Translate

Wednesday, September 30, 2020

دعوة لزيارة هذا المعرض بقلم د. درية شرف الدين ٣٠/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

المتجه إلى حىْ الزمالك بالقاهرة هذه الأيام عليه أن يتوقف عند مجمع الفنون (قصر عائشة فهمى) ويدخل إلى صالاته- مجاناً- كى يستمتع برؤية جانب من ثروة مصر الفنية المتمثلة فى مجموعة مختارة من كنوز متاحفنا القومية، والتى يتوالى عرضها فى هذا المكان منذ عام ٢٠١٧.

الزيارة إلى هناك تقول إن مصر تمتلك الكثير، ذخيرة حقيقية من الأعمال الفنية العالمية والمصرية المتنوعة التى يجب أن تخرج من المخازن التى سكنتها لسنين طويلة، وأن تخصص لها معارض دائمة تفتح أبوابها على مدار العام، وتقول إن الشباب، هؤلاء الذين ننعتهم عادة باللامبالاة وباللهاث حول وسائل التواصل الاجتماعى، إنما هم فى الحقيقة زوار هذا الإرث الثمين، فعلى مدار ثلاث سنوات وعبر خمسة معارض فنية متتالية قدمها مجمع الفنون بالزمالك مثّل الشباب حوالى ٧٠٪ من جملة الزوار، وهم بالآلاف ويتجمعون يومياً وينتظرون بلهفة فى حديقة القصر حتى يفتح أبوابه للزيارة التى تتم دائماً فى نظام وسكون.

وراء نجاح تلك الباقة من المعارض شاب هو الآخر، فنان نحّات هو إيهاب اللبان، مدير القصر، الذى يلقى رعاية وتشجيعاً دائماً من وزيرة الثقافة الفنانة د.إيناس عبدالدايم، التى تبنت تلك الفكرة وتدعمها باستمرار.

إيهاب اللبان هو الذى يقوم باختيار القطع المعروضة من مخازن المتاحف المغلقة، مثل متحف محمود خليل ومتحف الجزيرة ومن متحف محمود سعيد بالإسكندرية، ومحمود مختار وإنجى أفلاطون وسيف وأدهم وانلى... وغيرهم، وبمعاونة فريق من شباب وزارة الثقافة تتم عمليات العرض وتحديد الأماكن والإضاءة والحراسة من السرقة وكتابة المعلومات الفنية والتاريخية المرتبطة بالقطع المختارة، فيما يضاهى أسلوب العرض فى أشهر المتاحف والمعارض العالمية.

كان المعرض الأول عام ٢٠١٧ لأعمال تصوير ونحت لفنانين عالميين ومصريين، تبعه وفى نفس السنة عرض لروائع النسيج القبطى والإسلامى منذ القرن الثالث الميلادى حتى ق ٢٠، وهى قطع نادرة جداً تملكها مصر، وفى عام ٢٠١٨ تم عرض مجموعة فاخرة من تماثيل ومقتنيات ولوحات أسرة محمد على تحت عنوان (ملامح عهد)، وفى عام ٢٠١٩ كان المعرض بعنوان (ذاكرة الشرق) وعرض أعمالاً مختارة رائعة لنخبة من المستشرقين من فنانى الغرب، خاصة الفرنسيين الذين سجلوا فى لوحاتهم المرسومة- ما قبل التصوير الفوتوغرافى- انبهارهم بجمال العمارة وبملامح الصحراء وبالأزياء الشرقية، وكان منهم الفنانون تولوز لوتريك، ودلاكروا، وإنجر، ثم جاءت النسخة الخامسة من كنوز متاحفنا المعروضة الآن بعنوان (مختارات من الفن الأوروبى)، لتعرض حوالى مئة وعشرين عملاً فنياً لمشاهير الفن العالمى ذائعى الصيت فى العالم كله، كجوجان ورينوار، وإدجار ديجا، وكلود مونيه، والنحّات البارع رودان... وآخرين.

دعوة لزيارة هذا المعرض الرائع أوجهها للجميع، دعوة تجدد الزهو بالوطن، بالجمال والإبداع، وبتلك الثروة القومية الثمينة.


Tuesday, September 29, 2020

الصداقة الحقة أعلى مراتب الإنسانية: د. فؤاد ستار مثالاً بقلم د. محمد أبوالغار ٢٩/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 أكتب هذه الكلمات والألم يعتصر قلبى، وأشعر بغصة وانقباض، ومشاعر حزينة مستمرة تغمرنى لفقد أقرب الأصدقاء وأخلص الخلصاء. كل إنسان له أصدقاء، والبعض له عشرات وربما مئات الأصدقاء، وشىء رائع أن يكون لك الكثير من الأصدقاء، وشىء جميل أن تكون محبوباً ولك شعبية واسعة لخلقك الحميد ومساعدتك للجميع، أو بسبب خفة دمك وبساطتك، وهذا مختلف عن الشعبوية التى تلقى بسببها تأييداً وتواصلاً لأنك تجيد الدجل والملاوعة، وتبيع الأوهام والبكاء بدموع التماسيح، فيصدقك الآلاف، وربما الملايين ولكنهم لم يحبوك أبداً. ولكن الأروع والأهم أن يكون لك أصدقاء قريبون من قلبك، يشعرون بك، ويتفاعلون مع مشاعرك وأحاسيسك، تشكو لهم وتحكى وتفضفض عن مكنون نفسك وما تعتبره سراً بدون حرج. يقفون خلفك وبجانبك وأمامك ليحموك ويساندوك، ليس لفائدة خاصة ولكن فقط لأنهم يحبونك ويرجون لك الخير كما يرجونه لأنفسهم.

الأب والأم والأخ والأخت والابن والابنة والزوج والزوجة هم أقرب الأقربين لك، ولكنهم أيضاً أصدقاؤك. وفى الحياة كثيراً ما يكون الصديق أقرب إليك منهم، ربما لا تستطيع أن تحكى أشياءً خاصة أو عامة أو تقول أسراراً دقيقة أو تعترف بأخطاء اقترفتها أو رذائل ارتكبتها لأقرب الناس إليك، ولكن يمكن أن تحكيها إلى الصديق الوفى. كل إنسان فى هذه الدنيا محتاج إلى هذا الصديق، وبدونه يشعر الإنسان أنه يعيش وحيداً. هناك الكثير تريد أن تقوله وتحكيه حتى ترتاح نفسك، ويهدأ توترك الداخلى، وقد لا تمتلك القدرة لتحكيه للأخ أو الابن. هذا الصديق يمكن أن يكون رجلاً أو امرأة، لأن هذه علاقة خاصة فيها حب ومعزة وصداقة من نوع خاص لا علاقة لها بنوع الجنس، وفيها يأتمن الإنسان فيها صديقه على كل شىء.

تبدأ هذه الصداقة منذ الشباب وتستمر، وقد تبدأ بعد ذلك وأحياناً تبدأ فى فترات لاحقة وفى عمر متقدم. وهناك صداقات وطيدة وعظيمة تبدأ فى مراحل متقدمة من العمر وتتجاوز فى المحبة صداقات قديمة. الاستمرارية هى عنوان هذه الصداقة والتى فيها شىء مشابه للوقوع فى حب بين رجل وامرأة، ولكنه ليس فيه النزوة والغرام الملتهب والغيرة وانتظار النهايات أياً كان نوعها. وفى الصداقة قد تكونا متشابهين وقد تكونا على طرفى نقيض، ولكن رباط الصداقة الحقة يربطكما.

إنه إنسان سيئ الحظ أو عنده مشكلة إنسانية من ليس له صديق أو أكثر من الخلصاء القريبين منه برباط وثيق. عندى أصدقاء كثيرون أعتز بهم، بعضهم تقطعت الصلات بيننا بسبب السفر والترحال والهجرة، والبعض بسبب تباعد الاهتمامات، وآخرون بسبب ظهور تفاوت فى الأفكار والرؤى، والبعض من الأصدقاء استمرت العلاقة ونمت وتطورت إلى عدد قليل من الأصدقاء الحقيقيين الذين يصبحون جزءاً منك.

هؤلاء الأصدقاء هم السند والظهر فى الشدة وفى الفرح وبدونهم تنحسر عن الحياة المشاعر الجميلة والإنسانية. وحين يغيب عن الحياة ويرحل أعز الأصدقاء تشعر بأن الحياة قد ضاقت عليك، وأن الدنيا غاب عنها توأم روحك وأصبحت وحيداً تحدث نفسك ولا تجد من تناجيه. رحل زميل الدراسة فى قصر العينى د. فؤاد ستار. تزاملنا وتصادقنا فى فترة الامتياز، ثم عملنا تسعة شهور فى ريف المنوفية. وسافر إلى إنجلترا، ثم هاجر إلى أمريكا فى السبعينيات، وأصبح أستاذاً لأمراض النساء فى جامعة ألبانى عاصمة ولاية نيويورك، وصار نجماً ساطعاً فى تخصصه فى شمال نيويورك. وأصبحت له شعبية كبيرة بين زملائه ومرضاه. وساعد عشرات شباب الأطباء المصريين فى الحصول على وظائف باتصالاته الواسعة، وقدم الكثير لمصر خلال هذه السنوات. استمرت علاقتنا الوثيقة بدون انقطاع، فكنا نتحدث تليفونياً مرتين أسبوعياً خلال أربعين عاماً، وخلال عام مرضه الأخير تحدثنا ساعات بالفيديو يومياً.

فى مايو ٢٠١٩ دعانا د. زياد بهاء الدين والأستاذ صادق وهبة لحضور حفل عشاء أقيم لدعم الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى متحف المتروبوليتان العريق فى نيويورك داخل المعبد الفرعونى الذى أهداه عبدالناصر إلى أمريكا بمناسبة مساعدتها فى إنقاذ آثار النوبة. وكانت ليلة رائعة. وفى اليوم التالى بدأت المتاعب، وخلال أيام تم تشخيص المرض اللعين فى الرئة. وقررت أن أزوره كل ٣ شهور، فذهبت بعد مايو فى أغسطس وأكتوبر ويناير، وعدت فى نصف فبراير ليتوقف السفر بسبب الكورونا. خلال هذه العقود كان يعرف فؤاد عنى كل شىء وأنا أعرف عنه كل شىء، فى العمل والحياة والعائلة وأحوالى المالية وأفكارى وآرائى العامة والشخصية. طفنا سوياً تقريباً معظم ولايات أمريكا وكندا حتى وصلنا هاواى، وتقريباً كل دول أوروبا، خلال زيارته لمصر ذهبنا إلى كل مكان، وآخر رحلة كانت إلى سيوة بالطائرة فى يناير ٢٠١٩. وخلال الأسبوع الأخير كنا نتحدث طويلاً بالفيديو، وأوصى بالتبرع لبناء مدرسة على أرضه فى قريته بالمنوفية، وكذلك بالتبرع السخى لجمعية بناتى لرعاية الفتيات بلا مأوى وتبرعات أخرى كثيرة. فؤاد كان إنساناً بمعنى الكلمة، يؤمن بالحرية والديمقراطية والمساواة، لا فارق بين أسود أو أبيض أو أصفر، ولا بين غنى أو فقير، ولا بين مسلم ومسيحى ويهودى وبوذى ولا دينى. الإنسان عنده بأخلاقه وتصرفاته.

إلى الصديق المصرى الرائع المحب للجميع، وتوأم روحى ومصدر سعادتى وهدوئى النفسى بكلماته لسنوات طويلة، والذى كنت أحدثه بالفيديو يومياً، ولا أدرى مع من سوف أتحدث بعد أن حلق بعيداً عنا. قبل رحيله بيوم واحد قال لى، وكان فى كامل وعيه، إنى راحل ومغادر الدنيا، وأنا أحبك كثيراً، وطلب أن يتحدث إلى هنا ومنى وأحفادى، وبعض الأصدقاء، وأعطانى وصيته كاملة. وطلب إيقاف المحاليل والعلاج ورحل فى اليوم التالى. تحية حب وتقدير لزوجته الصديقة لويز وإلى بناته منى وصوفى وداليا.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


الوجود والعزاء - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /28

 الفيلسوف المغربى سعيد ناشيد هو أديب اختطفته الفلسفة، وفنان سرقته الأكاديمية، كلما قرأت له كتاباً أتخيله روائياً فى صومعته، فناناً تشكيلياً أو نحاتاً فى مرسمه، أو موسيقياً فى قاعة أوبرا، رشاقة لغته، ومنطق صياغته، وصفاء تأمله، تجعلنى دائماً أبحث عن كتبه فور أن تصدر، لذلك كانت سعادتى غامرة بكتابه الأخير الصادر عن دار التنوير «الوجود والعزاء، الفلسفة فى مواجهة خيبات الأمل»، وأعتبره من أهم الكتب التى صدرت فى سنة ٢٠٢٠ على مستوى العالم العربى كله، الكتاب ببساطة عزاء للنفس البشرية التى تؤجل وتعطل وتشل حياتها، وتتنازل عن متع وبهجة فى سبيل مجهول لا ضمان له، وخوف لا حياة معه، وأفضل عرض للكتاب هو فتح شهيتكم لقراءة لا غنى عنها له، باقتباسات سريعة متفرقة تستفز علامات استفهام وتضىء ظلمات مسكوتاً عنها، فلنبدأ الرحلة مع المبدع المغربى الحكيم سعيد ناشيد، يقول «ناشيد» فى كتابه:

ليس دور الفيلسوف أن يقاتل الأحلام، ولكن أن يعيد صياغة الحلم بحيث يساعدك على التفكير والعيش.

