Translate

Tuesday, January 31, 2017

٢٥ يناير غيرت مصر إلى الأبد بقلم د. محمد أبوالغار ٣١/ ١/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

سوف يذكر التاريخ أن ثورة ٢٥ يناير هى أهم ثورة فى تاريخ مصر الحديث وأكثرها تأثيراً على مستقبلها وشعبها. ثورة ٢٥ يناير رفعت عن المواطن المصرى طبقات من الظلم والقهر والخوف، تحول المصرى الآن، وخاصة الأجيال الشابة، إلى شخصيات مختلفة تماماً لا تخاف القهر أو بطش الشرطة أو ظلم القيادة. ما كان يعتبر «تابوه» لا يمكن الاقتراب منه أصبح الآن أمراً طبيعياً وعادياً.
لقد كان مأمور القسم يعتبر الإله الأعظم لا يستطيع المواطن أن يقترب منه، الآن لا أحد يهاب المأمور ولا وزير الداخلية ولا أحد يخاف منهم، وانعكس ذلك على الشرطة التى تريد أن تعيد عجلة الظلم إلى الوراء وتستخدم لذلك أقسى أنواع العنف، والنتيجة أن الشباب يموتون فى الأقسام والمقاومة تزداد. ولن ينصلح الحال إلا إذا قامت الشرطة بعقد صلح مع الشعب. عليها أن تحترم الشعب فقيره قبل الغنى حتى نصل إلى مرحلة الاحترام المتبادل.
هل يمكن أن تتخيل أن الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى منع حربا أهلية ونجح فى انتخابات حرة بأغلبية كاسحة وكانت له منذ سنتين فقط شعبية هائلة، يقوم الشعب المصرى تدريجياً برفض سياساته المختلفة وأن يهب الشعب المصرى كله رافضاً إعطاء أرض مصرية إلى السعودية؟ تخيل الرئيس بعد أن اتفق مع السعوديين معتقداً أن الأمر بسيط ومجرد أن يقول للشعب لا أريد كلاماً فى هذا الموضوع فينتهى الأمر. الأمر أصبح مستحيلاً، قد تقوم الدولة ببعض الحيل غير القانونية وغير الدستورية لتعطى السعودية الجزر، ستكون كارثة للرئيس والنظام والشعب، وإذا حدث هذا فلن يغفر التاريخ القريب والبعيد ذلك وسوف تستردها مصر بكل الطرق، ٢٥ يناير جعلت للقوة حدودا.
شكراً لثورة ٢٥ يناير التى علمت المصريين أنهم أصحاب هذا الوطن وأن رأيهم هو الأهم. لن يستطيع الرئيس ولا الأجهزة أن تحبس الشعب كله. ٢٥ يناير أفهمت الشعب من هو الوطنى ومن هو الذى لا يهمه مصر ومصلحتها ويهمه فقط مساندة الحاكم، أى حاكم فى أى زمان ومكان.
ثورة يناير هى التى تفضح بعض الإعلاميين الذين يساندون الرئيس بغباء مطلق وكأنهم يتحدثون إلى شعب من المخابيل. والفرق واضح بينهم وبين المؤيدين الأذكياء. الشعب واع ويعرفهم ولا أعتقد أن الرئيس يعلم أنهم يضعفون شعبيته ويسيئون إليه وإلى نظامه.
حين تقوم أجهزة الأمن بإعطاء تسجيلات إلى هؤلاء الإعلاميين فهى تهين النظام كله بقياداته كلها وحين قال الرئيس إن مصر شبه دولة فليعلم أن رجاله هم الذين حولوها إلى شبه دولة، وعندما يغرق النظام والشعب معاً فسوف يترك المطبلاتية المركب ويقفزون كما فعلوا من قبل، فبعض من تعاون مع الإخوان بقوة قبل الثورة ودخل البرلمان محمولاً على أكتافهم أيام مبارك، هو نفسه من دخل البرلمان محمولاً على أكتاف الأمن والأجهزة أيام السيسى. النظام الذى يعتمد على هذه الشخصيات، التى تاريخياً باعت كل شىء فى الداخل والخارج، هذا بالتأكيد نظام لا يمكن أن يؤدى إلى أى نجاح.
٢٥ يناير كانت حركة ضد ظلم الداخلية حولها قهر ثلاثين عاماً وغباء مبارك والعادلى إلى ثورة حقيقية بدأت بمجموعة من القوى المدنية الوطنية التى تريد مستقبلاً أفضل للوطن من جميع الأعمار وبالتدريج زادت أعداد الشباب الوطنى وانضمت كل الفئات إليها.
تغيرت الثورة السلمية الجميلة إلى عنف بسبب دخول الإخوان وأذنابهم ثم بلطجية الشرطة وبلطجية بعض رجال الأعمال. وحرقت أقسام الشرطة وفتحت السجون لخروج الإرهابيين والمجرمين الجنائيين، وتفاوض الإخوان مع رئيس المخابرات لإقصاء القوى المدنية وعادت المعركة التاريخية القديمة بين الإخوان من ناحية والجيش والشرطة من ناحية أخرى ولا تزال مستمرة.
كل ذلك أدى إلى خلل فى الاقتصاد ولكن التدهور حدث بسبب سوء إدارة الاقتصاد والمنح والقروض فى العامين الماضيين ومازال إهدار الأموال فى مشروعات لن تجلب عائداً مستمراً بقوة مما أدى إلى كارثة اقتصادية يشكو منها الرئيس ورئيس البرلمان. يبدو أن الحكام يعتبرون أن الشعب الحقيقى المصرى غير موجود، ولكن شعب مصر بعد ٢٥ يناير أصبح موجوداً بقوة ولن يستطيع أى دكتاتور مهما سجن الآلاف وسيطر على الاقتصاد والإعلام أن ينجح. الفشل محقق بدون مشاركة الشعب والنظام يخاف من شعب مصر الجديد بعد ٢٥ يناير لأن الشعب فعلاً أصبح لا يخاف ويقول نعم ويقول لا أيضاً.
مصر ملك كل المصريين ومن الفروض أن مجلس الشعب يمثل المصريين وبه أعضاء وطنيون محترمون ولكن الذين صاحوا من أعضائه بأن الجزر سعودية وبأن البرلمان لا بد أن يقرر كل شىء، فجأة نزل عليهم سهم الله والصمت الشديد لأنهم يعملون بالزمبلك من الأمن، اسكتوا فسكتوا، اشتموا فسوف يشتمون، صوتوا أن الجزر سعودية سوف يصوتون، صوتوا أن الجزر مصرية سوف يصوتون.
بدون شراكة كاملة وديمقراطية ومراجعة لكل القرارات الظالمة أو غير المدروسة لن يحدث تقدم وسوف ينهار النظام. مصر فى خطر بسبب تصرفاتكم. تذكروا أن ٢٥ يناير فى قلوب وعقول المصريين جميعاً، برغم كل شىء نريد أن نساعدكم ونريد للنظام أن ينصلح حاله وينجح حتى نعبر سوياً..
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

د. عماد جاد - نهاية مخطط الفوضى - جريدة الوطن - 30/1/2017

بانتهاء الولاية الثانية للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وتسلم الرئيس الجمهورى دونالد ترامب، تنتهى حقبة نشر الفوضى فى الشرق الأوسط، تلك الحقبة التى بدأت فى عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن تحت مسمى «الفوضى الخلاقة أو البناءة» وفق الهندسة التى صاغتها مستشارته للأمن القومى فى الولاية الأولى ووزيرة الخارجية فى الولاية الثانية كوندوليزا رايس، وتلقفتها إدارة أوباما ووضعت لها مسمى «الربيع العربى» وتولت الإشراف على التنفيذ وزيرة الخارجية فى ولايته الأولى هيلارى كلينتون، والتى تفرغت فى ولاية أوباما الثانية لخلافته. خلال تلك الحقبة عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على نشر الفوضى فى المنطقة، وتفكيك الكيانات الكبيرة إلى دويلات صغيرة، يسهل التحكم فيها وممارسة لعبة التوازنات فيما بينها وبحيث تصبح إسرائيل كبير المنطقة ورجل الأمن فيها ومن ثم تكون محور التفاعلات ووجهة طلب المساندة والمساعدة ومن ثم تنتهى مرحلة نبذ إسرائيل فى المنطقة وتنتهى عملية الاعتماد على الولايات المتحدة فى ضمان بقاء إسرائيل وأمنها.
نجحت الإدارات الأمريكية منذ عام ٢٠٠١ وحتى نهاية الولاية الثانية لأوباما فى تسييل التفاعلات داخل المنطقة العربية عبر إضعاف وإسقاط نظم حكم مستقرة مثل تونس ومصر، وأخرى كانت مستمرة مثل سوريا وليبيا، ونشرت الفوضى فى هذه الدول وظهر تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) ونشر الدمار والخراب وابتدع أساليب همجية فى القتل والسحل والتعذيب لا تمت للبشرية بصلة، وبدا واضحاً أن المخطط فى سبيله إلى النجاح ونشر الفوضى فى المنطقة بالكامل حتى جاءت ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ فى مصر لتعصف بالمخطط وتبدأ المنطقة فى استعادة حالة الأمن والاستقرار، فعندما خرج الشعب المصرى لاسترداد بلده وهويته الوطنية بإسقاط حكم المرشد والجماعة، أوقف تفاعل نظرية الفوضى الخلاقة ومسمى الربيع العربى، فسقوط الجماعة فى مصر ونجاح الجيش المصرى فى كسر شوكة الجماعات الإرهابية والقضاء على وجودها فى القاهرة والمحافظات المصرية وحصرها فى شمال سيناء كان بمثابة طلقة البداية فى اعتدال ميزان الحرب على الإرهاب فى المنطقة واستعادة توازن قوى عربية فى حربها على الإرهاب. فقد استنفدت القوى الداعمة للمخطط الفوضوى جهدها فى مواجهة مصر، بذلت كل جهد ممكن لإسقاط ثورة المصريين عبر إرهاقها أولاً وإضعافها سياسياً واقتصادياً، ولكن الشعب المصرى صمد خلف قيادته السياسية وقواته المسلحة ونجح فى تأمين الثورة وتحصينها، وهنا بدأت التداعيات الإقليمية للنجاح المصرى فى الانتشار وكانت سوريا والعراق الساحتين اللتين تأثرتا بما جرى فى مصر، توازن النظام السورى ونجح فى كسر شوكة الإرهابيين الذين وجدوا على أراضيه بتواطؤ عربى مجاور وتركى، ثم امتد التأثير إلى العراق الذى انتفض من أجل تحرير شماله من احتلال «داعش» وتدريجياً طال التأثير ليبيا المجاورة لنا وبدأت عملية إزالة التنظيم كنوع من الجراحة الدقيقة، ومع النشاط الذى دب فى موقف روسيا الاتحادية بدأت حالة عامة من تحرير البلاد من براثن الجماعات الإرهابية، وبهزيمة هيلارى كلينتون فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز دونالد ترامب انتهى إلى غير رجعة مخطط نشر الفوضى فى بلادنا وبدأت الدولة فى استعادة عافيتها ودخلت مرحلة نفض غبار الفوضى الخلاقة ومعها ما سمى «الربيع العربى» وبدأت مرحلة التطهير والبناء وهى مرحلة طويلة وتتطلب صبراً ومؤازرة للجهود الوطنية المخلصة التى تبذل اليوم لاستنهاض الأمة المصرية وجوارها العربى وتشكل صيغة جديدة فى علاقاتنا والمنطقة بالعالم.

د. عماد جاد - عن «٢٥ يناير» ومزاياها - جريدة الوطن - 30/1/2017

مرت الذكرى السادسة لثورة الخامس والعشرين من يناير هادئة سالمة، وتم تقاسم الاحتفال ما بين عيد الشرطة وذكرى الثورة، وفى الوقت نفسه هناك قطاع من المصريين وفريق ليس بهين داخل مؤسسات الدولة عبر بصراحة ووضوح عن كراهيته لذكرى الثورة، وهناك من أعلن تحسره على فترة ما قبل الثورة، أى عهد مبارك، مشيراً إلى حالة الأمن والاستقرار التى كانت تتمتع بها البلاد قبل الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، إضافة إلى معدلات تنمية مرتفعة تجاوزت الخمسة بالمائة، وحركة سياح بلغت ثمانية ملايين سائح سنوياً، وعملة مصرية مستقرة مقابل الدولار، ودعم على المشاع للكهرباء والوقود.
كل ما ذكر صحيح من الناحية الشكلية، فالقبضة الأمنية كانت شديدة، وكان جل اهتمام أجهزة الأمن ملاحقة الناشطين السياسيين، فالرجل قرر توريث المنصب لابنه ولا عودة عن ذلك والوريث كان يتعامل منذ عام ٢٠٠٥ على أنه الرئيس الفعلى للبلاد وكان كل المسئولين فى البلد يعاملونه على هذا الأساس. وجرى تجنيد طاقة البلاد لخدمة مشروع التوريث، كما جرى بيع دور مصر الإقليمى للولايات المتحدة مقابل تمرير مشروع التوريث.
واصل مبارك على مدار سنوات حكمه الثلاثين للبلاد الاعتماد على الخلطة التى صاغها السادات وهى مزج الدين بالسياسة وتوظيف الدين لخدمته شخصياً ومصلحة بقائه فى السلطة، وفى هذا السياق واصل لعبة القط والفأر مع جماعة الإخوان المسلمين، ترك لهم العمل الأهلى الخيرى الذى رفع من شعبيتهم فى الشارع، وزاد من نفوذهم على النحو الذى يمكنه من توظيفهم كفزاعة لإخافة الغرب من حكم الإسلاميين، وفى الوقت نفسه عملت أجهزة أمن مبارك على رعاية ودعم السلفيين بحيث تستخدمهم عند اللزوم فى مواجهة الإخوان. وقادت هذه الخلطة إلى حالة من التوتر الدينى فى البلاد، فزادت معدلات تديين المجال العام، وزاد انتشار التدين الشكلى والتعصب العام، وكادت البلاد تصل إلى حافة الانفجار الدينى ويكفى أن نذكر ما جرى فى عام مبارك الأخير فى السلطة، ٢٠١٠، فقد بدأ العام بجريمة نجع حمادى وانتهى بجريمة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وما بينهما كانت هناك عشرات الجرائم والاعتداءات من العمرانية إلى قطار سمالوط إلى اعتداءات على أقباط فى قرى وريف مصر ورعاية جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية لعمليات ترحيل أسر قبطية من مساكنها رضوخاً لأحكام جلسات عرفية برعاية أمنية. ولم يكترث مبارك بحالة التوتر الدينى التى اجتاحت البلاد بعد أن شاخ على مقعد السلطة وتصلبت شرايين العمل السياسى وباتت دولة بحجم ووزن مصر مجيشة لصالح مشروع توريث السلطة.
فى الوقت نفسه كانت عوائد معدلات التنمية المرتفعة تصب فى صالح النخبة الاقتصادية للوريث وكان الأثرياء يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقراً، المرض ينهش أجساد المصريين وأكبادهم تحديداً، ولا اكتراث من قبل الدولة، تحول مشروع العلاج على نفقة الدولة إلى مشروع استجمام للمسئولين وأسرهم وإجراء عمليات تجميل بينما المرض ينهش فى أجساد الفقراء دون أن يجدوا أى اهتمام من قبل الدولة. أيضاً استشرى الفساد فى كل مؤسسات الدولة وبات يمثل عنصراً محسوباً عند إجراء أى معاملات مع الأجهزة الحكومية، أما قصة الدعم وسعر العملة فهى قضية كانت ستنفجر يوماً ما وكل ما كان يفعله مبارك هو تأجيل الانفجار لا وضع خطة للحل، كان يقوم بترحيل الأزمة إلى الأجيال المقبلة بهدف ضمان استقرار نظامه فقط لا غير.
وللحديث بقية.

خالد منتصر - هل «كفتتة» العقل المصرى متعمدة؟ - جريدة الوطن - 30/1/2017

بعد الحوار الذى ينتمى لعالم الكوميديا السوداء الذى أُجرى مع المخترع المحترم العلامة الفهامة إبراهيم عبدالعاطى رائد الطب الكونى، طلبتنى عشرات الفضائيات لعمل مداخلات تليفونية، لكنى رفضت المداخلات والاستضافات رغم أنه قد هاجمنى فى الحوار بالاسم، رفضت لأننى كتبت كثيراً ودخلت معارك نارية فى هذا الموضوع وسأجمع ما كتبته فى كتاب سيلحق بمعرض الكتاب بإذن الله، ولن أكتب أكثر مما كتبت، أما سبب الرفض الأساسى فهو أن شخصنة الموضوع الذى «مات وشبع موت» واختزاله فى جهاز الكفتة سيحقق رغبة ماكينة الإعلام الرديئة التى تنتشر انتشاراً سرطانياً فى مصر فى الفرقعة والإثارة والهرى بلغة الفيس بوك. ما أريده هو نقل الموضوع لمنطقة أهم وقضية أخطر وسؤال أعمق، وهو: هل «كفتتة» العقل المصرى، أى تحويل خلايا التفكير فيه لصوابع كفتة، هى خطة متعمدة؟ هل تغييب المخ المصرى وتهييفه وتتفيهه وإغراقه فى الخرافة والسماح للدجل والهرتلة بأن تتسلل وتحتل مساحات رهيبة فى نسيجه شىء يدركه من يقدّرون المقادير فى مصر المحروسة؟ إذا كان كل ما يحدث عفوياً وغير مخطط وطبيعى فبالله عليكم لماذا كل القنوات والفضائيات المصرية بتقدم أى حاجة وكل حاجة من اللغو والتهريج للطبيخ للنميمة... إلخ، إلا البرامج العلمية، ما عدا الكلام فى التنوير والعلم والثقافة؟!!
من الممكن أن تتحدث قناة فضائية عن العفاريت عشرين ساعة بلا كلل وبلا ملل وبكل انتعاش وراحة ضمير، من الطبيعى جداً لصحيفة أن تفرد ثلاث صفحات لحوار مع شخص يقول إنه حائز على شهاداته من جوهانسبرج وسيريلانكا وإنه سيصدّر جهازه لدولة تسدد ديوننا كلها وسيجعل أمريكا تتسول علاج الإيدز فى مصر!! ولو خبط على باب نفس الجريدة فريق العلماء الحاصلين على جائزة نوبل فى كافة العلوم ما عدا الطب الكونى يطلبون حواراً معهم لتقريب علومهم لأذهان المصريين، من الممكن أن يوافق الجرنال ولكن على ربع عمود فى صفحة الوفيات!! مليارات تُصرف على فضائيات جديدة آخر اهتماماتها الكلام فى التنوير والعلم، ولا جنيه تصرفه أى قناة لإنقاذ العقل المصرى من التغييب والجهل والنصب والدجل، هذا هو المهم الذى لا بد من مناقشته، هل أنتم تريدون الشعب هكذا؟ هل أنتم فى منتهى الانبساط والانشكاح برؤيتكم لأمخاخ المصريين بين شقى الرحى، فتاوى سلفية وهابية متحجرة تعيدنا إلى زمن إنسان الكهف، واختراعات وهمية وأعشاب همايونية وكبابجية علم يضعوننا فى السيخ المحمى ويحولوننا إلى مجرد كفتة بنى آدمين منتهية الصلاحية!! أرجوكم لا تصدقوا أن قيادة قطيع مُجهَّل عمداً مُغيَّب قسراً هى أفضل من قيادة عقول مستنيرة قادرة على التمييز، لأنه ببساطة فى الحالة الأولى القطيع هو عالة على الراعى، أما فى الحالة الثانية فالمستنيرون إعانة وسند للقائد، يقدمون له البدائل ويفكرون خارج الصندوق، وفى أحيان كثيرة يشيرون للراعى على الطريق الصحيح، حالة الكفتتة التى نعيشها على كافة الأصعدة جعلتنا نصدق أن الكفتة أسلوب حياة، ما أفزعنى حقاً هو انهيار جهاز المناعة الثقافى للإنسان المصرى الذى جعله فاقداً لكل خلايا كرات التفكير النقدى البيضاء مما جعله يصدق أن هناك جهازاً يعالج كل الأمراض ويقتنع بأن هناك معالجاً كونياً سيشفى هذه الأمراض وهو لم يتعلم فى أى كلية طب فى حياته!! ارحموا العقل المصرى من مرض الكفتتة، أنقذوه يرحمكم الله.

Sunday, January 29, 2017

خالد منتصر - أرشح هذا الطبيب وزيراً للصحة - جريدة الوطن - 29/1/2017














لا يزعجنى هذه الأيام مثل عبارة «محدش فى البلد ينفع وزير صحة أو تعليم أو.. إلخ»، فلو صدقنا هذه العبارة يجب علينا أن ندفن أنفسنا ونكتب على مدخل مطار القاهرة هنا مقبرة كبيرة اسمها مصر، وبلد كان يوماً ما وطناً.. هذا وطن مغلق للتحسينات!!، مش معقول ومش ممكن ومستحيل أن مصر بكل ثقلها وتاريخها وكنزها البشرى لا تمتلك شخصاً قادراً على أن يتقلد منصب الوزير، كارثة أن نعلن ذلك، والكارثة الأكبر أن نصدق ذلك!، يوجد طبعاً الكثيرون ممن يرفضون الوزارة، ولا بد أن نبحث فى الأسباب؛ هل لأنه يعرف أنه لا يملك قراراً وسيظل سكرتارية؟ أم خوف من الذبح الإعلامى؟ أم أسباب أخرى؟، ولكى أجعل كلامى عملياً وعلى أرض الواقع وأحمل بعض العبء عن كاهل رئيس الوزراء وهو يختار الوزراء الجدد، وبدلاً من الاكتفاء بدور المنجم وضارب الودع ومعلن التسريبات الوزارية، سأرشح اسماً لوزارة الصحة وهو د. عادل الإتربى، أستاذ القلب الشهير، لقد شاهدت الرجل عن قرب فى مؤتمر الأقصر، كم هو محبوب، وكم هو إدارى ناجح، وكم هو على مستوى علمى قوى، اختار الأقصر كمكان لمؤتمر القلب الأخير، الذى انتهت فعالياته أمس، الصرامة العلمية وورش العمل التى اهتم فيها بالأطباء الشبان، خاصة أطباء الصعيد، فى الإنعاش، وقراءة رسم القلب، وعمل القسطرة العلاجية بالمحاكى.. إلى آخر كل المهارات المطلوبة لطبيب القلب المعاصر فى زمن التكنولوجيا الذى يسابقنا بسرعة الصاروخ فنلهث وراءه، العرض لأدوية خفض الكوليسترول الحديثة المعالجة لزيادة الكوليسترول الوراثية أو العائلية، ومشاكل فشل القلب، وارتفاع الضغط.. إلخ، أشياء كثيرة وقضايا مهمة وساخنة فى مجال القلب سيكون لنا بإذن الله حديث مفصل عنها، لكن المهم أننى لمست تلك الشخصية عن قرب، وتساءلت كيف لمثل تلك الشخصيات أن تكون مجهولة عند الأجهزة التى ترشح أسماء الوزراء وتختارهم؟!، طبيب وعالم وإدارى وإنسان ناجح مثل د. عادل الإتربى لا يوجد على قائمة العشرة المبشرين بالوزارة إذاً هناك مشكلة!!، وبالطبع هناك أسماء كثيرة تستحق، ولكننى أجرب اليوم فى هذا المقال تجربة لتشجيع كل من يعرف اسماً مناسباً لوزارة أن يطرحه وبلا خوف من اتهام «الفيس بوك» له بالمجاملة، أو خشية من أن يمزقه «تويتر»، لم يعد يهم من يكتب لوجه الله والوطن مثل هذه الاتهامات اللزجة المملة، المهم الآن أن نزيل هذه الوصمة، وصمة عار أننا لم نعد نملك كفاءات، ونجيب عن سؤال طرحته فيما قبل: لماذا لم نعد نختار صنايعية أكفاء بيفهموا فى شغلانتهم؟!!، وكأننا نتعمد أن نختارهم فيهم كل الصفات إلا أنهم فاهمين شغلهم!!، لن تقوم هذه البلد إلا بجهد وعقل أبنائها المخلصين اللى مش طمعانين فى حاجة إلا مصلحتها، ولديهم إحساس أن فى أعناقهم جميلاً لا بد من رده، فلنبدأ وبجسارة إزالة الركام عن اختياراتنا المقولبة المعلبة سابقة التجهيز فى فرن الأمن ومكاتب الأجهزة، ولنبتعد عما أسقط الاتحاد السوفيتى؛ عندما اختاروا لـ«جورباتشوف» الرجل غير المناسب فى كل المناصب.

د. عماد جاد - الديمقراطية الاجتماعية - جريدة الوطن - 29/1/2017


الديمقراطية الاجتماعية هى صيغة تمزج ما بين اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية، وهى صيغة ساعدت اليسار فى أوروبا، وتحديداً الشمالية (الاسكندنافية) على تجاوز محنة فشل النظم الاشتراكية فى شرق ووسط أوروبا، ومكنتها من الاحتفاظ بجوهر الفكر الاشتراكى، لا سيما فكرة العدالة الاجتماعية دون صدام مع اقتصاد السوق الذى بات الصيغة المهيمنة حتى فى الدول الشرقية، بل فى الدول التى لا تزال ترفع الشعارات الاشتراكية كالصين مثلاً، والتى تتحدث اليوم عما تطلق عليه «اقتصاد السوق الاشتراكى».
الديمقراطية الاجتماعية هى صيغة تمزج بين جوهر الفكر الاشتراكى، وهى فكرة العدالة الاجتماعية، واقتصاد السوق، وتعنى بالأساس تحقيق العدالة الاجتماعية فى نظام يعمل وفق آليات السوق ويعتمد بشكل أساسى على القطاع الخاص. والديمقراطية الاجتماعية وفق هذه الرؤية إنما تمثل محاولة للتغلب على مساوئ اقتصاد السوق، وذلك عبر الأخذ بيد الفئات الضعيفة فى المجتمع، وتتمثل العدالة الاجتماعية هنا فى أربعة مكونات أساسية هى مسكن صحى مناسب، تعليم مجانى جيد، علاج مجانى وأخيراً حد أدنى للأجور. الديمقراطية الاجتماعية تقول إن هذه المكونات الأربعة إنما هى حقوق لغير القادر تجاه الدولة، وهى التزامات من الأخيرة تجاه الفئات الضعيفة فى المجتمع، ومن ثم فهى تختلف جوهرياً عن فكرة «المن أو العطاء» الذى يُقدّمه الأثرياء للفقراء، فالأخيرة تمثل مساعدة من الغنى للفقير وضمن مشروع خاص بمن لديه القدرة على العطاء والرغبة أيضاً، أما الديمقراطية الاجتماعية فتغطى الاحتياجات الأساسية للمواطن من قِبَل الدولة، ومن ثم فالأمر لا يندرج ضمن «سياسة المن، المنح أو العطاء» بل ضمن سياسات الدولة والتزاماتها تجاه مواطنيها.
عموماً، تطورت الديمقراطية الاجتماعية فى دول شمال أوروبا، وقدّمت صيغة مناسبة تماماً لطبيعة هذه المجتمعات التضامنية، وكانت مناسبة أيضاً لمجتمعات وفرة ورفاه. وعندما بدأت دول أمريكا اللاتينية عملية التحول من نظم سلطوية واستبدادية، ومن نسخة مشوّهة من اقتصاد السوق، اتبعت النموذج الاسكندنافى «الديمقراطية الاجتماعية»، التى قدّمت للدول اللاتينية حلولاً لجميع المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية، وإذا كانت الديمقراطية الاجتماعية قد نجحت فى مجتمعات وفرة ورفاه كالمجتمعات الاسكندنافية، فإنها حققت نجاحاً باهراً فى عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية، وعلى رأسها البرازيل، ففى سنوات لولا دا سيلفا الثمانى تحولت البرازيل من دولة مثقلة بالديون إلى دولة دائنة لصندوق النقد الدولى، من دولة متخلّفة إلى ثامن أكبر اقتصاد فى العالم، من دولة تتعثّر على طريق الديمقراطية إلى نظام ديمقراطى مستقر. حقّقت البرازيل القفزة الكبرى بعد أن أخذت بالديمقراطية الاجتماعية، فعالجت أولاً مشكلة الفقر والفقراء، المشرّدين وسكان مدن الصفيح. وإذا كانت دول لاتينية أخرى أعلنت اتباع الديمقراطية الاجتماعية، ولم تُحقّق الإنجاز الذى حققته البرازيل على جميع المستويات، فإن مرجع ذلك هو الإيمان بالأفكار الخاصة بالديمقراطية الاجتماعية، لا سيما قيمة ومبدأ العدالة الاجتماعية، ووجود القيادات المؤمنة بهذه الأفكار، ومن ثم تسير قدماً على طريق تطبيق الأفكار والمبادئ، أيضاً لا بد من تعاون الرأسمالية الوطنية مع النظام السياسى فى تطبيق أفكار العدالة الاجتماعية، لأن التطبيق يتطلب موارد مالية ضخمة فى مراحله الأولى، ومن ثم لا بد من صيغة ما يقدم من خلالها رجال الأعمال والأثرياء مساهمات معقولة تمكن الدولة من تطبيق مكونات العدالة الاجتماعية.
فى تقديرى، أن مصر فى المرحلة الحالية فى حاجة ماسة إلى الأخذ بالديمقراطية الاجتماعية والأخذ بيد الفئات الضعيفة فى المجتمع فى المجالات الأربعة الرئيسية التى تمثل جوهر قيمة العدالة الاجتماعية، وهى مسكن صحى مناسب، تعليم عام جيّد، رعاية صحية مجانية وحد أدنى للأجور، وتزداد الأهمية فى ظل عمليات التحول الاقتصادى وتحرير سعر الصرف وما ترتب عليه من ارتفاعات كبيرة فى الأسعار، وتدهور أوضاع الفئات الضعيفة فى المجتمع وتأثر قطاع واسع من الطبقة الوسطى.

Saturday, January 28, 2017

ليس للهندسة طريق ملكى يا مولاى! بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ١/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

كان الترقى بالإنجاز وليس بالأقدمية، وكان الباحث يطرد من الجامعة إذا لم يقدم جديداً فى بحر خمس سنوات من تعيينه!. إنها مدرسة الإسكندرية التى كانت منارة العلوم والآداب حوالى ستمائة عام، منذ عصر البطالمة حتى عصر اغتيال هيباشيا.
أنشأ المدرسة بطليموس الأول بمساعدة ديموتريوس الفاليرى، وكان بمكتبتها مليون كتاب، وسبعمائة ألف بردية، كانت تعتبر الجامعة الثانية بعد جامعتى أون، وهيليوبوليس.
كان للجامعة عميدان، عميد للآداب، وعميد للعلوم، قال ستراتون:
الشعوب تتقدم بالعلوم، أما الغيبيات فلن تصل بشعوبها إلى بر الأمان مهما كانت دوافع أصحابها نبيلة.
تخرج من مدرسة الإسكندرية علماء كثيرون منهم أقليدس، أمونيوس المصرى مفتت الحصوات «حصوات المثانة بجراحة من العجان»، وسوسوجينس المصرى الذى اكتشف فرق الست ساعات فى السنة الشمسية، فرجيل، أبولونيوس المصرى، أرشميدس، أبولودورس رائد علم العقاقير والسموم، وغيرهم مئات من العلماء. أهدى أقليدس كتابه «الأصول» لبطليموس الأول وكان صعباً على الملك فهمه، فقال لأوليدس: أليس هناك طريق أقصر للهندسة يا أقليدس؟، فكان الرد: ليس للهندسة طريق ملكى يا مولاى!. جدير بالذكر أن كتب أقليدس ترجمت إلى السريانية ومن السريانية إلى العربية بواسطة الحجاج بن يوسف الثقفى الذى كان يجيد السريانية.
أما أرشميدس صاحب قانون الطفو، الذى يقولون عنه إنه القائل وجدتها وجدتها.. وباليونانية: أفاريكا.. وأفاريكا، حقيقة الأمر أنه قال: ثماسيكا ثماسيكا.. أى تذكرتها تذكرتها، أى أنه كان قانوناً مصرياً معروفاً من قبل أرشميدس، ونحن نعرف أن أربعة من علماء العصر الحديث جمعوا ٣٦ وثيقة أصلية فى الرياضيات المصرية، هم أرشيبالد، تشيز، مانج، بل من ٣٥٠٠ ق.م إلى ١٥٠٠ ق.م تضافرت الحضارة المصرية مع تلاميذها من اليونان فكان هيرون مخترع المرايا الحارقة لسفن الأعداء، وكان كاتيسيوس مخترع المضخة الضاغطة، الأرغن المائى، وكان أراستوراخوس مكتشف دوران الأرض حول الشمس، ودوران القمر حول الأرض.
كان فى جامعة الإسكندرية أقسام للنبات، الحيوان، علم الأجنة، الطب التجريبى، التشريح المقارن، وظائف الأعضاء، كما كان هناك أقسام للفلسفة، التوحيد «فليون»، المسرح «هوراس» الفنون.. الخ.
كان الملوك يفتشون السفن، فإذا وجدوا كتاباً، أخذوه، نسخوه، ردوه، لأصحابه مقابل تعويض مادى. استعار أحد الملوك مسرحيات سوفوكليس، مقابل رهن كبير، تنازل الملك عن الرهن واحتفظ بالأصول، وأعطى صاحبها النسخ المنقولة عن هذه المسرحيات.
بنى الإسكندر ١٧ إسكندرية، كلها اندثرت إلا الإسكندرية، ذلك لأن المخزون الحضارى فى مصر، أمدها بالبقاء وتحدى الفناء، وكأن الإسكندر الأكبر كان يحس أنه لن يخلد اسمه إلا فى مصر، لذا قال حين رأى راكودة: هنا سوف أبنى مدينتى التى طالما حلمت بها!.
قال هيرودوت: المدن الإغريقية كلها مصرية، وقال أفلاطون: ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه عن مصر، وقال وارن داوسن: العلوم جميعاً خاصة الطب نشأت فى مصر منذ أكثر من خمسين قرنا من الزمان. حتى مارتن بارنال الأمريكى صاحب كتاب «أثينا السوداء»: نصف اللغة اليونانية القديمة من أصل فرعونى. ويؤكد هذا الدكتور طه حسين: اليونانيون يعرفون أنهم تلاميذ للمصريين فى حضارتهم القديمة.
احترقت مكتبة الإسكندرية ٢٧٣ ميلادية فى عصر الإمبراطور أورليان، ولم يحرقها عمر بن الخطاب أو عمرو بن العاص، إنه خيال المؤرخين العرب «القفطى - الكندى - المالطى - البغدادى» كخيالهم فى أكذوبة عروس النيل، التى فندها أدوارد جيبون، إرنست رينيان، ألفريد بتلر، جوستاف لوبون، وهكذا بعد ٢٤ قرناً من الزمان، نرى الإسكندرية سبيكة ذهبية من الماضى والحاضر، الأصالة والمعاصرة، التراث والاقتباس، وعمار يا مصر.

د. عماد جاد - الإعـلام والتحول الديمقراطى - جريدة الوطن - 28/1/2017

تُعد حرية وسائل الإعلام من بين أهم مكونات الديمقراطية, بل ومؤشراً مهماً على ديمقراطية النظام، فباستمرار هناك الحديث عن حرية وسائل الإعلام وعن حرية التعبير. وتُعد وسائل الإعلام أيضاً من بين أهم أدوات الرقابة والمتابعة، كما أنها تُعد مصدراً مهماً من مصادر التنشئة وأيضاً تقديم الحقائق للرأى العام. لا يوجد إعلام حر فى مجتمع لا يتمتع بالحرية، ولا يوجد إعلام حر فى نظام غير ديمقراطى، وبمقدار ديمقراطية النظام تكون حرية وسائل الإعلام، وعادة ما تُستخدم درجة الحرية التى تتمتع بها وسائل الإعلام فى قياس درجة ديمقراطية النظام فى الظروف العادية، أى فى غير الظروف الاستثنائية كحالات الحروب والكوارث وتعرُّض الأمن القومى للخطر، ففى مثل هذه الظروف والحالات عادة ما تُفرض قيود على حرية وسائل الإعلام دون أن تؤثر هذه القيود على ديمقراطية النظام. هناك نظم تُعد ديمقراطية من حيث توافر القيم الأساسية وثقافة الديمقراطية وكذلك من حيث الآليات المختلفة، ولكن ديمقراطيتها تكون منقوصة نتيجة لاعتبارات تتعلق ببعض القيود بما فيها القيود على وسائل الإعلام فى الظروف العادية. وتُعد إسرائيل نموذجاً للدولة التى تحتل موقعاً متوسطاً على مقياس الديمقراطية لاعتبارات تتعلق بوجود قيود على بعض مكونات العملية الديمقراطية، فديمقراطية إسرائيل من نوع خاص تُعرف بأنها «ديمقراطية دينية عرقية»، فهى ديمقراطية كاملة لليهود من أصول غربية، فهى لا تخص غير اليهود، كما أنها تميز يهود الغرب وتعطيهم مزايا خاصة، ومن هنا نجد عدداً من القيود على وسائل الإعلام الإسرائيلية التى ليس بمقدورها نشر معلومات وبيانات أو أخبار عن قضايا من قبيل الاستيطان اليهودى فى الضفة الغربية، الهجرة اليهودية من الخارج، كل ما يتعلق بعمليات الجيش الإسرائيلى، فإسرائيل تعتبر نفسها فى حالة حرب مستمرة مع العرب والفلسطينيين تحديداً، ومن ثم تفرض قيوداً متنوعة على وسائل الإعلام.
فى الدول غير الديمقراطية عادة ما تحتكر الحكومة وسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون وصحافة، ووفق درجة سلطوية النظام واستبداده، تكون السيطرة على وسائل الإعلام، فالنظم المستبدة عادة ما تفرض سيطرتها الكاملة على وسائل الإعلام ولا تسمح بالإعلام الخاص، وكلما تراجعت قبضة النظام على السلطة، تراخت قبضتها على وسائل الإعلام وتسمح بظهور الإعلام الخاص، وكلما سار النظام على طريق التحول الديمقراطى، تزايدت درجة تحرر الإعلام الحكومى.
مؤكد أننا لم نكمل بناء نظام ديمقراطى حقيقى فى مصر، نحن فى مرحلة انتقالية على طريق التحول الديمقراطى، وهى مرحلة قد تكتمل وتتحول مصر بموجبها إلى دولة ديمقراطية حقيقية أو تتعرض هذه العملية لانتكاسة ومن ثم نعود إلى نقطة الصفر وندور فى حلقة مفرغة، ولأننا فى مرحلة انتقالية فإننا نشهد حالة من الارتباك فى مجال الإعلام، هل تحتفظ الدولة بكل هذا الكم من القنوات التليفزيونية والصحف القومية أم يمكن خصخصة جزء منه لتخفيف الأعباء من على كاهل الحكومة والحصول على عائد يمكن توظيفه فى مجالات أخرى؟ هل من المنطقى لدولة من دول العالم الثالث تسير على طريق التحول الديمقراطى امتلاك شبكة ضخمة من القنوات ومبنى للإذاعة والتليفزيون يعمل بداخله أكثر من ٣٥ ألف موظف يتقاضون مرتبات شهرية تصل إلى ٢٣٠ مليون جنيه تدفع اليوم بالكامل من ميزانية الدولة ومن أموال دافعى الضرائب؟ هل من المنطقى أن توضع القنوات الإقليمية الموجهة لخدمة مناطق جغرافية محددة كمنطقة قناة السويس ومناطق شمال ووسط وجنوب الصعيد، توضع على القمر الاصطناعى وتكلف الدولة ملايين الدولارات سنوياً، فى حين أن فلسفة إنشاء هذه القنوات هى تغطية أقاليمها الجغرافية فقط؟
يبدو الارتباك واضحاً أيضاً على رجال الإعلام الذين عملوا فى مرحلة الاستبداد والسلطوية وعايشوا الإعلام الحكومى الموجه والمسيطر، وليس بمقدورهم إدراك طبيعة التغيرات التى يمر بها النظام السياسى وبالتبعية دور الإعلام فى المرحلة الجديدة، ويمكن القول إن رجال الإعلام الحكومى يُعدون عقبة كأداء فى مسيرة عملية التحول الديمقراطى، فهم أكثر مقاومة لعملية التحول بما تتضمّنه من فقدان للنفوذ والمكانة التى تنبع من مداهنة الحكومة وموالاتها على حساب كل قيم الإنسانية وعلى رأسها قيم الحرية، والمهنية، والديمقراطية.
ولا يقل إعلام رجال أعمال نظام مبارك ارتباكاً واضطراباً عن الإعلام الحكومى، فهذا الإعلام يعمل لخدمة مصالح أصحاب رأس المال وأجندتهم، ويحددون مواقفهم من التحولات الجارية من منظور ضيق للغاية وهو منظور المصلحة المباشرة، ومن ثم تتسم مواقفهم بالتذبذب الشديد، فتارة يكونون مع النظام وأخرى يلعبون دوراً سلبياً فى حال إدراك أن التحولات تسير على غير هواهم. والأكثر خطورة من كل ذلك زحف النظام على القنوات الخاصة، سواء بالسيطرة أو الاستحواذ أو الشراكة فيها، بحيث يحولها إلى الجهة التى يرغب، ويغير من طبيعتها، ومن ثم يضرب مصداقية هذه القنوات وتبدأ رحلة البحث عن المعلومة خارج إطار سياق القنوات الوطنية.
المطلوب اليوم تنظيم مجال الإعلام المرئى على نحو يضع قواعد عامة للعمل، وميثاق شرف بين ملاك القنوات يضبط أداء الإعلاميين، مع اهتمام من الدولة برعاية الإعلام الخاص الذى بات يلعب الدور المحورى فى دفع قاطرة التطور باتجاه الديمقراطية والتعددية رغم الأخطاء ورغم التجاوزات التى تصدر عن بعض الإعلاميين فإن رعاية الدولة مطلوبة بشدة، فى مواجهة محاولات الهيمنة من قبَل شبكات غير مصرية، مثلما تفعل الدول الأخرى التى تسعى بعض القنوات المنتمية لها إلى الهمنية على فضاء الإعلام المصرى، فالقنوات المصرية الخاصة لعبت دوراً جوهرياً فى تصحيح مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير وتفجير ثورة الثلاثين من يونيو والدفاع عن هوية وكينونة الدولة المصرية واستمرار هذه القنوات فى أداء مهامها بات مسألة أمن قومى مصرى.

خالد منتصر - صلاح عبدالصبور واعتذار القدر - جريدة الوطن - 28/1/2017

منذ أن رحل عنا شاعرى المفضل الجميل الرائع صلاح عبدالصبور، شاعر الألم الذى ودّعنا وهو على أبواب الخمسين بعد رحلة عطاء شعرية ومسرحية ونقدية خصبة، قسم فيها جهده الشعرى ما بين القصيدة والدراما، وما بين الديوان والمسرحية (نحو خمسة دواوين وخمس مسرحيات)، منذ هذا الوقت وأنا أتمنى عرض مسرحيته «مأساة الحلاج» بالذات بنجوم المسرح المصرى القومى الآن حتى يطلع عليها الشباب، فهى لم تُعرض منذ عرضها الأول الذى أخرجه سمير العصفورى وقام ببطولته وتجسيد شخصية الحلاج الممثل محمد السبع!! سعادتى غامرة أن الشاعر صلاح عبدالصبور هو شخصية العام فى معرض الكتاب، فقد مات مظلوماً، وأستطيع أن أقول إنه قُتل مظلوماً بسبب هذا المعرض وما اتهمه به بعض المثقفين، بسبب اشتراك إسرائيل فيه، من العمالة والخيانة... إلخ، فأن يدور الزمن ويكرمه نفس المعرض الذى كان سبب رحيله فهو بمثابة اعتذار القدر!! طبعاً الشاعر صلاح عبدالصبور يستحق التكريم، وقد نال التكريم النقدى والشعبى والوطنى فى حياته، لكننى أعتبر إنجاز عبدالصبور المتفرد والأقوى كان فى المسرح وما زال لم يكرم عليه بعد ولم يقدر حق قدره ويقدم عبدالصبور المسرحى إلى الناس، وهذا ما كنت أطلبه من المعرض هذا العام، وهو أن يعيد عرض مسرحيات صلاح عبدالصبور فى فعالياته الثقافية وخاصة «الحلاج» ولا يكتفى بوضع اسمه شخصية العام، أما عن قيمة عبدالصبور الشعرية ولماذا يستحق مسرحه تلك الحفاوة فيمكن القول إن صلاح عبدالصبور تخلص من أسْر الغنائية، إلى حد كبير، التى وقع فى فخها من قبله أحمد شوقى وعزيز أباظة رائدا المسرح الشعرى، كانت روح الدراما تسرى فى كيان ونسيج مسرح صلاح الشعرى ولا تتحول إلى قافية مفتعلة مصنوعة يسبق فيها جرْس الشعر حبكة الدراما، ساعده فى ذلك قراءته المتعمقة لمسرح «ت. إس. إليوت».
لم يسعدنى الحظ بمشاهدة عرض العصفورى «لايف» بل شاهدته على شريط فيديو فى مسرح الطليعة منذ وقت بعيد، لكنى استمعت إليها فى البرنامج الثانى بإخراج إذاعى من بطولة الفنان العظيم محمود مرسى، وكنت قد احتشدت لسماعها وبهرتنى المسرحية من خلال تذوق الأذن فقط، وتمنيت لو أننى رأيتها على خشبة المسرح إلى أن واتتنى الفرصة التى ذكرتها وسمعت أن مسرح الطليعة سيعرض شريط فيديو المسرحية الذى استعاره من التليفزيون، فذهبت إلى العتبة حيث يوجد المسرح الذى شكّل وجداننا وثقافتنا المسرحية وقت رئاسة سمير العصفورى له، وكانت وجبة مسرحية دسمة حلق بى فيها الفنان محمد السبع بصوته الرخيم العذب النورانى وهو ينشد أشعار صلاح عبدالصبور فى أجواء صوفية شديدة الصفاء والشفافية، وعند صلب الحلاج بعد محاكمته العبثية فى نهاية المسرحية سالت دموع جميع الحاضرين وأنا معهم حزناً على فراق هذا الصوفى المحب العاشق المتيم الذائب الذى قتلته الذئاب.
قدم مسرح الطليعة بعدها بسنوات قراءة مسرحية خاصة لأجزاء من «مأساة الحلاج»، لكن حلمى بتقديم هذه المسرحية كاملة برؤية جديدة ومختلفة طل يراودنى طوال الوقت، وتتردد فى مسامعى ترنيمة الكورس وهو ينعى وينتحب واصفاً مهزلة محاكمة الحلاج قائلاً:
صَفُّونا.. صفاً.. صفاً، الأجهرُ صوتاً والأطول، وضعوه فى الصَّفِّ الأول، ذو الصوت الخافت والمتوانى، وضعوه فى الصف الثانى، أعطوا كُلاً منا ديناراً من ذهب قانٍ، برَّاقا لم تلمسه كفٌّ من قبل، قالوا: صيحوا.. زنديقٌ كافر، صحنا: زنديقٌ.. كافر، قالوا: صيحوا، فليُقتل إنَّا نحمل دمه فى رقبتنا، فليُقتل إنا نحمل دمه فى رقبتنا، قالوا: امضوا فمضينا، الأجهرُ صوتاً والأطول، يمضى فى الصَّفِّ الأول، ذو الصوت الخافت والمتوانى، يمضى فى الصَّفِّ الثانى.
ولكن، هل قُتل الحلاج وحوكم من أجل عشقه الإلهى، يأتى الرد من عبدالصبور على لسان أحد المتصوفة قائلاً: «هل أخذوه من أجل حديث الحب؟ لا، بل من أجل حديث القحط، أخذوه من أجلكم أنتم، من أجل الفقراء المرضى، جزية جيش القحط».
يا سادتى، الحلاج قصة لن تموت، وما دام هناك من يدّعى أنه يحتكر حب الله والحديث باسم الله، سيُصلب ألف حلاج.

Friday, January 27, 2017

خطة تشويه ثورة يناير.. من وضعها؟ وهل ستنجح؟ بقلم د. عمار على حسن ٢٧/ ١/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

( ١ )
هناك من أراد أن ينزع أى قيمة وطنية أو أخلاقية عن ثورة يناير، وبناء على هذا رسم خطة ونفذتها أجهزة أمنية ووسائل إعلام ومؤسسات فى الدولة بتعاون أحزاب وقطاعات جماهيرية لاسيما من أنصار الحزب الوطنى المنحل. وكانت البداية نزع الهيبة والطهر عن ميدان التحرير بدفع قطاعات من البلطجية والمتحرشين والمخبرين واللصوص وبعض الباعة الجائلين والمتسلفين الموالين للأمن وإظهاره على أنه يعج بالفوضى والخطر. وكانت الخطوة الثانية استغلال اتصال عشرة شباب على الأكثر بجهات خارج مصر للتدريب أو التمويل ثم تصوير الأمر على أن كل هذه الملايين التى نزلت تهتف وتدق الهواء بقبضات أيديها مطالبة بإسقاط النظام هى مجرد حشود من العملاء والمرتزقة، وهذا فضلا عن أنه إهانة بالغة للمصريين، فإنه أمر يدعو للضحك، ويدعو فى الوقت نفسه للتساؤل: كيف «حمى» الجيش ما تسميها أبواق موالية له الآن «مؤامرة»؟
إن «المكر السيئ يحيق بأهله» وكل ما جرى كشفه الناس تدريجيا، خاصة بعد الخلاف الذى دب بين أطراف هذه اللعبة. ستظل ثورة يناير، رغم كل الألاعيب التى أرادت للناس أن يكفروا بها لديها قدرة، لا يشعر بها المتنطعون والمتعجلون والمستبدون وأعوانهم، على أن تجرف فى طريقها كل من يلتف عليها، أو يظلمها، أو يتغافل عن مطالبها، ويظن واهما أنه ظفر بما أراد.
أدرك أن هناك من يخاف بالفعل، وخوفه مشروع، لكن هذه المخاوف قد تتراجع إذا نظرنا إلى ما يجرى لنا فى ضوء المقارنة بما حدث لأمم أخرى دفعت ثمنا كبيرا من أجل الحرية. ومن الطبيعى أن يحنق كثير من الناس على الثورة والثوار، لأنهم قيل لهم، وفى دعاية سوداء مكثفة، إن الثورة سبب ما أنتم فيه، مع أن السبب فيما هم فيه هو القوى المضادة للثورة، والنظم المستبدة التى قامت الثورات عليها، فلو أن هؤلاء المستبدين لم يتشبثوا بمواقعهم ومنافعهم ومناصبهم حتى لو على جثة الوطن ما كنا قد ذهبنا إلى ما نحن فيه. ولو أن هذه الأنظمة استجابت لمطالب الإصلاح من البداية ما كان للشارع أن ينفجر. والذين يتوهمون أن الثورة كان من الممكن تفاديها يجهلون مسار التاريخ وحكمته، فالمصريون مالوا إلى الإصلاح أربعة عقود على الأقل، ورفعوا حزمة مطالب إصلاحية فى وجه السلطة لكنها كانت تتجاهل هذا، وإن استجابت فعلى مضض، وبطريقة متقطعة، أو بتلكؤ شديد، وأحيانا كانت تنقض وتأخذ ما أعطته. كان الإصلاح أفضل لو وجد استجابة واستمر فى تصاعد، لكنه حين مات انفجر الغضب، ودون العودة إلى الإصلاح من قبل السلطة الحالية، الذى ينبنى بالأساس على الاستجابة لإرادة المصريين فى تغيير أحوالهم إلى الأفضل، ستنفجر الأوضاع من جديد.
إن ألاعيب الثورة المضادة تتكشف مع الأيام، والشعب والطليعة الثورية المدنية ستوقف كل هذا عند حده فى الوقت المناسب.
( ٢)
الذين سألونى عما كتبت عن الثورة فى رواية «سقوط الصمت» وكتاب «عشت ما جرى، أجبتهم دوما: كان الحدث عريضا عميقا هائلا مملوءا بالتفاصيل. كل شخص نزل إلى الشارع هاتفا يحمل رواية على ظهره، كانت لدينا ملايين الروايات والحكايات والقصص، وأمام هذا لا يجد أى أديب راغب فى ألا تضيع منه طزاجة اللحظة أمامه سوى أن يسجل هذه المشاهد، وهؤلاء الشخوص، الذين كانوا جميعا أبطالا، فبطل الثورة كان الشعب، حتى لو كانت تسبقه بخطوات قليلة طليعة ثورية مدنية، لكنها بمفردها كانت عاجزة عن إحداث اختراق لولا نزل الناس بالملايين. ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن ينسى روايته أو قصته، وربما هى أهم قصة فى حياته، وهذا ما لا تدركه القوة العبثية الجهنمية الماكرة التى وضعت خطة لتشويه الثورة ونفذتها بعناية، وهى تظن الآن أن خطتها نجحت إلى الأبد.
وعطفا على الأدب أقول: هناك روايات نهاياتها مفتوحة، وكذلك الثورات الشعبية دوما، لا تكف عن تجديد نفسها حتى لو تعثرت سنوات أو شهورا وظنت قوى الثورة المضادة أنها قد ماتت إلى الأبد. إنها العنقاء التى ستخرج من تحت الرماد. إن البعض تخلى الآن عن شعار «الثورة مستمرة» لأنه فهم الثورة على أنها فقط احتجاج مباشر فى الشارع، فلما توقفت المظاهرات ظن أن الثورة لم تعد مستمرة، لكنه لو فهم حقيقة الثورات لأدرك أن رغبة المصريين فى التغيير إلى الأفضل لم تنته، ولن تتوقف، وبالتالى فروح الثورة مستمرة بأشكال أخرى، ولعل ما جرى فى أزمة تيران وصنافير يدل على هذا. كما أن الثورة يمكن أن تستمر بعمل سياسى خلاق ينقلنا إلى الديمقراطية وينهى الاستبداد، ويمكن أن تستمر بالضغط على السلطة كى تستجيب لمطالب الناس، وكل هذا لا يمنع من احتمالات عودة الاحتجاجات المباشرة.
( ٣)
حين تكون السياسة رافعة للثورة فلا بأس، فهى هنا تكون إجراء مكملا للثورة أو نابعا منها، ويعزف على وترها، أما إن كانت السياسة عملا ينطوى على الخداع والمخاتلة والتلاعب والالتفاف على الثورة ومطالبها فهنا تصبح جزءا من أفعال القوى المضادة للثورة. وفى كل الأحوال الأهم هو وعى الناس باللحظة وشروطها، والمستقبل ومتطلباته.
(٤)
يضيق صدر السلطة الحالية بالاختلاف فى الرأى، وهى لا تدرك أن المجتمعات تقوم على التعدد، وهى ليست وحدات عسكرية تقوم على التوحد والاصطفاف. ونتيجة غياب الخبرة السياسية لدى السلطة رأينا تضييقا شديدا على حرية الرأى والتعبير، وهذا لم يعد مقبولا، ولن ينجح فى ظل ثورة الاتصالات التى نعيشها.
إن الفجوة بين القول والفعل، والخطاب والممارسة، لا تزال قائمة عند السلطة الحالية، وبالتالى أنا لا أصدق أى كلام فى هذا الاتجاه لا يتبعه فعل، سواء حول تمكين الشباب أو رفع المعاناة عن الناس أو تحسن عموم الأحوال. فما نراه الآن أن الكلام فى طريق والفعل فى طريق آخر. وربما يرى البعض أن الوقت لم ينقض بعد، لكن المطلوب كبير جدا حتى يتم تدارك الخطأ الذى ارتكبته السلطة فى حق الشباب والشعب، ويجب أن يكون بأقصى سرعة ممكنة، وإلا فالثمن سيكون فادحا.
( ٥)
بعد أن قرأت حوار الفنان حسين فهمى مع «المصرى اليوم» تملكتنى دهشة وعجب منه، إذ بدا يعانى من فصام سياسى، فهو يكره ثورتى يوليو ويناير معا، مع أن الثانية قامت لإنهاء استبداد الأولى وانحرافها عن مبادئها ومسارها، وفى الوقت نفسه هو لا يعتبر ثورة غير «يونيو» مع أنها أعادت «يوليو» من دون عدالة اجتماعية ولا مشروع وطنى ولا هيبة وكبرياء.
( ٦ )
حين يسألنى أحد عن المستقبل أقول بلا مواربة: «ما أتعس العيش لولا فسحة الأمل»، هكذا أردد كثيرا فى سرى وفى علنى، وبالتالى لا ينقطع تفاؤلى عن أن النهار سيعقب الليل. لقد هلت تباشير النهار، وجاء ضباب كثيف جعلنا لا نرى النور، ونقول إن الليل قد عاد، لكن هذا الضباب سينقشع، لنرى الشمس قوية عفية تملؤنا بالدفء والسكينة والمحبة. إن البشرية تسير دوما فى اتجاه التقدم، والخير ينتصر على الشر، ولو كان العكس لظل الإنسان يعيش فى الكهوف. نعم الثمن الذى ندفعه كبير، لكن لا شىء يمكن تحصيله بلا ثمن، وأعتقد أن كفاح الشعوب لن يذهب سدى، ولن يضيع بلا جدوى.

رامى جلال - والله العظيم جيفارا مات - جريدة الوطن - 27/1/2017

اذكروا محاسن ثوراتكم، تمر هذه الأيام الذكرى السنوية لثورة يناير الله يرحمها ويحسن إليها ويحيى أهدافها وهى رميم وهو على كل شىء قدير، بهذه المناسبة نتذكر قصة رجل أرجنتينى ثار فى كوبا وقاتل فى الكونغو ومات فى بوليفيا، هذا هو ملخص حياة الثائر الأسطورى «تشى جيفارا»، الرجل حرر كوبا ثم ترك مهمة بنائها لرفيقه «فيدل كاسترو» ليذهب محاولاً تحرير الكونغو عبر معاونة حركة «سيمبا» الشيوعية، ولكنه فشل لظروف موضوعية خارجة عن إرادته، بعدها عرض خدماته على جبهة التحرير الموزمبيقية التى رفضته، ثم ذهب مع خمسين رجلاً سماهم «جيش التحرير الوطنى لبوليفيا» ليحرر تلك البلاد وهناك قُبض عليه وأُعدم، جيفارا لم يشارك فى أى عملية بناء لكنه ثار طوال الوقت، وهو عمل قد يكون عظيماً لكنه مؤكد غير قابل للتكرار، لأنه والله العظيم جيفارا مات.
البعض فى مصر يتقمص دور جيفارا، لتتحول فكرة «المقاوم العالمى» العابر للحدود إلى مقاوم زمنى عابر للأنظمة، يثور ضد الجميع بمنطق وبدون منطق، يريد الإسقاط ولا يفكر فى البناء أو حتى الإصلاح، ويبدو أن عدداً كبيراً من النشطاء المصريين لا يريدون تصديق أن جيفارا مات، والأمر أكثر بساطة من ذلك، ليس مطلوباً من الثائر المصرى أن يظن أنه من كوبا أو أن يعمل نفسه من بنها، مطلوب منه فقط أن يتفهم أنه فى مصر التى لها ظروف موضوعية وأطر اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، الثورة فعل، والإفراط فى الفعل هو خطأ والتفريط فيه هو خطيئة، الوسطية هى الحل، وإن افترضنا أن الثورة هى الغوغائية فى الشوارع فالباعة الجائلون هم آباء الثورة الحقيقيون إذن!
جيفارا هو الذى قال إن «الحق الذى لا يستند إلى قوة تحميه باطل فى شرع السياسة»، ولكنه لم يذكر لنا شيئاً عن القوة التى لا تستند إلى حق، وحتماً ستتحول هذه القوة إلى بلطجة يبتعد عنها الناس، وإن كان الإلحاح الإعلامى المُغرض قد جعل من الثورة مؤامرة ومن الثوار خونة، فبعض هؤلاء أساءوا للثورة وتاجروا بها وتربحوا منها ولم يكونوا أبرياء طوال الوقت، هذا التشوه الفكرى الذى يحيط بنا، جعلنا نترحم على «آدم سميث» بعد ملاقاة بعض اليساريين، والاشتياق لرؤية «أبولهب» عند التعامل مع بعض الإسلاميين.
ثارت مصر كلها بقطاعاتها جميعها وفصائلها كافة، ونُسبت ثورتها للشباب، فى اختزال مخل، وهذا أمر قد يُقبل، لكن غير المقبول هو اختزال الشباب أنفسهم لقطاع الشباب المشارك فى مجموعات توصف بـ«أنقى شباب ثورى» وهو عادة من محبى الهتاف وشم الغاز المسيل للدموع.. الثورة كانت منطقية وليست فعلاً عبثياً.. واستمرار العبث هو عدم فهم أن من يمتنع عن المشاركة فى محاولات البناء لا يجب أن يسأل بعد ذلك عن نصيبه فى الأرباح أو يلوم الآخرين على تحقيق خسائر.
من المشاهد المأساوية أنه بعد إعدام جيفارا قام جلادوه بقطع يده لإرسالها للعاصمة الأرجنتينية للتأكد من شخصيته عبر البصمات، وهذه هى نهاية طريق المزايدين والمصابين بالكهرباء الزائدة فى المخ، حيث ستبتر أيديهم الفكرية ليكونوا عاجزين مرة أخرى عن مصافحة هذا الشعب الذى يرفض التطرف الفكرى فى أى اتجاه. وللأسف سينتبهون للأمر بمجرد خروجهم من مرحلة الشباب وإضاعتهم لفرصة تاريخية، منحصرين أكثر فأكثر فى جزيرة منعزلة، عاملين بمبدأ «من فيس بوك وإلى فيس بوك نعود».

د. عماد جاد - الجماعة والمنظمات الحقوقية - جريدة الوطن - 27/1/2017

نجح التنظيم الدولى لجماعة الإخوان فى زرع عناصره داخل مؤسسات ومنظمات دولية تعمل فى مجال حقوق الإنسان على نحو جعل هذه المنظمات وتلك المؤسسات أقرب إلى فروع للجماعة، منها منظمات دولية عاملة وفق أسس موضوعية عامة مجردة. ولم يتوقف مخطط التنظيم الدولى للجماعة عند هذا الحد، بل استطاع شراء مواقف وذمم شخصيات تشغل مواقع دولية مهمة، لا سيما الآتين منهم من العالم الثالث، وتحديداً من بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء وبعض الدول الآسيوية الفقيرة، حيث تستخدم الأموال القطرية وأموال التنظيم الدولى للجماعة فى شراء ذمم هذه الشخصيات ومن ثم تتبنى تلقائياً مواقف الجماعة وتردد أقوالها. فى واشنطن ونيويورك التقينا بعشرات النماذج من هذه الشخصيات التى تعمل فى منظمات ومراكز بحثية، فنجدهم ينبرون فى الندوات والمؤتمرات للدفاع عن الجماعة، عن «مرسى والمرشد»، يرددون مقولات الجماعة عن انقلاب ٣٠ يونيو وقتل الآلاف فى «رابعة والنهضة». ومن بين المنظمات الدولية التى تم زرع عناصر إخوانية داخلها وتقديم أموال لها لتغطية أنشطتها منظمة «هيومان رايتس ووتش»، تلك المنظمة الدولية التى تعمل فى نطاق الدفاع عن حقوق الإنسان وكشف الانتهاكات التى تقع فى أى مكان فى العالم. ومنذ الثلاثين من يونيو بدأت المنظمة تركز على الأوضاع فى مصر، وبدا واضحاً أن فريق المنظمة الذى جاء إلى مصر يعمل كأداة لجماعة الإخوان، فقد تغافل الفريق تماماً عن جرائم الجماعة وميليشياتها المسلحة، وركز على جهود رجال الشرطة فى مواجهة الجماعات الإرهابية، لم ترصد المنظمة أياً من الجرائم الكبرى التى ارتكبتها الجماعة وميليشياتها المسلحة، لم تسجل اقتحام أقسام الشرطة، وقتل وسحل الضباط والصف والجنود، وحرق الكنائس والأديرة التاريخية، لم تسجل أياً من هذه الجرائم، سجلت فض اعتصامى رابعة والنهضة، واعتبرت ذلك نموذجاً على الاستخدام المفرط للقوة، لم ترصد جرائم الاعتصامين ولم تشر من قريب أو بعيد للأسلحة التى كانت موجودة داخل الاعتصامين. وقد اختارت المنظمة الإعلان عن تقريرها حول الاعتصامين فى الذكرى السنوية الأولى لفض الاعتصامين، وهو قرار متعمد للإثارة والتهييج، فالمفترض أن عمل هذه المنظمات لا علاقة له بتوقيتات من هذا النوع إلا إذا جاء فى سياق التنسيق مع التنظيم الدولى بحيث يستخدم التقرير فى التشهير بالنظام المصرى لخدمة مخطط الجماعة.
ومع دعوة الجبهة السلفية والتنظيم الدولى للجماعة إلى «ثورة مسلحة» فى الثامن والعشرين من نوفمبر ٢٠١٤ تحت مسمى «ثورة الشباب المسلم» طلبت المنظمة رسمياً الوجود فى البلاد لمراقبة ذلك اليوم، وهى أول مرة فى تاريخ عمل المنظمة تطلب فيها مراقبة أعمال عنف مسلحة متوقعة من جماعات خارجة على القانون، وأفادت معلومات المنظمات الحقوقية المصرية الوطنية أن أعضاء من المنظمة دخلوا البلاد فرادى لأسباب متنوعة بهدف التنسيق لكتابة تقارير تتحدث عن عنف جهاز الشرطة ضد المتظاهرين فى الثامن والعشرين من نوفمبر ٢٠١٤. لقد كان ذلك كافياً لكشف حقيقة مواقف المنظمة والأهداف التى تعمل لخدمتها فى مصر تحديداً، فعلوا ذلك وهم يعلمون تماماً أن الدعوة هى لثورة مسلحة ضد النظام، وهو أمر غير مسبوق فى تاريخ المنظمات العاملة فى مجال حقوق الإنسان، ولا توجد دولة فى العالم تتعامل سلمياً مع مسيرات مسلحة، فالدولة مسئولة عن تأمين مواطنيها وحماية المنشآت العامة والممتلكات الخاصة، ومن ثم من حقها أن تستخدم القوة لحفظ الأمن والاستقرار ومواجهة كافة مظاهر الخروج على القانون، ومن حق مصر محاسبة أعضاء هذه المنظمة الذين يعملون ضد الأمن القومى للبلاد. المهم هنا قيام جهة مصرية سواء حكومية أو خاصة بتوثيق كل ذلك وملاحقة كل من لعب هذا الدور فى وقت كانت مصر عرضة للسقوط فى سيناريو فوضى مرسوم من قبَل التنظيم الدولى ولعبت فيه عناصر من هذه المنظمة الدولية دوراً فى المساعدة على تنفيذ المخطط، آن أوان توثيق هذا الدور وملاحقة العناصر التى لعبت دوراً فى التنفيذ.

خالد منتصر - يا سيد الشعر ليس بينك وبينه حجاب - جريدة الوطن - 27/1/2017

حتوحشنا قوى يا سيد يا حجاب، يا سيد الشعر، ياللى ماكانش بينك وبين الشعر حجاب. جيلى أكثر الباكين على سيد حجاب، أكثر من أصابهم الجرح وغرقت مآقيهم فى ملح الدمع الساخن، كل خطوة خطوناها فى هذه الدنيا كان يظللنا شعر حجاب من هجير الدنيا، كل رمضان كانت تطبطب على أرواحنا كلماته فى تتر مسلسل بصوت الحجار أو الحلو أو عمار أو حنان أو أنغام... إلخ، كان أحياناً يترك بصمة شجن أو بسمة فرح ولكنه دوماً معنا، نتساءل معه مرة: منين بييجى الشجن، ومرة أخرى نتساءل: وماذا بعد لما تتلاقى الوشوش مرتين؟؟ كان يودعنا ويصافحنا ويراوغنا مراوغة الفن فلا نعرف هل سحبة القوس فى أوتار الكمان تذبحنا شجناً أم تسعدنا بهجة؟! بالصدفة أشاهد الآن مسلسل الشهد والدموع لأسامة أنور عكاشة على «ماسبيرو زمان» الذى ترجمه غناء، وبكل صدق، سيد حجاب: «تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب، كلنا من أم واحدة وأب واحد بس حاسين باغتراب»!! قبلها كنت أسمع نعى حجاب فى برنامج عمرو أديب، غلالة من الدمع ترقرقت فى العين، ومسحة من الشجن سكنت شغاف القلب حين استمعت إلى المقدمة العبقرية لمسلسل «بوابة الحلوانى» بصوت على الحجار وألحان بليغ، حين حاولت غناءها مع الحجار وجدت شرخاً فى الحنجرة وبحة فى الصوت وكأن اللحن يعاندنى، والسؤال يتحدانى، هل أصابنى الخرس لأن مصر لم تعد بوابة الحلوانى أم لأننا لم نعد نستحق أن نقف على هذه البوابة؟! خواطر كثيرة مرت أمامى كشريط سينمائى غير مرتب، ناقص المونتاج مشوش الصورة، ولكن هذه الخواطر كانت فى النهاية ترسم نقوش بوابة الحلوانى التى «وحشتنا».
عندما امتلكنى شجن بوابة الحلوانى غسلت كل أدرانى فى نهر بليغ الصافى العذب وفى نبع سيد حجاب الرقراق، وقررت أن أدعوكم معى للتغلب على خرس الغناء بداخلنا والدندنة مع على الحجار بكلمات المبدع الراحل سيد حجاب.. «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى، وعلشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات، وادى وبوادى وبحور وجسور وموانى، توحيد وفكر وصلاة تراتيل غنا وابتهالات.. باحلم ياصاحبى وانا لسه باحبى أنا بدنيا تانية ومصر جنة يا صاحبى، وآجى أحقق الحلم ألاقى موج عالى طاح بى، ونعود سوا نطوى الأنين بالحنين، اللى بنى مصر اسمه على بوابتها لا زال ولا زايل، ساعة الهوايل يقوم قايل يا بلداه، وييجى شايل هيلا هوب شايل حمولها ويعدل المايل». تعالوا نطوى الأنين بالحنين لغاية ما ييجى اللى يعدل المايل!

Thursday, January 26, 2017

الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى فى حوار لـ«المصري اليوم»: وقف برنامجى «توافق أجهزة».. والأمن يريد «دم أفكارى» حوار محمود رمزى ٢٦/ ١/ ٢٠١٧

 







حينما هاجم مبارك ونظامه، كان جزاؤه الحكم بالحبس. وعندما انتقد الإخوان عقب صعودهم للحكم، تم إهدار دمه. بينما فى عهد الرئيس السيسى، حينما ارتفع صوته بالانتقاد أُغلق برنامجه.
الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، اختص «المصرى اليوم» بحوار كاشف للأزمة، مؤكدا أن هناك جهات فى الدولة توافقت على إغلاق برنامجه، وأن السلطة ترى الإعلاميين «سحرة فرعون» وتعتبر برنامجه «حية موسى».
ووصف «عيسى» التسريبات بينه وبين الدكتور محمد البرادعى بـ«الجريمة الأخلاقية» التى تنال من سمعة مؤسسات الدولة، وتؤثر على مناخ الاستثمار والاقتصاد، مشددا على أن البرادعى لا يصلح للرئاسة، وأنه رجل قيم وأفكار وليس رجلا تنفيذيا أو واضع سياسات.
وأكد أن موقفه من النظام السعودى ثابت ولن يتغير، معتبرا أن سياسة الرياض هلاك للعرب، وأنها مسؤولة عن دماء الحروب الأهلية فى المنطقة.. وإلى نص الحوار:

■ من المسؤول عن توقف برنامجك على قناة القاهرة والناس؟

- قرار مشترك بين كل أطراف البرنامج، القناة ومقدم البرنامج، بعد أن وضعنا بين اختيارين، إما وقف البرنامج أو المحطة، فماذا ننتظر؟، نتيجة ضغوط شديدة وقوية، وحملات إعلامية.
■ من وراء هذه الضغوط؟
- أطراف وجهات مختلفة فى الدولة وليست جهة واحدة توافقت على غلق برنامجى، لا تتصور أن ضابطا معينا فى جهة معينة يرفع سماعة التليفون يقول لطارق نور، صاحب القناة: «اقفل يا طارق»، فيرد طارق: «حاضر يا فندم»، هذا شكل يتم اللجوء إليه فى حالات أخرى وليس حالتى، التى كانت أكثر تعقيدا، حتى لا تقول جهة واحدة أو شخص واحد: «أنا اللى قفلت برنامج إبراهيم عيسى».
■ ما المواقف التى حدثت معك فى البرنامج أوالقناة وتؤكد توافق هذه الجهات ضدك؟
- كثيرة.. لما حد يكلمك الصبح ويقولك «أستاذ محمود مش هينفع أنزل إعلاناتى فى برنامجك»، وبعد الضهر تلاقى شخص يكلمك ويقولك «أستاذ محمود مش هنقدر نتحمل ننزل إعلانات مع قناتك»، وبعد فترة يغلقوا معرضك السنوى يبقى دى رسالة من مين؟، من يعتقد أن برنامجى أغلق باتصال مسؤول من سماعة سوداء تقول لطارق: «اقفل برنامج إبراهيم»، دى طريقة تقليدية أوى، تعود إلى أفلام الستينيات، لم تحدث معى.
■ ما تعليقك على ما تردد حول أن هجومك الدائم على السعودية ومواقفها فى المنطقة العربية سبب وقف البرنامج وتأييدك لـ«مصرية تيران وصنافير»؟
- جهات أمنية وأطراف كثيرة تطلب «دم أفكارى»، وبالنسبة للسعودية أنا متمسك بكونى ضد الوهابية أما الشعب السعودى فبينهم ناس من أعز أصدقائى، لكن سياسة الرياض «هلاك للعرب» والإسلام عموما وهى مسؤولة تماما عن دماء ملايين قتلى الحروب الأهلية فى الوطن العربى الآن.
■ ما زال السؤال قائما.. هل موقفك من السعودية سبب وقف البرنامج؟
- ضاحكا.. أنا سعيد أن تُطرح أسباب عدة لوقف البرنامج هذا يعنى أنه أكثر من برنامج، أو حزب أو تيار سياسى.
■ لماذا لم تلجأ إلى مسؤول أو جهة أو جهاز لمعرفة أسباب الغضب من برنامجك؟
- من الأمور المهمة التى أحب أن يعرفها الناس عنى، رفضى الشديد للتواصل تليفونيا مع أى مسؤول فى مصر، حتى الدكتور محمد البرادعى الذين يقولون إننى كنت على تواصل دائم معه، بمجرد أن تولى منصب نائب الرئيس لم أتصل به حتى إنه اتصل بى بعد أسبوع من توليه المسؤولية وقالى لى: «فى إيه يا إبراهيم مبتكلمنيش ليه»، ورديت: «أنا لا أتحدث مع أحد فى السلطة»، ومن المؤكد أننى لا أتحدث مع أحد فى الأجهزة.
■ ولا شخص من الجهات أو الأجهزة تحدث معك لإبداء رأيه فيما تطرحه فى البرنامج؟
- أعلى مواقع مسؤولية فى مصر كلمونى، لتوضيح الصورة والأسباب، وكانت هناك حوارات وعشاءات عن وضع البلد، ومبررات وتفسيرات عما أطرحه من أفكار معارضة.
■ هل كان لرئيس البرلمان ونواب المجلس علاقة بوقف برنامجك؟
- كان المشهد الأهم، على مدار ١٥٠ عاما من الحياة النيابية فى مصر، لم يخصص البرلمان جلسة عامة لصحفى وكاتب فى التاريخ المصرى إلا لإبراهيم عيسى، فهم بذلك زادونى شرفا فوق شرف.
■ هل ترى أن البرلمان كان يهاجمك عن قناعة أم مدفوع بذلك؟
- هاجمونى عن قناعة، أرى فى وجوه بعض النواب إخلاصا فى كراهيتى، أنا أمثل نقيض ما يمثلونه من ولاءات للنظام، أيا كان هذا النظام، هم أبناء النظام وأنا ابن الشعب.
■ كيف ترى أداء المجلس بعد مرور عام على انعقاده؟
- المجلس تمت «هندسته» أمنيا، وهؤلاء النواب نتاج ومجالب الهندسة الأمنية للانتخابات البرلمانية، وهو جزء من السلطة التنفيذية وهم فخورون بذلك.
■ ما الذى ندمت على قوله فى البرنامج؟
- لا.. وقف البرنامج ليس المشهد الأول لى، تم وقف ١١ جورنالا لى سابقا، و٩ برامج تليفزيونية فى ٣ عهود، عندى مسطرة معايير واحدة لا أغيرها، أقول ما أراه حقا أو صوابا.
■ «قفلوا برنامج إبراهيم عيسى اللى كان الداعم الأول لثورة ٣٠ يونيو وترشح الرئيس».. كيف تنظر لمثل هذا الكلام الذى قيل عقب وقف البرنامج؟
- لا أنزل إلى درجة غريزة الكراهية أو الشماتة، وأترفع عنها تماما، والناس معذورة، وحقها، الناس ترى المشهد من بعيد، شافتك وإنت بتأيد، والآن مغضوب عليك «طب اشرب بقى يا عم».
■ بصراحة شديدة.. ألم تندم على مواقفك السابقة من ٣٠ يونيو أو دعم الرئيس بعد إيقاف البرنامج؟
- دعم ٣٠ يونيو أو ترشح الرئيس السيسى نتيجة للظرف التاريخى، ولأن مصر كانت ملتهبة ومهددة بالإرهاب، ولو كان يوجد تصور آخر أو مرشح آخر وصل للرئاسة وقتها، كان أى أزمة وقتها سيلجأ ملايين الناس لوزير الدفاع وهو المشير السيسى، وبالتالى كانت كارثة على بلد ستكون برأسين، وبالتالى كان يجب أن تذهب السلطة لمن يريده الشعب أن يكون صاحب السلطة.
ما أريد توضيحه فى مسألة وقف البرنامج أن لدينا ٣٠ برنامج توك شو يومياً، ويمكن أكثر، وبرنامجى يعزف نغمة غير نغمات البرامج الأخرى، وأنا أقول لهذه الأجهزة والسلطة: «هل ترون أن ٢٩ برنامج توك شو يومياً لن تستطيع عمل التوازن فى مواجهة برنامج إبراهيم عيسى؟»، إذا كانت الإجابة نعم، إذاً نحن نتحدث عن هشاشة فى التأييد والموالاة، إلى الحد الذى جعل السلطة تدرك أن مجرد كلمة مغايرة فى برنامج واحد مشكلة، مهما عظم قدر صاحبه وتعتبر برنامجى مثل «حية موسى»، يلقف ما يقذفون، أو أن قدرات صاحب البرنامج «سحرية»، مثل قدرات سحرة فرعون وهو المفهوم الذى تحدث عنه محمد مرسى، الرئيس المعزول، ومرشد الإخوان وتشبيههما الإعلاميين بـ«سحرة فرعون»، وأن ما نراه الآن من تصريحات لمسؤولين هو إعادة نظرية «سحرة فرعون».
■ ألا ترى أن طارق نور مالك القناة تخلى عنك بسهولة؟
- قناة القاهرة والناس تمثل «حلما» لكل إعلامى، وطارق لا يتدخل، ويتناقش معى كمشاهد للبرنامج، وليس كصاحب قناة، وهو بالفعل تحمّل ضغوطا شديدة جدا سواء سياسية أو مالية أو أمنية، ولا شك أنه يرجع إلى قناعته بضرورة أن يسمع الشعب أصواتا إعلامية مختلفة، ودفع ثمن مواقفه على مدار الفترات الماضية.
■ مانشيتات جريدة المقال التى تترأس تحريرها الآن تهاجم بشراسة الرئيس والحكومة بعد وقف البرنامج؟
- غير صحيح.. أنا لا أتغير.
■ كيف ترى أداء الرئيس السيسى؟
- لا يوجد بلد فى الكون يدار بلا سياسة إلا مصر، والحقيقة الواضحة أن الرئيس السيسى يكره السياسيين ولا يحب السياسة.
■ إذن كيف يدار البلد؟
- بقرارات مصدرها ومنبعها الأساسى الأجهزة الأمنية التى تدير مصر.
■ لكن هناك مؤسسات أخرى حكومة ووزارات وهيئات؟
- ضاحكا.. أى ضابط أمن وطنى مسؤول عن وزارة أهم من الوزير نفسه بل ويحركه، ولا يوجد وزير فى مصر يأخذ قرارا دون موافقة مسؤول الأمن الوطنى، دى وصلت للكورة.
■ ولكن هذه الأوضاع موجودة منذ ٣ سنوات.. لماذا تعارضها الآن؟
- كيف أعارض من ٣ سنوات رئيسا جديدا، لما يأخذ قرارا أو موقفا حتى انتقده، أو أؤيده مثل موقفى المؤيد له من حرب اليمن.
■ ما رسالتك للرئيس الآن؟
- فرغت رسائلى، لا يوجد رسائل لى شخصية.
■ أنتقل معك إلى قصة تسريبات مكالماتك مع الدكتور محمد البرادعى عقب ثورة ٢٥ يناير.. فى اعتقادك لماذا خرجت التسريبات الآن؟
- التسريبات جريمة أخلاقية وتعبر عن دولة اللاقانون، وكل المكالمات المسربة كانت عقب ثورة ٢٥ يناير، وكنت أتحدث يوميا مع الدكتور البرادعى مرتين، الأولى فى ١٢ ظهرا للحديث عن جدول اللقاءات، والثانية قبل ١٢ مساء لأنه كان بينام بدرى، للمناقشة حول حصيلة اليوم، غير المقابلات التى كانت ممن الممكن أن تكون يومية.
■ هل كنت مستشاره؟
- لا.. لكن بيننا ثقة وتوافقا فكريا حول هذه القضايا، البرادعى وقتها كان لسه جاى مصر، ولا يعرف الناس، ويتكشف الشخصيات.
■ تردد أنك ستكون مسؤول حملته؟
- غير صحيح، وللعلم أنا من أقنعت البرادعى بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، وأيضا عدم قبول منصب رئيس الوزراء عقب ثورة ٣٠ يونيو، وقبول منصب نائب الرئيس عدلى منصور.
■ لكن المعروف أن البرادعى عُرض عليه منصب نائب الرئيس فقط؟
- فى الأول عرضوا عليه رئاسة الوزراء.
■ ولماذا أقنعته برفض منصب رئيس الوزراء؟
- لأنه منصب تفاصيله كثيرة، أزمات يومية، الأنابيب والشاى والسكر والتموين، وهى أمور ليس للدكتور البرادعى علاقة بها، الرجل بتاع «أفكار وقيم»، شخصية إنسانية ملك العالم الدولى، وحائز على نوبل، ولا يصلح رئيس جمهورية، والأطراف التى تتنصت على المكالمات والإيميلات تعرف ذلك.
■ يقال إن الدكتور البرادعى عرض على المشير طنطاوى أن يكون رئيسا للوزراء فى مقابل احتواء الشباب عقب ثورة ٢٥ يناير؟
- غير صحيح.. الرجل يتمتع بأنفة شديدة، ولا أتصور أن المجلس العسكرى عرض على البرادعى تولى الوزارة، لأن المجلس العسكرى متبنى وجهة النظر الأمنية فى تحميل البرادعى وحده مسؤولية ٢٥ يناير وتبعاتها، وأنه رجل ضد النظام ويريد هدم الدولة.
■ لكن ما تقوله الآن يصطدم مع ترتيبات البرادعى وحملته الانتخابية فى هذا الوقت؟
- لا خالص، البرادعى لم يعلن ترشح نفسه ولم تكن لديه حملة ولا يتطلع للمنصب.
■ معنى حديثك أن تصريحات منتقدى البرادعى ومنهم رموز مبارك عن أدائه وأنه غير مؤهل للرئاسة كانت صحيحة؟
- وهو مين اللى يصلح فى مصر، ده موضوع فيه إشكاليات كثيرة.. البرادعى رجل إنسانى ويتحدث عن القيم والأفكار ولا أظن أنه يصلح للعمل التنفيذى، لكن بقى نبرة التخوين والعمالة للخارج بقت حاجة مستهلكة وكل شخص الآن يُخون ويُطعن فى وطنيته وولائه للبلد لمجرد معارضته.
■ ما تعليقك على خروج البرادعى بعد ٣ سنوات من ثورة ٣٠ يونيو على قناة العربى وهى منصة إعلامية «قطرية»؟
- تقدير خاطئ، ولكن سؤال: «ما هى المنصة الإعلامية المصرية التى يخرج منها البرادعى؟» ممكن حد يقولى أو يعنى قناة تغامر.
■ لكن كان ممكن يخرج من منصة غير قطرية؟
- كلام صحيح وهو أخطأ فى ذلك من وجهة نظرى بس الأكيد أنه لا توجد منصة إعلامية مصرية يستطيع فيها التعبير عن وجهة نظره وأفكاره وقناعاته.
■ هل مازلت تتواصل معه حتى الآن؟
- للاسف لأ.. ولكنه أرسل برقية عزاء فى وفاة والدى.
■ نمر هذه الأيام بذكرى ثورة ٢٥ يناير.. ألا ترى تراجعا شعبيا فى تأييدها؟
- تراجع ثورة ٢٥ يناير أو ٣٠ يونيو لابد أن يكون وفق تحليل علمى وقياسات دقيقة لاتجاهات الرأى العام، وليس الأمر متروكا لبرامج التوك شو أو مواقع التواصل الاجتماعى مش كل ضابط أو إخوانى مشغلين ١٠ آلاف حساب على النت يقودون الناس كالقطيع.
■ وانت شايف درجة الرضا أو السخط إزاى؟
- درجة السخط أعلى من شعبية الرئيس والحكومة ومؤسسات الدولة، إزاى تقدر تحاول تقنع مواطن أكل طبق الكشرى بـ٣ جنيه والآن بـ١٥ جنيه، الناس تبقى مبسوطة إزاى، وأقسم بالله العظيم لا يمكن أن يوجد اقتصاد حر فى دولة سياستها استبدادية، هذا أمر مستقر عليه فى كل دول العالم المتقدم بقالنا ٣ سنين فى صوت واحد، وبرنامجى اللى كان موقف التنمية قفل، كلمنى بقى عن الاقتصاد هل تقدمت مصر؟.
■ فى ذكرى الثورة.. ألا ترى أن كثيرا من الناس يتعاطف الآن مع نظام مبارك وزالت الكراهية نحوه؟
- شىء طبيعى لما يبقى كيلو اللحمة بـ١٠٠ جنيه، وأيام مبارك كان بـ٤٠ جنيها، المقارنة هنا طبيعية لا علاقة لها بالإشكاليات التى نراها فى الفضائيات والندوات، الناس شايفة إننا بنفوز على منتخب أوغندا بالعافية، أيام مبارك كان عندنا ٣ بطولات متتالية.. الناس متحنش ليه، بالإضافة إلى عدم وجود تغيير حقيقى فى المجتمع، حديث دائم عن حكمة الرئيس والبرلمان الذى يؤيد حكمة الرئيس.. ايه الجديد يعنى الأفكار زى ما هىّ؟.
■ وما أثره فى المستقبل؟
- على الحاضر قبل المستقبل، مبارك عمل مشروعات عملاقة، وإدارة البلد تبنى مشروعها الآن على المشروعات وإحنا لن نتقدم بالمشروعات فقط.
■ بعد ٦ سنوات من الثورة.. كيف تنظر لمبارك؟
- هو الآن المواطن محمد حسنى مبارك، وزالت بينى وبينه الخصومة السياسية بزوال المنصب لكن حكمه كان فيه استبداد ومحاولة توريث، فساد لا شك فى ذلك، ومحسوبية.
■ وماذا عن تحركات جمال وعلاء مبارك وسط الناس؟
- يمارسان حقهمه، وتحركاتهما رد للاعتبار لكل ما عانياه وأنا شخصيا فوجئت بصلابة جمال وعلاء بعد الثورة ومواجهة المحن، والظروف الصعبة التى أحاطت بهما، فهما منذ النشأة أبناء مدير الكلية الجوية، ثم قائد سلاح الطيران ونائب الرئيس والرئيس، والآن بعد ٤٠ عاما يزول هذا العز ويستمران على هذه الصلابة والحضور المحترم والروح والفروسية والجنتلة دى، دى عيلة اتربت كويس، والسيدة سوزان مبارك عرفت تربى ولادها كويس، وبطريقة تدعو للاعتزاز.
■ لكنك كنت من المؤيدين للعزل السياسى؟
- استحالة.. لا يمكن.. أنا أكره العزل السايسى ولم أدعم من يرددون هذا، أنا قارئ للتاريخ وأعرف أن العزل السياسى والمحاكم الثورية باب للجحيم.
■ أستشعر من حديثك تعاطفا شديدا مع علاء وجمال؟
- ولاد عز وأصحاب سلطة زالت عنهم بدخول السجن، لماذا لا أتعاطف معهما؟ دا حتى روائيا وإنسانيا يعنى.
■ هو تعاطف ولاّ اعتذار؟
- لا تعاطف ولا اعتذار هو تقدير لصلابتهما وقوتهما فى مواجهة المحنة التى تعرضا لها عقب ثورة ٢٥ يناير.
■ فى تقديرك.. مقابلة المواطنين لعلاء وجمال فيها تعاطف ولا اعتذار ولا حنين للماضى؟
- هذا هو الجزء الجميل فى المصريين عندما يعزفون عن الماضى.
■ هل أنت من الناس الذين يقولون كفى ما حدث لمبارك ويرجع إلى منزله؟
- أنا أساسا ضد محاكمته، استغرقنا فى محاكمات مع الماضى منذ الثورة، ولم نذهب إلى المستقبل، وكان يجب أن نتعامل مع مبارك على أنه ماض، له ما له وعليه ما عليه، مثلما ودعنا الملك فاروق، ولا تنسى أن مبارك من ضمن الأبطال العظام لحرب أكتوبر، وليس كمرسى عضو فى جماعة أو تنظيم.
■ بتحب فى مبارك إيه؟
- تربيته الجميلة لأولاده، لم يربهم على أنهم أبناء سلطة، وظهرت معادنهم الآن، فمبارك رجل فلاح مصرى جميل.
■ بس السياسيين كانوا بيقولوا عليه «فلاح لئيم»؟
- إحنا كفلاحين معذورين لما يبقى فينا لؤم، التاريخ يرصد معاناة الفلاحين فى مواجهة السلطة والسلطان.
■ لماذا يرفض النظام الحالى الإفراج عنه؟
- أنا معرفش السلطة الحالية مش واخدة موقف من مين، السلطة الحالية مبتحبش حد، وليس لها عاطفة تجاه أحد.
■ وما تأثير ذلك؟
- محاولة منها لإظهار أنها بلا ولاء لأحد، وليست مدينة لأحد.
■ اتجهت مؤخرا للسينما.. ما الذى ستقدمه بعد فيلم «مولانا»؟
- أعكف على الجزء الثانى من رواية «رحلة الدم.. القتلة الأوائل»، وعلى كتابة فيلم «على الزيبق» بطولة الفنان عمرو سعد، ومن إنتاج تامر مرسى، ومشروع آخر لفيلم سينمائى عن التيار الدينى.