Translate

Monday, August 29, 2022

الاختيار الأمثل لشريك الحياة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 28/8/2022

 لاشك أنه من أخطر القرارات بل هو قرار العمر! أن يكون الإنسان موفقًا فى اختياره لشريك الحياة. ولاشك أن هناك قوى كثيرة تشترك فى هذا الاختيار، ومحصلتها جميعًا قرار مهم ومصيرى. فما هى هذه القوى؟ ولنأخذها من الأدنى إلى الأعلى، لأن القوى الأدنى- للأسف- هى سريعة التأثير، وعالية الصوت. وإن كانت القوى الأعلى الهادئة هى بالحقيقة القوى الهادية.

1- الدافع (الغريزة):

هى القوة الأدنى فى الإنسان، بدليل أنه يشترك فيها مع الحيوان، إثارات غاية فى الخطورة تقدمها وسائل الإعلام ومنها التليفزيون والقنوات الفضائية، بل أخطر منها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، هذا كله يتعاون فى تقديم تصور فى هذه السن الصغيرة، أنه قد اختار شريك حياته. ومع افتراض احتمال البساطة والنقاوة، إلا أن الصوت الأول والأسرع والكائن وراء هذا التفكير هو الغريزة. فالغريزة لها نداؤها وحرارتها، فما أخطر الخداع هنا، حين يتصور الفتيان الصغار أنهم أحسنوا الاختيار، وأنهم يتجهون فى نقاوة نحو زواج سليم.

وإن كانت النوايا طيبة، والاشتياق لإرضاء الله موجودًا، إلا أن صوت الغريزة العالى سرعان ما يفرض نفسه على هذه السن.. وتظهر الحقيقة الناصعة.. إن الغريزة وحدها لا تصلح قائدًا لمسيرة الإنسان على طريق الزواج المقدس.

من هنا يجب أن نوجه أبناء هذه المرحلة إلى تفهم حجم الغريزة، وحدودها المقبولة، وضرورة التسامى بها نحو عالم القداسة والنماء.

كذلك نلفت نظر الشباب المقبل على الزواج ألا يجعل من صوت الجمال الجسدى والنزعات الحسية صوتًا ذا قيمة كبيرة فى اختيار الشريك. يجب أن نحدد حجم هذا الدافع، فالحسن غش، والجمال فانٍ، والجسد إلى تراب.

2- العاطفـة:

وهذه هى القوة الثانية، التى وإن بدت أسمى من الغريزة، إلا أنها مرتبطة بها ارتباطًا صميمًا. فالعاطفة جزء من الجهاز النفسى، وهى بالضرورة جزء من الإنسان الطبيعى. لذلك فهى لا تكفى وحدها كقائد لمسيرة الاختيار. فهى أمر:

أ- متقلب.. فالعاطفة ليست حبًا روحانيًا خالصًا وباذلًا، بل هى حب تبادلى مشروط بالأخذ قبل العطاء. إنها صورة من صور الأنانية، فالإنسان فيها يحب الآخر لسبب أو لأسباب. أنه يرى فيه ما ينقصه، وما يحتاجه، وما يمكن أن يغترف منه. أما الحب الروحى فهو يحب «بالرغم من».. لأنه حب إلهى معطاء، سخى، يعطى قبل أن يأخذ، ودون أن ينتظر الأخذ، بل دون أن يأخذ إطلاقًا.

ب- سطحى.. فالعاطفة ليست أمرًا عميقًا فى الكيان الإنسانى، بقدر ما هو شىء سطحى، سريع الاستثارة والإثارة، لا يضرب بجذوره فى أعماق القلب، بقدر ما يسعد به المحبون فى لذة سريعة الانطفاء. إنها جزء من النفس، ولكنها ليست جزءًا من الروح، أعمق ما فى الإنسان.

ج- ومن الممكن أن يتدنى.. فالعاطفة- بدون الروح- تتدنى إلى الجسد والحسيات، بسرعة تتفاوت من إنسان إلى آخر، قدر اهتمامه بخلاص نفسه، وقدر جهاده ضد الخطيئة، وقدر تقديسه للحياة الزوجية.

ولهذا كله لا تصلح العاطفة إطلاقًا كقائد أوحد لمسيرة اختيار شريك الحياة. حقًا.. فى الزواج حب، ولكنه حب روحى يسمو فوق العواطف، ويثبت أمام كل العواطف والعواصف. إنه (الحب الروحانى) وليس (الحب الإنسانى)، ولا (الحب الجسدانى).

3- العقــل:

وهو قوة أسمى يختلف فيها الإنسان عن الحيوان، فللحيوان غرائز وعواطف بدائية، ولكن الإنسان يتميز عنه بالعقل والروح. ولكن العقل- مع سموه لأنه منحة الخالق- إلا أنه محدود القدرات. لذلك فهو لا يصلح وحده قائدًا لمسيرة الاختيار.

- هل يستطيع العقل أن يسبر الأمور حتى أعمق أعماقها؟

- وهل يستطيع العقل- مهما أوتى الإنسان من حصافة- أن يعرف أعماق نفسية وتكوين الشريك المختار؟

- وهل يمكن للعقل أن يسبر أعماق المجهول والمستقبل فيعرف ما يخبئه القدر للإنسان، وما يمكن أن يتعرض له أثناء مسيرة حياته، سواء هو أو شريك حياته؟

إذن فيجب على الشاب أن يفكر، والفتاة أيضًا، والأسرتين.. ولكن العقل لا يكفى دليلًا للطريق.. نعم.. فالعقل يفكر فى تناسب الشريكين اجتماعيًا وأخلاقيًا وماديًا ودينيًا، ومن حيث فارق السن والثقافة والمشارب... إلخ.

ما هو الممكن وغير الممكن؟ ما هو المقبول وغير المقبول؟ ولكن.. يبقى العقل عاجزًا عن إعطاء الكلمة الأخيرة.

4- الـروح:

وهذا هو العنصر الحاسم، الجزء الإلهى فى الإنسان، والقوة التى من خلالها نتصل بالله، ونؤمن به، ونتطلع إلى سمائه، ونحيا وصاياه.

ولذلك فصوت الرب هو أهم الأصوات، ورضا الروح أمر جد خطير، والضمان الوحيد لإعطاء الروح فرصتها للانطلاق والتحرك وإبداء الرأى هو:

- الصلاة القلبية المستمرة فى تسليم حقيقى، راضٍ بمشيئة الله، مقتنع بأن الله يعرف الأحسن ويختار الأفضل، ويدبر الصالح على غير ما نرى نحن فى قصورنا الإنسانى الشديد.

- الاسترشاد بفكر المسيح فى إنجيله المقدس، إذ يضىء فى قلوبنا باستنارة خاصة، وقدرة مباركة على التمييز بين الأمور المتخالفة.

- أخذ رأى أب الاعتراف، حيث يعمل روح الله فى السر المقدس قدر الخضوع للمشيئة الإلهية الصالحة.

- إعطاء فرصة الحوار والتفاهم مع الأسرة، ومع الأحباء القادرين على إعطاء المشورة البنّاءة، فالتفكير بصوت مرتفع يلغى التوترات النفسية وأثرها السيئ، ويعطى الفرصة للرب أن يتحدث من خلال الأسرة والأحباء.

هذه هى القوى الأساسية المشتركة فى اتخاذ هذا القرار المهم.. فلنعد ترتيب الأمور حسب أهميتها:

1- روح تصلى فى تسليم، وتطلب قيادة الرب.

2- عقل يفكر فى هدوء ورجاحة.

3- عاطفة تحس بالارتياح نحو الشريك المرتقب.

4- غريزة مقدسة متسامية تكون تعبيرًا عن حب روحانى، داخل أسرة متدينة حقيقية، ووحدة يباركها الرب القدوس.

Friday, August 26, 2022

لماذا يكرهون الأهلى؟! - حمدي رزق - المصري اليوم - 26/8/2022

سؤال صادم، مستوجب الرد عليه بشفافية وصراحة من جانب إدارة «الجزيرة الحمراء» فى مواجهة جماهيرها المخلصة أولًا.. نحِّ المنافسين جانبًا، فهم يتميزون غيظًا من رؤية علم الأهلى مرفوعًا، دعهم فى كراهيتهم يعمهون.

أتحمل وزر السؤال الصعب، ولكن هذا وقت المكاشفة، والأسئلة الصعبة، والإجابات الصريحة بلا لف ولا دوران، على طريقة كابتن «أفشة».

اعتداء نفر متفلت من جماهير الإسماعيلية على أتوبيس الأهلى يفرض طرح السؤال الذى يؤسس لمراجعة عميقة للسياسات الحمراء فى الساحة الكروية: هل صار الأهلى مستفزًا للأندية الأخرى ببطولاته التى تشبه الممارسات الاحتكارية، منفردًا متفردًا بكل الدروع والكؤوس والمشاركات الإفريقية والدولية ولعقود، ما خلّف حالة إحباط عميقة لدى الأندية المنافسة أو التى تجتهد فى البقاء تحت الأضواء؟!.

هل جماهيرية الأهلى الطاغية (دون إحصاء حقيقى وواقعى على الأرض) ولَّدت شعورًا غريزيًا بالتفوق يعبر عنه شعار «الأهلى فوق الجميع».. شعار يحك أنوف جماهير المنافسين، كيف لها أن تقبل وضعية «الناس اللى فى الدور التانى» وتصمت على الأذى النفسى؟!.

هل الدعم اللامحدود الذى حظى به الأهلى لعقود مضت من كيانات ورؤوس أموال ضخمة، مكنه من الفوز دوما، حتى جماهيره باتت لا تتقبل الخسارة، وعلى مضض تعزو الخسارة لأسباب خارجية؟!.

حتى الإدارة الحمراء لا تعترف بقوة المنافسين وتميزهم، ولا بضعف المردود الأحمر على نحو يثير العجب من حالة الإنكار التى تلازم الإدارة التى تعانى صدمة الخروج خالية الوفاض فى عام أخير من بطولة محلية أو قارية؟!.

خيلاء الأهلى، كبير الأندية المصرية والعربية ونادى القرن وثالث العالم، ومنافس «ريال مدريد» على الأكثر تتويجا، وترجمة هذه المكانة أرقاما تفقأ الأعين المفتحة على النسر الأحمر فى قمة شاهقة، خلفت يقينا «مظلومية» مزمنة تعانى منها بعض الفرق المنافسة، تُترجم لكراهية تعتمل فى النفوس!!

هل الكراهية الطافحة فى الفضاء الإلكترونى تعبر عن مكنون جماهيرى، تصك آذاننا صيحات أقرب لصرخات، هستيريا فى المدرجات أم هى «حملة كراهية» مخططة ومدعومة لإحباط الأهلى وتعويقه عن إدراك الفوز والبطولات (كما يروج بعض المرجفين).

بلغت الكراهية حد الاجتهاد فى حرمان الأهلى من المشاركة فى دورى أبطال إفريقيا.. معلوم فى الوسط الكروى بعضهم يعمى، من العمى الحيثى، ولا ترى الفانلة الحمراء، أو نسر الأهلى محلقا!.

تعددت الأسباب: ما هو واقعى، وما هو خيالى، وما هو حقيقى، وما هو مصطنع، وما هو شخصى.. فى شخوص تكره الأهلى أكثر مما تحب أنديتها، وتشجع كل الفرق التى تواجه الأهلى، محليا وإفريقيا ودوليا، مُنى عينيها الأهلى يخسر وتتحرق قلوب جماهيره.. فى قلوبهم نار.

الكراهية طفحت على الحوائط الفيسبوكية، تجسدت «شماتة»، بلغت حد تمنى أذية لاعبيه فى الالتحامات والكرات المشتركة.. «مستشفى الأهلى.. كامل العدد» تعبير عن حالة الفريق التى لا تسر حبيبا، وتبهج كارها.

مجددا، ونشدد.. إياكم و«حديث المؤامرة»، وأربأ بإدارة الأهلى عن حكى «المظلومية»، علينا مواجهة الحقيقة المُرة، منسوب الكراهية للأهلى فى ارتفاع لافت، وصور الكراهية متجسدة، وهذا يتطلب «كونسلتو» من حكماء «الجزيرة الحمراء» لتدارس أسباب الكراهية، وكيفية خفض منسوبها، ورسم سياسات إعلامية تخفض من حالة الاحتقان التى تترجم كراهية تحيط بالفريق وجماهير فى حِلِّه وترحاله.

Sunday, August 21, 2022

آلام حاضرة.. وأمجاد عتيدة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 21/8/2022

 تألمنا كثيرًا لما حدث مع أبناء كنيستنا وأطفالنا بإمبابة، يوم الأحد الماضى أثناء إقامة صلوات القداس الإلهى، نتيجة حريق التهم الكنيسة، فمنهم من مات حرقًا ومنهم من مات خنقًا من كثرة الدخان، ومنهم من أصيب، إنه حدث جلل، أشعرنا بالحزن نحن كجسد واحد، وكأسرة واحدة، تحولت الصلاة إلى مأتم، حيث مات اثنان وأربعون وأغلبهم من الأطفال الأبرياء ومعهم القس عبد المسيح بخيت، راعى الكنيسة. وها هى إلا ساعات قليلة ونسمع عن حريق آخر بكنيسة بالمنيا الجديدة، ونشكر الله أنه لم يسفر عن أية خسائر فى الأرواح.

لعلنا كثيرًا ما نسأل أنفسنا:

أولًا: لماذا يسمح الله بالألم؟

1- تحمل الألم هو شعار المسيحى الحقيقى: إن التبعية للسيد المسيح معناها تحمل الألم، فهو تألم فى فترة حياته على الأرض إلى أن صعد إلى السماء.

2- الألم فى العهد الجديد: ليس فقط مصحوبًا بعزاء وإيجابيات، إنما مصحوب بفرح، كما قال الكتاب عن الرسل إنهم: فرحوا لأنهم حسبوا أهلًا أن يتألموا من أجل الله، ورسائل القديس بطرس الرسول كلها تتكلم عن الآلام والأمجاد التى بعدها. ليست آلامًا بسبب الخطيئة.

3- يقول القديس بولس الرسول أيضًا: «الآن افْرَحُ فِى آلامِى لأَجْلِكُمْ»، وقد يتصور البعض أن طريق الرسل الناجح، والمملوء بالمعجزات، كان طريقًا مفروشًا بالورود، لكن الحقيقة أنه كان طريقًا مفروشًا بالألم. وفى الألم اتحدوا بالرب، فأخذوا القوة، وعاشوا الرجاء، واستهانوا بالموت.

ثانيًا: الألم فى قصد الله:

الألم هبة إلهية، لأنه يسمح به الله لأولاده، لأجل فوائد كثيرة.. منها:

1- التتويب: ألم الخطية قد يقود البعيدين عن ربنا للتوبة.. فهو ليس ألمًا للعقاب وبلا جدوى إنما بهدف التوبة.. فالابن الضال بعدما بذر أمواله بعيش متلفًا، تألم بالجوع، وبالمهانة وبالعرى، وبالبعد عن والده، وبالندم، بعد أن تركه أصحابه.. فعاد تائبًا.

كثيرًا ما يسمح الله بالألم، ليراجع الإنسان نفسه، فيتوب.. والألم يكمن فى: الأمراض والحوادث والفشل الدراسى، والخسارة المادية، فكل هذه لا تقاس بأهمية النجاح الروحى والحياة الأبدية.

2- التنقية: الذهب لابد أن يدخل النار ليتنقى. وخير مثال على ذلك أيوب الصديق، فمع أنه كان «كاملًا» حسب قول الرب، إلا أنه كان يحس بكماله، فهو كان يقدم ذبائح عن نفسه، وعن أولاده، وكان يقارن نفسه بوثنيى عصره، فيرى نفسه بارًّا، وهذا ما يسمى البر الذاتى، لذلك سمح له الرب بهذه الآلام ليحيا الانسحاق، لكى ينقيه من هذا الإحساس، ثم أرسل له المعزين المتعبين يقولون له سيئاته، أخذ الله ممتلكاته وغنمه، وأولاده، حتى قال أيوب: «أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّى» (أيوب4:6)… وفى النهاية عندما عبر به الله هذه التجربة، أجاب أيوب الرب قائلًا: «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِى. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِى التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (أيوب5:42-6) هذا ما فعله الله بأيوب للتنقية.

فقد تكون هناك خطية محبوبة كامنة، كالكبرياء، أو البر الذاتى، أو شهوة معينة ويسمح الله بالألم، لأن «مَنْ تَأَلَّمَ فِى الْجَسَدِ كُفَّ عَنِ الْخَطِيَّةِ».

3- التزكية: عندما طلب الرب من إبراهيم أن يقدم له ابنه إسحق كمحرقة، أقبل إبراهيم على تقديم ابنه، فجاءه صوت: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا لأَنِّى اْلآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّى» (تك12:22). فهدف هذه الآلام يبرز جوهر ومعدن المؤمن، فينال إكليل الحياة.

المؤمن الحقيقى عندما يأخذ منه الرب شخصًا غاليًا عليه، يشكر الله قائلًا: الرب أعطى الرب أخذ.. لتكن مشيئتك يا رب… وبذلك يتزكى.

4- الوقاية: الله يسمح بالألم ليقى الإنسان من الكبرياء، لذلك يقول القديس بولس الرسول: «وَلِئَلَّا أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِى الْجَسَدِ»(2كورنثوس7:12). وعندما طلب من الله أن يرفع عنه المرض، قال له الله: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِى، لأَنَّ قُوَّتِى فِى الضُّعْفِ تُكْمَلُ» لذلك قال القديس بولس: «َبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِىِّ فِى ضَعَفَاتِى، لِكَىْ تَحِلَّ عَلَىَّ قُوَّةُ الله»(2كورنثوس9:12). فالألم كخزامة تمنع الجمل من أن يجمح.

ثالثًا: بركات الألم:

أ- الفطام: الرب يسمح بالألم للمؤمن لينظر إلى الأبدية وليقل: «لأَنْ ليس لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ» (عبرانيين 14:13) فيشعر المؤمن أن الدنيا من الدون، ويفكر فى السماء السامية العالية.

ب- التمجيد: «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كورنثوس 17:4). «إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَىْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رومية17:8)، لذلك الذى يرفض الألم.. يرفض الإكليل أيضًا.

فما دام الألم من الله، وليس بسبب الخطيئة، يكون مصحوبًا بفرح داخلى، وسلام نفسى وروحى.

لهذا لم يكن غريبًا أن يقول الرسول بولس: «الآنَ أفْرَحُ فِى آلامِى لأَجْلِكُمْ» (كو24:1). وكذلك لا نتعجب حينما نسمع عن الرسل إنهم: «ذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (أعمال41:5).

الله قادر على أن يحول الألم إلى فرح!! والإهانة إلى مجد!! والضربات إلى أكاليل!.

* الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Sunday, August 14, 2022

النضج اللازم للزواج - الأنبا موسى - المصري اليوم - 14/8/2022

 كثيرًا ما يتعجل الشباب موضوع الزواج، وهذا إحساس طبيعى مع بداية الشباب وحرارة نداء الغريزة.. لكن الخطأ كثيرًا ما ينجم عن هذا الاستعجال، وذلك لأسباب كثيرة.

إن هناك زوايا نضج مهمة يجب أن يتمتع بها كل من الشاب والشابة، ليكونا فى الوضع المناسب للتفكير والتحرك نحو اختيار شريك الحياة.. وهذه بعض الزوايا: 1- النضج النفسى 2- النضج العاطفى 3- النضج الاقتصادى 4- النضج الروحى.

1- النضج النفسى

معروف علميًا أن الشاب والشابة فى بدء المرحلة الجامعية يتطلع كل منهما بسرعة نحو اختيار شريك الحياة والتعرف على الجنس الآخر. ومعروف وثابت أن هذه مجرد مرحلة فى حياة الشباب تسمى «مرحلة الجنسية الغيرية العامة»، أى أنه يتطلع إلى الجنس الآخر فى محاولات متكررة للتعرف عليه.. وهكذا، لا يستطيع أن يحدد الشخصية المناسبة لرحلة العمر فى هذه المرحلة، لأنه يكون عادة سريع التقلب والتغير من شخصية إلى أخرى. والأنسب فى هذه المرحلة أن يختلط الشباب فى جو روحى مقدس، فيه فرص التعرف العام على الجنس الآخر دون تحديد شخصية ما، أو الدخول فى علاقات عاطفية تضر أكثر مما تفيد، تضر الطرفين، إذ ينشغلان عن بنيان نفسيهما روحيًا ودراسيًا، كما تضر بسمعة الفتاة، إذ ما أدرانا أن هذا اختيار مناسب وإلهى بينما نحن فى مرحلة «الجنسية الغيرية العامة»!.

ولكن فى آخر سنوات الجامعة، بل حتى بعد التخرج، يبدأ الشباب بالانتقال إلى مرحلة «الجنسية الغيرية الأحادية»، أى يستطيع - بالصلاة والتفكير المتزن - أن يحدد الشخصية الوحيدة التى يشعر بارتياح نحوها وأنها اختيار الله لحياته. وهكذا يكون قد نضج نفسيًا لاتخاذ هذا القرار الخطير، قرار العمر.

2- النضج العاطفى

وهذا أمر مهم أيضًا، إذ هناك فرق شاسع بين شاب تحرّكه حرارة العاطفة وآخر تحرّكه المحبة الروحانية. إن العاطفة كثيرًا ما تكون خدّاعة ومتقلبة، فهى جزء من الجهاز النفسى فى الإنسان الطبيعى. وهى مجرد انفعال متكرر نحو شخصية معينة، تصحبه راحة. ولكن هل هذا الإحساس البشرى هو الفيصل المناسب فى موضوع اختيار الشريك؟ أين إرادة الله؟ وأين رأى العقل؟ وأين رأى الأسرتين؟

بل أكثر من ذلك، إن العاطفة عمومًا جزء من الجسد، أى أنها جزء من الإنسان الطبيعى، وما لم ترتفع وتتسامى إلى مستوى الروح والقداسة والمحبة الخالصة، فإنها سرعان ما تتدنى إلى تورطات حسية خطيرة. فالزواج العاطفى يبدأ بحب حسىّ مشوب، سرعان ما يتناقص بعد أن ترتفع عنه العقبات والعوائق، ونكتشف أنه لم يكن حبًا على الإطلاق. فالعاطفة أَخْذٌ ثم عطاءٌ، أما المحبة الروحانية فهى عطاءٌ حتى دون أخذ، لذلك فالحب العاطفى يتبخر لدى أول امتحان: حين يخطئ الشريك، أو حين يطلب أو يحتاج دون أن يتمكن من تقديم العوض، وذلك فى ظروف مرض أو ضيقة أو مشكلة.

من هنا كان لابد من نضج عاطفى، فيه يتمكن الشاب من التمتع بانسكاب محبة الله الباذلة فى قلبه، ليتمكن بعد ذلك من العطاء السخى دون انتظار العوض.. وهنا يزدهر الحب بالزواج ويستمر، رغم كل مصادمات الحياة.

3- النضج الاقتصادى

هذا محور ثالث ومهم، فللزواج متطلبات مادية محسومة وأكيدة، وأمام تقاليد نرجو أن تهتز شيئًا فشيئا، حيث يجد الطرفان نفسيهما أمام التزامات مادية ضخمة: الشبْكة، الهدايا، السكن، الأثاث، الحفلات.

ومع أن الشباب - فى براءة وانطلاق - يحاول الإفلات من هذه الفخاخ الخطيرة، إلا أنه يجد التقاليد الاجتماعية الراسخة كالجبل عائقًا خطيرًا فى طريق إتمام الزواج، وهنا يصطدم الحب بصخرة مالية، تعقبها مرارة فى نفس كل من الطرفين.

لهذا فنحن ننصح الشباب «بالواقعية»، الحياة ليست فى نعومة الخيال وأحلام اليقظة، ولكنها فى خشونة الواقع وآلامه ومعطياته. يجب أن يحسب الطرفان حساب النفقة قبل الإقدام على هذه الخطوة.. والأهم من ذلك أن تحسب الفتاة هذا الحساب لأنها ستعانى أضرارًا بالغة أكثر من الفتى حينما تصطدم المحبة والتوافق بصخرة الظروف المادية والاجتماعية.

والأنسب لنا أن نشد الشباب إلى عالم الواقع، بأن ندفعه إلى العمل الجاد وتدبير أموره المادية قبل أن تتعثر خطواته أمام عدم الاستعداد.

4- النضج الروحى

1- إن القائد فى اختيار شريك الحياة هو الروح، قبل العقل وقبل العاطفة، فالعقل محدود الرؤية والقدرات، والعاطفة سريعة التأثر والتقلب، أما الروح فهى العنصر الإلهى المتصل بالله والقادر على استجلاء الطريق وضبط مسار العقل والعاطفة.. لهذا يجب على الشباب أن ينشطوا حياتهم الروحية وعلاقتهم بالرب، وألا ينصاعوا بسهولة لحرارة العاطفة ولا لتفكيرهم المحدود.

2- إن مباركة الرب للاختيار هى الضمان الوحيد والأكيد لحياة هانئة فى ظل محبته، ذلك لأنه مهما أجهد الإنسان نفسه فى اكتشاف أعماق شريكه ومدى صحة اختياره، فإنه لن يستطيع أن يصل إلى ذلك دون عمل الله.

3- إن الزواج يستوجب تنازلات مهمة من الطرفين، كل من نحو الآخر، فى روح المحبة الباذلة بدلًا من الأنانية المدمرة. وهذا مستحيل دون عمل الله فى الإنسان، فهو الكفيل بأن يساعد كلا الطرفين على إنكار ذاته والتخلى عن الكثير من عاداته وأفكاره وأمزجته، ليستطيع أن يعطى قبل أن يأخذ، ويعطى بفرح لا باستسلام المقهور أو بروح الجدل والمقاومة.

.. وهكذا من خلال هذا النضج المبارك فى الزوايا الأربع، يكون الشاب والشابة فى وضع مناسب لاختيار الشريك والإقدام على الزواج.

Sunday, August 7, 2022

سمات الزواج المسيحى - الأنبا موسى - المصري اليوم - 7/8/2022

 يتسامى الزواج الإنسانى والروحانى على اقتران الأجساد، ليصل بنا إلى اقتران الأرواح، فلا يصير الزواج اقترانًا جسديًا أو اجتماعيًا، بل اتحادًا روحيًا مقدسًا.

وهذه بعض سمات الزواج المسيحى:

1- شريك واحد:

فالمسيحية لا تسمح بزواج أكثر من شريك، وشريعة الزوجة الواحدة أكيدة فى المسيحية، وثابتة فى الإنجيل، كما ذكر:

- «لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (1كورنثوس 2:7).

- «وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا» (1كورنثوس 10:7).

وهذا:

أ- رجوع إلى الأصل: «مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى» (متى 4:19).

ب- التزام بكلمات السيد المسيح: «إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِى جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متى 6:19).

ولا شك أن فكرة الزوجة الواحدة فيها لمحات كثيرة وهامة، فهى تتسامى بالمرأة من مجرد وسيلة إلى شريك حياة، كما أنها تتسامى بالنسل من مجرد عدد إلى نوعية. وكذلك تتسامى بالغريزة من مجرد الحس إلى الروحانية.

وهذه الأمور الثلاثة تستدعى منا المزيد من التأمل والوعى. فالله لم يخلق سوى حواء واحدة لآدم، ليعرف أنها «معين نظيره».. أى شريكة حياة على نفس المستوى.

2- الوحدانية:

فالزواج المسيحى ليس عقدًا بين طرفين، يظل كل منهما بعد ذلك (طرفًا)، له (الأنا) الخاصة به، بل المسيحية توحد الطرفين أو الشريكين فى (كيان جديد)، إذ «يَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً» (متى 5:19). والتعبير هنا فى غاية الدقة، فالجسد الواحد تتعدد أعضاؤه، ولكنها تترابط وتتحد فى حب وبذل، وعطاء وتناسق. الجسد الواحد تسوده شبكة إحساس واحدة، وشعور واحد، وإرادة واحدة.

لذا فالزواج الحقيقى يجعل من البيت سماء جديدة، فى وحدة اندماجية كيانية على كل المستويات:

على مستوى الروح: فالاثنان متحدان بالرب.

وعلى مستوى الفكر: فالاثنان صار لهما فكر واحد.

وعلى مستوى المشاعر: فالمحبة الروحانية الباذلة هى شعارهما «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 35:20).

وعلى مستوى الإرادة: الله يكون هو قائد مشيئة كل منهما، وهو موحد المشيئتين فى مشيئة واحدة.

لهذا فنحن ندعو (الفرد) ليصير (زوجًا)، وندعو (الزوج) (أى الاثنين) ليصيرا (واحدًا). وهذه حقيقة، فقد اتحدا فى الله تعالى، فأصبح كل منهما يحمل شريكه فى عمق كيانه، فلم يعد واحدًا بل (زوجًا) أى اثنين. يسير ويتحرك ويعمل ويسافر ويفكر، وفى أعماقه يكمن شريكه، وكذلك صار (الزوج) (أى الاثنين) (واحدًا)، أى أنهما يتصرفان من منطلق وحدة كيانية عميقة جمعتهما فى الله تعالى.

3- الاستمرارية:

وهذه سمة ثالثة هامة للزواج المسيحى. وهى فى الحقيقة- كما قال السيد المسيح- الأصل الذى عاش على أساسه آدم وحواء. فحين سأل اليهود السيد المسيح بشأن الطلاق ليجربوه قائلين: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟، فَأَجَابَ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟... قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا» (متى 3:19-8).

ومن هذا النص نستنتج حقيقتين:

1- أن الأصل فى الزواج هو الاستمرار وعدم الطلاق.

2- وأن ما حدث من تجاوزات لهذا الأصل كان بإذن من موسى النبى، وذلك لقساوة القلوب. ولكن الله يريدنا أن نعود إلى الأصل السليم وهو عدم الطلاق. ولم يسمح السيد المسيح بالطلاق سوى لعلة الزنى، سواء الزنى الجسدى أو الزنى الروحى، إذ يتحد الطرف الزانى بشريك جديد. وبهذا تكون انحلت الرابطة، وورغم ذلك فإذا سمح الشريك الأصلى البرىء باستمرار الزواج وقبل عودة شريكه المذنب، يستمر الزواج الأصلى إذ يتوب الطرف الزانى، ويلتزم بعهده الأول.

أما الأسباب الحديثة كسوء المعاملة، والفرقة، والغياب، والمرض المستعصى.. فهى أسباب لا تريح الضمير، لأن جوهرها الخفى هو الأنانية وعدم المحبة.

أما بطلان الزواج حين يقوم على الغش، أو عدم القدرة أو غير ذلك من الأسباب التى تجيزها الكنيسة، فهو أمر سليم إذ لا بد من أركان أساسية للزواج الصحيح، كاكتمال النضج الجسدى والعقلى.. إلخ.

4- الإثمار:

فالأسرة المؤمنة تثمر بروح الله الساكن فيها:

1- فضائل ومبادئ وسلوكيات روحية فى حياة كل أفرادها.

2- أولادًا وبناتًا - حين يعطى الرب - مباركين، نربيهم فى مخافة الرب.. والأولاد ليسوا هدفًا بل مجرد ثمار، وما أجمل أن يتسع قلب الوالدين إلى دائرة محبة أوسع من تركيز العاطفة على أولادهما. وما أجمل أن يتسع قلب الزوجين اللذين لم يعطهما الرب أولادًا بالجسد، ليقتنيا بالمحبة أعدادًا أكبر من أبناء الروح، إذ يخدمون فى حب أبوى صادق آلاف الأطفال المحتاجين إلى رعاية وحنان.

3- خدمة تقدمها الأسرة لكل من تتعامل معهم فى حب حقيقى، لا يعرف الفرقة، ولا البغضة، ولا التعصب.

ليت الرب يعيد للأسرة تماسكها وترابطها النموذجى.

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية