

ثم كان الجزء الثانى غير المتوقع هو ما حدث مع الفيلم المصرى «ريش»، الذى كان الجميع فى انتظار مشاهدته لأن هذا الفيلم حقق لمصر مكسبًا كبيرًا منذ حوالى نصف العام بأن حاز جائزة النقاد، وهى جائزة لم يسبق لمصر أن حصلت عليها من قبل حتى فى عصر السينما المصرية الذهبى. المخرج الشاب عمر الزهيرى بذل مجهودًا كبيرًا فى هذا الفيلم مع ممثلين هواة انتقاهم من قرية البرشا من ملوى فى صعيد مصر.

كانت المفاجأة هى خروج مجموعة من الممثلين المصريين من وسط الفيلم بطريقة قيل إنها كانت استعراضية للفت الأنظار، وأدلى بعضهم بتصريحات تتهم الفيلم بالإساءة إلى مصر بالرغم من أنه لم يكمل مشاهدته.

بالطبع من حق أى إنسان ألّا يُعجب بأى فيلم، وكثير منّا لم يكمل مشاهدة فيلم لأنه شعر بالملل أو أن الفيلم لا يستحق تضييع وقت فى مشاهدته، ومن حق أى إنسان أن ينتقد الفيلم فنيًا ويبين أسبابه. المشكلة هى أن الطريقة الاستعراضية لخروج الممثلين كانت مستفزة لمشاعر المصريين، الذين كانوا سعداء بأن فاز أحد الأفلام المصرية بجائزة عالمية.

وبالنسبة للأمر الثانى، وهو القول بأن هذا الفيلم مسىء إلى مصر، لا أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك فيلم مسىء إلى مصر، وإنما يكون الفيلم مسيئًا إلى مخرجه أساسًا وممثليه أحيانًا لأن مصر الوطن أكبر من أن يسىء إليها فيلم أو أغنية.

والأمر الثالث هو القول بأن الفيلم صوّر مناظر الفقر، والحقيقة أن هذا أمر غريب لأن مظاهر الفقر صُورت فى أعظم أفلام السينما الإيطالية فى الأربعينيات، وكل أفلام الدنيا، وفيها الأمريكية، تصور حال الفقراء، ولا أحد ينكر أن مصر فيها 23% تحت خط الفقر، ونسبة منهم تحت خط الفقر المدقع. وحاول البعض تحويل عمل فنى إنسانى إلى قضية سياسية، وهو أمر استهجنه الجميع.

النهاية أن ذلك أدى إلى معرفة الشعب بأجمعه باسم الفيلم واسم المخرج الشاب وكذلك «الست دميانة»، بطلة الفيلم.

وفى النهاية فاز الفيلم بجائزة أحسن فيلم مصرى، ونحن فى انتظار عرضه تجاريًا حتى تتسنى للمصريين جميعًا مشاهدته.

مهرجانات السينما فى العالم كله هى فرصة ذهبية للتعرف على الاتجاهات الجديدة فى السينما وانتشار الثقافة السينمائية، وهناك جانب تجارى، فالمنتجون يسوقون لأفلامهم. المهرجانات الكبرى فى العالم تُقام فى أماكن صغيرة وليس فى العواصم الكبيرة، مكان مثل الجونة مثالى لأن الجميع يذهبون إلى السينما سيرًا على الأقدام أو بالـ«توك توك» ويستطيعون مشاهدة عدة أفلام فى يوم واحد.

وقد أُعلن عن مهرجان آخر للموسيقى سوف يُقام فى نهاية الربيع فى الجونة ينظمه نجيب ساويرس، وهذه إضافة ممتازة للثقافة الموسيقية. المهرجانات الفنية فى مصر تعيد إلى مصر وجهها الحقيقى وروحها المرحة وتشجع السياحة وتعيد القوى الناعمة المصرية لقيادتها الفنون. وأدعو إلى تكوين فرق مسرحية وموسيقية صغيرة تطوف بالمدن الصغيرة والقرى لأن ذلك سوف يساعد على خروج مصر من الأفكار القاتمة التى قد تقود إلى الإرهاب.