دور الفلسفة ليس أمل الخلاص ولكنه العزاء.

أن نعيش جيداً معناه أن نأمل قليلاً ونعشق كثيراً.

الخوف يصيب الروح بالذبول والحضارة بالأفول.

الشر موجود بشكل جذرى، لا يمكننا إنكاره، ولا تبريره، المتاح هو أن نفهمه بالمعرفة، ونقاومه بالحلم، ونتحمله بالحكمة.

من الممكن التحرر من الخوف من الموت، لكن لا يمكن أن نتحرر من الحزن.

الفلسفة تعلمنا العزاء باستبعاد الرهان على وجود خلاص نهائى، كل ما على الإنسان فعله هو أن يتحمل شرطه التراجيدى بمروءة وشهامة، بعيداً عن نهايات قصص الأطفال السعيدة التى تضعف قدرة الإنسان على الحياة.

إننا لا نملك غير هذا العالم بشقائه وآلامه وشروره، وفى لحظات السقوط لن تنفعنا غير أيادينا، وانطلاقاً من هذه الخيبة الجذرية نعاود البناء.

علينا أن نتعلم مثل بعض الروائيين كتابة المشهد الأخير من الرواية، أثناء التعاطى مع المشهد الأخير لا ننتظر أى شىء، بل نواصل السباحة فى نهر الحياة الجارى، نسبح بالعرض والعمق والارتفاع.

ليس دور الفلسفة أن تنقذنا من الموت، بل تعلمنا كيف نستسلم للفناء بطمأنينة.

علينا أن نتمرن على اعتبار الحياة مجرد لعبة لا نفتش فيها عن الجدوى.

الخوف من الموت هو المصدر الأول للأوهام التى تشل القدرة على التفكير، وهو المصدر الأول للشقاء الذى يضعف القدرة على الحياة، والمصدر الأول للعنف الذى يعيق القدرة على العيش المشترك.

رمم كينونتك مثلما ترمم أسنانك المسوسة، رمم عكاز الذات، استثمر معطيات الشيخوخة بشكل إيجابى، هناك أزهار لا تزهر إلا فى فصل الخريف.

الشفقة تشعرنا بالشقاء والحزن، الرحمة تثير مشاعر التضامن.

نحن نعيش الحلقة الأخيرة من أفول الأوثان.

حولنا الحياة لمحطات انتظار، الحياة صارت قاعة انتظار كبرى ينسى فيها الإنسان حاضره وكينونته.

المنسيون هم الموتى الحقيقيون.

«قد ينتهى مقاتل الوحش بأن يصبح هو الوحش».. نيتشه.

الفرصة مواتية لتحقيق سكينة بلا مسكنات، ومتعة بلا أوهام، وسعادة بلا أكاذيب.

لكى يسترجع الدين مشروعيته الأخلاقية يحتاج إلى ثلاثة إجراءات إصلاحية:

1- يجب أن يكف الخطاب الدينى عن إثارة مشاعر الخوف، وأن ينقل علاقتنا مع الله من حالة الهلع والفزع والجزع، إلى حالة المحبة والعشق والشوق.

2- يجب أن يكف الخطاب الدينى عن إثارة مشاعر الحزن، وملء نفوس الناس بأحاسيس الإثم والذنب والندم، الانتقال من نمط تدين سوداوى ومتجهم إلى نمط تدين احتفالى ومبهج.

3- يجب أن يكف الخطاب الدينى عن إثارة مشاعر الكراهية، تقويض الجهاز المفاهيمى الحاضن لثقافة الحقد والحسد والغيرة والضغينة.


Sunday, September 27, 2020

الأنبا موسى يكتب: الأسرة وتكوين الشخصية بقلم الأنبا موسى ٢٧/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

أولًا: الطفل والنشأة:

- لا شك أن العامل الأساسى فى تكوين الشخصية الإنسانية لكل إنسان: طفلًا أو فتى أو شابًا أو كبيرًا.. هو تأثير الأسرة فى هذا التكوين.

الأسرة- والأم بالذات- هى المؤثر الأساسى فى شخصية الإنسان: ويكفى أن نذكر هنا كلمات معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: «إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِى فِيكَ، الَّذِى سَكَنَ أَوَّلًا فِى جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِى، وَلَكِنِّى مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا» (٢تيموثاوس ٥:١). وكأن الإيمان يورث، فتيموثاوس ورث الإيمان عن أمه، وأمه ورثته عن جدته. ومفهوم طبعًا أن الوراثة هنا ليست وراثة تلقائية، بل هى وراثة التأثير والتربية والعشرة الحسنة.

فالطفل حينما ينشأ فى أسرة تقف أمام الله للصلاة كل يوم: ينشأ فى جو تأثيرات الصلاة، ويتعلم حياة العبادة لله، ولا ينام- مهما تقدمت به الأيام- دون أن يقف أمام الله للصلاة. والطفل الذى لم يسمع من والديه سوى كلمات النعمة والبنيان، لن ينشأ شتَّامًا أو غضوبًا أو منحرفًا.

ومعروف علميًّا أن مرحلة المهد، فى السنة الأولى والثانية من عمر الإنسان، يسميها العلماء: «مرحلة الثقة»: إذ ينشأ الطفل فى حضن أمه، يشبع من اللبن المادى، ومن الحنان الوجدانى، بل من التأثيرات الروحية الإيمانية فى آن واحد. فالأم تنقل إلى الطفل مجموعة أغذية أثناء إرضاعه وإطعامه، نذكر منها:

١- الغذاء المادى: من خلال اللبن.. أثمن غذاء فى حياة الطفل.

٢- الغذاء الوجدانى: من خلال حنان الأم.. حينما تحتضن الطفل، وتقبله، وتبتسم فى وجهه بحب شديد.

٣- الغذاء العقلى: حينما تعلمه شيئًا فشيئًا الكلام ومعانى الأشياء.

٤- الغذاء الروحى: حينما تعلمه الإيمان، فيتعرف على الله، ورجال الدين، والسلوك السليم.

٥- الغذاء الاجتماعى: حينما يتلقفه الأهل فى محبة وتعاطف، الأب والأخ والأخت الأقارب والأصدقاء.

وهكذا تتربى لدى الطفل «الثقة»: أى أنه ينشأ واثقًا من أنه «محبوب ومرغوب فيه» (Wanted)، فتكون نفسيته سوية، غير عدوانية، متعاطفة ودودة، اجتماعية، مبتسمة، وفى سلام. أما الطفل الذى نلقيه إلى «الشغالة»، أو يلقيه هذا إلى ذاك فى نفور وعدم اهتمام وبدون حنان، فينشأ خاليًا من الثقة، ويحس أنه «غير مرغوب فيه» (Unwanted)، مما يجعله فى المستقبل شخصية عصبية، متوترة، وعدوانية، وساخطة على المجتمع، ترى فى كل إنسان عدوًّا لها.

ثانيًا: التدين العائلى:

من هنا نلح على كل أسرة أن يكون لها العبادة المشتركة، حينما يجتمع أغلب أفراد الأسرة، فيقفون لصلاة بسيطة جماعية تدفع بالخشوع إلى قلب الطفل.

ثم يتقدمون إلى خطوة أخرى فيصلون صلوات أخرى، ثم يطلبون من أحد أبناء الأسرة أن يقرأ لهم قراءة دينية.

وفى خطوة ثالثة يتفقون على الذهاب إلى مكان العبادة معًا.

وهكذا تترابط الأسرة، وينشأ الأطفال فى جو من السلام والمحبة والتماسك.

ثالثًا: الشخصية والمشاكل الأسرية:

يتصور الآباء والأمهات أن المشاكل التى تحدث بينهم فى المنزل، ليست لها أية آثار فى حياة وشخصيات أولادهم.

- ولا أنسى يومًا كنت أحاول فيه إقناع زوجة بالصلح مع زوجها، وكان معها بعض أقاربها، وكان طفلها يجىء كل بضع دقائق لكى يستريح فى حضن أمه، ولأنها كانت منفعلة جدًا، فكانت تدفعه لإبعاده بأساليب كثيرة، ليدخل إلى حجرة أخرى، ولكن دون جدوى. فالطفل محتاج إلى حضن أمه، حتى إذا كان الطفل يتغذى بلبن صناعى، ينصح الأطباء بأن تضع الأم طفلها فى حضنها، ثم تضع زجاحة اللبن فى فمه. وتقول الدراسات التربوية إن الطفل الذى تضع الأم زجاجة اللبن فى فمه، يجب أن تحتضنه، لأن رأسه سيكون على شمال صدر الأم، فيستمع إلى نبضات قلبها ويحس أنه مازال فى بطنها!!

إن هذه الأمور يستحيل أن تعبر على الطفل، تلك النفسية الشفافة البريئة، فلقد أخذ الطفل يصرخ دون توقف، متضايقًا من هذا التجاهل وهذه الانفعالات الحادة.

ولا أنسى أسرة ذهبت لزيارتها، وكانت أسرة متدينة من الطراز الأول، نشأ الأولاد فيها فى سلام ومحبة، ومشبعين بروح العبادة والتدين، ولنا جاءت قريبة لهم تشكو زوجها بانفعال شديد. فإذا بالطفلة الصغيرة فى الأسرة تختبئ فى حجر أمها وتقول لها: «ماما.. اجعلى هذه السيدة تمشى من هنا».. نعم.. فهى لم تتعود على هذا الصياح والهياج والعنف.

ختامًا: من هنا يجب أن يلتزم الوالدان بما يلى:

١- الترابط العائلى: وسيادة روح المحبة فى الأسرة.

٢- التربية المتوازنة للأولاد: فلا قسوة ولا تدليل، ولا تناقضات وانقسامات وخلافات، ولا قسوة أب وتدليل أم.. وهكذا.

٣- الفهم السليم لمراحل الأولاد: فطفل الابتدائى يحتاج إلى الحب، وفتى الإعدادى يحتاج إلى الإيمان، وشاب الثانوى يحتاج إلى التوبة والتدين، وفى الجامعة ينبغى أن يكون قد صار ناضجًا.. وحينما يختار شريكة حياته أو يتخذ قرارات المستقبل، يحتاج إلى الحوار والتفاهم.

٤- القدوة الشخصية: إذ يستحيل على الأب المدخن أو المدمن، أن يقنع ابنه بعدم التدخين أو عدم الإدمان. فالإدمان هو ملجأ ضار للشخصيات المتوترة والمضطربة.

ليتنا نقنع كل أسرة بضرورة سيادة الله على حياتها، وفكر الإيمان على تصرفاتها، والانتماء الدينى على سلوكياتها. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


كن أنت وتحرر من جثتك المحنطة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /26

 كل منا ما زال يعيش بأقنعة ليرضى الآخرين ويصبح على مقاسهم ليستحق لقب المواطن المثالى الصالح، لكن أن يصبح القناع بمساحة الجسد لا الوجه، هذه هى قمة المأساة، رواية «بوجارت اعزف لى لحناً كلاسيكياً» للكاتبة جيلان صلاح، والصادرة عن دار «ضمة»، تتحدّث عن «وجيه سيد مرسى»، الذى يرتّبون لحفلة خروجه على المعاش، وهو لم يعش أصلاً، حقيقته لم يعشها، هو الأستاذ وجيه موظف البريد، لكن داخله تقبع فريدة التى اكتشف أنها تنمو بداخله منذ كان مراهقاً، هى ليست رواية عن مشكلة التحول الجنسى، لكنها رواية تحاول أن تجيب عن سؤال وجودى مرعب، هل بعد كل تلك السنوات كنت أنت؟، عشت حقيقتك أنت؟، أم ما يريده الآخرون والمجتمع لك؟!، كتبتها جيلان صلاح كرواية قصيرة بإيقاع لاهث ولقطات ذكية وجرأة مدهشة وصادمة، كتبتها بروح فيلم سينمائى قصير، ودائماً ستجد فى خلفية كل فصل مشاهد سينمائية لها دلالة، وجيه ما زال يذهب إلى مخزن أبيه المظلم، حيث يصبح هناك فريدة بفستانها وماكياجها وعشقها للرقص والموسيقى، هارباً من زوجته التقليدية وابنه السلفى وابنته ضحية الغدر الزوجى وباقى الأبناء المغتربين المهاجرين، فى المخزن هناك القط «بوجارت» الذى أطلق عليه اسم معشوقه الممثل همفرى بوجارت، القط صديقه الوحيد الذى قتلته الزوجة بالسم، لأنه شيطان أسود يجلب النحس، أخذ وجيه جثة بوجارت وذهب ليحنطه، وكأنه يريد إنقاذ ما تبقى من رفات الحقيقة، وكأنه يستدعى حقيقته التى تخبو ولا يشعلها إلا قبو المخزن، حيث تتحرر فريدة، كما فشل وجيه فى أن يحرّر ويظهر فريدة على الملأ وللناس، فشلت جارته مارلى فى أن تحرر موهبتها وتنشر رواياتها على الملأ وللناس، دور النشر ترفضها، وزوجها مكارى يهملها ولا يبالى بموهبتها، مارلى هى الوحيدة التى أخبرها وجيه بالسر، عرفت فريدة وأحبتها وتعاطفت معها، حكى وجيه عن تعويضه إخفاء فريدة بهواية التلصص، مراقباته السرية تمتد من قبلة الخالة وصديقها، إلى قبلات الأحفاد، والتلصص على الجيران، عندما تهجره مارلى وتترك العمارة، يعود للمخزن باحثاً عن فريدة، فيجد القط بوجارت قد تحرر من جثمانه المحنط، ليظل هو فى وصلة رقص، لتنزل آخر جملة فى الرواية دقى يا مزيكا!!

