Translate

Friday, December 30, 2016

محمد أبو الغار يكتب: ٢٠١٦.. فعلاً سنة كبيسة - ٣١/ ١٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

ربما كان هذا العام هو أسوأ عام مر بمصر منذ كارثة ١٩٦٧. هذا العام ازداد الفقراء فقراً وانضمت الطبقة الوسطى إلى منظومة الفقر، والشريحة العليا من الطبقة الوسطى أصبحت فى مرحلة معاناة شديدة لتعليم الأولاد، وأصبح مرض أحد أفرادها يعنى الانهيار الاقتصادى للأسرة للأبد. انخفض الجنيه المصرى للنصف بسبب تصرفات اقتصادية خاطئة من القيادة، وللأسف نفس السياسة مستمرة.
فى هذا العام الكئيب أصدر مجلس النواب قانون الجمعيات الأهلية الذى كان غرضه أن نحجم جمعيات حقوق الإنسان فأصدر قانوناً يقضى على مساعدة الفقراء وعلى الجمعيات التى تطعم مئات الآلاف من المصريين، والتى تعلم أطفال مئات القرى والتى تحاول أن تمحو أمية المصريين ومنع العون عمن يحاول علاج الفقراء، وحتى جمعيات نقل الموتى سوف تتوقف عن العمل لأن التبرع لكل هؤلاء أصبح غاية فى الصعوبة، ويُعرض من يعملون فى العمل التطوعى ومن يساعدهم للمساءلة الجنائية. حقاً إنها دولة تقتل نفسها بنفسها، المشروع الذى لم تقرأه وزيرة التضامن ولا سمع به مجلس الوزراء كارثة، وربما تعود الدولة إلى رشدها.
فى هذا العام مازال نظام السيسى يريد التنازل عن تيران وصنافير ضد أحكام القضاء ورغبة شعبية عارمة، وكأن الشعب والقضاء تابعون لدولة أخرى. وتنص المادة ١٥١ من الدستور: «يجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن اى جزء من إقليم الدولة». والمادة ١٣٩: «يلتزم رئيس الجمهورية بأحكام الدستور...» إلخ، والمادة ١٥٩: «اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور...» إلخ.
النظام يغلق الحريات بسرعة فائقة لتصبح مصر سجناً كبيراً ولا يعلم أن العالم تغير.
مجلس النواب يدار ويشرع بطريقة سوف يكتب عنها التاريخ القريب والبعيد حكايات، بعضها كارثى وبعضها فكاهى.
يريد المجلس أن يقوم بتغيير قوانين القضاء حتى يعين الرئيس من يريد رئيساً لكل هيئة قضائية، وتخلياً عن نظام الأقدمية. القضاء يرفض والأمن مصرّ. إنها كارثة تلو الكارثة.
قال السيسى بعد انتخابه للشعب انتظروا عامين ومصر سوف تصبح حاجة تانية. وفعلاً أصبحنا حاجة تانية ولكن للخلف در. وقال فى بورسعيد انتظروا ستة أشهر، وبالطبع لا أحد يصدق شيئاً.
مجلس النواب يفكر الآن فى تغيير الدستور لتمد مدة الرئيس ثم فى مرحلة أخرى لإلغاء بند المدتين. حاجة تكسف أن يؤسس المجلس للديكتاتورية ويريد أن يعيد نظام مبارك ويتمنى أن يحكم السيسى مدة مماثلة.
التاريخ يقول إنه لا توجد دولة حكمها الأمن وأفلحت.

خالد منتصرر - رأى الدين فى تصدير الجحش للصين! - جريدة الوطن - 31/12/2016

فجأة رق قلب وزارة الزراعة على الحمار المسكين وانضمت إلى جماعة الراحل توفيق الحكيم للدفاع عن حق الجحش الغلبان المتحمل لجميع الأهوال فى موت شرعى حلال، فجأة طق ونفر عرق الورع والتقوى فى الوزارة التى خرج منها وزير سابق إلى السجن، نتيجة كثرة ورعه وفيض إيمانه الذى وصل إلى حد طلب الرشوة برحلات الحج له ولأقاربه!!، المهم أن الوزارة أجّلت صفقة تصدير الحمير المصرية إلى الأراضى الصينية، انتظاراً لرأى الدين الشرعى من خلال دار الإفتاء، وصرّح مصدرها الذى يشع نور الإيمان من زبيبة جبهته بأن «الوزارة تنتظر رأى دار الإفتاء المصرية فى تصدير الحمير الحية إلى الصين»، وأنهم يعدون حالياً مذكرة لاستطلاع الرأى الشرعى فى ما يتعلق بمدى مشروعية تلك التجارة، خصوصاً أنه من المعروف أن تلك الحمير ستُقتل فى الصين للحصول على جلودها!!، قال مسئول وزارة الزراعة جملته الأخيرة وهو يذرف الدمع الساخن على ما سيحدث لحميرنا فى بلاد بوذا وكونفوشيوس غير المتديّنة بالفطرة، فى نفس الوقت الذى فى أسفل نافذة مكتبه يرقد حمار مثخن بالقروح يضربه العربجى بالكرباج ليجر خمسة أطنان على عربية كارو فى مطلع طريق!!، أنا شخصياً أحب الحمار المصرى وتبكينى نظرته المنكسرة، لكنى أتساءل: ما هذا الهوس الذى أصاب المصريين فى طلب الفتوى عن كل ما هب ودب من الأمور؟، ما تلك الهشاشة الفكرية والكساح الثقافى والحول القيمى الذى أصابهم فباتوا كأطفال الحضانات وأجنة الأرحام، لم ينقطع حبلهم السرى بعد، يموتون لو انقطعت كهرباء حضانة الفتوى عنهم؟!، وصلنا إلى حد الهزل والعبث فى هذه الحالة من الاعتمادية المزمنة وفرمتة الأمخاخ فى طلب الغوث من دار الإفتاء أو داعية التليفزيون أو الزيرو تسعمية.. إلخ، لقد وصلنا إلى حد أن أشاهد وأسمع سؤالاً من امرأة تسأل الشيخ: هل خلع ملابسها أمام كلب ذكر حرام؟!، وتتوالى طلبات الفتاوى وكأنها أطواق النجاة لغرقى المحيط، من تهانى الأعياد للنصارى وتوصيل القساوسة إلى الكنائس بالسيارات إلى مشاهدة ميكى ماوس وقيادة المرأة للسيارة، مروراً بأكل الجراد وزرع صمام القلب المأخوذ من الخنزير وارتداء البوركينى وفرد الشعر بالكيراتين ولبس الباروكة وتغطية شحمة الأذن بالخمار وتكبير الثدى وتناول الفياجرا والنوم على الجنب الأيسر وممارسة الجنس مع زوجة مسيحية بحب وود، وحكم مسح الجرح بالكحول ووضع المانيكير على الأظافر.. إلى آخر حالة الهستيريا والفصام التى نعيشها بعد زمن النفط الدينى والمؤلفة جيوبهم من سماسرة الفتاوى ودعاة الفتنة، ويا ليت الفتوى توقفت عند حد شخص يطلب من شيخ وإنما هى للأسف دولة مغيبة متدروشة تطلب من دكاكين فتاوى تليفزيونية وبوتيكات نسخ إسلام وهابية!!، ولكم فى قانون زرع الأعضاء أسوة سيئة، ظل قابعاً فى أدراج البرلمان تلو البرلمان ربع قرن، ولم يفعل حتى هذه اللحظة، لأن الشيخ فلان قد أفتى والشيخ علان ما زال يفكر ويفكر، ومجمع كذا ما زال شيوخه يتناقشون، وهيئة كيت ما زالت تستطلع رأى الدين!!، والمرضى يموتون والفقراء يبيعون أعضاءهم والدولة مرتعشة تخاف أن تدخل جهنم أو يكنس عليها الشيخ فلان السيدة زينب ويدعو على وزرائها ومسئوليها بأن تشل أياديهم وترتخى نشوة أجسادهم ويصبحون بركة فى بيوتهم!!، أعتقد أنه قد آن الأوان لهذا الوطن الطفل أن يخلع «البامبرز» ويترك يد الأب ويقرر مصيره بنفسه وبدماغه وبعقله الذى تجمّد فى «فريزر» الفتاوى، بالطبع سيتعثر فى البداية وهو يحبو، لكنه حتماً سيستطيع المشى دون أن يستند إلى جدار فتوى معطلة أو مشاية كهنة معرقلة، كل مهمتها وفائدتها أنها تقوس ساقيه!!.


د. عماد جاد - الفساد فى بر مصر - جريدة الوطن - 31/12/2016

تتعرض مصر منذ آلاف السنين لعملية نهب منظم لثرواتها وخيراتها، فمن سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية إلى إنقاذ الجزيرة العربية من المجاعات، إلى نهب ثرواتها وكنوزها وتراثها وعمالتها الماهرة على يد الاحتلال العثمانى البغيض وصولاً إلى عملية النهب المنظم من خلال منظومة الفساد المستشرى فى كافة قطاعات ومؤسسات الدولة المصرية. تعرضت مصر طوال تاريخها، وتحديداً مع بدء فترات الضعف، للاحتلال المتواصل من قبل قوة أجنبية، وكان النهب يتم من قبل أجنبى لمصلحة بلاده وأهله، وهو النهب الذى أضعف كثيراً من قدرات الدولة المصرية ونهب ثرواتها وخيراتها بل وكنوزها الأثرية، لكن الأخطر فى تقديرى هو الفساد المنظم الضارب بجذوره فى أعماق مؤسسات الدولة المصرية وأجهزتها المختلفة، بحيث صار الفساد منظومة متكاملة ومترابطة. وفى تقديرى أن الفساد موجود فى كافة التجمعات البشرية والمجتمعات الإنسانية، ويختلف من مجتمع إلى آخر حسب معدلات انتشاره وقوة مقاومته، فكلما ضعفت قوة المقاومة، زاد الانتشار وضرب بجذوره فى أعماق المؤسسات والهيئات، وأحسب أن منظومة الفساد استشرت فى البلاد بعد حركة الجيش فى يوليو ١٩٥٢ ووأد التجربة الديمقراطية التى بدأت عقب دستور ١٩٢٣، ووضع بنية القطاع العام، ثم تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، وهيكل المرتبات والأجور الذى كان يسمح بمكافآت تمثل عشرات أضعاف الرواتب، إضافة إلى توزيع المناصب على الأقارب والمحاسيب وضرب الهيئات الرقابية وتصاعد دور الأمن وتغلبه على ما عداه من أدوار. استمر التدهور الشامل فى كافة القطاعات والمؤسسات وكان التحول إلى سياسة الانفتاح عام ١٩٧٤ فى عهد السادات بمثابة تسليم البلد للفسدة والفاسدين، وتغلغل الفساد فى كافة القطاعات والمؤسسات، وبدء عملية نهب ثروات البلاد من خلال ظهور رجال أعمال دخلوا فى علاقات مع مؤسسات الدولة وتمت خلالها عملية نهب منظم لثروات البلاد، وجاءت سياسة الخصخصة، أو بيع القطاع العام للقطاع الخاص لتشهد أكبر عملية نهب لثروات البلاد، فقد تم بيع الشركات والمصانع والهيئات العامة التى أنشئت بأموال الشعب، بأثمان بخسة لمصلحة عدد من رجال الأعمال الذين وجهوا جزءًا من المدفوعات لصالح الشخصيات المشرفة على عملية البيع وكان الدفع يتم عبر فتح حسابات بنكية خارج البلاد. وطوال هذه المرحلة كان هناك غطاء سياسى للفساد عبر انخراط عدد من رموز النظام وأسر المسئولين فى عمليات الفساد من ناحية وتصريحات القيادة السياسية التى عادة ما تتراوح بين التأكيد على أن الفساد ظاهرة إنسانية موجودة فى كافة المجتمعات أو أن الحديث عن الفساد مبالغ فيه بشكل كبير.
وطوال الوقت كان هناك الفساد الأعظم والخطر الأكبر وهو فساد البيروقراطية الذى يضيع على الدولة مليارات الجنيهات سنوياً نتيجة التضحية بحقوق الدولة مقابل رشاوى مالية وعينية، وفساد البيروقراطية المصرية يفوق نظيره فى أى مكان آخر، فالفساد يبدأ من رأس النظام إلى أصغر موظفى الدولة، يبدأ من المسئول الأول كما كان حال السادات ومبارك ويصل إلى أصغر مسئول، لا يستثنى قطاعاً واحداً من قطاعات الدولة المصرية، فالفساد قابع فى عمق مؤسسات القضاء، الشرطة والبيروقراطية، هناك من يتغاضى عن حقوق الدولة مقابل رشوة مالية أو عينية وربما جنسية، وهناك من يعرقل مشروعات الدولة فى أمس الحاجة لها لأنه لم يحصل على رشوة، وهناك من يفرط فى حقوق الدولة مقابل رشوة.. وحتى يومنا هذا الفساد منتشر ومستشرٍ فى مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، صحيح أن الرئيس يبذل جهداً كبيراً ويتحدث على الدوام عن مواجهة الفساد، إلا أن الحرب الحقيقية على الفساد لم تبدأ بعد، فالحرب على الفساد لا بد أن تكون مؤسسية، بمعنى تغليظ العقوبات فى التشريعات من ناحية، وإطلاق يد الجهات الرقابية فى العمل لتطهير مؤسسات الدولة المصرية وبيروقراطيتها بشكل كامل.
مصر تتعرض للنهب من آلاف السنين وآن أوان بدء معركة حقيقية لوقف هذا النهب المتمثل حاليا فى الفساد المستشرى داخل مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، وإذا تم ذلك فسوف تكتفى مصر ذاتياً ولن تحتاج إلى مساعدات أو قروض بكل ما تفرضه عملية الحصول عليها من تنازلات!!!!!!


خالد منتصر - الإخوان يبررون قتلهم للنقراشى - جريدة الوطن - 30/12/2016

فى ٢٨ ديسمبر من كل عام، مع ذكرى اغتيال النقراشى باشا، الذى اغتالته يد عصابة الغدر الإخوانية، تنطلق ماكينات الإخوان الإعلامية لتبرير تلك الجريمة النكراء وتجميل صورتهم وتقديم أنفسهم لنا على أنهم ضحايا وأبرياء وأن النقراشى كان الذئب المفترس وهم الحملان الوديعة!!
برر الإخوان قتلهم للنقراشى بمبررات كثيرة متهافتة، على رأسها أنه فتح كوبرى عباس على الطلبة ولموقفه من قضية فلسطين!! تعودنا منهم الكذب ولكننا للأسف نمتلك ذاكرة السمك وسرعان ما ننسى ويخرج علينا دعاة المصالحة معتمدين على أننا أقدم شعب وأضعف ذاكرة. كانت قد وصلتنى رسالة منذ فترة من د. هدى أباظة، حفيدة محمود فهمى النقراشى، ترد فيها على هذا اللغط وتلك الأكاذيب، تقول الرسالة:
لقد كشف لى ما التبس لدىّ من الأمر عندما سألتنى إحدى الزميلات الفضليات عما إذا كان سبب اغتيال «النقراشى» هو فتح كوبرى عباس، وتساءلت بدهشة عن مصدر هذه المعلومة «الخطيرة»، وسوف أحاول مرة أخرى التوقف عند بعض النقاط على الرغم من أننى لست واثقة إذا كان من المجدى الرد على جميع المهاترات التى وردت فى موسوعة الإخوان، لأنها موجهة لمن عميت بصيرتهم وعقولهم {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور}. إن أسطورة كوبرى عباس المنسوبة لـ«النقراشى» قد فرضت نفسها فرضاً نتيجة للماكينة الإعلامية للإخوان الذين لم يكتفوا باغتيال الرجل فظلوا يطاردون ذكراه العطرة بأكاذيب لا تنطلى إلا على الذين لا يقرأون التاريخ، وهم للأسف كثر، لقد اختلطت حادثة كوبرى عباس 1946 بالأحداث الأخرى التى جرت فى المسرح ذاته بتاريخ 14 نوفمبر من عام 1935 فى عهد وزارة توفيق نسيم الثالثة؛ كما اختلطت بالأحداث الدامية التى وقعت يوم 21 فبراير من العام نفسه (1946) حين تصدت سيارات بريطانية مسلحة لمظاهرات الطلبة بميدان الإسماعيلية (التحرير حالياً)، أما وقائع كوبرى عباس 1946، كما سردتها جريدة الأهرام (وقد كانت جريدة مستقلة، غير تابعة لأى حزب من الأحزاب) الصادرة فى 10 فبراير 1946، أى فى اليوم التالى لهذه الأحداث، فهى تخالف تماماً ما تم الترويج له من قِبل خصوم «النقراشى»، فقد كان كوبرى عباس مفتوحاً لمرور السفن الشراعية، مغلقاً للمشاة؛ ولقد أجبر الطلبة المهندس المختص على إغلاق الكوبرى حتى يتسنى لهم المرور إلى الضفة الأخرى للنيل؛ وقد تصدت لهم قوات الشرطة على الطرف الآخر من الكوبرى، وتعاملت معهم بعنف لم يسفر عنه على الرغم من ذلك مقتل طالب واحد، وقد كانت حالة الوفاة الوحيدة لطالب سقط تحت عجلات سيارة النقل رقم 26572. وقد سجل عبدالرحمن الرافعى -وهو بالمناسبة كان ينتمى لحزب مغاير لحزب «النقراشى»- أحداث هذا اليوم فى كتابه فى أعقاب الثورة المصرية. ثورة 1919 (الجزء الثالث، ص187 و188). بل ولقد أيدت رواية «الرافعى» شهادة أحمد عادل كمال فى كتابه «النقط فوق الحروف.. الإخوان المسلمون والنظام الخاص»، وهو أحد أعضاء الجهاز السرى لجماعة الإخوان المسلمين، رغم التناقض الواضح بين الألفاظ المنتقاة؛ فهو يقرر أنها كانت مذبحة لم يقتل فيها أحد، والواقع فإن مذكرة الأمن التى صدرت فى أعقاب هذه الأحداث قد حددت عدد المصابين من الطلبة والأهالى الذين اندسوا فى الإضراب بـ125 شخصاً، مقابل إصابة 46 من رجال البوليس. ولقد بادر «النقراشى» بتقديم استقالته بعدها مباشرة، أما الحديث عن موقف «النقراشى» من دخول حرب فلسطين فهو يطول، نكتفى بالقول إن «النقراشى» كان المسئول العربى الوحيد الذى كان رافضاً لدخول الحرب لأسباب عدة، لعل أهمها أنه كان معنياً فى المقام الأول بالقضية المصرية. ولقد كان قرار الهدنة الأولى فى هذه الحرب صادراً عن الأمم المتحدة، ولقد انصاعت له جميع الدول العربية التى كانت جيوشها مشاركة فى الحرب، ولعل السبب الرئيسى الذى دفع بمصر لقبول هذه الهدنة هو الضغط البريطانى، حيث هددت بريطانيا بقطع الوقود عن مركبات الجيش المصرى، وهو ما كان يهدد بتوقف العربات فى قلب الصحراء، والحديث عن اجتماع فايد فى 10 نوفمبر، فإنه لم يرِد إلا فى حديث أحد مؤرخى الإخوان الذى قال إنه لا توجد وثائق تدعم هذا الزعم، غير أنه واثق أن هذه الوثائق سوف تظهر (بقدرة قادر) يوماً ما!! وغنىّ عن التعقيب على ما فى هذا الكلام من استهانة بأبسط قواعد البحث العلمى، بل بالعقل. وتاريخ «النقراشى» نفسه كفيل بدحض مثل هذه الأكاذيب: فقد كان معلماً فى الوقت الذى انخرط فيه فى الحركة الوطنية؛ فقد كان أحد أبطال ثورة 1919، بل أحد أعضاء جهازها السرى الخطير، الذى وجد نفسه يوماً قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة، كما كان قبل انضمامه الرسمى لحزب الوفد أحد أهم منظمى الطلبة، حتى اتهمه الإنجليز بأنه كان المحرض الأساسى للطلبة على إضرابهم فى عام 1922 (يراجع فى ذلك الكتاب المهم للدكتور سيد يوسف عبدالله)، وفى الواقع فإننى لا أدافع عن رجل أشرُف بأن أكون حفيدته، فتاريخه ليس ملكاً لى، بقدر ما أدافع عن حق أبناء هذا الوطن فى أن يعرفوا تاريخه غير مشوه، وأن يعتزوا برموزه الذين قدموا حياتهم رخيصة له، وبقدر ما أدافع أيضاً عن مبدأ ضرورة الحفاظ على ذاكرة الأمة.

Thursday, December 29, 2016

خالد منتصر - حوار مع صديق عن الخلايا الجذعية - جريدة الوطن - 29/12/2016

جمعتنى جلسة على شاطئ القناة مع صديقى د. مصطفى قاسم أثناء زيارته القصيرة لمصر، د. مصطفى صار واحداً من أهم علماء الخلايا الجذعية فى العالم من خلال معمله فى إحدى جامعات الدنمارك، التى وفرت له كل الظروف ومنحت كل الدعم لباحثنا المصرى لكى يتميز فى هذا المجال ويصبح ممن يشار لهم بالبنان عند الحديث عن الخلايا الجذعية، انتهزت الفرصة وسألته سؤالاً مباشراً وواضحاً وأردت منه إجابة قاطعة: «ما حدود استخدامات الخلايا الجذعية فى العلاج الآن؟»، رد بحسم: «قولاً واحداً.. لا يوجد علاج بالخلايا الجذعية معترف به علمياً حتى هذه اللحظة إلا فى مجال واحد فقط ومحدد، فى سرطان الدم حين تعطى علاجاً كيماوياً ثم إشعاعياً عنيفاً، ثم تأخذ خلايا جذعية من نخاع العظم وتحقنها للمريض، والنتائج بالفعل مشجعة». طلبت منه التحديد أكثر وسألته «وماذا عن علاج ضمور العصب البصرى والشبكية بالجذعية؟»، كان الرد: «كلام فارغ ونصب وجريمة».
و«ماذا عن علاج العقم؟»، نفس الرد: «كلام فارغ ونصب ودجل وجريمة».
طلبت منه تحمل أسئلتى الساذجة.. و«ماذا عن علاج الشلل وألزهايمر وتليف الكبد.... إلخ بالجذعية؟»، رد د. مصطفى قاسم: «كل ما ذكرته من أسئلة من الشبكية حتى العقم والشلل ما زال فى إطار البحث ومعظمه فى مرحلة رقم واحد والبعض صعد إلى مرحلة التجريب على الحيوانات». لكن ماذا عن ألمانيا مثلاً والتى يُكتب كثيراً على الإنترنت أن فيها مراكز علاج بالخلايا الجذعية؟
رد د. قاسم بهدوئه المتأمل: «هو انت فاكر إن ألمانيا مفيهاش نصّابين؟»، كان ردى: «بس فيها قانون»، كانت المفاجأة أن قانونهم هناك للأسف فيه ثغرات ولوبى الأطباء هناك قوى ومراكز الخداع بالخلايا الجذعية للأسف موجودة.
وقال صديقى: «أشاهد فى الدنمارك ضحايا منهم»، وفى النهاية ليس كل خواجة ملاكاً، والمراكز قليلة ويضيّق عليها برغم قوة اللوبى هناك!!
شرحت له سبب أسئلتى المتكررة وإلحاحى الممل، وهو أن هناك عيادات كثيرة تحقن مرضى العقم بحقن الخلايا الجذعية بخمسين ألف جنيه، ومرضى تليف الكبد بستين ألف جنيه، ومرضى الشبكية الذين يعانون من العمى بسبعين ألف جنيه، ومرضى الشلل الرباعى بمائة ألف جنيه!!
اندهش وكاد يغمى عليه من هول المفاجأة وسألنى «إلى هذه الدرجة؟»، قلت له ولدرجة أن الإعلام يروج لهم بكل بجاحة فى بوتيكات برامجه على أنها فتوح علمية وغزوات عبقرية!!
امتد حوارى مع صديقى العزيز حول غياب انضباط المصطلحات والجهل بأبجديات العلم وعدم معرفة معنى الطب القائم على الدليل وعدم احترام مراحل اختبار الأدوية والعلاجات والسربعة فى إعلان نتائج الدواء نتيجة الشهوة الإعلامية وعدم الصبر على وسوسة العلم وشكه الذى يدفعه أحياناً لسحب الدواء من الأسواق بعد اكتشاف عرض جانبى خطير حدث لمريض فى أقصى بقاع الأرض!!
مرضى مصر مستباحون، واقعون بين شقى الرحى؛ مستشفيات تطلب منك شراء القطن والشاش، وعيادات تطلب منك بيع هدومك وبيتك لتعالجك بوهم الخلايا الجذعية!!

Wednesday, December 28, 2016

د. عماد جاد - الدين والسياسة فى مصر - جريدة الوطن - 28/12/2016

لمصر تاريخ عريق فى الخلط بين الدين والسياسة، فمصر القديمة شهدت تزاوج الدين والسياسة عبر علاقة الفرعون بكهنة المعابد، عبر انتساب الملوك للآلهة، وهو الأمر الذى وعاه بعض غزاة مصر الذين أرادوا كسب قلوب المصريين فنسبوا أنفسهم لآلهة المصريين. وعندما دخلت المسيحية مصر فى العقد السابع الميلادى (٦٢ ميلادية) وتحول غالبية المصريين إلى الديانة الجديدة، دافع المصريون عن عقيدتهم الجديدة فى مواجهة الرومان، ودفعوا مئات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن عقيدتهم لدرجة ظهور تقويم مصرى قبطى هو تقويم الشهداء المعمول به حتى اليوم الذى بدأ بعصر معروف باسم عصر الاستشهاد. وعلى الرغم من كون مصر دولة صغيرة ضمن العالم المسيحى فى ذلك الوقت إلا أنها صدرت للعالم نظام الرهبنة، الذى هو اختراع مصرى خالص، كما قادت أكبر عملية انشقاق فى المسيحية عندما تمسكت بالنص المقدس وحرفيته فكانت الأرثوذكسية التى ظهرت على يد بطريرك الإسكندرية، فلم تقبل مصر أن تكون مجرد رقم ضمن أرقام فى العالم المسيحى بل كانت الرقم الصعب. وعندما تحول غالبية المصريين إلى الإسلام تولت مصر قيادة العالم الإسلامى، منها ظهر الدعاة وعلى أرضها بنى الأزهر الذى يعد مرجعية الإسلام السنى فى العالم، من أرضها خرج المفسرون والشراح.
على أرض مصر التقت الديانات الإبراهيمية الثلاث، فإلى مصر جاء يوسف الصديق وعاش اليهود أربعة قرون على أرض مصر ومنها خرج موسى، وإلى أحضان مصر جاءت العائلة المقدسة وعاشت ثلاث سنوات ونصف السنة.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن علاقة مصر بالدين قديمة وسابقة على الديانات الإبراهيمية، ولعب الدين دوراً محورياً فى حياة المصريين، وكان ذلك مفهوماً ومبرراً على مر التاريخ، وهو الأمر الذى لم يعد كذلك بعد تطور البشرية وظهور النظم السياسية التى شهدت تقييد سلطات الحكام، فقد واصل حكام مصر توظيف الدين لخدمة حكمهم، حدث ذلك فى عهد النظام الملكى، وفى ثورة يوليو ١٩٥٢، وبرز ذلك بشكل واضح فى عهد السادات الذى كثف من جرعة توظيف الدين لخدمة السياسة، وغيّر مواد الدستور حتى تسمح له بالترشح لأكثر من دورتين عبر النص على اعتبار الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع، مارس اللعبة مع الجماعات الإسلامية المتشددة فدفع حياته ثمناً للعبه بورقة الدين. جاء «مبارك» من بعده ومارس نفس اللعبة مع جماعة الإخوان، فكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ومن بعدها أطلق يد الجماعات والتنظيمات الدينية لتسيطر على المشهد السياسى فى مصر بالكامل، وتولت هذه الجماعات السلطة وخلطت بين الدينى والسياسى وبدأت فى وضع أساس لدولة دينية فى مصر. أقل من عام واحد وثار المصريون مرة ثانية رافضين الحكم الدينى بل رافضين للخلط بين الدين والسياسة، مطالبين ببناء نظام سياسى ديمقراطى، مطالبين بالحفاظ على قدسية الدين بعيداً عن التجار والسماسرة، فقد كانت سنة حكم الجماعة ضارة بالدين كثيراً، حيث أدى كذب وزيف هذه الجماعات إلى صدمة فى أوساط الشباب ففر البعض منهم إلى الإلحاد.
نعم، لمصر والمصريين علاقة تاريخية بالدين وكثيراً ما جرى الخلط بينهما لمصلحة الحكام ورجال الدين، وكشفت تجارب الشعوب عالمياً وتجربة الشعب المصرى عام حكم الجماعة، عن ضرورة الفصل بين الدين والسياسة والتوقف عن توظيف الدين فى خدمة السياسة والحكام، إنها دعوة لفصل الدين عن السياسة لا عن المجتمع، هى دعوة لفصل المقدس المطلق عن الوضعى المتغير من أجل حفظ قدسية الدين من ناحية وبناء نظام سياسى ديمقراطى من ناحية ثانية.

خالد منتصر - «ابن طولون» صممه مسيحى و«البطرسية» رممها مسلم - جريدة الوطن - 28/12/2016

هزنى بشدة الحوار القصير الذى نشر فى الصفحة الأولى من «الوطن» مع عامل البناء المسلم إبراهيم زين، الذى يشارك فى ترميم الكنيسة البطرسية بكل حب وحماس، «إبراهيم» الذى يصلى يومياً الظهر والعصر داخل الكنيسة!، انتقل من الإسكندرية إلى القاهرة ليشارك فى الترميم، يعمل بفرح وليس بمجرد روتين وأكل عيش، لا بد أن تحس عندما تقرأ عباراته البسيطة الفطرية برعشة كهرباء سحر مصر الأصيلة تسرى فى جسدك، مصر التى ما زالت نواتها تحتفظ بجينات الإنسانية والضمير برغم كل التلوث الداعشى الذى أصاب السطح، يقول إبراهيم زين الإسكندرانى الجدع الذى لا يعرف طريق استوديوهات مدينة الإنتاج ولا رطانة ميكروفونات التوك شو «بنصلى لربنا وبنصلى على النبى وعلى ستنا مريم عليها السلام، أنا شخصياً مبسوط إنى شايف صورتها وباشتغل فى بيتها»!!، الله على جمال وصفاء وجدان هذا العامل البسيط المكدود، هذا المصرى الذى لم تسحق عقله فتاوى ياسر برهامى الكريهة، ولم تسمم روحه صرخات منع تهنئة الأقباط وتضييق الطرقات وعدم المودة!، لكن هل تاريخ مصر يبدأ من عند إبراهيم زين؟!، لنقرأ حكاية سعيد بن كاتب الفرغانى الذى صمم وشيَّد جامع ابن طولون أجمل وأروع مساجد مصر، يقول المؤرخون، وعلى رأسهم «المقريزى»، عن هذا المهندس القبطى المبتكر المبدع، إنه هو الذى صمم مقياس النيل بالروضة، إلا أنه كما يقول الكاتب جرجس بشرى، لسوء الحظ بينما كان ابن طولون يتفرج عليها عثر حصانه بكومة تراب أهمل العمال فى نقلها فغضب على الفرغانى وألقاه فى السجن، وأقتبس لكم حرفياً ما كتبه عنه المقريزى «والذى تولى لأحمد بن طولون بناء هذه العين رجل نصرانى حسن الهندسة، حاذق بها، وإنه دخل إلى أحمد بن طولون فى عشية من العشايا فقال له إذا فرغت مما تحتاج إليه فأعملنى لنركب إليها فنراها. فقال يركب الأمير إليها فى غد فقد فرغت، فتقدم النصرانى فرأى موضعاً يحتاج إلى قصرية جير وأربع طوبات، فبادر إلى عمل ذلك. وأقبل أحمد بن طولون يتأمل العين فاستحسن جميع ما شاهده فيها. ثم أقبل إلى الموضع الذى فيه قصرية الجير، فوقف بالقصد عليها، فلرطوبة الجير غاصت يد الفرس فيها فكبا بأحمد. ولسوء ظنه قدر أن ذلك لمكروه أراده به النصرانى. فأمر بشق عنه ما عليه من ثياب وضربه خمسمائة سوط وأمر به إلى المطبق (السجن)، وكان المسكين يتوقع الجائزة بدل ذلك دنانير، فاتفق له السوء»، فكر «ابن طولون» بعد ذلك فى بناء جامع يكون أعظم ما بنى فى مصر من الجوامع، بحيث يقيمه على 300 عمود من الرخام، فقيل له إن مثل هذا العدد من الأعمدة لا يمكن الحصول عليه إلا إذا هدمت كنائس ومعابد النصارى، وكانت هناك فتوى بتحريم ذلك، وبينما هو فى حيرة إذا برسالة من السجن يخبره فيها «الفرغانى» عن استعداده لبناء الجامع دون احتياج لأعمدة الكنائس، بل أكثر من ذلك بنى أجمل «ميضة» للوضوء بدلاً من استعارة أحواض اغتسال خميس العهد التى كانت فى الكنائس، ويقال إنه بعد بناء الجامع أجبره «ابن طولون» على اعتناق الإسلام فرفض فتم التخلص منه بجزاء سنمار!!، للأسف لو صحت تلك القصة عن ابن طولون لا بد أن نخرج منها بدلالة واضحة وهى أن التسامح يبدأ من الناس لا من الحاكم، والتغيير هو تغيير ثقافى قبل أن يكون تغييراً سياسياً، راهنوا على نواة المصريين الصلبة ولا تراهنوا على قشرة تجار وسماسرة الدين.

Tuesday, December 27, 2016

إغلاق برنامج إبراهيم عيسى.. إهانة للنظام بقلم د. محمد أبوالغار ٢٧/ ١٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

إبراهيم عيسى نجم كبير فى الإعلام المصرى وأحد نجوم الصحافة المصرية لعدة عقود، وأخيراً أصبح من كتاب الرواية. هو مصرى ذو مواهب متعددة، ولكنها فى الأصل ترجع إلى أنه صحفى قدير ومن طراز خاص.
إبراهيم عيسى بكل تأكيد مصرى وطنى حقيقى، وكل آرائه وأفكاره تنبع من حبه لمصر وتقديره لمكانتها والتعبير عن الوطنية بصدق، وهذا يجب أن يقابله تقدير من القيادة ومن الشعب.
إبراهيم عيسى يقدم برنامجاً فى قناة خاصة وهو حر فيما يقول ويعتقد أنه لمصلحة بلده الذى يعشقه، وهناك قنوات أخرى تملكها الآن جهات سيادية بأسماء رجال أعمال تقول ما تريده القيادة والوزارة ومجلس الشعب وكل المتحولقين حول السلطة فى كل زمان ومكان. المشكلة أن المصداقية موجودة فى برنامج إبراهيم عيسى والبرامج المنافسة يحظى بعضها بعدم المصداقية ويتمتع بعض مقدميها بكراهية شعبية شديدة، وبعضهم له تاريخ غير مشرف فى الدفاع عن الفاسدين فى عصر مبارك، خاصة أولاده، مروراً بالإخوان وتعاونهم الكبير معهم، والآن يقفزون فى مركب السيسى لأنه الرئيس، ولو تغير السيسى سوف يقفزون فى المركب التالى بكل سهولة وبساطة.
أنا لست صديقاً ولا مقرباً من إبراهيم عيسى ولكننى معجب به منذ كان يكتب فى «روزاليوسف»، وحين أصبحت الكتابة فى روزا مستحيلة لأمثال إبراهيم عيسى أنشأ تجربة صحفية رائدة أشرك معه فيها مجموعة موهوبة من شباب الصحفيين، وصدرت الدستور الأسبوعية التى هزت مصر كلها، وكنا جميعاً نقرؤها كلمة كلمة ونراسلها، وأذكر حجم الإقبال الشعبى على موضوع أفرد له معظم صفحات الجريدة، وهو «من هم أكثر عشر شخصيات مكروهة فى مصر؟» وكانت النتيجة أن أعوان مبارك احتلوا الأماكن المتقدمة، وكان منهم أكثر الناس نفوذاً فى مصر، وحاولوا إغلاق «الدستور»، وعندما وجدوا أن الأمر ليس سهلاً لجأوا إلى مباحث أمن الدولة التى تربطها علاقات وثيقة ببعض رجال الأعمال، وقام د. سيد البدوى، رئيس حزب الوفد، بدور المحلل، وانقلبت الدنيا غضبا من الوسيط الذى اشترى والذى باع وكانت فضيحة انتهت بإغلاق الدستور الأصلى وبدأت حياة تعيسة للدستور غير الأصلى.
فى هذه الفترة تم تقديم إبراهيم عيسى للمحاكمة بتهمة إهانة القيادة وحُكم عليه بالسجن ثلاثة شهور، وحضرت ومعنا الكثيرون من محبى الحرية والوطنيين المحاكمة، وتقدم إبراهيم عيسى بشجاعه ليدخل السجن فقام مبارك بالعفو الرئاسى عنه، ليس حباً فيه ولكن خوفاً من تداعيات حبسه داخلياً وخارجياً.
وبعد الثورة رأس تحرير جريدة التحرير اليومية، ثم حاليا أصدر جريدة المقال، فهو لا يتوقف عن الأفكار الجديدة.
لقد استضافنى إبراهيم عيسى مرة واحدة فى برنامجه فى قناة التحرير منذ عدة سنوات، وكان ذلك بمناسبة اعتذارى عن عدم قبول منصب وزير التعليم العالى، لأنه اعتبر هذا الأمر فى ذلك الوقت غريباً وهو أمر أصبح طبيعياً الآن.
خلال السنوات الماضية كان إبراهيم عيسى واضحاً وصريحاً ومقاتلاً لا يهاب ولا يخاف، وكان يدافع عن مصر من وجهة نظره، قد تختلف معه أو تعترض على أفكاره ولكنك لا يمكن أن تنكر أنها نابعة من داخله.
قد يغضب إبراهيم من شخص أو مجموعة ويتهمهم زوراً، ولكن كل ذلك لأنه أخطأ أو أساء التقدير وليس بسوء نية. وتقديراته بعد ٣٠/ ٦ كان فيها كثير من التجنى على مجموعات وفئات وطنية، وأنا لا أصدق حكاية أنه كان يمثل جهة سيادية ثم اختلف معها، وأعتقد أن تقديراته ربما كانت خاطئة فى فترة معينة.
ما يحدث له الآن حلقة جديدة من التدهور فى طريقة حكم مصر. هل تريدون أن يشاهد الشعب كله قنوات الجزيرة والدويتش فيلا وغيرها من قنوات جديدة وتموت القنوات الخاصة؟ أعتقد أن ذلك فيه خطورة كبيرة الآن. هذه القنوات بالرغم من كارثية بعض مقدمى البرامج ونوعيتها إلا أن بها بعض المحترفين الذين يجيدون الصنعة ووجودهم مهم للإعلام المصرى. إذا أردتم أن تحولوا القنوات الخاصة إلى ماسبيرو آخر فعليكم إغلاق قناة إبراهيم عيسى. وبالمناسبة الدولة التى فى جيبها الصغير عشرون قناة وخمسون مذيعا وخايفة من برنامج واحد تكون دولة غاية فى الضعف وفى مهب الريح.
ما يقوله إبراهيم عيسى إذا لم يعجبكم فانقدوه نقدا ذاتيا موضوعيا، الحل ليس الشتيمة والاتهام بالخيانة، الحل أن تقدموا رواية موضوعية مقنعة للناس. الآن معظم البرامج المؤيدة للنظام ليست مقنعة وليست مهنية.
طريقة إبراهيم عيسى فى الأداء طريقة قديمة عفا عليها الزمن، ومن المفروض ألا تكون بهذا الإبهار ولكن لأنه يقدم حقائق وأشياء لا أحد غيره يقولها فأصبح النجم الكبير.
لو تشجع بعض مقدمى البرامج وقالوا بعضاً من الحقيقة لن يصبح إبراهيم هو النجم الأوحد، ولو ظهرت قنوات أخرى مصرية تبث من خارج مصر سوف تكتسح كل القنوات المصرية.
العالم الآن أصبح قرية صغيرة لن تستطيع حجب أى شىء، فى ثوان سوف يعرف العالم كله عن طريق القنوات الفضائية والإنترنت وفيس بوك وتويتر وغيرها الكثير.
العالم الآن مختلف، وعلينا التعامل معه وليس محاولة تكميمه، لأننا لن نستطيع وسوف يصبح موقفنا فضيحة.
أما مجلس النواب الذى من وظائفه الأساسية الدفاع عن الشعب وعن حرية الكلمة فأنا أتعجب لموقفه، وأرجو أن يقوم المجلس بإجراء استفتاء شعبى سرى عن رأى الشعب فيه ويحتفظ بالنتيجة لنفسه، ربما تفيده لأن التاريخ سوف يقيّم المجلس ورئيسه بكل دقة: أما أعداء الحرية والوطن المعروفون لكل الشعب والذين يطالبون بإعدام إبراهيم عيسى فلا تعليق عليهم لأن الجميع يعرفونهم.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

د. عماد جاد - «الدواعش» العائدون - جريدة الوطن - 27/12/2016

دعت نقابة «الأمن» فى تونس إلى إسقاط الجنسية سريعاً عن المواطنين الذين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، محذرة من عواقب هزيمة التنظيم فى العراق وسوريا ثم ليبيا، حيث سيعود هؤلاء الدواعش إلى تونس ومن ثم تتحول البلاد إلى صومال جديد، فقد حذرت نقابة الأمن التونسية من «صوملة» تونس. وتشهد تونس هذه الأيام سجالاً حول إسقاط الجنسية عن هؤلاء الدواعش والدعوة إلى محاكمتهم فى المناطق الموجودين فيها باعتبارهم مجرمين، ورفض عودتهم إلى تونس حماية للبلاد والعباد. وفى تقديرى أن الجدل المندلع فى تونس حول هذه القضية يخصنا فى مصر بشكل رئيسى؛ فبلدنا عانى كثيراً فى أواخر الثمانينات وطوال التسعينات من ظاهرة «العائدين من أفغانستان» إذ بعد هزيمة القوات السوفيتية وانسحابها من أفغانستان عام ١٩٨٩، اندلع الصرع بين فصائل المجاهدين، وهنا بدأت عودة العناصر التى سبق أن غادرت البلاد للقتال إلى جانب الأفغان، وبإشراف رسمى مصرى، وبدأت فى ارتكاب العمليات الإرهابية والتفجيرية مستفيدين من الخبرة التى اكتسبوها على أرض أفغانستان. وفى مراحل تالية عانت البلاد من ظاهرة «العائدين من البوسنة، الشيشان ثم كوسوفو». واليوم نقف على أعتاب عودة آلاف «الدواعش» الذين سبق أن غادروا البلاد على مدار السنوات الخمس الماضية وأكثرهم غادر فى سنة حكم مرسى والجماعة، ذهبوا للقتال إلى جوار التنظيمات الإرهابية المختلفة فى العراق وسوريا وليبيا، ارتكبوا جرائم بشعة من ذبح وحرق وتفجير وتفخيخ، ماتت قلوبهم وباتوا أكثر قسوة من آكلى لحوم البشر، لا توجد بداخلهم رحمة أو أى نوازع إنسانية، وصلوا إلى حالة غير مسبوقة من التوحش واللاإنسانية، وصلوا إلى مرحلة تفخيخ الأطفال، أطفالهم، وتفجيرهم فى أماكن التجمع لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.

علينا أن نطرح القضية للجدل لأن الظاهرة لدينا لا تقل عن مثيلتها التونسية، وبالتالى لا بد من الاستعداد جيداً لهذه الموجة الآتية لا محالة، فسوف تتسلل هذه العناصر عبر الحدود مع السودان وليبيا وهى حدود طويلة للغاية ولا قدرة لنا على ضبطها بشكل كامل، فضلاً عن تعاون السلطات السودانية معهم وعدم وجود حكومة مركزية فى ليبيا، كل ذلك يجعل احتمالات تسلل «الدواعش» إلى داخل البلاد «مرتفعة». وعودة أى أعداد من هؤلاء الدواعش سوف تمثل خطورة كبيرة على أمن مصر والمصريين، فكما سبق القول هى عناصر فقدت طبيعتها البشرية ومارست سلوكيات بربرية تنتمى للفترة المظلمة فى تاريخ الإنسانية، كما أن النزوع للانتحار لديهم مرتفع ومن ثم فسوف يشكل العائدون منهم عبئاً شديداً على الأجهزة الأمنية المصرية، ولا بد أن يكون واضحاً أن القدرة على التصدى لهم ستكون محدودة للغاية نظراً للخبرات التى اكتسبوها من ناحية ونزوعهم للانتحار وتفجير الذات من ناحية ثانية.



لكل ذلك يبدو مهماً للغاية التحرك السريع من قبل الحكومة المصرية للبحث عن سبل التصدى لهؤلاء الدواعش قبل أن يعودوا ويشكلوا خطراً شديداً على أمن مصر والمصريين، وأتصور أن الطرح التونسى بإسقاط الجنسية عن هؤلاء الدواعش والدعوة لمحاكمتهم فى مناطق وجودهم يمثل خياراً منطقياً، المهم هنا هو التحرك السريع واستباق الظاهرة كما تفعل تونس، لا الانتظار إلى حين عودتهم إلى البلاد فهذه العودة تمثل خطراً شديداً علينا جميعاً وعلى بلدنا.

خالد منتصرالأمانة التى حملها الإنسان - جريدة الوطن - 27/12/2016

كثير من المفسرين ورجال الدين حاولوا الإجابة عن سؤال مهم ومحير وهو: ما المقصود بالأمانة التى عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان؟، أقنع عقلى تفسير فيلسوف العقل المصرى زكى نجيب محمود فى كتابه «من زاوية فلسفية» لتلك الأمانة، أنها الإرادة الحرة التى وإن يكن صاحبها معرضاً للخطأ فيما يختار ويدع، فهو كذلك قادر على اختيار الصواب، بل هو قادر على أن يبتدع هذا الصواب ابتداعاً، الفرق بين الإنسان وبين الظواهر الطبيعية التى خشيت من حمل أمانة الحرية هى أن تلك الظواهر لا مناص من أن تحدث فى مستقبلها بنفس طريقة حدوثها فى الماضى، لا لأنها تريد شيئاً وقد أرغمت على سواه، بل لأن طبيعتها هى أن تقع على نحو ما قد شاهدناه منها ولن يتاح لها أن تنتقد نفسها!، يستكمل د. زكى نجيب تحليله الفلسفى مفسراً سبب عدم خطأ الطبيعة، ذلك لأن طريقها قد رسم لها رسماً لا انحراف فيه ولا شذوذ، لأنها أعفيت من أمانة الاختيار الحر، الذى يرفض أمانة ونعمة الاختيار الحر هو مجرد عبد لا يملك تصريف أموره، الإنسان ليس كمجرى الماء الذى ينحدر فى طريقه وإن قابله حائل دار حوله لينصرف إلى حال سبيله، أما الإنسان المؤتمن على وديعة الحرية فله حرية الاختيار بأن يقاوم، وكثيراً ما يختار طريق المشقة دون الحياة اللينة الهينة، لذلك الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يعرف الطموح!، الإنسان هو الوحيد المغامر المخاطر، أما الطبيعة فلا مغامرة فيها ولا مخاطرة ولولا مغامرة الإنسان فى عالم المجهول لما كان له الذى كان من ثقافة وحضارة، ويصف د. «زكى» كل كشف علمى بأنه مغامرة انتهت بصاحبها إلى نتيجة موفقة، ظل الإنسان فترة طويلة مستسلماً لمنهج التسليم بالمقدمات التى يصفها بالبديهية ويستخدمها مسطرة وهدفاً، كان يخشى المغامرة طلباً للأمان الزائف، وكأنه ساكن بيت لا يبرحه خوفاً من التعرض للأخطار!!، وإذا قال لك شخص: وماذا عن الطاعة؟ فلتكن إجابتك: إننى اخترت الطاعة المبصرة لا الطاعة العمياء، الإرادة البناءة هى الخلق والإبداع، والإنسان هو صاحب العلم وصاحب الفن، وهو الكائن الوحيد الذى من المفروض أن يعرف القيم الثلاث: الحق والخير والجمال، لذلك لا يمكن أن أعتبر من يهدر قيم الحق والخير والجمال بالذبح والتفخيخ والتفجير واللعب بالجماجم وحرق البشر أحياء، لا يمكن أن أعتبره إنساناً، وأحياناً أعتبره فى مرتبة أقل من الحيوان!!، إذا كان يفعل ذلك من منطلق إيمانى دينى فهو قد رفض الأمانة، أمانة ألا يكون عبداً لأمير جماعة يسلبه حريته ويغسل دماغه ويزيف وعيه، أمانة أن يفكر ويختار وألا ينومه أحد مغناطيسياً ويخدره ويجعله مسلوب الإرادة أو بالأصح مسلوب الأمانة، إنه شخص كفر بالأمانة التى حملها له الله واختار أن يكون مجرد حجر أخرس من جبل أصم!!.

Sunday, December 25, 2016

الشنطة بينى وبينك بقلم فاطمة ناعوت ٢٦/ ١٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

أول درس نتعلّمه فى أول امتحان ندخله فى أول عام دراسى بالمدرسة الابتدائية المصرية، هو أن تضع «الحقيبةَ المدرسية» بينك وبين من يجلس إلى جوارك فوق طاولة الدرس «البنش».. لماذا؟ لكيلا يكون بوسعه أن ينظر فى ورقة إجابتك وينقل «المعلومة» من ورقتك، تلك التى سهرت ليالى إثرَ ليال حتى «تحفظها» عن ظهر قلب، حتى تحين لحظة «سكبها» فى ورقة الإجابة. صحيحٌ أنك تخرج من الامتحان، وتتدرج فى سنوات الدراسة، وقد «نسيت» تماما تلك «المعلومات»، إلا أن هذا ليس مهمًّا، المهم أنك انتقلت من الصف الثانى إلى الصفّ الثالث فالرابع فالخامس، حتى تتخرج من كليتك، إلى الحياة العامة، محاميًا، أو طبيبًا، أو محاسبًا، معك شهادة من الدولة بأنك أهلٌ لذاك.
دعك من كمّ الكلمات «المُفخّخة» فى صدر المقال مثل: (معلومات- تحفظ- تسكب- تنسى)، فهذه ليست موضوع المقال. لهذا سأمرُّ عليها بمِشرط النقد السريع؛ لأنتقل بعدها إلى «الفخّ النفسي» الأهم والأخطر، موضوع المقال، وعنوانه. ذاك أن «العلم» و«الدراسة»، ليسا معلومةً؛ فالمعلوماتُ كما قال الجاحظ: «مُلقاةٌ على قارعةِ الطريق»، وأصغرُ شريحة موبيل بوسعها أن تحوى جميعَ موسوعات العالم. وليس عليك كدارس أن «تحفظ» المعلومة كما ببغاء. بل أن تدخل المعلومةُ رأسَك لتخرج «فكرة»، وتتحول الفكرةُ إلى «وجهة نظر»، أو «رأى» أو «ابتكار» أو «اختراع». وفى الامتحان ليس عليك «سكب» المعلومة، كما يُسكب الماءُ من كأس، بل أن تُبدى حلا لمعادلة أو رأيًا فى مشكلة، أو فكرة مدهشة لم يسبقك إليها الأوّلون. وحين تتدرج من مستوى تعليمى إلى آخر، يكون أمرًا محزنًا، أن «تنسى» ما احتشد به رأسُك، وروحُك، من رؤىً، من المفترض أن تشكّل شخصيتك وتحدد سلوكك، وتصنع منك إنسانًا ممتازًا، ومواطنًا فعالا؛ يفيد مجتمعه، ويساعد العالمَ، ثم يُثرى الإنسانيةَ جميعها.
تلك الحقيبةُ التى تضعها «حاجزًا» بينك، وبين زميلك، لن تمنعه وحسب من «نقل» المعلومة من كراستك، إنما ستمنعك أنت من التواصل النفسى معه، اليوم وغدًا، وحتى نهاية عمرك. تلك الحقيبة شكّلت بينك وبين «الآخر» حاجزًا نفسيًّا مُستدامًا لن تُسقطه السنواتُ ولا الخبراتُ ولا تراكُم الصداقات. تلك الحقيبةُ علّمتك درسَك الأولَ فى الحياة. «أن نجاحَ الآخر بالناقص من نجاحك». لكى تنجح أنت لابد أن يرسب جارُك. لكى تثرى أنت، لابد أن يفتقر سواك. عند أقدام تلك الحقيبة ينهدم أول حجر فى جدار «العمل الجماعى» الذى لن تتقنه حين تكبُر. تلك محنة التعليم فى المجتمع العربى. لأنه قائمٌ على «الحفظ» و«الترداد»، و«سكب» «المعلومة» فى ورقة الإجابة، من أجل «النجاح» أو «الرسوب». كل الكلمات المقوّسة السابقة لا محلّ لها فى معجم التعليم الغربى. التلميذ فى المجتمعات الراقية لا يحفظ المعلومة، بل يعرفها، لتكون «وسيلة» لا «غاية». وسيلة لبناء المنطق العلمى والفكرى. فإن تكوّن لديك منطقٌ علمى، كان بوسعك أن «تفكر»، فإن فكرت «أبدعت». المعلم الغربى يشجع التلميذ على العمل الجماعى Team Work فيتعلّم الطفل أن نجاحه مرهونٌ بنجاح زميله، فلا محلّ للحقيبة بينهما، لأنه لن يُمتحن فى المعلومة التى يحاول إخفاءها عن زميله. المعلّم يشجع الطفل الغربى على التفكير. لأن الفكرَ أبُ الإبداع. بينما لدينا فى مجتمعاتنا العربية نسخر منك إن فكّرت. فإن تماديت فى غِيّك وأنتج فكرُك «وجهة نظر» مغايرة للسائد، قوضيتَ وسُجنت أو قُتلت. هكذا تتكوّن ثقافة القطيع ونصير جميعًا نسخًا نمطية من بعضنا البعض. جميعنا متشابهون. والمتشابهون لا يبتكرون، بل «يقلّدون». وحين يحتاجون إلى «ابتكار» يُسيّر حياتهم، ينظرون حولهم إلى الدول التى تفكّر، لنستورد منهم ما ابتكروا واخترعوا، فنستورده، ثم نسىء استخدامه. فيخترعون الحاسوبَ لكى يدرسون أحوال المجرّات وعناصر الكيمياء التى تُشفى الأمراض، وهلمّ جرا، فنشتريه نحن لندخل غرف الدردشة التى «تقتل» الوقت وتزيل الضجر. وكأن «الوقت» عدوٌّ نريد قتله، بينما هو أثمنُ ما لدينا. هو أعمارنا، التى إن تبدّدت منها لحظةٌ لا تعود.

د. عماد جاد - كل هذه الخلايا النائمة! - جريدة الوطن - 26/12/2016

نجحت جماعة الإخوان فى اختطاف ثورة الخامس والعشرين من يناير، حققت ذلك لأنها كانت الجماعة الوحيدة المنظمة التى كانت تعمل بشكل منتظم منذ ثمانية عقود، عاصرت نظماً سياسية متنوعة، نشأت عام ١٩٢٨ عندما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزى ونظام ملكى فى أسرة محمد على، تعاملت مع الاحتلال ونسقت معه وحصل المؤسس والمرشد الأول على الأموال من السفارة البريطانية فى القاهرة، وتعاملت الجماعة مع النظام الملكى وحاولت استغلال الملك ودفعه للدخول فى مشروعها عبر المناداة به خليفة بديلاً عن الخليفة التركى بعد أن ألغى كمال أتاتورك الخلافة فى تركيا. دخلت الجماعة بشكل أو بآخر فى علاقات وروابط مع تنظيم الضباط الأحرار، واعتبرت نفسها شريكاً فى حركة الجيش فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢، حاولت القفز على السلطة فكان الصدام الشديد مع عبدالناصر وكانت محنة الجماعة الأولى عام ١٩٥٤ والثانية عام ١٩٦٥. تعاون معها السادات واستعان بها، أخرج قادتها من السجون وسمح بعودة آخرين من الخليج ومنح الجماعة حرية العمل بل وسلمها ملف التعليم فى البلاد، فتغلغل أنصار الجماعة فى مؤسسات الدولة، لا سيما التعليم والحكم المحلى، وانتهى الأمر بصدام جديد دفع السادات حياته ثمناً له وللعبة محاولة ترويض الجماعة وتوظيفها، فالجماعة هى الحركة الأم لكل التنظيمات الجهادية، ثم نجحت الجماعة بعد ذلك فى وضع قواعد للعبة مع مبارك.. عموما، سقط مبارك ورحل غير مأسوف عليه، ونجحت الجماعة بحكم ما دخلت فيه من علاقات وقامت به من مناورات، فى اختطاف ثورة الخامس والعشرين من يناير بشقيها البرلمانى والرئاسى، وهنا هالنا ما اكتشفنا من خلايا إخوانية كانت نائمة فى قلب مؤسسات الدولة المصرية، اكتشفناها بعد أن حان وقت تنشيطها، فكان العدد الهائل من الخلايا التى كانت نائمة وبعضها كان فى قلب الحزب الوطنى، فى لجنة سياسات الوريث (هشام قنديل نموذجاً).ومع بدء جلسات مجلس الشعب جرى تنشيط معظم الخلايا التى كانت نائمة، ومع فوز مرسى بمنصب الرئيس تم تنشيط باقى الخلايا لنفاجأ جميعاً بعدد هائل من الشخصيات التى كانت تعمل فى مختلف المجالات وفى قلب مؤسسات الدولة، تعلن انتماءها للجماعة وتفاخر بذلك، وتلاشت الفواصل التى كانت تميز بين الجماعة وأحزاب وجماعات سياسية، بل وشخصيات كانت تقدم نفسها باعتبارها منشقة عن الجماعة ومختلفة معها، وفوجئنا بأن الجميع إخوان، ثم ظهر المتحولون الذين كانوا يفاخرون بالانتماء للحزب الوطنى ويعلنون أنهم جزء من التيار الليبرالى وهناك من كان يقول إنه يسارى، فوجئنا بأنهم تحولوا إلى العمل مع الجماعة، وأخيراً انضمت لهم الفئة الانتهازية التى تبحث عن المكاسب وتولى وجهها شطر المصالح. مع سقوط مرسى اختفت هذه الوجوه منها من هو فى السجون ومنها من هرب خارج البلاد ومنها من عادوا للنوم مجدداً فى قلب مؤسسات الدولة، فى انتظار العودة والتنشيط من جديد، ليمارسوا دوراً تخريبياً، يعملون على الهدم من الداخل، وهى ظاهرة فى غاية الخطورة لوجودهم فى قلب مؤسسات الدولة واطلاعهم بحكم الموقع والوظيفة على معلومات وتصورات وخطط يجرى تمريرها للجماعة، فضلاً عن الدور التخريبى فى قلب مؤسسات الدولة المصرية؛ الأمر الذى يجعل المراجعة ضرورية والتطهير مسألة حتمية.

خالد منتصر - سجن الوصمة - جريدة الوطن - 25/12/2016

امرأة وفقيرة وكمان سجينة!! قنبلة ثلاثية شديدة الانشطار والتدمير ووصمة عار، هى كالوشم لا تمحوه إلا مية النار التى تأكل حتى نخاع العظم!!، حضرت العرض الخاص لفيلم «سجن الوصمة» عن هذه القضية قضية سجينات الفقر الذى كتبته وقدمته الكاتبة نوال مصطفى، التى نذرت حياتها لهذه القضية، وأنشأت لها جمعية خاصة وهى جمعية رعاية السجينات التى تشرف عليها، بدأت علاقة نوال مصطفى بتلك القضية من خلال تحقيق صحفى عادى جداً وروتينى نُشر فى جريدة الأخبار، لكن بحس نوال الرومانسى الروائى المهتم باللقطة الإنسانية، الذى يهتز لامرأة سجينة ملتاعة حائرة تائهة قررت أن تكون تلك القضية قضية عمرها، ذبحها بسكين من الوريد إلى الوريد مشهد أطفال السجينات بعيونهم التائهة الباحثة عن لحظة أمان ودفء احتضان، جمعت نوال مصطفى كل تلك الخيوط الإنسانية ونسجتها صرخة إنذار على الشاشة، اقتربت وأنا أشاهد الفيلم لأول مرة من قضية غاية فى الخطورة، وهى رفض ولفظ المجتمع لتلك السجينة المظلومة، التى سُجنت فى وصل أمانة وقّعته لتجهز ابنتها أو تشترى ثلاجة أو تسعى لجدران بيت يضمها أو سقف يظللها، هذه السجينة بعد الإفراج عنها تظل وصمة السجن تلاحقها كاللعنة الأبدية ويرفض أصحاب العمل توظيفها حتى بأبخس الأجور، سجينات الفقر مجموعة مآسٍ بشرية تثير الحزن والشجن والبكاء واللوعة، ذوات نيات حسنة، يعافرن مع الحياة البخيلة الضنينة بمخالب منهكة مقصوصة التأثير واهنة الأثر، لكن هل اكتفت نوال مصطفى بمصمصة الشفاه وكتابة معلقات الرثاء وقصائد البكائيات، تحركت نوال بحسها الإنسانى والصحفى والروائى، اتجهت إلى وزارة الداخلية واتفقت مع إدارة سجن القناطر على تدريب تلك السجينات على أعمال تساعدهن بعد خروجهن من الزنازين، ولكن ماذا عمن تم الإفراج عنهن؟، أيضاً شكلت الكاتبة لجنة من الجمعية وبدأوا البحث عن منافذ وحلول، تكونت ورش عمل وتدريب للتخلص من تلك الوصمة، بقى الجزء الثقافى الذى يمهد لتقبل تلك السجينات، وكانت هذه وظيفة الفيلم الذى شهد تفاعلاً وتشجيعاً رائعاً من الحضور الذين ضموا نخباً ثقافية وفنية وصحفية وجمهوراً عريضاً من المهتمين ومن الشباب، أتمنى مزيداً من الاهتمام من الإعلام لتلك القضية الإنسانية الخطيرة، كان حقاً مهرجان احتفاء فى مسرح الهناجر، وأعتقد أنه سيكون بادرة طيبة وبذرة مثمرة لمزيد من إلقاء الضوء على تلك القضية المهمة.

د. عماد جاد - ذكاء وواقعية دبلوماسية - جريدة الوطن - 25/12/2016

أعدت مصر والمجموعة العربية مشروع قرار لتقديمه إلى مجلس الأمن الدولى من أجل تجميد الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى العربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ووصف الاستيطان بالجريمة، كما يقول القانون الدولى، ثم تراجعت مصر عن تقديم مشروع القرار، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض أو الفيتو، لمنع صدور القرار، صحيح أن «أوباما» هو المسئول حتى العشرين من يناير المقبل، ومن ثم فهو من يوجّه الخارجية الأمريكية إلى التصويت فى مجلس الأمن، إلا أن الصحيح أيضاً أن إدارة «ترامب» سوف تتسلم مقاليد السلطة فى العشرين من يناير المقبل، ولمدة أربع سنوات يمكن أن تتكرّر فى دورة ثانية، ومن ثم فإن التفكير المستقبلى والنظرة بعيدة المدى كانت تقول بالتعامل مع إدارة «ترامب» الجديدة، لا إدارة أوروبا، التى تبقى لها فى البيت الأبيض نحو أربعة أسابيع لا غير. فى الوقت نفسه فإن إدارة «أوباما» قضت فى البيت الأبيض ثمانى سنوات، كانت سنوات كارثية على عالمنا العربى، فهذا الرجل الذى بدأ عهده بزيارة مصر وألقى خطاباً ودوداً للغاية فى جامعة القاهرة، وتعهد بحل القضية الفلسطينية وطعّم خطابه بآيات من القرآن، سرعان ما بدأ فى تنفيذ مخطط هدم الدول العربية الكبيرة وتحديداً سوريا، وحاول استكمال هدم العراق، ولم يتمكن من تنفيذ مخططه فى مصر، حيث أطاح الشعب المصرى بالمؤامرة الكبرى فى الثلاثين من يونيو، هذا الرجل أشرف على خلق وتشكيل تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، تركها تترعرع، تحالف مع السعودية وقطر وتركيا من أجل إمداد «التنظيم» بالمال والرجال والسلاح، حاول عرقلة مسيرة الشعب المصرى بعد ٣٠ يونيو، وبذل جهداً هائلاً فى هذا الاتجاه. الأكثر أهمية من كل ذلك أن «أوباما» لم يتخذ طوال سنوات حكمه الثمانى أى خطوة أو قرار لتسوية القضية الفلسطينية، لم يصوت مندوبه فى مجلس الأمن مرة واحدة لصالح قرار فلسطينى، لم يتخذ يوماً ما قراراً بإدانة الاستيطان أو طالب بوقفه، لم يُحرّك ساكناً طوال ثمانى سنوات لكبح جماح الاعتداءات الإسرائيلية. أكثر من ذلك، حتى القرارات التى صدرت عن الأمم المتحدة طوال السنوات الماضية ظلت حبراً على ورق، لأن الولايات المتحدة لم تعمل على تنفيذ أىٍّ من هذه القرارات.
إذن القضية ليست قضية قرارات تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهناك القرار ١٨١ لسنة ١٩٤٧ الخاص بتقسيم أرض فلسطين بين العرب واليهود، الذى انتهكته إسرائيل وسيطرت على مثلى المساحة التى تعطيها إياها هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن سابقاً، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، القرارات الخاصة بالقدس الشرقية كأرض محتلة، ومنها القراران ٢٤٢ و٣٨٣ الصادران عامى ١٩٦٧ و١٩٧٣، اللذان يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها فى عدوان يونيو ١٩٦٧، بقيت هذه القرارات حبراً على ورق لأن القوى الكبرى، وعلى رأسها واشنطن، لم تتحرك لتنفيذ هذه القرارات.
القضية هى بناء شبكة من العلاقات مع القوى الكبرى من أجل تطوير العلاقات الثنائية من ناحية، وتوظيف هذه العلاقات لخدمة القضايا المصيرية، كالقضية الفلسطينية وقضايا ليبيا وسوريا واليمن وغيرها. لكل ذلك، وبنظرة مستقبلية تتعلق ببناء شبكة متطورة من العلاقات مع إدارة «ترامب»، فضّلت مصر تأجيل تقديم مشروع القرار إلى حين تتسلم إدارة «ترامب» مقاليد السلطة فى العشرين من يناير المقبل، ثم التباحث معها من أجل إبرام تسوية سياسية على النحو الذى ورد فى مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى أطلقها من مدينة أسيوط قبل نحو أربعة أشهر.
ما حدث هو أن إدارة «أوباما» -فى مسعى منها لإحراج الموقف المصرى والسير عكس الاتجاه الذى دعا إليه «ترامب» شخصياً- أصدرت تعليماتها إلى مندوبها فى مجلس الأمن بالامتناع عن التصويت، أى عدم استخدام حق النقض، وهو الأمر الذى دفع مصر إلى الموافقة على القرار، ومن ثم صدر بموافقة ١٤ دولة وامتناع واشنطن عن التصويت، ولا بد أن نلاحظ أن القرار ينص فى الوقت نفسه على مطالبة الجانب الفلسطينى بوقف التحريض والعنف ضد إسرائيل، وهو تعبير يصف المقاومة المسلحة للاحتلال بالعنف المطلوب وقفه، هذا بالإضافة إلى أن قراراً صدر وإدارة «أوباما» تحزم حقائب الرحيل عن البيت الأبيض وتستعد إدارة «ترامب» لتسلم المهام، وهو أمر أتصور أن الدبلوماسية المصرية تعاملت معه بذكاء وواقعية، فقد تجاوبت مع مطلب «ترامب»، الأمر الذى يضع أساساً لعلاقات جيّدة بين «القاهرة» و«واشنطن» بعد سنوات «أوباما» العجاف.

ورم خبيث في جامعة الأزهر - عمرو عزت - المصرى اليوم - 25/12/2016

في أكتوبر الماضي، تناقلت بعض الصحف والمواقع أن جامعة الأزهر  أوقفت أستاذا  بكلية أصول الدين عن العمل لمدة ثلاثة أشهر وأحالته لمجلس تأديب لأنه متهم بنشر الإلحاد، والحديث في محاضراته عن التنوير والعلمانية وانتقاد «تيارات ظلامية» داخل الأزهر وأنه متهم بنشر أفكار طه حسين ومحمد عبده. 

عندما التقيت د.محمد يسري جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، كان مندهشا من بعض الاتهامات، وكيف تعد اتهامات أصلا، ومستاء من اتهامات أخرى وصلت إلى درجات مؤسفة من الافتراء والتحريض.

لم يكن مهتما بالرد على الاتهامات بقدر ما كان مهتما بتوضيح منهجه الفكري. قال إنه يعد نفسه تلميذا للراحل عبدالمعطي بيومي، العميد الأسبق لكلية أصول الدين والذي كان عضوا بهيئة كبار العلماء في الأزهر، ويعتبره رائدا لمدرسة «تنويرية عقلانية» في النظر للنصوص الدينية والتراث، وهذه المدرسة في جدل مع تيارات أخرى داخل الأزهر لا تستسيغها، لدرجة أنها تململت من مناقشة رسالة عن النزعة العقلية والنقدية عند بيومي.

د.يسري جعفر يحث طلاب الدراسات العليا على أن يقرأوا طه حسين وأن يتقدموا بأبحاث عن أفكار محمد عبده، وهو ما لا يعجب البعض أيضا، يناقش بجرأة بعض الأفكار التي يراها أدمجت في سياق تدريس العقيدة مثل«الولاء والبراء»، يكتب أبحاثا غير معتادة في القراءة الفلسفية لبعض النصوص الدينية التي تتناول الغيبيات كما في كتابه «أعلام ميتافيزيقية». 

يكتب مؤلفا لتدريس مادة «فلسفة العلم» لطلاب كلية أصول الدين، ثم تلغى هذه المادة لاحقا بعد أن أغضب البعض أن يدرس طلاب الأزهر فلسفة العلم الحديثة واتجاهاتها. يتناول في ندوات عامة ادعاءات التجديد الديني في الأزهر ويقول بصراحة: «مافيش تجديد ديني بيحصل».

الشجاعة مقلقة بالتأكيد، وخطر على أصحابها في أوقات خفض الرؤوس والمشي بجوار الحائط الرسمي المنتشرين كالورم الخبيث الذي يطارد الخلايا التي تنبض بالحياة، يريد أن يخضعها لتأثيره، وفي هذه الأوقات يتم اتهام يسري جعفر بأنه «ورم خبيث يجب بتره» كما جاء في شكوى من مجهول أرسلها لإدارة جامعة الأزهر ونقلها المحقق د.حامد أبوطالب للأستاذ المتهم بالاختلاف.

أنهى حامد أبوطالب جلسات التحقيق مع يسري جعفر باتهامه بترويج أفكار تخالف ثوابت الدين والحديث عن «التنوير» و«التجديد الديني» والادعاء لأن الأزهر لا يقوم بتجديد الخطاب الديني بالفعل ووصف بعض التيارات في الأزهر بأنها «ظلامية»، ثم صدر قرار الجامعة بوقفه عن العمل ووقف راتبه وإحالته لمجلس تأديب.

ربما كان تدخل المشيخة، كما كان يتوقع جعفر، سببا في القرار الحديث الصادر قبل أيام بإنهاء وقفه عن العمل، رغم أن مدة الوقف تنتهي يوم 3 يناير القادم، كما أنه لا يزال محالا لمجلس تأديب.

لكن لا يكتمل المشهد إلا بأن نرى حامد أبوطالب- الذي وجه له كل هذه الاتهامات أثناء التحقيق وفي وسائل الإعلام– يذهب منتصف هذا الشهر ضمن وفد مختار من رجال المؤسسات الدينية ليزور اللجنة الدينية بمجلس النواب لتنعقد جلسة مطولة لمناقشة تجديد الخطاب الديني، في إطار ماراثون الهرولة استجابة لتوجيهات السيد الرئيس أطول مسافة ممكنة في أي اتجاه، إلا لو سمعوا صوتا يقول – والعياذ بالله -شيئا جديدا أو مختلفا، فيلتفتون لإسكاته وعقابه.

Friday, December 23, 2016

كم من الضحايا بسببك أيها الجهل بقلم د. وسيم السيسى ٢٤/ ١٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

هناك من الأسماء ما له أصول فى الأساطير، وكلمة أساطير معناها ما سطره الأولون، فمثلاً كلمة مورفين جاءت من رب الأحلام الجميلة عند اليونان واسمه مورفيوس، أما كلمة Hygiene أى قواعد الصحة فقد جاءت من رب الصحة اليونانى هايجيا، أما كلمة Hymen أى غشاء البكارة، فقد جاءت من ربة العفة الرومانية هايمنيا.
تقول الأسطورة إن رب الصحة تقابل مع ربة العفة فأحبا بعضهما وتزوجا، وتريد الأسطورة أن تقول إن الزواج يجب أن يكون مؤسساً على الصحة والعفة.
ولكن ما قصة هذا الغشاء الذى سُـفكت من أجله الدماء أكثر مما كتب عنه بالحبر!، إنه أحد الأغشية التى تتكون بين الأندودرم والأكتودرم، والتى لها فائدة فسيولوجية لا علاقة لها بالعفة!، فهو يحمى المهبل من البكتيريا حتى سن البلوغ، وبعد ذلك يحمى جدار المهبل حامض اللبنيك القاتل للبكتيريا، وهذا الحامض من الجليكوجين المكون بسبب هورمون المبيض المسمى: استروجين.
قد تولد الطفلة بغشاء حلقى، وحين تتزوج تكون نهايتها إذا كان زوجها أو أسرتها لا دراية لهم بأنواع هذا الغشاء الذى قد يكون مسدوداً أو مطاطيا أو غرباليا أو غضروفياً، كان أستاذنا محمد سليمان يشرح لنا الغشاء الحلقى ويقول: ما يفشل فيه الأب ينجح فيه طفله الذى يمزق الغشاء برأسه أثناء ميلاده.
قص علينا دكتور سليمان كيف كتب تقريراً كأستاذ للطب الشرعى فى جامعة القاهرة عن حالة اغتصاب، كان التقرير يقول: هناك تمزق فى مكان الساعة الرابعة، وتمزق آخر فى مكان الساعة السابعة، فوصله خطاب شكر من هيئة المحكمة تشكر له مهارته لأن المجرم اعترف أنه اعتدى على الفتاة مرة الساعة الرابعة مساءً ومرة الساعة ٧ مساءً!، ضحكنا طبعاً لهذا الخلط بين المكان والزمان.
ماذا عن الغشاء الغضروفى، إنه يحتاج لتدخل جراحى، ولكن ماذا عن الغشاء المسدود؟! الغريب أن أول من يكتشفه هو طبيب المسالك البولية!، ذلك لأن الطفلة عند البلوغ أو بعد البلوغ بعدة أشهر تذهب لطبيب المسالك باحتباس بولى، والذى يحدث أن دم الدورة يتجمع شهراً بعد شهر فى المهبل حتى يصل إلى درجة من التجمع تضغط على عنق المثانة البولية ومجرى البول، فيحدث الاحتباس البولى، يقوم الطبيب بوضع قسطرة بولية، ويحول المريضة إلى أحد المستشفيات الحكومية الذى يقوم بفتح غشاء البكارة وتفريغ الدم الكثيف المتجمد فى المهبل، ويعطى شهادة حكومية مختومة تثبت الحالة المرضية وما تم لعلاجها.
قد يسألنى سائل: تقول إن هذه الأغشية تتكون عند اتصال الأندودرم «الغشاء المبطن للجهاز الهضمى» بالأكتودرم وهى الطبقة الجينية التى يتكون منها الجهاز العصبى والجلد، فلماذا لا يتكون هذا الغشاء عند نهاية الجهاز الهضمى أعنى الفتحة الشرجية حيث يلتقى الأندودرم بالأكتودرم؟.. أرد عليه قائلاً: إنه يتكون فعلاً ولكنه يضمر أو يتآكل، وإذا لم يتلاش هذا الغشاء عند الفتحة الشرجية، يولد الطفل بانسداد، وتسمى هذه الحالة طبياً Imperforat Anus وتحتاج لتدخل جراحى لإزالة هذا الغشاء، ما يصلح لنا كغشاء البكارة المانع لدخول البكتيريا تبقى الطبيعة عليه - بأمر الله طبعاً - وما يضرنا تقضى الطبيعة عليه.
جدير بالذكر أن الجسم البشرى كسائر الثدييات يبدأ تكوينه بثلاث طبقات، عرفنا منها الأكتودرم، والأندودرم أما الطبقة الوسطى فاسمها الميزودرم، وهى الطبقة التى تتكون منها عضلات الجسم جميعاً، وكل هذه الطبقات تتكون من خلية واحدة بها ٤٦ كروموزوم اسمها «البويضة الملقحة» والتى هى قادرة على الانقسام إلى ملايين الخلايا، وكل خلية حدوتة سحرية لها بوابات من الكوليسترول ساهرة على سلامتها، الصوديوم خارجها، والبوتاسيوم داخلها، هذا حديث الخلية لمقال آخر إن شاء الله.

رسائل القبطى الفصيح: الثقافة الشعبية المصرية أصبحت أكثر تزمتاً فى العقود الأربعة الأخيرة بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٤/ ١٢/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

يقول القبطى الفصيح إن تفجير الكنيسة البُطرسية، قرب مقر الكُرسى البابوى، وقُرب أعياد الميلاد المسيحية عام ٢٠١٦، وبعد ست سنوات من حادثة مُشابهة بكنيسة القديسين بالإسكندرية فى عيد رأس السنة الميلادية، لا يمكن أن يكون صُدفة، ولا بواسطة شخص مُختل عقلياً. ولكن ينطوى الحدثان المروعان على تخطيط مُحكم، وبواسطة جماعة مُنظمة، حتى لو كان من ضغط على زر التفجير هو فرد تم تجنيده للمُهمة الرهيبة، سواء بغسيل مُخه مُقدماً، أو مُقابل أجر مُجزِ فى الدُنيا، أو إقناعه بأجر فى جنة الفردوس فى الآخرة.
وأردف القبطى الفصيح أن الأقباط دائماً هم كبش فداء فى لحظات الإحباط المُجتمعى، أو لحظات الكوارث الطبيعية، أو لحظات هزائم النظام السياسى الحاكم فى معاركه الخارجية. وبين الحين والآخر، قد يوجد كبش فداء آخر، مثل المسلمين الشيعة، أو البهائيين، لامتصاص الغضب الشعبى، وتحويله بعيداً عن المُتسبب الحقيقى فى المُشكلة التى تُغضب الناس.
ويتساءل القبطى الفصيح، بصوت يختلط فيه الحُزن بالدهشة: لماذا لم تتم مُحاكمة أو إدانة أى شخص فى كل تلك الأحداث الطائفية التى شهدتها مصر، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، رغم الصخب الإعلامى فى التنديد بتلك الأحداث ـ من الزاوية الحمراء إلى الكُشح، إلى الفيوم، إلى حادث كنيسة القديسين؟!
قلت لتلميذى القبطى الفصيح: قد يكون ذلك بسبب تقصير أمنى، أو إجراءات التقاضى الطويلة، أو مهارة المُحامين الذين دافعوا عن المُتهمين. فرد القبطى الفصيح بتساؤل آخر: لماذا لا تجتمع كل هذه العوامل لإفلات المُتسببين فى القتل أو التفجير إلا فى الأحداث الطائفية؟
تساءلت أنا بدورى بصوت مسموع: وهل لديك يا تلميذى العزيز أسباب، أو نظرية لتفسير التقصير الأمنى أو بُطء إجراءات التقاضى، التى تُسهم فى إفلات من تسبّبوا فى تلك الأحداث الطائفية؟
فرد بعد لحظة صمت، اكتسب فيها وجهه ملامح حزينة وجاء صوته يعكس نبرة يائسة: إنها ثقافة المصريين، التى تغيرت تدريجياً خلال العقود الأربعة الأخيرة، وتحديداً منذ ما يُسمى الطفرة النفطية، والتى شهدت مداً هائلاً للإسلام الصحراوى المُتزمت، أى الإسلام الوهابى!
قلت له مُتعجباً، ولكن المذهب الوهابى المُتشدد، ظهر فى الجزيرة العربية قبل مائتى سنة، فلماذا لم يظهر تأثيرة فى مصر إلا فى العقود الأربعة الأخيرة؟
واجتهادنا فى هذا الشأن هو أن أصحاب هذا المذهب، والذين تمثلوا فى الخمسين سنة الأخيرة فى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المُنكر فى المملكة العربية السعودية، لم يكفوا لحظة عن الدعوة إلى أفكارهم ومُمارساتهم للإسلام، كما فهمه الداعية الأول الشيخ محمد عبدالوهاب، وتلاميذه وخُلفاؤه الأوفياء. ومع ذلك فإن الدعوة لم تُصادف نجاحاً كبيراً، أو انتشاراً واسعاً خارج شبه الجزيرة العربية. ولكن تغيّر الأمر جوهرياً بعد الطفرة النفطية فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، والتضاعف الفلكى لعائدات النفط، الذى تحوز المملكة على ثانى أكبر احتياطى منه فى العالم. وفجأة، أصبح تحت تصرف هيئة الأمر بالمعروف مليارات الدولارات والريالات والجُنيهات الإسترلينية. وهو الأمر الذى أعطى تلك الهيئة الدعوة المُتشددة فى يد، والبترودولار فى اليد الأخرى. وتلك هى نفس الفترة، التى استضافت فيها المملكة ملايين الأيدى العاملة، الذين وفدوا من كل أركان المعمورة.
وعادت العمالة المُسلمة إلى بُلدانها العربية والإسلامية بالوهابية والبترودولار، وانتشرت مظاهر هذا الإسلام الوهابى خارج المملكة فى إطلاق اللحى (الذقون) والجلباب الطويل للرجال، والحجاب والنقاب للنساء، وكذلك المدارس التى ضاعفت من المناهج والمواد الدينية.
ولم تكتفِ هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المُنكر بما سبق ذكره، بل استهدفت غزو ما كان موجوداً بالفعل من مؤسسات تعليمية ودعوية دينية فى البُلدان العربية والأفريقية الأخرى. فأوعزت للوافدين منها للعمل فى السعودية بالدعوة للإسلام على الطريقة الوهابية حينما يعودون إلى بلادهم. وأغدقت على من يفعلون ذلك بالدعم المادى والمعنوى.
من ذلك، فى الحالة المصرية، مثلاً، فقد ظل فيها جامع ومعهد أزهر واحد طيلة أكثر من ألف سنة، وهو الأزهر الشريف، ومقره القاهرة الفاطمية بجوار حى الجمّالية. ولكن مع نهاية سبعينيات القرن العشرين بدأ الإغداق على الأزهر الشريف، وعلى أساتذته، وتشجيعهم على إنشاء فروع للأزهر فى بقية عواصم المُحافظات، وحتى بعض المراكز المصرية الأخرى، بما فى ذلك مدارس للمراحل التعليمية الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، حتى أصبح نظام التعليم المصرى مُزدوجاً، من حيث مناهجه ومُعلميه وتلاميذه. فأصبح هناك، مثلاً شهادة ثانوية أزهرية إلى جانب شهادة الثانوية العامة. ومع مطلع القرن الواحد والعشرين، أصبح المُنخرطون فى نظام التعليم الأزهرى فى كل المراحل ـ من الابتدائى إلى الجامعى حوالى الرُبع (٢٥%) من العدد الإجمالى للطلبة فى جمهورية مصر العربية.
ولأن ضمن ذلك التعليم الأزهرى الجامعى، ثمة كُليات للشريعة والقانون، أى المُقابل الوظيفى لكُليات الحقوق فى الجامعات المصرية الأقدم، سُميت بكُليات الشريعة والقانون. وأصبح لخريجيها نفس حقوق خريجى كُليات الحقوق المصرية الأخرى، بما فى ذلك تعيين أوائلها فى مناصب النيابة العامة والقضاء. وهكذا، استمر غزو الإسلام الوهابى للمؤسسات المصرية، حتى أكثرها مدنية وحداثة. وفى غضون العقود الأربعة الأخيرة. كانت مؤسسات مثل النيابة العامة، والنيابة الإدارية، ومجلس الدولة، ومحكمتى النقض والدستورية العُليا قد تدرج إلى قمّتها بعض خريجى هذه المدارس والمعاهد والجامعات الأزهرية، بكل ما تشبّعت به عقولهم ووجدانهم من تأثيرات ذلك الإسلام الوهابى، المُمعن فى تزمته وتشدّده.
ويقول تلميذى القبطى الفصيح، إن الأقباط المصريين كانوا وما زالوا أكثر ضحايا ذلك الغزو الوهابى لمصر من زاويتين: الأولى والمُباشرة، هى حرمان الأطفال والشباب المسيحى من فُرص التعليم فى ذلك القطاع الأزهرى الذى أصبح يُمثل رُبع منظومة التعليم فى مصر المحروسة. أما الزاوية الثانية والأكثر فداحة، فهى خُسارة الأقباط، وكل المصريين لتعليم ومُمارسات الإسلام الوسطى المُستنير والمُتسامح، الذى عاش فى ظله الأقباط لأكثر من أربعة عشر قرناً (١٤٠٠ سنة).
وفجأة ارتفعت نبرة الحُزن والأسى فى صوت تلميذى الأسبق: إن حادث تفجير الكنيسة البُطرسية فى العباسية يوم الأحد ١١ ديسمبر، ما هو إلا مظهر واحد للحصاد المُر للغزو الوهابى الذى بدأ التسلل إلى مصر فى أعقاب الطفرة النفطية فى منتصف سبعينيات القرن الماضى.
وصدق القبطى الفصيح. فلا حول ولا قوة إلا بالله
وعلى الله قصد السبيل

خالد منتصر - الندم فضيلة لا يعرفها الحمقى - جريدة الوطن - 24/12/2016



أرسل أبوالعلا عبدربه، قاتل فرج فودة، تحياته إلينا عبر «فيس بوك» متوعداً كل من سيسير على نهج «فودة» من إسلام بحيرى إلى الشيخ عبدالله نصر بالويل والثبور وعظائم الأمور، أرسلها من «حلب» حيث التحق بـ«داعش» مواصلاً مهمته المقدسة فى القتل والذبح، هل ندم «أبوالعلا» بعد السجن؟!، هل ندم بعد إفراج عصابة الإرهاب الخونة الإخوان عنه بعفو رئاسى بواسطة ممثلهم فى الاتحادية فى 2012 ضمن زمرة من الإرهابيين القتلة الذين أصبحوا جنود الجحيم ممن تفرقوا فى أنحاء مصر والعالم ليشعلوا نيران الحقد والدمار فى العالم؟!، هل ندم بعد أن صار نجماً فى الاستوديوهات وأمام الكاميرات يستضيفه الإعلاميون من فارغى العقل ومزيفى الوعى والباحثين عن أى إثارة على جثة الوطن؟!، الإجابة طبعاً لا، وصورته فى «حلب» بملابس الحرب وتحت راية «داعش» هى خير إجابة على أن الحمقى لا يعرفون فضيلة الندم، وأن الغباء عدو الإحساس بالذنب!، هل بعد خروج الإخوان من السجن سيحسون بالندم والذنب على ما اقترفوه فى حق هذا الوطن؟، إذا كانوا يعتبرونه وطنهم ويعترفون بالوطن أساساً سيندمون، لكن الوطن عندهم مجرد سكن والوطنية خرافة والخلافة غاية والإخوانى الحمساوى والتركى والقطرى والماليزى أفضل ألف مرة من المسلم المصرى، أما المسيحى المصرى فحدث ولا حرج!، خرجوا من سجون «عبدالناصر» وتخيل وتوهم «السادات» أنه من الممكن دمجهم فى الحياة السياسية، واستخدمهم فى معركته ضد اليسار والناصريين، تواطأ الكارهون والمتدروشون معه، لكنهم فى النهاية التهموه فى يوم عرسه واغتالوه على المنصة، بعد اغتيال «الخازندار والنقراشى»، ووثيقة الندم التى كتبها مرشد الإخوان قائلاً بأن القتلة ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، اكتشفنا أنها مجرد شقشقات سجع وبلاغة جناس ولعب باللغة والبديع، عاد التنظيم السرى واكتشفنا أن «السندى» صار محمد كمال، وأن القسم على المصحف والمسدس ما زال سارياً، خرج الجهاديون والتكفيريون بعد أن تخدرت الدولة بكلوروفورم المراجعات التى هى فى الحقيقة تراجعات، وصار بعضهم يكتب فى الصحف كتائب عن الذنب ونادم على الفعل، تسللوا إلى أدمغتنا من مسام الطيبة المصرية والسذاجة المتأصلة، فصدقناهم وغنينا الصلح خير، وقلنا نطوى الماضى ونشتغل على ميّه بيضا، ليخرج علينا عاصم عبدالماجد، الذى أسس حزباً وأوهمنا بأنه يؤمن بديمقراطية تشرشل، ليقول فى ندوة وفى برامج رداً على سؤال هل أنت نادم على قتل وذبح الثمانين ضابطاً وجندياً ومدنياً فى مجزرة أسيوط؟ رد متفاخراً: لست بنادم ولو عاد بى الزمن سأكرر فعلتى، تحسس الرصاصة المستقرة فى ساقه ولم يتحسس دماغه التى يتصور أنها مخزن الحق!!، هل تتصورون أن «مرسى» سيندم؟ أو «البلتاجى» أو «بديع» أو «الشاطر».. إلى آخر قائمة الفاشية الدينية؟!، هل تتخيلون أنكم ستستيقظون يوماً ما على بيان من أيمن الظواهرى أو أبى بكر البغدادى أو قادة ميليشيات الدم فى سوريا من اللاعبين بالجماجم.. إلخ، يعلنون فيه توبتهم وندمهم على ما فعلوا؟ ندمهم على الدم النازف والأشلاء المبتورة والجلود المحروقة، إذا كان سيد قطب لم يفعلها أمام المشنقة، وكذلك عادل حبارة، ومهندس الدم الذى ألقى بالأطفال من فوق أسطح عمارة الإسكندرية!! فهل سيفعلها هؤلاء؟ الندم سلوك إنسانى، وهؤلاء لا يعرفون الإنسانية، الندم إجراء وجدانى وعقلانى وهؤلاء استأصلوا الوجدان وختنوا العقل منذ زمن بعيد.

د. عماد جاد - حصاد «فائض» التدين الشكلى (٢) - جريدة الوطن - 24/12/2016

لدينا فائض ضخم من التدين الشكلى الذى لا يصل إلى عمق الإنسان ولا ينبع من قيم الدين وفضائله، فنحن أكثر شعوب الدنيا حديثاً عن الدين وتوظيفاً له، ويصعب وصفنا بالمتدينين، فالتدين الحقيقى هو إيمان بقيم وفضائل عليا وسمو أخلاقى، وما نراه فى الشارع المصرى وكافة مناحى الحياة اليومية لا يمكن أن يكون لمجتمع متدين، بل مجتمع مظاهر تدينه شكلى، يعبد الله بشفتيه أما القلوب فمنصرفة فى شئونها الخاصة، ونحن نعلم أن الإيمان هو «ما وقر فى القلب وصدقه العمل» فلا قلوب عامرة بالإيمان ولا أعمال صالحة، فقط مظاهر شكلية. أذكر قصة بعض لاعبى النادى الأهلى الذين كان همهم الأعظم هو إقناع مدربهم البرتغالى مانويل جوزيه باعتناق الإسلام، تسابق على محاولة الفوز بحسنات من يدخل شخصاً الإسلام، نفس الأمر تكرر فى تعامل بعض لاعبى فريقنا الوطنى لكرة القدم وعدد من الإعلاميين مع حضور مدير المنتخب الوطنى، الأرجنتينى الجنسية هيكتور كوبر، جزءاً من خطبة الجمعة مع اللاعبين وحرصه على الامتناع عن الأكل والشرب فى نهار رمضان فى حضرة اللاعبين، على أن المدرب سوف يشهر إسلامه، راقبوا كل خطوة وكل حركة للرجل وعقبوا عليها بالقول اقترب من اعتناق الإسلام، على خطوات من إشهار إسلامه، لم يتوقفوا أمام حرفية الرجل وأنه مدرب محترف يتعايش مع لاعبيه ويحرص على معايشتهم، لم يتوقفوا أمام حرص الرجل على الاندماج مع اللاعبين وتهيئتهم للمباراة التى أقيمت أمام تنزانيا وصعدت بالفريق إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية لأول مرة بعد غياب ثلاث مرات متتالية، لم يجدوا فى معايشة المدرب للاعبيه سوى أنه على وشك اعتناق الإسلام، وعندما كثر الحديث عن الموضوع اضطر الرجل لأن يعلن صراحة وعلى الملأ أنه لا يفكر فى اعتناق الإسلام وأن حضوره جزءاً من خطبة الجمعة وامتناعه عن الطعام فى نهار رمضان هو نوع من معايشة اللاعبين بصفته مدرباً محترفاً!!
آن الأوان لوقف حالة الهوس والتدين الشكلى والعمل وفق المبدأ الإيمانى الذى يقول «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل» احتفظوا بالإيمان فى القلوب ولتكن أعمالكم دالة على ما فى قلوبكم من قيم ومبادئ، تعلموا وعلموا أولادكم أن من يختلف معكم ومعهم فى الدين أو المعتقد أو الحضارة ليس مشركاً ولا كافراً أو نجساً، تعلموا وعلموهم حب الناس على مختلف أديانهم، افتحوا قلوبكم وعقولكم لكلمات الرائع الراحل نيلسون مانديلا التى قال فيها «لا يوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه.. الناس تعلمت الكراهية، وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذن بإمكاننا تعليمهم الحب.. خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية».
آن الأوان للتخلص من إرث التعصب والانغلاق والكراهية واستلهام قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك واحترام المغاير والمختلف، تلك هى مصر التى نتطلع إليها، مصر المتوسطية المنفتحة على العالم التى احتضنت أصحاب مختلف الأديان، الطوائف، العقائد والمعتقدات على مر تاريخها وكانت ملاذاً آمناً للجميع من يهود (يوسف) ومسيحيى (السيد المسيح عندما كان طفلاً) ومسلمين (فى زمن الخلافة الأولى)، ولاحقاً كانت ملاذاً لكل باحث عن الأمن والأمان، فكانت ملاذاً آمناً لملوك ألبانيا، اليونان وإمبراطور إيران بعد خلعهم من السلطة، مصر العقلانية وقتها كانت ملجأ الباحثين عن العمل من الأوروبيين الذين كانوا يأتون فى المراكب (هجرة غير شرعية) بحثاً عن الأمن والأمان ولقمة العيش التى كانت متوافرة للجميع، مصر التى كانت تقوم بمعادلة شهادات كليات الطب لبعض الدول الأوروبية قبل أن تسمح لهم بممارسة المهنة على أراضيها، ولم يكن من حامل شهادة طب قصر العينى معادلة الشهادة فى أى مكان فى الدنيا، يوم أن كانت مصر متسامحة، منفتحة، عقلانية كانت بقعة مضيئة ونموذجاً يحتذى لكل ما يريد تعلم التحضر.

على هامش البطرسية فاطمة ناعوت 21-12-2016 المصرى اليوم


اتّصلتْ بي تليفونيًّا صديقتي الراهبةُ وهي تبكي مساءَ يوم المذبحة التي جرت الأسبوع الماضي في الكنيسة البطرسية بالعباسية. فواسيتُها وقد ظننتُ دموعَها، تشبه دموعَنا: حزنًا على مَن رحلوا، وأسفًا على مصير المجرم التعس بما صنعت يداه الآثمتان. لكنني فوجئتُ بها تقول وهي تُغالب النشيج: «كان مفروض أروح الكنيسة النهادره وأحضر القدّاس معاهم. بس للأسف مرحتش عشان أمي كانت مريضة وكان لازم أقعد معاها. خسرت بركة كبيرة النهارده! كان نفسي أروح السماء مع اللي راحوا، لكن ظروفي حرمتني من البركة الكبيرة دي! يا خسارة!» يا إلهي! أيُّ بشرٍ هؤلاء؟! إنهم يعرفون كيف يُفسِدون على السفّاحين فرحتَهم!

تحيةَ احترام وتقدير للأستاذ الدكتور «عمر سلمان»، عميد كلية التجارة جامعة حلوان، ولهيئة التدريس بتلك الجامعة، الذين قرروا إطلاق اسم الشهيدة الطالبة: «مارينا فهيم» شهيدة تفجير الكنيسة البطرسية، على دفعة العام الحالى بالكلية ٢٠١٧، تلك التي كان من المقرّر أن تكون تلك الصبيةُ الجميلة من بين خرّيجيها، لولا أن قطفت عمرَها الغضًّ، يدٌ فاجرةٌ لا تعرفُ الله. كما يدرسون حاليًا فكرة إطلاق اسمها على أحد المدرجات بالجامعة التي دخلتها تلك الجميلةُ، ودرست على مقاعدها قبل أن تغتالَ أحلامَها، وأحلامَ أسرتها، تلك اليدُ السوداء قبل إتمام دراستها. كل احترامي لجسارته وتقديمه رسالة جميلة، وبليغة. أما الرسالةُ فتقول للإرهاب بصوتِ جهور: «إن مَن تغتالونهم لا ينالون حظّهم الثريَّ في السماء وحسب، بوصفهم شهداء أحياءً عند ربّهم يُرزقون، إنما ينالون كذلك تكريمًا مستحقًّا في الدنيا التي حرمتوهم منها، وحرمتوها منهم. فحبِطتْ أعمالُكم.»، والعُقبى لرسائل أخرى مماثلة، علّها تُفسِدُ على الإرهابيين فرحتهم بانتصار وهميّ يظّنون به أنهم يُهلكون مَن يستهدفون من ضحايا وشهداء. خاب ظنّهم، وفسدَ ما يدبّرون بليلٍ.

اتصلتُ بالأستاذ عماد أمين، الذي قدّم للشهادة على مذبح الكنيسة البطرسية زوجتَه وابنتَه الصبيّة الجميلة، لكي أُعزّيه وأعتذر له عمّا فعل به السفهاءُ منّا، وما هم منّا!! ففوجئتُ به يقول: «بتعزّيني ليه يا أستاذة فاطمة؟! باركي لي. أنا أخدت بركة كبيرة جدًّا النهارده مكنتش أحلم بيها!» ثم أردف قائلاً: «بس أنا زعلان منهم (زوجته وابنته)، عشان أخدوا البركة لوحدهم وسابوني أنا وابني هنا على الأرض وحدنا. إحنا كأسرة، اتعودنا طول عمرنا نقتسم مع بعض الخير والشر. لكن النهارده مراتي وبنتي ليه مقسموش معانا النعمة دي؟! وعاوز أقولك إني بأشكر الشابّ اللي قتلهم لأنه طمّني عليهم ووصلهم السماء بدري لشدّ ما تعذبوننا بغفرانكم!».

بالأمس، فارقت الحياةَ الطفلةُ الجميلة «ماجي مؤمن» بعد غيابها في غيبوبة استمرت أسبوعًا كاملا. طفلة ساحرة أدهشتِ الجميعَ بابتسامتها العذبة التي لم أرَ مثيلاً لها، حتى أطلق المصريون عليها: «صاحبة أجمل ضحكة في مصر». استشهدت تلك الطفلةُ الجميلة التي لم تعرف الإثمَ ولا الخطيئة في سنوات عمرها النحيل، لتُكمل عقدَ الشهداء بلؤلؤة أخيرة فيصير سبعًا وعشرين لؤلؤة بريئة مغدورة. أيتها الملاك النقيّ، يدٌ سوداء مجرمةٌ قطفتك وأنت برعمةٌ بعدُ لم تتفتح للحياة. سامحينا.

ترقدُ الآن على فراش التعافي، بإذن الله، طفلةٌ أخرى جميلة اسمها «دميانة»، نالها من شظايا الحزام الناسف ما نالها، فأصيبت بتهتك هائل في كبدها الصغير. نسألُ اللهَ العليَّ الرحيم أن يمدَّ لها يدَه الطيبة بالتعافي، حتى لا نفقدَ روحًا بريئة جديدة، ويزيدَ العقدُ الدُّريُّ لؤلؤةً.



سامحونا.