مبروك لمهرجان الجونة ونتمنى نجاحًا أكبر فى العام القادم.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.

الطب على مائدة الفتاوى - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 25/10/2021

 شاهدت برنامجاً يناقش زراعة كلية الخنزير فى المريضة المتوفاة دماغياً فى أمريكا، وهو الموضوع الذى شغل المجتمع الطبى هذا الأسبوع واحتل نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف.

انتظرت أن أرى كبار الأطباء المتخصصين ضيوفاً فى البرنامج، فإذا بى أفاجأ بأن الضيفين من شيوخ الأزهر! شيوخ فى موضوع طبى معقد بهذا الشكل، عن زرع كلية خارج الجسم وتعطيل جين وسكر «ألفا جال» الذى يتسبب فى طرد الكلية ومراقبة نسبة الكرياتينين لمدة ٥٤ ساعة... إلى آخر تلك التفاصيل الطبية الدقيقة التى تحتاج إلى شرح، ويحتاج معها جمهور المشاهدين إلى توعية وتثقيف علمى متميز، لكنى لم أجد إلا شيخين، واحداً منهما يتحدث عن تحريم التداوى بأى شىء من طرف الخنزير! حتى لا أظلم البرنامج فهذا مزاج اجتماعى عام وليس مزاج برنامج، المواطن صار يدق على باب الفتوى فى كل شىء من تفاصيل دخول الحمام حتى تفاصيل العلاقة الحميمية! وفى الطب خاصة ستجد العجب العجاب من طرح كل قضايانا الطبية على مائدة الفتوى، ولا أعرف ما علاقة هذا بذاك؟

إنك عندما تلجأ إلى الفتوى الدينية فى مسألة طبية، فأنت كمن يريد استخدام مقياس الكيلوجرام فى قياس طول فستان! هذا معيار وذاك معيار آخر ولا يعنى هذا الفصل أن العلم أفضل من الدين، المسألة كلها أن معياره مختلف، العلم معياره الشك والدين معياره اليقين، وقد عانينا من هذا السعى خلف الفتاوى الطبية كثيراً، ففى قضية ختان البنات فوجئنا بفتوى من شيخ أزهر سابق أربكت المشهد، قال فيها بوجوب الختان ولو كنا وقتها استجبنا لفتواه لما كنا وصلنا إلى القانون العظيم الذى جرم تلك الجريمة البربرية.

هناك قضية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى وبالعكس والتى هى مشكلة نفسية مؤلمة تخضع لبروتوكول طبى منضبط، ومرضى الترانسكس ضحايا لتعنت دينى شديد فى التعامل معهم وكأنهم لعنة، ويضطر الكثير منهم للانتحار لحسم هذا الصراع وللفرار من غلق كل الأبواب أمامهم.

هناك قضية التبرع بالأعضاء التى تعطل صدور قانونها أكثر من ربع قرن، ثم تعطل تفعيله أكثر من عشر سنوات، نتيجة فتوى أن الجسد ملك لله وحرام أن تتبرع بعضو منه بعد وفاتك، ونتذكر جميعاً أنه فى بداية أطفال الأنابيب حدثت اعتراضات دينية حتى فرض الواقع نفسه، أوروبا مرت قبلنا بهذه الصراعات لكنها قد حسمتها منذ قرون بالفصل بين ما هو علمى وما هو دينى، وعدم تدخل رجال الدين فى شئون البحث العلمى، قاست أوروبا من رجال الكنيسة فى الأمور الطبية، فقد كانت هناك معارضة شديدة لعلم التشريح، وكذلك لفكرة التطعيم ضد الجدرى، حتى فكرة التخدير خرج الكثيرون معترضين لأن «بالوجع تلدين أولادك».. إلخ.

صراع طويل ومرير، لكنهم نجحوا فى حسمه والانتصار للعلم، أما نحن فما زلنا ندور فى نفس التيه ونعود إلى المربع رقم صفر، ونقوم باجترار نفس الفتاوى والأفكار، وكأننا فى ساقية سرمدية تسحب من البئر لتصب فى نفس البئر، متى يكون الحسم؟ الله أعلم.


Monday, October 25, 2021

لماذا الإسراف؟! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 24-10-2021

 يسرف البعض فى مصاريف الزواج بطريقة تؤثر فى حياتهم وعلاقاتهم، فمثلاً:

- أولاً: الشبكة والملابس:

من التقاليد المتأصلة فى الزواج، ضرورة تقديم الخطيب شبكة «مناسبة» لخطيبته، والهدف من الشبكة يتلخص فى أمرين:

1- اكتمال المظهرية الاجتماعية.

2- تحديد حركة العريس، حتى لا يفك الخطوبة بسهولة.

- والهدفان غير مقنعين: لسبب بسيط، أن المظهرية ليست هى الجوهر، فما أجمل حفل الخطوبة، التى غالبًا ما تكون فى قاعة أو فندق، وما أكثر المصاريف التى تصرف فيه، لكن الاختيار كثيرًا ما لا يكون إلهيًا، أحيانًا ما نضطر لفسخ الخطبة.

- أما هدف «تحديد حركة» العريس: فمن المعروف أن الزواج يجب أن يتم على أساس توافق: روحى، واجتماعى، وثقافى، ومادى، وعلى أساس اقتناع كامل، وأكيد أن الرب كشف لكل من العروسين سلامة اختياره. فإذا ما اهتز الاقتناع، كان الاختيار بين أمرين: شبكة قيمتها كذا، أو تعاسة طول العمر!! ولا شك أنه أى عاقل سيختار التضحية بالشبكة، ورد أى هدايا، أو أى متعلقات ثمينة، ما دام غير مستريح إلى الطرف الآخر.

1- لذلك نرى أن الزواج السليم لن «تربطه» أو تضمنه شبكة ذهبية، بل تفكير، وصلاة، واسترشاد، واقتناع هادئ وكامل، بحيث إن الإنسان لا يضع «الدبلة» فى اليد اليمين، إلا وهو متأكد - بنعمة الله - أنه سينقلها إلى اليد اليسرى. بمعنى ضرورة الاطمئنان لسلامة القرار، ذلك قبل التورط فى بدايات لا تصل إلى نهاية سعيدة.

2- من هنا كان على الطرفين ضرورة التأكد التام، بالصلاة والتفكير والاسترشاد. وحينئذ يكون أى شىء رمزى كافيًا لإتمام الخطوبة، وتتحول نقود الشبكة، والإسراف فى الحفل إلى شىء مفيد فى الجهاز، ونافع للحياة. أما ملابس الخطوبة والزفاف، فلا أعرف لماذا الإسراف فيها والبذخ، والإصرار على شراء فستان خاص، وأحيانًا فستانين - واحد للمراسم الدينية والآخر للقاعة أو الفندق الذى يليه. والذى يستخدم مرة واحدة، لمجرد التباهى، والمقارنة والمظهرية الكاذبة - لماذا لا نتفق على تقليد استئجار هذا الفستان؟ وما قيمة تخزينه فى الدواليب، حتى يتحول إلى غذاء دسم لحشرة «العتة»؟! وهذا بدأ يحدث حاليًا.

- مرة أخرى.. أيها الكبار اتركوا الشباب يبحث عن حلول غير تقليدية لتكوين بيت جديد، ولا تجعلوهم أسرى لعاداتكم وتقاليدكم القديمة، التى لم تعد تناسب هذا الزمان. وليس المهم أن تكون شبكة ابنتك أفضل من شبكة ابنة أختك، بل المهم أن يكون عريس ابنتك ابنًا لله، يريحها ويسعدها.

- ثانيًا: نفقات حفل الزواج:

- يتصور البعض أن الإسراف فى نفقات حفل الزواج، شىء يرفع من شأنهم فى المجتمع. مع أن هذا دليل على السطحية والمظهرية، فالسعادة ليست فى البذخ والتفاخر، والتباهى بالممتلكات، وإمكانية الصرف، ولكنها فى الحياة الداخلية السعيدة بالرب، والمترابطة مع الآخرين بالحب!!

- إن ازدياد نفقات حفل الزفاف، يضيف إلى مصاعب الزواج مصاعب جديدة. فلابد من «إخراج» حفل الزفاف بصورة «مشرفة»، يحكى عنها الناس لفترة. ولابد أن تكون صورة حفل زفاف ابنتى، مثل صورة حفل زفاف ابنة أخى، الأكثر منى غنى. ومن هنا تحدث المباريات فى الصرف التافه، الذى لا يدل على عمق ودسم داخلى، بل على سطحية تصل بالناس إلى التعاسة والخلافات.

- ما معنى الزينات الكثيرة، والكميات الضخمة من «بوكيهات» الورد، التى سرعان ما تذبل وتلقى فى صناديق القمامة؟! فيجب التعامل مع الأموال بحكمة وتدبير، ولنحذر من الإسراف والتبذير، ونتجنب البخل فالقناعة غنى، والاكتفاء يغنى الفقير.

ويقول سليمان الحكيم فى سفر الأمثال: «لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ» (أمثال1:17). وقد ذكر الكتاب المقدس مثل الابن الذى بدد أموال أبيه فى عيش مسرف، مع أصدقاء السوء، وفى النهاية وصل به الحال إلى العوز والاحتياج، حتى إن الكتاب المقدس يدعوه بالابن الضال. لذلك فلنطرح عنا الكبرياء والبذخ والإسراف على المظاهر والتقاليد العاتية المتعبة، فكلها إلى الحريق كالهشيم.

- هل هذه السعادة؟ وهل هذا هو «الفرح»؟ أليست الفرحة الحقيقية فى التوفيق الإلهى فى الزواج، وفى تكوين أسرة سعيدة متماسكة بالله وبالمحبة لمن حولها!.

- فماذا دهانا؟ نسينا الجوهر، وتمسكنا بقشور اجتماعية لا تنفع ولا تبنى، بل تجعل من حفل الزواج مشكلة مالية ضخمة لشباب يكدح ليل نهار ليبنى بيته.

- وفى النهاية يوبخ الكتاب المقدس المسرفين بقوله: «قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِى يَوْمِ الذَّبْحِ» (يعقوب 2:5). فكما أَنَّ الحيوانات تُسمَّن قبل ذبحها لكى تكسب لحمًا وشحمًا وتصبح أَطيب مذاقًا، هكذا الناس الذين يتنعمُّون بالأَطعمة، فهم يفعلون ذلك بأَجسادهم وكأَنهم يحضِّرونها للذبح.

ختامًا مرة أخرى.. أيها الكبار اتركوا الشباب، فلسوف يلغى هذه القشور، لأن نقاوته تجعله أصدق منا، وأقرب إلى كبد الحقيقة!!. فالسعادة الحقيقية ليست فى الإسراف الزائد فى الثياب الفاخرة أو الأطعمة الكثيرة أو كثرة نفقات حفل الزواج أو الكهارب والبهرجة، ولكن نجاح الزيجة فى السعادة والفرح بين الزوجين، وفى الاستقرار الأسرى.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

Sunday, October 24, 2021

ريادة مصر الطبية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 23/10/2021

 هذا المقال هو الأخير فى سلسلة ما قاله د. شريف مختار فى ضرورة تفعيل قانون التبرع بالأعضاء، يقول د. شريف:

لتشخيص موت المخ لا بد من توافر شرطين، أولهما وجود السبب المرضى المؤدى إلى تشخيص موت المخ، وكذا استبعاد الأسباب الأخرى التى تؤدى إلى الغيبوبة وتوقف التنفس، وهى (على سبيل المثال جرعات زائدة من المهدئات والمخدرات أو مرخيات العضلات، والهبوط الحاد فى درجة الحرارة أو الغيبوبة الأيضية الناتجة عن انخفاض حاد بمستوى السكر فى الدم)، وثانيهما انعدام ردود الفعل المتعلقة من جذع المخ (اتساع بؤبؤ العين وعدم استجابته للضوء)، اختفاء فعل القرنية المنعكس مع اختفاء ردود الفعل المنعكسة من جذع المخ كاختبار حركة مقلة العين عند تحريك الرأس واختبار المقلة ودهليز الأذن عند استعمال المؤثرات الحرارية للأذن الخارجية واختفاء الردود الحركية المنعكسة من الأطراف عند الاستثارة، أما الاختبارات التأكيدية (كتخطيط المخ الكهربى) والتصوير الصبغى لشرايين المخ، والفحص بالأشعة المقطعية، فقد يلجأ لها أحياناً إذا لم تكن الاختبارات الأصلية قاطعة الدلالة، ويكرر الاختبار بعد فترة تتراوح بين 6 ساعات و12 ساعة.

وعلى ذلك يمكننا أن نقول إن الطب الحديث قد أدى إلى تغيير واضح فى تعريف الموت، بحيث أصبح التعريف الأصلى للموت الإكلينيكى (توقف التنفس والقلب) غير كافٍ، إذ يمكن إجراء عملية إنعاش على وجه السرعة تعود بعدها كل وظائف الجسم، ومنها المخ والقلب إلى كامل نشاطها الطبيعى، أما موت المخ فيختلف تعريفه حسب اختلاف مستوى تدمير الخلايا، ففى حالة الموت الكلى للمخ أو موت ساق المخ يحدث الخلل الدائم لوظائف جذع المخ التى سبقت الإشارة إلى حيويتها، مما يؤدى إلى انهيار فى جميع أجهزة الجسم، تتلوها الوفاة الحتمية، وفيها يحدث تحلل لأجهزة الجسم وأنسجته.

وفى النهاية يمكننا استخلاص النتائج التالية:

1 - أن موت جذع المخ (Brain Stem Death)، وليس الخلل الوظيفى المؤقت (Brain Stem Stunning) يجب أن يكون المؤشر الوحيد الذى يمكن قبوله لتشخيص موت المخ، وبالتالى إعلان وفاة المريض.

2 - يمكن تشخيص وفاة جذع المخ بإجراء الاختبارات السريرية التقليدية، ويشمل ذلك الاختبار الحرارى لدهليز الأذن واختبار توقف التنفس على مسافة زمنية كافية بين اختبارين متلازمين.

3 - تكفى الاختبارات الروتينية الحالية لتشخيص موت جذع المخ، أما الاختبارات التأكيدية فيجب قصرها على الحالات غير المؤكّدة.

4 - يجب الاستعانة بأكثر من استشارى من مختلف التخصّصات لتشخيص موت المخ.

ويمكننا أن نخرج بالتوصيات والإقرارات التالية:

1 - ليست ثمة مشكلة أو خلاف على السماح بالتبرع بالأعضاء إذا انتفى الضرر على المتبرع وانتفت شُبهة التكسب.

2 - ليس هناك ما يمنع من نقل الأعضاء شبه الحية من جثث المتوفين كقرنية العين وصمام الأورطى، واستخراج منظمات القلب التى تم تركيبها فى وقت سابق.

3 - يجب ألا يكون هناك خلاف على نقل الأعضاء من مرضى موت المخ إذا تم تشخيصهم بدقة بتطبيق المعايير المشار إليها، إذ إن كل الحقائق العلمية تشير إلى التأثير السلبى الجسيم لوفاة جذع المخ على كل أجهزة الجسم، بحيث يصبح إعلان وفاة جذع المخ بمثابة إعلان رسمى عن وفاة المريض، شريطة أن يتم هذا بالضوابط العلمية المقرّرة وبواسطة لجنة منتقاة من الأساتذة الثقاة. هذه حقيقة علمية مؤكدة لا خلاف عليها، ولكن تطبيقها فى مصر قد تحيط به صعوبات عملية وحواجز نفسية تُحد تلقائياً من عمليات نقل الأعضاء من المتوفين.

4 - هناك فرق واسع بين إنهاء حياة مريض ميئوس من شفائه Euthanasia، وبين إعلان وفاته إذا حدثت، فالأولى تندرج تحت بند القتل فعلاً، ولا نمارسها فى مصر، ولم يحدث إطلاقاً أن قمت شخصياً أو قام أطبائى بنزع الأجهزة من مثل هذا المريض، بل يترك للعلاج غير المكثف حتى النهاية.

5 - تنبع أهمية صدور قانون إعلان الوفاة وفشل الأعضاء من إزالة آخر عقبة قد تصادر حرية الأطباء فى تحديث المفاهيم الطبية المتعلقة بزرع الأعضاء وتقبّل الشعب المصرى لثقافة التبرع بالأعضاء فلو حدث لا قدر الله أن رُفض هذا القانون لتأخرت برامج زرع الأعضاء عشرات السنين، وتراجعت الريادة الطبية.


د. شريف مختار.. لماذا تأخر قانون نقل الأعضاء؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/10/2021

 التعريف العلمى للموت فى مصر يسيطر على شرح معناه للجمهور الحانوتى وليس الطبيب، وهذه كارثة قد شوهت تماماً معنى التبرع بالأعضاء، ذهبنا إلى د. شريف مختار لنتلمس التعريف العلمى للموت فقال:

هناك تعريفات غير مقبولة للموت وأولها التعريف التقليدى عن التوقف الكلى الذى لا عودة فيه للوظائف الحيوية لكل خلايا الجسم، فإذا ما تذكرنا أن خلايا الشعر والأظافر تستمر فى النمو لبعض الوقت بعد الوفاة لتبين لنا أن التمسك بهذا التعريف يوقعنا فى مشكلة عدم تقرير حالات موت مؤكدة.

ثانى هذه التعريفات هو الفقدان الذى لا عودة فيه لوظائف القشرة المخية العليا، وهى ذلك الجزء من المخ الذى تتركز فيه كل صفات الشخص ومميزاته وقدرته على التجريب، بينما تختص المراكز الدنيا للمخ بالوظائف الخضرية، التى يمكن إحلالها بالأجهزة، ولكن هذا التعريف أيضاً يحمل الكثير من نقاط الضعف، وأولها أن الأشخاص الذين فقدوا وظائف القشرة المخية اكتفاء بالوظائف الحيوية لساق المخ لا يمكن اعتبارهم فى عداد الموتى، وإنما فى حالة خضرية أو نباتية Vegetative State، حيث تقتصر وظائف المخ على بدائيات التغذية واستمرارية التنفس والنبض مع غياب كامل للتعامل مع البيئة الخارجية، وكذلك حالة الطفل المولود حديثاً بدون قشرة مخية Anencephaly، فلا يمكن اعتباره ميتاً وتستمر حياته لفترة طالت أم قصرت قبل أن يموت بمضاعفات أخرى، وعلى ذلك فإن نظرية القشرة العليا للمخ كمسئول عن الحياة لا تصمد للنقد وقد تكون مسئولة عن تعريف فقدان الهوية أو الشخصية وليس فقدان الحياة، كما قد يفقد المرضى المصابون بتدهور وظائف القشرة العليا الذاكرة والشخصية وتتدهور قدراتهم الذهنية ويفقدون القدرة على التحكم فى التبول ولكنهم أيضاً أحياء وليسوا موتى، ويقودنا هذا إلى السؤال التالى:

ما هو إذن التعريف المقبول للموت؟

والإجابة عن هذا السؤال أنه بالتأكيد ليس موت القشرة العليا، ولكنه موت المخ ككل، حيث إنه المسئول عن الوظائف الفسيولوجية للكائن ككل، ويشمل ذلك التنسيق بين الأجهزة المختلفة عبر الأعصاب والغدد الصماء للتحكم فى الحرارة والتنفس والدورة الدموية واتزان سوائل الجسم وأملاحه والاستجابة للتحديات، بالإضافة إلى الوعى بالذات والبيئة المحيطة، وقد يفقد الكائن ككل ساقاً أو كلية ويستمر رغم ذلك فى القيام بوظائفه الحيوية، ولكن من المؤكد أن كل أجهزته ستتوقف فى خلال أيام أو أسابيع إذا توقفت حياة الكائن بتوقف كل المخ عن العمل.

ويقودنا هذا بالتالى إلى تعريف آخر يمكن قبوله للموت: وهو التوقف التام والذى لا عودة فيه لوظائف جذع المخ، باعتباره مركز التحكم فى التنفس والدورة الدموية ودرجة الوعى، كما يمثل محطة دخول وخروج الإشارات الحسية والحركية من وإلى فصى المخ. كما أن ساق المخ لا يمكن استبدالها بجهاز التنفس أو منظم القلب، حيث إنها تمثل نقطة للسيطرة والتنسيق للأعصاب النازلة للنخاع والتنظيم الشبكى الصاعد للقشرة المخية، والذى يلعب دوراً هاماً فى استثارة وعى المريض.

وطبقاً للتقرير الرئاسى لآداب المهنة الطبية سنة 1981 تم تعريف الموت على النحو التالى: يعتبر ميتاً كل من أصيب بتوقف تام لا عودة فيه لكل وظائف المخ بما فى ذلك جذع المخ، ويتم تحديد شروط التشخيص بالأدلة الطبية المتعارف عليها، والتوقف التام الذى لا عودة فيه لوظائف المخ يستلزم:

1- وجود سبب للغيبوبة كاف لتفسير غياب وظائف المخ.

2- انعدام احتمال عودة أى من وظائف المخ.

3- أن يستمر توقف وظائف المخ وجذع المخ لفترة مناسبة من الملاحظة مع محاولات العلاج.

ومن المسلم به أن التأثيرات الباثوفسيولوجية لموت جذع المخ تمتد إلى كل أجهزة الجسم، فقد لوحظ فى التجارب العملية على الحيوانات الزيادة المطردة فى ضغط الدماغ مع التدهور المستمر فى التروية الدموية للمخ، مما يتسبب أولاً فى ارتفاع مؤقت فى ضغط الدم مصحوب بتسارع فى نبض القلب ناتج عن زيادة فى النشاط السمبثاوى مع فترة قصيرة مؤقتة مع التباطوء الانعكاسى للنبض فى المرحلة الأولى من انحشار المخ فى فتحة الجمجمة، كما تتدهور وظائف كل أجهزة الجسم سريعاً فى غضون أيام أو أسابيع قليلة. وينتج ذلك عن الفشل الحاد فى وظائف ساق المخ حيث تتمدد الأوعية الدموية ويهبط ضغط الدم إلى درجة لا يجدى معها أى علاج بالأدوية الرافعة للضغط، ويتوقف بعدها القلب خلال أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر، ومن التأثيرات الباثوفسيولوجية الأخرى لموت جذع المخ تناقص تروية عضلة القلب بالدم عبر الشرايين التاجية وقصور تروية الكبد والارتشاح الرئوى عبر الشعيرات الدموية الرئوية، وهو ما يعنى استحالة عودة الحياة لمريض جذع المخ وحتمية الحدوث النهائى للموت.