بعد قراءتك للرواية حتماً ستتساءل عن التحول الحياتى لا الجنسى، هل أنت تعيش ذاتك أم ذوات الآخرين؟، هل أنت جسد أم جثة تتنفس وجثمان ينبض؟، لو كنت أحمد أو خليل أو جورج، هل عشت فعلاً كأحمد أو خليل أو جورج الحقيقى الذى بداخلك؟!، إلى متى ستظل أسير منافقة القطيع، وضحية مجاملة السائد؟، يطاردك رعب الخوف من الطرد من دفء السرب وأمانه، تفزعك الوحدة ويرعبك الهجر لو تركوك فى هجير الاختلاف والتمرد، تحاول أن ترقص على إيقاعك الداخلى فيجبرونك على أن ترتعش فى حلقة زار مع نشازهم الخارجى، الرواية بها تفاصيل ولقطات بكاميرا عين جيلان الذكية اللماحة تجعلك دوماً فى حالة سؤال مؤرق ومقلق، والأدب الجيد هو الأدب المؤرق المقلق، الذى يكسر المألوف والمعتاد، وهذا ما فعلته رواية جيلان صلاح، التى لا تعرف فيها حدود الخيال السريالى والواقع الحقيقى، رواية تنعى فيها جيلان صلاح الإنسان الذى هجر ذاته، وأيضاً المدينة التى هجرت تنوعها، مدينتها الإسكندرية.


Saturday, September 26, 2020

د. وسيم السيسى يكتب: بردية كاهون ٢٦/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 إنها البردية الخاصة بأمراض النساء والتوليد فى مصر القديمة ١٨٨٠ قبل الميلاد، اشتراها عالم المصريات البريطانى فلاندرز بترى ١٨٨٩ بعد الميلاد ببضعة قروش من أحد التجار الذى وجدها فى اللاهون بمحافظة الفيوم. كان أستاذى الدكتور محمد فياض فى مؤتمر بسنغافورة يحدثهم عن إنجازات مصر فى علم أمراض النساء والتوليد، وكيف أن مصر عرفت تنظيم الأسرة بتركيبة من العسل الأبيض والزبادى لمنع الحمل، وكيف كانت مصر تضع فصين من الثوم مهبلياً إذا تأخرت الزوجة فى الحمل، وبعد ١٢ ساعة يشم الطبيب رائحة تنفس المرأة العاقر، فإن وجد رائحة الثوم عرف أن زيوت الثوم الطيارة عبرت قنوات فالوب للتجويف البريتونى الذى امتصها للدورة الدموية، فخرجت مع التنفس، فيبشر أهل العاقر بأن الحمل قريب! وقد عرف الأجداد هذا التشريح من التحنيط.

فإذا حملت الزوجة وأرادت أن تعرف هل سيكون الطفل القادم ذكراً أم أنثى، كان القمح والشعير المبلل ببول المرأة الحامل، فإذا نبت القمح كان الطفل القادم ذكراً، أما إذا كان القادم أنثى فالشعير هو الذى ينبت، ذلك لأنهم عرفوا أن بول الحامل به «هرمونات» قادرة على الإنبات، ظلت هذه الطريقة معمولاً بها حتى القرن الثامن عشر! كما قام بتجربة هذه الطريقة بول غليونجى، وأحمد عمار «جامعة عين شمس».

فإذا اقترب موعد الولادة كان الـAnt،Post،Natal Care أى العناية بالأم قبل وبعد الولادة، فكان العزل أسبوعًا قبل، وأسبوعًا بعد الولادة خوفًا من حمى النفاس! أمريكا لم تعرف ذلك إلا ١٩١٥ بعد الميلاد!

كانت الولادة تتم على كرسى دون مقعدة! Bottomless Chair، عادت أمريكا إلى هذا الكرسى مؤخراً لأن الألم أخف كثيرًا، وخروج الجنين أسهل وأسرع.

يقص علينا الدكتور محمد فياض كيف أراد أن ينحنى احترامًا لأجداده العظماء حين كانت شركات الأجهزة الطبية تعرض عليه اللوالب النحاسية التى استخدمتها مصر القديمة من ضمن وسائلها لتنظيم الأسرة، كما يقص علينا أنه بعد أن انتهى من محاضرته فى سنغافورة، كان تعليق رئيس المؤتمر: إن ما سمعناه اليوم من بروفيسور فياض عن أمراض النساء والتوليد فى مصر القديمة إنما يدل دلالة واضحة على دراية قدماء المصريين بدقائق الجسم البشرى، والتى اكتسبوها من علم التحنيط، الذى لا نعرف عنه الكثير حتى الآن!

طلبت منى مكتبة الكونجرس الأمريكية أن أكتب فصلًا عن الطب فى مصر القديمة، والكتاب اسمه الطب عبر الثقافاتMedicine Across Culture وكان من ضمن ما كتبت أن فى مقبرة رمسيس السادس بالأقصر، نجد على الجداريات صورة لبويضة وحيوان منوى، ثم البويضة وقد انقسمت لاثنتين، ثم إلى أربع!! كان أمير الشعراء صادقًا حين قال:

وبنينا فلم نُخلِّ لبان.. وعلونا فلم يجزنا علاء

قل لبانٍ بنى فشاد فغالى.. لم يجز مصر فى الزمان بناء.


مقادير طبخة الإرهابى وكيفية صناعته - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /25

 وصلتنى هذه الرسالة المهمة من الباحث والكاتب الشاب أحمد رمضان الديباوى، مدرس العقيدة والمنطق بجامعة الأزهر، يجيب فيها عن سؤال، كيف تتشكل ملامح الإرهابى، وما المقادير التى تطبخ إرهابياً ناجحاً؟! يقول الديباوى:

هل ثمَّة خصائص مشتركة يمكن الاستناد إليها لرسم ملمح (بورتريه) موحَّد للإرهابيين المصريين؟ أو بمعنى آخر، كيف أصبح الإرهابى المصرى إرهابياً: كيف دُمِغت شخصيته لينتقل من طور الإنسان العادى إلى طور الإرهابى؟

إنّ الإجابة تكمُن فى جملة واحدة هى «فتِّش عن الفكر الدينى المتطرف»، ولا يكمُن هذا الفكر المتطرف سوى فى جمود الأزهر على مناهج بعينها، ونصوص مغلَقة تفسيراتها على أفكار واجتهادات ماضوية لا تتناسب مع التحضر الإنسانى، والعلم، والقيم الإنسانية والحضارية التى أفرزها التقدم الإنسانى الحديث، وتبدو حالة الإرهابى السيد السيد عطا (أبوعمر)، مؤسس تنظيم «كتائب أنصار الشريعة»، وهو تنظيم تكفيرى إرهابى، يقوم على تكفير الحاكم بدعوى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفرضية الخروج عليه، نموذجاً مثالياً لذلك، فهو قد تخرّج فى الأزهر، وربما لم يُكمل دراسته الجامعية ليُعيَّن مدرِِّساً فى المرحلة الابتدائية بالأزهر، ثم سافر لفترة إلى السعودية للعمل فى تحفيظ القرآن، مندمجاً مع أفكار الوهابية هناك، وهى الأفكار التى تلتقى بوجه أو بآخر مع الأفكار التى تدرس فى الأزهر، وإن يكن الاختلاف بينهما فى بعض الأمور العقدية التى تتعلق، فقط، بالذات الإلهية، وهو ما يعنى أن حصيلة الفكر التى ترسّخت لدى السيد عطا كانت هى الأساس فى تحوّله إلى إرهابى، ذلك أنه مع عودته إلى مصر فى بداية 2013، التقى بصديقه وعضو جماعة «أنصار بيت المقدس»، محمد عبدالرحيم والذى عرَّفه بالشيخ مدين إبراهيم وتلاميذه ممن قرأوا كتب سيد قطب وشكرى مصطفى. وعقب سقوط الإخوان فى العام 2013 اتفق التكفيرى محمد عبدالرحيم مع السيد عطا فى تأسيس تنظيم تابع لجماعة «أنصار بيت المقدس»، تحت مسمى «كتائب أنصار الشريعة»، بهدف تضليل الأجهزة الأمنية، متمركزاً فى محافظة الشرقية على التخصيص، وكان معظم عناصره من مركز ههيا، مشكِّلاً مجموعة من الخلايا التابعة له فى محافظات بنى سويف، والجيزة، والفيوم، وهى المحافظات ذاتها التى ينتشر فيها فكر جماعة الإخوان المحظورة، وهو ما يستلزم إجراء دراسة علمية كمّية لإثبات مدى ارتباط الفكر المتطرف بأماكن بعينها دون أماكن أخرى، بصرف النظر عن لا محدوديته فى ربوع مصر كلها!

لم يتجاوز الإرهابى السيد عطا سن الخامسة والثلاثين، وهو ما يعكس صدق الأرقام التى تؤكد أنّ شريحة الشباب، التى تمثّل النسبة الديمغرافية الأكبر فى مصر، هى الأكثر استقطاباً وحضوراً من قبَل المتشددين فى صفوف التنظيمات الإرهابية فى مصر، وبصرف النظر عن تبايُن أسباب ذلك، إلا أنّ أغلبها يلتقى حول استغلال قيادات الجماعات الإرهابية لعنصر السن فى تجنيد أولئك الشباب، والضحك عليهم باسم الدين والشرع، وفى الوقت نفسه استغلال نقاط ضعف بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الأمر الذى يتجسّد فى هذا الإرهابى ورفاقه ممن تمت تصفيتهم على خلفية محاولتهم الهروب من سجن طرة يوم الأربعاء الماضى.

إن أهم ملمح لشخصية الإرهابى السيد عطا يثبت صدق المقولة: إذا كان الإرهاب عرَضاً فإن الفكر الدينى المتطرف هو المرض الحقيقى الذى ينبغى مواجهته، فالدراسة الأزهرية رغم تطوير مناهج الأزهر ليست مثالية لنشر التسامح والمحبة والسلام ونبذ التعصب، وبوجه عام، فإن تراجُع قيَم الفن والجمال والموسيقى فى مناهج التعليم بمصر، عموماً، يزيد من التطرف الفكرى والإرهاب والعنف فى المجتمع.


Friday, September 25, 2020

التربية البدنية وحلم إبراهيم حجازى - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /24

 الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ إبراهيم حجازى من أكبر حكّائى مصر، الحوار معه متعة واستفادة وزرع بذور حماس، بالإضافة إلى أنه صنع مجلة رياضية متميزة كانت الأكثر توزيعاً فى مصر وهى مجلة «الأهرام الرياضى»، كان القراء يحجزونها من باعة الجرائد قبل صدورها بأيام، فقد ثقف نفسه بدأب وإصرار فى مجال بناء الإنسان الرياضى، وصناعة البطل، وقبل هذا وذاك، كيف تكون صحيحاً بدنياً، فى حوار تليفونى معه أخذ يحكى لى عن حلمه فى ترسيخ مفهوم التربية البدنية الحقيقية فى المدارس المصرية، وهو مفهوم مختلف تماماً عن مفهوم التربية الرياضية، فصناعة بدن صحيح، وجسم سليم، مختلفة عن صناعة النجم والبطل الرياضى، هَمّ إبراهيم حجازى الأول هو الطفل العادى، كيف نجعله صحيحاً وسليماً وقوياً بدنياً، لأن صناعة النجم الرياضى وبطل الأولمبياد شىء مختلف، بداية من التقاطه، واكتشاف الموهبة الربانية الممنوحة له فى مجال معين؛ طول قامة فنوجهه إلى السلة، سيقان تسابق الريح نوجهه إلى رياضة الجرى، نفس طويل وأيدى وأرجل كالزعانف نوجهه إلى السباحة، ليونة جسم نوجهه إلى الجمباز... وهكذا، وتبدأ مسيرة التخطيط لكى يكون هذا الطفل منافساً عالمياً، لكن الطفل العادى قضية مختلفة وأسئلة مغايرة، كيف نحميه من تقوس الظهر؟، كيف نجعله يمشى بطريقة سليمة؟، كيف يصبح طفلاً بدون كرش؟، كيف لا يخزن دهوناً تصاحبه طيلة حياته؟، كيف لا تتيبس فقرات عنقه نتيجة الموبايل؟.....الخ، هذه هى التربية البدنية، وحلم الكاتب الكبير إبراهيم حجازى، أن يكون هذا الحلم عبر منهج علمى وتخطيط مسبق صارم وواضح، هو رافض تماماً لاستيراد منهج أوروبى جاهز سابق التعبئة، فكل بلد لها خصوصية جسدية واجتماعية لا بد أن تُراعَى، وهذه وجهة نظر صائبة جداً، ومنطقية جداً، بدأ «حجازى» الاتصال بالخبراء ومنهم أطباء، يبقى الأهم وهو وزارة التربية والتعليم، المؤسسة التى سترعى وتنفذ، لذلك أنادى وزير التربية والتعليم د.طارق شوقى بأن يعقد جلسة عمل مع الأستاذ إبراهيم حجازى، ويتم العصف الفكرى المفيد والفعال لخروج منهج التربية البدنية، وخطة الارتقاء بجسد الطفل وصحته، حتى لا يبقى ترديدنا لجملة «العقل السليم فى الجسم السليم» مجرد شعار من الأكليشيهات الكثيرة التى نرددها فى حياتنا للاستهلاك لا للتنفيذ، أشارك إبراهيم حجازى حلمه الكبير، أشاركه حماسه ورؤيته، أقاسمه أمنياته التى ليست محض خيال، ولكنها نتاج تجربة طويلة واجتهاد مرهق ودراسة متعمقة، كل ما كنا نظنه مستحيلاً بدأ بمجرد حلم، وإبراهيم حجازى من حقه أن يحلم ويرسم ويحلّق بنظرة طائر، ومن واجب المؤسسة التعليمية أن تستمع وتشارك وتشكّل ملامح وتفاصيل الحلم.


