Translate

Saturday, May 27, 2023

مع بداية الامتحانات - الأنبا موسى - المصري اليوم - 28/5/2023

 أخى الحبيب، أختى المباركة...

إنها أيام الامتحانات التي فيها يشعر سواء الطالب أو الوالدان بالحاجة إلى معونة الرب، ولا شك أننا نشعر بمشاعر وأفكار مختلفة في هذه الفترة.

- فقد أشعر بأننى أخطأت كثيرًا إلى الرب طول العام.. فهل جاء يوم الحساب؟

- يستحيل فالرب أكبر من ذلك وأحن جدًا ويعاملنا كأبناء لا كعبيد!.

- هل أستحق النجاح الذي أريده؟ وبنفس التقدير المطلوب؟

- وهل يحبنى الرب.. وسيساعدنى في الامتحانات؟

- أريد أن أكون قريبًا من ربنا حتى يبارك امتحاناتى.. أليس كذلك.. إلخ من الأفكار التي تراودنا في هذا الوقت من كل عام.

- وقد اشعر أن الزمام قد أفلت حيث إننى قصرت في استيعاب دروسى طوال العام.. فهل أفشل؟ يستحيل! لأن «الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح» (2 تيموثاوس 7:1). فلنقدم له القليل وسوف يبارك!، قطعًا يبارك!.

وقد أشعر بالخوف من النتيجة النهائية.. وماذا سيكون موقفى أمام نفسى، وأمام الأسرة، وأمام الأصدقاء؟.

ولكن ألم يعدنا الرب قائلًا: «أنا معكم كل الأيام» (متى 20:28)، أليس هو الله المحب، «والمحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج» (يو 18:4).

المستقبل في يد الرب فلأقم بواجبى وأترك له النتيجة.. وهو قطعًا صانع الخيرات.

أبنائى الأحباء: تعالوا نلتزم بأمور هامة:

أولًا: روشتة الامتحانات:

- نظم وقتك جاعلًا فترة المذاكرة في أكثر أوقاتك نشاطًا.

- أعط جسمك راحة كافية فلا تنم أقل من 8 ساعات يوميًا.

- أبعد عن الوجبات الدسمة، ويفضل النوم لفترة بعد الغذاء لتجديد النشاط.

- تجنب السهر الزائد، فسهر ليلة يجعلك خاملا طوال اليوم التالى.

- لا تكثر من المنبهات كالشاى والقهوة، وإياك والحبوب المنبهة.

- اقطع مذاكرتك بصلوات قصيرة قلبية حارة.

- قلل من استخدام قنوات التواصل الاجتماعى، ومشاهدة التليفزيون، وخاصة الأعمال الروائية مثل الأفلام والمسلسلات فهى تشتت الذاكرة.

- المذاكرة الجماعية لا تفيد إلا في حالات نادرة.

- تعوّد أن تلخص ما تذاكره كتابة.

- إذا وضعت جدولا للمذاكرة فلا تحمّل نفسك ما لا تطيق.

- عندما تبدأ في دراسة إحدى المواد لا تضع على مكتبك أي كتب أو أوراق خاصة بالمواد الأخرى حتى تحتفظ بتركيزك.

- كلما شعرت بالملل، قف وتمشّ داخل الغرفة، ثم قدم صلاة قصيرة، وعد إلى المذاكرة.

- اجعل مراجعتك النهائية هي إجابة الامتحانات السابقة.

- لا تتوقف كثيرًا عند تفاصيل الموضوعات ليلة الامتحان.

- كلما بذلت جهدًا أكثر ازدادت بركة الله لك.

ثانيًا: قبل الامتحان:

- نظم الوقت الباقى ليحقق الأهداف التالية:

أ- استيعاب ما لم أدرسه.

ب- مراجعة للمنهج كله.

ج- إجابة أسئلة امتحانات وحل تمرينات ومسائل مناسبة.

- النظام يعطى إنتاجًا طيبًا، حيث لا تشعر بالتشتت وثقل الحمل، بل تعطى كل يوم نصيبه من الجهد والاهتمام، دون أن تخور تحت الحمل.

- الجدول المناسب والعملى شىء هام في هذا الصدد.

- حافظ على هدوئك الروحى من خلال علاقة حية مع الرب في صلوات منتظمة، وثق أن هذا افتداء للوقت، فالسلام النفسى طريقك إلى الإنتاج المتقن.

- اهتم بتنظيم مواعيد الطعام والنوم، وخذ القدر الكافى من كليهما.

ثالثًا: أثناء الامتحان:

- لا تتحدث كثيرًا مع زملائك وأنت خارج اللجنة، بل استشعر حضور إلهنا ليستقر سلامه في قلبك.

- صلّ في هدوء قبل قراءة ورقة الأسئلة، وكل سؤال اقرأه أكثر من مرة فتعرف:

- المطلوب بالضبط في جملة الأسئلة وكل سؤال.

- الأسئلة التي ستختارها للإجابة عنها.

- قد تشعر في بداية الامتحان أنك قد نسيت كل ما ذاكرته.. لا تخف، هذا شعور طبيعى، أعط نفسك وقتًا، ثم كرر قراءة الأسئلة وستجد المعلومات تدريجيًا.

- محاولة الغش يرفضها الله، ويرفضها القانون، فاحذر أن تعتمد عليها أو تلجأ إليها، حتى لا يرفض الله معاونتك.

- راجع إجابتك ولا تخرج قبل انتهاء الوقت حتى لا تندم.

- متى شعرت أنك قد وضعت كل ما عندك في ورقة الإجابة استرخ قليلًا ثم عد إلى قراءة ما تبقى، فسوف تجد حتمًا شيئًا تستطيع أن تضيفه، وتذكر دائمًا أن الله يبارك عملك.

رابعًا: بعد الامتحان:

- سلم كل ما قدمته من مجهود وإجابات للرب، الذي يحبك ويدبر لك ما هو صالح.

- في البيت.. راجع إجابتك بسرعة ودون تضييع وقت أو انفعال يفسد عليك مجهودك للامتحان التالى.

- احذر أن تتصور أن تفكيرك وأشواقك وتطلعاتك هي ما يسعدك.. فالسعادة الحقيقية هي في الله، أما أمور الأرض، فهى مهما علت أو تعاظمت تراب.. تراب صدقنى. فلتكن لك النفس الهادئة المستقرة في الله، وليدبر الرب أمر الغد «يكفى ا ليوم شره» (متى 34:6). والرب معك وهو سر نجاحك الوحيد، وتذكر دائمًا قول الكتاب: «وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا» (تكوين2:39).

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Tuesday, May 23, 2023

عمر خيرت ليه؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/5/2023

 هل حصول الفنان عمر خيرت على أرفع وأهم جائزة عربية يستحق السؤال ليه؟! جائزة شخصية العام الثقافية هى أهم جوائز جائزة الشيخ زايد، فهى أهمها من الناحية المعنوية بدليل أنهم يؤجلون إعلانها عدة أيام بعد كل الجوائز، وأهمها من الناحية المادية فهى تزيد كثيراً عن الجوائز الأخرى، لكنها هذا العام لها طعم آخر، فهى غالباً تمنح لأجانب، ودائماً يكون لهم علاقة بالكتابة والبحث، أما أن تمنح لمؤلف موسيقى فهذا هو الجديد والمدهش، لكن عمر خيرت بكل المقاييس يستحقها، فهو قد أخلص تماماً لفنه، حتى أصبح لا يجيد إلا الكلام بالموسيقى، مشوار طويل حفر فيه بأظافره فى الصخر، بداية من حفلات طلبة الجامعة مع فريق البيتى شاه هو ومجموعة المتمردين من جيله هانى شنودة وعزت أبوعوف وغيرهم، وينافسهم البلاك كوتس بقيادة إسماعيل توفيق الحكيم، حتى وصل إلى القمة مروراً بتقديم فاتن حمامة له وتشجيعه على مشاركتها أمسية شعرية ثم الانطلاق فى عالم الموسيقى التصويرية والمؤلفات الموسيقية، أتخيل خطاباً لو جاءت الفرصة لعمر خيرت أمام الحشد وهو يتسلم الجائزة سيقول فيه:جئتكم من مهد الفن وفجر الضمير.. مصر.. لأتسلم تكريماً يحمل اسماً عزيزاً على الجميع، محفوراً فى قلوب كل المصريين وهو اسم الشيخ زايد..يقول أفلاطون «الموسيقى تعطى روحاً للكون، وأجنحةً للعقل»..وأنتم اليوم بتلك الجائزة منحتمونى تلك الأجنحة لكى أحلق فى عالم الموسيقى وأواصل الإبداع قدر ما يمنحنى العمر الفرصة.هذا التكريم ليس تكريماً لعمر خيرت، ولكنه تكريم لوطنى مصر المحروسة التى أفخر أننى ابن من أبنائها، ولفن الموسيقى الذى تطمح كل الفنون أن تتحدث لغته السحرية، وأن تصل إلى قدرتها الفائقة على التأثير.شكراً لحاكم الإمارات على رعايته للثقافة والمثقفين، ولشعب الإمارات الذواق للفنون والثقافة على تلك الحفاوة التى أحاطونى بها..وشكراً للجنة الجائزة التى منحت شخصى المتواضع هذا الشرف، وشكراً لكل من علمنى حرفاً فى هذا العالم الجميل الذى اسمه الموسيقى، وعلى رأسهم عمى أبوبكر خيرت الذى كنت أتمنى أن يكون حاضراً فى تلك الليلة ليشاركنى الفرحة.. شكراً لكم جميعاً.


Saturday, May 20, 2023

«يَرُدُّ نَفْسِى. يَهْدِينِى إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ» - الأنبا موسى - المصري اليوم - 21/5/2023

 فى مزمور «الراعى» لداوود النبى، يذكر أن الراعى هو راعٍ أمين على حياة رعيته لم يتركهم فى عوز، فهو الراعى الصالح، ففى هذا المزمور أعلن عن المراعى الخضراء التى سأتغذى عليها، وعن مياه الراحة التى يجب أن أمكث بجوارها- أى بجواره هو- لتطفئ ظمئى.

ويوضح داوود النبى ما يفعله الراعى من أجلنا لتستمر حياتنا الجسدية والروحية، إذ يهبنا كل المقومات الأساسية لوجودنا، لا يقتصر دور الراعى هنا على مجرد استمرار الأمور كما هى، بل نراه يصحح أخطاء الماضى، ويُحيى ما كان قد تحطم وذبل بسبب الظروف والأحداث المؤلمة. وهذه نافذة جديدة من خلالها يندفع الهواء نقيًّا وجديدًا لينعش أرواحنا ويجددها ويحييها. هنا نكتشف الراعى كمخلص ومفدٍ، يبعث الشفاء حيث المرض والحياة حيث الموت.

أولًا: «يَرُدُّ نَفْسِى».. معنى النفس فى الأصل العبرى أشمل وأعمق من الكلمة الإنجليزية Soul، فهى تربط معًا فكرة الروح والنفس وجوهر الحياة والشخصية والدم. وهكذا يصير تعبير «يَرُدُّ نَفْسِى» ذا معنى أشمل.

ولكن ما الذى يفعله الراعى بالنسبة لحياتى؟. «يرد نفسى».

وما معنى ذلك؟. البيت يرد (أو يرمم) حين نعيده إلى حالته الجيدة ثانيًا، والملك يرد حينما يثبت من جديد على عرشه، والجسم يرد حينما ينشط بالطعام والراحة.

إذن «يرد» معناها «يكمل» حينما تكون قد حدثت خسارة وأضرار، إذ يرفع عنا كل آثار الفقدان ويجعل النفس فى سلام.

كيف ينطبق هذا الكلام على حياتنا؟.

الراعى يرد نفوسنا ليس بمجرد تقويتنا بالطعام والشراب، ولا بمجرد شفاء أجسادنا حين تمرض، بل بأنه «يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لو 10:19). مثل الخروف الضال.. أو الخروف الهالك- الذى نقرأ عنه وصفًا مؤثرًا فى الإنجيل- كيف أن الراعى ترك القطيع عرضة للخطر والهلاك، ثم يذهب ليبحث عن الخروف الضال فيجده. وهذا هو الخلاص والنجاة من الموت المحقق.

فحين تطغى الخطية علىَّ حتى أكاد أسقط فى اليأس، وحين أفقد كل ما كنت أملك من نعمة، تظهر قوة الراعى الفادية وتنشلنى من الخطية والشر. وأقول عن قوته إنها «فادية» لأن الراعى بالفعل يشترينى من جديد، ويعطينى الخلاص، إذ يهبنى نفسه دون تحفظ.

ثانيًا: «يَهْدِينِى إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ».. وهنا ينكشف أمران:

أولًا: أصل وجوهر كافة أمراضنا الروحية، فالمرض والموت يصيبان الغنيمة التى رفضت التسليم لقيادة الراعى السليمة.

ثانيًا: معنى رد النفس، أى قبولنا للراعى كقائد، وتبعيتنا له حيثما يذهب.

يَهْدِينِى.. فالراعى يسير أمام القطيع، لا بجواره ولا خلفه، فهو قائد الخراف ومرشدها. وهنا نلاحظ اختلافًا بين عوائد الشرق وعوائد الغرب.

ففى الغرب: يسير الراعى وراء الخراف ليتأكد أن أحدًا لم يتخلف أو يُفقد، وليشجعها على المسير بإحداث أصوات خاصة، وهكذا تندفع أمامه فى الطريق السهلة والمحددة.

أما فى الشرق: حيث لا تجد سبلًا محددة، لذلك يتقدم الراعى خرافه ليكشف لها الطريق، وليدفع عنها هجمات الحيوانات المفترسة. وهكذا يمارس الراعى عملًا مزدوجًا: فتح الطريق، وتحمل المسؤولية. وهذان هما نفس ما يمارسه الراعى معنا، إذ يرشدنا إلى الطريق الصحيح ويقودنا.

وعلى الرعية أن يتبعوا خطوات الراعى. وكلمة «يتبع»، نتبع أى نسير خلفه وقريبًا منه، فى نفس الاتجاه دون أن ننحرف يمينًا أو يسارًا. لا نمرق من الطريق، ولا نسرع إلى الإمام، بل نرتب خطواتنا على خطوات الراعى فلا نسبقه ولا نتأخر عنه، نحتفظ برفقته، وكلما انفصلنا عنه نرجع سريعًا لنلتصق به، ولكننا لا نقدر أن نتبع شخصًا ما لم نرتبط به، فكما يقول الكتاب المقدس: الراعى يعرف خاصته، وخاصته تعرفه.

ولكن.. إلى أين يقودنا الراعى؟.

ثالثًا: «إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ».. وتعنى «الطرق المستقيمة»، وهى إما «أقصر الطرق» الملائمة والمناسبة للوصول إلى هدف الراعى، فنطرقها فى أمان وطمأنينة دون أن نخشى الانحراف، وإما «الطرق البارة».. طرق العدل والخير، والأمران ينطبقان تمامًا على إرشادات الراعى لنا فى كل نواحى حياتنا اليومية.

«لأجل اسمه..» ربما تبدو هذه العبارة صعبة الفهم، فالراعى- بالتأكيد- لا يطلب مجد نفسه أثناء قيادته للخراف، ولكنه يريد أن يقدم كل ما يمكن أن يحمل اسم «الراعى» من معانٍ، يريد أن يكون الراعى الصالح والحقيقى، يريد أن يظهر نفسه أمينًا كأنه وقّع بإمضائه على «عقد» يربطه بالخراف، لذلك لا يقدر ولا يرغب فى الإساءة إلى اسمه هذا وتوقيعه غير المنظور. الراعى مرتبط بعهده إلى الأبد، فلقد أخذ منا موقف المبادرة. كم من مرة أسأنا إلى هذه العلاقة التى لم نتعب فى تأسيسها!.

ياليت صدى هذه الأنشودة يتردد فى نفوسنا على الدوام، ليتنا نجد النور والفرح والقوة حين نردد بعض كلماته: «الرَّبُّ رَاعِىَّ، فَلاَ يُعْوِزُنِى شَىْءٌ، إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لا أَخَافُ شَرًّا لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى»، «يَرُدُّ نَفْسِى. يَهْدِينِى إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ».

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, May 14, 2023

«لأنك أَنْت معى» - الأنبا موسى - المصري اليوم - 14/5/2023

 من كلمات المرنم داوود النبى فى مزمور الراعى: «إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِى» (مزمور 4:23)، وفيه يتحدث عن أهم صفة فى الراعى:

الراعى مدافع عن القطيع:

وهذا المزمور من أجمل تأملات داوود النبى عن رعاية الله لنا، ليس المحور هنا هو الراعى كمعط للطعام أو كقائد للقطيع بل كمدافع عنه. وهذا المحور يكشف لنا عن المخاطر التى تهدد الخراف، وإعلان عن ثقة تملأ القلب: فينتفى الخوف، وتثبت ويتبلور فعل الإيمان والثقة، ولذلك يستخدم المرنم إحدى الصور المألوفة فى المرعى.

أولًا: «إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ..»

يشرح المرنم هنا الخطر المحدق بالخراف، مستخدمًا إحدى صور الحياة الشائعة فى فلسطين، فقد يدخل القطيع أو المسافر إلى «الوادى»، وهذه كلمة عبرية تعنى منطقة منخفضة بين جبلين يدخلها نور النهار بصعوبة. وهنا قد نصادف ثعلبًا أو ذئبًا، لصًا يترصد الخراف والمسافرين ويهاجمهم إذا ما اقتربوا.

الخطر عظيم!.

بل إن الكلمة العبرية المستعملة «وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ» تعنى مضيقًا أضيق وأظلم من الوادى، وتحمل معنى الظلال القاتمة جدًا، وهنا تتعرض الخراف لأخطار جمة: الأعداء والأمراض والموت، عدا التجارب وأمراض الروح والموت الأبدى. وما هو وادى ظل الموت إلا هذه الحياة بحروبها وضيقاتها.

هل نخاف؟! هل ننكمش فى قلق وفزع أمام هذه المخاطر؟!

كلا، فهناك نصان آيتان يشجعاننا ضد الخوف:

قال عاموس النبى: «يُحَوِّلُ ظِلَّ الْمَوْتِ صُبْحًا» (عاموس 8:5).

ويقول إشعياء النبى: «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِى الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، والْجَالِسُونَ فِى أَرْضِ ظَِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ» (إشعياء 2:9).

وهنا قد تتعرض الخراف اليوم وكل يوم - أكثر من أى وقت مضى - لظلال الخوف والصراع واليأس ونقص الإيمان.. ولكن سواء فى حالة: هذا الذى يبكى وحيده فى حجرته، أو ذاك الذى يهدده السرطان وسوف يرقد بعد قليل على منضدة العمليات - فالراعى عن قرب يتقدم قطيعه، بل يتقدم كل غنمه على حدة، ويحارب عنها. وحتى لو سمح لإحدى غنماته أن يسقط عليها ظل الموت إلى لحظة، فهو لا يقصد إلا أن تدخل هذه الغنمة إلى مناطق جديدة من النور، نور النهار الكامل.

ثانيًا: «لاَ أَخَافُ شَرًّا»:

بعد أن تصورنا الخطر المحدق بالخراف، يأتى التأكيد الهادئ، أن الغنمة المؤمنة فى بداية المزمور قائلة: «لاَ يُعْوِزُنِى شَىْءٌ»، ولكنها الآن لا تتحرر من الاحتياجات فحسب، بل من الخوف أيضًا. وسر التحرر من الخوف هو:

ثالثًا: «لأَنَّكَ أَنْتَ مَعى»:

إذن، فمهما حدث لنا، لن تهتز ثقتنا فى الراعى، لأنه معنا أو بالحرى مع كل واحد فينا.

«مَعِى.. » هناك طريقتان أصير بهما مع الإنسان: إما أن أبقى قريبًا منه مواجهًا له، ومع ذلك نبقى منفصلين وغريبين، وإما أن يرتبط بى وأتجانس معه فندخل فى مبادلة حية للأفكار وأخذ المشورة منه.

لم يعد الأمر إذن مجرد التقارب الجسدى بل المشاركة الكيانية. واللغة تميز بوضوح وتستخدم تعبيرات لتؤكد المشاركة الكيانية: «لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى»؛ أى «لأنك دخلت إلى صُلب حياتى». وهنا يتحدث المرنم فى صيغة المخاطب، يتحدث إليه وليس عنه «لأنك أنت معى».

قال البعض فى القديم: إن الدين مسألة «ضمائر، وربما سمعتم عن نظرية أحد الفلاسفة (أنا وأنت) الذى قال عن الناس بصيغة (هو وهى وهم)، فكأنه يفكر فيهم وكأنهم ليسوا من القطيع، أما إذا حدثناهم بصيغة: (أنت) ندخل معهم فى علاقة محبة حية وشخصية».

رابعًا: عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِى:

استخدم المرنم تشبيهًا مستعارًا من حياة الراعى ليشرح لنا هذا السر. «العصا والعكاز» ليسا مترادفين، ولكن لكل واحدة استخدام، كل فى وقتها.

أ- «عَصَاكَ..» فى العبرية هى عبارة عن عصا خشبية قصيرة تنتهى بقطعة معدنية ثقيلة، تستخدم كسلاح دفاعى وحماية القطيع من الذئاب المفترسة.

ب- «عُكَّازُكَ.. » وتحمل معنى المعونة والسند. فالراعى يستند على عكازه كثيرًا ليستريح، ويستخدمه فى قيادة ومعونة الخراف، بسبب نهايته المقوسة «كالخطاف»، إذ يستخدم لمساتها الخفيفة فى توجيه الخراف يمنة أو يسرة، وإذا لزم الأمر يمسك به غنمه من رقبتها أو رجلها، وبالأكثر حينما تعبر الخراف جدولًا ما، حيث به يضرب الخروف الجامح الذى يحاول الهروب، وهذا يشير لتأديب الأبوة الحانية الحازمة، ويبدو أن عكاز الراعى هو أصل صولجان الملوك، ذاك لأن أول ظهور للصولجان كان فى عهد «الهكسوس» فى مصر، وهؤلاء كانوا رعاة أغنام. الراعى إذًا هو ملكنا، ولم يقبل أى صولجان أكثر من هذا العكاز، الذى يحمل معنى الرعاية والأبوة.

ج- «يُعَزِّيانِنِى.. » أى أن العصاة والعكاز ليسا لتخويفنا، بل هما للدفاع والمعونة، وهكذا يوحيان إلينا بالثقة واليقين.. أيها الراعى الحبيب الرب.. ماذا يمكن أن نفعل بدونك؟!.. ليس أفضل من أن نسير وراءك يارب ونعيش فى مخافتك وفى وصاياك.. لك كل المجد والأبد، آمين.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Sunday, May 7, 2023

لك دور فى المجتمع - الأنبا موسى - المصري اليوم - 7/5/2023

 إن المشاركة الوطنية، والتفاعل الاجتماعى، وروح الحب والخدمة، وروح البذل والعطاء، أمور أساسية وجوهرية فى الفكر المسيحى «من سألك فأعطه». وحينما أراد الكتاب المقدس أن يعبر لنا عن دور المسيحى فى خدمة المجتمع، قدم لنا تشبيهات عديدة نذكر منها:

1- الملح: الذى يحفظ من الفساد... «أنتم ملح الأرض» (متى 13:5).

2- النور: الذى ينشر الفضيلة والإيمان الحى... «أنتم نور العالم» (متى 14:5).

3- السفير: الذى يصالح الناس مع الله.. «نسعى كسفراء عن المسيح» (1 كورنثوس 20:5).

4- الخميرة: التى تعطى الحياة لموات العالم... «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (متى 33:13).

5- الرائحة الزكية: التى تنشر أريجها فى كل مكان... «أنتم رائحة المسيح الزكية» (2 كورنثوس 15:2).

6- الرسالة: المعروفة والمقروءة من جميع الناس... «أنتم رسالتنا... معروفة ومقروءة من جميع الناس» (2 كورنثوس 2:3).

ومن هذه التشبيهات ندرك دورنا فى خدمة المجتمع، كشهود أمناء لروح الله العامل فينا. ولذلك أوصانا الرب ألا نترك العالم، بل أن نتحفظ من الشر:

1- فالمؤمن يحيا فى العالم، ولا ينعزل عنه. 2- والمؤمن له طبيعة مختلفة عن أهل العالم.

3- والمؤمن له رسالة حب، يجب أن يقوم بها تجاه كل البشر فى كل مكان وزمان.

أولًا: بعض المبادئ الهامة للسلوك وسط المجتمع:

1- المرونة القوية: التى تجعل الإنسان قادرًا على الاختلاط والتعامل والإسهام فى نشاطات الحياة اليومية، دون انغماس فى الخطأ، وهى غير المرونة الضعيفة التى تشبه السمكة الميتة التى لا تستطيع أن تسير ضد التيار، بل هى دائمًا مع التيار (بغير إرادتها)، إلى أن يقذفها التيار إلى الشاطئ. لذلك ليكن لنا ضمير حى وحساس، يرفض الخطيئة ويتمسك بالبر.

2- عدم التقوقع على بعضنا البعض: إذ علينا أن نحذر من التقوقع، وأن نتعامل كمواطنين فى حب، وروح اجتماعية حسنة، وتواصل فى الأعياد والمناسبات والظروف المختلفة كالمرض والوفاة... إلخ.

3- المحبة السخية: التى نستمدها من الله الساكن فينا، حبًا يعطى ولا ينتظر العوض، ويدخل قلوب الآخرين، فيخلق منهم أصدقاء ومحبين. لذلك فلا بد أن تكون المحبة لا بالكلام بل بالعمل.

4- المحبة الباذلة: التى تحتمل كل شىء دون أن تتخلى عن حبها، إلى أن تجعل من العدو صديقًا، ومن الألم مجدًا، ومن الموت قيامة.

5- عدم الانتقام وبالحرىّ روح المسامحة: فالرب علمنا أن:

- «غضب الإنسان لا يصنع بر الله» (يعقوب 20:1)،

- «لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير» (رومية 21:12)،

- «لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب: لى النقمة أنا أجازى يقول الرب» (رومية 19:12).

6- دخول قلوب الآخرين بالمحبة الصادقة: فالمحبة تدخل حتى إلى عمق قلب الآخر، «المحبة لا تسقط أبداً» (1 كورنثوس 8:13)، وحتى إذا رفض الآخر قبولى، فلأحتفظ بمحبتى. فالمحبة دائمًا تبنى، والكراهية دائمًا تدمر.

7- الإسهام الوطنى: فالمسيحية الحقيقية لا ترضى بعدم الانتماء، وتنادى بالمواطنة الصالحة، والإسهام فى بناء الوطن.. إن علينا جميعًا دورًا فى بناء مصرنا العزيزة، وفى حفظ وحدتها، فلا مجال للتخاذل أو عدم الانتماء.. فهذه سلبيات ترفضها المسيحية، كما ترفض الطائفية المريضة المتعصبة.

ثانيًا: الآباء الأوائل والأخلاق الواجبة فى المؤمنين:

هكذا عاش آباؤنا متفاعلين مع المجتمع، مستوعبين عصرهم، مساهمين فى كل ما يبنى، ناشرين المحبة والخير، عازفين عن كل خطيئة وشر، وكل كراهية وحقد، ممتحنين كل شىء، ومتمسكين بالحسن.

أ- فالمسيحيون لا يتميزون عن غيرهم بوطن، أو لغة، أو ملابس، أو عادات يحفظونها، فهم لا يسكنون مدنًا خاصة بهم، ولا يستخدمون لهجة خاصة فى الكلام، ولا يحيون حياة تتسم بأى ميزة مختلفة فحسب، ولكنهم يتبعون العادات العامة الصحيحة من جهة: الملبس والطعام، وباقى سلوكياتهم اليومية.

ب- وهم كمواطنين يشاركون الآخرين فى كل شىء.. فى تكوين أسرات وأصدقاء متفاعلة مع المجتمع.

هم فى الجسد، ولكنهم لا يعيشون حسب الجسد، ولكن حسب الروح لحساب الحياة الأبدية، ويطيعون القوانين السائدة، عملاً بقول القديس بولس: «من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة» أى أنه ينادى بحياة الخضوع لكل من هو فى منصب، وخضوع مطلق للقوانين.

ثالثًا:علاقة المؤمن بالعالم:

- المسيحيون منتشرون فى كل مدن العالم، فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية لها أبناء فى كل العالم، وهى دائمًا تقوم بخدمتهم فى أماكن اغترابهم لتربطهم بكنيستهم الأم ووطنهم الأم. فهم يسكنون فى العالم، ولكن العالم لا يسكن فيهم، لذلك فهم متطلعون دائمًا إلى السماء.

إن التفاعل مع المجتمع، والمشاركة فى بناء الوطن، ونشر الحب والخير فيما حولنا، وفيمن حولنا، واجب دينى وإنسانى بالدرجة الأولى، وعلينا أن نحيا كذلك فى حياتنا اليومية، ونحب الجميع من قلب طاهر وبشدة، ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية