Translate

Monday, February 27, 2017

خالد منتصر - قانون ازدراء «البخارى» - جريدة الوطن - 28/2/2016

مقصلة ازدراء الأديان ما زالت تحصد الرقاب، فقد حُكم على الشيخ محمد عبدالله نصر بالسجن خمس سنوات بتهمة الازدراء، وللأسف لن يحظى الشيخ نصر بنفس الدعم الإعلامى الذى حظى به إسلام بحيرى وفاطمة ناعوت وأحمد ناجى والأطفال الأقباط... إلخ، لن تقف بجانبه منظمة حقوقية أو جمعية حقوق إنسان، وللأسف يردد بعض المثقفين مبررات من قبيل «هوّ اللى عمل فى نفسه كده» و«هوّ راجل بتاع شو»... إلى آخر تلك المبررات التى من الممكن أن تكون محل انتقاد على أسلوب الشخص لكنها لا يمكن أن تُلقى بفرد يفكر فى غياهب السجون خمس سنوات من عمره!! اقبلوا اجتهاد الشيخ نصر أو ارفضوه لكنه فى النهاية اجتهاد من المفروض ألا تحبسوه بسببه، هذا القانون لا بد من تغيير اسمه من قانون ازدراء الأديان حتى يصبح قانون ازدراء أو انتقاد البخارى!! صار كتاب البخارى هو أكبر كتاب على وجه الأرض سُجن بسببه مفكرون، تحول من جهد بشرى عظيم إلى نص مقدس لا يُمس، وإذا كنتم تريدون حبس الشيخ محمد عبدالله نصر فلتحبسوا أيضاً من انتقد البخارى من قبله، وإليكم بعض الأمثلة:
رفض الشيخ الغزالى حديث فقء سيدنا موسى عين ملك الموت، فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، الذى هوجم عليه أقسى هجوم وأُلِّف ضده 14 كتاباً، قال الشيخ الجليل: «إن الحديث صحيح السند، لكن متنه يثير الريبة، إذ يفيد أن موسى يكره الموت، ولا يحب لقاء الله بعد ما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض... ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات التى تعرض للبشر من عمى أو عور؟!!.. لما رجعت إلى الحديث فى أحد مصادره ساءنى أن الشارح جعل رد الحديث إلحاداً!». ويستنكر الغزالى أى دفاع عن الحديث ويقول: «إنه دفاع تافه لا يساغ، ومن وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل فى أعراض المسلمين، والحق أن فى متنه علة قادحة تنزل به عن مرتبة الصحة»، انتهى نقد الشيخ الغزالى للحديث الموجود فى الصحيح، فهل هو ملحد ومزدرٍ كونه رفض هذا الحديث؟!
ثانياً: رفض الشيخ الإمام محمد عبده حديث سحر الرسول، وقال: «لا يخفى أن تأثير السحر فى نفسه يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً، وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض فى الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان فى بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه (إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً)، وليس المسحور عندهم إلا من خولط فى عقله، وخُيل له أن شيئاً يقع وهو ما لا يقع، فيُخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه»، ثم يواصل الإمام محمد عبده وجهة نظره قائلاً: «وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها فى باب العقائد، وعصمة النبى من تأثير السحر فى عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ فيها بالظن المظنون»، هل تعرفون حكم الشيخ محمد عبده الرافض لحديث السحر عند الشيخ بن باز حسب الفتوى رقم 6280 (راجع موقع نداء الإيمان)، هذا هو حكم الشيخ بن باز عندما سُئل عن منكرى حديث السحر: «يجب اعتزالهم وعدم مخالطتهم؛ اتقاء لشرهم، إلا إذا كان الاتصال بهم من أجل النصح لهم وإرشادهم، أما الصلاة وراءهم فحكمها حكم الصلاة وراء الفاسق، والأحوط عدم الصلاة خلفهم؛ لأن بعض أهل العلم كفّرهم»، يعنى الشيخ محمد عبده كافر ولا يصلَّى وراءه!!
ثالثاً: رفض الشيخ رشيد رضا حديث الذبابة الشهير التى فى جناحها داء والآخر دواء قائلاً (فى مجلته «المنار» المجلد 29 الجزء الأول): «حديث الذباب المذكور غريب عن الرأى والتشريع، فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً، وكل ضار ظناً فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل»، وكان بعض الشيوخ قد كفّروا د. محمد توفيق صدقى حين هاجم هذا الحديث فى العشرينات فى نفس المجلة، وقد دافع عنه رشيد رضا قائلاً: «ذلك المسلم الغيور لم يطعن فى صحة هذا الحديث إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التى تنفّر الناس من الإسلام، وتكون سبباً لردة بعض ضعفاء الإيمان، وقليلى العلم الذين لا يجدون مخرجاً من مثل هذا المطعن إلا بأن فيه علة فى المتن تمنع صحته، وما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخارى ويؤمن بكل ما فيه وإن لم يصح عنده».
الحمد لله أن هؤلاء الشيوخ قد رحلوا عن حياتنا قبل صدور هذا القانون الذى حوّلنا إلى قندهار.

د. عماد جاد - مركز للإنذار المبكر - جريدة الوطن - 28/2/2016

على عكس الكوارث الطبيعية التى يصعب بصفة عامة توقعها أو التنبؤ بتوقيتها، فإن الكوارث البشرية قابلة للمتابعة والرصد وعبر التحليل والتشريح يمكن توقع مدى خطورتها ومخاطر انفجارها. وعادة تعانى الدول المتنوعة ومتعددة الأديان والعرقيات، من مخاطر انفجار المشكلات التى قد تصل إلى الصراعات وربما الحروب الأهلية، طبعاً القضية تخص الدول التى لم تستقر فيها بعد المؤسسات الديمقراطية، والتى لم تنتشر بها بعد القيم الإنسانية من حرية، وعدل، ومساواة، وقبول التنوع والتعدد والاختلاف، أما فى الدول الديمقراطية المستقرة فالمؤسسات كفيلة بالتعامل مع المشكلات التى تظهر من حين إلى آخر على خلفيات دينية أو طائفية أو عرقية، فدولة مثل الولايات المتحدة لا تزال تشهد من حين إلى آخر بعض الصدامات على خلفية عرقية وأحياناً دينية، لكن درجة المؤسسية الموجودة فى البلاد سرعان ما تحتوى الموقف وتعالجه على أسس موضوعية إلى حد كبير.
فى الدول التى لم تستقر فيها الديمقراطية كقيمة وثقافة وباقى القيم الإنسانية الراقية، مطلوب تقوية مناعة المجتمع عبر نشر هذه القيم من خلال أدوات التنشئة المختلفة، وفى الطريق إلى تحقيق الديمقراطية ونشر القيم الإنسانية يبدو مهماً للغاية محاصرة المشكلات والخلافات فى مهدها، والتصدى لما هو متوقع من نزاعات أياً كان مصدرها، وعادة ما تلجأ الدول التى ترغب فى تحسين الأداء الحكومى والحفاظ على التماسك المجتمعى إلى إنشاء مراكز للإنذار المبكر تنتشر فروعها فى أنحاء البلاد مهمتها الوحيدة متابعة التفاعلات والعلاقات والأحداث وإعداد التقارير العاجلة لصانع القرار والحكومة بشأن المشكلات الكامنة والمتوقع انفجارها حتى تتحرّك الحكومة والجهات الرسمية بسرعة فائقة وتتعامل مع المشكلات قبل انفجارها. وإذا أردنا أن نُطبّق ذلك على الأزمة الأخيرة فى مدينة العريش، نقول إن التنظيم الإرهابى المنتشر فى شمال سيناء تعرّض لضربات موجعة من قواتنا المسلحة والشرطة المدنية التى دخلت للمرة الأولى المعقل الرئيسى للتنظيم، ممثلاً فى جبل الحلال، وأن عناصر التنظيم الفارة سوف تلجأ إلى تنفيذ ضربات انتقامية للرد على ذلك ولإثبات أنها لا تزال موجودة، وأن التنظيم اختار استهداف المواطنين المصريين الأقباط فى العريش كهدف سهل ومؤلم أيضاً وبدأ فى قتل الأقباط، ثم أصدر بياناً مصوراً يتعهد فيه بذلك. لو كان لدينا فرع لمركز إنذار مبكر فى شمال سيناء كان سيرسل رسالة واضحة وعاجلة إلى الحكومة المصرية تقول إن التنظيم سيواصل عمليات استهداف الأقباط بطرق بشعة، وإنه لم يوقف هذه العمليات، ومن ثم على الحكومة التحرك بسرعة من أجل معالجة الموقف، لا سيما أن التنظيم بدأ فى اتباع أساليب بشعة فى عمليات الاستهداف ما بين قتل بالرصاص ونحر وحرق، وأن هذه العمليات مقصود منها بث رعب فى نفوس المواطنين المصريين الأقباط ودفعهم للرحيل من شمال سيناء بطرق عشوائية غير منظمة، فيبدو الإرهاب فى صورة الناجح، فى حين أنه يتعرّض لضربات شديدة، وبات محاصراً فى بقعة محدودة. آن الأوان لتأسيس مراكز للإنذار المبكر من أجل تقديم تقارير عاجلة عن مناطق الالتهاب والخطر المتوقع وإرسال إشارات تحذيرية تتلقفها خلايا إدارة الأزمات وتتعامل معها فوراً.
وللحديث بقية

أبراهيم عيسى - بيانات أحمد سعيد تملأ مصر الآن - المقال - 27/2/2017

مَن هو الضابط المختل الذى كان موجودًا فى مركز القيادة يوم خمسة يونيو 1967 وقرر أن يكتب بيانات القيادة، كى يتم بثُّها فى الإذاعة والتليفزيون، وقد ملأها بأخبار الفوز والنصر والانتصار وأننا أسقطنا 82 طائرة إسرائيلية ونحن على وشك الدخول إلى تل أبيب، وهذه الأكاذيب المزيفة هائلة الهراء؟!
بمَ كان يفكر ساعتها هذا المخلول وقياداته التى وافقت على هذا الجنون الرسمى؟!
صحيح، هل كان يملك عقلًا وهو يصوغ هذه البيانات الكذابة التى لا تمت للواقع بأية صلة، بل هى عكس الواقع تمامًا؟!
كان يمكن أن يذيع بيانات لا تحمل أخبارًا أصلًا وتصبح عبارة عن كلام عام لا يودى ولا يجيب، كان واردًا جدًّا أن يقول إن المعارك دائرة ونحن نقاتل ببسالة مثلًا، كان يمكن أن يتواضع ويتكلَّم عن ضراوة قتال وعن بطولات جيش وعن عزيمة أبطال، ومثل هذه الكلمات التى تثير الحماسة لكنها لا تعِد بالنصر، كان يمكن أن يلمّ نفسه ولا يفتحها على الآخر بكل هذه الانتصارات المذهلة الخيالية.
هو كما غيره من قيادات الدولة والجيش ساعتها يعرفون أن كله سينكشف وأن الهزيمة المدوية لن تخفى على أحد، فلماذا تعمَّدوا أن يبنوا لدى الناس أملًا كاذبًا؟! ولماذا قرروا أن يضللوهم كل هذا التضليل؟! ولماذا لم يفكروا لحظة فى الشعب الذى سيصدق تلك الأكاذيب ويفرح ويكبر ويهلل ثم تأتيه الحقيقة لتكسر قلبه وتوقعه على جذور رقبته محطَّمًا؟!
كان معذورًا المذيع الكبير أحمد سعيد، نجم إذاعة صوت العرب أيامها، بصوته الساحر وهو يبث هذه البيانات بمنتهى الحماس والإخلاص والتصديق، فقد كان مُغَفَّلًا وقتها يصدق ما أرسله له قادة البلاد، وهل يعرف الحقيقة أكثر من قادة البلاد؟! وهل كان يظن أحمد سعيد لوهلة أن العالم دى عالم مجنونة وخبيثة ووضيعة تفعل فى شعبها هذه الفعلة وتكذب عليه هذا الكذب المهين لإنسانيته ووطنيته؟!
إذن، قيادة النكسة لم تكتفِ بنكستها ولم تكتفِ بأن تكذب، بل لمرض عقلى أو نفسى مرعب ينتاب هؤلاء فقد قرروا تضليل الناس، إنكار الحقيقة ثم صناعة حقيقة افتراضية بديلة مريحة لذيذة نَشوانة حتى لو ستنكشف وتنفضح أمام الواقع الحقيقى المر والمرير!
لا شىء فى مصر الآن بعد خمسين عامًا على النكسة إلا بيانات أحمد سعيد.. وكم من أحمد سعيد يزعق بها كل يوم، عن الاقتصاد والدولار والأسعار والمشروعات وسد النهضة والبطالة والدواء والصحة والتعليم، عن تجديد الخطاب الدينى والأزهر والكنيسة، وطبعًا عن انتصارات مواجهة الإرهاب وتهجير الأقباط من #سيناء؟!


تكفير داعش مسألة أمن قومى بقلم فاطمة ناعوت ٢٧/ ٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم



أين يختفى مسوخُ داعش ولماذا عسيرٌ على رجال أمننا العثور عليهم وسط أحراش العريش وكهوف الجبال؟ ليست الصخورُ ظهيرَهم، إنما ظهيرهم بشرى، بكل أسف.
هذه لحظةٌ من أعسر اللحظات التى تمرُّ بها مصرُ عبر تاريخها. ما يحدث فى العريش الآن للأقباط المسيحيين على يد مسخ داعش الدميم، شىءٌ فوق قدرة العقل على استيعابه. يريد ذلك المسخُ الشيطانى الوغد أن يُكرّس فى الذهن الجمعى للعالم تلك الصورة الوحشية التى لا يملك غيرها ليعلن بها عن وجوده. «نحن ندمّر الحضارة الإنسانية، وننحر العُزَّل الأبرياء، ونغتصب الأسيرات، إذن نحن موجودون». لكن الأزهر الشريف لا يُقرُّ بكفرهم، ولا برِدّتهم وخروجهم من تحت مظلّة الإسلام! كيف ولماذا؟! لأن الأزهر لا يُكفّر كلَّ من نطق بالشهادتين، مهما قتل أو حرق أو اغتصب أو استلب أو سرق أو شوَّه صورةَ الله، حاشاه. إنهم يشوّهون صورة الله حين يُكبِّرونه وهم يذبحون البشر ويحرقون قلوب الثكالى ويغتصبون العذراوات. لهذا يجدُ مسوخُ داعش مَن يساندهم ويؤويهم ويُخفيهم عن عيون جنود جيشنا ورجال شرطتنا، من أبناء سيناء وعائلاتها وقبائلها. كيف يساعدهم أبناءُ سيناء وعوائلها على التخفّى والاحتماء داخل أركان دورهم؟ لأنهم يرون مسوخَ داعش «مسلمين»، بقرار رسمى من الأزهر الشريف، صاحب الكلمة العليا، والوحيدة، فى إيمان المسلمين، أو كُفرهم ورِدّتهم. ألم يحن الحينُ بعد حتى يُصدّق الأزهرُ الشريف أن فى يده «وحده» الآن العصا السحرية التى تئد الإرهاب فى مصر، وتدحر داعش فى العالم، وتحقن دماء المسيحيين فى العريش؟ فتوى واحدة مُعلنة وقاطعة وصريحة بتكفير داعش، سوف ترفع عنهم الغطاء الاحتمائى البشرى الذى يُخفى مسوخ داعش عن عيون رجال الأمن من الجيش والشرطة فى العريش، وفى سيناء وفى كل بقعة من بقاع العالم.
يا أزهرنا الشريف، اِعلمْ، إن لم تكن تعلم، أن بسطاءَ المسلمين يفهمون الحديث الشريف «انصرْ أخاك ظالماً أو مظلومًا»، على نحو مغلوط ومنقوص. لأنهم فى غالب الأمر لا يعرفون بقية الحديث: «بأن تأخذ فوق يديه» أو «بأن تردّه عن ظلمه». فحين أنت أيها الأزهر الشريف، لا تريد أن تُكفّر داعش، فإنك بذلك تجعله «أخًا» لكل مسلم فى سيناء، ورعيةً لكل شيخ قبيلة، وابنًا لكل امرأة فى دارها. أنت، دون أن تقصد يا أزهرنا الشريف، جعلت الداعشى «مسلمًا أخًا» وجبت نُصرته ظالمًا، دون قيد أو شرط، مادام هو مسلم، ومادام شِطرُ الحديث الشريف غائبًا عن الوعى الدارج العام لدى معظم البسطاء. وأهلنا فى سيناء، ما أبسطهم!
أما تهجير الأقباط الاضطرارى من دورهم فى العريش إلى بورسعيد والإسماعيلية، لتؤويهم الكنائس هناك، فهو أمرٌ لا يليق بدولة هائلة مثل مصر. فدور العبادة جُعلت للصلاة والتعبّد، وليس لإيواء المُهددين والمُطاردين. حماية المواطن المصرى هو واجب الدولة، وحق المواطن الأصيل بموجب الدستور والقانون. فإن تعذرت الحماية ومنع الأخطار لأسباب قهرية مثل ما يحدث فى العريش الآن من حرب عصابات خسيسة مع مسوخ داعش الذين يختبئون فى الكهوف والجبال مثل اللصوص والخفافيش، فلا بديل عن أن تُخصص القوات المسلحة والدولة المصرية فنادق محترمة، أو وحدات سكنية لائقة لأبناء العريش الأقباط، حتى تنتهى المحنة، بإذن الله، ويعودوا إلى ديارهم معززين مكرمين.
ونما إلى علمى الآن، أثناء كتابة المقال مساء السبت، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد كلّف وزير الإسكان، مهندس مصطفى مدبولى، بتخصيص وحدات سكنية للمُهجّرين من مسيحيى العريش، فشكرًا للقرار الواجب.
كذلك أرفعُ إلى وزير التعليم العالى رجاء أهالينا فى العريش بنقل أبنائهم من جامعة سيناء إلى جامعات مصرية موازية فى مدن مصر الآمنة، مثل جامعة ٦ أكتوبر، خصوصًا لطلاب الكليات العملية الصعبة كالهندسة والطب. ذاك أن تأخيرهم عن محاضراتهم وسكاشنهم ومَعاملهم من شأنه أن يهدد مستقبلهم الدراسى والعملى، وهم النشء/ الثروة الذى نراهن عليه من أجل غد مصر. وقد أرسل أولياء الأمور فى العريش بالفعل مطالب رسمية إلى رئيس جامعة ٦ أكتوبر، ورئيس جامعة سيناء بهذا الشأن، نرجو سرعة التصديق عليه.
اللهم ارفع عن مصر الطيبة التى ذكرتها فى كتبك السماوية، هذا البلاء الصعب.

د. عماد جاد - غياب الإدارة السياسية (٢) - جريدة الوطن - 27/2/2016

سقطت الحكومة المصرية فى اختبار إدارة أزمة النازحين المصريين من مدينة العريش، فللأزمة مقدمات ظاهرة تمثلت فى بدء عمليات القتل على الهوية الدينية للمواطنين المصريين المسيحيين، وبيان لعناصر تنظيم «أنصار بيت المقدس» يعلن فيه استهداف المسيحيين المصريين، كل ذلك وسط بيئة فاقدة للأمن ومناطق أشبه بتلك التى تدور على أراضيها معارك طاحنة وتشهد عمليات كر وفر بين عناصر التنظيم الإرهابى وقوات الجيش والشرطة. حكايات الفارين من جحيم العريش مرعبة ومفزعة، فالأمن يكاد يكون غائباً بالكامل وبالكاد يحمى رجال الأمن أنفسهم لكنهم غير قادرين على توفير الأمن للمواطنين المصريين لاسيما الوافدين على المنطقة من مختلف محافظات ومدن الجمهورية. جرى ويجرى كل ذلك تحت سمع وبصر الحكومة المصرية دون أن تبادر بتشكيل خلية لإدارة الأزمة ومتابعتها من أجل التعامل معها أولاً بأول. كنا نتمنى أن تبادر الحكومة المصرية عندما تدرك الأخطار المحيطة بالمواطنين المصريين بصفة عامة، والأقباط بصفة خاصة، أن تبادر بتنظيم عملية المغادرة بشكل منظم ومنضبط وأن يجرى تصوير عملية الترحيل باعتبارها جزءاً من الاستعداد لخوض المعركة الفاصلة مع عناصر التنظيم الإرهابى لاسيما بعد اقتحام عناصر الجيش والشرطة للمعقل الرئيسى للتنظيم فى جبل الحلال، كان يمكن تنظيم عملية الخروج الجماعى لتبدو أنها عملية منظمة ومرتبة لا علاقة لها بتهديدات التنظيم بقدر ما تتعلق بالاستعداد لخوض المعركة الفاصلة، وأن تتم عملية النقل أو الترحيل لتبدو أنها عملية مصرية بالكامل لا أبعاد دينية ولا طائفية فيها. وكان يمكن من البداية نقل سكان مناطق بالكامل أو أحياء معينة للحفاظ عليهم من العمليات المتوقعة فى تلك المنطقة وأن عودتهم ستكون مرتبطة بقضاء الجيش والشرطة على عناصر التنظيم الإرهابى. ما حدث هو أن الحكومة المصرية لم تتعامل بجدية مع التهديدات التى أطلقها التنظيم بحق المواطنين المصريين الأقباط، ولم تحرك ساكناً عندما بدأ التنظيم ينفذ عمليات قتل وحرق المواطنين، ولم تتخذ أى استعدادات لمواجهة احتمال خروج غير منظم للمواطنين الأقباط من العريش بكل ما سوف يترتب على ذلك من عمليات استقبال وتسكين وإعاشة ومعالجة المشاكل المترتبة على النزوح الجماعى المفاجئ للموظفين والعمال وطلبة المدارس والجامعات.
أدى عدم التعامل المبكر من قبل الحكومة إلى خروج المشهد فى شكل هجرة أو تهجير جماعى للأقباط، وبدا واضحاً أن التنظيم الإرهابى قد نجح فى قلب المشهد لصالحه فى وقت كانت العمليات على الأرض تؤشر إلى تلقى التنظيم سلسلة من الهزائم، فقد نجح التنظيم؛ بفضل فشل الحكومة فى إدارة المشهد مبكراً، فى إظهار سيطرته على مدينة العريش وقدرته على فرض إرادته على المدينة وبدا وكأنه الحاكم الفعلى للمدينة.
لم تتعلم الحكومات المصرية المتعاقبة من الفشل المتكرر فى إدارة الأزمات التى مرت بها البلاد على مدار العقود الماضية، فكانت حركتها فى التعامل مع أزمة النزوح من العريش ثقيلة وكانت خطواتها بطيئة ومتأخرة، ومن ثم كانت النتيجة خسائر على المستويات كافة. صحيح تعاملت الحكومة مع الأزمة متأخرة، ولكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، المهم أن نستلهم الدروس ونستخلص العبر حتى يتغير تعاملنا مع الأزمات التى باتت جزءاً من حياتنا نتيجة ميراث طويل وثقيل ذهب بغالبية الشعب المصرى بعيداً عن الهوية الوطنية المصرية الأصيلة، ولكم فى مشاهد جنازة عمر عبدالرحمن خير شاهد ودليل على ما أصاب مصر والمصريين نتيجة الخلط بين الدين والسياسة وتوظيف الساسة للدين فى خدمة أغراضهم السياسية.

Sunday, February 26, 2017

د. عماد جاد - غياب الإدارة السياسية - جريدة الوطن - 26/2/2016

تخوض قواتنا المسلحة ورجال الشرطة حرباً شرسة ضد الإرهابيين فى شمال سيناء، ويواجهون إرهابيين جبناء يحاربون قوات بلادنا عبر عمليات الكر والفر، التفجير والعبوات الناسفة، ويدفع أبناء القوات المسلحة والشرطة المدنية ثمناً غالياً من دمائهم وأرواحهم فى مناطق جبلية وعرة، ويواجهون إرهابيين من مختلف الجنسيات، جاءوا إلى بلادنا فى زمن حكم المرشد والجماعة، استوطنوا شمال سيناء، وتولى الفرع الفلسطينى للجماعة -حركة حماس- إمدادهم بالسلاح والإعاشة والأسلحة وتقديم العلاج، ووفر لهم الملاذ الآمن داخل القطاع عندما تزايد ضغط رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية. ورغم أن المنطقة الملتهبة فى شمال سيناء؛ رفح، العريش والشيخ زويد، تقع ضمن المنطقة (ج) ووفق الملحق الأمنى لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية محظور وجود أفراد القوات المسلحة المصرية والأسلحة بكافة أنواعها والزوارق والطائرات، فإن قواتنا المسلحة توجد اليوم بكثافة فى هذه المنطقة ولنا نحو ٤٥ كتيبة قوامها نحو ٢٥ ألف عسكرى وأسلحة ثقيلة وطائرات بكافة أنواعها من أجل القضاء على عناصر تطلق على نفسها «أنصار بيت المقدس» تقاتل قواتنا وتنحر مدنيينا ولا تصوب رصاصة واحدة صوب من يحتلون بيت المقدس على بُعد بضعة كيلومترات إلى الشمال الشرقى من مدينة العريش.
وعلى مدار الأسبوع الماضى اقتحمت قواتنا جبل الحلال، المعقل الرئيسى لهذا التنظيم، وقامت بتمشيط المنطقة، وتواصل ملاحقة عناصر التنظيم، وكان متوقعاً بعد هذا النجاح أن تقوم عناصر التنظيم بالتركيز على ما تعتبره نقاط ضعف للضغط على الدولة المصرية، وأن يكون المدنيون على رأس هذه الأهداف بصفة عامة والأقباط منهم بصفة خاصة، وقد أصدر التنظيم بياناً قبل أيام بهذا المعنى، ثم بدأ فى عملية استهداف منظم للأقباط فقتل على مدار الشهر الحالى سبعة منهم بطرق بشعة باتت أساليب معتادة للتنظيم فى المنطقة مثل النحر والحرق. وقد أحدث ذلك حالة من الذعر فى صفوف المدنيين بصفة عامة والأسر القبطية بصفة خاصة التى أخذت فى الهرب باتجاه مدينة الإسماعيلية.
ما يؤخذ على الحكومة والنظام هنا هو الغياب التام عن المشهد على النحو الذى أضر كثيراً بالأسر المصرية وبصورة الدولة المصرية أمام العالم الخارجى، ففى الوقت الذى نتحدث فيه عن نجاحات لقواتنا المسلحة والشرطة المدنية فى ملاحقة العناصر الإرهابية واقتحام معقلهم الرئيسى، فإن مشاهد فرار العائلات القبطية والفوضى وغياب التنظيم واختفاء الدولة المصرية من المشهد، أضر بنا جميعاً وأعطى الفرصة لكل كارهى مصر والمصريين للشماتة فيما جرى، فقد غاب المسئولون عن المشهد فى شمال سيناء، فتركوا المواطنين يفرون بشكل فوضوى وعشوائى، وغابوا أيضاً فى الإسماعيلية فاضطرت الأسر للجوء إلى الكنائس التى تولت مع مجموعة من الشباب ونواب فى البرلمان عملية الاستقبال والتسكين وتوفير مستلزمات الإعاشة، والوحيد الذى ظهر فى المشهد هو المهندس خالد عبدالعزيز، وزير الشباب والرياضة، الذى استجاب على الفور لمطلب فتح بيوت الشباب لاستقبال بعض الأسر الفارة، وكان الرجل عند قدر المسئولية فله كل التحية والتقدير.
كنا نتمنى أن تبادر الدولة المصرية بالوجود المبكر وتشكيل خلية لإدارة الأزمة تتولى نقل المواطنين المصريين، من مسلمين ومسيحيين، من مناطق الخطر بطريقة منظمة وحضارية وتسكينهم فى مساكن تابعة للدولة، وذلك بهدف حمايتهم من ناحية وإتاحة الفرصة للقوات المسلحة والشرطة المدنية للتعامل الحر مع الإرهابيين، ثم إعادتهم إلى مناطقهم بعد القضاء على الإرهاب تماماً.
لم ينقطع تدفق الأسر المصرية على مدينة الإسماعيلية، وتواصل الكنائس والشباب ونواب من البرلمان وبمساعدات من قبَل عدد من رجال الأعمال عمليات الاستقبال والتسكين وتوفير مستلزمات الإعاشة، وفى نفس الوقت لدى هذه الأسر مطالب محددة تتعلق بالانقطاع عن العمل ويطلبون تسوية هذا الأمر إلى حين العودة، إضافة إلى الحاجة الماسة للحصول على المرتبات ومعالجة أوضاع أبنائهم الذين غادروا مدارسهم.
الملاحظة الجوهرية على ما جرى ويجرى هو غياب الدولة المصرية وغياب العقل السياسى اللازم لإدارة الأزمة الأمر الذى أضر بنا جميعاً وبصورة الدولة المصرية، لذلك نأمل فى تحرك عاجل من الحكومة المصرية لمعالجة الموقف وتلبية احتياجات الأسر التى فرت إلى الإسماعيلية.

خالد منتصر - «داعش» انهزموا عسكرياً وانتصروا ذهنياً - جريدة الوطن - 26/2/2016

تكرّر فى الإعلام سؤال استنكارى، وهو هل يقتل المسيحى وحده فى سيناء؟، الإجابة يقتل الجندى المسلم والجندى المسيحى هناك، لا تفرقة، نعم يُقتل من يرشد الشرطة عن الإرهابيين، سواء كان مسيحياً أم مسلماً.. إلخ، متفق معكم فى كل ما قيل، لكن القتل على الهوية صار من نصيب المسيحى فقط، القتل على الهوية صار قدراً سرمدياً ينتظر المسيحى ساعة الصفر لتنفيذ قضائه، عنقه هناك تحت المقصلة وجسده ينتظر الشوى والحرق بأيدى الدواعش أخس التنظيمات التى ظهرت على مر التاريخ وأكثرها وضاعة، أعرف ومتأكد أن الدواعش لم يحقّقوا مكاسب عسكرية هناك فى سيناء، أعرف أن هناك نجاحات للجيش المصرى هناك على أرض الواقع من تدمير أنفاق وقتل إرهابيين.. إلخ، لكن منذ متى كان مجرد اغتيال جنود مصريين هو غرض «داعش» الوحيد، أو غرض تنظيمات الإسلام السياسى المنفرد، نعم هو على رأس أولوياته القذرة الشريرة، لكن هناك ما هو أخطر بالنسبة إليهم، وهو تصدير الصورة الذهنية إلى الخارج والداخل، إلى الغرب والمصريين، وهم إذا كانوا قد انهزموا عسكرياً فقد انتصروا ذهنياً، نجحوا فى نقل الصورة الذهنية لتنظيم شرير يحرق ويسحل ويأكل الأكباد ويهجر الأقباط قسرياً، بث الرعب غرضهم الأساسى وقد نجحوا فيه، هذا هو الخطير والمفزع فى الأمر، التكتيك الداعشى كان متوقعاً، السلاح فى أيديهم نقص، ولم يعد سهل المنال، التجنيد والمدد من الخارج صار صعباً، الجيش يحصد منهم العشرات، إذن الحل الذى لا يحتاج إلا إلى سكين أو مجرد عود كبريت وجركن بنزين هو حرق وقتل وذبح الأقباط، ثم نرى هذا المشهد المخزى المخجل المهين لأى بلد فى العالم، والذى يصيب كبرياءها فى مقتل، مشهد مسيحيى العريش الذين يبحثون عن مأوى فى محافظة مجاورة كاللاجئين، الداعشى يريد ويحلم بتلك اللقطة، الداعشى يعشق فلاش الكاميرا نفس عشقه لنافورة الدم، هو صانع صور ذهنية بامتياز شرير، لا بد من عودة تلك الأسر، ولو وضعنا أمام كل بيت منهم دبابة، هذه مسئولية دولة والتزام وطن وإرادة حاكم وحكومة، وإلا فالبديل هو تهجير المسلم والمسيحى من تلك البقعة كما حدث فى التهجير بعد 1967 حتى ينظف الجيش أم القيح من هذا الخراج الإرهابى السافل ويستأصل سرطانه الفتاك، المشكلة -لا بد أن نتكلم بصراحة- ليست فى الإرهابى الداعشى فقط، لكن فى بعض من يظهر كمحايد فى القبيلة أو فى الشارع، الكثيرون هناك من ذوى المزاج السلفى الوهابى الذى يستحل دم وعرض ومال المسيحى، من الممكن أن يتواطأ مع الإرهابى أو يدله ويساعده أو يطنش عنه ولا يبلغ السلطات عن مكان اختبائه، يساعده فى ذلك سكوت الدولة عمّن يؤجّج النار وينفخ فى كير الفتنة بالفتاوى التى يظنها المسلمون من صميم الدين، دولة تسكت عن «برهامى» الذى يعلنها صراحة أن الأقباط كفرة، وأنه لا يجب تهنئتهم، وحتى الزوج المسلم إذا تزوج مسيحية يجب ألا يودها قلبياً وعاطفياً!!، «لجنة شئون أحزاب» تعتبر حزب النور حزباً مدنياً ولا تقدم طلباً لحله، «داخلية» ما زالت تتبنّى جلسات الصلح العرفى حلاً لجرائم بربرية تحرق فيها كنائس ويقتل مصلون فيها، حكومة تمنح شهادات أسلمة بسرعة الصاروخ وكأن وظيفتها شحننا إلى الجنة!!، بلد ما زالت فيه جامعة لا تقبل إلا المسلمين، ليس لدراسة الدين، لكن لدراسة الطب والهندسة!!، كل هذه المظاهر هى الجسر الذى يعبر عليه الداعشى ويسانده حواريوه من المتواطئين، يعبر عليه بكل أمان وثقة واقتناع، بل ونشوة.

Saturday, February 25, 2017

جينات السودانيين والنوبيين مصرية بقلم د. وسيم السيسى ٢٥/ ٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

قدمت القناة السويسرية الأولى T.S.R.٠.٦ برنامجاً عن الحضارة النوبية السودانية، وكيف أنها أسبق من الحضارة المصرية القديمة، وكان اسم البرنامج TEMPS PRESENT، ومقدم البرنامج إريك بوماد، وكان فى البرنامج عالم آثار سويسرى يدعى شارلى بونيه الذى اكتشف مدينة كرمة KERMA، فى النوبة، وفيها تماثيل عليها كتابات هيروغليفية لفراعنة سود وبيض، وقال إن النوبة كانت تحكم مصر حتى جاء نارمر «مينا»، واجتاح ملوك النوبة!، ثم جاء بسماتيك الثانى «الأسرة ٢٦» فدمر الكرمة، وهدم قلاعها ومعابدها سنة ٦٦٤ ق.م. فى سنة ٢٠٠٣ أقام شارلى بونيه حفلا حضره وزير داخلية سويسرا فى كرمة، أعلن فيه ما سبق من ادعاءات الواقع أن قبائل السافانا «العصر المطير» تجمعت حول نهر النيل «فى عصر الجفاف بدءا من ١٢ ألف سنة قبل الميلاد»، ولكنهم جميعا جينات واحدة
مصرية كما جاء فى المجلة الأمريكية للجينات البشرية فى ٢٠١٥/٦/٢٤ تحت عنوان: مصريون فينا جميعا كآسيويين، وأوروبيين منذ ٥٥ ألف سنة مضت! ومن ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ جينات السودانيين والنوبيين مصرية.
كانت النوبة والسودان الامتداد الجنوبى لمصر، كانت الفرقة العسكرية مدجاى النوبية التى كانت تجيد استخدام الأقواس والسهام فرقة فى الجيش المصرى، كما كانت والدة أمنمحات الأول «مؤسس الأسرة ١٢» نوبية، كما كانت الملكة تى والدة أخناتون «الأسرة ١٨» من أصول نوبية، كما كان بانحس النوبى وزيراً للأمن فى تل العمارنة فى عهد أخناتون.
تقلد النوبيون أعلى المناصب فكانوا ملوكاً، «الأسرة ٢٥» وحكموا مائة عام كمصريين، وكان آمون إلههم، ومصر وطنهم، وكان منهم بعنخى وابنه طهرقا، كما كان منتومحات أميرا على طيبة، كما تقلدت سيدة نوبية أعلى منصب دينى «كاهنة معبد آمون».
دافع النوبيون عن مصر ضد الآشوريين وكانوا يقولون: نحن نحمل لواء إحياء المجد المصرى.
كانت النوبة شمالاً وجنوباً: كوش، واوات، وكانت أكبر مدنها نبتا«٤٠٠ كيلو متر بعيداً عن الخرطوم»، كرما «١٠٠٠ كيلو متر بعيداً عنها»، ومروى.
تمردت النوبة على مصر فى وقت حروبها ضد الهكسوس فما كان من أحمس إلا أن أرسل حملة لإخضاع الثوار، كما أرسل تحوتمس الثالث حملة لنفس السبب، وهو الذى أقام نبتا عاصمة للنوبة، ولكن الذى حطم معابدها هو بسماتيك الثانى ذلك لأن تانوات النوبى قتل والده نخاو الثانى.
توجه سخريب الآشورى لمحاربة الفلسطينيين، تدخلت مصر «طهرقا النوبى» دفاعاً عن فلسطين، ترك سخريب فلسطين، وتوجه إلى مصر، استولى على منف، فتك الطاعون بجيش سخريب، عاد إلى بلاده، قتله أحد أبنائه، تقلد الحكم من بعده أسرحدون ابنه الثانى ثم آشور بانيبال الذى هزم مصر ووصل إلى طيبة، هرب طهرقا، مات فى نبتا.
تم تحرير مصر من الآشوريين على يدى بسماتيك الثانى، وهناك رؤية كانت تقول: يتقلد حكم مصر من يتلقى ماء القرابين فى كأس من البرونز.
ذهب الأمراء الاثنا عشر المتصارعون على الحكم لمعبد آمون، وزع الكاهن الكؤوس الذهبية على الأمراء، وبدأ فى صب ماء القرابين، ولكن عدد الكؤوس الذهبية كان إحدى عشرة كأساً، وكان بسماتيك هو الوحيد الذى لم يكن له كأس، فسارع بتلقى ماء القرابين فى خوذته البرونزية!.
هى الصهيونية العالمية التى تريد أن تحرم مصر من تاريخها العظيم، لم يذكر لنا هذا السويسرى الجاهل اسما واحدا لفرعون واحد من الرؤوس السبعة التى وجدها فى كيرما، ولم يفسر لنا الكتابة بالهيروغليفية على هذه التماثيل، ولم يفسر لنا غياب أهرامات أو برديات أو مسلات ذلك لأنه لا يعرف أن حكم ملوك النوبة انتهى ٥٩٠ ق.م، ونسى هذا المأجور أن الرومان دمروا بنتا ٢٣ ق.م.
إن العدو وإن تقادم عهده
فالحقد باق فى الصدور مقيم.

د. عماد جاد - مصر وقضية الوقت - جريدة الوطن - 25/2/2016

فى الصراع مع إسرائيل كانت مصر تدرك قيمة الوقت فى التعامل مع الدولة العبرية، وفى أعقاب حرب يونيو ١٩٦٧ أدركت مصر مبكراً أن قضية الصراع مع إسرائيل ليست بالقضية التى تحسم فى جولة أو جولات، وأن إسرائيل دولة قوية متماسكة وأنها وجدت لتبقى، فبعد شعارات القضاء على إسرائيل وأن مآلها الزوال مثل ممالك الفرنجة التى أقيمت قى ذات المنطقة، بدأت القيادة المصرية وفى عهد «عبدالناصر» تدرك الحقائق وتتعامل معها، فقد جرى الترويج لشعار جديد هو إزالة آثار العدوان، بمعنى العودة للأوضاع التى كانت قائمة قبل العدوان، أى حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧. وفى هذا السياق تعامل «عبدالناصر» بواقعية شديدة مع قضية الصراع فقد أدرك أن الهزيمة جاءت لأننا لم نكن نعرف إسرائيل وقدراتها جيداً، لذلك تم إنشاء مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية داخل مؤسسة الأهرام عام ١٩٦٨ من أجل دراسة إسرائيل دراسة علمية وفهم قدرات هذه الدولة ونقاط الضعف فيها (وهو مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية حالياً) كما تجاوب «عبدالناصر» مبكراً مع جهود التسوية السياسية للصراع مع إسرائيل فقبل مبادرة روجرز عام ١٩٦٩.
وجاء الرئيس «السادات» عام ١٩٧٠ وكان يدرك حقائق الصراع جيداً، كان يعلم استحالة القضاء على إسرائيل أو تحرير كامل الأرض التى احتلت فى عدوان يونيو ١٩٦٧ بالسلاح، لذلك خطط من البداية لحرب محدودة مفاجئة سريعة تكسر الغطرسة الإسرائيلية وتنهى أسطورة الجيش الذى لا يقهر ثم يدخل فى مفاوضات للتسوية السياسية، أى إنه خطط من البداية لكسر جمود الموقف وكسر الغطرسة الإسرائيلية التى عبر عنها وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت موشيه دايان الذى قال «شرم الشيخ بدون سلام مع مصر، أهم من سلام مع مصر بدون شرم الشيخ». كان «السادات» حريصاً على عدم إطالة وقت الاحتلال حتى لا تلتهم الأرض عبر نشر المستعمرات اليهودية وتهويد الأرض، ومن ثم عمل على استغلال حرب أكتوبر سريعاً فكانت مبادرة السلام عام ١٩٧٧ ثم كامب ديفيد فى العام التالى وبعد ذلك بعام تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مارس ١٩٧٩. وكانت تعليمات «السادات» للمفاوض المصرى أن لا تجعل أى سبب يعطل التوصل إلى الاتفاق من أجل استرداد باقى شبه جزيرة سيناء.
رفضت المعارضة اليمينية المتطرفة فى ذلك الوقت المعاهدة، وقامت جيئولا كوهين، زعيمة «هتحيا»، بتمزيق المعاهدة أثناء مناقشتها فى الكنيست الإسرائيلى وروج اليمين لمقولة أن «السادات» يريد أخذ سيناء مقابل مجموعة أوراق تسمى معاهدة سلام، وبعد التوقيع على معاهدة السلام اعتزل رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت مناحم بيجين الحياة السياسية، وأصيب باكتئاب شديد بعد بدء الانسحاب من سيناء وذهب بعيداً عن المدن إلى أن مات.
كانت إسرائيل قد أقامت مستعمرة واحدة فى سيناء هى مستعمرة «ياميت» وقد قاوم سكانها عملية الإخلاء بشراسة فقاد وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت آرييل شارون بنفسه جرافة قادت عملية هدم المستعمرة، وقد ماطلت إسرائيل فى الانسحاب من طابا (نحو كيلومتر مربع) فاتفقت معها مصر على الذهاب إلى التحكيم الدولى ونجح فريق مصرى من رجال القانون والتاريخ فى إثبات مصرية الأرض فكان حكم المحكمة بأن طابا مصرية، وهكذا استردت مصر سيناء التى تبلغ مساحتها مرة ونصف مساحة فلسطين التاريخية، وبها أماكن أكثر قداسة لدى اليهود من أجزاء كثيرة بالضفة الغربية.

خالد منتصر - احتفاء الفنان واختفاء الملك - جريدة الوطن - 25/2/2016

لم أشاهد فى هولندا احتفاء بملك أو رئيس وزراء لكنى شاهدت احتفاء بالرسام والموسيقار، ليس احتفاء بل تقديساً للفن والفنان، بالطبع فان جوخ هو التميمة والأيقونة والرمز والمعنى والفخر والزهو فى بلد الزهور، وكأنها رسالة اعتذار العالم لهذا الفنان البائس الجميل، قررت زيارة Neuenen القرية أو المكان الذى عاش فيه فان جوخ قبل ذهابه إلى فرنسا وأبدع فيه نحو ربع أعماله الفنية، بالطبع زرت متحفه الشهير فى أمستردام العاصمة عدة مرات، لكنى هذه المرة كنت أريد الاقتراب من فان جوخ الإنسان، أتنفس نفس نسمات الهواء المنعشة التى كانت تستفز مارد الفن بداخله، ألمس جدران بيته الذى يسكنه الآن قسيس تعود على فلاشات كاميرات السياح التى تصور البيت من الخارج، أرى المروج والشجر وغيوم السماء وهى تفسح طريقاً للشمس التى كان يعشق رسمها فنسنت، أمام بيته فى «نيونن» تم بناء متحف رائع يسرد سيرة هذا العبقرى فى تلك القرية، هو لم يبدأ الرسم إلا فى نحو السابعة والعشرين وانتحر فى السابعة والثلاثين، والمدهش أن حصيلة تلك الرحلة القصيرة جداً أكثر من ألفى لوحة واسكتش!! القرية كانت تعشقه بالرغم من أن الكثيرين كانوا يحذرون من نوبات جنونه، قصة حبه المجهضة ماتت بسبب أن شقيقة مَن عشقها منعتها من لقاء ذلك المجنون، كان يسابق الزمن بضربات فرشاة متوترة متحدية صادقة، المتحف يشرح لك سر جاذبية فان جوخ ولماذا هو يستحق كل هذا الاحتفاء وتلك الشهرة، إنه الصدق، كان بلا قناع، لم يكن حيادياً، انحاز إلى البسطاء، وكان يهزه كل ما يلمس الإنسان من الداخل، قصة الفلاحين الغلابة المجتمعين حول تلك المائدة الكالحة فى ضوء شحيح يأكلون البطاطس بأيديهم المعروقة الناشفة المشققة، المتحف يكتب أسماءهم ويعرفنا على شخصياتهم ويرصد قصة تلك اللوحة وكيف رسمها فان جوخ الذى ينطقونه هناك فان خوخ، يرصد لنا ماكينة النسيج التى رسم تفاصيلها ومجد العامل البسيط الجالس أمامها وكأنه فى لحظة صلاة. المتحف يضم أيضاً خطابات فان جوخ التى تقطر بلاغة لكنها ليست بلاغة الفخامة الأكاديمية الاستعراضية، بل بلاغة صدق فنان يكتب إلى شقيقه عن رحلته مع الفن والمعاناة، يكتب له عن انحيازه للإنسان الذى لم يحاكمه أبداً بمفهوم الخطايا ولم يجلد ظهره بسوط الإدانة الأخلاقية، حتى العاهرة رسمها بحب، فى الدور الأخير من المتحف استقبلنى موظف عجوز شرح لى شجرة العائلة ومن الذى لا يزال حياً منها، وكيف أن فنسنت هو الأكبر بعد شقيق مات كان يحمل نفس الاسم، وفى نهاية الشرح قال بعفوية وهو يشير إلى الفرع الأخير من شباب عائلة فان جوخ على شخص أخبرنى أنه مخرج سينمائى قُتل فى هولندا على يد شاب مغربى وصف قتل فان جوخ الحفيد بأنه نوع من الجهاد الإسلامى، بل فرض أنه لو عاد به الزمن لكرر نفس الفعل وربما بصورة أقسى وأعنف!! وأنا أغادر المتحف منتشياً وحزيناً فى نفس الوقت، كان الختام صورة مستقبل مبهجة، أطفال أنهوا جولتهم فى المتحف ويجلسون على موائد وأمامهم أوراق يكتبون فيها بحماس، اقتربت منهم بفضولنا المصرى المزمن فوجدتهم يجيبون عن أسئلة حول فان جوخ من حصيلة ما شاهدوه فى المعرض!! اندهشت أكثر عندما عرفت أن ما يكتبونه هو من ضمن الواجبات المدرسية فى هولندا وسيتم تقييمهم عليه وسيحصلون على درجات فيه!! تساءلت وأنا أغلق الباب وأحيى وأصافح الموظفة العجوز التى أخبرتنى أنها عاشقة لمصر، هل هؤلاء الأطفال من الممكن أن يذبحوا أو يحرقوا أو يفجروا أجسادهم فى أبرياء وهم يحبون ويعشقون هذا القديس الذى يسمى فان جوخ؟!!

Friday, February 24, 2017

د. عماد جاد - العرب وقضية الوقت - جريدة الوطن - 24/2/2016

كلما لاحت فرصة للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، تجد دائماً من يخرج عليك بالقول لا ينبغى للأجيال الحالية أن تحجر على قادم الأجيال، وإذا كان الجيل الحالى قد عجز عن استرداد فلسطين من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، فعليهم تجميد القضية ورفض كل محاولات التسوية السلمية، لأنها لن تؤدى إلى تسوية عادلة وشاملة، بل ستكون التسوية السياسية فى مصلحة إسرائيل التى ستحصل على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة فى عدوان يونيو ١٩٦٧، وأجزاء من مدينة القدس الشرقية أو على الأقل نوع من السيادة المشتركة على المدينة المقدسة. يطالبون بترك المعركة للأجيال المقبلة التى عليها تحمل المسئولية التاريخية وحسم الصراع مع إسرائيل عسكرياً. هذا الحديث يكشف طبيعة العقلية العربية المستعصية على الفهم، تلك العقلية التى تعادى المعرفة وتتسم بسرعة النسيان ولا تستوعب دروس التاريخ المعاصر ناهيك عن الحديث والقديم، فهذه العقلية تتعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى بجمود فكرى منقطع النظير، وعلى الرغم من سرعة إيقاع التغيير على أرض الصراع، فإن العقلية العربية تنطلق من وهم «الثبات فى طبيعة الصراع» يرفضون الحلول السياسية، ويطالبون بترحيل المسئولية إلى عاتق الأجيال المقبلة، وكأن الأوضاع تتسم بالثبات أو كأن قدرات العرب تتطور وتقترب من القدرات الإسرائيلية، لا يرون ما يجرى من تطور متسارع لمكونات القوة الإسرائيلية، من التهام متواصل للأراضى الفلسطينية، من بناء مستعمرات وتهديد للأرض، وأن العرب يقبلون ما كان معروضاً عليهم بعد أن يسحب من على طاولة البحث، فيعرض عليهم الأقل، ويرفضون، ثم يقبلون بعد سحب الأقل من على الطاولة، ليظهر الأقل منه وهكذا، دون أن يبادر من بيدهم القرار بالدخول جدياً فى تسوية سياسية تفرض تجميد الأوضاع ووقف عمليات التهويد والوصول إلى تسوية سياسية بحكم ما تقتضيه ظروف الواقع القائم، ثم بعد ذلك يبحث فى سبل التحسين والتجويد مثلما فعل الرئيس الراحل أنور السادات عندما قبل عام ١٩٧٩ استعادة سيناء منقوصة السيادة، ففى ذلك الوقت كانت هناك مستعمرة يهودية واحدة فى سيناء (مستعمرة ياميت) وقاد شارون بنفسه الجرافة التى بدأت فى هدم المستعمرة، ودخلت مصر فى قضية تحكيم دولى لاسترداد الكيلومتر الأخير من سيناء، وهى منطقة طابا وكسبت القضية، وهكذا استعادت مصر سيناء كاملة متكاملة بمساحة نحو ٦٤ ألف كيلومتر مربع، أى قرابة أربعة أضعاف مساحة إسرائيل بحدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. هذا بعكس الحال فى الضفة الغربية والجولان السورى المحتل، ففى الضفة الغربية انتشرت المستعمرات اليهودية والتهمت قرابة نصف المساحة (البالغة نحو ٥٥٠٠ كيلومتر مربع) وكذلك الحال فى الجولان السورى المحتل.
ففى الصراع مع إسرائيل لم يتعلم العرب أن للوقت قيمة، وأن السياسة لا تقبل الأسر الفكرى والشعارات البراقة، فقد صدر قرار التقسيم رقم ١٨١ عام ١٩٤٩، الذى قسم أرض فلسطين بين اليهود (نحو ٥٤٪ من مساحة الأرض، والعرب ٤٥٪ من مساحة الأرض) مع تدويل مدينة القدس، وما حولها (١٪)، لم يكن قراراً مقبولاً من العصابات اليهودية، ولكن بن جوريون أقنعهم بأن العرب سوف يرفضون القرار، ومن يقبله اليهود وتصبح دولتهم عضواً فى الأمم المتحدة ولكل حادث حديث بعد ذلك، وهو ما حدث بالفعل، واندلعت حرب ١٩٤٨ التى انتهت بسيطرة إسرائيل على نصف المساحة التى خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، فسيطرت إسرائيل على ٧٨٪ من مساحة فلسطين، وبقى للدولة الفلسطينية ٢٢٪ فقط من المساحة، وهى التى جرى احتلالها من قبل إسرائيل فى عدوان يونيو ١٩٦٧، واليوم تنهض التسوية على انسحاب إسرائيل من نحو ٨٠٪ من الضفة الغربية مع منح الفلسطينيين مساحة تعويضية من أرض النقب مع حلول وسط واقعية لقضيتى القدس واللاجئين، وفى الوقت الذى يرفض فيه العرب هذه التسوية، تواصل إسرائيل التهام وتهويد ما تبقى من أرض فلسطين.

د. عماد جاد - ويبقى الخلط بين الدين والسياسة (٢) - جريدة الوطن - 24/2/2016

أشرنا إلى أن المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة، بقيادة المشير طنطاوى، قد ارتكب جريمة بحق البلاد عندما وضع يده بيد جماعة الإخوان والتيار السلفى وسلَّمهم مهمة تعديل دستور ١٩٧١، وكانت النتيجة شرعنة تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وتواطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع تيار الإسلام السياسى مرة ثانية من خلال ترك أحزاب التيار تقوم بتديين المجال العام فى البلاد، وتستخدم المساجد فى الحشد للانتخابات، وترتكب عشرات المخالفات خلال العملية الانتخابية، واكتملت حلقات الجريمة بتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة ثالثة مع تيار الإسلام السياسى عندما سمح بترشح محمد مرسى الذى كان هارباً من السجن، ولم يحقق المجلس فى المخالفات التى ارتكبت فى جولة الإعادة، سواء بالتحقيق فى بطاقات «المطابع الأميرية» أو منع قرى قبطية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت بقوة السلاح.
هيمن تيار الإسلام السياسى على مجلسى الشعب والشورى، وحصد مقعد رئيس الجمهورية، وبدأ فى تنفيذ مخططه للهيمنة على المنطقة بالكامل. ثار الشعب المصرى دفاعاً عن هويته الوطنية، وخرج فى ثورة عارمة، وتمكن بمساندة القوات المسلحة من استرداد ثورته وبدء مرحلة انتقالية جديدة على نحو منظم ومنضبط، تشكلت جمعية تأسيسية جديدة لتعديل دستور البلاد، أو لكتابة دستور جديد، ضمت الجمعية الجديدة كافة ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، بما فيها التيار السلفى، وانتهى الأمر بالعودة إلى الوضع الذى كان قائماً قبل تعديلات مارس ٢٠١١، بخصوص إنشاء الأحزاب السياسية، حيث تم شطب الفقرة التى تسمح بقيام الأحزاب على أساس دينى، وتم إقرار الدستور الجديد للبلاد. وبقى الوضع على ما هو عليه من الناحية الواقعية، دستور يمنع تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وأحزاب دينية موجودة فى الواقع المصرى، هذا الوضع ينطوى على مخالفة صريحة للدستور، والأحزاب الدينية القائمة تتحايل على النص الدستورى تارة عبر الحديث عن أنها ليست بأحزاب دينية، وتارة أخرى عبر سياسة المواءمة التى تتبعها هذه الأحزاب، وعلى رأسها حزب النور، الذى حرص على أن يكون موجوداً فى مشهد الثالث من يوليو، ويمثل جزءاً من خارطة المستقبل، يشارك فى الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد الجديد، ويقبل بتمرير مادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، تجتمع هيئته العليا وتقرر تأييد المشير عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية.
بإقرار دستور البلاد الجديد، ودخوله حيز التنفيذ بمادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، كان ضرورياً تسوية أوضاع الأحزاب الدينية، لأن وجودها كما هى بات مخالفاً للدستور واستمرارها كما هى بات يمثل انتهاكاً شديداً للدستور. تطبيق الدستور كان يعنى ضرورة حل هذه الأحزاب، وهو أمر لم يكن واقعياً فقد كانت هناك حاجة لحزب النور تحديداً حتى لا يصطف تيار الإسلام السياسى كله فى مواجهة ثورة الثلاثين من يونيو، وكانت هناك حاجة موضوعية لحزب النور تمنع حله فور اعتماد الدستور، وهو أمر يمكن تفهمه فى عالم السياسة والمواءمات، ولكن ما لا يمكن قبوله على أى مستوى من المستويات هو استمرار حزب النور كما هو وغيره من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى، لأن فى الاستمرار انتهاكاً صارخاً للدستور.
وجاء الحكم الأخير برفض حل حزب النور وغيره من الأحزاب الدينية القائمة المتورطة فى جرائم إرهابية، ليقول لنا يبقى الحال على ما هو عليه، أى أن النظام القائم يرغب فى مواصلة خلط الدين بالسياسة، ومن ثم لم يتعلم أحد من تجربة السادات ومبارك، البعض يتصور نفسه أكثر قدرة ومهارة وذكاء ممن سبقوه، وهو أمر غير صحيح، فمن يضع يده بيد تيارات الإسلام السياسى يحترق بالنار وربما لن يجد يده.
والحل فى تقديرى أنه من أجل إرساء أساس حياة سياسية وحزبية نزيهة تقوم على فصل الدين عن السياسة حفاظاً على قدسية الدين ومكانته، وحماية للسياسة من تلاعب من يوظفون الدين فى السياسة، لا بد من تحرك عاجل وسريع لتطبيق مواد الدستور وحل جميع الأحزاب الدينية القائمة من أجل بدء تجربة ديمقراطية حقيقية، فتجارب الشعوب فى كافة أنحاء العالم تقول إنه لا ديمقراطية فى ظل خلط الدين بالسياسة، وإن أوروبا دفعت ثمناً باهظاً بسبب هذه العلاقة بين الدين والسياسة، ولم تعرف طريق التطور والديمقراطية إلا عندما قامت بالفصل بين الدين والسياسة.

Tuesday, February 21, 2017

الرئيس السيسى ومصر المأزومة بقلم د. محمد أبوالغار ٢١/ ٢/ ٢٠١٧ المصرى اليوم

التقى الرئيس الأمريكى ترامب مع رئيس وزراء إسرائيل يوم الأربعاء الماضى وتبعه مؤتمر صحفى أعلن فيه التخلى عن حل مشكلة فلسطين عن طريق دولتين إسرائيلية وفلسطينية وهو ما التزم به كل رؤساء أمريكا السابقين ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذه بسبب عناد إسرائيل.
وقد قرأت تفاصيل المؤتمر الصحفى كاملاً فى النيويورك تايمز بدقة شديدة ولم يخرج المؤتمر عن ذلك حتى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم يعلنه أو حتى يأتى ذكره فى المؤتمر. ثم قرأت ما كتب على فيس بوك من مصادر عديدة وكذلك بعض الصحف الإلكترونية فوجدت كلاماً قوياً وواضحاً بأن معنى ذلك هو أخذ جزء من سيناء وضمه إلى غزة لتوطين الفلسطينيين وبذا تبتلع إسرائيل الضفة الغربية بالكامل. ورغم أن ما يكتب فى الفيسبوك ليس دائماً دقيقاً أو موثوقا به إلا أنه أخافنى. وبحثت فى النيويورك تايمز نفس اليوم وقرأت بدقة تحليل الصحيفة بقلم هيئة التحرير كالآتى:
١. ترامب عديم الخبرة بالشرق الأوسط وممكن أن يورط أمريكا فى أشياء قد تضر بمصالحها وتضر بدول المنطقة.
٢. ترامب يريد علاقات جيدة مع السعودية ومصر والخليج فى الفترة القادمة ولو لمدة بسيطة لمساعدته فى حصار إيران والضغط عليها وهو ما تريده إسرائيل، وقد أعلن ترامب فى المؤتمر الصحفى أنه غير راض عن الاتفاق الذى وقعه أوباما مع إيران لمنعها من إنتاج قنبلة نووية، ولكنه لم يعلن أنه سوف يغيره أو يلغيه.
٣. اليمين الإسرائيلى يضغط على نتنياهو لتحقيق دولة واحدة يهودية وضم الضفة الغربية مع طرد عدد كبير من السكان إلى غزة، ومصر والأردن وبذا تصبح إسرائيل دولة كبيرة بأقلية فلسطينية بدون حقوق مواطنة كاملة وليس مثل عرب ٤٩ الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية.
٤. يتم الضغط على مصر لأخذ جزء كبير من شمال سيناء بضمها إلى غزة لتوطين الفلسطينيين وإعطاء مصر بديل وهمى بجزء من صحراء النقب.
٥. أعلن جميع المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الوزراء أنه لا توجد خطة لطرد الفلسطينيين أو الاستيلاء على جزء من سيناء لأنهم ناصحون وهذا ليس وقته.
إذن هناك مخطط إسرائيلى محتمل فى الطريق يضغط اليمين الإسرائيلى لتحقيقه وترامب ممكن أن يساعد إسرائيل فى ذلك ولكن فى اللحظة المناسبة.
ما هو موقف أوروبا؟ إنجلترا سوف تسير فى خط تفكير إسرائيل وأمريكا أما منطقة اليورو فهل فى قدرتها إيقاف ذلك خاصة أن كارثة تهجير الفلسطينيين سوف ينتج عنها مئات الآلاف من المهاجرين الجدد إلى أوروبا وقلاقل فى مصر والأردن ولبنان. العرب مرعوبون وليس لهم موقف ولا رأى ولم يفتح أحد فمه، وكلهم يتقربون من إسرائيل ويقيمون معها علاقات متميزة، وفى انتظار رضاء ترامب عليهم. والدول العربية لا تدرى أن الدور قادم عليها بعد حل مشكلة إيران بواسطة أمريكا لصالح إسرائيل. لا ضمان لأى دولة ولا أى حاكم فى الشرق الأوسط بعد ذلك حتى لو سمع الكلام وما فتحش بقه.
ماذا نفعل وسط هذه الأزمة الكبرى التى قد تؤدى إلى أن تفقد مصر نفسها وأرضها وتاريخها بمرور الوقت؟
المشكلة أننا فى أضعف أحوالنا. الاقتصاد فى حالة سيئة والتضخم فلكى والقروض تزداد. فى نفس الوقت الشعب منقسم والرأى أصبح واحداً وكل شىء تم تأميمه لصالح مجموعة صغيرة.
الشباب خارج نطاق النظام باستثناء مجموعة من شباب شيك لا علاقة لهم بشباب مصر. هناك أزمة بين الشرطة والشعب تفوق أى وقت مضى وقتل الناس أصبح شيئاً طبيعياً. الفساد استشرى والموضوع تعدى كل ما هو معقول. هل نفقد الأمل؟ هل نموت؟ هل نتخلى عن مصرنا أمنا حبيبتنا؟ أنا هنا أوجه خطاباً واضحاً وصريحاً للرئيس السيسى:
١. على الرئيس أن يعلن للعالم فى مؤتمر صحفى أن مصر لن تفرط فى حبة رمل من أرضها الآن ولا مستقبلاً وأن سيناء بالكامل أرض مصرية وأن تيران وصنافير مصريتان وأن هذا الموضوع أغلق بحكم قضائى، ونحن دولة تحترم أحكام القضاء فرئيس أمريكا رضخ لحكم القضاء الذى ألغى قراره بمنع مواطنى ست دول من دخول أمريكا. ولجأ إلى محكمة أعلى فأكدت إلغاء القرار وهو نفس ما حدث فى مصر. وإعلان مصرية الجزر يسد شرخاً كبيراً بين السيسى والشعب.
٢. الجيش المصرى هو الدرع الحامية للوطن لم ولن يكون أبداً جيش مرتزقة يحارب بالوكالة عن الأمريكان كما اقترح أحد مساعدى ترامب بإنشاء قوة عربية عمادها مصر.
٣. يعقد الرئيس مؤتمراً اقتصادياً صغيراً مغلقاً وآخر وطنيا صغيرا مغلقا مع كافة القوى الوطنية لإيجاد مخرج من الوضع الوطنى المتأزم والذى فشل تأميم القنوات الفضائية والصحف والأحزاب والمجتمع المدنى لصالح جهات سيادية فى حل أى شىء وربما تنفجر مصر فجأة من حيث لا ندرى. لا أريد لأحد أن يضع فى بطنه بطيخة صيفى. لقد انفجرت نظم أكثر قوة واستبداداً فى أمريكا الوسطى والجنوبية وآسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية فجأة ولن ينقذنا أحد.
نريد أن نتفادى كارثة محتملة. مصر فى خطر. لا نريد انفجاراً وإنما نريد حلاً. نريد وحدة واحتراماً للشعب المصرى والمحافظة على أراضيه فى ظروف صعبة ودقيقة، وهذه رسالتك الحقيقية يا رئيس مصر..
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

د. عماد جاد - ويبقى الخلط بين الدين والسياسة - جريدة الوطن - 21/2/2016

رفضت دائرة الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا، الدعوى المقامة من أحد المحامين بحل حزب النور السلفى، وذلك لقيامه على أساس دينى، مؤكدة أنه ليس من حق أى فرد أن يطالب بحل حزب سياسى، وأن من له الحق فقط هو لجنة شئون الأحزاب. وبهذا الحكم يستمر حزب النور وغيره من الأحزاب الدينية التى ظهرت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وهو أمر يُمثل قمة التناقض مع دستور البلاد الحالى، وفى الوقت نفسه يكشف عن عدم الرغبة فى فتح المجال لبناء نظام سياسى ديمقراطى حقيقى ينهض على الفصل بين الدين والسياسة.
فتجارب البشر عبر قارات العالم المختلفة، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، إضافة إلى أفريقيا وآسيا، كشفت أن التطور الديمقراطى يتحقق فى حال النجاح فى الفصل بين الدين والسياسة، فقد دفعت شعوب العالم المختلفة ثمناً باهظاً لظاهرة الخلط بين الدين والسياسة، وعانت البشرية كثيراً من تحالف رجال الدين مع رجال السلطة، رجال الدين يبرّرون لرجال السلطة أفعالهم، حتى إن ناقضت الدين، ورجال السلطة يملأون جيوب وخزائن رجال الدين بذهب المعز. عانت الشعوب الأوروبية كثيراً من تحالف الكنيسة مع الملوك والأباطرة، ومن تعاونهما جاءت أفكار شيطانية من قبيل بيع الفردوس وصكوك الغفران، وغيرها من الاتجار بالدين، أعاق هذا التحالف تكريس مبادئ حقوق الإنسان، كما أعاق عملية التطور الديمقراطى، وعندما ثارت الشعوب كان الثمن باهظاً بالنسبة للشعوب والأديان أيضاً، فسلوك رجال الدين وانحرافاتهم رفعت من معدلات الإلحاد فى المجتمعات الغربية عامة، والأوروبية خاصة، وكان الثمن فى روسيا القيصرية باهظاً للغاية، فمن علاقة القيصر برأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية جرى صك مقولة «الدين أفيون الشعوب»، فى إشارة إلى دور رجال الدين فى إطفاء جذوة الاحتجاج والغضب الناجم عن انتهاكات القيصر. تعلمت شعوب العالم الغربى الدرس، ومن ثم حرصت على الفصل بين الدين والسياسة، وبهذا الفصل تم حصر نشاط الكنيسة فى المجال الروحى الذى يربط الفرد بالرب، ولا شأن لها بالمجال العام فى البلاد.
ارتكب المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى جريمة بحق البلاد عندما وضع يده بيد جماعة الإخوان والتيار السلفى وسلمهم مهمة تعديل دستور ١٩٧١، فمنح رئاسة اللجنة إلى المستشار طاق البشرى، وفى عضويتها صبحى صالح، كانت مهمة اللجنة فتح الطريق أمام شرعنة تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وهو ما تحقق لهم بالفعل، فظهرت أحزاب دينية، منها «الحرية والعدالة» لجماعة الإخوان وحزب النور للجبهة السلفية، وغيرهما من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى. وتواطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع تيار الإسلام السياسى مرة ثانية من خلال ترك أحزاب التيار تقوم بتديين المجال العام فى البلاد وتستخدم المساجد فى الحشد للانتخابات، وترتكب عشرات المخالفات خلال العملية الانتخابية دون محاسبة. كانت النتيجة المنطقية لكل ذلك فوز تيار الإسلام السياسى بنحو ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، هيمنوا على البرلمان بمجلسيه، وسيطروا على جميع لجانه، وبدأوا فى تدشين بنية قانونية لدولة دينية. وقد اكتملت حلقات الجريمة بتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة ثالثة مع تيار الإسلام السياسى عندما سمح بترشّح محمد مرسى الذى كان هارباً من السجن، ولم يُحقق المجلس فى المخالفات التى ارتُكبت فى جولة الإعادة، سواء بالتحقيق فى بطاقات «المطابع الأميرية»، أو منع قرى قبطية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت بقوة السلاح.
وللحديث بقية..

Sunday, February 19, 2017

د. عماد جاد - «ناتو» عربى (٢) - جريدة الوطن - 20/2/2016

بدأت الدول العربية تجربة العمل المشترك عام ١٩٤٥، أى قبل تجربة الدول الأوروبية، وفى الوقت الذى أقامت فيه الدول الأوروبية أنجح تجربة عمل إقليمى مشترك، بقيت التجربة العربية على حالها، تمتلك إطاراً للعمل المشترك وهو الجامعة العربية دون مردود حقيقى، بقيت دول متصارعة متنازعة يخاصم بعضها بعضاً وتستعين بقوى خارجية فى مواجهة شريك العمل العربى المشترك مثلما حدث على أثر الغزو العراقى للكويت عام ١٩٩٠. وفى الوقت الذى بدأت تجربة العمل العربى المشترك بتعاون شامل فى كافة المجالات ومعاهدة دفاع مشترك وسوق عربية مشتركة، فإن التجربة الأوروبية بدأت متواضعة للغاية، بدأت بتعاون فى مجال الفحم والصلب وتطورت تدريجياً حتى صارت أنجح تجربة للعمل الإقليمى المشترك، وصلت إلى سوق واحدة وعملة موحدة بل وتأشيرة دخول واحدة لمعظم دول الاتحاد الأوروبى، أما التجربة العربية فقد بقيت حبراً على ورق باستثناء مؤسسة الجامعة العربية وبعض المنظمات التابعة لها، التى أصبحت مؤسسات بيروقراطية تعمل من أجل الحفاظ على البقاء أكثر من هدف آخر.
فى المقابل، ورغم التطور الهائل الذى حققته تجربة العمل الأوروبى المشترك، والذى جعل باقى دول القارة تتسابق لدخول الاتحاد والالتحاق بعضويته، فإن الدول الأوروبية أرست مبدأ هاماً للغاية فى تفاعلاتها، هو تسوية الخلافات التى يمكن أن تنشب بينها بجميع الوسائل فيما عدا القوة المسلحة، فقد اختبرت هذه الدول اللجوء إلى القوة فى القرن العشرين فدخلت فى حربين عالميتين أسفرتا عن مقتل قرابة الستين مليون إنسان، وإصابة عشرات الملايين وحالة دمار شامل في الدول المهزومة والمنتصرة على حد سواء. فى البداية، اعتمدت الدول الأوروبية الغربية على مظلة الحماية الأمريكية التى تمثلت فى حلف شمالى الأطلنطى «الناتو»، وركزت هى فى عمليات إعادة الإعمار والتطوير، وبعد أن حققت ما تريد من تنمية شاملة بدأت تبحث عن مظلة عسكرية أوروبية، وهنا اعتمدت على بنية عسكرية أوروبية قديمة هى اتحاد غرب أوروبا، وبدأت فى تطويره بشكل مشترك دون أن تتحدث عن نيتها فى إنشاء حلف عسكرى أوروبى، فقط أطلقوا على هذه العملية «بنية أمنية مشتركة»، وعملوا على وضع أساس الحلف قبل إطلاق المسمى، فقد بدأت الدول الأوروبية فى تنسيق عمليات امتلاك السلاح على النحو الذى يجعل أسلحة الدول الأعضاء متكاملة بحيث إذا تم إعلان الحلف فى أى وقت، فإن القوات المسلحة لكل الدول الأعضاء تتحول إلى جيش واحد عصرى متناسق، فقد تم التنسيق بين الدول الأعضاء بحيث تركز كل دولة على سلاح معين، هناك من ركز على إنتاج الدبابات، وهناك من تخصص فى الصواريخ، وهكذا تولت كل دولة تحقيق ميزة نسبية فى سلاح معين، لا تركز عليه الدول الأخرى، وتتسم الأسلحة بالتكامل، بحيث يمكن أن تندمج فى أى وقت فتشكل جيشاً واحداً موحداً.
هكذا تتصرف الدول الديمقراطية المتقدمة، ومن ثم فعندما تعلن عن خطوة محددة، تتخذها بنجاح، عكس الحال فى العالم العربى الذى يتخذ قرارات ضخمة على مستوى القيادات، دون استعداد مسبق أو إرساء لقواعد العمل المشترك، ومن ثم تكون أشبه ببناء البيوت على الرمال، إذ سرعان ما تنهار بالكامل مع أول عاصفة أو ريح. ولكل ذلك يبدو حديث العرب عن قوة عسكرية مشتركة حديثاً أجوف بلا معنى، أما إنشاء حلف عربى فهو ضرب من ضروب الوهم.

خالد منتصر - «نادية» محافظاً للبحيرة.. متى نرى «ميخائيل» محافظاً لقنا؟! - جريدة الوطن - 19/2/2016

كانت سعادتى غامرة بتولى المهندسة نادية عبده منصب محافظ البحيرة، ها قد كسرنا أخيراً عقدة فوبيا المرأة واقتنعنا بأنها كائن طبيعى مثلها مثل الرجل تستطيع أن تقود محافظة، بل وطناً بأكمله، بالطبع لا بد أن تكون الكفاءة هى معيار الاختيار، لكن للأسف كانت هناك بنود سرية مسكوت عنها غير معلنة، ولكن الجميع يتعامل معها على أنها عرف مقدس سرمدى، على رأسها التمييز ضد المرأة والمسيحى، كسرنا التمييز بالنسبة للمرأة فى منصب المحافظ فيما بعد 30 يونيو وأعرف أنه ما زالت هناك تمييزات واضطهادات ومساحات قهر أخرى تعانى منها المرأة حتى الآن، وتحتاج الحل والقرار الحاسم لكن عموماً هى خطوة جيدة إلى الأمام، لكن ما زال هناك التمييز ضد المسيحى فى منصب المحافظ والمدهش أن اختيار مسيحى محافظاً لقنا فى زمن مبارك الذى قامت ضده الثورة لم يمثل مشكلة!!، يعنى قمنا بثورتين، واقتحمنا مناطق شائكة كثيرة وتخلصنا من مواريث ثقيلة ومعوقة ولكن ركبتنا عقدة عماد ميخائيل وجرح طرده من محافظة قنا بعد ثورة يناير!!، تخيلوا المحافظ الذى كان يسبق عماد ميخائيل كان مسيحياً وهو مجدى أيوب، وأكيد كانت فيه مشاكل فى قنا ولم تتحول فى عهده إلى ستوكهولم!!، لكن لم يجرؤ أحد وقتها أن يقطع طريقاً أو يعطل سكة حديد أو يتظاهر مع عشرات الآلاف رافعاً لافتات تشتم النصارى حسب ما يطلقون عليهم.. إلى آخر تلك المظاهر التى حدثت ضد عماد ميخائيل، لكن فى أبريل 2011 ومع تراجع عصام شرف والمجلس العسكرى عن دعم المحافظ الجديد والتمسك بقرار تعيينه، ذبح أبناء قنا القطة وظل الجرح مفتوحاً وغلت يد الدولة عن تعيين أو مجرد التفكير فى محافظ مسيحى فى الصعيد أو الدلتا خوفاً من الانتفاضة السلفية التى وصلت ذروتها فى نداء القيادة السلفية عبدالمنعم الشحات لعلماء الدين بحسم الموضوع المحسوم سلفاً وهو عدم ولاية النصرانى على المسلم!!، القضية ليست قضية مسلم محافظ أو مسيحى رئيس جمهورية، لأن ما يحكمنى أو المفروض أن يحكمنى هو الكفاءة واحترام مبدأ المواطنة والالتزام بالقانون وليس الفتوى، لكنى لا أقبل بأن يكون هناك شبه اتفاق فى الكواليس «ما تقربش من القضية الشائكة دى وما تعينش محافظ مسيحى مش ناقصين وجع دماغ»، البعد عن وجع الدماغ لا يقدم أمة و«ابعد عن الشر وغنيله» لا تصنع وطناً متحضراً ولا تشكل عقل أو وجدان شعب يريد النهوض، المسألة ليست عناداً ولا حرباً مع طواحين الهواء ولا استفزازاً للمشاعر ولا جرياً وراء شعار «يا شر اشتر»!!، لكنها صراحة مع النفس ومواجهة للحقيقة نحتاجها الآن، فمشروعنا القومى قبل قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وجبل الجلالة ونووى الضبعة هو تحقيق المواطنة الكاملة، ومنع الكلام عن المواطن المصرى بماركة أو ختم الدين هذا مسلم وهذا مسيحى وهذا شيعى وهذا بهائى.. إلخ، هذا مصرى فقط هذا هو المطلوب نشره واحترامه وزرعه فى وجدان الطفل والعجوز، اليد المرتعشة لا تبنى ولا تجرى جراحة، ومغازلة الشارع المتسلفن وجدانياً والمتوهبن عقلياً ستنقل إلى صاحب القرار وصائغ القانون نفس العدوى، لتكون النتيجة كهفاً كبيراً مكتوباً على بوابته الحجرية: «هنا الوطن الذى كان ورفض أن يصبح»!!.

د. عماد جاد - «ناتو» عربى - جريدة الوطن - 19/2/2016

فجأة ووسط العواصف والأنواء التى تضرب العالم العربى والانقسامات التى تفصل بين الدول العربية، طرحت فكرة تأسيس حلف عسكرى عربى، البعض سماه «ناتو» عربى نسبة إلى حلف شمالى الأطلنطى الذى أسسته الدول الغربية عام ١٩٤٩ دفاعاً عن دول غرب أوروبا ضد احتمالات التمدد الشيوعى. ويأتى هذا الحديث بعد نحو عامين على مناقشة الدول العربية فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل السريع فى مواجهة مصادر الخطر التى تهدد الأمن القومى العربى، وبدا واضحاً أن تصاعد الأحداث فى اليمن دفعت السعودية وعدداً من دول مجلس التعاون الخليجى ومعها المغرب والأردن إلى التفكير الجدى فى تشكيل هذه القوة هذا بينما هناك العديد من القضايا التى تبرر تشكيل هذه القوة من بينها الأوضاع فى ليبيا. عادة ما تمتلك القوى الكبرى والإقليمية الرئيسية قوات للتدخل السريع، مهمتها الأساسية مواجهة حالة طارئة مفاجئة، استمرارها يسبب مساساً بالأمن القومى للبلد بمفهومه الشامل، ومن ثم فمصدر الخطر أو التهديد هنا قد يكون داخلياً أو خارجياً، أى أن مهمة هذه القوات قد تقتضى العمل فى داخل البلاد أو خارجها. وبهذا المعنى فهى تختلف عن إرسال القوات خارج الحدود التى قلنا إنها سمة من سمات القوى الكبرى فقط، ولا قبل للدول الصغيرة والإقليمية بها إلا إذا كان العمل بالتنسيق والتفاهم مع قوة كبرى أو نيابة عنها، فإرسال القوات خارج الحدود عادة ما يكون بهدف تحقيق أهداف كبرى كالغزو، الاحتلال، السيطرة على موارد حيوية، تغيير نظام الحكم، تمكين فئة ما من السيطرة على الأوضاع، أو تمكين نظام الحكم القائم من فرض السيطرة والبقاء فى السلطة «من قبيل ذلك التدخل السوفييتى فى المجر (١٩٥٦) وتشيكوسلوفاكيا (١٩٦٨) أفغانستان (١٩٧٩) الغزو الأمريكى لأفغانستان (٢٠٠١) والعراق (٢٠٠٣). أما قوات التدخل السريع فمهامها محدودة ومحددة ولا ترقى إلى الأمثلة السابقة، فقد تتمثل فى إنقاذ رهائن أو توجيه ضربات استباقية لمجموعات مسلحة تعد لشن هجوم أو عمل معادٍ ضد الدولة، وهو عمل مشروع يدخل فى إطار حق الدفاع عن النفس. وقد شهدنا فى العرض الذى أقامته القوات المسلحة فى ذكرى انتصارات السادس من أكتوبر، نموذجاً لهذه القوات التى تشكلت مؤخراً وقدمها الرئيس عبدالفتاح السيسى على أنها من أحدث الوحدات التى يمكنها القيام بمهام فى الداخل والخارج. وفى تقديرى أن مهام هذه القوات فى الداخل تتمثل فى التدخل السريع فى مواجهة أية أحداث طارئة تنجم عن عمليات إجرامية لجماعات إرهابية، أو مهام فى مواجهة كوارث طبيعية وبشرية. أما فى الخارج فالمتصور أن هذه القوات تكون على أهبة الاستعداد للتدخل العاجل خارج الحدود لاستباق عمل إرهابى يجرى الإعداد له ضد البلاد وأمنها القومى. وإذا نظرنا إلى المحيط الإقليمى فسوف نجد عشرات من مصادر التهديد لأمننا القومى، ففى الجوار الغربى، ليبيا توجد دولة منقسمة على ذاتها، تنتشر فيها جماعات مسلحة من بينها تكفيرية متطرفة، تحمل فكراً متشدداً من سيد قطب إلى فكر تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة، هذه الجماعات تحتضن مجموعات مصرية متطرفة، بعضها أرسلته الجماعة للتدرب هناك تحت مسمى «جيش مصر الحر» على غرار الجيش السورى الحر الذى يقاتل نظام بشار الأسد، وبعضها الآخر هرب من البلاد بعد ثورة الثلاثين من يونيو فى محاولة للتجمع هناك، وشن العمليات الإرهابية ضد مصر، على غرار ما وقع فى الفرافرة ضد قوات من حرس الحدود، ومن ثم فأمن مصر القومى يقتضى امتلاك قوات تدخل سريع يكون بمقدورها التحرك بسرعة والعمل ضد هذه الجماعات قبل شن هجماتها، وإلى الشمال الشرقى، حيث قطاع غزة تنتشر الجماعات المتشددة بدءاً من حركة حماس نفسها التى هى فرع للجماعة وسبق ووقعت هجمات إرهابية بحق جنود فى رفح على أيدى جماعات تسللت من القطاع، كما قامت هذه الجماعات باستعراض قوة على حدودنا بعد سقوط حكم مرشد والجماعة، ولا تخفى هذه الجماعات عداءها لمصر وشعبها. ومن ثم فإن وجود قوات مصرية للتدخل السريع يغدو أمراً غاية فى الأهمية للتعامل مع أية مواقف طارئة مقبلة من شمالنا الشرقى. ومع تصاعد الأحداث فى اليمن تحركت دول عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، وبدأت تقبل بفكرة تشكيل قوات عربية مشتركة للعمل فى مواجهة مصادر التهديد المختلفة.
السؤال هنا: هل لدى الدول العربية الأسس اللازمة لتشكيل حلف عسكرى أم مجرد تعاون انتقائى بين عدد من الدول العربية؟

Saturday, February 18, 2017

طب النكد! بقلم د. وسيم السيسى ١٨/ ٢/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم



اكتب لى أقوى مضاد حيوى يا دكتور.. الصديد فى البول فوق المائة!
أرد عليها قائلاً: هذه تسمية خاطئة لكرات الدم البيضاء، ويجب على المعامل تغيير هذه التسمية المزعجة «صديد»، كما يجب تنوير المريض بأن الملليمتر المكعب من الدم يحتوى على ثمانية آلاف كرة دموية بيضاء، إن هذه الكرات البيضاء ظهرت فى البول لأن لديك حصوة فى الكلى، وليست بسبب بكتيريا، وعلى هذا أنت لا تحتاجين لمضاد حيوى بل لإذابة أو إزالة هذه الحصوة.. إنه طب النكد.. النكد على المريض.. صديد!!
مريضة أخرى تشكو: أعانى من هبو وصهد وعرق فى عز الشتاء، وضيق خلق، أصل طبيب أمراض النساء قال لى: إنها أعراض سن اليأس! أقول لها إنها أعراض توقف الدورة الشهرية نتيجة نقص بعض الهرمونات التى يسهل تعويضها بقرص واحد يومياً، ثم إن الاسم العلمى هو MENOPAUSE أى توقف الدورة، لماذا نطلق عليها سن اليأس، والمرأة فى منتصف العمر «حول الخمسين»؟! إنه طب النكد، والملافظ سعادة!
اكتب لى مخفضا للحرارة يا دكتور، حرارتى دائماً ٣٨ درجة مئوية، والمخفضات التى أتناولها ضعيفة! أرد عليه قائلاً: المخفضات لا تعطى إلا فوق درجة حرارة ٣٩، لأنك حين تأخذ المخفض عند ٣٨ وتنزل الحرارة إلى ٣٧.٥، يتوقف جهاز المناعة عن إنتاج الأسلحة الدفاعية لأنه اعتقد «جهاز المناعة» أنك قد شفيت بينما البكتيريا تتكاثر فى جسمك سعيدة بهذا المخفض الذى أوقف عنها دفاع الجسم عن نفسه بواسطة: CELLULAR AND HUMORAL ANTIBODIES إنه طب الضرر والنكد على المريض.
عدد الحيوانات المنوية عندى يا دكتور عشرة مليون فى السنتيمتر المكعب، وعاوزين يعملوا لى عملية دوالى على الخصيتين! وعند فحص المريض أكتشف إن عنده التهاب شديد فى البروستاتا وهى المسؤولة عن ضعف الحركة، وقلة عدد الحيوانات المنوية، ثم إن الدوالى مرحلة أولى «خفيفة» وليس بها ارتجاع REFLUX، ولا داعى لإجراء عملية، وكل ما يحتاجه هذا المريض مضاد حيوى لمدة أسبوعين، والطبيب الذى أشار عليه بعملية دوالى لم يكلف خاطره بفحص شرجى حتى يكتشف التهاب البروستاتا «مرض الشباب»، أتذكر جون سونى حين قال لى فى إنجلترا: إذا الطبيب لم يقم بهذا الفحص، أحد أمرين: إما أن الطبيب إصبعه مقطوع، أو المريض ليس عنده فتحة شرجية، والأمر الثانى لبرنارد شو فى كتابه «حيرة الطبيب»: لن تتقدم مهنة الطب إلا إذا وضعنا حائلاً بين يد الطبيب وجيب المريض أى التأمين الصحى.
هذا هو طب النكد، النكد على المريض بعملية لا لزوم لها، عملت مع بروفيسور جرانت فى كمبريدج، كنا قبل أى عملية أسمعه يقول: يا رب دعنا نفيد هذا المريض أكثر مما نضره!
جاءنى منزعجاً حزيناً: عاوزين ياخدوا ستة عينات من البروستاتا عشان الـP.S.A «إحدى دلالات الأورام للبروستاتا» عشرين! «المفروض حوالى أربعة»، سألته: هل تشكو حرقاناً فى البول؟ قال: شديد. فحصته، وجدت التهاباً شديداً فى البروستاتا! قلت له: سأعطيك مضاداً حيوياً للبروستاتا، فإذا نزل P.S.A، لا داعى لعينات البروستاتا، ولكن إذا ارتفع أو ظل كما هو، لابد من أخذ العينات.
وبعد عشرة أيام جاءنى المريض متهللاً قائلاً: الـP.S.A بقى سبعة!
قلت: لا داعى لأخذ عينات إذن!
الـP.S.A، ليس دلالة على السرطان فقط، ولكنه دلالة على التهابات أو تضخم، لهذا نقول عنه: SCREENIG TEST وليس DIAGNOSTIC TEST.
هذا هو طب النكد على المريض دون الالتفات لآلامه وعذابه، وقس على ذلك القيصرية دون داع، وعمليات السمنة دون داع، ونسينا أن الطبيعة أكثر حكمة من أبنائها، والذى يدخن امنع عنه السيجارة، ولا تقطع يده بالسيجارة!.

Friday, February 17, 2017

د. عماد جاد - على من تقع المسئولية؟ - جريدة الوطن - 18/2/2016

يُعد الشعب المصرى أكثر شعوب الأرض حديثاً فى الدين وعنه، وفى نفس الوقت تأتى مصر كثالث أكثر دول العالم فى التحرش الجنسى، وتقبع فى المرتبة الرابعة والعشرين ضمن قائمة أكثر شعوب العالم تعاسة، كيف يمكن تفسير ذلك؟ وهل من فرص لحل هذه المعضلة، لا سيما بعد نجاح المصريين فى الإطاحة بحكم المرشد والجماعة؟
الحقيقة أن الشعب المصرى ورث التدين منذ زمن الفراعنة، فقد كان المصرى القديم متديناً، وكانت مصر القديمة تزاوج ما بين السياسة والدين، وكان الفرعون فى حاجة إلى كاهن المعبد، ومن أرض مصر خرج التوحيد على يد أخناتون، واستقبلت مصر اليهود والعائلة المقدسة وعدداً من الصحابة، ولم تنقطع العلاقة بين الدين والسياسة فى تاريخ مصر القديم ولا الحديث. ورغم إدراك الشعوب الأوروبية قبل غيرها أنه لا صلاح لشئون الحكم فيها إلا بالفصل بين الدين والسياسة، الكنيسة والدولة، فإن بلادنا قاومت هذا الفصل وعملت على توظيف الدين فى خدمة السياسة، وعمل رجال الدين مع الحكام، وكان الشعب يدفع الثمن باستمرار
شهدت مصر بعد دستور ١٩٢٣ وضع أسس نظام ملكى دستورى، نظام برلمانى فيه الملك يملك ويحكم قليلاً، أى له سلطات مقيدة، والسلطة التنفيذية تمارَس من قبَل حكومة منتخبة، وكان النظام المصرى فى ذلك الوقت أكثر تطوراً وتحضراً وديمقراطية من نظم الحكم فى جنوب أوروبا، كان الملك فى حاجة لرجال الدين، ولكن حزب الأغلبية (الوفد) سعى بكل قوة إلى ترسيخ دولة المواطنة التى كانت متطورة بمعايير ذلك الزمان.
جاءت حركة الضباط فى الثالث والعشرين من يوليو ١٩٥٢، وهى الحركة التى أيدها الشعب ومنحها صفة الثورة بعد أن انحازت للغالبية من فقراء المصريين وبسطائهم، لتدخل البلاد فى مرحلة جديدة بنظام جمهورى، وتدريجاً اكتسب جمال عبدالناصر سمات الكاريزما، وكان الشعب مستعداً لإرساء أسس دولة مدنية حديثة ديمقراطية، ولكن عبدالناصر لم يكن يرغب فى ذلك، وبدأ فى ممارسة السلطة بشكل مطلق، وهنا كان قرار توظيف الدين لخدمة السياسة. لم يكن معروفاً عن عبدالناصر الطائفية أو التعصب الدينى، ولكن الرجل كان فى حاجة لورقة الدين فاستخدمها بقوة وكثافة، وكان حريصاً على مبارزة الإخوان فى الدين والتدين، فأحجم عن اتخاذ قرارات لتدعيم المواطنة والمساواة بين المصريين، ساهم فى بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسبة وساهمت الدولة فى عملية البناء دون أن يعلن عن ذلك خوفاً من مزايدات الجماعة، فتكرس تقليد أن الدولة لا تبنى الكنائس ولا تُعد مسئولة عن احتياجاتها ولا نفقاتها. أحجم عبدالناصر عن بناء دولة المواطنة والمساواة، فانتشرت ثقافة التشدد والتعصب فى عهده، لا سيما عقب هزيمة ١٩٦٧، وجاء من بعده السادات ليجد الأرض ممهدة لتديين المجال العام فى البلاد ولتدخل مصر مرحلة الانقسام الدينى وانتشار ثقافة التشدد والتعصب، ومع انتشار الفساد على كافة المستويات بات التدين شكلياً إلى حد كبير، وزادت جرعة الحديث فى الدين وعنه، وانتشرت ثقافة التدين الشكلى. باختصار كان النظام مسئولاً عن انتشار ثقافة التدين الشكلى التى ضربت الثقافة المصرية، ومثلما كان النظام مسئولاً عن ذلك، فهو مسئول أيضاً عن سحب المكونات التدميرية فى الثقافة المصرية، مكونات التدين الشكلى وخلط الدين بالسياسة وتديين المجال العام بطول البلاد وعرضها. السؤال هنا: هل نحن مستعدون لذلك، وهل يمكن تحقيق ذلك فى ظل النظام الحالى؟

خالد منتصر - حصان إبليس وحمار الكفار - جريدة الوطن - 18/2/2016

«صدر السماح (لفلان الفلانى) باستعمال السيكل (الدراجة) لظروفه إلى ذلك من بيته إلى الدكان وما عدا ذلك لا يكون له رخصة إلا بشغل لوالده بشروط أن لا يخرج عليه (بالليل) ولا خلف (البلاد) ولا يردف (يركب) عليه أحد ولا يؤجره ولا يدخل عليه وسط الأسواق»، هذا هو نص رخصة الدراجة التى كانت تمنحها هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى السعودية لراكب الدراجة التى كانوا يطلقون عليها «حصان إبليس»!!، وحتى لا أتهم بالتجنى على الوهابيين وفتاويهم العجيبة الغريبة ورعبهم وفزعهم من كل اجتهاد جديد والذى للأسف انتقل إلى البعض هنا فى مصر ممن تسلفنوا وتوهبنوا وباتوا يؤثرون فى الرأى العام والمزاج الدينى المصرى، لذلك فمرجعى سيكون الباحث سعود المطيرى وما كتبه فى صحيفة الرياض!، يقول «المطيرى»: أطلقوا عليه، أى السيكل، الدراجة «حصان إبليس» وكان يعتقد بعضهم أنه يدفع بواسطة شياطين الجن الذين «يتحالفون» مع سائقه حتى يثبتوه على ظهره أثناء سيره مقابل تنازلات ومعاهدات عقائدية، وشروط تمليها تلك الشياطين قبل خدمته، بل إنه هو شيطان مخلوق من عظام، الأمر الذى جعلهم يتعوذون بالله منه سبع مرات، ويأمرون نساءهم بتغطية وجوههن عنه، وإذا لامس شيئاً من أجسادهم أعادوا الوضوء إن كانوا على طهارة، ويقفزون إثره إذا ما وجدوها أمامهم على الأرض بعد أن يبصقوا عليها، ودخل عند بعضهم ضمن المحذورات التى لا تقبل شهادة مرتكبها»!، وكان من الشتائم الرهيبة والسباب الفاحش المنتشرة وقتها «راكب السيكل»، ويخبرنا «المطيرى» كيف تم حل المشكلة بقوله: أما الذين قبلوا به بعد ذلك كـ«شر لا بد منه» فقد تعاملوا معه بحذر واستحياء، وقصروا استعماله على البالغين بشروط صارمة وثَّقتها نماذج من رخص السير الرسمية التى كانت تصدر حينذاك عن طريق هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر «النواب» فى بعض المدن فى السبعينات الهجرية، التى لا تعطى إلاّ بعد أن يقدم شهادة تزكية واستقامة من إمام وجماعة المسجد، على أن يقتصر استخدامه فى ساعات النهار فقط، وأن لا يحمل عليه شخصاً آخر -فى إشارة إلى صغار السن- وفرضوا عليه ضريبة سير فى بعض مدن نجد وكانت عقوبة من يستخدمه دون رخصة الجلد ومصادرة «السيكل»، ولكن فى بعض المدن مثل الرياض وجدة كانت تصدر من المرور (قلم المرور) بشروط أخف، ويلزم اعتمادها وتوقيعها من أعلى سلطة عسكرية وهو «مدير الأمن العام»، ومن أشهر القصص ما رواه أحد كبار السن لعريس كان والد زوجته يحتجزها بمبلغ متبقٍ من مهرها، فخطط للهرب بها خارج البلدة بعد الاتفاق معها إلى مكان عمله فى «شركة الجبس» بالرياض بعد ثلاثة أشهر من الزواج، واستخدم لتنفيذ خطته عجلة أحضرها معه وأخفاها بالقرب منهم؛ لكن والدها عندما سمع صيحات النجدة من والدتها قفز على ظهر «بعير» ولحق به لتستمر المطاردة إلى منتصف الليل، حتى تمكن من القبض عليه وتكتيفه بحبل، وفى صباح اليوم التالى اقتاده إلى شيخ البلدة وطالب بخلعها منه، وكانت حجته أنه رجل «مارق» وأنه يركب «حمار الكفار»!.
هذه ليست قصصاً للتسلية وليست من تأليفى ولكنها قصص للعبرة وللعظة بأن التغيير هو الثابت الوحيد فى هذا الكون وأن تحنيطنا فى فتاوى الماضى لن يدفعنا إلى مقدمة الحضارة بل إلى قاع التخلف.