Translate

Wednesday, January 31, 2018

خالد منتصر - إقصاء الآخر - جريدة الوطن - 31/1/2018

استغلالاً لمعرض الكتاب، وانتهازاً لفرصة هذه الفترة الذهبية لعرض وقراءة المزيد من الكتب، سأظل أشارككم الاقتراحات التى بدأتها منذ عدة أيام وأقدم بعض الاختيارات فى مساحة مقالى المتواضع حتى نهاية المعرض. اليوم قراءة لكتاب مهم يلقى الضوء على أصل الصراع الدينى والتناحر العقائدى الملتهب فى عالمنا الإسلامى اليوم، الكتاب هو «إقصاء الآخر.. قراءة فى فكر أهل السنة» الصادر عن دار مصر العربية للنشر، والمؤلف هو د. أحمد سالم، أستاذ الفلسفة بآداب طنطا، والذى قدم دراسة وافية دقيقة برغم صغر حجم الكتاب، عرضها بأسلوب سلس وبسيط برغم صعوبة الموضوع. القضية شائكة، لكن المؤلف تصدى لها بجسارة وبطريقة أستاذ يلخص لقارئه ويسهّل عليه الغامض والملتبس فيلخص له نقاطه المهمة فى نهاية كل فصل، يجيب د. أحمد سالم فى النصف الأول من الكتاب عن ثلاثة أسئلة، كيف تمت صناعة الإقصاء عند أهل السنة؟ ما هى الآلية والطرق والوسائل الإقصائية؟ وأخيراً كيف تحول هذا الإقصاء الفكرى إلى عنف ودم على الأرض؟
أما كيف تم الإقصاء، فقد تم بحديث الفرقة الناجية الذى تم استخدامه لنفى كل اجتهاد مغاير، اختلفت صيغ الحديث فقط فى عدد الفرق المتفرقة هل هى إحدى وسبعون أم اثنتان وسبعون أم ثلاث وسبعون، وبالطبع الكل هالك فى النار ما عدا الفرقة الناجية، وكان هذا الحديث هو إحدى الأدوات التى استخدمها بنو أمية فى مقاومة المعارضة، أما الآلية فقد كان فيها من التشهير والسباب وتسفيه الآخر واغتياله معنوياً ما يتعارض مع أبسط معانى الإيمان والسلام النفسى، فنجد فى كتب «الملل والنحل» أن الشيعة الرافضة فيهم «اللواط والحمق والزنا وشرب الخمر والزور وكل قاذورة وليس لهم شريعة ولا دين»، أما المعتزلة فيصفهم «الشهرستانى» بأنهم «مخانيث الخوارج»، ويسخر «البغدادى» من زعيمهم «واصل بن عطاء» ويصفه بالألثغ (عيب فى نطق حرف الراء)، ثم ينتقل إلى إبراهيم النظام قائلاً: «إنه أفسق خلق الله، يغدو على سكر ويروح على سكر»، أما الجاحظ المعتزلى أعظم من كتب النثر فسخروا من شكله ووصفوه باللص! بالطبع تأتى آلية التكفير لتكمل دائرة الاغتيال المعنوى الجهنمية حتى نصل إلى أن تكفير الآخر واجب! كما يقول البغدادى فى «أصول الدين»: «تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة واجب من جميع الوجوه»! أما تسييس الدين وتحويل الإقصاء من عبارات داخل مجلدات إلى رقاب تُذبح وأعضاء تُبتر ودماء تُنزف وبطون تُبقر فهذه هى الكارثة التى لا بد من قراءتها الآن واستيعاب كيف أن فكرة الإقصاء هى أصل الإرهاب، يحكى المؤلف قصص الرعب وذبح الآخر المعارض السياسى بادعاء أنه كافر وملحد، والحقيقة أن الذبح هو نتاج خلاف سياسى، السبب الحقيقى فى قتل غيلان الدمشقى ليس معتقده الدينى ولكن لأنه قال إن الإمامة والخلافة تجوز فى غير قريش، وجهم بن صفوان قُتل أيضاً لأنه خرج على السلطان، والجعد بن درهم إياك أن تتخيل أن خالد القسرى أمر بذبحه فى عيد الأضحى على منبر المسجد لأن قلبه الرقيق لم يحتمل فلسفة الجعد حول قضية تكليم موسى! ولكن الحقيقة أنه قد خرج على بنى أمية فاستحق الذبح القسرى! الجزء الثانى من الكتاب يعرض السبب الحقيقى فى غياب الحيوية عن الفكر الإسلامى بعد أن تم إقصاء الفلسفة جانباً، قدم د. أحمد سالم دراسة تطبيقية فى غاية الأهمية عن تكفير ابن تيمية للفلسفة اليونانية ثم عروجه ومدّ الخط لتكفير فلاسفة المسلمين مثل ابن سينا والفارابى، إنه إقصاء خطر التفكير بسلاح التكفير.
الكتاب مرآة كاشفة لعوراتنا الفكرية ويستحق الاقتناء والمناقشة والتحليل.

Tuesday, January 30, 2018

الكَلِمَة نور وبَعْضُ الكَلِمَات قبور بقلم د. محمد أبوالغار ٣٠/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

هذا بيت من المسرحية الشعرية «محمد رسول الحرية» للراحل عبدالرحمن الشرقاوى، الذى يحتفل معرض الكتاب فى القاهرة به هذا العام. فيقول الشرقاوى:
أَتَعرِفُ معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة فى كلمة
دخول النارِ على كلمة
وقضاءُ اللهِ هو كَلِمة
الكَلِمةُ نور
وبعض الكلمات قبور
الكلمة فرقان بين نَبىٍّ وبَغىٍّ
بالكلمة تَنكَشِفُ الغمَّة
الكَلِمَة نورٌ ودليلٌ تَتْبَعُهُ الأُمّة
عِيسَى ما كان سِوَى كَلِمَة
أَضَاءَ الدُّنْيا بالكَلِمات
وعَلَّمَها للصّيَادين
فَساروا يَهْدُونَ العَالَم
الكلمة زَلْزَلَت الظَّالِم
الكلمة حِصْنُ الحُرِّية.
منذ عصر الأنبياء والكلمة هى التى غيرت التاريخ وبنت الأمم، واكتسحت الكلمة الحقة الصادقة الكلمات الزائفة والمدلسة والتى تقال وتكتب تبغى رضاء السلطان. الكلمة الكاذبة فجة وباهتة وضعيفة، تنضح زيفاً وكذباً مفضوحاً يعرفه كاتبها وقائلها، فهو لا يخجل، لأنه هو الذى أكل على كل الموائد وتنقل من مدح فكرة إلى مدح عكسها. هؤلاء ليسوا بشراً عاديين، وإنما هم الذين أوهموا الملوك والسلاطين بأن معهم الحق فى العيث فى الأرض فساداً. هم الذين قالوا للملوك إنهم عباقرة ومفكرون وقارئون للتاريخ وأحسن من يفهم فى المستقبل وأحسن من يحكم فى الأرض. الملوك والسلاطين والرؤساء بهم سعداء ومفتونون ويصدقون كل الهراء الذى يقال لهم.
هم موجودون من الأيام الأولى للتاريخ، وفى منطقتنا البائسة التى لها تاريخ طويل من الظلم. هم الذين قرضوا الشعر للسلطان مدحاً وحباً وغناءً ثم قاموا بهجائه بأحط الكلمات عندما انقلبت الدنيا وتغيرت الأوضاع. هم نادوا بالاشتراكية والمساواة والعدل ومجّدوا الثُّوَّار واليوم يسبونهم بأقذع الألفاظ.
الإنسان ضعيف بطبعه وخائف أيضاً بطبعه، وعندما يصبح حاكماً يكون أكثر ضعفاً وأكثر خوفاً، وبدلاً من أن يحتمى بشعبه يبطش به لأنه يخاف منه ويرتعد من أصوات الناس، بينما أصوات المنافقين التى أكلت على كل الموائد، هى أصوات عصافير فى أذن السلطان، وكلامهم أصداء موسيقى تقدم أجمل السيمفونيات وأبدع الألحان وهم يرقصون ويصفقون بدون ذرة خجل. والسلطان سعيد فرحٌ يصدق كل الكلمات ويغنى مع كل الألحان ولا يتخيل للحظة واحدة أنهم دجالون كاذبون مخادعون. علمنا التاريخ كثيراً، علمنا أن هؤلاء الدجالين يعلمون أنهم فى الحضيض ولكنهم لا يخجلون، لأن الإنسان هو الكائن الذى يمكنه أن يخجل. أما السلاطين فيصدقون هؤلاء الأفاقين ويتعالون على شعوبهم ويقهرونهم ويعذبونهم، وكلهم بذلك يعتقدون أنهم يفعلون خيراً للوطن ويحافظون عليه من انقسام داخلى أو عدو خارجى، كلهم واثقون أن الله خلقهم لإنقاذ هذا الوطن أو ذاك، وكلهم متأكدون يقيناً أن ذهابهم فيه خراب للوطن وضياع للشعب، وأنه لن تقوم لبلدهم قائمة بعد رحيلهم. آه لو يعلمون أن كل أحلامهم وأفكارهم هى محض سراب وأوهام كاذبة.
هذه حكاية قديمة من بداية التاريخ مرت على كل البلدان وأدت إلى خراب الكثير من الأوطان. حتى ظهرت الكلمة الحق التى نادى بها بشرٌ، بعضهم أنبياء وبعضهم مفكرون وبعضهم شعراء وبعضهم فلاسفة وبعضهم ناس من عامة شعوب الأرض. قامت الكلمة بتغيير الأفكار، طالبت بالحرية والعدالة والمساواة وانتصرت المبادئ وهزمت الأفكار المتكلسة فى بلدان كثيرة فى الدنيا كلها ومازال الصراع قائماً فى بلدان أخرى.
شهدت بلدان كبرى عريقة ظهور قائدٍ فتن شعبه بكلام معسول وأقنعهم أنهم خير شعوب الأرض وأعظمها فليقودوا العالم كله. وقد قتل وعذب من قال إن هذا جنون، فحارب العالم كله وانسحق هو وشعبه وترك بلداً عظيماً كله حطام. جنون الحكام مصيبة وتخيلاتهم الكاذبة كارثة.
تعذيب الناس مزاج عند بعض الحكام، واعتقادهم الراسخ بأن الحل يكون بالكرباج أمر غريب، فهم لا يعرفون أنهم بدون شعوبهم لا يساوون شيئاً.
حققت الكلمة فى بعض البلدان أمناً وأماناً للحاكم وحرية وتقدماً للأوطان، وفى بلاد أخرى حدثت انتكاسات وانتصارات، وفى بلاد ثالثة مازالت الكلمة تخرج بصعوبة فى صوت ينادى أو يكتب على ورقة فى صحيفة وينهال زبانية الحكام بالضجيج وأقذع الألفاظ على قائلها، ولكن الكلمة الحق أقوى من كل شىء، وسوف تنتصر فى النهاية ليتساوى البشر ويعم الرخاء كما انتصرت فى بلدان يقولون إنها بلاد الكفار.
لقد تغيرت الشعوب تماماً والعالم أصبح قرية صغيرة يتواصل عبر الفضائيات والإنترنت، جعل كبح جماح أى شعب مستحيلا، ولو حدث، فلفترة، وفى النهاية سوف تحصل جميع الشعوب على حريتها لأنهم خُلقوا أحراراً.
وأخيراً، سوف يعلم الحاكم أنه جاء ليستمع إلى الشعب ويشركه معه. تحقق هذا فى بعض الأنحاء من كرتنا الأرضية التعيسة، وسوف يتحقق فى الباقى، ولن يستطيع مخلوق أن يقف أمام التطور الطبيعى للتاريخ. فيا حكام العالم الثالث خذوا إجازة قصيرة لتقرأوا التاريخ وعودوا إلى بلادكم، ستجدون أن الحكم أسهل وأجمل، وسيكون فى وسعكم أن تناموا مطمئنين على شعبكم ووطنكم وأنفسكم، فاذهبوا الآن واقرأوا كتب التاريخ.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك


خالد منتصر - دان براون و«الأصل» - جريدة الوطن - 30/1/2018

أن تكتب رواية بدقة تجارب المعمل وبخيال وتشويق ألف ليلة وحسّ أجاثا كريستى البوليسى فأنت حتماً عبقرى وحكّاء بامتياز، وهذا هو دان براون فى أحدث رواياته «الأصل». كنا نظن أن «شفرة دافنشى» هى بيضة الديك، اتضح أن ما بعد «دافنشى» هو تحضير وتمرينات لياقة وتسخين للمباراة الروائية الكبرى «الأصل»، رواية ستحبس أنفاسك معها، يراوغك الكاتب فى كل فصل، لعبة استغماية روائية ومباراة شطرنج إبداعية بين «براون» وبين القارئ تصل به إلى قمة ذروة المتعة، دان براون فيلسوف فى ثوب روائى، يطرح موضوعاً شائكاً عن عالم ملحد «إدموند كيرش» سيطرح إجابة عن أهم سؤالين كونيين، من أين أتينا؟ وإلى أين نذهب؟! هو متأكد من أن هذا الطرح حتماً سيقوّض عروش رجال الدين من كافة الملل، يطرحه أولاً على ثلاثة من رجال الدين القسيس والحاخام والشيخ، ثم يخرج إلى العالم ليعلن اكتشافه أو إجابته الصادمة من أحد متاحف الفن الحديث فى بلباو بإسبانيا، يُقتل قبل أن يُنهى محاضرته ويعلن عن اكتشافه، القاتل معروف ومرصود، هو تابع لإحدى الكنائس المتشددة، لكن هذا القاتل الضابط البحرى المتقاعد، من الذى يحركه، هذه الدمية من يحرك خيوطها، هل هو القسيس مستشار ملك إسبانيا؟ هل هو الملك نفسه؟ هل هو ابن الملك الذى سيتزوج من مديرة المتحف الذى تمت فيه حادثة القتل؟
يهرب أستاذ ومعلم إدموند، وهو بطل روايات براون التقليدى، أستاذ فك الشفرات «روبرت لانجدون» ومعه زوجة ملك المستقبل من متحف بلباو، وتبدأ المطاردات البوليسية التى ليست مجرد ألاعيب أرسين لوبين أو تشويقات هيتشكوك، لكن هذا الكاتب الموسوعى يمنح تلك المطاردات عمقاً فلسفياً ونفَساً ملحمياً وأبعاداً أرحب بكثير من مجرد غرض الحبكة والجاذبية، يظل يستفز كسلك وخوفك من طرح تلك الأسئلة الوجودية، ويظل يسحبك تدريجياً، وبمهارة لاعب السيرك المحترف، إلى غابات القلق الإيجابى والشك الفعال، يرسم طوال الرواية لوحات روائية عن إسبانيا، وخاصة برشلونة، بدقة مدهشة تنفذ إلى ما وراء السطح، يختار مكان ذروة الصراع أعجب وأجمل كنيسة هناك، «لا ساجرادا فاميليا» التى صممها المعمارى العبقرى «جاودى». أظن، بل أنا على يقين، أن عدد سياح برشلونة سيتضاعف بعد تلك الرواية البديعة، سأترك لقارئى العزيز فرصة معرفة من هو المحرض؟ وما هى إجابات تلك الأسئلة الوجودية الصعبة؟ ما هو سقف العلاقة بين الملك والقسيس؟ إجابات لن تخطر على بال، ومحرض لن تستطيع توقعه مهما بلغت درجة ذكائك، وعلاقة ستصدمك بعنف. دان براون يجذبك ويتحداك ويستفزك فى نفس الوقت ويراقبك بضحكة ساخرة وشفقة إنسانية وأنت تلهث خلف الأحداث وتوقعاتك تنهزم بالتدريج وبالضربة القاضية فى لعبة تلك الرواية البديعة الشائكة الملتهبة.

Sunday, January 28, 2018

خالد منتصر - دليـلك للثقافة العلمية فى معرض الكتاب - جريدة الوطن - 1/27 /2018

أقل الكتب مبيعاً فى معرض الكتاب هى كتب الثقافة العلمية، لا أقصد بالطبع الكتب والمراجع الطبية أو الهندسية أو الكمبيوتر.. إلخ، التى يستخدمها الطلبة أو العاملون المتخصّصون فى هذه المجالات لزوم العمل والمصلحة المباشرة، إنما أقصد وأتحدّث تحديداً عن الكتب التى تتناول العلوم وتقدّم تاريخها وتشرح نظرياتها وإسهامات علمائها بأسلوب سهل يفهمه المتخصّص وغير المتخصّص، هذه الكتب للأسف تتوه فى وسط ركام كتب السحر والخرافة والشعوذة وعذاب القبر والثعبان الأقرع والنساء أكثر أهل النار.. إلى آخر تلك السلسلة من الكتب التى أراها تحمل فى أشولة وكراتين بالآلاف لتنتشر كالنار فى الهشيم فى المكتبات الصغيرة، فى حوارى مصر وأزقتها، والتى تبيع الكتب بجانب المسك والنقاب وحبة البركة. ولأنها مهمة صعبة أن أختار كتباً للثقافة العلمية، فسأُحدد لرواد المعرض الأعزاء قائمة مبدئية، قابلة بالطبع للزيادة، حسب اهتمامات كل شخص: «تاريخ موجز للزمن»، لستيفن هوكنج، الذى وزّع عشرة ملايين نسخة حتى الآن وترجمته عدة دور نشر عربية، أبرزها مجلس الثقافة الوطنى الكويتى فى سلسلة «عالم المعرفة». «الإسلام والعلم.. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية»، برويز بيود، ترجمة محمود خيال، المركز القومى للترجمة. «أعظم استعراض فوق الأرض»، فى جزءين، ريتشارد دوكينز، ترجمة د. مصطفى فهمى، المركز القومى للترجمة. «أجمل عشر تجارب»، دار «كلمة»، تأليف جورج جونسون، كاتب العلوم بـ«نيويورك تايمز»، ترجمة طارق عليان. سلسلة «ثمرات دوحة المعرفة»، وهى سلسلة رائعة صادرة عن أبوظبى، لو استطعت شراءها كلها فقد تحصّلت على كنز علمى رائع، اخترت لكم منها: «ما عمر الأرض؟» ترجمة فريد الزاهى، «ما الجينات؟» تأليف شارل أوفراى، وترجمة عبدالهادى الإدريسى، «ما النسبية؟» تأليف فرانسوا فانوشى، ترجمة عز الدين الخطابى. «الطفرات العلمية الزائفة»، لتشارلز وين، ترجمة محمد فتحى خضر، دار «كلمات عربية». «قصة أعظم مائة اكتشاف علمى على مر الزمن»، لكيندال هيفن، دار الزمان، سوريا. «أكبر خمس مشكلات فى العلوم»، آرثر ويجنز، ترجمة محمد العوجى، دار «كلمات عربية». «بلايين وبلايين»، كارل ساجان، المشروع القومى للترجمة. «كيف تهزم مرض السكر؟»، للدكتور صلاح الغزالى حرب، دار «العين». «الكبد.. سؤال وجواب»، للدكتور جمال شيحة، دار «العين». «السمكة داخلك»، نيل شوبين، دار «كلمة»، أبوظبى. «إصبع جاليليو.. عشر أفكار عظيمة فى العالم»، لبيتر أتكينز، ترجمة خضر الأحمد، دار «أكاديميا»، لبنان. «البدايات»، لإسحاق عظيموف، المشروع القومى للترجمة. «الدقائق الثلاث الأولى من عمر الكون»، ستيفن ونبرج، الدار المتحدة، سوريا. «تاريخ النشوء»، لهويمارفون ديتفورت، دار الحوار، سوريا. «تنينات عدن.. تأملات عن تطور ذكاء الإنسان»، لكارل ساجان، ترجمة د. سمير حنا صادق، عن المركز القومى للترجمة. «أصل الأنواع»، لداروين، وجميع الترجمات التى قدّمها راهب العلم الرائع المتبتل فى محراب العلم د. مجدى المليجى لكتب داروين الأخرى فى مشروعه الفكرى المهم. «الجينة الأنانية»، لريتشارد دوكينز، دار «الساقى». «النظرة العلمية»، برتراند راسل، دار «المدى».

محلل رئاسى لإنقاذ السمعة محمد سعد عبدالحفيظ - 27 يناير 2018 - الشروق

 خوفا من تصاعد الانتقادات الغربية الخجولة التى تعرضت لها القاهرة عقب إزاحة الفريق سامى عنان رئيس الأركان الأسبق على النحو الذى جرى من السباق الرئاسى، قرر مهندسو العملية الانتخابية البحث عن محلل يلعب دور المنافس فى «مسرحية» الانتخابات الرئاسية، لـ«إنقاذ سمعة مصر».


وبالتوازى مع صدور بيانات لشخصيات ومؤسسات دولية ونشر عدد من التقارير فى الصحافة الغربية تنتقد إقصاء وحصار المنافسين المحتملين للرئيس السيسى بهدف إخلاء الساحة من أى مرشح جاد قد يربك الحسابات، حاولت جهات رسمية منتصف الثلاثاء الماضى إثناء المحامى الحقوقى خالد على المرشح المحتمل عن قرار وشيك بالانسحاب من المعركة الانتخابية احتجاجا على ما جرى مع الفريق عنان.

وما بين طرفة عين وانتباهتها، غيَّر الله من حال إلى حال، فتحول خالد من «ممول عميل» إلى «شاب وطنى، ومشروع سياسى يستحق الاحترام والتقدير»، ووصل الأمر إلى تشجيعه وإغرائه باستكمال نماذج التأييد، وبالفعل أرسلوا إلى حملته 1200 توكيل معظمها من محافظة المنوفية، وفقا لمصدر بحملته الانتخابية.

خالد وحملته رفضوا العرض «الرخيص» وأصروا على الانسحاب لأن «الأجواء التى تشهدها الانتخابات لن تسمح بمنافسة نزيهة»، وبعد دقائق من إعلانه الانسحاب عاد المحامى الحقوقى مرة أخرى إلى مربع «الممول العميل» على شاشات فضائيات إعلام السلطة.

وأغلب الظن ان ذات الجهة التى طالبت خالد بالاستمرار فى الانتخابات، استأنفت رحلة البحث عن بديل جاهز يمنع من وجهة نظرهم الفضيحة التى تنتظر مصر لو انتهت الأمور بمنافسة الرئيس لنفسه، واتجهت أنظارهم إلى المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى، وتم الاتصال به بالفعل وعرض عليه الترشح ووعدوه بتذليل أى عقبات، لكن صباحى رفض مناقشة الأمر من أساسه وقطع الطريق على الشخصية الرسمية التى هاتفته مساء الأربعاء الماضى.

لم تمض دقائق حتى تفتق ذهن مهندسى العملية عن حل سحرى للأزمة المستعصية، «حزب الوفد العريق الذى أعلن قبل أيام تأييده لترشح الرئيس السيسى لولاية جديدة لن يبخل على مصر بتقديم مرشح لينقذ سمعتها ويقطع ألسنة الأدعياء المتندرين على أم الدنيا».

وفيما دارت ماكينة بمدينة الانتاج الإعلامى لتوجه قيحها للمرشح المختفى سامى عنان والمنسحب خالد على، لفّت ماكينة أخرى لتنصح حزب الوفد بضرورة إثراء الحياة السياسية والمشاركة فى العملية الانتخابية وتقديم مرشح رئاسى ليخسر أمام الرئيس.

بعد رفض هانى سرى الدين عضو الهيئة العليا للحزب التطوع لـ«المهمة انتخابات»، رسى المزاد على الدكتور السيد البدوى رئيس الحزب للعب الدور، «خوض الرئيس السيسى الانتخابات منفردًا قد يشكل خطورة على موقف الدولة المصرية أمام العالم.. ولازم نفضل مصلحة الدولة على مصلحة الوفد»، بتعبير ياسر الهضيبى عضو الهيئة العليا للحزب.
ورغم تقدمه لإجراء الكشف الطبى اللازم للترشح وظهور اسمه فى نماذج تأييد المرشحين فى الشهر العقارى لم يصبح السيد البدوى شحاتة مرشحا رسميا حتى كتابة هذه السطور، فالرجل ملاحق بعشرات الأحكام فى قضايا شيكات بدون رصيد وتبديد، قد تكون تلك الأحكام غير نهائية لكنها تفتح باب الطعن عليه أمام الهيئة الوطنية للانتخابات لعدم توافر شرط حسن السمعة، لكن كل شىء وارد «فالورق ورقنا والدفاتر دفاترنا»، على حد ما صرح به قيادى وفدى كبير للزميلة رانيا ربيع المحررة البرلمانية بـ«الشروق».

لم يدرك من خططوا لما جرى الأسبوع الماضى، أن ما أقدموا عليه للحفاظ على سمعة مصر جعل صورتنا السياسية «نكتة كبيرة»، فالعالم يضحك على مساخرنا كما لم يضحك من قبل.

كان مبارك ورجاله حريفة فى إخراج تلك المشاهد، فالأمر لم يخل من حوارات وطنية مع رموز المعارضة، وانتخابات رئاسية تعددية شارك فيها أيمن نور ونعمان جمعة والحاج أحمد الصباحى ــ رحمة الله عليه، ومكلمات عن الديمقراطية والمنافسة على شاشات الفضائيات، والكل بيتراضى.. الله يرحم أيامك يا أبوعلاء.

يا سادة لن تكتمل شرعية الرئيس ولن تنقذوا سمعة مصر بتقديم دوبلير يخسر أمامه فى الانتخابات.. فلا شرعية كاملة بدون حياة ديمقراطية سليمة.. لا شرعية بدون تداول سلطة سلمى عبر صناديق اقتراع شفافة.. لا شرعية بدون شفافية ورقابة ومحاسبة.. لا شرعية بدون إطلاق للحريات العامة.. لا شرعية بدون إعلام حر مستقل.. لا شرعية بدون تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة للشعب المطحون.

Saturday, January 27, 2018

كن رجلا وساعد زوجتك بقلم د. وسيم السيسى ٢٧/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


بدعوة كريمة من السيد رئيس الجمهورية لحضور مؤتمر- حكاية وطن- لمدة ثلاثة أيام، أترك لنفسى العنان حتى تعبر عما تأثرت به إلى حد كبير.
الجمال هو الصدق، وهل هناك أصدق وأشجع وأجمل من أن يعلن رجل.. أنه يساعد زوجته خصوصاً حين يكون العبىء ثقيلاً بعد زيارة الضيوف! أعطى السيد الرئيس مفهوماً جديداً للرجولة، شتان بين الرجولة والذكورة.. إنه درس حضارى عظيم:
كن رجلاً وساعد زوجتك
استمرت الحضارة المصرية القديمة آلاف السنين وذلك للمساواة المطلقة بين المرأة والرجل، كانت الابنه توزع الميراث حتى وإن كانت أصغر إخوتها الذكور.
كان رفاعة رافع الطهطاوى يقول: كن رجلاً واستمع لرأى زوجتك، فالرأى ليس فيه ذكر أو أثنى، بل فيه خطأ أو صواب! ملحوظة: التخلف العقلى فى الذكور ضعف التخلف العقلى فى الإناث.
أكد السيد الرئيس أنه لا أحد يقدر علينا ما دمنا كده! مشيراً بقبضة يده، وهذا صحيح، أذكر كتاب المطالعة ونحن أطفال، أب على فراش المرض، نادى أولاده الخمسة، وأعطاهم حزمة من خمس عصى «جمع عصا» وقال لهم حاولوا أن تكسروا هذه الحزمة فلم يستطع واحد منهم، ثم فرق العصى عليهم، لكل واحد عصا، وطلب منهم كسرها، فكسروها بسهولة!
هنا تحدث الأب: هكذا أنتم، لا يقدر عليكم أحد ما دمتم حزمة واحدة، فإن تفرقتم.. انكسرتم وانهزمتم!
قال السيد الرئيس: المسيحيون نفديهم بدمائنا، هذه قيم وأوامر ديننا. ما أجمل الصورة التى تعطيها يا سيادة الرئيس للإسلام السمح الجميل، وما أكثر الرعب الذى ينتاب الصهيونية العالمية من توحد شعبنا بأذنابها الخمسة: شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وكارثة الكوارث من الداخل.
هذا التواضع الجميل.. أنا لا أريدكم ورائى «هتف أحدهم: إحنا وراك يا ريس». أريدكم جنبى.. بل أمامى! أنا بكم وبدونكم لا أقدر أن أفعل شيئاً!
إن كل قيمة بدون تواضع لا تساوى شيئاً! العطاء بدون تواضع هو منّ ومرفوض! العلم بدون تواضع تعال ومرفوض.. إلخ.
وقبل أن تبدأ جلسة: اسأل الرئيس، كان بجوارى السفير بسام راضى المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية، قلت له:
كيف ننفق المليارات على مزارع سمكية ونحن لدينا بحار، وأنهار، وبحيرات؟ قال السفير بسام: لو كان فيها ما يكفى لما ذهب الصيادون المصريون إلى بحار إرتريا وعرضوا أنفسهم للمخاطر، أما بحيرة ناصر.. اليابان تصطاد التماسيح ابتداء من هذا العام! نسيت أن أسأله: ولماذا لا نصطادها نحن، خصوصاً أن جلودها أغلى جلود، ولحومها مطلوبة من دول كثيرة منها اليابان.
قلت له: المصانع المغلقة كالمحلة الكبرى مثلاً؟
قال: البنية التحتية أولاً، لابد من طرق ممهدة للصادرات والواردات.
بدأت الجلسة، كان السيد الرئيس موضوعياً مرحاً، تذكرت كلمات وليم شكسبير عن أحد السياسيين:
احذروا هذا الرجل.. إنه لا يضحك.. ولا يسمع الموسيقى!

العلاج بـ«الحب» إيمان مبروك ٢٧/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم







«الطاقة».. كلمة أصبح لها مفعول سحرى بعد أن أصبحت اتجاهاً عالمياً قائماً على دراسات وأسس علمية.
وتقول الدكتورة ماجدة سرى، خبيرة علم الطاقة والطب البديل، إن الطاقة السلبية التى تنعكس بسبب الحزن والاكتئاب تؤثر على صحة الإنسان وتضعف جهاز المناعة، وهو ما يجعلنا عرضة للأمراض فى فترات الحزن والأزمات النفسية، موضحة أن الطب الحديث ينكر هذه الحقيقة لأنه لا يمتلك إلا علاج الجسد، فربما يتمكن من تسكين الألم الجسدى وعلاج الأعراض ولكنه لم يعالج السبب الحقيقى الكامن فى مشاعر وأفكار سلبية وهو ما يقوم به الطب البديل.
وتضيف أن كل شخص تترجم مشاعره وأفكاره إلى طاقة تحيط به وتشكل المجال الذى يدور حوله، وتؤثر هذه الطاقة بشكل مباشر عليه وعلى المحيطين، فالطاقة عدوى تنتقل من شخص إلى آخر، ومن هنا يأتى علاج النفس قبل علاج الجسد وهو ما يقوم به الطب البديل أو العلاج بالطاقة الذى أصبح علما معترفا به فى العالم كله.
وتوضح «ماجدة» طريقة علاج تسمى الهوميوباثى أو المعالجة المثلية والطب التجانسى، وهو علم ليس حديثا مثل كل علوم الطب البديل، يقوم على فكرة محددة تسمى «قانون المتشابهات»، مؤداها أن المرض يمكن الشفاء منه عبرالمادة التى يمكن أن تسبب أعراضا مشابهة لأعراض المرض، وتوجد هذه المادة داخل الأعشاب والزهور، فنزلات البرد يمكن علاجها من خلال البصل الذى له أعراض مماثلة للبرد مثل الدموع، ويعمل هنا الهوميوباثى على علاج البرد بطاقة معينة موجودة داخل البصل.. وهكذا.
وتلفت إلى أهمية تحفيز الطاقة الإيجابية من خلال «الحب»، موضحة أن «الحب والتسامح والخير علاج للنفس والجسد، فإذا تمكن الشخص من تخطى الحزن بالتسامح والحب لن يحتاج لزيارة الطبيب»، وشبهت هذه الحقيقة بمرض السرطان، فالخلية السرطانية هى خلية كرهت الخلايا المحيطة بها وانشقت لتتكاثر بشكل سلبى يهاجم الجسم.
وتنصح بضرورة ممارسة هواية، خاصة أن أغلب المهام اليومية نشعر تجاهها بالإجبار وهو شعور سلبى ينمى الطاقة السلبية، ولكسره يمكنك ان تمارس هواية أو شىء تحبه ولو لساعة يومياً، وأضافت أن تربية الحيوانات تمنح الشخص طاقة حب تساعده على تخطى الأزمات، كما أن الزرع المنزلى طريقة فعالة لتحفيز الطاقة الإيجابية.

يهوديان يجتذبان ألفى شاب مصرى للتعرف على تُراث مصرى أصيل بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٧/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

نظم نادى حوار الأديان بالجامعة الأمريكية مُحاضرة لاثنين من اليهود المصريين للحديث عن ذكرياتهما وخبرتهما، كبقايا أقلية كان قوامها ثمانين ألفاً حتى الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨). ولم يعُد يعيش منها فى مصر غير ثمانية مُعمرين يتجاوز عمُر كل منهم سبعين عاماً.
والمُعمران اليهوديان هما ألبرت وماجدة هارون، اللذان يعيشان فى الإسكندرية، ويعتقدان أنه بموتهما الوشيك ستخلو مصر، لأول مرة خلال الأربعة آلاف سنة الأخيرة من اليهود. وهو أمر يُحزن ألبرت وماجدة كثيراً، فهما يؤمنان أن أرض الكنانة لابُد أن تحتوى أبناء كل الديانات السماوية والأرضية على السواء، كما كانت دائماً. فشعبها وثقافاتها كانا وينبغى أن يظلا يتسعان للجميع، ومتنوعان بكل المِلَل والنِحَل والأعراق، لأن ذلك هو الذى يُعطى مصر أصالتها، ومذاقها، وتفردها، وإبداعها فى العالم القديم والمُعاصر.
واستعرض ألبرت وماجدة ذكرياتهما كأطفال تعلموا فى مدارس كان أغلبية تلاميذها من المسلمين، وبعض الأقباط والجريك (اليونانيين) والأرمن والطُليان، وكيف كان التفاعل اليومى فى المدرسة وبين عائلاتهم خارج المدرسة أمراً عادياً متوقعاً ومرغوباً، خاصة أن السُكنى كانت فى شُقق للإيجار فى مبان مُتعددة الطوابق. وقالا إن الأفلام المصرية فى الثلاثينيات والأربعينيات عكست هذا الاختلاط المُكثف، وذلك العيش المُشترك، كما عكسها العديد من الأعمال الأدبية، دون تكلُف أو مُبالغة، وإن كانت لم تخل من الطرافة والفُكاهة، حينما تتطور قصص الحُب الرومانسية إلى مرحلة الرغبة فى الزواج. وأقرا بأن نسبة كبيرة من يهود ذلك الزمان، تحولوا إلى الإسلام أو ديانات طوائف مسيحية بروتستانتية، وهو أحد عوامل نُقصان أعداد اليهود المصريين إلى منتصف أربعينيات القرن العشرين.
أما العامل الأكبر فى ذلك النُقصان فهو هجرة معظم اليهود المصريين الذين كانوا يحملون جوازات سفر أوروبية. وكان ذلك فى البداية بسبب تأسيس إسرائيل وحربى ١٩٤٨ و١٩٥٦، وعدم تفريق معظم المصريين الوافدين حديثاً من الريف إلى المُدن، بين ما هو يهودى وما هو إسرائيلى. ثم كانت بعض سياسات وإجراءات مصر الناصرية الرسمية بين سنتى ١٩٥٦و١٩٦٧ هى المسؤولة الكُبرى عن الخروج الكبير لليهود من مصر.
ولكن المُتحدثان اليهوديان المصريان حرصا على تأكيد أن الأغلبية العُظمى من اليهود المصريين الذين خرجوا لم يذهبوا إلى إسرائيل، ولكن هاجروا واستقروا فى بُلدان أوروبية، أو فى الولايات المتحدة الأمريكية. وظلّت أقلية يهودية مصرية عتيدة فى مصر إلى اليوم، منها ألبرت وماجدة هارون، اللذان ظلا يُعاملان من أصدقائهما وجيرانهما المصريين المسلمين والمسيحيين نفس المُعاملة الطيبة الحنون!.
استغرق حديث ألبرت وماجدة حوالى الساعة فى إحدى أكبر قاعات الجامعة الأمريكية فى مقرها الجديد، بالتجمع الخامس. ولكن الأسئلة والتعليقات من الطلبة المُكتظين بالقاعة استغرقت أكثر من ساعتين، إلى أن أُصيب المُعمران اليهوديان بالإعياء وبحّة الصوت.
وكنت أنا وزوجتى المصرية – الأمريكية، نُنصت إلى ألبرت وماجدة كغيرنا من مئات الشباب فى القاعة بالكثير من الاهتمام والتعاطف. فنحن من جانبنا عاصرنا جزءاً من التاريخ الذى استعرضه ألبرت وماجدة، ولكن فخرنا الحقيقى كان بهذا الاهتمام البالغ والمُتعاطف من شباب مصريين يصغروننا بنصف قرن على الأقل. ولم نلمس فى أى سؤال أو تعليق أى ذرة من الازدراء أو الكراهية لليهود عموماً، أو تجاه المُتحدثين، ألبرت وماجدة. بل كان العكس هو الصحيح، حيث تساءل بعض الطلبة بكثير من الحُب والبراءة عن إمكانية عودة بعض، إن لم يكن كل، اليهود المصريين الذين هاجروا برغبتهم أو تحت ضغوط من السُلطة- إلى مصر. وأشار كثير منهم إلى أن أول معرفة لهم بتاريخ وثقافة المصريين اليهود، كانت من خلال المسلسل التليفزيونى «حارة اليهود» الذى عُرض منذ ثلاث سنوات، أو من الفيلم القديم (أبيض وأسود) بعنوان «فاطمة وماريكا وراشيل».
لقد كانت روح التعاطف والدفء فى تعليقات جيل الشباب المصرى الذى حضر ذلك اللقاء الفريد، مدعاة للفخر بوعيهم من ناحية، واستعدادهم الحقيقى للتعايش فى مجتمع مُتعدد الأديان والثقافات. فهذه ستكون لُغة وثقافة القرن الحادى والعشرين.
والسؤال الذى لا أملك عليه إجابة قاطعة هو: هل ما رأيته وسمعته من شباب الجامعة الأمريكية فى القاهرة، يُمثل كل أو مُعظم شباب مصر فى الجامعات الأخرى، أم أن تِلك شريحة طبقية أكثر تميزاً وانفتاحاً، وبالتالى أكثر قبولاً للتنوع والتعددية؟.
فى أمرمُتصل لمسته وأُعجبت به كثيراً منذ عِدة سنوات، أثناء زيارة لسويسرا، كانت إحدى القضايا التى دار حولها جدل ومُناظرات، كان الخوف على اندثار إحدى الأقليات، وهى الأقلية الرومانية السويسرية. وقد كانت أساساً أقلية لُغوية تتحدث لُغة خاصة بأبنائها وهى الرومانية، التى تختلف عن اللغات الثلاث الأخرى لمعظم السويسريين وهى الألمانية والفرنسية والإيطالية. ولم يكن يتحدث الرومانية إلا حوالى مائتى ألف سويسرى من مجموع سُكان سويسرا فى ذلك الوقت (٢٠٠٠)، وهو ثمانية ملايين، أى أقل من ٢ فى المائة. ولكن عددهم المُطلق ونسبتهم المئوية لإجمالى السُكان كانت فى تناقص مُستمر، لأن جل شبابهم كان يُفضل التعلم والحديث بإحدى اللغات الثلاث الرئيسية (أى الألمانية، والإيطالية، والفرنسية). ورأى المُثقفون السويسريون فى ذلك الوقت أن تلكم هى ظاهرة خطيرة، تُنذر بانقراض اللغة الرومانية وثقافة الرومانيين السويسريين. وهو الأمر الذى ينتقص من الأيديولوجية السويسرية التى تعنى سويسرا، كوطن مُتعدد الثقافات واللغات واللهجات (حتى داخل نفس اللغة). وبالتالى تسابق كبار المُثقفين والسياسيين السويسريين فى اقتراح الحوافز التى تُشجع السويسريين الرومانيين على الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم الرومانية، حتى لو تعلموا أو تعاطوا بأى من لُغات سويسرا الأخرى. فيا له من شعب عظيم.
وعلى الله قصد السبيل

Friday, January 26, 2018

خالد منتصر - محمد فاضل والدراما المبسترة - جريدة الوطن - 1/27 /2018

نفس مبررات الحفاظ على الهوية المصرية والثوابت... إلخ، هى الأسلحة التى قُمع بها المبدعون دائماً، وأنت كنت أحد ضحاياها. وتذكّر، لو كنت نسيت، السهرة التى أخرجتها لأسامة أنور عكاشة ومنعتها الرقابة وثرت وقتها ثورة عارمة رغم أن الرقابة كتبت نفس المبررات التى ذكرتها حضرتك فى مقالك. الدراما المعقّمة المبسترة التى تتمناها، أستاذ فاضل، هى صحيحة من وجهة نظرك فقط، ومن الوارد جداً أن يختلف معها مبدع آخر تجاوز تلك النظرة وذهب إلى مساحات إبداع مختلفة أحدث وأعمق وأكثر تأثيراً، والمثلية الجنسية فى الدراما ليست وظيفتك مراقبتها، ولكنها وظيفة جهاز معروف وقديم اسمه الرقابة على المصنفات الفنية فلا داعى للمزايدة وتداخل الاختصاصات، والمسلسلات الهاتفة التى تسمى حركياً «هادفة» والتى ناديت بها ونصحت المبدعين بتناولها وكأنهم فى كتّاب سيدنا وحضرتك معك فلكة الفن الهادف وبوصلة الإبداع المحافظ على الهوية، نصحتهم بمسلسل عن محمد صلاح وآخر عن حفر قناة السويس!! عظيم جداً وهى موضوعات مدعاة للفخر والاعتزاز، لكن حضرتك سيد العارفين هناك فرق بين هوية الدراما وهيئة الاستعلامات!! والفنان حر فى تقييمه للقضايا وأهميتها، من الممكن أن يرى أن قضية ساكن القبور أهم من حياة محمد صلاح من الناحية الفنية، هو حر. والسؤال: ما لكم كلجنة دراما وإيش أخشش حضراتكم؟! نحن لسنا فى حاجة إلى كتالوج محمد فاضل، ولا إلى باترون لجنة الدراما الشرعية الحلال، نحن فى حاجة إلى المزيد من حرية الفن لا إلى قمعه وللأسف قمعه بيد أبنائه تقرباً للسلطة وغزلاً فيما تتصور أنه سيرضيها ويقربهم منها، أما عن فرمانات محمد فاضل بمنع مطاردات الشوارع من الدراما فهى أشبه بفرمانات منع الملوخية والجرجير فى زمن الحاكم بأمر الله؟! مسطرة محمد فاضل الدرامية التى تباع فى الفجالة لم تعد تصلح لمقاسات دراما زمن «السمارت فون» الذى يأتى من «آبل»!! وكتاب أبلة نظيرة فى الطبخة الدرامية صار الآن فى مخازن متحف الشيف شربينى وبات منتهى الصلاحية، والدراما الجهاز الذى يستقبلها ويقيّمها هو جهاز العقل والوجدان وليس جهاز حماية المستهلك!!

خالد منتصر - حتى تحارب الشرطة الإرهاب لا الإرهابيين - جريدة الوطن - 1/26 /2018

كل عيد شرطة وأنتم بخير وطيبون، واحتفالنا بهذه المناسبة لا بد ألا يكون مجرد أغانٍ وقصائد شعر وتنويهات تليفزيونية وخطب منبرية، لكنه لا بد أن يكون وعياً ويقظة ومزيداً من تحسين الأداء والعمل على تحسين وتجويد ثقافة ضابط الشرطة المضادة للفكر المتطرف الإرهابى مثلما نحسّن ونجوّد من سلاحه المضاد للمتطرف والإرهابى، أنزعج كثيراً عندما أفتح حواراً مع ضابط شرطة فأجد خلفيته الثقافية والفكرية سلفية بامتياز، وقد حكى لى أحد أساتذة الأزهر المستنيرين حواراً صادماً أثناء ندوة له مع أحد الضباط من الرتب الكبيرة ظهر فيه اتجاه هذا الضابط السلفى المتشدد فكرياً، ما جعل هذا الأستاذ يتساءل وأتساءل معه كيف تسلل هذا الفكر إلى أدمغة بعض الضباط دون أن تكون هناك استراتيجية واضحة من وزارة الداخلية لمقاومته وكشفه؟!، جهد رائع يبذله ضباط الشرطة فى حربهم ضد الإرهابيين المجرمين القتلة، ولكى تكون حربهم تلك ضد الإرهاب كفكرة لا بد أن تتغير آليات المواجهة، لا بد أن يقتنع ضابط الشرطة أنه يطارد إرهابياً يحمل فى دماغه فكرة فاشية ولا يطارد تاجر مخدرات يحمل قطعة حشيش فى جيبه أو نشالاً يحمل طفاشة، لا بد أن يؤمن الضابط أن بذرة هذا الإرهابى فكرة ضالة ووهم مزمن ونص خاطئ التفسير وخطبة مسمومة المعنى وكتاب فاسد الكلمة، لا بد أن نفسر لهذا الضابط من خلال آلية طويلة المدى وخطة محكمة الترتيب ومنهج واضح المعالم، نشرح له لماذا يفجر هذا الإرهابى نفسه بتلك الثقة والسعادة والقناعة؟!، كيف تملكت من عقله ووجدانه تلك الفكرة الشيطانية؟، دورات المشايخ فقط غير مجدية، لا بد أن ينضم ويتصدى لتلك المهمة مثقفون وعلماء نفس واجتماع، لا بد من جلسات عصف ذهنى وغربلة أفكار حتى يشعر الضابط بخطورة هذا السرطان ولا يتعامل معه على أنه دور زكام!، لا بد أن نعترف أن هناك كثيراً من الأحداث الإرهابية التى قُتل فيها ضباط وجنود شرطة كانت بسبب تسريب معلومات من فرد داخل الجهاز إلى الإرهابيين، لم تحرك هذا الفرد الفلوس فقط، بل حركته الفكرة وحركه الانتماء الفكرى والعقائدى وعدم الاقتناع بأن هؤلاء المطاردين إرهابيون، للأسف هذا الشرطى الذى أبلغ وفتن مقتنع بأنهم مجاهدون ومظلومون، مطلوب جلسات عمل داخل وزارة الداخلية لوضع منهج ثقافى وفنى وإبداعى للضباط، ليست رفاهية ولا إضاعة للوقت، إنها قضية حياة أو موت.

Wednesday, January 24, 2018

خالد منتصر - هل الطقوس الدينية غاية أم وسيلة؟ - جريدة الوطن - 1/25 /2018

تحولنا إلى شعب الطقوس والشكليات الدينية، توارى صفاء ونقاء الضمير وتقدم الطقس الشكلى الضرير، بجلباب ولحية اعتقدنا أننا اشترينا الجنة، بنقاب وحجاب ظننا أننا احتكرنا الفردوس، أرسل د. أشرف منصور، أستاذ الفلسفة بحامعة الإسكندرية، رسالة عن هذا المعنى قائلاً:
هل ما يسمى بالعبادات، أى الطقوس والشعائر الدينية، غاية أم وسيلة؟ يعتقد معظم المسلمين أنها غاية فى حين أنها مجرد وسيلة. إذا كانت غاية فى حد ذاتها، فإن الفضائل الأخلاقية سوف تحتل المرتبة الثانية، بل سوف تتحول الطقوس إلى بديل للأخلاق، وسينظر من يؤدى الطقوس إلى نفسه على أنه أدى كل ما عليه كى يكون أخلاقياً، فى حين أن الطقوس الدينية شىء والأخلاق شىء آخر مختلف تماماً. الكثير من المسلمين يذهب للحج والعمرة تكفيراً عن ذنوبهم، ذنوبهم التى ارتكبوها فى حق الآخرين. إنهم يخطئون فى حق الآخرين ثم يطلبون المغفرة من الله. ماذا سيستفيد هؤلاء الآخرون من حجك وعمرتك وصلاتك بعد أن آذيتهم وأضررت بهم وفعلت فيهم الشرور؟ إن طلب المغفرة من الله على الذنوب التى ارتكبتها فى حق الآخرين هو نفاق وتزلف. قبل أن تطلب المغفرة من الله، اطلب المغفرة من الناس الذين آذيتهم، فهم وحدهم الذين يملكون مسامحتك. النظر إلى الطقوس على أنها غاية يعمل على انعدام القدرة على تمييز الأولويات الأخلاقية.
وعن هذا المعنى الذى يريد استعادة إنسانية الدين كتب عبدالرازق الجبران:
* كسبنا المصلين وخسرنا الصلاة، ارتفعت المعابد وهبط الإنسان.
* هل هو دين المعبد الأرستقراطى الذى جوع الناس، أم دين المعبد الذى يقدّم أحجاره لدفء الناس.
* ليست المشكلة أن الإنسان خرج على الدين، المشكلة أن الدين خرج على الإنسان.
* بدل أن يرفع الدين عبء الحياة، أصبح هو بذاته بنسخة الكهنة عبئاً على الإنسان.
* دمار الإسلام ليس مسئولية كيد الآخر كما تصر الجوامع والحركات الأصولية، وإنما مسئولية خيانة المسلمين، فالإسلاميون اليوم هم مَن شوه الإسلام لا العلمانيون.
* العودة لسلال الأنبياء وورودها ليست بالعودة إلى سلاسل الكهنة وقيودها.
* الدين ومذهبه ورجالاته غدوا أهم من الله فى بنية العلوم الدينية، ولكن دون تصريح!!.
* الناس أخذوا المعرفة الدينية بأنها الدين والإسلام، بينما كانت تلك المعرفة هى الحجاب الأساس للإسلام.
* التجديد بقى فى طبقة من طبقات الدين أو التراث، أما الطبقات الأعمق فالأعمق حتى الأسس الممثلة لجذور الانحراف، فهذا ما بقى بعيداً عن يد التجديد.
* لم يكن همّ النبى كيف يتعلم الإنسان علماً، بقدر ما كان همّه كيف يتعلم أن يكون إنساناً.
* دين الله ليس معابده، وإنما القيم التى أودعها فى الذات البشرية نفخة منه، والتى باستيقاظها، يغدو الفرد إنساناً.
* هل الإنسان هو قربان الدين؟
* على المعرفة الدينية أن تبحث عن الله فى الإنسان، حضور الله بالإنسان، الدين موجود فى الإنسان وليس فى الكتب.

Tuesday, January 23, 2018

خالد منتصر - الدواء به جهد قاتل - جريدة الوطن - 1/24 /2018

يدور جدل دائم ومزمن فى مصر كلما ظهرت بارقة أمل فى علاج أو دواء ما، وآخرها الجدل حول علاج السرطان بجزيئات الذهب، وتعجل تطبيقه على المصريين برغم أن الـFDA لم يعرض عليها الدواء حتى الآن، وبالتالى لم توافق، ومن أجل حسم هذا الجدل قررت الكتابة عن مراحل اكتشاف أى دواء جديد، وهذا بالطبع ليس كلامى، ولكنه كلام منقول من متخصصين «فارماكولوجى»، وكُتب مراراً وتكراراً، ولكن أحياناً التكرار والإلحاح، و«الزن» يفعل مفعول السحر.
بعد اختبارات الدواء على الحيوانات، وفى المعمل تبدأ اختبارات الأدوية على الإنسان لتقويم الفاعلية والأمان وكيفية الاستخدام تتكون من ثلاث مراحل أساسية، وخلال كل تلك المراحل يتم أخذ موافقة موثقة من كل متطوع فى تلك التجارب، تتم اختبارات المرحلة الأولى عادة على صغار فى السن من البالغين فوق سن العشرين، الذين يتمتعون بصحة جيدة، لكن فى حالات معينة يُمكن إجراؤها على الأصحاء ممن عمرهم دون الثمانين، أو ربما مرضى حقيقيون، مثل اختبارات أدوية معالجة السرطان، وغالباً ما تُجرى اختبارات المرحلة الأولى على عدد محدود من الناس، والهدف الرئيسى من هذه المرحلة هو معرفة معلومات أكثر عن كيميائية الدواء الحيوية، وكيفية آليات عمله فى الجسم، وتفاعل الأنظمة الكيميائية الحيوية فى الجسم معها، فى المرحلة الثانية، يتم وضع تصميم دراسة مقارنة صغيرة العدد، بغية التعرف على مدى فاعلية الدواء فى المعالجة، وأيضاً مدى الأمان النسبى لاستخدام البشر له، ولذا فإنها تتم على مرضى يخضعون لمراقبة شديدة للحالة المرضية التى لديهم، كمتابعة مؤشرات وظائف الكبد، وعمله فى الجسم والتقويم السريرى لحالة مجموعة من مرضى الكبد، وذلك عند اختبار دواء لمعالجة الكبد مثلاً، والمهم ألا تشمل مجموعة المتطوعين لتلقى العلاج من لديهم حالة مرضية شديدة، أو أن ثمة احتمالاً كبيراً أن يُؤدى تناول العقار إلى تدهور حالتهم الصحية أو تهديد سلامة حياتهم، كما أنه من المهم أيضاً أن يقوم باحثون متمرسون فى هذه التجارب، بمعالجة الحالات المرضية تلك، والغاية من وراء هذين الأمرين تحقيق أكبر قدر ممكن من أسباب سلامة المتطوعين فى الدراسة، ومن النادر أن يتجاوز عدد المتطوعين فى هذه الدراسات 100 أو 200 شخص ككل، أى ما بين مرضى يتلقون العقار الجديد، ومجموعة المقارنة من مرضى لا يتلقونه، وتُصمم الدراسة بطريقة تُسمى ثنائية عدم المعرفة أو العمى، أى أن لا الطبيب الذى يُقدم الدواء ولا المريض يعلم أنه يأخذ العقار المراد اختباره، أم أنه يأخذ حبوباً مزيفة من السكر أو النشاء أو غيره. وهذه الطريقة تجعل من الصعب حصول احتمالات فى التأثير تلغى قيمة النتائج، أى أن تكون الفائدة أو الضرر من تناول العلاج المُراد اختباره حصلت نتيجة للصدفة أو غيرها، أما فى المرحلة الثالثة، فيتم إجراء دراسة موسعة، وتتم بعد التأكد من فاعلية الدواء وتحديد الحالات التى يُمكن أن يُفيد فيها. والمقصود الرئيسى من تجارب المرحلة الثالثة هو تقويم نتائجها لمعرفة مدى الفاعلية للدواء بشكل أكثر دقة عبر استخدام مجموعة واسعة من الناس أو المرضى له. إضافة إلى معرفة أوسع باحتمالات الآثار الجانبية وأنواعها على أجهزة وأعضاء شتى فى الجسم، ولذا تشمل اختبارات هذه المرحلة بضع مئات إلى بضعة آلاف من الأشخاص، الموافقة النهائية وبعد الفراغ من دراسات التجارب وقناعة الجهة العلمية أو التجارية بجدوى الدواء الجديد فى معالجة أمر معين، فإنه يتم تقديم طلب إلى الهيئات الصحية المشرفة على إعطاء الإذن القانونى باستخدام الأدوية، ويتضمن الطلب كل المعلومات، والنتائج التى توصل إليها الباحثون وكيفية إجرائهم للتجارب والاختبارات تلك، وداخل أروقة تلك الهيئات يتم إعادة تقويم لكل المعلومات وكيفية التوصل إليها من قبل لجان علمية طبية، وبالنتيجة لذلك تُعطى إما الموافقة، أو يُرجأ البت إلى حين استكمال توفير معلومات تُطلب من قبل اللجان للتأكد من جوانب عدة، أو يتم رفض الدواء. متوسط المدة الزمنية، من حين نشوء الفكرة إلى أخذ الموافقة النهائية على استخدام الدواء، للمراحل تلك يتراوح ما بين 8 إلى 10 سنوات، وربما أطول، لكن تظل هناك فى حالات خاصة بعض الطرق الأسرع فى التجارب وإجراءات الموافقة، مثل حين مواجهة الأوبئة أو حالات تتطلب البدء بالمعالجات، وحتى بعد توافر الدواء فى الصيدليات والمستشفيات، والبدء فى استخدامه على نطاق واسع فى العالم، فإن ثمة متابعة من قبل الهيئات الصحية لمفعوله أو آثاره الجانبية أو ظهور أى من الضوابط الجديدة للاستخدام، بل ربما يتم سحب الدواء من الأسواق لأسباب ضرورية.
بعد أن نقلنا كلام الخبراء والمتخصصين نقول فى النهاية إن تلك المراحل البحثية الطويلة الحازمة الدقيقة ليست تعنتاً ولا هى من قبيل الغلاسة والرخامة العلمية إنما هى التزام بمنهجية العلم ورصانته للحفاظ على صحة الإنسان.

فى ذكرى «٢٥ يناير»: لماذا لم تحقق أهدافها؟ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٣/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

«٢٥ يناير» مثلها مثل كل الثورات الكبرى فى التاريخ لم تحقق أهدافها بالكامل ولكنها بالتأكيد حققت بعضاً منها. ولْنتذكر أن أعظم ثورة فى التاريخ، وهى الثورة الفرنسية، حققت أهدافها بعد عدد كبير من السنوات، وانتشرت أفكارها لتغطى القارة الأوروبية ولتنتشر فى العالم كله.
فى العصر المصرى الحديث هناك ثورتان شعبيتان حقيقيتان، الأولى هى ثورة ١٩١٩ التى غطَّت مصر كلها وكانت ثورة مصر ضد الاحتلال الإنجليزى لتنال حريتها واستقلالها، وهو ما حدث جزئياً: اكتسبت مصر دستوراً متقدماً بمقاييس ذلك الزمان وبرلماناً محترماً بمقاييس هذا الوقت، واضطر الإنجليز إلى إعطاء تنازلات تلتها تنازلات انتهت بإلغاء الامتيازات الأجنبية وخروج الجيش الإنجليزى إلى منطقة السويس، وحدث تقدُّم فى تكوين النقابات والجمعيات الأهلية والمشاركة المجتمعية والتعليم والفنون والآداب أدَّى إلى نهضة مصرية حديثة لم تكتمل بالعدل الاجتماعى.
فى عام ١٩٥٢ قام الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر بالاستيلاء على الحكم باسم «الحركة المباركة» التى تحولت إلى تحرك شعبى واسع بعد أن استطاعت أن تقود حركة التحرر من الاستعمار فى مصر والمنطقة بشجاعة كبيرة، واستطاعت أن تحقق قدراً كبيراً من العدل الاجتماعى واكتسب زعيمها شعبية فائقة مستمرة حتى الآن، ولكنها انتزعت من المصريين حريتهم وقدرتهم على الابتكار وزرعت الخوف فى قلوبهم وسجنت مفكريهم، وسحقت الديمقراطية، فكانت هزيمة ١٩٦٧ المريرة التى قضت على معظم مكتسبات ٢٣ يوليو، لأنها لم تجد تنظيماً ديمقراطياً حراً يدافع عنها.
«٢٥ يناير» ثورة شعبية قامت بها أساساً الطبقة الوسطى من جميع الأعمار وإن كان الشباب وقودها. هى ثورة أساساً تطالب بالحرية والديمقراطية والعدل بجميع أشكاله بما فيها العدل الاجتماعى، ولكن لم يكن لها قيادة واضحة ولا تنظيم حقيقى، وكانت تضم جميع الأعمار وجميع الأفكار واستمرت حتى ٢٨ يناير ثورةً سلميةً تبغى الإصلاح. يوماً بعد يوم ارتفع سقف المطالب ولو كان مبارك أقال العادلى يوم ٢٥ يناير لانتهت الثورة ولو كان أعلن عدم ترشحه هو وابنه بعد ٢٨ يناير لانتهت الثورة جزئياً، ولكنهما الغباء والجنون اللذان يسيطران على كل ديكتاتور فى التاريخ فيتخيل أنه يمثل الحق وأنه قادر على كل شىء إلى أن تأتى لحظة يكتشف فيها الحقيقة.
اتخذت الثورة مساراً آخر ابتداءً من عصر ٢٨ يناير حين دخل الإخوان إلى الساحة بعد أن أعلنوا قبل ٢٥ يناير أنهم لن يشاركوا ولكنهم اشتركوا حين شاهدوا جموع المصريين كلها مشاركة وحققت انتصاراً فدخلوا بتنظيمهم الرهيب، وبالرغم من قلة عددهم نسبياً فإنهم استطاعوا أن يسيطروا على مسار الثورة ودخلوا فى مفاوضات مع عمر سليمان وخانوا الثورة من أول لحظة وبدأوا حرباً بينهم وبين الشرطة انتهت بإحراق الأقسام وفتح السجون وإخراج المسجونين، ومنهم قتلة السادات، وأيضاً الجنائيون، فتحولت الثورة السلمية إلى دموية قُتل فيها الكثيرون ودخل البلطجية مدفوعين ببعض رجال الحزب الوطنى والمسجونون الجنائيون فى معارك مع الناس لعلهم يستعيدون أماكنهم وسلطتهم فعمت الفوضى.
الجيش المصرى كان رافضاً التوريث بوضوح، وأعلن أنه لن يدخل فى معركة مع الشعب، ولكن دخول الإخوان حوَّل ثورة سلمية إلى معركة حربية. واستطاعوا أن يجذبوا بسهولة جحافل السلفيين التى كانت تأتمر بأمر الأمن، وفجأة أصبحوا ذيولاً للإخوان. ما تلا ذلك كان معركة بين الإخوان بعد أن استولوا على الحكم ضد من قاموا بثورة يناير وساندهم حزب الكنبة الكبير والبيروقراطية المصرية على المستويات كافة حتى سقط الإخوان.
هناك دروس مستفادة:
١- أن القوى المدنية المصرية هى صاحبة النهضة والأكثر تعليماً وفهماً، وهى وقود الحكومات المختلفة وقائدة العلم والتصنيع والزراعة والفن والأدب والتعليم من ثورة ١٩١٩ حتى الآن، ولها الدور الأكبر فى تقدم مصر ولكنها غير قادرة على حكم مصر وحدها لأنها غير منظمة ولا يجمعها فكر واحد، ولكن أى نظام لا يعتمد على دعمها الكبير من المستحيل أن يستمر.
٢- أن الإخوان المسلمين بالرغم من أن عدد كوادرهم وأعضائهم الفاعلين ليس ضخماً فإن التنظيم الحديدى والقدرة على الإقناع باستخدام الدين يجعلانهم أكبر قوة فى مصر فوق الأرض وتحت الأرض عند اللزوم.
٣- فى ٣٠ يونيو خرجت ملايين المصريين ضد الإخوان وكانت قادرة على إزاحتهم ولكن بحمامات دم كبيرة وقتل عشرات الآلاف من المصريين فى حرب شوارع، ولكن الجيش والشرطة ثبت أنهما الوحيدان القادران على كبح جماح الإخوان.
٤- نزعت الثورة عامل الخوف من المصريين؛ فالآن هم لا يهابون شيئاً، وفى النهاية سوف يجبرون أى سلطة على التعاون مع القوى المدنية. حققت الثورة أيضاً دستوراً عظيماً، وأى محاولة لإلغائه أو تفريغه من مضمونه سوف تلقى مقاومة وغضباً، وسوف تفشل ولو بعد حين مثلما حدث لدستور ١٩٢٣ الذى تم تغييره بقوى ديكتاتورية عام ١٩٣٠ ولكنه عاد بعد غضب شعبى عارم.
لقد تغيَّر الشعب المصرى تماماً، وساعد فى تغييره أن التواصل عبر الفضائيات الدولية والإنترنت جعل كبح جماح أى شعب مستحيلاً، فإن سيطرة قوة واحدة على مقدَّرات مصر نهايتها مفجعة للجميع، وأنا أدعو الجميع لقراءة متأنية للتاريخ ليعرفوا أن النهاية كارثية إن لم يحصل الشعب على حريته ويشارك فى صنع القرار.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


خالد منتصر - رسالة إلى البابا.. لافتة الإنسانية قبل لافتة الكنيسة - جريدة الوطن - 1/23 /2018

«أحذر الكهنة من القسوة مع الفقراء»، عبارة قالها البابا تواضروس عند زيارته كلية الصيدلة التى تخرّج فيها وأعلن عن أنه التحق بها نتيجة ما شاهده من معاناة والده مع مرض السرطان، وأشكره على تلك النصيحة العظيمة والرائعة، لكنى كنت آمل فى أن يوجه قداسة البابا النصيحة نفسها إلى الكهنة من مساعديه الذين عطلوا افتتاح مستشفى على أحدث مستوى عالمى نتيجة عنادهم وإصرارهم على وضع لافتة الكنيسة عليها ونقل الملكية إليهم!!، مستشفى بنى مزار الذى جمعت مؤسسة راعى مصر تبرعات من جميع أنحاء العالم وبمئات الملايين فى رحلة تعب وضنا استغرقت سنوات حتى وصل هذا الصرح الطبى إلى هذا المستوى الراقى https://www.youtube.com/watch?v=50XgAZ1tGWg، هذا العناد أوصلنا الآن إلى أن هذا المستشفى تم تسريح 80% من طاقمه الطبى والفنى وظل فقط من يضيئون المكان ويحرسون الأجهزة الخرساء والعيادات المشلولة، الأجهزة الطبية التى تكلفت الملايين يعلوها الصدأ، العيادات التى تعالج بالمجان مغلقة، المبانى تنعى من بناها، الجدران لا تُردد سوى صدى صوت أنّات المعذّبين وآهات ألمهم المزمن وعذابهم المقيم وغلبهم الذى صار كالوشم، قدرياً كمآسى الإغريق، ومما جعل طعم المأساة أكثر مرارة والجرح أعمق ألماً، أن من وظيفتهم الطبطبة على الروح ومسح الدمع وتخفيف الألم واحتضان المحتاج الملتاع، هم الذين يقفون سدّاً منيعاً أمام بناء ذلك المستشفى، والسؤال للبابا تواضروس الذى قال ترسيخاً للمواطنة عند احتراق كنائس المنيا جملته الرائعة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، سؤال بسيط ومشروع: «هل لافتة الكنيسة أهم من لافتة الإنسانية؟، وهل الصراع على عقار مبنى ليمتلكه رجل دين أهم من منح عقار دواء لينقذ شعب رجل الدين؟!!»، وكما تذكر البابا دموع والده مريض السرطان وهو يتألم براً بمن رباه وعلمه، عليه أن يتذكر أيضاً دموع الغلابة فى المنيا وهم يدقون أبواب المستشفى ولا يجدون إلا خواء صمت وأطلال خرابة وخرس لوعة براً وعطفاً على شعبه وأبنائه من الملتاعين الذين لا يجدون كسرة الخبز فما بالك بثمن العلاج!، أبواب تحلم بمن ينفخ فيها الروح ثانية ويعيد إليها نبض الحياة وبريق الأمل لا وجع الألم، قلبى موجوع وأنا أرى هذا المشروع وهو يُدفن حياً فى مقبرة العناد، ومتأكد من أنك تشاركنى نفس الوجع والهم، سبعة أدوار فى أفضل مكان فى مدينة بنى مزار بالمنيا (على بُعد نحو 250 كيلو من القاهرة ونحو 200 كيلو من أسيوط)، 220 سريراً، 16 عيادة، 3 غرف عمليات مجهزة على أحدث الأنظمة، علاج طبيعى، 21 حضانة أطفال، رعاية حرجة، رعاية حرجة للأطفال، غسيل كلوى، قسطرة القلب.. إلخ، كل هذا فى لحظة يصبح سراباً.. وهماً، ومن أجل ماذا؟، من أجل صراع على توقيع ملكية!، علمتم الناس أن السبت من أجل الإنسان، من أجل سعادته وخدمته وصحته ورفاهيته، وليس الإنسان فى خدمة السبت!، فلماذا نُصر الآن على كتم أنفاس هذا المشروع العملاق وجعل المريض يموت على عتبات السبت يستجدى من الكاهن قبلة الحياة وإمضاء الشفاء!، رجاء وطلب وأمل وفتح طاقة نور من البابا تواضروس، أرجوك فلتذهب لافتتاح مستشفى راعى مصر ببنى مزار اليوم قبل غداً، وسنذهب معك جميعاً مثقفين ومبدعين إلى المنيا التى احترقت كنائسها ولم تحترق عزيمة وإرادة أبنائها، لنثبت للعالم أننا كمجتمع مدنى، المسيحى مع المسلم، ليس لنا إلا علم واحد هو علم مصر، ونشيد قومى واحد هو بلادى مصر، ويد عطوفة واحدة هى يد الخير تمتد لكل مصرى وترتفع فوق الصغائر.

Monday, January 22, 2018

خالد منتصر - وزير الصحة وجزاء سنمار وحركات الاستعراض - جريدة الوطن - 1/21 /2018

وصلتنى رسالة من أستاذ فى قصر العينى لا يعمل فى مستشفى السلام، وفضل عدم ذكر اسمه، الرسالة عن موضوع إغلاق مستشفى السلام بقرار وزير الصحة، وتلقى الجراح العبقرى مصطفى محمود جزاء سنمار، ومستعد لتلقى رد الوزير على تلك الرسالة، يقول الأستاذ:

مستشفى السلام تصرف بصورة صحيحة، ولكن الوزير هو من يزايد ويرتدى ثوب البطولة، المريض تم بتر يده فى حادث فتم حفظها فى الثلج، وتوجهوا إلى مستشفى السلام فتم إجراء جراحة ميكروسكوبية صعبة ومعقدة جداً، وكما تعلم عن ذلك النوع من الجراحات فإنه أصعب وأعقد أنواع الجراحات، حيث يتم إعادة توصيل الجلد والعضلات والأعصاب والشرايين والأوردة بواسطة فريق طبى متخصص جداً وتصل تكلفتها إلى نحو أربعمائة ألف جنيه، ولم يكن معهم المبلغ طبعاً فكتبوا إيصال أمانة به للمستشفى، ولما تمت العملية بنجاح رفضوا إعطاء المستشفى أى شىء وتذرعوا بحجة أنها حالة طارئة فى أول ثمانية وأربعين ساعة! وطبعاً تلك العملية ليست طارئة أبداً بل متخصصة وذات مهارة خاصة جداً، وأى مستشفى آخر لم يكن ليجريها أبداً لصعوبتها الخارقة وندرة جراحيها الذين يعدون على اليد الواحدة، وكانوا سيجرون فعلاً الإسعافات الأولية فى فترة أول يومين مجاناً ثم يتم تركيب طرف صناعى بعد أسابيع، وساعتها كان المريض سيدفع ثمن الطرف الصناعى دون أية مشكلة. ويقال إن من شجع أهل المريض على تلك الفعلة التى ينطبق عليها المثل القائل (خيراً تعمل شراً تلقى) أن المريض قريب لأحد أعضاء مجلس الشعب الذى اتصل بالوزير فتحمس وقام بتلك الحركة العنترية وهى إغلاق المستشفى، رغم أنه أصلاً جراح عظام ويعلم أن تلك العملية ليست طوارئ على الإطلاق ومتخصصة جداً ومعقدة جداً ومكلفة جداً، وبدلاً من إغلاق المستشفى بسبب إيصال الأمانة كان الأفضل توجيه الشكر له ولإدارته واستصدار قرار علاج للمريض على نفقة الدولة لإعطاء المستشفى حقه، وفى نفس الوقت تكون فرصة ثمينة للدعاية للسياحة العلاجية التى كانت أهم أنواع السياحة فى مصر والتى تحتضر الآن للأسف بسبب تلك القصص المؤسفة لصالح مستشفيات السعودية ولبنان والأردن! فأى مجنون يأتى ليعالج فى مصر وواحد من أهم وأكبر مستشفياتها يتم إغلاقه من وزير الصحة ودون إبداء أسباب واضحة أو تحقيق معلن شفاف؟! وسيتحول الموضوع فعلاً إلى بلطجة، حيث سيعالج مرضى كثيرون فى أول يومين ويرفضون دفع مليم، مما يهدد معظم المستشفيات الخاصة بالإغلاق أو العجز على المدى البعيد من الاستمرار فى أداء الخدمة؛ لأن الدولة التى تبدو فى ثياب الملائكة من منعها من تقاضى أموال أول يومين يجب عليها تدبير تلك الأموال للمستشفيات بدلاً من مرضى الطوارئ، لأن الخدمة مكلفة بطريقة رهيبة ولا توجد موارد عند المستشفيات لتعويضها ولا الدولة تعوضها بمليم واحد، فينتهى المطاف بتلك المستشفيات طبعاً إلى إغلاق أقسام الاستقبال والطوارئ بها لتفادى بلطجة الدولة والمرضى، وستكون الكارثة أيضاً على الدولة والمرضى!

Saturday, January 20, 2018

فكان الحل: هذه أوامرالله! هيجل بقلم د. وسيم السيسى ٢٠/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


بدعوة كريمة من كلية طب جامعة القاهرة قسم الأمراض النفسية، لإلقاء محاضرة بعنوان: Me And Us In Ancient Egyptian Civilization أى الأنا والنحن فى الحضارة المصرية القديمة.
لوسى Lusi هيكل عظمى وجده العلماء فى نيوبيا منذ أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة، كما وجدنا هيكلاً عظمياً آخر عمره ثلاثة ملايين ومائتا ألف سنة، سماه العلماء: آردى Arde.
هذا المخ القديم للإنسان Paleo- Brain هو مخ الغرائز.. مخ «الأنا».. مخ غريزة بقاء النوع Sex، غريزة الأمومة، غريزة الغضب والعدوان والدفاع عن النفس، غريزة الاستيلاء على ما للغير، غريزة الغيرة على الأنثى وعلى الأرض والمال، هذا المخ القديم هو الأنا.
تطور.. هذا المخ عبر ملايين السنين، وكبرت الفصوص الأمامية The Tow Cerbral Hemespheres وأصبح اسمها المخ الجديد أى العقل الجمعى.
تطور هذا المخ الجديد من مخ لوسى وآردى، إلى مخ إنسان بكين المنتصب القامة إلى مخ نياندرثال إلى مخ جاوه وسومطرة، إلى مخ إنسان الكروماجنون «جنوب فرنسا» وعمره واحد وأربعون ألف سنة ونصف (كربون ١٤)، وهذا المخ الجديد مثل مخنا الحالى حجماً، وهو الوعاء الذى يتلقى ويعى كل ما يخص الـ «نحن» الجمعى من قانون القبيلة أولاً ثم مبادئ الأخلاق والحضارة بعد ذلك.
يحدثنا جانونج فى كتابه «وظائف الأعضاء الطبية»، أن الخيوط العصبية بين المخ الجديد «الفارس»، المخ القديم «الحصان»، قليلة جداً، فيقول: إنه فارس على ظهر حصان قوى وبدون لجام، أى أن سيطرة بضعة آلاف من السنين، ضعيفة جداً أمام ملايين السنين.
انتهى عصر السافانا.. العصر المطير، العصر الحجرى القديم الذى استمر مليونى سنة، وبدأ عصر الجفاف ١١ ألف سنة فى العصر الحجرى الوسيط ثم الحديث، فتجمعت قبائل السافانا المصرية حول نهر النيل، وكانت أقوى قبيلتين ١- نيلوس ٢- جبتانا فكانت أسماء النيل واسم إيجبت كتاب مانيتون «جيبتانا». بدأت الزراعة، ومن الزراعة كانت الصناعة ومن الاثنتين كان الماء، الغذاء والكساء والبناء، والبردى، وأقلام البوص والحبر من نبات النيلة، والكتابة، والخلود!
تكونت أجهزة إدارية، لتوزيع المياه والأجور، الشرطة، الجيش، فعرف المصرى القديم أن الحضارة تقوم على النحن الجمعى لا الأنا الفردية، أنا وأنت حتى نزرع، ونحصد، ونصد خطر الفيضان، يقول هيجل إن الحضارة تقوم على ١- بنية تحتية Infra- Structure وهى الزراعة والصناعة.
٢- بنية فوقية Supra -Structure ألا وهى قانون الأخلاق.
لذا كان قانون الأخلاق فى مصر القديمة هو نور العالم كله حتى الآن، حتى إن عمدة برلين كاريدت شوبارت: كيف كان سيكون شكل العالم اليوم، لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة، كما يعبر عنها عالم المصريات البريطانى، والاس بادج: نحن فى حاجة إلى قرنين من الزمان حتى نصل إلى هذا المستوى الرفيع من الحضارة الإنسانية.
يقول هيجل: وقع اليهود فى مأزق كبير، ليس لديهم زراعة أو صناعة أى بنية تحتية، فكان الحل هو: هذه أوامرالله!!

خالد منتصر - عبدالرحمن الشرقاوى والاختيار الذكى - جريدة الوطن - 1/20 /2018

أحسن د. هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب، صنعاً باختيار الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى شخصية المعرض لهذا العام، اختيار ذكى له دلالة قوية ويبعث برسالة مهمة، وهى أن الثقافة ليست لحظة فوران سرعان ما تخمد، بل إنها معركة طويلة ضد الجهل والتخلف، وأن معرض الكتاب هو رسالة تنوير تستفز وتوقظ وتحفّز وتحرّض، وليس مجرد رفوف عليها كتب خرساء فى قاعات للبيع والشراء، فقد عاش «الشرقاوى» حياته كلها من أجل إرساء قيمة الحرية، لم يبع قلمه ولم يؤجر عقله وثقافته شقة مفروشة لشخص أو نظام، خاض معركة الحرية وصوته من دماغه ورزقه تحت ظل قلمه الحر الأبىّ فقط، ليس على مستوى المضمون الذى يكتبه فحسب، ولكن حتى على مستوى الشكل، فقد خاض تجربة الشعر الحديث والشكل الجديد لقصيدة النثر، ربما قبل كل الأسماء التى صارت بعد ذلك من روّاده، سواء فى مصر أو العراق، وكان النموذج المحتذَى قصيدته الشهيرة «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان». وعلى مستوى المسرح الشعرى فقد كانت نقلته نوعية ثورية تجاوزت شوقى وعزيز أباظة، وظهرت فيها حيوية الدراما، وصارت مسرحاً شعرياً وليس شعراً ممسرحاً!
وعلى مستوى الشكل الصحفى كان تعاونه مع الرسام حسن فؤاد فى مجلة «الغد»، وهو ما زال فى العشرينات، يدل على رؤيته المستقبلية لشكل الصحافة الذى سيحتل فيه الرسم والصورة المكانة الأهم، وكان الشرقاوى، صاحب رواية «الأرض»، هو الفلاح صاحب مشتل بذور الكتابة الجديدة، ففى مجلتَى «الغد» و«الفجر الجديد» ظهرت وكتبت تقريباً كل أسماء الستينات اللامعة فى القصة والرواية والشعر والمسرح، أما فى الكتابات الإسلامية فقد كان متفرداً صاحب منهج مختلف فى تناول الشخصيات الإسلامية، ولا يمكن أن ننسى زاوية الرؤية الطازجة البكر فى كتاب «محمد رسول الحرية»، والدراما الملحمية فى مجلده الضخم «على إمام المتقين». الحرية دائماً كانت هدفه ومبتغاه، وأيضاً كانت خنجره الذى طعن به فى معارك كثيرة أثخنت روحه المتوثبة بالجراح، دخل معركة مع نظام عبدالناصر حين انتقد قرار حرب اليمن فى مسرحية «الفتى مهران»، خاض معركة مع مؤسسة الأزهر حين رفض شيخ الأزهر عبدالحليم محمود عرض المسرحية بعد أن كادت تخرج إلى النور، وبعد أن أنهى المخرج كرم مطاوع البروفات واختار عبدالله غيث لبطولة المسرحية تم منع المسرحية ولم تُعرض حتى الآن، وظلت وشماً قبيحاً ووجعاً مخجلاً فى جسد الثقافة المصرية، المعركة الثانية كانت مع السادات وتوصيف الشرقاوى لانتفاضة يناير، فقد كان الشرقاوى رئيساً لمجلس إدارة «روز اليوسف» وقتها، وأصدر السادات قراره بعزل رئيسَى التحرير صلاح حافظ وفتحى غانم لقولهما إنها انتفاضة شعبية، كان الشرقاوى بذكائه ورفعه لسقف الحرية قد رفع توزيع «روزا» من خمسة آلاف نسخة إلى ما يزيد على مائة ألف نسخة، وخاف السادات من هذا التأثير المذهل، أصر الشرقاوى على عدم عزل حافظ وغانم، فعزله السادات من مجلس الإدارة، واغتيلت روز اليوسف وقتها بتعيين مَن أعادها إلى زمن الخمسة آلاف نسخة.
عبدالرحمن الشرقاوى ثورة مسرحية وشعرية وروائية وصحفية وسينمائية، وقبل كل ذلك ثورة إنسانية، فقد كان إنساناً جميلاً عاش حياة قصيرة لكنها حياة ثرية معطاءة تركت بصمة عميقة فى القلب والعقل لدرجة أننا ما زلنا نتذكره بنفس قوة الحضور ورائحة عطر الوجود بعد أكثر من ثلاثين سنة على وفاته فى أكبر محفل ثقافى عربى وهو معرض الكتاب.

Friday, January 19, 2018

خالد منتصر - وزارة التربية والتعليم الداعشية تدعو الطلبة إلى تحطيم التماثيل - جريدة الوطن - 1/19 /2018

لم أصدق عينىّ، وأنا أقرأ كتاب التربية الدينية للصف الثالث الإعدادى، فقد كان مكتوباً فى صفحة 52 من منهج التربية الإسلامية لموسم (2017 - 2018)، هذه العبارة فى درس الثقافة فى الإسلام عن الموسيقى والغناء والفن والنحت.. إلخ، كُتبت هذه العبارة: «أما فيما يتعلق بصناعة المجسمات (التماثيل)، فالعلماء متفقون على حرمة اقتنائها، لأنها رجس من عمل الشيطان يجب البعد عنه»، ثم أتبعها مؤلفو الكتاب بدليل قرآنى من سورة الحج: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان»، صارت التماثيل يا سادة أوثاناً وأصناماً من وجهة نظر مشايخ الاستنارة مؤلفى هذا الكتاب، صارت المنحوتات الفنية التى يحتفى بها العالم كله كأنفس وأغلى إبداعات الفن مجرد رجس من عمل الشيطان، المدهش أن غلاف الكتاب مكتوب عليه مركز تطوير المناهج!!، يعنى أن هذا الكلام العجيب الذى لا يقال إلا فى معسكرات طالبان، وفى خيام داعش هو أحدث منتجات قريحة مركز التطوير التربوى!!، ونعم التطوير يا دكتور طارق يا شوقى، ونعم الاستنارة يا وزير التعليم، خريج جامعات أمريكا!!، بدأت أشك فى أن هذا الكلام يوافق عليه د. «طارق»، دارس وباحث وخريج جامعات براون وماساشوستس وألينوى، لا يمكن أن يوافق عليه إلا خريج جامعة تورا بورا أو مدرسة قندهار، أو كُتّاب الشيخ برهامى!!، عدد ثمانية جهابذة من الأساتذة والدكاترة والمشايخ من أعضاء لجنة التطوير والتنوير والتثوير بوزارة التربية والتعليم الداعشية فكروا وقرروا أن التماثيل رجس من عمل الشيطان الرجيم، وأن المصريين فى الشوارع يعبدونها ويقدمون لها القرابين ويغنون فى شارع جامعة الدول «نحن غرابا عك»!!، أسماء هؤلاء الجهابذة من مبدعى التطوير التربوى بترتيب الجهبذة وحفظ الألقاب، محمد الفاتح الحسينى، وأحمد الحجاجى، والحسينى المداح، وحسن القصبى، وأحمد العلوى، ومحمد حبيب، وكمال عوض، وجمعة محمد شيخ، اجتمع هؤلاء الثمانية على قلب رجل واحد، وحرّموا التماثيل وشيطنوها. الجميل والبديع أنهم فى التدريبات الملحقة بهذا الدرس الداعشى كانوا فى منتهى الديمقراطية، وسألوا التلاميذ الغلابة الذين سيكونون فى المستقبل نسخاً مشوهة على أيديهم من أبى بكر البغدادى والزرقاوى وحبارة!، سألوا كل طالب: ما رأيك فى مثّال يصنع تمثالاً لطلبة قسم النحت فى كلية الفنون؟ ثم أتبعوه بسؤال لوذعى آخر عن رأيه فى أديب يكتب قصة تدعو إلى التحرر من كل القيود!!، يا الله.. يسلم فمك يا أستاذ خليفة خلف خلاف المطور المجدد للخطاب الدينى!!، بالطبع ستنهال اللعنات من هؤلاء الأطفال على هذا المثّال الشيطان الفاسق الفاجر المرتد، ومعه بالمرة الأديب ابن ستين فى سبعين المتحرر من القيود!!، مع الأطفال عذرهم «ده المنهج اللى بيقول»، واحنا بتوع المنهج، وسؤال بسيط لسيادة وزير التعليم خريج براون: ماذا عن الطفل الذى يخرج بمعوله من المدرسة فى الجيزة لتحطيم تمثال نهضة مصر، طبقاً لنصيحة مطورى المناهج الثمانية الجبارين العتاولة المتدينين بطبعهم، المؤمنين بالفطرة!!؟، ماذا عن ابن الأقصر، الذى يستمع فى حصة الدين إلى هذا الكلام العظيم، ويخرج غاضباً مملوءاً بالحماسة لتحطيم أوثان الكرنك وتخليص قريته وأهله من رجس الشيطان؟!!، ذنب هؤلاء فى رقبة مَن؟، غلظة وجدانهم وجلافتهم ومخاصمتهم للمسة إزميل الفن السحرية، التى ترقى بالوجدان والحس.. كل هذا تعليم مَن وإفراز مَن وتلقين مَن؟؟؟، إنهم جنودك معالى الوزير، المدرسون الذين يلقّنون أطفالنا هذا الكلام الفاشى من فلول الإخوان وفتات السلفيين، هؤلاء هم من يتحكمون فى عقول أطفالنا، ويلوثون وجدانهم الرقيق، ويسوّدون صفحاتهم البيضاء، كيف وصلنا إلى هذا القاع الذى بلا قرار؟!، كنا نتمنى إصلاح مصر ونراهن أنه بعد رحيل هذا الجيل، الذى شوهته الأنظمة السابقة، وتركت الوهابيين يشكلون جمجمته المتكلسة، ويحنطون عقله فى كهوف وتوابيت العصور الوسطى، كنا نراهن على جيل جديد متعلم مستنير محب للفن، مرن الفكر متفتح المسام، قابل للآخر، لكننا استيقظنا على كارثة أن وزارة التربية والتعليم صارت هى المورد الرسمى للدواعش، وانضمت إلى المدارس الدينية والحضانات الإسلامية، صار التعليم المصرى هو الوكيل الحصرى لقطع غيار الطالبانيين والبوكوحراميين، والذين لأنفسهم من المفجرين!!، كان الإخوانى يلقى بالأطفال من سطح البيت، وصارت وزارة التعليم تلقى بالطفل من نافذة الفصل إلى نار جهنم السلفيين والإخوان وكتائب الدم، يا وزير التعليم يجب أن تعرف أن الأصنام والأوثان هى تلك الأفكار الداعشية المتخلفة التى تدرّسونها لأطفالنا فى مدارسكم التى صارت أطلال مدارس وخرابات فكر وأوكار تطرف.

Wednesday, January 17, 2018

خالد منتصر - مطلوب من وزيرة الثقافة - جريدة الوطن - 1/18 /2018

إذا كنا نريد تنويراً وتجديداً وحرباً حقيقية ضد الإرهاب لا الإرهابيين، فعلينا الاهتمام بوزارة الثقافة وزيادة ميزانيتها وتفعيل قواها الناعمة النائمة، فهى رأس الحربة فى تلك المعركة المضنية، ويجب أن نعرف أن من يتذوق قطعة موسيقى أو لوحة تشكيل أو مشهد سينما أو تمثال جرانيت، لن يذبح شخصاً وهو يصرخ «الله أكبر»، ولن يفجر نفسه بحزام ناسف انتظاراً للحور العين!، لا بد أن يترجم هذا الاختيار الجسور، اختيار أول وزيرة ثقافة مصرية إلى جسارات أخرى واقتحامات إضافية فى كل مجالات الثقافة، فالعقل الذى لم يخش الهجمة السلفية وأصر على اختيار الفنانة إيناس عبدالدايم وزيرة لوزارة حملها ثقيل احتكرها الرجال منذ إنشائها، لا بد أن يعرف أن التصنيع الثقافى الثقيل مهمة مصيرية وقضية حياة أو موت، واستعادة العقل والوجدان المصرى المختطف وتحريره من أيدى عصابات الفاشية الدينية، لا تقل أهمية وخطورة عن تحرير بؤر الإرهاب فى سيناء من الدواعش، لذلك مطلوب عدة أشياء من الدولة ومن الوزيرة حتى يحدث هذا الحراك الثقافى، منها مانشيتات عامة ورؤى شاملة واستراتيجيات مستقبلية، ومنها تكتيكات وإجراءات حالية عاجلة:
- مطلوب إنارة وإصلاح كل مسارح قصور الثقافة المغلقة منذ حادث حريق بنى سويف، وتكليف الهيئة الهندسية لتسليم تلك القصور والمسارح صالحة للعروض المسرحية والسينمائية وممارسة كل الأنشطة الفنية.
- حتى ننفض الكسل عن قصور الثقافة وننفض غبار الروتين الوظيفى لا بد من إقامة مسابقات فنية، مسرح ورقص وموسيقى ورسم.. إلخ، بين كل قصور ثقافة المحافظات بجوائز سخية وتصويت جماهيرى بشرط أن تعرض تليفزيونياً لمراقبة درجة النشاط صوتاً وصورة، وحتى يهتم المحافظ والأجهزة التنفيذية بصورتهم عبر الشاشات ووصولهم إلى المنافسات.
- عودة المسرح المدرسى بقوة ومسابقاته ما بين المدارس بالتعاون مع وزارة التعليم.
- السعى لإصدار قانون تكليف لخريجى أكاديمية الفنون مثل تكليف الأطباء لتعليم الأطفال الموسيقى والرسم والباليه والغناء فى ورش أو فى قصور الثقافة فى مصر كلها من الإسكندرية للصعيد، وهذا التكليف لقاء مكافأة سخية ويعتبر جزءاً من الخدمة الوطنية.
- إنشاء قناة تنويرية تابعة لوزارة الثقافة تهتم بالجاذبية عبر عرض كل ما هو تنويرى وفنى رفيع، والاهتمام الخاص بالأطفال وبالثقافة العلمية التى لا يعتبرها الكثيرون من فروع الثقافة للأسف.
- دخول الأفلام الوثائقية من قصور الثقافة إلى فصول المدارس مثلما كان يحدث فى عهد الراحل الجميل سعد كامل، أول رئيس، أو البناء الأعظم الحقيقى لتلك القصور، وفرض زيارات المتاحف الفنية والأثرية كجزء من المنهج الدراسى.
- الاستفادة من خبرات من قاد قصور الثقافة ونجح والاجتماع بهم بداية من الوزير فاروق حسنى والفنان عزالدين نجيب حتى بعض الشباب الحالى مثل ماهر كمال وغيره.
- إلقاء الضوء على جهد هيئة الكتاب الرائع وتجديد مكتباتها، وتعريف أهل المحافظات بأماكنها غير المعروفة ونفض العنكبوت عن مخازنها وتجديد مطابعها.
- مد جسور التعاون مع كل الوزارات عبر إدارة تنسيق مستقلة، وهو المشروع الذى بدأه د. جابر عصفور وتم إجهاضه.
- التواصل مع النحاتين المصريين العظام المعتم عليهم، الذين لا يستعان بهم ويتركوننا نهباً للقبح المنتشر فى التماثيل المشوهة التى انتشرت فى ميادين محافظاتنا، وصارت من قبيل الكوميديا السوداء.
- تشجيع الحرف الشعبية وتنميتها عبر دورات داخل قصور الثقافة ومراكز الشباب بالتعاون مع وزارة الشباب.
- نشر مشروع نادى سينما فى كل محافظة لكلاسيكيات السينما العالمية بالتعاون مع سينما «زاوية» على سبيل المثال، فيكفى أن كل محافظات مصر ما عدا القاهرة، وممكن الإسكندرية، لا تشاهد السينما الأجنبية!.

خالد منتصر - اللاجئون إلى حضن شعوبهم لا يخافون ولا يحزنون - جريدة الوطن - 1/17 /2018

كم نحتاج جميعاً إلى مشاهدة هذا الفيلم، ليس فى ظلام صالة السينما فقط، بل فى ظلام زماننا الضبابى «the darkest hour الساعة الأكثر ظلمة» للمخرج «جو رايت»، الفيلم يطرح عدة أسئلة مهمة دائماً ما تتكرر فى اللحظات المفصلية المتوترة فى تاريخ الأوطان والتى تحتاج إلى قرار مصيرى يُخرجها من سراب الضياع.. النخبة كلها ومجلس الحرب والأرستقراطية المحافظة الإنجليزية كلها ضد «تشرشل» فى منتصف سنة 1940 حين حل محل «تشامبرلين» كرئيس للوزراء بناء على رغبة المعارضة فى ظل توجس وتربص من تقلبات تلك الشخصية الفظة المكتئبة التى لا يستطيع أحد حساب ردود فعلها أبداً، الألمان مرعبون كالوحوش الضارية، ثلاثة ملايين جندى ألمانى اقتحموا بلجيكا وسيلتهمون فرنسا وتتساقط أوروبا مدينة مدينة بين مخالبهم كأوراق الخريف الذابلة، وزير الخارجية وكبار أعضاء حزبه المحافظون، بل وكبار قادة الجيش البريطانى، يدعونه للتفاوض وعقد معاهدة سلام مع هتلر الأحمق الجزار، و«تشرشل» الذى أدى دوره «جارى أولدمان» ببراعة مذهلة وعبقرية جعلت أى ممثل سيتصدى للشخصية فيما بعد سيرتعد خوفاً، هذا الزعيم العجوز مصرٌّ على المقاومة. كل المؤشرات ترسم لوحة السقوط والاستسلام، جنوده فى «دانكرك» احتمال نجاتهم بالورقة والقلم صفر فى المائة، ستتم إبادتهم عن بكرة أبيهم، لسان حال الجميع «فلتذهب فرنسا إلى الجحيم لننجو نحن الإنجليز»، لكن «تشرشل»، المحب العاشق لهذا الوطن، لديه يقين عجيب بأنه حتماً سيقاوم وسينتصر، ولا يمكن أن يفاوض نمراً ورأسه بين فكّيه، إلى من يلجأ تشرشل، هذا الذى وُلد وفى فمه ملعقة من ذهب، لم يركب الأوتوبيس أو المترو، كان بينه وبين البسطاء جدار خرسانى وزجاج سيارة مصمت سميك، قرر النزول واللجوء إليهم والاختلاط بهم والثقة فيهم، استمد الثقة من سكرتيرته البسيطة التى أرسل شقيقها إلى «دانكرك» حيث ينتظره الجحيم، ركب مترو الأنفاق ليرى العجوز والشاب وحتى الطفل يهتفون بحياة بريطانيا العظمى ويعلنون المقاومة بأظافرهم الصفراء من أثر الأنيميا، يبكى القائد العجوز وتنفتح شرايين الشباب والمقاومة داخل جسده وعقله وروحه، لتنجح خطة إنقاذ جنوده فى «دانكرك»، فقط بالإرادة وروح التصميم والتشبث بالحياة والرهان على الشعب وتماسكه وذوبانه وانصهاره تحت راية العلم ونشيد البقاء. هكذا تكون السينما، وهكذا يكون الفن، الفيلم يجذبك بخيط مغناطيسى بإيقاعه اللاهث برغم أن معركة دانكرك لم تستغرق إلا دقيقة على الشاشة! كيف تخلق إيقاعاً يشدك إلى الشاشة ساعتين لا تستطيع النظر خلالهما حتى إلى من يجلس بجوارك؟ كانت تلك هى المعضلة والعبقرية، الفيلم فى غرف مظلمة يجتمع فيها رجال يتجادلون، يلفهم دخان السيجار، فكيف ستخلق إيقاعاً بوليسياً لاهثاً وسط هذه الأجواء؟ حركة تشرشل واندفاعه داخل مبنى الحكومة، دقّات الآلة الكاتبة، خطبه الملتهبة، الحوارات القصيرة المركزة الخالية من الثرثرة، الموسيقى التصويرية المحسوبة بميزان الذهب، المونتاج الذى يجعلك تقف على أطراف أصابعك، حركة الكاميرا التى تحس أنها تلطمك أحياناً وتهزك حتى تضنّ على نفسك بأن ترمش، كل تلك المفردات السينمائية هى التى خلقت هذا الانجذاب وصنعت ذلك المغناطيس المذهل، حتى وصلنا إلى نهاية الفيلم وهى المعركة التى من فرط ثقة المخرج فى براعته لم يُعر لها انتباهاً، وتحدانا نحن المشاهدين فى فيلم يحكى لنا التحضير لمعركة بدون أن يستعرض لحظات الانتصار! فيلم مذهل فى كل التفاصيل، تخرج منه متسائلاً: «كم من القادة أعطى ظهره للناس ولم يسمع نبضهم ومنح أذنه للجوقة وسقط؟ وكم منهم قد تعلّم الدرس؟!».

Monday, January 15, 2018

انعدام الشفافية فى مصر المحروسة! بقلم د. محمد أبوالغار ١٦/ ١/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

أحد المعايير المهمة لقياس تقدم الأمم هو الشفافية، ولها مقياس عالمى وترتيب يعلن كل عام. مصر كانت دائماً فى المراتب المتأخرة ولكنها حالياً تأتى فى الذيل تماماً.
لا يمكن أن تتقدم دولة دون شفافية تامة، لأنها الشىء الوحيد الذى يمنع الفساد، ويحقق الحوكمة، ويزيد كفاءة نظام الحكم.
هناك أمثلة كثيرة لانعدام الشفافية فى مصر، سوف أذكر بعضها:
١- أعلنت مصر أنها وقّعت اتفاق إقامة المفاعل النووى لإنتاج الطاقة فى الضبعة، وأظهرت كل الصحف ذلك فى المانشيتات مع صور للرئيسين بوتن والسيسى، ولكن روسيا أعلنت أن الاتفاق لم يوقع، وأن هناك أمورًا لم يتم بحثها والاتفاق عليها قبل التوقيع النهائى.
يقول بعض الخبراء إن الاتفاقية بها شروط مجحفة.
من مبادئ الشفافية أن يقول الجميع رأيه، ويفنده، وفى النهاية يتخذ المسؤول قراره.
٢- أعلنت الصحف القومية عودة الطيران الروسى والسياحة الروسية، ولكن روسيا أعلنت أنها سوف تسمح فقط برحلات للطيران العادى المصرى والروسى، والتى علاقتها بالسياحة محدودة، أما الرحلات الشارتر التى تحمل الأعداد الكبيرة من السياح، فمازالت فى علم الغيب.
٣- منذ عدة شهور، تتحدث الصحف العالمية عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتحدث عنه بتفصيل أكثر ولى عهد السعودية، وأن به مشروعات سياحية ضخمة، ومصر جزء منها.
هذا المشروع الكبير الذى قد يغير من جغرافيا مصر وحدودها ومستقبلها، وقد يستقطع جزءاً من سيناء- لا أحد يعلم تفاصيله بدقة، وقد يمحو دولة الأردن من الخريطة. المعلومات المبدئية بأن الترتيبات كانت فى واشنطن بمشاركة كوشتنر، زوج ابنة ترامب وإسرائيل، وأنهم يحاولون تسويقه فى البلاد العربية.
الشعب المصرى والبرلمان المصرى والوزارة المصرية والخبراء المصريون لا يعلمون شيئاً عن هذا المشروع الذى قد نفاجأ به على وشك التنفيذ بين ليلة وضحاها، كما حدث فى تيران وصنافير.
٤- منذ سنوات بدأ بناء سد إثيوبيا، وخلال السنوات الماضية كانت المعلومات المتاحة للمصريين محدودة للغاية، وتتراوح بين تصريحات وزراء مطمئنة، وأخرى مقلقة للغاية.
وقع الرئيس على اتفاقية مع إثيوبيا لا نعرف محتواها بدقة، وما يحدث من اتصالات مع إثيوبيا والسودان ودول أخرى غامض جداً، والشعب قلق جداً، ولم نبدأ فى أى خطوات حقيقية لنخفّض استهلاك المياه على جميع المستويات الزراعية والصناعية والشخصية، إلا أن الرئيس أعلن أن مياه النيل خط أحمر، ولم يقل كيف، فأين الشفافية؟!
٥- أعلن شفيق عن ترشحه فى الإمارات، وعاد إلى مصر، واختفى، ثم ظهر، ثم اختفى، وقيل إنه تحت ضغوط وتهديدات شديدة، وقدم فيه أحد المحامين بلاغاً للنائب العام، ثم تم القبض على ثلاثة من حزبه دون سبب واضح. أين الشفافية؟!
إذا كان النظام المصرى يرغب فى العودة إلى نظام الاستفتاء، فليعلن ذلك بشفافية، أما ما يحدث الآن، فهو عيب فى حق مصر والمصريين.
٦- هناك غموض كبير فى ميزانيات المشروعات العملاقة المصرية، فمشروع تفريعة قناة السويس لم يقدم كشف حساب كامل بالمشروع حتى الآن وما تم صرفه عليه بدقة بالعملة المصرية والعملة الأجنبية، ومشروع العاصمة الإدارية والوزارات المختلفة التى يتم بناؤها وتجهيزها هناك. أين الميزانية؟ وأين التكلفة؟ ثم ما مصدر تلك الأموال؟ هل يعرف أحد فى مصر حجم المعونات والقروض من دول الخليج منذ ٢٠١٣؟ هل تعلم لجنة الخطة والموازنة فى البرلمان معلومات عنها؟ أين الشفافية؟ ولماذا لا تعلن الأرقام، وهذا أمر جوهرى فى أى دولة عصرية بها برلمان وبها أى قدر من الشفافية؟ هذا غير دراسات جدوى هذه المشروعات التى لا يعلم أحد إن كانت حتى قد أجريت أم لا.
٧- رأيت على يوتيوب حديثاً لوزير الإسكان يتحدث عن المشروعات الحالية، وبدأ بقوله إنه سوف يتحدث عن التمويل ومصدره، وفجأة قاطعه الرئيس، وقال له ادخل فى الموضوع! لماذا؟ هل تمويل المشروع ومصادره من أسرار الدولة التى لا يجب أن يعرفها الشعب؟ صحيح أن مصر مضطرة للإعلان عن طريق البنك المركزى عن حجم الديون الذى قارب ٨٠ مليار دولار، دون قرض الضبعة الذى يتعدى ٢٠ مليارا، ولكن لا يوجد بيان واضح بحجم المعونات والهبات، وأين صرفت كل هذه المليارات؟ وهل صرفت فى المكان الصحيح؟!
٨- هل يعلم أحد فى مصر عدد المحبوسين احتياطياً دون محاكمة، والتهم التى تم حبسهم بموجبها؟!
نعلم من الصحف أن هناك مشروعات بناء عدد من السجون الجديدة، وكنت أتمنى أن أقرأ أن هناك مشروعات بناء مدارس وليس سجونًا.
٩- هناك قدر معقول من الشفافية فى كارثة الإرهاب، ولكن البيانات الرسمية أخيراً أصبحت متأخرة، ولا تقول حجم الخسارة بدقة، وخاصة أن الصحف العالمية تذكر الأخبار بكل سرعة ودقة.
الشفافية هنا غاية فى الأهمية، لأنه برغم التضحيات الكبيرة للقوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب، فالموضوع لم تتم السيطرة عليه.
أعتقد أن مواجهة الإرهاب تقتضى اشتراك خبراء مدنيين واستراتيجيين واقتصاديين ومفكرين غير عسكريين، لأن هذه الأفكار قد تساعد فى القضاء على الإرهاب والقوة وحدها لن تستطيع إنهاء الإرهاب.
تحية لروح الشهداء من ضحايا الإرهاب من المدنيين والجيش والشرطة.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.