Translate

Wednesday, December 30, 2015

السنة الجديدة للمطران جورج خضر


Metorpolitan Georges Khodr

 
السنة الجديدة
السنة الـ٢٠١٦ لن تصير جديدة إذا لم تصنعها أنت جديدة برحمة الله عليك وطاعتك إياه. الأحداث هي إياها فيها البؤس وفيها الفرح. وإذا أنت تقبلتها بإيمان هي تجددك. السنة هذه إذا أقبلت تجدد فيك الخير إذا شئته أو تبقيك على عتاقتك. الجدة ليست في الأحداث. انها تتشابه. الجدة في قلبك إذا قبلت ان يترك الخطيئة. انها العتاقة. لا تخف عند تقادم الزمان عليك فهو يؤتيك بالخير أحيانا أي بنعمة الله. تنزل هذه إذا شئتها.
مسيرتك فيها حياة لك من الله إذا قبلته وان لم تقبل فيها سقوط. لا تقف الحياة ولكن لك ان تجعلها موجهة إلى الله ولك ان تتركها بلا إله. ربك يجيء إذا دعوته وسنتك ليست جديدة بتقادم أيامها ولكن تصبح جديدة ان دعوت ربك إليها. الأحداث أحداث على بهائها أو على قبحها. حول كل حدث في حياتك لقاء مع ربك ليكون لحياتك مضمون. والا اجتررت الأيام فتشابهت بما فيها من حزن وفرح. ليس المهم هذا أو ذاك. الأهمية ان تطيع ربك لتحيا.
إذًا ليس من جديد الا القلب الجديد. كثيرًا ما كان للناس سرور سطحي أي بصحتهم أو بأولادهم أو بما يكسبون. قلبك جديد إذا دعوت الله إلى سكناه. إذا ليس من سنة جديدة الا إذا صار قلبك جديدا. وهذا يصير بالتوبة لأنها هي الجديد في القلب البشري.
غالبًا ما تحزن في السنة المقبلة إذا خسرت مالاً أو صحة أو جاهًا. وان أردت ان تحيا في البر تفرح ما دام فيك. وإذا فهمت مرة في اختبار عميق ان البر حياتك تعيش مع الله. السنة جديدة تكون إذا قبلت ان يتجدد قلبك بالبر والطهارة. غير ذلك من الدنيا.
إذا أنت لك ان تصبح جديدًا أو ان تبقى عتيقًا. ليس لك بر الا الذي ينزل عليك وهو دائما ينزل إذا طلبته من الله أي إذا قصدت ان تحيا مع الله وحده ولا تشرك به أحدا أو شيئا. في الحقيقة ليس من سنة جديدة. قلبك يتجدد بالله أو لا يتجدد. والقلب خارجا عن الله مجرد عضلة. إذا لا تسع إلى الله خارجًا عن قلبك. السماء في قلبك وخارجا عنه لا تراها. جدد قلبك أي دعه دائما يتجدد بالرب. إذ ذاك تراه نازلاً من عنده. إذ ذاك لا تهمك أيام جديدة ولا تنتظر الأحداث. تشتاق فقط إلى قلب لك جديد وهذا يكون كذلك فقط إذا الله سكنه.
لك ان تتشبه بالصالحين لترى الله في قلبك. وهذا يعني منك توبة حقيقية أي رجوعًا كيانيًا إلى الرب بحيث لا تعرف الا وجهه. إذا أحسست ان وجها يأخذك عن الرب غادره حتى تعود الطهارة إليك. الوجوه التي لا تعكس بهاء ربك اتركها. انها مضلة.
اعتزل الذين لا يحبون الله وان اقتضت مصالحك ان تلتقيهم. لا تجعل في قلبك الا محبي الله واغفر للخطأة حتى يتوبوا إليه. اخش الخطأة الكبار يؤذوك. لك ان ترشدهم وليس لك ان تعاشرهم. عزلتك بعضا مفيدة لتوبتك. لا تحس نفسك كبيرًا أو قويًا. في هذا خطر. في التوبة ترى دائما نفسك صغيرا.
هذه السنة املأها بالتوبة. ليس فيها شيء آخر. فكر الله ان تكون له في كل يوم فلا ترجئ التوبة إلى الغد. قد لا يأتيك غد. «يكفي كل يوم شره». إذًا كل يوم خذ نصيحة الكتاب الإلهي تعش بها يومك. وقبل نومك استودع الله نفسك فقد لا تستيقظ. لا تؤجل مواجهة الله فقد لا ترى لك غدا «استيقظ أيها النائم فيضيء لك المسيح». ليس لك من سنة جديدة الا إذا كان ربك مالئها. أفهم انك ان لم تكن له لست بشيء. صر إذًا له.

لا حياء فى الدين ولا ازدراء فى العلم خالد منتصر الخميس 23-04-2015 21:32 - المصرى اليوم

نداء إلى شيوخ الأزهر: «إذا كنتم تريدون التدين علماً وكتاب البخارى science فيجب أن تشطبوا وتلغوا كلمة ازدراء التى رفع على أساسها شيخ الأزهر قضية ضد إسلام بحيرى»، فالازدراء الذى تقصدونه، والذى دارت حوله حلقات ومناظرات إسلام، ومن قبله نصر أبوزيد وفرج فودة وجمال البنا وغيرهم، هو وقود التغيير فى العلم وشرطه الأساسى، فلو كان حوار العلماء واختلافهم ترجمة لما قالته د. فايزة خاطر، أستاذة العقيدة بالأزهر، والتى اتهمت إسلام بحيرى بأنه جنرال إسرائيلى ويجب إهدار دمه، لما تقدم العلم خطوة واحدة، ولو كانت المجامع العلمية والكليات الملكية تحت إشراف الدعوة السلفية التى طالبت بتطبيق حد الردة عليه، لظللنا فى مرحلة إنسان الكهف حتى هذه اللحظة! إن هؤلاء لم يمارسوا ازدراء عقيدة أو أديان، ولكنهم مارسوا ازدراء فهم أديان، أو بالأصح نقد فهم الأديان ومناهج تفسيرها وما اعتبره البعض مسلمات وبديهيات. لو درسنا تاريخ العلم الحقيقى لوجدنا أن تقدم العلم مرهون بما تسمونه ازدراء، ولو تفحصنا تطور الحضارة لوجدناه صاعداً على سلم هذا الازدراء. إذا كان النقد والتفكير والعقل والسؤال ورفض الوصاية ازدراء فمرحباً بالازدراء. جاليليو لولا أنه مارس الازدراء لأفكار العلم الراكدة ومسلمات أسلافه المريضة، لكنا حتى الآن نعيش أسرى فهم كنيسة العصور الوسطى لمركزية الأرض ودوران الشمس حولها، والتى آمن بها أيضاً مفتى الوهابية ابن باز ونشرها فى كتاب، مكفراً كل من قال إن الأرض كروية تدور حول الشمس!! لو كان إدوارد جينر، مكتشف تطعيم الجدرى، قد حوكم بتهمة الازدراء، لكنا حتى الآن ندفن ملايين البشر من ضحايا هذا المرض اللعين الذى كان يبيد مدناً بأكملها، ونحن نلطم الخدود ونمصمص الشفاه، قليلى الحيلة. لو كانت أوروبا قد استمعت واقتنعت بكلام الكنيسة التى هاجمت جينر، قائلة إنه قد عارض مشيئة الله بهذا التطعيم، لأن الجدرى هو عقاب ربانى على خطيئة البشر
- وهو ما كرره زغلول النجار بنفس الفهم والألفاظ، تفسيراً لإعصار تسونامى وضحاياه ممن يرتدون البكينى على شواطئ إندونيسيا!! لعاشت أوروبا جحيم الجدرى والطاعون والسل وغيرها من عقوبات الخطايا!! لو كان العالم يفكر بطريقة طالبان التى تمنع وتحرم لقاح شلل الأطفال، بل تهاجم قوافل منظمة الصحة، لكنا مازلنا نضع أطفالنا المشلولين فى زنزانة التنفس الصناعى حتى يأتيهم الموت!! المجتمع العلمى بحق وحقيقى لا يغضب من النقد ولا يصاب بالهستيريا أو «يتقمص» حين يخرج عالم ليطيح بنظرية عالم سابق، بل على العكس يطالب العلماء ويلح المجتمع العلمى على النقد والمراجعة والتخطئة بكل صرامة ورحابة صدر، ومن يحضر المؤتمرات العلمية اللى بجد، والتى تستحق هذا الاسم، فسيشاهد الازدراء عن حق وبالصوت والصورة، ويا ويل العالِم الذى يعرض ورقته البحثية دون أدلة معتبرة ومراجع محترمة، فسيكون نصيبه النقد القاسى الذى يصل أحياناً إلى حد الشرشحة! لم يرفع المجتمع العلمى قضية ازدراء على أينشتاين، لأنه تمرد وخالف أستاذ الأساتذة ومرجع المراجع نيوتن وأتى بفيزياء جديدة، وكذلك أينشتاين لم يرغ ويزبد ويسب ويلعن أصحاب الكوانتم والكم الذين تجاسروا وتجرأوا وأضافوا وتخطوا فيزياء أينشتاين المقدس، ورثة نيوتن كانوا سعداء بتقدم العلم، وأينشتاين نفسه كان مبتهجاً بألوان الطيف النقدية التى دخلت على نظريته، العلم ليس فيه ملالى ولا كهنة ولا شيوخ، المعامل لا تحتمل مجامع الفقهاء أو الكرادلة أو البابوات، العلم يرفض محتكرى الكلمة الأخيرة وأصحاب نظرية لا تجادل يا أخى، وليس فيه مكان لأعضاء حزب «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، العلم فيه سؤال دائم وبحث مؤرق وفضول مزمن وعطش لا يرتوى، إذا قبلتم تلك الشروط الازدرائية النقدية، شيوخنا الأعزاء، فسنقبل أن نطلق عليكم علماء.

Tuesday, December 29, 2015

مهزلة إلغاء انتخابات طلاب الجامعة بقلم د. محمد أبوالغار ٢٩/ ١٢/ ٢٠١٥ - المصرى اليوم-

أجريت انتخابات اتحاد طلبة الجامعات وكالعادة قام أمن الدولة بتجهيز قائمة أمنية وقام بعمل كل التربيطات والضغوط اللازمة لإنجاح هذه القائمة ويبدو أن الأمن لم يعِ حتى الآن أن مصر قد تغيرت وخسرت قائمة الأمن أمام قائمة الطلبة الديمقراطيين، وتم إلغاء نتيجة الانتخابات بسبب شكلى تقدمت به جامعة الزقازيق.
الأمر كارثى ومذهل بعد ثورتين ويبدو أن أمن الدولة المسمى بالوطنى لم يع الدرس ويسير حثيثاً محاولاً السيطرة على كل شىء فى مصر، والنتيجة هى غضب شعبى من كل فئات المجتمع عمالا وطلبة وموظفين ورجال أعمال وأصحاب شركات، يعنى بالبلدى معاداة الشعب كله وهذا يثير الغضب ويضر بأمن مصر ويقلل من شعبية النظام لأسباب عدة:
١. الإهانة البالغة التى وجهت لوزير التعليم العالى ورؤساء الجامعات والأساتذة والطلاب بأن الأمن يدير شؤونهم ويفعل ما يريد ويضع الوزير والجميع فى موقف محرج، وكأن قرار إلغاء نتيجة الانتخابات هو قراره بينما هو قرار أمنى صادر من الداخلية. أين استقلال الجامعة؟ أين الحرية الأكاديمية؟ أين كرامة الجامعة؟ أرجو جميع المسؤولين عن الجامعات فى مصر أن يقرأوا تاريخ لطفى السيد فى الجامعة المصرية ليعرفوا حجم المهانة التى وصل إليها الجميع.
٢. أن يحدث ذلك فى ظل صمت القيادة يعنى موافقة ضمنية على التدخل الأمنى المذهل ويعنى أن رئيس الوزراء والوزراء يخافون اتخاذ أى قرار بدون موافقة الأمن فكيف نطلب منهم عملاً أو ابتكاراً أو أى تقدم. أريد أن أقول لهم ما قاله صلاح جاهين:
«سهير ليالى وياما لفيت وطفت
وفى ليلة راجع فى الظلام قمت شفت
الخوف كأنه كلب سد الطريق
وكنت عاوز أقتله بس خفت.. عجبى»
٣. عيب كبير أن يتحجج المسؤولون بخطأ إجرائى فى جامعة الزقازيق هم المتسببون فيه وهم المسؤولون عنه ويعرفون أن هناك حكما من الإدارية العليا فى أمر مماثل يؤكد عدم إلغاء النتيجة.
٤. مصر الآن فى مفترق الطرق، لا أحد عاقل يريد أن يفشل النظام الحاكم والرئيس لأن ذلك يعنى فوضى وكارثة تضر بكيان مصر كدولة ولكن يبدو أن بعض الأجهزة الأمنية لا تعرف أن كل هذه القرارات الخائبة تضر بهيبة أساتذة الجامعة والوزير ومجلس الوزراء والدولة وتؤدى إلى تآكل فى شعبية الرئيس.
مصر تغيرت وشعبها تغير، وكانت ثورة ٢٥ يناير نقطة حاسمة أدت إلى أن يأخذ الجميع فى الاعتبار رأى الشعب ومشاعره وهذا ما يفعله العاقلون عموماً، إلا بعض الجهات الأمنية التى يبدو أن فهمها للأمن السياسى ضعيف شويتين والتى تؤدى أفعالها إلى كارثة فى مصر ومستقبلها، ولا يمكن أن نترك كل القرارات السياسية بين أيديها، يا رئيس الوزراء والوزراء المحترمين خذوا قراراتكم بأنفسكم لما فيه صالح وطن واعتبروا أن ما يقوله الأمن توصيات وليس أوامر «و ما تخافوش قوى كده». أرجوكم فكروا فى مصر ومصلحتها ومستقبلها.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج فى حوار لـ«المصري اليوم»: أنا وزيرة بلا وزارة.. ولا يليق أن تكون «دور فى عمارة» - ٢٩/ ١٢/ ٢٠١٥

   أجرت الحوار   رانيـا بـدوى    










اعترفت الدكتورة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، أنها وزيرة بلا وزارة حقيقية، وأنها ستبقى صامدة أمام محاولات هدم الوزارة، ولن تترك صلاحياتها لجهات أخرى، لافتة إلى أنها تقدمت بطلب لتغيير المقر، لأنه لا يليق أن يكون مقر وزارة شؤون الهجرة والمصريين بالخارج فى الدور العاشر فى إحدى العمارات.
وقالت «نبيلة» فى حوار لـ«المصرى اليوم» إن الوزارة رصدت محاولات لاستقطاب الشباب المصرى بالخارج، لأفكار متطرفة من قبل منظمات، وجمعيات أجنبية، لذا قررت التواصل مع الشباب فى الخارج، وسيتم تنظيم جولات لعدد من الدول، لشرح الإسلام الوسطى، والثقافة المستنيرة لشبابنا، حتى لا يتم تركهم فريسة للأفكار المتطرفة.
وأضافت أن الوزارة وقعت بروتوكول تعاون مع وزارة الثقافة، لتنظيم ندوات للشباب حول الفنون والثقافة، السينما والدراما، وأنها ستستعين بالدكتور سعد الهلالى، ليحدثهم عن الفقه والدين الوسطى والإسلام المنفتح المتطور، وليس شيوخ الأزهر، منوهة بأنها لا تؤمن بنظرية المؤامرة إطلاقا، لأنها الحل الأسهل دائما للهروب من المشكلات، وأنها تؤمن أن هناك تحديات كبيرة يجب العمل بجدية للتغلب عليها، وإلى نص الحوار:
■ هل لدينا بيانات عن المصريين الذين ذهبوا للعراق وسوريا وانضموا لـ«داعش»؟
- لا أعلم، لكن لاحظنا أن هناك محاولات لاستقطاب الشباب المصرى بالخارج، لأفكار متطرفة من قبل منظمات، وجمعيات أجنبية، لذا قررنا كوزارة أن نتواصل مع شبابنا فى الخارج، وسيتم تنظيم جولات لعدد من الدول، لشرح الإسلام الوسطى، والثقافة المستنيرة لشبابنا، حتى لا نتركهم فريسة للأفكار المتطرفة، والمنظمات الإرهابية، لذا وقعت بروتوكول تعاون مع وزارة الثقافة، وسيشارك فى هذه الندوات الفنان محمد صبحى، الذى سيحدث الشباب عن تراثنا الجميل من الفنون والثقافة، السينما والدراما، وكذلك الدكتور سعد الهلالى، ليحدثهم عن الفقه والدين الوسطى والإسلام المنفتح المتطور.
■ ألن تستعينوا بشيوخ الأزهر؟
- لا.. لأننا نخاطب عقولا مستواها متطور وأفكارها منفتحة على الخارج، ولكى تؤثرى فى تلك العقول يجب أن يكون عبر شخص لديه فكر متطور.
■ أفهم من حديثك أن هناك خطرا قائما على أبنائنا الذين نرسلهم للتعليم فى الخارج؟
- بكل تأكيد الخطر قائم، وهؤلاء الشباب يسهل استقطابه فى الخارج عن الداخل، حيث إنه بعيد عن أسرته، وبالتالى هو حر طليق، وقد تم رصد استقطاب للمصريين فى دولة فرنسا من قبل جماعات بعينها حيث يتم وضعهم فى مراكز خاصة لبناء أفكارهم بشكل مغاير لصحيح الدين، أما هنا فالشاب يوجد فى محيط الأسرة والمسجد والكنيسة ما يقلل فرص الاستقطاب.
■ مع استفحال ظاهرة الإسلاموفوبيا..كيف ستتعاملين مع ازدياد حالات التحرش بالمسلمين فى الخارج؟
- أولا يوجد سيادة للدول علينا احترامها، فمثلا عندما تعرض مواطن مصرى فى الكويت للدهس، وتم ترحيل عدد من المصريين الذين اقتحموا المستشفى وكسروا محتوياتها، غضبا من الواقعة، هنا لا أستطيع ان أطالب الكويت بعدم الترحيل، فنحن هنا أيضا نرحل من لا يلتزم بالقانون المصرى، لكن على الجانب الآخر أحمى المواطنين الأبرياء، وأتابع أى اعتداء يتم على أى مواطن حتى يأخذ حقه، ونتابع قضية المصرى الذى قتل هناك وسيأخذ الجانى عقابه،
وعندما وقعت أحداث باريس أصدرت بيانا وناشدت المصريين فى أوروبا ضبط النفس، والتعامل مع سلطات التحقيقات بدولهم، والبعد عن البؤر التى بها أفكار متطرفة، وإظهار رفضهم لعمليات الإرهاب، وإدانتها، وبعد مرور نحو ١٠ أيام على هذا البيان تم الاعتداء على مواطن مصرى فى إيطاليا من قبل مواطن إيطالى اتهمه بأنه مسلم متطرف وتطور الأمر إلى أن قام بضربه وأحدث بوجهه إصابات بالغة فاتصلت بالمواطن المصرى وطلبت منه الذهاب إلى المستشفى لإصدار تقرير طبى وعمل محضر بالشرطة إلا أن أحد الضباط هناك رفض عمل محضر فاتصلت بالداخلية الإيطالية، وقلت لهم إنه سيتم تصعيد، الأمر الى أعلى مستوى، وبالفعل تم تحرير المحضر ونتابع سير القضية حتى إن المواطن المصرى نفسه لم يكن مصدقا أننى أهاتفه وأتابع قضيته خطوة بخطوة، فلم يعتد المواطن أن يتصل به وزير وأن يهتم بمشكلته.
■ هل تؤمنين بنظرية المؤامرة على مصر؟
- لا أؤمن بها إطلاقا، إنها الحل الأسهل دائما للهروب من المشكلات، أنا أؤمن أن لدينا تحديات كبيرة علينا العمل بجدية للتغلب عليها.
■ إذن كيف تابعتِ أزمة الطائرة الروسية؟
ـ نظرت إلى الموضوع على أنه حادث عادى، يدفعنا للتركيز على معالجة الثغرات فى المطارات المصرية، كما أرى أن قطاع السياحة بحاجة إلى جهد أكبر ولا يجب أن ننتظر المصيبة حتى تحدث، ولا أن نتحدث عن نظرية المؤامرة كثيرا، علينا أن نلتفت إلى العمل وحسب، كما علينا أن ندرك أن للدول مصالح تدافع عنها، وأن كل دولة تحافظ على رعاياها، صحيح هناك دول تحاول إفشالنا، لكن هذا ليس معناه الارتكان دائما إلى نظرية المؤامرة، فى التعامل مع الأشياء، لدينا تحديات كبيرة، ومشاكل داخلية كثيرة علينا الاعتراف بها والعمل على حلها.
■ نعود إلى ملف المصريين بالخارج، وزارة الهجرة وزارة جديدة فهل تشعرين بأنها تحولت إلى وزارة فعلا؟
- بصراحة شديدة أنا وزيرة بلا وزارة حقيقية حتى الآن، فمازلت أشعر أنها مجرد قطاع لشؤون الهجرة، كما كانت فى السابق، الأدوات المتاحة حاليا لا تمكنى من الوقوف على أرض صلبة، لدى ٧٠ موظفا من قطاع الهجرة السابق، وأنا بحاجة إلى كوادر جديدة، وشابة، لديهم خبرة فى تكنولوجيا المعلومات، وقدرة على التواصل مع المصريين بالخارج، بالتأكيد هذا لا يعنى أن الموظفين الموجودين لا يحبون عملهم فهم متفانون فيه إلى أقصى درجة وجادين فى العمل، لكن ليسوا قادرين على إحداث النقلة التى أرغب فيها، أحتاج كوادر ذات مهارات خاصة فى التعامل مع الموقع الإلكترونى للوزارة والتواصل مع الخارج ووضع وتنفيذ استراتجية الوزارة.
■ هل تقدمتِ بتلك الطلبات إلى مجلس الوزراء؟
- نعم.. كما تقدمت بطلب لتغيير المقر، لأنه لا يليق أن يكون مقر وزارة شؤون الهجرة والمصريين بالخارج فى الدور العاشر فى إحدى العمارات، نحن بحاجة إلى مكان أوسع، وطالبت بميزانية تحتمل الجولات الخارجية وعقد المؤتمرات وجلب كوادر جديدة للعمل.
■ لكن ظروف البلد الاقتصادية لا تتحمل رفاهية الوزارات؟
- لم أطلب قصرا فى الزمالك، ويجب مساواتى بالوزارات الأخرى فى الميزانية والإمكانيات، فأنا لدى برامج لملفات لم يتطرق إليها أحد من قبل.
■ لكن البعض ما زال يراها وزارة على الورق «ذرا للرماد فى العيون»؟
- لا أعتقد ذلك، المسؤولون يدركون أهمية ملفات هذه الوزارة، وقبل أن أكون وزيرة كنت دبلوماسية وأعلم أهمية وجود تلك الوزارة، وأدرك مدى احتياج الجاليات المصرية بالخارج لها، وكيف أنهم يفتقدون آليات التواصل معهم.
■ هناك تداخل واضح فى الاختصاصات بين وزارتك وبعض الوزارات الأخرى.. كيف تتعاملين مع الأمر؟
- التداخل حقيقى رغم صعوبته إلا أننى مصرة على الاستمرار وسأقاتل للحصول على اختصاصاتى لأتحمل المسؤولية فى حالة الإخفاق، وسأتحدى جميع محاولات هدم الوزارة.
■ أفهم من ذلك أن هناك عدم تعاون معك من باقى الوزارات؟
- قالت بسخرية: إطلاقا هناك تعاون كامل بين جميع الوزارات.
■ هل عدد المصريين بالخارج ٨ ملايين مواطن حسب الإحصاء الرسمى؟
- أعتقد أن العدد لا يقل عن ١٢ مليون مصرى بالخارج.
■ ما هى أولوياتك فى العمل؟
- أولوياتى هى رعاية المصريين بالخارج وحل ملف الهجرة غير الشرعية والقضاء على المشكلات والمعوقات التى تقابل الهجرة الشرعية، ودعينى أبدأ بالهجرة الشرعية وهى حق لأى مواطن يريد ذلك، ولكن يجب أن تكون المكاتب التى تساعد الناس على الهجرة تحت إشرافى إذ يوجد عمليات نصب واحتيال كثيرة يتعرض لها الراغبون فى الهجرة، أما الهجرة غير الشرعية فهى ملفى منذ كنت أعمل فى روما، وكنت أتابع هذه القضية عن كثب، خاصة أن إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية استقبالا للهجرة غير الشرعية.
■ ما الأسباب من وجهة نظرك؟
- أولا لأنها بوابة أوروبا وثانيا لأنها تمنح الإقامة للقصر.
■ هل هذا ما يفسر ارتفاع عدد الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا من الأطفال القصر إلى ٤٠٠٠ قاصر مصرى؟
- نعم وللأسف تعد محافظتا المنيا وبنى سويف من أكثر المحافظات تصديرا للهجرة غير الشرعية للقصر، وقد التقيت مع بعض الأسر وبيت العائلة فى المنيا مؤخرا لإيجاد حلول لهذه الأزمة من المنبع، ثم توجهت إلى إيطاليا للوقوف على الحالة هناك، خاصة أن لدى البيانات الخاصة بمراكز إيواء هؤلاء القصر وتحدثت معهم واضطلعت على تفاصيل تهجيرهم، وكيف أن آباءهم وضعوهم كرها فى المراكب ليواجهوا الموت، ومصر تعد أعلى نسبة فى العالم من حيث الهجرة غير الشرعية والأعلى فى نسب تهجير الأطفال القصر.
■ كيف ستقضين على الظاهرة من المنبع كما تقولين؟
- الدراسات كثيرة جدا والقراءات أكثر، ولكننى أرى أن التعامل المباشرمع الأسر التى تلقى بأبنائها القصر فى البحر لن يكون إلا عبر الخطاب الدينى فى المساجد والكنائس.
■ لماذا؟
- نحن شعب عاطفى دينيا وهذه القرى والمناطق يؤثر فيهم هذا الخطاب، لذا أراه الحل الواقعى، بأن يظهروا للناس وللأسر أن إلقاء طفلهم فى مركب وإجباره على الهجرة غير الشرعية حرام شرعا، لأنه يعرض ابنه أو ابنته للهلاك.
■ ماذا عن التثقيف والتعليم وآليات العقاب.. هل هى حلول مطروحة؟
- التعليم والتثقيف يحتجان إلى وقت، ونسير فيهما بالتوازى مع باقى الحلول، أما بالنسبة للتجريم العقابى فقد طالبت بوضع مادة صريحة فى قانون الهجرة غير الشرعية الجديد بمعاقبة الأهل على التضحية بأطفالهم بهذه الصورة إذ إن نصف هؤلاء الأطفال يسافرون رغما عنهم، تلبية لرغبة أولياء أمورهم.
■ هل فكرتى فى الوضع الاقتصادى المتردى لهذه الأسر ما يدفعهم لذلك؟
- الدولة تعانى من ظروف اقتصادية صعبة فى كل القطاعات وإيجاد فرص عمل لهؤلاء فى الداخل مهمة الدولة بكل أجهزتها وليس وزارة الهجرة وحدها، لكن ما يمكن للوزارة فعله الاستفادة من كون أوروبا تعانى من زيادة الهجرة غير الشرعية المتوافدة عليها بطلب تمويل منها لصالح مشروعات تخدم هذه المحافظات ذات النسبة الأعلى فى تصدير الهجرة غير الشرعية. ونحن بالفعل نسير فى هذا الاتجاه.
■ ألم تفكرى فى التواصل مع الحكومة ورجال الأعمال للاستثمار فى هذه المناطق وإيجاد فرص عمل؟
- للأسف لا، خريطة الاستثمار منوط بها عدد من أجهزة الدولة الأخرى.
■ لكن يجب أن تكونى جزء من لجان وضع هذه الخريطة، لأن لديك بعدا اجتماعيا، فالاقتصاد أخطر من أن يترك للاقتصاديين وحدهم؟
ـ لديك حق.. آمل أن تضع الدولة فى اعتبارها المناطق الأكثر احتياجا لفرص العمل للسيطرة على ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ولكن كما قلت هذا دور عدد كبير من أجهزة الدولة، وما أملك عمله الآن التواصل مع المصريين بالخارج الراغبين فى مساعدة هذه المحافظات والمناطق الفقيرة والعشوائية، فالمصريون بالخارج لديهم رغبة قوية فى المشاركة فى تحسين الأوضاع يريدون فقط أن يشعروا أن مصر ملكهم وأنها فى حاجة إليهم وهذا ما أسعى إلى تعزيزه بالتواصل معهم وتلبية احتياجاتهم والدفاع عن حقوقهم، وتعد حادثتا الأردن والكويت مثالين جيدين رأى من خلالهما المواطن كيف أن الدولة تتحرك بشكل كبير وتدافع عن حقوق العاملين المصريين، وقد أحدث هذا الأمر صدى رائعا لدى العاملين بالخليج، وكذلك العلماء والخبراء الذين يريدون أن يتواصلوا مع بلدهم وهو ما وضح من خلال الاستجابة لـ«مبادرة الأطباء».
■ ما تفاصيل هذه المبادرة ومن صاحب الفكرة؟
- المبادرة فكرتى وتهدف إلى قدوم الأطباء المصريين المقيمين بالخارج لإجراء عمليات جراحية للمحتاجين وغير القادرين من المرضى فى الداخل كعمل تطوعى إنسانى، وقد بدأت بجس النبض عبر التواصل مع الدوائر التى أعرفها من المصريين بالخارج ففوجئت برد فعل مرحب للغاية، واستقبلت عددا من الإيميلات الضخم يطلب فيها الأطباء المشاركة فى المبادرة، وبعدما اطمأن قلبى توجهت بالفكرة إلى مجلس الوزراء، وطلبت رعاية رئيس مجلس الوزراء لتلك المبادرة واتفقنا مع وزير الصحة على المستشفيات التى ستجرى فيها العمليات، ومع بداية طرح المبادرة جاءتنى رسائل من عدد كبير من الأطباء فى تخصصات مختلفة، ووجدت صعوبة تنفيذ عمليات فى كل التخصصات فى نفس الوقت فقررنا البدء بأمراض الكبد نتيجة انتشارها فى مصر وسنبدأ بجراحات لزرع الكبد فى فبراير القادم إذ سيتم التنسيق مع ٣٠ طبيبا لعمل تلك الجراحات فى وقت واحد، كما تم الاتفاق على أن يعمل هؤلاء الأطباء فى معهد ناصر ومستشفى زايد التخصصى.
■ عملية زراعة الكبد ليست طبيبا إنما تحتاج إلى إمكانيات فى الأجهزة والتمريض وغيرها قد لا تتوافر لبعض المستشفيات؟
- لقد اتفقنا مع عدد من الأطباء على أن يأتوا بكل معداتهم واتفقت مع الجهات المتخصصة على أن يتم إعفاء هذه الأدوات والأجهزة من الجمارك وتسهيل إجراءات دخولها وخروجها، كما أن بعض العمليات ستجرى فى مستشفيات القوات المسلحة وهى عالية التجهيز وقد تم التنسيق مع وزارة الصحة للحصول على بيان الحالات التى تحتاج إلى زرع الكبد من غير القادرين، هذه المبادرة ستتم بالتنسيق مع عدد من الوزارات منها الصحة والتجارة والمالية والداخلية والدفاع والطيران المدنى وغيرها.
■ لماذا بدأتِ بالملف الطبى والاستعانة بخبرات أطباء الخارج؟
- لأنه ملف إنسانى ومردوده سريع على الشعب وإذا طلبتِ من المصريين بالخارج أن يشاركوا فى علاج حالات إنسانية ستكون الاستجابة أسرع.
■ تعملين على جذب العقول من الخارج للعمل بمصر، لكن هناك عقولا تتم محاربتها فى الداخل وآخرها الشاب المصرى الذى هاجر إلى الإمارات؟
- هجرة العقول للخارج يجب ألا تكون مهمة وزارتى إنما هى مسؤولية مشتركة بين كل الوزارات وكل القطاعات الأخرى، ومع ذلك مصر مرت بظروف صعبة أثرت على كافة المجالات ونحن نعمل كل ما فى وسعنا لاستقطاب العقول التى خرجت من مصر ويجب ألا نغفل دور الأسرة التى يجب عليها أن تنمى الشعور الوطنى لدى أبنائهم لعدم الهجرة للخارج.
■ أى انتماء من الممكن أن أطالب به شاباً أغلقت فى وجهه كل الأبواب فى بلده؟
- الذى يرغب فى ترك بلده له مطلق الحرية ولا يتم منعه ولكن نحن ندعم هذا المواطن الذى يرغب فى دعم بلده، وعلينا ألا نجلد أنفسنا فما مررنا به ليس سهلا والأمور لن تتحسن بين عشية وضحاها.
■ رغم تمثيل المصريين بالخارج لأول مرة فى البرلمان إلا أن البعض لا يعتبره تمثيلا حقيقيا؟
- المشاركة الانتخابية فى الخارج كانت تتم عن طريق التصويت البريدى، وبعد ذلك تمت عبر الإنترنت، والآن أصبح فى البرلمان ممثلون للمصريين بالخارج طبقا لدستور ٢٠١٤، إذن كل شىء يحدث بالتدريج، وعلى الجانب الآخر أرسلت لجميع الاتحادات والأندية التى تتحدث نيابة عن الجاليات طلبات بتحديد أعضاء مجالس الإدارة وكيف تم انتخابهم وهل هم مسجلون أم لا ويتم اعتماد ذلك من السفارة، والغرض من هذه الإجراءات تقنين عملية التحدث بأسماء الجاليات بكيانات وهمية، ولضمان أن هناك كيانا مسجلا ومنتخبا يتواصل مع الدولة باسمهم، وذلك بعد أن فوجئت بكم لا حصر له من الاتحادات وكل فريق يدعى أنه الشرعى، وأنه المنوط به التواصل مع الدولة. وهذا الإجراء هدفه محاسبة هذه الاتحادات عما قدمته للجاليات وما لم تقدمه.
■ ما طبيعة مشكلات المصريين فى كل منطقة حول العالم؟
- المصريون بالخارج مقسمون إلى قطاعات مختلفة، وبالتالى مشاكلهم تختلف من دولة إلى أخرى، فالعمالة فى الخليج ليست مثل كندا وأمريكا، العمالة فى الخليج لديهم دائما مشاكل مع الكفيل وأن الراتب الذى يتقاضونه ليس كما هو موجود فى العقد، وهذا الأمر تتم معالجته مع وزارة القوى العاملة، وهناك مشكلات أخرى أسعى لحلها منها التأمينات والمعاشات، وقد تقابلت مع سفير الفلبين للاستفادة من تجربتهم، فالفلبين من أكثر الدول التى تهتم برعاياها العاملين بالخارج، وعلمت منه أن الرعايا يقومون بدفع مبلغ رمزى سنويا لصندوق المعاشات والتأمينات، لذا طلبت منه نسخة من قانونهم بهذا الصدد لترجمته فهذه التجارب يجب الاستفادة منها، كذلك أسعى جاهدة لضم صندوق وزارة الخارجية رغم كل الصعوبات، كذلك أبحث ملف السماح بنزول المواطن بسيارته التى اشتراها فى الخارج، وأنا أعلم أن سر رفض الدولة يكمن فى ضبطها لحالات تزوير فى أوراق بعض السيارات لإنزالها إلى مصر وبيعها وتحول الأمر إلى تجارة، لذا اقترحت بعض الإجراءات لضمان عدم تزوير هذه الأوراق على أن يشترط ألا يتمكن المواطن من بيع سيارته فى الداخل إلا بعد مرور خمس سنوات، وبالنسبة لمعادلة الشهادات فقد تواصلت مع وزير التعليم العالى ووعدنى بفتح ملف الوافدين وحل مشاكلهم.
■ هل لى أن أسأل عن حياتك الشخصية؟
- أنا زوجة وأم لثلاثة أبناء منهم ابن يدرس فى أمريكا واثنان يعيشان معى، زوجى رجل أعمال وله عمله الخاص، وهو دائم التشجيع لى ودائم الدعم، أحاول تقسيم وقتى ما بين العمل والمنزل، فأنا أم أركز مع أبنائى ولا أدع عملى يشغلنى عنهم، أقضى الإجازات معهم، وأحاول الاستمتاع بوقتى معهم قدر الإمكان، لكن أكثر ما أفتقده هذه الآونة مسألة الخصوصية، خاصة بعد تولى الوزارة، ولكننى أحاول قدر الإمكان أن أعيش حياتى بشكل طبيعى، حتى إن خرجت من الوزارة لا أجد صعوبة فى التأقلم من جديد.

نهاية العام.. وتعثر سياسات الاستثمار زياد بهاء الدين - الإثنين 28 ديسمبر 2015 - الشروق

 تصريحات المسئولين حول تشجيع الاستثمار، والمؤتمرات والرحلات التى لا يكاد يخلو أسبوع منها، لا تكفى لإخفاء حقيقة أن ما يدفع مصر إلى مزيد من الاقتراض من البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى ومن البلدان العربية الشقيقة هو فشل سياسة الحكومة فى جذب الاستثمار المحلى والأجنبى. وبرغم أن حجم الدين العام الخارجى لا يزال آمنا وفقا للمعايير الدولية، إذ لم يتجاوز بعد ٢٠٪‏‏ من الدخل القومى (بينما وصل حجم الدين فى اليونان هذا العام إلى اثنى عشر ضعف هذه النسبة)، إلا أن الحالة الراهنة من التخبط فى سياسات الاستثمار تبعث على القلق، وتنذر بمزيد من الاقتراض مستقبلا، والتعثر فى تحقيق التنمية الاقتصادية المرجوة.

أسباب كثيرة جعلت عام ٢٠١٥ ينتهى على هذا الحال، بعد أن كانت بدايته مليئة بالوعود والتطلعات. على رأسها التمسك بقانون الاستثمار الصادر فى شهر مارس من هذا العام، والذى حذر المتخصصون من عواقبه، ولم يضف فى النهاية سوى المزيد من التعقيد والبيروقراطية. هذا القانون أعاد مناخ الاستثمار سنوات إلى الوراء، وصار مصدرا للتندر والسخرية فى أوساط المستثمرين. وبينما يعانى الاقتصاد القومى من استمرار البطالة، وضعف الإنتاج، وقلة التصدير، لا يزال الصراع دائرا بين وزارة الاستثمار وباقى الوزارات حول تفسير مواد القانون، فيما يتعلق بسلطة تخصيص أراضى الدولة. ومع ذلك تكابر الحكومة فى تمسكها به دون سبب واضح، سوى الخشية من الاعتراف بالخطأ. 
هناك أيضا حالة انفصام الشخصية التى تميز تعامل الدولة مع المستثمرين، والتى تتراوح بين دعوتهم لحضور اجتماعات ولقاءات مع كبار المسئولين، والإلحاح عليهم فى التبرع لمشروعات وصناديق خيرية، وإصدار قانون جديد كل عام للتصالح معهم، وترتيب مصاحبتهم لرئيس الجمهورية فى رحلاته الخارجية، وبين فرض رسوم وغرامات غير محددة المعالم، وإطلاق يد أجهزة الدولة فى الجباية، وعدم غلق التحقيقات والدعاوى المفتوحة منذ سنوات، والتنكيل بمن يخرج عن الخط الرسمى. كل المطلوب هو أن يكون هناك قانون واضح، وضوابط محددة، وضرائب معلومة، بدلا من استمرار هذه العلاقة المريضة بين الدولة والمجتمع الاستثمارى. 
بعد ذلك نأتى إلى التجاهل التام للمشروعات الصغيرة والمتوسطة برغم أنها الوسيلة الوحيدة لتوفير فرص العمل التى يبحث عنها الشباب، ولفتح مجالات الاستثمار لصغار المنتجين، وإطلاق طاقات العمل والإبداع. لم يعد لجمعيات صغار المستثمرين وجود على الساحة، ولا مساندة للصندوق الاجتماعى، ولا يوجد تشريع واحد جديد يستهدف حل مشاكل صغار المستثمرين والصناع، ولا سياسة حكومية لدعمهم. حتى المبادرة التى أطلقها البنك المركزى الأسبوع الماضى لتوفير تمويل لهذا القطاع لن تحقق أثرا يذكر لو لم تواكبها سياسة حكومية متكاملة للنهوض بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتعامل معه بجدية.
وأخيرا، نجد أن اهتمام الدولة قد انصب على موضوع واحد فقط وهو المشروعات القومية الكبرى، والتى لا نعلم عنها إلا القليل: لا دراسات جدوى، ولا تنظيم قانونيا، ولا معلومات منشورة، ولا تحديدا لمصادر التمويل، ولا مشاركة مجتمعية فى النقاش الدائر بشأنها، وذلك برغم أن بعضها ــ لو لم يستند إلى دراسات وافتراضات سليمة ــ يمكن أن يستهلك مدخرات الشعب، أو يزيد مديونيته فى المستقبل، أو يربط البلد بالتزامات غير معلومة، أو ينتهى فى ساحات التحكيم الدولى والتعويضات، وبينما يحق للشعب أن يعلم أصل وفصل هذه المشروعات الكبرى، فإننا بدلا من ذلك نسمع عن قرار يحظر النشر حول مشروع محطة الضبعة النووية كما لو كان قضية إرهابية. 
إلقاء اللوم على فساد المحليات وبيروقراطية الإدارة ليس مبررا للتراجع الشديد الذى حدث فى مناخ الاستثمار، وفى ثقة المستثمرين خلال هذا العام. الأزمة الحقيقية هى سوء الإدارة الاقتصادية، وغياب الرؤية الواضحة، ونقص الشفافية فى السياسات الحكومية. لا تزال الأسئلة المطروحة منذ شهور طويلة بلا إجابة: هل تعتمد الدولة على نمو القطاع الخاص أم على إعادة إنشاء القطاع العام؟ هل تسعى لإدماج مصر فى الاقتصاد العالمى أم تميل إلى الاعتماد على الذات؟ هل تستند إلى آليات السوق أم تتدخل فى توفير السلع والخدمات وتحديد أسعارها؟ هل تتجه إلى سعر صرف واقعى أم تسعى لتثبيت سعر العملة المحلية؟ هل تريد للاستثمار أن ينمو بمشروعات جديدة أم تكتفى بزيادة حصيلة الغرامات والتصالحات؟ وهل لديها تصور متكامل لتحسين مستوى الخدمات العامة، والحد من ارتفاع الأسعار، وتوفير فرص العمل؟ أم مجرد كلام مرسل عن العدالة الاجتماعية؟.. هذه كلها أسئلة مشروعة يطرحها المستثمرون، الكبار منهم والصغار، ويدفعهم الغموض بشأنها إلى مزيد من الإحجام والتردد. 
استمرار هذا التخبط فى العام الجديد، سوف يدفعنا إلى المزيد من الاعتماد على القروض والمنح الدولية، ويضيع علينا فرصة التنمية الاقتصادية. على مصر أن تجد طريقها وبسرعة إلى سياسة متوازنة وعادلة ومستدامة للنهوض بالاستثمار وتوزيع فرصه وثماره، وإطلاق طاقات المجتمع فى مجالات جديدة. 
***
كل عام وأنتم والوطن بخير

Monday, December 28, 2015

عندما تستجيب الحكومة للأفكار! بقلم د. محمود عمارة ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٥

بالأمس أصدر البنك المركزى «حزمة قرارات»، لضبط بوابة الاستيراد التى كتبت عنها سابقا تحت عنوان: «بوابة الخراب»!!
وصباح النشر تلقيت اتصالات ومواعيد لمقابلات، مع أعلى الأجهزة فى الدولة.. ومع وزير التموين الحالى (الناجح جدا).. ومع رئيس الحكومة.. وقتها شرحت بالساعات خطورة ترك أبواب الاستيراد (سداح- مداح) على مصراعيها.. وحذَّرت من مافيا الاستيراد، على استنزاف احتياطى مصر من النقد الأجنبى، وعلى خراب بيوت المنتجين المحليين.. خاصة أن عمليات التهريب من الجمارك، والتهرب الضريبى، وتزوير الفواتير ببلاد المنشأ، كانت قد وصلت إلى حد لا يحدث إلا فى مصر.. وطالبت بالتدخل الفورى، تفاديا لاضطرابات اجتماعية كانت على الأبواب.. والحمد لله سمعوا الكلام، وتدخَّلت أجهزة الدولة بالاستيراد المباشر لكسر الدوائر المغلقة للمحتكرين من عصابة المستوردين.. فانخفضت الأسعار.. وتم إجهاض مخطط حريق الأسعار لعملاء الإخوان من المستوردين والتجار الانتهازيين، والذى كان سيؤدى إلى انفجار المجتمع من الداخل، ونزول الناس للشارع!!.. و«الفكرة» التانية التى طرحتها كانت: الأسواق الثابتة والمتنقلة منها: سيارات نُص نقل للشباب، وأسواق نص جملة فى أماكن الإنتاج (من المُنتجين إلى المستهلكين مباشرة) بعيداً عن الوسطاء والسماسرة، وهو ما سيحدث الآن!!
السؤال:
بما أن الدولة اهتمت ودعمت فكرة إنشاء سلاسل تجارية عالمية فى كل محافظات الجمهورية.. بغرض وفرة كل أصناف السلع أمام المواطنين.. أين السلع والمنتجات «المحلية» التى ستعرضها على كل هذه الأرفف، ونحن نستورد ٦٢% مما نستهلكه منها فقط (بـ٢١ مليار $ أكل وشرب ودخان)؟!!
مين يصدَّق اننا بنستورد مكونات الكشرى: العدس (من كندا)، الحمص (من الشام)، دقيق المكرونة (من روسيا)، وزيت قلية البصل (من شرق آسيا).. وورق عنب مجمد من الهند، ٣٤٠ ألف طن نفايات أسماك من فيتنام وأوكرانيا.. و٣٠ مليون كتكوت بط من فرنسا.. والقائمة بطول مصر وعرضها!!
والسؤال الأهم:
هل دور الدولة هو: الاستمرار فى «الاستيراد» لهم وللمجمعات الاستهلاكية، لضمان التحكم فى أسعار البيع، فنظل نستورد أكلنا وشربنا مدى الحياة؟
أم نبحث عن حلول حقيقية؟
والحل الذى عرضته على الأجهزة المعنية، وأكرره هو: أن نقرأ «قائمة الاستيراد».. ونمسك بندا- بندا.. ونسأل أنفسنا عن سبب استيرادنا كل سلعة.. وما المعوقات المانعة لإنتاجها محليا؟
مثال (١): الفول.. لماذا يمتنع المزارع المصرى عن زراعته؟
الإجابة: لأن إنتاجية الفدان أقل من طن واحد.. وفى إيطاليا- إسبانيا- الصين ٣ أطنان للفدان.. فلديهم «تقاوى» منتقاة من أصناف عالية الإنتاجية!!
إذاً.. سبب استيرادنا الفول هو: عدم وجود تقاوى منتقاة!!
والحل: ندعم بحوثنا الزراعية، ليستنبطوا لنا «تقاوى» تنتج ٣ أطنان من الفدان.. ونلزمهم بمدة زمنية سنتين، ثلاث، خمس (خلالها نستورد «تقاوى» تحقق الغرض مؤقتا)!!
مثال (٢): لماذا نستورد ٣٤٠ ألف طن أسماك؟
الإجابة: كما سبق أن كتبنا عشرات المرات.. آخرها تحت عنوان: «السمك للتماسيح والفول للمصريين».. فى المقال ستجد حلولاً وأفكاراً ومقترحات، تجعلنا نُصدِّر أسماكا (مش نستورد نفايات)!!
مثال (٣): لماذا نستورد «تبغا للسجائر» بمليار $؟
الإجابة: لأن هناك قانونا منع زراعته، منذ أيام الهيمنة العثمانية، حتى نستورده من تركيا، رغم أن أيام محمد على كنا نزرعه ونُصدِّره لكل الدنيا!!
والحل: نلغى القانون.. ونزرع ما نستهلكه، أو نمنع استيراده ونوفر «ألف مليون $» سنويا!!
مثال (٤): القطن.. عندنا الفدان بينتج أقل من ٦ قناطير فى المتوسط.. فى بوركينافاسو وإسرائيل ١٤ قنطارا.. أين المشكلة؟.. التقاوى..
والحل: تانى بحوث زراعية (ثم خطط تسويقية، وتنشيط لملحقاتنا التجارية فى العواصم العالمية)!!
وهكذا نقف عند كل مشكلة.. نبحث، ونحل!!
الخلاصة:
أولا: إغراق الأسواق بالنفايات المستوردة التى كانت عائقا أمام المنتجين، الحمد لله قرارات «المركزى» ستحد منها وتُغربلها، لتُفسح المجال أمام الإنتاج المحلى، الذى كان على أبواب الإفلاس نهائيا وجماعيا!!
ثانيا: التوسع الذى سيحدث فى إنشاء سلاسل ومجمعات ستحتاج أرففها إلى سلع ومنتجات هو «فُرصة» للمنتجين المحليين، وحتى للمستوردين، الذين اضطرتهم الظروف إلى التحول من الإنتاج إلى عالم الاستيراد، لتحقيق أرباح سهلة بالملايين!!
ثالثا: لدينا سوق واسعة من ٩٠ مليون مستهلك، بياكلوا الزلط.. وكل دخلهم إلى الاستهلاك مفيش ادخار.. هذه السوق تحتاج مئات الآلاف من المنتجين.. وهذه «فُرصة» هائلة لشباب الخريجين!!
السؤال: يروحوا لمين؟ وما المطلوب؟
المطلوب:
١- إزالة كافة معوقات الإنتاج، بدءًا من التراخيص والموافقات والإجراءات العقيمة.. وهذا لن يحدث إلا «بالشباك الواحد، والموظف الوحيد».. (نستفيد من تجربة المغرب، ولن أقول دبى)!!
٢- «وزارة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة»: لترعى كل شاب راغب فى إنشاء مشروع، تُقدم له «أفكارا» لمشروعات مدروسة الجدوى، طبقا لخصائص كل محافظة وميزاتها.. تساعده بالتدريب والتأهيل، والتسويق لمنتجاته.
(نقرأ تجربة هذه الوزارة فى فرنسا، وكيف أنشأت نُص مليون مشروع للشباب، خلقت مليون ونُص فرصة عمل فى ٣٦ شهراً)!!
٣- كل هذا يحتاج بداية إلى «رؤية»، ثم «خطط»، و«سياسات»، و«برامج»، و«آليات».. فهل برنامج الحكومة التى ستتقدم به لنواب الشعب يحتوى على هذه «الخطط» «والرؤى» التى نتحدث عنها، خاصة بعد حذف المشروعات الصغيرة من المسمى الجديد لوزارة الصناعة والتجارة؟!
فى كلمتين: لدينا فُرصة تاريخية الآن لنقفز بالناتج المحلى ونُضاعفه، فلا نحتاج لنقد أجنبى للاستيراد، والأهم أمننا الغذائى، فهو أمننا القومى.. بعد أن وصل بنا الحال لاستيراد ٩٠% من الفول (منين؟) من إثيوبيا.. والقطن (منين؟) من بوركينافاسو!!
عموما: البكاء على اللبن المسكوب ليس هو المطلوب.. المطلوب: أن نجعل من ٢٠١٦ عام مضاعفة الإنتاج.. وأمامنا الآن «فُرص» بلا حدود!!

أكثر مناطق العالم تخلفاً واضطراباً.. ! بقلم د. يحيى الجمل ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٥

ما أظن أن هناك أقل قدر من المبالغة إذا قلت إن هذه المنطقة التى نعيش فيها من عالمنا الواسع هى أكثر مناطق هذا العالم تخلفاً واضطراباً. وأعتقد أن هناك صلة منطقية بين هذين الوصفين: التخلف والاضطراب.
ودعنى الآن أحاول تحديد عن أى منطقة أتكلم تلك التى أعتبرها أكثر مناطق العالم تخلفاً واضطراباً. فى تصورى إنها المنطقة التى تمتد من حدود العراق الشرقية إلى حدود ليبيا الغربية.
وأحب أن اقول هنا إن هذه المنطقة الشاسعة فى قلب ما يسمى الشرق الأوسط ليست كلها على درجة واحدة من التخلف والاضطراب. فقد يزداد التخلف هنا عن هناك، وقد يزداد الاضطراب فى وقت عن وقت، ولكن الصفة الغالبة على المنطقة هى صفة التخلف والاضطراب.
وقد يجوز أن نثير تساؤلاً هنا هو هل تقديم صفة «التخلف» عن صفة «الاضطراب» له حكمة معينة فى هذا المقال؟
أعتقد أن لذلك حكمة.
والآن أنتقل إلى صلب المقال: لماذا أصف هذه المنطقة بهذين الوصفين؟
هذه المنطقة تدين أغلبيتها بدين الإسلام والبعض يدين بالمسيحية وقلة قليلة فى غير دولة إسرائيل هى التى تدين باليهودية.
والذى لا شك فيه عندى عن دراسة موضوعية وليس عن عاطفة وطنية فقط أن الإسلام والمسيحية دينان يدعوان إلى السلم وإلى التسامح ولا يدعو أى منهما إلى كراهية الناس وأخذهم بالشبهات ولا يمكن تصور أن التنظيمات الإرهابية الإسلامية بدءاً من الإخوان المسلمين وانتهاء بداعش وأخواتها، يمكن أن تكون نتاجاً طبيعياً لدين ابتعث الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليكون رحمة للعالمين. تقول الآية الكريمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فهل من الممكن تصور أن الدين الذى يقصد به أن يكون «رحمة للعالمين» هو الذى ينتج هؤلاء الذين يقتلون ويخربون ويهلكون الأخضر واليابس والحرث والنسل.
أظن أن ذلك أمر مستحيل.
ومع ذلك فإن الأمر لا يقتصر على داعش فقط، فإلى جانب داعش هناك علل أخرى كثيرة. العراق تقسمها الطائفية إلى شيعة وسنة. ويقسمها الجنس إلى عرب وأكراد ويزيديين وتعبث فيها سلالة الإمبراطورية الفارسية بكل أنواع العبث لكى تحول دون وحدتها ورجعتها إلى أمتها العربية التى هى ضلع ومكّون أساسى من مكوناتها. ولعله يحسن بى هنا أن أوجه التحية إلى المرجع الشيعى الكبير الإمام السيستانى الذى يدعو الجميع فى كل وقت وحين إلى التمسك بوحدة العراق وعروبة العراق.
وإذا كان هذا هو حال العراق فإن حال سوريا أكثر بؤسا وأسوأ قيلا. لا أحد يستطيع أن يقول أين الحق وأين الصواب فى هذا الجانب أو فى ذاك الجانب. بل ما هو أو من هو ذلك الجانب وذلك الجانب. لقد اختلطت الأمور فى سوريا اختلاطاً يصعب معه الفهم من مع سوريا ومن يدمّر سوريا. هل بشار الأسد وشيعته هم الذين يريدون الحفاظ على سوريا – قبل المناصب والمغانم – أم أن الذين يريدون الحفاظ على سوريا هم جبهة النصرة ومن والاها وذهب مذهبها. وعشرات الآلاف من القتلى من الذين قتلهم، وملايين المهاجرين من الذين هجرهم.
ودمشق العزيزة الحبيبة التى كانت النفس ترتاح إليها وكان العقل العربى يحس الطمأنينة عندما يعتلى هضابها أو ينزل إلى وديانها – أين دمشق هذه التى كنا نقول عنها «وعّز الشرق أوله دمشق» أو كنا نقول «سلام من صبا بردى رق: ودمع لا يكفكف يا دمشق»، حينما غزاها الغزاة وما أكثر الغزاة الذين وجدوا كثيراً من بقاع الوطن العربى لقمة سائغة.
وإذا كان هذا هو حال العراق وحال سوريا فهل حال اليمن أكثر إشراقاً. أظن لا أحد يستطيع أن يقول ذلك. «اليمن السعيد» لا يعرف معنى السعادة والطمأنينة والاستقرار منذ عقود. والإمبراطورية الفارسية هنا أيضاً- وكأنها تريد أن تنتقم من العرب كل العرب – تعبث باليمن وشعب اليمن وتغذى «الحوثيين» وتحرضهم على هدم بلدهم وهم لا يشعرون.اليوم هدنة وغداً خرق للهدنة. والمراقبون يقولون إن الطريق إلى الاتفاق والسلام طويل طويل.
واليمن لا يكتفى بأن تكون أحواله بهذا القلق والاضطراب بل إنه يريد ما استطاع أن يصدر القلق والاضطراب إلى الجارة الكبيرة – المملكة العربية السعودية – وإلى الإخوة الآخرين فى الخليج. وكأن الذين يخططون لتدمير المنطقة العربية وتشتيت أهلها يحرصون الحرص كله على ألا يتركوا أحداً فى مأمن أو فى حاله كما يقول عموم الناس.
وإذا تركنا ذلك الجزء من الوطن العربى – فى شرق مصر المحروسة – وتوجهنا إلى الغرب فإننا سنجد ليبيا وما أدراك ما ليبيا التى يقول البعض إن داعش وجدت «لجيشها» موئلاً فيها وأن غازها ونفطها هو الذى يمدّ داعش وأخواتها بماء الحياة واستمرارها. ومع هذا كله فإن قبائلها مازالت تتقاتل مع بعضها ولا تعرف لها عاصمة ولا أين توجد مؤسساتها إذا كان هناك ما يمكن تسميته مؤسسات.
أليس هذا هو حال هذه المنطقة من العالم وأليس من الصواب وصفها بأنها أكثر مناطق العالم تخلفاً واضطراباً.
أظن أن ذلك صحيح.
و أظن أن لبنان والسودان لا يختلف حالهما كثيراً عما سبق.
وهنا ألا يجوز لى أن أقول مع الشاعر:
«شعوبك فى شرق البلاد وغربها * يعيشون كأصحاب كهف فى عميق ثبات»، وكما يبين من العرض السابق فإن هناك جيوباً فى هذه المنطقة تتمتع بقدر من الإستقرار وتحاول أن تبنى وأن تثبّت العمران وتثبّت وتتطلع إلى العالم وتريد أن تعيش وكأنها جزء منه.
وأتصور أن فى مقدمة هذه الجيوب – على اختلاف فى الدرجة – السعودية والإمارات والكويت ومصر المحروسة.
ومن وراء ذلك كله فإن الحلف الصهيونى الأمريكى يسعى إلى تخريب المنطقة لكى لا يبقى غير إسرائيل تسيطر على الأرض من النهر إلى البحر.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

Sunday, December 27, 2015

الفيزياء تحكم مصر بقلم رامى جلال ٢٧/ ١٢/ ٢٠١٥

القانون العلمى هو نوع من التعميم المستند إلى عمليات رصد وملاحظة وتجريب تنتج عنها استنتاجات مقبولة بشكل عام.. والقانون العلمى يحاول دوماً وصف العالم وتبسيطه بطريقة مكثفة تصلح للتطبيق على أجسام من المفترض أنها ستتبع ذلك القانون بشكل فطرى يمكن توقعه.
أزعم أن القوانين الفيزيائية تحكم حياتنا الاجتماعية؛ فحين وضع العالم الألمانى «جورج أوم» قانونه الفيزيائى الشهير المعروف باسمه، لم يكن يعرف أنه سيطبق فى مصر، ليس فى الكهرباء، ولكن فى السياسة! فـ«فرق الجهد» الذى يبنى المجتمعات يساوى حاصل (ضرب) «شدة التيار» الدينى فى «المقاومة» المدنية.
القانون الأول للكهروستاتيكية ينص على أن «الشحنات المختلفة تتجاذب والمتماثلة تتنافر»، وهذا يقابل سبب انقسام الأحزاب السياسية المصرية- الحقيقية- على نفسها لأن عناصرها متشابهة (بجانب عوامل أخرى طبعاً)، أما ائتلافات المصالح غير القائمة على أى أيديولوجيا فتنجح دوماً.
قانون نيوتن الأول يفيد بأن «الجسم الساكن يبقى ساكناً والجسم المتحرك، بسرعة منتظمة، يبقى كذلك ما لم تؤثر عليه قوة». وهذا يشبه فكرة تقدم الشعوب، فالأمة التى تتقدم ستظل كذلك ما لم تؤثر عليها قوى خارجية (تذكر تجربتى محمد على وجمال عبدالناصر)، والأمم التى تتأخر سوف تظل كذلك ما لم تتوافر إرادة العمل.. أما قانون نيوتن الثالث، فهو الأكثر تأثيراً فى حياتنا فـ«لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومعاكس له بالاتجاه».
قانون انعكاس الصوت يفيد بأن الموجة الصوتية ترتد من على حاجز صلب إلى نقطة انطلاقها محدثة صدى صوت تسمعه الأذن البشرية تحت ظروف معينة.. فى مصر ينطبق هذا على صوت الزعيم، الذى ما إن ينطق حتى يرتطم صوته بمنصات إعلامية تردد هذا الصوت دوماً وتوحى بأنها أقرب الحواجز له.
من الصوت إلى الضوء نجد أن الأفكار التنويرية ينطبق عليها قوانين انكسار وانعكاس الضوء؛ فالتنوير ضوء يصطدم بسطح المجتمع، فلو كان هذا السطح معتماً فلا تنفذ منه أية أشعة (أفغانستان)، وبالتالى وجبت الحلول الناعمة بتنظيف هذا السطح، أو الحلول الخشنة بإحداث ثقب فيه. أما لو كان السطح شفافاً فهو يقبل كل الأشعة ويتعايش معها (أوروبا). أما السطح المرآة فسوف تنعكس عنه كل الأضواء. وسيعكس صورة من يقف أمامه مقلداً له تقليداً أعمى دون التعمق فى أى فكرة،. وتشعر المجتمع المرآة بالتغيير الوهمى من فترة لأخرى لأن مرآته تكون أحياناً مُكبرة أو مُصغرة، بينما الحقيقة أنها تظل دوماً مرآة لا ينفذ منها الضوء إلا إذا تم تكسيرها أو على الأقل خدشها.

لقاء نادية مراد طه الفتاة الايزيدية مع عمرو اديب ... اللقاء كامل

Saturday, December 26, 2015

أى رقم تحتار فى تكراره تجد فى مصر كل أسراره! بقلم د. وسيم السيسى ٢٦/ ١٢/ ٢٠١٥

فى مصر القديمة، كانت بعض الأرقام مقدسة مثل الرقم ٣ والرقم ٧، وقد دخل هذا التقديس على العقائد المختلفة، وظل معنا حتى الآن، هرمس «إدريس عليه السلام» مثلث العظمة «عا.. عا.. عا.. ور»، أوزيريس - إيزيس - حورس، ونحن نقول الآن: والله العظيم ثلاثة، وطالق بالثلاثة... إلخ.
أما الرقم سبعة، فقد كان لآمون سبعة أرواح لحمايته، كذلك أوزيريس، أما حورس فكان له سبعة عقارب لحمايته عند ميلاده.
خلق الله العالم فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع، لذا بنى إيمحوتب هرم سقارة المدرج ست درجات رمزاً لأيام الخلق.
السماوات عند الفراعنة سبع، والسلم الموسيقى سبع، وأبواب العالم السفلى سبع، وفتحات الوجه سبع، والحواس سبع «خمس حواس + القلب + العقل»، الطواف حول هرم ميدوم «الفيوم» سبع، وتحوتى يخطط العالم بصقور سبعة.
كان هناك لوحة اسمها لوحة المجاعة فى الممر الهابط لهرم أوناس فى سقارة «لا نعرف أين هى الآن!» كان مكتوباً عليها أحزان أوناس يقول: قلبى فى غم وعرشى فى حزن، لم يأت الفيضان سبع سنوات، كان أجدادنا يرمزون لسنوات الوفرة بسبع بقرات سمان، وسنوات الندرة بسبع بقرات عجاف قبل يوسف، عليه السلام، بآلاف السنين، كما نجد على الجداريات الصوامع لتخزين الغلال لسنوات القحط.
فإذا قرأنا رؤيا يوحنا فى العهد الجديد، لوجدنا سبعة أرواح أمام عرش الإله، والكنائس سبع، ومنابر الذهب سبعة، والأختام سبعة، والمصابيح أمام العرش سبعة، والخروف له سبع أعين، وسبعة قرون، وشبه إنسان فى يده سبعة كواكب، وعند فتح الختم السابع تجد سبعة ملائكة يقفون أمام عرش الله، ومعهم سبعة أبواق «جمع بوق»، والرعود سبعة.
وقد تأثر عصر ما قبل الإسلام بحكماء مصر «الصابئة» الذين هاجروا للجزيرة فى عصور الاضمحلال «عصر الاضمحلال الأول من الأسرة ٦ حتى الأسرة ١٠»، وعصر الاضمحلال الثانى «الأسرة ١٣ حتى الأسرة ١٦ - الهكسوس»، فكان الابتهال ٧ مرات، الطواف ٧ مرات، السعى بين الصفا والمروة ٧ مرات، رمى الجمرات ٧ مرات، وفى كل مرة ٧ حصوات «جمع حصوة».
أما إخوان الصفا وخلان الوفا فقد أضفوا طاقة كونية على كل يوم من أيام الأسبوع، فقالوا: اعلم أن الساعة الأولى من نهار يوم الأحد للشمس، والاثنين للقمر، والثلاثاء للمريخ، والأربعاء لعطارد، والخميس للمشترى، والجمعة للزهرة، والسبت لزحل!
أخذ الغرب بهذا التقسيم الفلكى الكوكبى، فأطلق على يوم الأحد Sunday والاثنين يوم القمر Monday، والثلاثاء Mardi أى «مارس» أو المريخ، وفى الإنجليزية Tuesday، ونيوز هو إله الحرب عند أمم الشمال، والمريخ هو كوكب الحروب عند بنى الإنسان، أما الأربعاء فهو لعطارد أى Mercury فأصبح ميركرودى أو ودنيزداى، وأودين هو إله الفنون عند الانجلوساكسون، أما الخميس Judi وهى من جوبتر أى كوكب المشترى، والجمعة لكوكب الزهرة فينوس فأصبح Venderdi أو فرايداى من الربة فريج ربة الحسن والجمال، وأخيراً السبت لزحل أو ساتيرن فأصبح اسمه ساترداى.
هذه هى مصر.. ما من تجربة من تجارب الحكم إلا وسلكتها، وما من مذهب سياسى أو نظام اجتماعى إلا ومارسته وجربته، وما من عقيدة أو عيد إلا وكانت صاحبة بصمة على طقوسه وتفاصيله، وأى رقم تحتار فى تكراره، اذهب لمصر لتجد الحل لكل أسراره!

Friday, December 25, 2015

[Official Video] Mary, Did You Know? - Pentatonix

التعليم ووحدة النسيج الاجتماعى المصرى محمد نور فرحات - المصرى اليوم - 25/12/2015

ملاحظة مبدئية: يعلق البعض على كتاباتى منذ سنوات مضت أنها تنحو نحو النقد، وأنها لا ترى إلا نصف الكوب الفارغ، وأننى «لا يعجبنى العجب ولا الصيام فى رجب».
وأتساءل: هل مهمة صاحب القلم أن يغازل أهل العجب والصيام فى رجب أم أن يسهم فى الحث على ملء النصف الفارغ من الكوب، وأن ينبه المجتمع إلى ما يراه عيوباً حثاً له على التقدم؟
هناك تعبير ابتدعه أحد الأصدقاء واصفاً به بعض الكتابات التى تستهين بحق القارئ فى مطالعة الكتابة الجادة بأنها أشبه بـ«قزقزة اللب على صفحات الجرائد»، ومن جانبى أعتبر الكتابة فعلاً مقدساً، وأن وظيفة الكاتب ليس أن يمدح هنا ويثرثر هناك، أو أن يستخدم قلمه لحسابات شخصية، ولكن أن يقول الحقيقة أو ليصمت، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وكثير منا يعلنون جهاراً نهاراً أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ومع ذلك لا يقولون خيراً ولا يصمتون.
وأدعو أبنائى من جيل الشباب إلى أن يسترجعوا من أراشيف الصحف والمكتبات كتابات طه حسين، وأدب يحيى حقى وتوفيق الحكيم، ودراسات سلامة موسى وشبلى شميل ومحمود العالم وميشيل عفلق وساطع الحصرى وغيرهم ليعرفوا من الذى بشّر بالاشتراكية والقومية وأرهص لقيام حركة التحرر العربية، وأدعوهم أيضاً إلى إعادة قراءة كتابات شيخينا محمد عبده وعلى عبدالرازق، والكتابات المبكرة للشيوخ محمد مصطفى شلبى ومصطفى زيد وعبدالوهاب خلاف ومصطفى عبدالرازق ليعرفوا بدايات ورواد حركة التجديد الدينى الحق.
عند هؤلاء وغيرهم كانت الكلمة رسالة تسهم فى تغيير واقع مجتمعهم ولو بعد حين، مهما طالت حبال الصبر، إن تراكم الوعى هو الذى يصنع التغيير، ولو كانت الأمية الأبجدية ثم الرقمية قد انقشعت غشاوتها عن عقول الكثير من أهلنا، ولو كان إعلامنا المرئى والمسموع قد تحرر من سطوة الأمن والإعلان وانصرف عن اللهو واللغو والعبث وتزود بجرعة عالية من الثقافة، لكان الحال غير الحال.
هذه المقدمة الطويلة أسردها لكى يتسع صدر القارئ لحديثى عن نظام التعليم فى مصر وما جرّه علينا من كوارث أقلها التفتت الاجتماعى، كان ولدى «عمر»، «الذى أوشك الآن على مناقشة رسالته للدكتوراه فى فلسفة القانون بجامعة كولومبيا»، مجنداً بالجيش منذ سنوات ومنخرطاً فى معسكر الإعداد، بعدما رجع لنا فى إجازته حكى لى عن حوار جرى بينه وبين زميله المجند القروى المقيم معه بنفس العنبر، وهو الذى أنهى تعليمه الثانوى فى مدرسة من مدارس القليوبية المشهورة بنسبتها العالية من المتزمتين، دار بينهما الحوار التالى، سأله: ما هى المدرسة الثانوية التى درست بها يا عمر؟ رد قائلاً: الجيزويت، تساءل المجند القروى مندهشاً عن معنى الكلمة ونوعية المدرسة، رد عمر بأنها مدرسة يشرف عليها الآباء الكاثوليك، تساءل صاحبنا بفزع واندهاش: إذن أنت تعلمت مع النصارى، بالله عليك حدثنى عنهم وعن طباعهم، وهل هى مثلنا أم مختلفة عنا؟
إلى هذا الحد وصل التباعد الثقافى والفكرى بين شرائح المجتمع المصرى لدى شباب من فصيل عمرى واحد، وتأملت الأمر: لدينا فى مصر نظم تعليمية محصلتها النهائية إنتاج مجتمع متشرذم ثقافياً، لدينا تعليم دينى أزهرى وتعليم مدنى دنيوى، وتعليم أزهرى مزيج بين الدينى والدنيوى، ولدينا تعليم مدنى وتعليم عسكرى، ولدينا تعليم حكومى عام للفقراء من أغلبية الشعب لا يتعلمون بين جدران مدارسه شيئاً، وإلى جانبه تعليم خاص للأثرياء يدفعون فيه عشرات الألوف من الجنيهات، وفى داخل التعليم الحكومى لدينا مدارس عادية وأخرى تجريبية، ولدينا تعليم مصرى وتعليم أجنبى يتلعثم خريجوه عندما يتحدثون العربية، ولدينا تعليم عام وتعليم فنى أبعد ما يكون عن مضمونه، ولدينا بدعة ظهرت وانتشرت منذ عهد السادات عندما بدأ فى تديين الدولة هى بدعة المدارس الإسلامية، وأغلب هذه المدارس على اختلاف أنواعها، فيما عدا المدارس الخاصة، لا يذهب إليها طلابها، بل يتلقون أصول حرفة ومهارات أداء الامتحان بتفوق فى مراكز خاصة يجرى الإعلان عنها وعن مدرسيها على الجدران فى الطرقات كما يجرى الإعلان عن محال السباكة والحلاقة ومطاعم المأكولات الشعبية، ولدينا دولة تقف عاجزة عن التعامل مع هذه الفوضى فى تدمير الشخصية المصرية.
الجيل الذى أنتمى إليه تعلم فى مدارس حكومية عندما كان التعليم كالماء والهواء، وكان من يلتحق بالمدارس الخاصة هم الفاشلين الذين تلفظهم المدارس الحكومية، كان ناظر مدرسة التوفيقية الثانوية التى تعلمت بها يحمل لقب البكوية، وكانت مدرستى التى تعلمت بها مجاناً تضم مكتبة وحجرة موسيقى وحماماً للسباحة وملعبين للتنس ومثلهما لكرة السلة والطائرة وملعباً كبيراً لكرة القدم وجيمانزيوم ومعملين، أحدهما للفيزياء والآخر للكيمياء، وكان الطالب صاحب الترتيب الأول على الثانوية العامة زميلى بالفصل وحصل على مجموع 84 فى المائة.
وكانت دروس الموسيقى وتمارين الألعاب البدنية أحب الدروس إلينا، وعندما تخرجت دفعتنا فى الثانوية العامة «وكانت الدول الغربية وقتها تفرض حصاراً قوياً على نظام عبدالناصر بعد تأميم القناة»، ابتعثت الدولة أوائل الثانوية العامة إلى الاتحاد السوفيتى لدراسة الفيزياء والكيمياء والرياضة والبيولوجى والاقتصاد والإدارة والموسيقى والمسرح والباليه، وهؤلاء هم الذين عادوا بعد حصولهم على الدكتوراه ليقودوا حركة التعليم والثقافة والبحث العلمى فى مصر وإلى الآن.
هذه إطلالة تاريخية من واقع الخبرة الشخصية عما كان عليه نظام التعليم فى مصر منذ حوالى نصف قرن عندما كان نظاماً رشيداً، وعندما كانت الدولة كفُؤة تنهض بواجباتها، اليوم أتساءل: هل لو اجتمع نفر من خريجى جامعة حكومية إقليمية مع بعض نظرائهم من خريجى جامعات الحضر، وخريجى أكاديمية الفنون، وخريجى جامعة خاصة أجنبية كالفرنسية أو الألمانية أو البريطانية، ناهيك عن الجامعة الأمريكية مع خريجى الأزهر، هل لو اجتمع هؤلاء سيجدون قاعدة معرفية أو ثقافية ينطلقون منها للتفاهم المشترك؟ هل سيفهم أحدهم الآخر، أم سيتعاملون تعامل الغرباء مع بعضهم البعض؟ «بالمناسبة لم تكن الدرجة العلمية التى تمنحها الجامعة الأمريكية معترفاً بها من الحكومة المصرية حتى بداية الثمانينيات، لأنها لم تكن ترقى إلى مستوى جامعات الدولة».
المشكلة أكبر وأشد خطورة من مجرد تشرذم المنطلقات والمستويات الثقافية لخريجى مؤسسات التعليم المصرية، المشكلة أصبح لها جانبان: أحدهما طبقى، والآخر يتعلق بتجانس النسيج الاجتماعى، أصحاب التعليم المتميز الذين يدفعون ثمناً باهظاً له هم الذين أصبحوا لكفاءتهم ولوضعهم الطبقى يشغلون أرقى وظائف المجتمع بأجور مجزية، أما خريجو التعليم الحكومى الذى يتعاطاه الفقراء فقد وطّنوا أنفسهم على الانتظار طويلاً حتى يسعدهم الحظ بعمل لم يؤهلهم تعليمهم له «باستثناء المستفيدين من منطق الأسياد والعبيد فى التعيينات القضائية».
وتتحدث الآن، ودون خجل، بعض دوائر الدولة عما تسميه التدريب التحويلى، أى إعادة تدريب خريج الحقوق ليصبح نجاراً، وخريج التجارة ليصبح عامل محارة... وهكذا، وهذا اعتراف صريح بفشل نظام التعليم دون اعتذار من أحد.
الجانب الأكثر خطورة أن مقولة الشيخ إمام عيسى عن أن أهل بلدى ليس بينهم تفاهم يجمعهم قد تحققت على أرض الواقع، فما الذى يجمع خريج الجامعة الأمريكية أو الألمانية مع خريج معهد الأزهر بقرية «تفهنا الأشراف» أو مع خريجى المدارس الفنية والمعاهد المتوسطة.
كل دول العالم يوجد بها حد أدنى من أساسيات المعارف والعلوم والثقافة تتوافر للجميع، ثم يذهب كل طالب فى طريق يختاره لنفسه حسب ميوله، إلا مصر حيث يتحدد مصير الطالب بالقدرة المالية والمكانة الاجتماعية لأهله.
أزيدكم فى الأمر قولاً: لا أشك لحظة واحدة أن الصراع الذى شهدته مصر بعد سقوط دولة مبارك، بين أنصار الدولة الدينية على اختلاف مشاربهم وأنصار الدولة المدنية كان فى بعض جوانبه غير المعلنة صراعاً بين الفقراء والأغنياء، بين أهل الريف والحضر، بين ذوى التعليم العصرى والتعليم المحافظ، بين النخبة وملح الأرض، بين سكان المنتجعات وسكان العشوائيات... وهلمّ جرا، ومازالت النار تحت الرماد.
ويبقى السؤال: هل نحن شعب واحد أم عدة شعوب؟ وكيف يمكن أن نتبنى نظاماً للتعليم يعيد التجانس الاجتماعى للمصريين؟ وللحديث بقية.

Tuesday, December 22, 2015

«شيزوفرينيا» العلاقات المصرية ـ السعودية بقلم د. عبدالمنعم سعيد ٢٢/ ١٢/ ٢٠١٥

«الشيزوفرينيا» هو مرض انفصام الشخصية حيث يكون هناك شخص واحد يعبر عن نفسه بطريقتين مختلفتين تماما تبعا لظروف ضاغطة بعينها. لست متخصصا فى المرض بالطبع، وإنما استخدمه هنا على قبيل الاستعارة للتسهيل والشرح. والحقيقة أن ما جرنى إليه كان صحف الأسبوع الماضى ـ بما فيها «المصرى اليوم» ـ التى اجتمعت على ما لم تجتمع عليه من قبل وهو أن صفحاتها الأولى جمعت ما بين النقيضين: موضوع ناعم وجميل وودود، وكاتبه مفعم بالتفاؤل والأمل، يتحدث حول تطورات كثيرة إيجابية فى العلاقات المصرية السعودية قوامها قيام المملكة بمساندة الاقتصاد المصرى بقدرات كبيرة تراوحت ما بين الدعم المالى، وشراء الديون، ودعم الجنيه، والاستثمار. كان القدر كافيا وكبيرا إلى الدرجة التى بعثت الدماء فى البورصة المصرية المتراجعة منذ فترة طويلة. باختصار كان المزاج «مصر عادت شمسك الذهبى» كما غنت فيروز.
فى نفس الصفحة الأولى سوف تجد موضوعا مفعما بالشكوك والهواجس، ولا بأس مضافا لها بعض من الاتهامات، حول دعوة الدولة السعودية إلى قيام تحالف إسلامى من أجل القضاء على «داعش» وكافة الحركات الإرهابية الأخرى. لم يكن مفهوما سبب وحيد لهذه الحالة فقد تراوحت ما بين استحالة تواجد مصر فى تحالف واحد مع تركيا وقطر، وكلاهما مصدر الإرهاب كما قيل، والأخطر كان أن التحالف يشق الصف الإسلامى بين السنة والشيعة وكأن الصف كان مصفوفا من قبل. وعند المساء كانت قوائم الاتهامات للسعودية قد وصلت إلى أن «الوهابية»، مدعومة بالمال، صارت هى المصدر الرئيسى لكل الحركات الإرهابية فى العالم. وقبل منتصف الليل كانت الحرب فى اليمن التى فيها مصر والسعودية بالفعل قد باتت حربا فاشلة، أدت إلى تدمير اليمن، نتيجة الرغبة السعودية فى تدمير الشيعة هناك.
حالة «الشيزوفرينيا» هذه بالمناسبة متبادلة أيضا فى السعودية، فالصحف السعودية لا تكف عن أن تنقل عن القادة السعوديين درجة التحالف الاستراتيجى مع مصر، وعندما تصل إلى السعودية لزيارة عمل فإن الحفاوة والكرم لا يكون لهما حدود، وسوف تجد فى كل الأوقات من يقول لك إنه ليس فقط يوجد ٢ مليون مصرى يعيشون فى السعودية، ولكن هناك ٦٠٠ ألف سعودى يعيشون فى مصر. ولكن ما إن تغلق الأبواب حتى تبدأ «الصراحة» و«النقد البناء» الذى تجده أيضا فى مقالات «المثقفين» السعوديين؛ والتى تقدر أن فقر مصر جعلها عبئا على الأمة العربية، وأن الفشل الاقتصادى المصرى يرجع إلى طبيعة النظام التى تجعله غير قادر حقا على تشجيع الاستثمار، والأهم من ذلك كله أن ما كان لمصر من مكانة ثقافية قد ولى وراح، وأن التعلق بأهداب دور ما فى المنطقة لم يعد له أساس موضوعى فى ظل التدهور الحالى الجارى فى مصر. وقبل منتصف الليل سوف يصل انفتاح القلوب إلى أن مصر تأخذ ولا تعطى، وهى لم تقدم إلا القليل للحرب فى اليمن، ولا شىء للحرب ضد داعش، ومن ثم فإن الاعتماد العربى على العسكرية المصرية لا يوجد ما يبرره فى ظل انشغال مصر بحربها الخاصة مع الإرهاب. وبعدها تأتى الضربة القضية أن جذور الإرهاب فى المنطقة تعود إلى مصر التى جاءت منها مصائب الإخوان المسلمين لكى ينتشر سرطانها وتخلفها إلى العالمين العربى والإسلامى، بل العالم كله.
لاحظ هنا أن حالة الانتقال من الحميمية والعلاقة الإستراتجية إلى الشك والتوجس وتوجيه الاتهامات يقوم على أربعة أنواع من التفكير السقيم: أولهما السكوت على كل ما حققته العلاقة الاستراتيجية بين البلدين من أول تعاونهما فى دحر حلف بغداد فى الخمسينيات (زمن عبدالناصر) إلى ما بعد هزيمة يونيو وما أعقبها من حرب أكتوبر ١٩٧٣ (زمن عبدالناصر والسادات) إلى حرب تحرير الكويت وعملية السلام العربية الإسرائيلية (زمن مبارك)، والتعامل مع نتائج الربيع العربى الخاصة بهيمنة حركات الإخوان المسلمين على الدول التى جرت فيها الثورات بدءا من مصر التى كانت فيها أول الهزائم الصريحة لجماعة الإخوان.
وثانيها تجاهل حقيقة أن كلا من مصر والسعودية دولتان هما فى النهاية خلاصة لتاريخ خاص بهما، وأوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تنتمى لهما، ولا يمكن لمصر أن تطلب من السعودية أن تكون صورة لها؛ كما أنه لا يمكن للسعودية أن تطلب من مصر أن تكون مرآة لها. وببساطة فإن خلاصة ذلك كله فى البلدين هو الحالة المصرية والسعودية التى تواجهنا اليوم. فمن المؤسف أن تكون مصر هى أصل الإرهاب لأنها انتجت الإخوان، بينما كانت هى الدولة التى أطاحت بهم وحرمتهم من قاعدة كانت ستتنافس مع «داعش» على تدمير الإسلام والعالم الإسلامى. ومن المدهش أن المراجعين للوهابية فى مصر قالوا ما قالوه بينما كانت تجرى أول انتخابات فى المملكة فاز فيها ٢٠ من النساء بعد ترشيح وانتخابات. فمنذ متى والجماعة الوهابية بسلفيتها ومحافظتها المعروفة باتت تؤمن بالانتخابات ومشاركة النساء؛ وقبل ذلك تعليمهم، وقبل ذلك كله منح المواطنين حق الاستماع إلى الراديو ومشاهدة التليفزيون والآن استعمال الكمبيوتر والتابليت والتليفون المحمول. ببساطة فإن واقع «الوهابية» يتغير وبسرعة، وأن التفسير «النصى» قد لا يكون ملائما لمقتضى الحال.
وثالثها، وهو مفجع، أن هناك دوما سكوتا عن الحق والحقائق فيما يتعلق بما يجرى بالفعل بين البلدين. فهناك تحالف جار بالفعل فيما يتعلق بالحرب فى اليمن، وفى حدود العلم فإن مصر قدمت للحرب بقدر ما طلبت السعودية وهو ما كان متوائما مع مصالحها المباشرة فى مضيق باب المندب. وهو تحالف لا يقوم بحال على تمزيق اليمن، أو الاستجابة لرغبة سعودية توسعية، ولكن لأن هناك حقيقة تغيب فى كثير من أحاديث الليل أن الحرب بدأت ليس فقط بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء العاصمة، بل وعلى عدن العاصمة الثانية أيضا. كان التدمير لليمن قد بدأ منذ واتاها الربيع، ولكنه تحول إلى مذبحة مع استغلال إيران، والقاعدة، للضعف اليمنى ومن ثم اندفع الحوثيون لإقامة مملكتهم الخاصة. الحديث هنا عن ميول لشن حروب شيعية سنية من قبل السعودية التى لها علاقات دبلوماسية مع إيران، ومصر التى ليس لها علاقات دبلوماسية مع طهران، تتجاوز حقيقة أن إيران هى دولة ثيوقراطية ليس بحكم الدين أو المرجعية الدينية فقط وإنما بحكم الملالى المباشر.
ورابعها أن الحديث من منطلق التنافس على القيادة الإقليمية، والذعر لدى مثقفين فى المملكة من عودة «الناصرية»، والفزع لدى مثقفين فى مصر من «الحقبة» السعودية، لا يعبر بأى معنى عن الواقع الحالى فى العالم العربى وبالتأكيد فى الشرق الأوسط. فما هو الدور القيادى الممكن وسط دول ممزقة وفاشلة وتدمى وتنزف وعلى الأغلب فقيرة، وتحيط به إيران وتركيا وإسرائيل، وتتدخل فى وسطها كل الدول الكبرى فى العالم. فما هو الدور الممكن انتزاعه وسط هذه الكواسر بينما المصائب تحل بنا من كل صوب؛ اللهم إلا إذا كانت هناك شراكة إستراتيجية حقيقية بين القاهرة والرياض؟
العجيب فى الأمر أنه لا أحد فى القاهرة أو الرياض أخذ موضوع «الحلف الإسلامى» بالجدية التى يستحقها سواء بالقبول أو بالرفض. ولأسباب غير معروفة فإن كافة التساؤلات التى ثارت بعد الإعلان كان ينبغى توقعها سواء كانت من الدول التى وردت أسماؤها ـ بما فيها مصرـ فى قائمة التحالف وأنكرت ـ مثل باكستان ـ أنه جرى التشاور معها. وكذلك الحال التساؤلات الخاصة بالقوة العربية المشتركة التى قيل على سبيل الشرح إنها سوف تكون جيشا عربيا دائما!. وبالتأكيد فإن هناك تساؤلات ومؤاخذات وملاحظات أخرى، وربما كانت هناك حاجة كبرى لدى القاهرة والرياض لنقاش استراتيجى جاد، ليس فقط للسير سويا فى اتجاه تحقيق أهداف استراتيجية كبرى مشتركة، وإنما أيضا للتقليل من فجوة «الشيزوفرينيا» القائمة بين مثقفى البلدين.

Monday, December 21, 2015

التحالف الوهمي محمد أبو الغار - المصرى اليوم - 22/12/2015

 أعلنت الصحف المصرية فجأة وبدون مقدمات دخول مصر فى تحالف إسلامى ضخم يضم أكثر من عشرين دولة معظمهم لم يتم استشارتهم وبعضهم مثل مصر تم إعلامهم بالانضمام فى آخر لحظة، ووصل وزير الدفاع السعودى لإقناعنا بعدم الفلفصة، وذلك نظير شحنات من البترول وزيادة الاستثمارات فى مصر فى اتفاق غير محدد بدقة.

 الأمر مريب وخطير ويجب التفكير فيه بجدية قبل أن تقع الفأس فى الرأس.
أولاً: نعلم أننا فى ضائقة مالية ونحتاج لدعم مادى وبترولى ولكننا يجب أن نعرف جيداً أن جزءا من هذه المشكلة سببه تصرفاتنا الاقتصادية الخاطئة وهذا يدعونا إلى التوقف فوراً عن جميع ما يسمى بالمشروعات العملاقة إلا بعد موافقة مجلس اقتصادى أعلى متخصص وليس له علاقة بالقوات المسلحة يقوم بتوجيه سليم لمشروعاتنا ووضع خطة سليمة ليست وليدة اللحظة.
ثانياً: دخولنا هذا التحالف بدون استشارتنا يعنى أننا أصبحنا بلا ثمن ولا رأى ونحن فى إمكاننا دخول تحالف بطريقة أفضل وبشروط أفضل ويكون من حقنا التصرف حسب مصلحتنا الوطنية.
ثالثاً: دخول هذا التحالف الموجه أولاً ضد سوريا وثانياً ضد الأسد ثم ربما ثالثاً ضد داعش والجماعات الإسلامية الأخرى أفقدنا دورنا الاستراتيجى الذى قد يعطينا البعض من حرية الحركة، وأفقدنا الحليف الروسى، وأصبحنا تابعين لتحالف قيادته فى واشنطن وأمانته فى الرياض.
رابعاً: هذا التحالف فكرة أمريكية ظهرت فجأة لتكون تحالفاً سنياً ضد الشيعة. ليست من مصلحة مصر أن تكون فى عداوة مع إيران والتى بينها وبين السعودية علاقات دبلوماسية ونحن ممنوعون من ذلك. هذا وضع لا يطاق! نحن ليس من واجبنا ولا وظيفتنا أن نحارب الشيعة وإنما نريد أن نحارب الإرهاب وهو إرهاب سنى أولاً وثانياً وأخيراً.
خامساً: من الغريب أن يكون ترتيب الدول المشاركة فى التحالف أبجدياً ومن الغريب أن ترفض بعض الدول المشاركة واسمها مكتوب فى التحالف، وأمر مثير للشكوك أن يعلن التحالف فى منتصف الليل بدون مفاوضات مسبقة، ويبدو أن أمريكا تعتبر نفسها دولة سنية لتقود وتنظم التحالف.
سادساً: أخشى أن ينتهى الأمر بتورط مصر عسكرياً خارج أراضيها مقابل شوية بترول. أرجو أن يقرأ جميع المسؤولين بدءاً من الرئيس الدستور المصرى جيداً ليعرفوا أن الأمر ليس فى أيديهم بل فى يد الشعب ومن الصعب جداً الموافقة عليه.
سابعاً: غياب الشفافية فى تحالف عسكرى قد يكون مصيرى أمرا فى منتهى الخطورة وأنا سعيد بأن هناك مجلس نواب قادم ومهما قيل أنه سيئ فإنه بالتأكيد أحسن من ترك السلطة المطلقة فى يد شخص واحد مهما كانت وطنيته وحبه لمصر.
أخيراً: السبب الأساسى لضعف موقفنا الذى أدى إلى تورطنا هو الوضع الاقتصادى المتدهور وحتى لا يزداد الأمر سوءاً علينا أن نخطط بسرعة لتحسين الاقتصاد وحل المشكلة السكانية حتى نستطيع أن نأخذ قرارنا بأيدينا فى المستقبل..
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.