Thursday, September 24, 2020

ثورة طبية لعلاج الصلع فى جامعة المنصورة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /23

 كعادتها دائماً قلعة الطب المصرى فى كلية الطب جامعة المنصورة تقدم لنا الجديد، منذ مركز الكلى ومركز الكبد والجهاز الهضمى والأورام وغيرها من المراكز التى صارت منارات عالمية وليست مصرية فحسب، عاهدتنا جامعة المنصورة على مشاركة العالم كتفاً بكتف فى كل مجالات البحث العلمى، آخر تلك المشاركات كان من قسم الأمراض الجلدية المتميز بتلك الجامعة العريقة، من خلال علاج الصلع وسقوط الشعر بطريقة جديدة وآمنة.

اكتسب فقدان الشعر (الصلع) أهمية خاصة، نظراً لحدوثه فى سن الشباب والانطلاق، وكذلك للأهمية الجمالية للشعر. يعتبر الصلع الناتج عن هرمون الذكورة والعامل الوراثى فى الجنسين من أهم أسباب سقوط الشعر على الإطلاق، ورغم أهمية هذا النوع من سقوط الشعر، فإن أسبابه الحقيقية ما زالت غير معروفة بشكل كامل.

تم استخدام الكثير من الأدوية فى هذا الصدد، ومنها أقراص الفيناسترايد (المضادة لهرمون الذكورة) لعلاج الصلع عند الرجال، ولكن للأسف كانت له أعراض جانبية كثيرة أدت إلى منع استخدامه، وحتى الآن لا يوجد علاج معترف به من منظمة الغذاء والدواء العالمية سوى عقار المينوكسيديل الموضعى (الذى كان يُستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم)، ويعتبر المينوكسيديل من أكثر علاجات سقوط الشعر شهرة، وذلك لعدم وجود عقارات أخرى، ولكن لوحظ أن هذا العقار أدى إلى الكثير من المشكلات الصحية، منها نمو الشعر فى الوجه والجسم، وهو ما يشكّل مشكلة للفتيات، خاصة إذا علمنا أن كثيراً من الفتيات اللائى يعانين من هذا النوع من سقوط الشعر لديهن ازدياد فى شعر الوجه والجسد، بما يُسمى الشعرانية، فضلاً عن أن نسبة نجاح المينوكسيديل لا تتعدى 30%، وكثيراً ما يؤدى إلى ظهور قشور وحساسية بفروة الرأس، وكذلك انخفاض ضغط الدم فى بعض المرضى، بالإضافة إلى حتمية استخدامه مدى الحياة وإلا سقط الشعر مرة أخرى، لذا فإن البحث عن دواء فعّال وآمن واقتصادى لعلاج هذه المشكلة أصبح أمراً ملحاً ومهماً، وفى تعاون علمى متميز تمكن فريق عمل مشترك من قسم الأمراض الجلدية برئاسة أ. د. حسن فايد وعضوية د. أحمد ستيت، ود. أميرة قطب، ومن كلية صيدلة المنصورة برئاسة أ. د. فريد بدرية، أستاذ العقاقير، ود. إيمان مازيد، مدرس الصيدلانيات وتكنولوجيا النانو بصيدلة كفر الشيخ، وفى إطار رسالة ماجستير د. أميرة قطب، وبعد أخذ كل الموافقات الرسمية وأخلاقيات البحث العلمى، تم دراسة الاستخدام الموضعى لعقار حمض فالبرويك، لزيادة نمو شعر فروة الرأس وزيادة كثافته من خلال تنبيه الخلايا الجذعية لبصيلات الشعر، حيث تم تحميل هذا العقار بواسطة تكنولوجيا النانو، حتى يتم نفاذه إلى البصيلات بتركيز محسوب بدقة (8.3%)، وتم عمل بحث لمقارنة حمض الفالبرويك بالمينوكسيديل لعلاج 80 مصاباً بالصلع من الجنسين، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين كل مجموعة أربعون مريضاً، ونظراً لظروف جائحة كورونا، فقد تم اختصار مدة المتابعة إلى ثلاثة أشهر بدلاً من ستة، وقد أظهرت النتائج زيادة كثافة وسمك الشعر فى المجموعتين بنسب متساوية، ولكن دون أى آثار جانبية تذكر فى مجموعة الفالبرويك، وهو ما أثبت فاعليته فى علاج الصلع، وبدون آثار جانبية تذكر.

تم نشر هذا البحث فى دورية Pharmaceutics العالمية المرموقة، التى تهتم بالجديد والمتميز فى مجال أبحاث العلاج، ويعتبر هذا إنجازاً طبياً لجامعة المنصورة وللنخبة المشاركة، ويواصل أ. د. حسن فايد، وأ. د. فريد بدرية العمل فى بحث جديد باستخدام حمض الفالبرويك بالإضافة إلى استعمال الـDermaruller لدراسة تأثير زيادة نفاذ المادة الفعالة على تحسن النتائج الطبية، مع زيادة فترة المتابعة ودراسة تأثير توقف استعمال العلاج على استمرارية النتائج.


Tuesday, September 22, 2020

هل هذه نهاية القرن الأمريكى؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٢/ ٩/ ٢٠٢٠ .. - المصري اليوم

 كتب حديثاً ويد ديفيز، أستاذ الأنثروبولوجى، أن التاريخ يقول إن لكل إمبراطورية نهاية القرن الخامس عشر كان للبرتغال والسادس عشر لإسبانيا، والسابع عشر لهولندا والثامن عشر لفرنسا والتاسع عشر لبريطانيا ومنذ ١٩٣٥ بدأ قرن أمريكا.

فى عام ١٩٤٠ كان لأمريكا جيش صغير، ولكن فى ظرف ٤ سنوات، أصبح الجيش الأمريكى به ١٨ مليون ضابط وجندى. عندما سيطرت اليابان على ٩٠% من مطاط العالم اخترع علماء أمريكا المطاط الصناعى وتحولت مصانع فورد للسيارات إلى إنتاج دبابة كل ساعتين وصنعت سفينة كل أربعة أيام ومصنع كرايزلر قام بتصنيع دبابات أكثر من ألمانيا فى عهد هتلر.

بنهاية الحرب العالمية الثانية كان سكان الولايات المتحدة ٦% من تعداد العالم، واقتصادها ٥٠% من اقتصاد العالم وتنتج ٩٣% من سيارات العالم، وأدى الانتعاش الاقتصادى إلى خلق قطاع كبير من الطبقة الوسطى واتحادات العمال وأصبح الأمريكى البسيط يملك بيتاً وسيارة ويرسل أولاده إلى مدارس جيدة. وزاد ثراء الأغنياء بالرغم من وجود ضرائب مرتفعة.

ثم قال إن وباء الكوفيد سوف يغير العالم مثل وباء الطاعون الذى أدى فى القرن الرابع عشر إلى ثورة الفلاحين ونهاية العصر الإقطاعى الذى استمر ألف عام فى أوروبا. أزمة الوباء أثرت على ثقافتنا. تغير مكان العمل إلى المنزل وفقد الكثيرون وظائفهم، وأغلقت المقاهى والمطاعم ودور الترفيه والمولات، وأصبح الطيران كارثة، ولكن الناس سوف تتأقلم. التدهور الاقتصادى وعدم الثقة فى المستقبل أصبح حقيقة والجميع يختار بين الحفاظ على الصحة أو فقدان الوظيفة. كان الوباء ضربة قاصمة لسمعة الولايات المتحدة. لقد أثبت الوباء أن التخيل بأن أمريكا محصنة مجرد وهم. كان يموت كل يوم ٢٠٠٠ مواطن وسط فشل واضح للكفاءة. ولأول مرة بدأ العالم يرسل إلى أمريكا معونات عاجلة، ولمدة قرنين كان العالم يحب ويكره أمريكا، يحسد ويخاف ويغضب من أمريكا، ولكن لم يحدث أن شعر العالم بالشفقة على أمريكا كما حدث حين كان الأطباء والممرضات فى انتظار شحنات من الصين وبلاد أخرى فى آسيا.

بنهاية الحرب العالمية الثانية أصبح للولايات المتحدة قوات فى ١٥٠ دولة. منذ عام ١٩٧٠ لم يمر عليها يوماً واحداً فى سلام. ومنذ عام ٢٠٠١ أنفقت أمريكا ٦٠٠٠ مليار دولار على العمليات الحربية، وفى نفس الوقت فإن عدد الأمريكيين المدنيين الذين قتلوا بالأسلحة المتداولة بين الشعب أكثر من الذين ماتوا يوم النزول فى نورماندى فى الحرب العالمية الثانية. تأثرت العائلة الأمريكية وأصبحت نسبة الطلاق ٤٠%. وبانتشار شعار العمل ٢٤ ساعة يومياً سبعة أيام فى الأسبوع انعزل الأمريكيون عن العائلة وأصبح الأب يقضى فى تواصل مع الأطفال بمتوسط ٢٠ دقيقة فى اليوم وعندما يبلغ الطفل ١٨ عاماً يكون قد قضى منها عامين بالكامل يشاهد التليفزيون أو الكمبيوتر وأصبحت السمنة كارثة أمريكية. ويستهلك الأمريكيون ثلثى إنتاج العالم من الأدوية المضادة للاكتئاب وتسببت فى نسبة مرعبة من الوفيات وحوادث السيارات. وتباعد الفارق الاقتصادى بين من يملكون ومن لا يملكون شيئاً. وعندما يشاهد العامل البسيط أن آماله فى حياة جيدة قد ضاعت وأن الأغنياء يزدادون ثروة وأنهم يوظفون العمالة فى الخارج لرخصها فإن العقد الاجتماعى يكون قد تفسخ. والمحافظون فى أمريكا عندهم نوستالجيا للحياة فى خمسينيات القرن العشرين وعندهم الخوف من التغيير الاجتماعى والديموجرافى والخوف من حدوث تغييرات مماثلة لما حدث فى ستينيات القرن العشرين بين السود والأقليات. وفى الخمسينيات كانت الضرائب على الأغنياء فوق حدود معينة تصل إلى ٩٠% وكانت مرتبات الرئيس التنفيذى للشركات ٢٠ ضعف مرتب مدير صغير والآن ارتفعت إلى ٤٠٠ ضعف بالإضافة إلى مميزات أخرى.

 أصبح ١% من أعلى شريحة من الأمريكان يتحكمون فى ٣٠ تريليون دولار و٥٠% من الأمريكان فقراء عليهم ديون و٢٠% من الأمريكان من الطبقة الوسطى ليس عندهم فائض للادخار ترتفع النسبة إلى ٢٧% بين السود. وأغلبية الأمريكيين يقتربون جداً من الإفلاس فى حالة توقف الراتب لمدة شهرين. وبالتالى معظم الأمريكيين يعيشون على حافة الهاوية بدون مدخرات ولا أمان. فقد ٤٠ مليون أمريكى وظائفهم مع الوباء وأصيب السود بنسبة عالية من الفيروس ومضاعفاته. الدولة التى هزمت شلل الأطفال والجدرى وقادت العالم لاكتشافات طبية أصبحت مضحكة العالم بتصريحات رئيسها فى الأمور الطبية. سكان أمريكا يمثلون ٤% من سكان العالم وحدثت عندهم ٢٠% من الوفيات. ولكن ترامب ليس سبب انحدار أمريكا ولكنه نتيجة لهذا الانحدار. إن حرية تداول المعلومات كانت سياسة أمريكية راسخة الآن أمريكا الدولة رقم ٤٥ بالنسبة لحرية الصحافة وتداول المعلومات. وأصبح امتلاك السلاح أمراً مرتبطاً بالحرية حتى إنه فى العقد الماضى قتل ٣٤٦ تلميذا ومعلما داخل المدارس. اعتبرت أمريكا أن الدولة الديمقراطية المتقدمة التى تهتم بتوفير التعليم والعلاج المجانى وعمل مظلة اجتماعية للكبار نظاماً اشتراكياً مقيتاً. كيف تقود أمريكا العالم والمخاطر مثل التغيرات الحرارية والأوبئة وهى غير قادرة على رعاية مواطنيها؟، وكيف ينتقدون كندا بشدة لأنها توفر التعليم والرعاية الصحية المجانية؟. أمريكا تنتقد الدول الإسكندنافية ولكنهم يعيشون أطول ومتوسط دخولهم مماثلة لمتوسط الدخل الأمريكى، وعندهم تعليم وصحة مجانية ولا يوجد فقراء ولا مشردون بدون مأوى. والعامل يتقاضى أجراً أعلى من العامل الأمريكى، ويعامل معاملة جيدة ويحترم. ولكن السياسيين الأمريكيين يعتبرون النظام الإسكندنافى اشتراكية وشيوعية ولا يمكن أن ينجح فى أمريكا.

وكان ذلك كله اختيار أغلبية الأمريكان بانتخابهم ممثلين فى هذا الاتجاه. وقد قال أوسكار وايلد فى كلمته: أمريكا هى الدولة الوحيدة التى سوف تنتقل من البربرية إلى الانحلال بدون المرور على الحضارة. وهذا هو رأى أستاذ أنثروبولوجى أمريكى مهم.

قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


درس المعلم العاشر لويس عوض - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /21

 فى الذكرى الثلاثين لرحيل المعلم العاشر د. لويس عوض، لا بد أن يكون احتفالنا به أكبر من مجرد كتابة مقال رثاء، إنه خطوة مهمة فى رحلة وتاريخ ثقافة التنوير، لا يمكن تأريخ إسهام الفكر الليبرالى المصرى فى ثقافة وعقل هذا الوطن بدون ذكر اسم د. لويس عوض، لذلك سأستعيد درساً مهماً فى مسيرته كنت قد كتبت عنه من قبل، الدرس لنا قبل أن يكون له، لأنه صار يتكرر وكأننا لم نتعلم أو نعتبر، لويس عوض هذا المفكر الكبير صياد اللآلئ الذى يدين له معظم مثقفينا من شعراء وكتاب مسرح وروائيين وحتى سينمائيين وفنانين تشكيليين باكتشافهم وكشف المذاهب الفنية الغربية الجديدة لهم وصقل موهبتهم بالاطلاع من خلال نافذته الثقافية على الحضارة الأوروبية من خلال ترجماته ورحلاته وكتاباته النقدية، كان مقال لويس عوض فى «الأهرام» عن أى فنان أو كاتب أو عمل فنى بمثابة تدشين لموهبته وولادة جديدة له.

تعرّض هذا المفكر العظيم خلال رحلته الثرية إلى ضربات من مجتمعه ضيق الصدر بالمبدعين بدأت باعتقاله بعد أزمة 1954 ولم تنتهِ بمنعه من استكمال مقالاته فى «الأهرام» عن الأفغانى بحجة أن المقالات ضاعت!! إلا أن مصادرة كتابه المهم «مقدمة فى فقه اللغة العربية» تظل تمثل منعطفاً خطيراً وكارثياً فى تاريخ المصادرة وقمع الفكر من خلال السلطة الدينية.. استدعاء تفاصيل هذه المصادرة يعطينا دروساً ذات دلالات مهمة فى معركتنا من أجل التنوير التى نخوضها فى هذه الأيام، فالكتاب كان صادراً عام 1981 من مؤسسة تابعة للدولة وهى هيئة الكتاب، أى أنه مر بكل الخطوات الرسمية القانونية التى تقرها الدولة لإصدار كتاب، ثانياً الكتاب لم يناقش قضية دينية ولم يتطرق إلى العقائد والعبادات من قريب أو بعيد، لكنه كتاب متخصص فى علوم اللغة التى تطبق الآن على كل لغات العالم، وليست اللغة العربية استثناء من هذه القاعدة أو محرمة على تلك العلوم، لكن الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية كان لهما رأى آخر وهو أن اللغة العربية مقدسة وسامية عن كل اللغات ولا ينفع أبداً أن تخضع لمشرط تلك العلوم الغربية المستوردة، يعنى ببساطة لغة على رأسها ريشة!! كان رأى لويس عوض أن أى لغة فى الدنيا هى طبقات جيولوجية متراكمة ليست منعزلة مقدسة فى «جيتو» خاص غير قابلة للتلاقح مع اللغات الأخرى إنما هى فى علاقة تأثير وتأثر، واللغة العربية ليست استثناء، والجذر والأصول والعلاقة موجودة مع اللغات الهندية والأوروبية، وأتى بأدلة مستفيداً من علوم لغوية كثيرة صارت مفرداتها مستقرة فى العالم كله، كان للشيوخ رأى آخر فهم يعتبرون اللغة العربية مقدسة غير قابلة للتأثر فهى صافية نقية وأى لعب فى هذه البديهية المقدسة سيعرّض القرآن نفسه للتلاعب والشك، خائفين مرعوبين من إيقاظ فكر المعتزلة بخلق القرآن وبالتالى عدم قدم اللغة السرمدى وصفائها الماسى الشفاف غير القابل للتلوث باللغات الأرضية النجسة!!

وهمٌ وخيال سكن تلك العقول، ويا ليته وقف عند حد التوهم أو التوجس وكتابة نقد لاذع أو بحث مفحم يخرس لويس عوض وانتهى الموضوع، لكنهم لجأوا إلى الحل السهل وهو المصادرة، تصرفت المحكمة فى البداية تصرفاً بديهياً يليق بمشكلة تتعلق باللغة العربية بالعرض على المختص وهو مجمع اللغة العربية، تكونت لجنة ثلاثية من أستاذ الفلسفة توفيق الطويل والكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى والشيخ الجليل الباقورى، جاء تقرير اللجنة فى صالح الكتاب ومُديناً للمصادرة، وكان أكثرهم إدانة ورفضاً للمصادرة الشيخ الباقورى، هذا الرجل المستنير الذى نفتقد قدوته هذه الأيام. المدهش ما حدث بعد ذلك، وهو إصرار مجمع البحوث الإسلامية على المصادرة، وتصريح سكرتير المجمع الشيخ عبدالمهيمن الفقى بأن المجمع هو جهة الاختصاص الوحيدة. وللأسف رضخت المحكمة لهذا التعنت الكهنوتى وأمرت بمصادرة الكتاب فى واحدة من أكثر الأيام سواداً على الثقافة المصرية، اغتيل لويس عوض معنوياً وظل يعيش بهذا الجرح النازف إلى أن رحل عن عالمنا وهو لا يعرف كيف لبلد أن يحارب الثقافة والرأى والفكر بهذا الشكل، وكيف لمحاكم التفتيش التى انتهت من العالم أن تظل متحكمة ومهيمنة على العقول فى القرن العشرين؟! وتساءل: «ما جدوى كليات الآداب وأقسام اللغة العربية إذا كانت المناقشة العلمية لجذور اللغة قضية أمن دولة وتكفير؟!».

لعلنا اليوم ونحن نقرأ تفاصيل تلك القضية أن نتعلم ألا نمنح سلطات مقدسة لهيئة أو مؤسسة مهما كانت وألا نجعلها دولة داخل الدولة فنمنحها الوصاية على عقولنا وفكرنا وإلا سيكون الحديث عن ثورة الخطاب الدينى مجرد حرث فى البحر.


Sunday, September 20, 2020

هل يتعارض تنظيم الأسرة مع الإيمان؟ بقلم الأنبا موسى ٢٠/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

يتصور البعض أن تنظيم الأسرة (وليس تحديد النسل)، يتعارض مع إرادة الله، لكن الحقيقة أن الرب أعطى العلماء إمكانية تقديم النصح والعلاج اللازم، لتنظيم الأسرة، بغية نسل صالح وصحيح، ووالدين فى صحة جيدة، بنعمة الله.

لكن.. لا تزال تساؤلات كثيرة واعتراضات تواجه موضوع تنظيم الأسرة، يجب أن نضعها فى اعتبارنا:

- هل يتعارض تنظيم الأسرة مع الإيمان؟

وهذا السؤال له عدة فروع:

أ- هل فى تنظيم الأسرة تدخل فى مشيئة الله؟

ب- وهل فى تنظيم الأسرة رفض لعطية الله؟

ج- وهل فى تنظيم الأسرة شك فى سخاء الله؟

أولاً: تنظيم الأسرة ومشيئة الله: إن تنظيم الأسرة لا يعنى التدخل فى مشيئة الله، حينما «نمنع تكوين الجنين» لضرورات عامة وخاصة، كتلك التى ذكرناها. بل بالعكس، إن وسائل تنظيم الأسرة، أو حتى مجرد تحديد فترة الأمان وضبطها علميًا، هى إنجازات علمية طبية، بسماح من الله، حينما رأى برعايته وحنانه أن الإنسان تقدم علميًا، وضعف جسمانيًا، وعانى اقتصاديًا واجتماعيًا وعصبيًا.

١- ما دمنا نسمح بعلاج العقم والعقر، ولا نعتبر ذلك تدخلاً فى مشيئة الله، طالما أننا نستخدم وسائل لا تتعارض مع الدين، فلماذا لا نستخدم الطب والوسائل العلمية فى ضبط النسل، مراعاة للصحة الخاصة والعامة؟

٢- وما دمنا لا نعتبر العقم سببًا للطلاق، والنسل شرطًا لصحة الزواج (بمعنى أن يستمر الزواج قائمًا حتى بدون نسل)، فلماذا لا نعتمد صحة الزواج بنسل محدود، مع تحقيق الأهداف الأخرى للزواج، مثل الحب والتعاون والنمو الدينى، وتقديم المزيد من الأجيال؟.

٣- إن وسائل تنظيم الأسرة نوع من الاستشفاء الفردى والأسرى والمجتمعى، والإيمان بالله لا يلغى استخدام الطب والعلوم المختلفة لإسعاد الفرد والأسرة والمجتمع، ما دمنا تستخدم وسائل مشروعة!

ثانياً: تنظيم الأسرة وعطية الله: نحن لا نرفض عطية الله حينما ننظم الأسرة، ولكن العقل لا يتعارض مع الإيمان، والاهتمام بمسؤولية التربية والرعاية الروحية والدراسية والصحية والنفسية، لا يتعارض مع استخدام هذه الوسائل للحصول على نسل: قوى بدنيًا، وصحيح نفسيًا، ناجح دينيًا. بل إن الله فى عطاياه يعطى كل واحد «عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ» (متى ١٥:٢٥)، «أَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً، كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ» (متى ١٥:٢٥)، فهل من حق الثالث أن يطلب من الرب عشر وزنات، وهذا أكبر من طاقته؟! إنه- لا شك- يطلب ما يضره!!

- الأمر لا يعدو تقديرا للمسؤولية، وذلك بالتشاور مع الراعى الدينى، ودراسة الإمكانيات الاقتصادية والسكنية والصحية والدينية... إلخ.

ثالثاً: تنظيم الأسرة وسخاء الله: هل نترك أنفسنا لسخاء الله، وإمكانيات الطبيعة الإنسانية فى إنجاب العديد من الأولاد، ونقول إن الله السخى فى عطاء الأولاد، سخى فى عطاء القوت والرزق؟ ألا يعتبر هذا نوعًا من (تجربة الرب) «لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ» (متى ٧:٤)؟!

■ وألا نرى فى ذلك نوعًا من (تغييب العقل)، الوزنة التى أعطاها لنا الرب لتدبير أمورنا؟!

■ كذلك ألا يكون فى ذلك نوع من (التواكلية) وليس (الاتكال)؟!

ألا نؤمن بضرورة توافق الاجتهاد ودور الإنسان مع الله فى أمر تديننا! وحتى فى أمور حياتنا اليومية؟!

تساؤلات واعتراضات:

١- يتصور البعض أن تنظيم الأسرة ربما يتعارض مع الوصية، ويتخذون ذريعة لذلك أمرين:

أ- الله منذ بدء الخليقة قال لآدم وحواء: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ» (تكوين ٢٨:١).

ب- «الَّذِى يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية ٧:٦).

ج- قصة أونان المذكورة فى «تكوين ٣٨» الذى رفض أن يكون له نسل فأماته الله!

■ ■ ■

أ- «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ» (تكوين ٢٨:١).

- يُعتبر البعض أنه من الخطأ أن يلجأ بعض الناس إلى تحديد النسل الذى أمر الله بأن يكثر ويزداد.

- صحيح أن الأولاد هم امتداد للحياة وثمار للزواج المقدس.

- ولكن علينا أن ندرك المسؤوليات المترتّبة على الوالدين تجاه أولادهم. صحيح أن البنين مثل غرس الزيتون، وهذا لا يعنى أن نترك إنجاب الأولاد بلا ضوابط.. أو أن يفكر الوالدان أن الحياة الزوجية ما هى إلا لزيادة النسل وكيفية إكثاره.

ولكن الله يريدنا دائمًا أن نحيا حياة سعيدة، وأن نقدّر المسؤوليات المترتّبة علينا: فقبل أن نفكر فى إنجاب العدد الكبير من الأولاد، علينا أن نفكر مثلاً فى صحة الأم، كما ينبغى علينا أن نفكر فى الإمكانيات التربوية والمادية والصحية والاقتصادية والروحية... إلخ. صحيح أن الأولاد هم ميراث من الله، ولكن الله يطلب منا أن نهتم بأولادنا وأن نعلّمهم ونثقّفهم، ونهيّئ لهم سبُل العيش المعقول، إذ يقول الكتاب المقدس: «رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ» (أفسس ٦:٤)، فالله سوف يحاسب الوالدين إذا كانا غير مهتمين بتربية أولادهما تربية صالحة، وليس إذا لم ينجبا عددًا معينًا!

ب- «الَّذِى يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية ٧:٦).. إذ يتذرع البعض بهذه الآية فيقولون: «ما دمت لا تريد نسلاً، امتنع عن العلاقة الزوجية»!! وهذا خلط خاطئ، فالآية تتحدث عن عموميات السلوك اليومى، والحياة الإنسانية، ولا تقصد إطلاقًا العلاقة الزوجية والتناسل بدليل:

- هل لابد أن يمتنع الإنسان بمجرد حدوث الحمل، بل إن حتى اكتشاف الحمل يأخذ أيامًا، فماذا عن المعاشرات التى تلت لقاء الحمل؟!

- وهل نحرم العلاقات الزوجية فى حالة عقم الزوج، أو عقر الزوجة؟!

- وهل نحرمها فى حالة استئصال الرحم أو ربط قناتى فالوب أو غير ذلك؟!

- وهل نحرمها فى سن اليأس؟!

إن العلاقة الزوجية هى:

١- احتياج بيولوجى.

٢- تعبير حب مقدس.

لذلك يقول الكتاب المقدس إن: «الْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عبرانيين ٤:١٣)، ورابطة الزواج رابطة حب وليس فقط تناسل، وإلا رفضنا العلاقات فى حالة العقم، أو صرحنا بالطلاق فى هذه الحالة.

ج- قصة أونان: وهى القصة المذكورة فى (تكوين ٦:٣٨-١٠)، كيف أن أونان هذا رفض أن يقيم نسلاً لأخيه المتوفى (وهذه كانت وصية فى العهد القديم)، فكان حينما يجتمع بزوجة أخيه المتوفى يفسد فى الأرض، فأماته الرب! وواضح أن هذه القصة لا تنطبق على استخدام وسائل تنظيم الأسرة، حيث إن خطيئة هذا الرجل لم تكن فى منع الحمل، ولكن فى رفضه أن يقيم نسلاً لأخيه، وهى وصية إلهية مشهورة فى العهد القديم، خاصة بالمواريث والأسباط. لذلك فاستخدام قصة أونان هو نوع من خلط الأوراق دون داع أو مبرر.

ختامًا: إن موضوع تنظيم النسل يعتمد على الإنسان نفسه، مراعاة لظروفه الروحية والاجتماعية والمادية والصحية، ومدى تحكيمه للعقل فى أمور حياته، المهم تربية الأولاد تربية صالحة فى خوف الله تعالى.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


شلة ليبون - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /19

 «لو فهمت البوكر يا أمين.. هتفهم الحياة»، جملة مفصلية ومحورية فى رواية «شلة ليبون»، قالها الأب يسرى الذى يدير صالة قمار لابنه أمين وأصدقائه من شلة ليبون، الرواية التى كتبها الروائى هشام الخشن والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، هى رواية ممتعة وجذابة وجديدة ومختلفة، منذ فترة طويلة لم أنته من قراءة رواية فى يوم أو فى جلسة واحدة، لكن «شلة ليبون» أجبرتنى على ذلك، وهذا عندى إشارة لقدرة الروائى على الوصول لسحر الحكى المقدس، الإمتاع، «مفيش حاجة اسمها ورق وحش وورق حلو، كل ورقة ممكن تكون سبب فوزك، واللاعب السيئ هو اللى ما يعرفش يستفيد من اللى فى إيده»، لخص الأب يسرى الحياة فى تلك العبارة، تبدأ الأحداث مع سبعة من طلبة ثانوى فى إحدى مدارس الزمالك، رأس السنة ١٩٧٩، فى شقة صديقهم ومحور الشلة أمين، فى هذا اليوم علمهم الأب الذى رحل فى هذا اليوم نتيجة حماقة لعبة بوكر، علمهم لعبة الحياة، أمين وإبراهيم وكريم وعزيز وهدى وعايدة وناديا، اتفقوا على عقد هذا اللقاء السنوى على مائدة البوكر، وبعد ثلاثين عاماً كان اللقاء الحاسم، وعلى تلك المائدة، ومع توزيع كل ورقة لعب، يحكى المؤلف زاوية من حكاية إحدى الشخصيات، وكيف قامر مع الحياة وقامرت معه، بالحس الهندسى لمؤلف الرواية يرسم إيقاعاً هندسياً دقيقاً وممتعاً للرواية، بحيث لم يسقط منه الإيقاع لحظة، انضباط هندسى صارم، لكن صرامته لم تخنق غواية الفن أو جنونه وانفلاته، لهاث وتوتر البوكر اندمج مع برود من يمسك بأوراق اللعبة، لم يفلت الخيط الروائى، تقاطعت أحداث صعود لهاث الملياردير أمين الذى صار من أثرياء العالم بعد هجرته، مع صعود الكاتب الصحفى إبراهيم الذى ارتضى دور الكومبارس الذى يكتب لرئيس التحرير مقالاته حتى يصل إلى الكرسى والمكانة، مع صعود الممثلة هدى التى ارتدت الحجاب فترة لأن المنتج يريد فيلماً إسلامياً، مع صعود عايدة أو بالأصح انحدارها التى بيعت فى سوق النخاسة لشريك والدها الخليجى لتصبح جارية عند زوجته الأولى، مع محاولة صعود كريم عبقرى الهندسة الذى سافر وقرر الذوبان الثقافى حتى الثمالة، ولكنه فوجئ بابنته التى تريد الزواج من صديقتها فاستيقظ على استحالة الذوبان!!، مع صعود عزيز ومحاولة استقلاله عن مشاريع الأب والشقيق، حماقة صعوده كانت بقدر حماقته فى مباراة الملاكمة التى بخرت آماله فى البطولة، وأخيراً ناديا التى أراها أضعف شخصيات الرواية والتى كانت تحتاج إلى مزيد من العمق، هى مثال للتائه بين نصفه المصرى والأجنبى، لكن فترة سفرها لبلدها الأوروبى لم تأخذ القدر الكافى من اهتمام الكاتب، وأرى أن نفس العيب كان فى جائزة أمين لأصدقائه من لاعبى البوكر، فالجائزة التى ستستفز حماس هؤلاء ليست أبداً منصب رئيس مجلس أمناء منظمة أو هيئة ما زالت فى رحم الخيال، تلك الملاحظات الهامشية وغيرها لا تقلل من إعجابى بالرواية، التى هى من أكثر الروايات المصرية التى قرأتها هذا العام جاذبية وحبكة وإحكاماً، وأنتظرها فيلماً سينمائياً بديعاً، فهى تستحق الاحتفاء والتجسيد سينمائياً ودرامياً.


Saturday, September 19, 2020

بردية إدوين سميث بقلم د. وسيم السيسى ١٩/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 خطورة هذه البردية أنها أول مرجع طبى من مصر القديمة خالية من السحر، وتتبع أحدث الطرق العلمية الحديثة فى التشخيص والعلاج.

تاريخ هذه البردية ١٥٥٠ ق. م، عرضها للبيع مصطفى أغا سنة ١٨٦٠ ميلادية، اشتراها الأمريكى إدوين سميث الذى كان مقيمًا فى الأقصر ثمانية عشر عامًا منذ ١٨٥٨ حتى ١٨٧٦م، ومات ١٩٠٦م.

اختلفت الآراء حول إدوين سميث، قال عنه داوسن إنه مغامر، تاجر عاديات، ولكن جيمس هنرى برستد دافع عنه بقوله إنه كان واسع الاطلاع، مسيطرًا على الكتابة الهيراطيقية بدليل معرفته بأهمية هذه البردية.

فى سنة ١٩٠٦ قدمت ابنة إدوين سميث هذه البردية إلى الجمعية التاريخية بنيويورك، وهى الآن فى الأكاديمية الطبية بنيويورك.

تعتبر هذه البردية الثانية فى الطول بعد بردية إيبرز، التى اشتراها أيضًا إدوين سميث ١٨٦٢م، الوجه الأمامى للبردية سبع عشرة صفحة، تسجل ٤٨ حالة إصابات، نرى فيها كيفية الفحص، كيفية الوصول إلى تشخيص، طرق العلاج مثلًا:

١- العنوان: تعليمات بخصوص جرح مفتوح بالرأس.

٢- الفحص: افحص الجرح للقاع حتى وإن كان مؤلمًا.

٣- انظر: دم من الأنف أو سائل «كسر فى قاع الجمجمة».

٤- اطلب أن يحرك المريض رأسه وينظر إلى كتفه أو صدره، أى Menengeal Irritation، ثم يأتى التشخيص، وإخبار المريض أو أهله: هذا مرض سوف أعالجه أو أحاول علاجه أو لا حيلة لى فيه.

إذا تجولنا فى البرديات الطبية سوف نرى عجبًا، تقرأ وكأنك تقرأ مرجعًا طبيًا حديثًا، مثلًا: إذا فحصت ورمًا فى ثدى امرأة براحة اليد، ووجدته كالفاكهة غير الناضجة، قل لأهل المريضة: هذا داء لا حيلة لى فيه! «سرطان الثدى - نفس طريقة الفحص الآن».

كان أجدادنا القدماء يُشرِّحون الجثة لمعرفة سبب الوفاة! فى حالة كسر فى فقرات عنق الرقبة مثلًا: تجد الفقرة العليا مغروزة فى الفقرة السفلى، كما تنغرز القدم فى الطمى!

نجد فى بردية إدوين سميث تقسيمًا وتبويبًا كما نراه الآن فى مراجعنا الطبية: ترتيب تشريحى يبدأ بالرأس، ثم الوجه، ثم الفك، ثم الرقبة، ثم الذراعين، ثم الصدر، ثم البطن، ثم الساقين، وأخيرًا القدمين، لذا قالها وارن داوسن فى كتابه Legacy Of Egypt: العلوم جميعًا، خاصة الطب، نشأت فى مصر منذ أكثر من خمسين قرنًا من الزمان، كما يطالب Jamison Hurry بأن يكون رمز مهنتنا كأطباء هو: إيموحتب، ومعنى اسمه: القادم فى سلام، وليس أبوقراط، الذى لم يصف حتى النبض، بينما وصفته مصر الجميلة: النبض هو حديث القلب فى أوعية الدم الطرفية! يا للروعة!

كان أستاذى فى الجراحة دكتور حسن إبراهيم ابن على باشا إبراهيم، أول عميد مصرى لكلية طب قصر العينى، سألنى يومًا، وكان عاشقًا للشعر: ماذا قرأت من شعر أمير الشعراء؟ فقلت له: قرأت وحفظت له الكثير، خصوصًا قصيدته فى والدكم:

أخذت عرش الطب من إيموحتب

وتوليت من يديه الصولجانا!

فأصحبنا أصدقاء!!.


الحشرية الدينية والنهى عن المنكر - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /18

 كارثتان حملتا لافتة الحشرية الدينية ممن يعتبرون أنفسهم حماة الإيمان وهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الكارثة الأولى وقعت لـ«بسام»، سائق «توك توك»، على يد شيخ ملتحٍ بمنطقة كوبرى عثمان بالخصوص التابعة لمحافظة القليوبية. القصة على لسان والده: «أخبرنى بعض الناس بأن نجلى أثناء قيامه بنقل بعض المواطنين داخل التوك توك الخاص به، أوقفه الشيخ أحمد مصطفى عمر أمام محل للحلاقة، وطالب نجلى بغلق أغانى المهرجانات، ليخبره بأنه ليس متوقفاً فى المكان وأنه يسير فى الشارع وأن ذلك طبيعى، وهدده الشيخ أنه فى حالة عدم إطفائه للأغانى سيقوم بالتقليل منه أمام الناس، رفض نجلى الانصياع لكلام ذلك الشيخ، فى تلك اللحظة هجم على نجلى داخل التوك توك وقام بقطع أسلاك مشغل الأغانى، واشتبك الطرفان وقام الناس بإبعادهما عن بعض، فى تلك اللحظة أخذ الناس نجلى فى حارة سد واختفى الشيخ عن الأنظار، وقام بالدخول لمحل الحلاقة وأحضر منه مقصاً، وخرج منه وتوجه نحو نجلى داخل الحارة وقام بطعنه فى صدره وسقط صريعاً على الأرض، ودماؤه تنزف بكثرة، وقام أصحابه بنقله للمستشفى لإنقاذه»، الكارثة الثانية حدثت فى منطقة البساتين وضحيتها اسمه «أدهم»، كان يسير مع زميلته فى الشارع خرج عليهم ملتحٍ وسأله «دى أختك؟»، فقال له «لا دى زميلتى»، فأخرج السكين وطعنه، وبعد أن أسلم الروح ألقى به فى مقلب زبالة!!، «بسام وأدهم» ليسا آخر الضحايا، ما دام التحرش الدينى والحشرية الدينية مباحة ومحللة فى الشارع المصرى تحت لافتة النهى عن المنكر والحفاظ على الأخلاق!!، عندما حدثت جريمة قتل طالب الهندسة فى السويس سنة 2012 والذى ذُبح بسكين قطع الموز لأنه يقف مع بنت أجنبية عنه، كما قال قاتله فى التحقيق، قلنا وبررنا بأنه زمن الانفلات الإخوانى، لكن أن يحدث هذا الآن فمرفوض تحت أى لافتة وأى مسمى، إنها فوضى، وغير مسموح لأى إنسان باسم اللحية أن يعتبر أنه أفضل منّى ومنك أخلاقاً ويتدخل فى حياتى وحياتك الشخصية لأنه حفظ جزأين أو قرأ حديثين أو حتى حفظ مكتبة الأزهر كلها!!، الشارع لنا جميعاً، ولا تدس أنفك يا عم الشيخ فى حياتى أو حياة جارى أو جارتى، أنفك يخص وجهك لا وجهى، وهو جزء من ملامحك لا ملامحى، ومتفهم جداً أن تكون مهموماً بإصلاح نفسك، لكن ما لك والآخرين المسالمين، سلوك هؤلاء سواء بيسمع أغانى أو ماشى مع زميلته فى الشارع.. إلخ، ما داموا لم يمسوا فضيلتك يا من كنت سعيداً بالمختلطين فى «رابعة» وهم يحملون سلاحاً ويروعون السكان وكنت لا تتدخل بل تشجع، ما داموا لم يقتربوا منك بضرر فهم أحرار، وخليك فى حالك.


Friday, September 18, 2020

دار الإفتاء والتجارب السريرية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /17

 زفَّت إلينا وسائل الإعلام خبر أن دار الإفتاء -والحمد لله- قد حسمت قضية التجارب السريرية!!، الخبر يقول: «حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل الدائر حول مسألة «التجارب السريرية» بإجراء تجارب طبية على جسد الإنسان، وأكدت فى فتوى جديدة لها أن اختبار الدواء على جَسَد الإنسان هو ما يطلق عليه «التجارب السريرية»، والتى تعرفها منظمة الصحة العالمية بـ«التقييم الفعلى لفَرْض طبى -دوائى أو جراحى- جديد»، وهذا جزء من المفهوم الشامل للتجارب الطبية، التى تعنى: الانحراف عن الأصول الطبية المتعارف عليها لجمع معطيات علمية أو فنية، أو اكتساب معارف طبية جديدة بهدف تطوير العلوم الطبية والبيولوجية والحيوية.

وأوضحت دار الإفتاء فى فتواها أن هذه الاختبارات الطبية فى مجملها تتماشى مع حَثِّ الشرع الشريف على التداوى من الأمراض وإرشادِه إلى البحث عن العلاج، فقد روى أبوداود والبيهقى فى «سننيهما»، والطبرانى فى «المعجم الكبير» حديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام»، وعند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً، عَلِمه مَن عَلِمه، وجهله مَن جهله»، انتهى هذا الاقتباس من الخبر الذى نقلته وسائل الإعلام على أنه فتح علمى وانتصار بحثى عظيم، لكن الحقيقة أن من يحسم ليس دار الإفتاء أبداً، وهى ليست جهة اختصاص على الإطلاق فى تلك المشكلات الطبية، والفتاوى الدينية لا مكان لها فى البحوث الطبية، ويكفى ما حدث فى ختان البنات عندما اعتمد مؤيدو الختان على فتوى الشيخ جاد الحق وهو شيخ الأزهر السابق، وابتعدوا عن أنها جريمة طبية وأدخلونا فى معترك هذا حديث ضعيف أم حديث صحيح؟، وهل الفقيه فلان الفلانى أصدق من علان العلانى إلى آخر هذه المتاهة الجدلية العقيمة، ويكفينا أيضاً أن قانون زرع الأعضاء لم يفعل منذ صدوره فى ٢٠١١ نتيجة فتوى الشيخ الشعراوى أن أجسادنا ملك لله ولماذا نؤجل لقاء الإنسان بربه؟!!، ثم نأتى الآن لنعيد التجربة الأليمة ونحشر أنوف رجال الدين فى المسائل الطبية الدقيقة، وندخل أنفسنا فى متاهات المباح والمكروه والجائز والمعلوم من الدين بالضرورة.. إلخ مع قضايا لا تحسم إلا فى المعامل لا فى المساجد ودور الإفتاء، يحكمها رأى البالطو الأبيض لا العمامة الحمراء، ما علاقة البيهقى والطبرانى بالتجارب السريرية؟!! ما علاقة دار الإفتاء بـphase 1 and phase2 and phase3؟؟، هل دار الإفتاء ستحدد لنا المجموعة الضابطة والبلاسيبو؟، ومن الذى أخبر دار الإفتاء أن أبحاث الدواء لا تراعى صحة الإنسان والأعراض الجانبية؟ هناك أدوية تسحب من السوق بعد نزولها نظراً لأن مريضاً تعرض لخلل فى كهربة القلم مثلاً، والذى أجَّل لقاح أكسفورد هو شخص واحد فقط تعرض لالتهاب فى النخاع الشوكى فتوقفت الأبحاث إلى حين، والأهم هذا اللجوء المزمن للفتاوى الطبية والتفاخر بالمليون فتوى سنوياً، هو علامة مرض اجتماعى وفكرى وعقلى وليس علامة صحة وعافية أبداً، الدولة المدنية الحقيقة تلجأ فى الطب إلى رأى الأطباء فقط ولا دخل لرجال الدين فى تلك القضايا، الرحمة يا سادة بالدين والعلم، كلاهما يعانى عسر هضم عقلى ومعرفى من تخمة الفتاوى.


Thursday, September 17, 2020

رسالة من طبيبة أطفال إلى رئيس الجمهورية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /16

 تبذل الدولة جهوداً رائعة فى مجال الصحة، ومشروع «100 مليون صحة» وما حدث فى مقاومة فيروس «سى» وبعدها فى الكشف على طلبة المدارس، كل هذه الجهود هى بصمات مهمة وخطوات عظيمة على طريق الرعاية الصحية للمصريين، والأمراض الوراثية خاصة أنيميا البحر الأبيض المتوسط التى استطاعت دول مثل إيطاليا وغيرها مقاومتها والحد من انتشارها بحيث ستودّع الحالات تماماً فى القريب العاجل، فى سبيل مصر خالية من أنيميا البحر الأبيض المتوسط، كتبت لنا أستاذة الأطفال الشهيرة وعالمة أمراض الدم التى لها مكانة عالمية فى هذا المجال د. آمال البشلاوى، تلك الرسالة كبداية حل لهذه المشكلة الطبية المؤرقة، تقول د. آمال البشلاوى:

بعد الإنجازات الرائعة من الحد وعلاج الالتهاب الكبدى الوبائى والإنجاز المتميز الرائع فى الحد من انتشار «Covid-19» المعروف إعلامياً بفيروس كورونا، والقيام حالياً بالكشف وعلاج الأمراض المزمنة تلبية لتعليمات رئيس الجمهورية، أتمنى أن يكون فى خطة الوزارة أيضاً الحد من انتشار مرض أنيميا البحر المتوسط التى قامت معظم الدول التى تعانى من انتشار هذا المرض بما فى ذلك الدول العربية حتى فلسطين للحد من ولادة أطفال جدد يعانون من هذا المرض، وتعتبر مصرنا العزيزة من أكبر الدول التى تعانى من انتشار هذا المرض حيث يولد سنوياً أكثر من 1000 طفل مصاب لكل مليون ونصف المليون مولود سنوياً، ويحمل هذا المرض 9.5% من الشعب المصرى حسب الدراسات التى أجريناها فى أكبر مستشفى للأطفال بمصر «أبوالريش جامعة القاهرة». ويعانى من هذا المرض الآلاف من المصريين، حيث يعانون من الأنيميا الشديدة مع تضخم بالأعضاء المهمة بالجسم والتى تحتاج إلى نقل الدم المستمر طوال الحياة، والذى ينتج عنه تراكم الحديد بالجسم، ويحتاج المريض لأخذ دواء إنزال الحديد الذى يكلف الدولة المليارات، غير عمليات زرع النخاع واستئصال الطحال وغير ذلك من تكلفة على الدولة والأسرة.

وقد حرص سيادة الرئيس على عمل خطة للكشف عن الأنيميا، وفرحنا جميعاً أن تكون أنيميا البحر المتوسط فى خطة وزارة الصحة مع أنيميا نقص الحديد التى تنتشر أيضاً فى الأطفال ويتم الخلط بينهما، ولكن للأسف لم تدرج فى خطة الوزارة حتى الآن رغم العزم من قبل على عملها بعد زيارة الجمعية الدولية لأنيميا البحر المتوسط بقبرص من سنوات والتى تتشرف مصر بأن تكون أحد أعضائها المهمين.

نتمنى جميعاً مع آلاف الأسر المصرية أن يتم الحد من انتشار هذا المرض فى مصر، وأن يكون فى خطة الوزارة القريبة للتنفيذ، ونحن نعرف ونقدر نشاط وحماس وزيرة الصحة، ونثق فى أنها ستهتم باجتثاث هذا المرض من مصر المحروسة.


Tuesday, September 15, 2020

فيس بوك: أعجوبة القرن الواحد والعشرين بقلم د. محمد أبوالغار ١٥/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

الفيس بوك أصبح ظاهرة عالمية هامة لا يمكن إهمالها أو تفاديها، فهو مصدر للأخبار والحوادث، وناقل للثقافة والفن والتاريخ، وأداة سياسية فى يد مجموعات كبيرة من البشر. وصاحب الفكرة ومخترعها يعد من أكبر أغنياء العالم بسبب حجم الإعلانات. أهميته تختلف من بلد إلى أخرى. فى البلاد المتقدمة، فى أمريكا وأوروبا الغربية، ليس له هذه الأهمية الكبرى، فهو ليس مصدراً للأخبار، لأن الأخبار تذاع كل ثانية فور حدوثها على الفضائيات وفى الراديو وفى الصحف المنشورة والمقروءة على النت، وأهميته أكثر فى البيزنس. أما فى بلاد العالم الثالث التى لا يشاهد أهلها نشرة الأخبار على التليفزيون الوطنى والتى انهارت فيها الصحف تماماً وأصبحت غير مقروءة، وكتب شهادة وفاتها وباء الكورونا، البعض يقرأ فقط مقالات الرأى أو الرياضة والفن على النت. الناس لا يقرأون الصحف لأنها متطابقة وليس بها شىء يهم القارئ، والأخبار الهامة موجودة على وسائل التواصل الاجتماعى، وغير موجودة فى الصحف التى أفلست، ولولا المليارات التى تضخها ميزانيات الدول لأقفلت أبوابها منذ زمن طويل.

فى دول العالم الثالث هناك جمهور كبير يشاهد قنوات تذيع برامج ترفيهية أو قنوات من دول سياستها معادية لدولته. الفيس بوك يختلف ويتميز عن التليفزيون بأن المواطن يكتب وينشر ويشارك بنفسه ويشعر بأهميته وأنه عضو فاعل فى صياغة الأخبار أو نشرها، وهذا يعطيه شعور بقيمته. وكثير من النشطاء على الفيس بوك عندهم مواهب رائعة فى الكتابة والبعض عندهم معلومات عامة ثقافية وتاريخية وفنية متميزة.

ولأن الفيس بوك سوق مفتوحة للجميع، فهناك معلومات صادقة ومعلومات كاذبة بعضها عن جهل وبعضها عن عمد، وبالتالى فإن مصداقية الخبر على فيس بوك لابد أن يتم التأكد منها من أكثر من مصدر مختلف. أى خبر هام أو غير هام لا تريد أى دولة فى العالم الثالث إذاعته تجده بعد ثوان من حدوثه على صفحات فيس بوك مضخماً مكبراً، بينما لو تركت الأنظمة هذا الخبر للنشر فى وسائل الإعلام كان سيتخذ حجماً يتناسب مع أهميته. صحيح أن إدارة فيس بوك عندها متابعة لحذف أى تطاول أو استخدام ألفاظ أو صور خارجة، ولكن ذلك من الناحية الفعلية لا يتم دائماً، وهناك اختلافات فى التقدير. أى معلومة تنشر فى الصحف العالمية تجد من يضعها على فيس بوك فى ثوان، وبالتالى هو مرآة لما يحدث فى الدنيا.

الفيس بوك يعطى القارئ صورة غير حقيقية عن موقف الأغلبية تجاه القضايا المثارة. فأنت تختار أصدقاءك وغالباً ما تكون أفكارهم مماثلة لأفكارك وحين تقرأ آراء الأصدقاء والمتابعين قد تعتقد أن الشعب كله يؤمن بآرائك وأفكارك. والحقيقة أن ردود الأفعال هى مرآة لأفكارك وربما تكون مجموعتك أقلية صغيرة فى المجتمع.

من خاصية الفيس بوك أنه يمكنك أن تشطب أحد الأصدقاء وتمنعه من التواصل معك ويعتبر البعض أن ذلك إهانة، ولكن الواقع أنك إذا أردت أن تستمع إلى رأى مخالف لمجموعتك المتشابهة التى اخترتها بنفسك يجب أن تترك الفرصة للرأى الآخر بعيداً عمن يرددون ألفاظًا قبيحة وخارجة.

هناك ما يسمى بالكتائب الإلكترونية، وهى مجموعة موجودة على الفيس بوك فى اتجاه معين، يكون فى الأغلب الهجوم على شخصية محددة أو على بوست بعينه، أو يكون مدحا فى زعيم أو وزير أو شخصية عامة. هذه الكتائب قد تكون محترفة وموظفة من إحدى الجهات الأمنية فى دولة ما وتتقاضى أجراً عن رصد البوستات المعارضة والهجوم المنظم على فكرة أو شخصية. هذا النوع من الكتائب فقد أهميته، لأنه أصبح مكشوفاً للغاية ويؤدى إلى تأثير عكسى بهجوم مضاد من أعداد غفيرة غير منظمة، وهناك كتائب تعمل لحساب فكرة أو حزب معين وإحدى الأمثلة كتائب جماعة الإخوان المسلمين. وهناك كتائب من دول معادية تهاجم نظام الحكم فى دولة ما بالحقائق والأكاذيب ولا مانع من بعض الشتائم.

والأمر التالى هو إدمان الفيس بوك. فهذا الاختراع يغرى بالتواصل معه ساعات طويلة قد تصل إلى حالة الإدمان، بحيث يكون وقت الفراغ كله مخصص للفيس بوك، وربما فى وسط العمل يستقطع المدمن وقتاً كثيراً لمتابعته. بالتأكيد الحياة ليست فيس بوك فقط، وهناك أمور كثيرة رياضية وثقافية وفنية واجتماعية نحتاجها لملء أوقات الفراغ ونشعر أثناءها بسعادة مختلفة عن سعادة متابعة فيس بوك وتكون أكثر عمقاً.

الأمر ليس سهلاً لأن إغراء الفيس بوك كبير، وهو أحياناً كثيرة يشبه حب الإنسان للنميمة والتصنت على الغير أو معرفة أسرار الآخرين.

على كل اللامعين والنابهين والذين يكتبون بوستات رائعة يعجب بها الآلاف أن يأخذوا حذرهم، لأنهم جميعاً عندهم قدرات متميزة ويجب ألا تضيع فى ساعات طويلة على فيس بوك. ولكن هناك أشياء هامة وقضايا جوهرية لا يوجد مكان ولا ناس تدافع عنها خارج الفيس بوك، فهنا توجد ساحة هامة للدفاع عن الحق وعن المظلوم وعن الإنسان حتى يستمر إنساناً.

إذا عرفنا أن عدد المصريين المتصلين بالإنترنت هو ٤٥.٢ مليون، وأن عدد الموجودين على قائمة الفيس بوك فى مصر هو ٣٥ مليون، منهم ٢٢ مليون ذكر و١٣ مليون أنثى فيجب أن تعرف أن الفيس بوك يفوق آلاف المرات أهمية الفضائيات والصحف، وأى محاولة من أى حكومة فى حجب معلومة أو خبر عن الإعلام، فلتعلم أن الخبر الذى منعته منشور بالفعل على كل وسائل التواصل.

التكنولوجيا الحديثة للمعلومات ليس لها سقف وفى غضون سنوات وربما شهور سوف تكتشف وسائل وطرقًا جديدة لنقل المعلومة لا يمكن منعها وهذا جزء هام من تقدم البشرية.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


هوليوود الشرق لا تنتظر اعترافك - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 9/2020 /14

 من حق الفنان السورى أن يقول إن الدراما السورية أقوى من الدراما المصرية، الفن وجهات نظر، وإذا كان يرى ذلك فهذا مجرد رأى يحترم ويناقش، والذى يحسم هذا الخلاف هو ملعب الجمهور المتلقى، الموضوع بسيط ولا يستدعى الغضب، لكن أن يخرج فنان سورى ليقول إن أخلاق الفنان السورى أفضل من أخلاق الفنان المصرى، هنا لا بد من وقفة محاسبة، وطلب اعتذار، الفنان السورى يزن السيد خرج علينا فى أحد البرامج مهاجماً الفنان خالد النبوى، الذى كان يمثل معه «يزن» فى «ممالك النار»، ظل يهاجمه ويتهمه بأنه إنسان متعالٍ لا يصافح زملاءه عند دخوله البلاتوه.. إلخ، وبغض النظر عن أن خالد النبوى إنسان متواضع وليس بتلك العجرفة التى يتحدث عنها، ولكن هو حر فى رأيه، وهذا خلاف شخصى من الممكن أن يكون نتيجة غيرة أو لحظة عصبية، ليس هذا هو الموضوع، لكن أن يخرج من تلك النقطة ليعمم ويطلق أحكاماً جائرة فى حق الفن المصرى والفنانين المصريين قائلاً: «إن أخلاق الفنانين السوريين أفضل من أخلاق الفنانين المصريين»، السؤال: من أين لهذا الممثل بالترمومتر الذى يقيس به الأخلاق والذى عرف بواسطته أن أخلاق الفنان السورى أفضل؟!!، نحن نحترم الفن السورى، ونحب الدراما السورية، ونصفق لدريد لحام وأيمن زيدان وسلوم حداد وجمال سليمان.. إلخ، وطوال عمر مصر، هوليوود الشرق، تفتح حضنها الواسع لاستقبال فنانى سوريا دون أى غضاضة أو عنصرية، القائمة طويلة من فريد الأطرش وأسمهان إلى أصالة ورغدة، وهناك فنانون مصريون ترجع أصولهم وجذورهم إلى سوريا، كانوا نجوماً يشار إليها بالبنان، مثل أنور وجدى وسعاد حسنى، لم يكن هذا الموضوع مطروحاً أصلاً على الساحة، لكن خروج هذا الفنان، حتى ولو كانت شهرته متوسطة، بهذا التصريح الأحمق، ليس من الذوق أو اللياقة أو الحقيقة، وعيب جداً أن يقال، وأن يمر مرور الكرام، على هذا الفنان أن يتذكر نداءات الإذاعة: «صوت العرب من دمشق» و«هنا دمشق من القاهرة»، مصر لا تمن على أحد، ولا تستعرض بقواها الناعمة، على العكس هى تمنح وتدعم الوطن العربى كله بكتيبتها الفنية ومبدعيها الكبار، دون أى شوفينية أو عقد نفسية، نحن لا نقول إن الفن المصرى الآن بلا عيوب، أو إنه كامل الأوصاف، لكن الأحكام الأخلاقية مرفوضة، والتعميم مذموم، وبث بذور الفرقة بين شعبين ظلا طوال العمر جسداً واحداً فى وطنين، ووطناً واحداً فى قارتين، برغم هذا التصريح وغيره من التصريحـات اللزجة المستفزة، إلا أن الفن المصرى أكبر من كل تلك الترهات، ولكنى أنتظر من الفنانين السوريين الكبار لوماً وتأنيباً وعتاباً لهذا الممثل، وستظل مصر وسوريا قلعتين فنيتين محصنتين ضد أى شرخ نتيجة تصريح أهوج هنا أو هجوم أحمق هناك.


Sunday, September 13, 2020

أسباب ونتائج التزايد السكانى بقلم الأنبا موسى ١٣/ ٩/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

تحدثنا فى العدد الماضى عن أولاً: ضرورة تنظيم النسل، وذكرنا أن هناك ضرورة عامة، وأخرى خاصة، ونستكمل موضوعنا:

ثانيًا: أسباب الزيادة السكانية فى مصر

١- نقص معدل الوفيات: وذلك بسبب التقدم الطبى والرعاية الصحية.

٢- الزواج فى سن مبكرة: تقول الإحصائيات إن الريفى يرى فى الزواج (سترة). ولذلك يسرع الريفيون فى تزويج بناتهم، وحيث إن سن الإنجاب هو من ١٥- ٤٥ يزداد عدد الأولاد فى الريف عن المدن.

ومعروف أن الزواج المبكر مشكلة للزوج والزوجة حيث لا يقدران مسؤولية الزواج وتربية الأطفال.

والزواج المبكر لا يحمى الفتاة من الفساد، بل هناك الوعى، والأمانة الروحية، والتربية السليمة..

٣- كثرة الأولاد عزوة ومعونة: يرى الريفى فى كثرة الأولاد «عزوة» (أى مصدر قوة)، ومعونة فى الحياة اليومية، وبخاصة فى الزراعة فى الريف المصرى.

٤- كثرة الأولاد أمان للمرأة: فهى خوفًا من الطلاق (تربط) زوجها بالأولاد، حتى لا يتجه نحو غيرها إذ يصير مسؤولاً عنهم طوال العمر.

٥- تعدد الزوجات وكثرة الطلاق: إذ يسفر عن مزيد من الأطفال.

٦- انتشار الأمية خصوصًا بين النساء: فلا يوجد وعى صحى أو تربوى، مع جهالة فى استخدام وسائل تنظيم الأسرة، أو حتى فى مجرد الوعى بها وبأهميتها. كما أنهم لا يفكرون فى تطوير حياتهم وتنمية أولادهم ثقافيًا واجتماعيًا بالطبع.

٧- عدم توافر وسائل الترفيه فى القرية: أدى إلى أن تصير العلاقات الزوجية هى الوسيلة المتاحة بدرجة أكبر وأسهل.

٨- انخفاض مستوى المعيشة: يجعل الزوجين غير قادرين على ضبط النسل، والرعاية الصحية والطبية اللازمة.. رغم جهود الدولة فى جعل كل ذلك نظير مقابل رمزى بسيط للغاية.

ثالثًا: نتائج التزايد السكانى

١- انخفاض دخل الفرد: وذلك لكثرة العرض وقلة الطلب.

٢- البطالة: استحالة استحداث أعمال لكل هذه الأعداد.

٣- عدم كفاية الخدمات: الطعام والمسكن والملابس والمستشفيات والمدارس والمواصلات.. إذ ليس فى طاقة الدولة خدمة كل هذا العدد.

٤- ضعف صحة المرأة: نتيجة جهد العمل، والإنجاب، والتربية، ورعاية الأسرة، والمنزل.

٢- الضرورة الخاصة:

ونقصد بها ظروف كل أسرة.. فهناك أبعاد هامة يجب أن نضعها فى اعتبارنا اليوم.. بصفة عامة (لها استثناءات قليلة).

أ- جهد المرأة المعاصرة: لاشك أن هناك فرقا كبيرا بين الجهد الجسمانى والعصبى للمرأة المعاصرة، والمرأة منذ ٥٠ سنة.. فالمرأة المعاصرة عاملة، تقضى نصف اليوم، وربما أكثر، فى عملها، وعمل المرأة أصبح واقعًا عصريًا لا يهم فقط اقتصادات الأسرة، لكن اجتماعياتها، وأسلوب تربيتها لأبنائها.. كذلك فالمرأة المعاصرة ليست لها القوة البدنية التى كانت للمرأة منذ نصف قرن.. وذلك بسبب ضغوط الحياة والتعليم والمجتمع والإعلام... إلخ.

- لذلك لا تستطيع المرأة المعاصرة إنجاب الكثير من الأطفال دون تأثير بالغ على صحتها الجسدية والنفسية والروحية، وعلاقاتها بالمجتمع وحركة الحياة.

ب- جهد التربية المطلوب: فهى- بالقطع- لا تستطيع، مع زوجها المشغول بالعمل فترتين أحيانًا كل يوم، أن تربى أولادها حسنًا لو ازداد عددهم، سواء من جهة حياتهم المدرسية أو الروحية أو الاجتماعية أو حتى الصحية.

- إننا لا يمكننا أن نُحمِّل المرأة أحمالاً عسيرة الحمل، دون أن نحركها بأحد أصابعنا.. الأمر الذى سبق أن انطبق على الدولة أيضًا!

- فإن كان الرب سيسألنا عن أولادنا وما قمنا به نحوهم من جهد: تربوى، روحى، نفسى، واجتماعى، فمن العدل والمنطق أن نكتفى بعدد قليل من الأولاد، نحسن رعايتهم وتربيتهم، فليس المهم (كم) الأولاد ولكن المهم (كيفهم).. وقديمًا قال الحكيم: «لا تشته كثرة أولاد لا خير فيهم، ولا تفرح بالبنين المنافقين، ولا تسر بكثرتهم إذا لم تكن فيهم مخافة الرب» (سى ١:١٦).. «ولد واحد يتقى الرب، خير من ألف منافقين» (سى ٣:١٦).

- أضف إلى جهد التربية الروحية جهد التربية التعليمية والنفسية للأولاد.. إذ يحتاج الوالدان لرعاية أبنائهما دراسيًا ومساعدتهم فى الواجبات المدرسية الثقيلة، خصوصًا مع ضعف التحصيل المدرسى الآن.

ج- الجهد الاقتصادى المطلوب: فلاشك أن الظروف الإقتصادية الآن تجعل تكلفة رعاية الطفل أكبر بكثير مما مضى، سواء فى الحمل، أو الولادة، أو الرضاعة أو التغذية، أو التعليم، أو الصحة، أو التربية الجسمية والذهنية والنفسية والاجتماعية.

- الطفل الآن لابد من دخوله الحضانة منذ السنوات بل ربما الشهور الأولى من ميلاده، حتى يتفتح ذهنه، ويصير كأقرانه قبل دخوله المدرسة، قادرًا على التعلم واللعب والتفاعل والنمو الذهنى والتحصيل الدراسى، وإلا تعرض لإحباط رهيب لو أنه خرج من البيت إلى التعليم الابتدائى مباشرةً، إذ يرى نفسه أقل من أقرانه فى أمور كثيرة.

- ماذا أيضًا عن مصاريف التعليم، والملبس اللائق، والسكن، والصحة، والمواصلات.. مجرد بند الدروس الخصوصية والسناتر أصبح رهيبًا، ومن العسير التخلص منها، ليس فقط بسبب احتياج الطفل والشاب لها كبديل للمدرسة، ولكن أيضًا لأسباب نفسية، إذ يرى الطالب نفسه غريبًا عن أقرانه، فالجميع يأخذون دروسًا خصوصية، وهكذا يخاف أن يتخلف عنهم، فيأخذها بدافع نفسى محصن، فى كثير من الأحيان.

- ماذا عن تكدس السكن، الذى صار الآن محدود المساحة جدًا.. كيف يتنفس الأولاد، وكيف يراعون التباعد الاجتماعى فى أيام كورونا هذه، وكيف يتحركون ويلعبون؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! هذا ضار جدًا بنفسية الأجيال الصاعدة، وبحياتهم الأسرية والمجتمعية!!

- إن بند (الألعاب الذهنية) المطلوبة للأطفال، ومواقع التواصل الاجتماعى أصبح يحتاج الكثير من المال، لشراء باقة الإنترنت، وكذلك إمكان اشتراكهم فى نوادٍ جيدة، تبنى أجسادهم وأعصابهم ونفوسهم وعلاقاتهم.

- وها قد تأخرت سن الزواج، وأصبح (الأولاد والبنات) يستمرون فى بيت الأسرة لسنوات طويلة، وينتظرون من الوالدين إسهامًا فى تكاليف الزواج الضخمة، التى كثيرًا ما تستعصى عليهم.

د- تناقص نسبة الوفيات: كانت الأمهات- فى الماضى- يلدن العديد من الأطفال، وكانت نسبة وفيات الأطفال مرتفعة جدًا. أما الآن، وبسبب الرعاية الصحية والتعليم، انخفضت هذه النسبة للغاية. لذلك فإن كان تنظيم الأسرة غير مناسب فى الماضى لوفاة أكثر من نصف الأولاد، إلا أنه الآن أصبح ضرورة، وإلا شاهدنا انفجارًا سكانيًا رهيبًا.. بالإضافة إلى متاعب التربية بمشتملاتها.

- أمام هذه الضرورات العامة والخاصة كان لابد من تنظيم الأسرة لنحصل على النسل الصالح، الذى يمجد الله، ويهتم بحياته ونموه، ويسهم فى بناء وطنه.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية