Translate

Monday, January 31, 2022

محمد صلاح حالة حضارية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 31/1/2022

 يوماً بعد يوم يثبت محمد صلاح أنه حالة حضارية مصرية لا بد أن تُدرس جيداً، حالة حضارية قبل أن تكون موهبة كروية أو مهارة رياضية، هناك لاعبو كرة قدم كثيرون قد سافروا إلى أوروبا قبل صلاح، وتوفرت لهم فرص وبدايات أفضل من صلاح، ومن الممكن أن تكون لديهم مهارات فنية مثل صلاح وأكثر وقت سفرهم، لكن السؤال: لماذا تميز محمد صلاح واستمر وحافظ على مستواه وتألق حتى أصبح ثالث أفضل لاعب فى العالم وأغلى لاعب فى الدورى الإنجليزى؟

أقول إن محمد صلاح حالة حضارية لأنه امتلك هذا التفرد والاختلاف عن سابقيه، سافر واندمج حضارياً دون كراهية أو نقمة أو غضب من تلك الحضارة، لم يضمر شراً لها، بل نهل من معين النور فيها، ومن قيم الحداثة التى نشرتها تلك الحضارة ومازالت تنشرها، اندمج ولكنه لم يذب، احتفظ بمصريته الضاربة فى أعماق التاريخ، عاشق للبهجة، متدين يمارس طقوس دينه دون صراخ، هادئ، تعلم الجدية، فهو لا يكتفى بالتدريب التقليدى فى مران فريقه، ولكنه يستمر فى التدريب خارج الملعب، أدرك أن رأس ماله الحقيقى ليس راتبه من ليفربول، لكنه قبل ذلك صلاح نفسه، لياقته البدنية، تركيزه، مهارته، كل هذه الأشياء هى رأس ماله الحقيقى، اشتغل على نفسه، طور أدواته النفسية قبل الجسدية. صلاح ليس خريج الجامعة الأمريكية أو السوربون أو الإنترناشيونال سكول، حصيلته التعليمية هنا فى مصر كانت متوسطة، لكنه كان كورقة النشاف، استوعب الثقافة الغربية والحضارة التى سافر إليها فى زمن قياسى، صار «كوزموبوليتان»، تعلم اللغة الإيطالية ثم الإنجليزية، لا كمفردات من القاموس ولكن كروح تسرى كالعصارة فى الزيتونة، فصار محبوباً من الإيطاليين والإنجليز وكل الأوروبيين بل وكل العالم.

محمد صلاح بالفعل حالة حضارية وأيقونة إنسانية، صورته مع لاعب المغرب وهو يواسيه، مصافحته بكل الود لكل لاعب من أى فريق منافس، تدخله فى اللحظات الحاسمة كقائد لإنقاذ المباراة من الشغب والحساسيات والمشاجرات المفتعلة، كل تلك الأشياء ليست لأنه الكابتن، ولكن لأنه تلك الحالة الحضارية، الحالة التى عندما سافرت لم يكن أول همومها الفيرارى والجاجوار وقصور الكاريبى، أو الاستحواذ على نظرات إعجاب الحسناوات، حالة صلاح مختلفة، كان مشغولاً بالجملة التى كررها فى كثير من البرامج، أنا عايز أبقى أفضل لاعب فى العالم، لم تكن جملة غرور، أو عبارة تضخم ذات، إنها حقيقة متجسدة أمامه يراها ساطعة ويحسها ويلمسها، فهو يبذل أكثر من طاقة البشر، ولا يرضى بالعادى والبديهى والمألوف، فلماذا لا تكون مكافأته أن يصبح أفضل لاعب فى العالم؟! وها هو يقترب كل عام خطوة من هذا التتويج، أما وطنيته ومصريته فهى تظهر فى كل لحظة من المباريات التى نتابعها الآن فى الكاميرون، الحماس والعرق والجهد وذوبان الأنانية لصالح الفريق والذى ظهر فى تمريراته القاتلة التى يفضل فيها زميلاً سيحرز بنسبة ١٠٠٪ عن نفسه وفرصته الـ٩٨٪، محمد صلاح هو تلك الخلطة السحرية الإنسانية الحضارية، يحتفل بالكريسماس ويصلى صلاة العيد فى مسجد قريته، مو صلاح استطاع أن يحقق المعادلة التى كنا نظنها مستحيلة، مصرى ينتمى للعالم، وعالمى يمد جذوره فى تراب مصر.


Sunday, January 30, 2022

الله والإنسان - الأنبا موسى - المصري اليوم - 30/1/2022

 فى ضوء منتدى الشباب الذى نظمته الدولة المصرية، والذى كان تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وقد اختتم المنتدى بإطلاق مشروع النصب التذكارى «لإحياء الإنسانية»، ومن هنا نتعرف على طريقين تعامل بهما الإنسان مع الله:

1- طريق المؤمنين بالله الواحد: الذين يتعبدون لإلهنا القدير، ولكنهم لا يرون فيه سوى الوحدة، والتسامى فى السماوات، فوق كل البشر، والارتفاع فوق الإنسان.

2- طريق الملحدين: الذين ينكرون أو يرفضون وجود الله، ويتعبدون لآلهة أخرى، كالذات الإنسانية والتماثيل وغير ذلك.

1- طريق المؤمنين بالله الواحد:

- وهذا طريق قديم متجذر، فهو طريق من يؤمنون بوجود إله غير محدود، إله واحد!!، لأنه لو كان هناك أكثر من إله، إذن فكل منهم صار محدودًا، يحدُّه الآخر!!، هذا هو إلهنا العظيم، فهو واحد، غير محدود، وهو روح عظيم، وهو خالق السماوات والأرض والكون كله، وهو مهندس الكون الأعظم، معطى الحياة، وواجب الوجود، وخالق كل الموجودات: خالق الكل، ومدبِّر الجميع.

- ومنذ أخناتون، بل حتى منذ آدم، تتوارث الأجيال- عبر التقليد الشفاهى والمكتوب- عقيدة «الإله الواحد». فأديان التوحيد تؤمن بالله الواحد، والكتاب المقدس يؤكد لنا صحة هذه العقيدة، حين يقول:

- «أنت تؤمن أن الله واحد، حسناً تفعل...» (يعقوب 19:2). - «الرب إلهنا رب واحد...» (تثنية 4:6).

- «الله واحد...» (رومية 30:3).

- «لنا إله واحد...» (1كورنثوس 6:8).

- «ليس إله آخر إلا واحداً...» (1كورنثوس 4:8).

- «المجد الذى من الإله الواحد...» (يوحنا 44:5).

- «الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد» (1يوحنا 7:5).

- وفى قانون الإيمان: نهتف كل يوم قائلين: «نؤمن بإله واحد». وفى البسملة المسيحية نقول: «باسم (وليس بأسماء) الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين». لهذا فالإيمان بالله الواحد هو من صميم الإيمان المسيحى.

2- طريق الملحدين:

- أى الذين ينكرون وجود الله، ولا يؤمنون إلا بالمعقولات والمحسوسات.. ومعروف منطقيًا أن إلهنا واحد. لا نهائى، وهو روح عظيم يملأ كل مكان، مانح الحياة، ومهندس الكون، وحافظ كل الخليقة. لذلك فكيف للمحدود (الإنسان) أن يستوعب غير المحدود؟!، وكيف لأى رقم- مهما كبر- أن يحتوى رقم مالا نهاية (∞)؟!، هل يستطيع الكوب الصغير احتواء المحيط الضخم؟!، مع ملاحظة أن المحيط- مهما اتسع- محدود، أما الله فغير محدود!!.

- إن المتأمل فى الكون، وفى نشأة الحياة وحفظها، وفى حقيقة الموت السائد، ومن بعده القيامة العتيدة، يفهم أن هناك خالقا لهذا الكون، ولكل ما ومن فيه. ولا يغير حقيقة وجود الشمس أن يغلق أحد عينيه، ويقول: أين هى الشمس؟!.

- إن الله روح، ندركه بالروحيات، «فالله روح، والذين يسجدون له، فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا» (يوحنا 24:4). و«أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله» (1كورنثوس 11:2).

- و«الإنسان الطبيعى، لا يقبل ما لروح الله، لأن.. عنده جهالة!!» (1كورنثوس 14:2).

- «أما الروحى، فيحكم فى كل شىء..» (1كورنثوس 15:2).

- وإذا كان المفكر نيتشه الألمانى قد قال إن الله مات، فها قد مات نيتشه، ومازال الله حيًا، وهو حىّ إلى الأبد!!.

سؤال: هل كل ما لا نراه غير موجود؟! من منا يشاهد الفيروسات والميكروبات بعينه المجردة؟!.. هل معنى هذا انه غير موجود!!

- ومن منا يستطيع أن يرى الكهرباء فى السلك أو أن يلمسها؟!.

- ومن منا شاهد أو لمس الجاذبية الأرضية أو موجات التليفزيون.. ولكنها جميعًا أمور موجودة، ولكنها فوق الحواس.

- لذلك فالله أيضًا هو «فوق» العقل، وليس «ضد» العقل!!، «فوق» الحواس، وليس «ضد» الحواس!!.

- وكما لا نستطيع أن نقيس المسافات بالكيلوجرام، ولا الأوزان بالسنتيمتر، كذلك لا نستطيع أن نستخدم عقولنا- دون استنارة الإيمان- لتدرك الأمور الإيمانية.

- إن الملحدين الوثنيين، تصوروا أن الله صنم صنعوه بأيديهم!!، والملحدون الفكريون، تصوروا أن العالم وُجد بالصدفة!!، وبعضهم رفض وجود الله قائلاً له: «يا أبانا الذى فى السماوات، إبق فيها!!».. والبعض الآخر رأوا فى الوجود عبثًا لا طائل منه!!، وهكذا رفضوا الله لكى ينطلق الإنسان ويأخذ مكانه!!، ونادوا بعدم وجود إله لكى يحيا الإنسان!!، وقالوا إن الحقيقة ليست أن الله خلق الإنسان، بل أن الإنسان هو الذى خلق الله!!.

- وفى متاهات الإلحاد، ظل الله ممجدًا فى سمائه، والإنسان سادرًا فى غيِّة وكبريائه. وتصور الإنسان أنه حلّ المشكلة بأن يحل نفسه محل الله، ولكن هيهات!!، فالله غير محدود والإنسان محدود!!... الله قدوس والإنسان خاطئ!!... الله سمائى والإنسان أرضى!!.

- إن أنواع الإلحاد كلها، أصابت تابعيها بالإحساس بالظلمة واليأس، فقال أحدهم: «هذا الوجود لا طائل منه» (سارتر).. «هذا الوجود زائد عن الحاجة»... «هذه الحياة تستحق الانتحار، ولكنى لا أفضل ذلك» (ألبير كامو)... «الإنسان يخرج من ظلمة الرحم، إلى ظلمة الحياة، وينتهى فى ظلمة القبر» (صموئيل بيكيت). بينما الحقيقة أن إلهنا العظيم هو النور المطلق، والحكمة اللانهائية، نراها فى رحم الأم (حين يتكون طفل)، وفى الطبيعة من حولنا، وفيما بعد الموت!!.. ليتهم يأتون إلى النور، ليتعرفوا بالله المحب، ويتمسكوا به!!.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

Sunday, January 23, 2022

الشباب والمشاركة - الأنبا موسى - المصري اليوم - 23/1/2022

 يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: «لا يستهن أحد بحداثتك».. فماذا كان يعنى؟ ولماذا؟.. وما أهمية دور الشباب فى الحياة العامة؟.

أولًا: لماذا الشباب؟

1- الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل... هذه حقيقة.

2- وإن كان الشيوخ هم الدركسيون للسيارة، فالشباب هم الموتور(power) الذى يحرك السيارة.

3- الشباب يحيا فى حيوية الدوافع والحاجات النفسية، فيه تتحرك غرائز النفس، ورغبات الجسد، ومطالب الحياة اليومية، والنجاح والتفرد، ويحتاج إلى المرجعية التى تأخذ بيده وتقوده فى مسالك الحياة الوعرة، لهذا فوجود مثل هذه المنتديات يبنى الشباب نفسيًا، واجتماعيًا، ويمنحهم الصحة النفسية الواجبة.

4- لهذا يجدر بالشباب أن يكون قارئًا ومثقفًا، وواعيًا بالعصر، وبكل منجزاته وتياراته، ومتواصلًا مع أحداثه، ومستزيدًا من علومه المختلفة، وبخاصة العلوم الإنسانية، ومستفيدًا من كل ما يسند رسالته من إبداعات الحضارات الإنسانية المختلفة. ويقول يشوع بن سيراخ فى (5:25): «إن لم تدخر فى شبابك، فكيف تجد فى شيخوختك؟!».

ثانيًا: منتدى الشباب:

5- ومن هنا كان اهتمام الدولة ممثلة فى فخامة رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى تحت رعايته أُقيم منتدى شباب العالم السنوى «الرابع»، تحت شعار «العودة معًا»، بمشاركة شباب من 196 دولة من جميع أنحاء العالم.

6- بالحضور الضخم والتمثيل العالمى من كل الفئات والأجناس والثقافات والمراحل والمناطق الجغرافية، من الذين يؤمنون بالقدرة على التغيير. والذى عكس قدرة الدولة المصرية على استضافة وتنظيم منتدى بهذا الحجم مع التنظيم المبهر والمشرف الذى شهد له العالم.

7- أقيم فى مدينة شرم الشيخ فى جنوب سيناء، أرض المحبة والسلام، وقد أقيم من قبل فى عام 2017- 2018- 2019 بهدف جمع شباب العالم من أجل تعزيز الحوار، وقبول التنوع والاختلاف، ومناقشة القضايا المعاصرة ومنها قضايا التنمية، وإرسال رسالة سلام وازدهار من مصر إلى العالم. وتناول المنتدى ثلاثة محاور رئيسية وهى: السلام والتنمية والإبداع. وأعتبر المنتدى بمثابة منصة عبر فيها الشباب عن أفكارهم، ومواهبهم، وإبداعاتهم. وتبادلوا وجهات النظر والخبرات، من خلال الجلسات وورش العمل.

8- وتم التحاور بين فخامة الرئيس والأجيال الصاعدة والرد على تساؤلاتهم، ودار منها حول: حقوق الإنسان- المواطنة- حرية التعبير- سد النهضة- عدم التدخل فى شؤون الدول- كل إنسان حر فى عقيدته دون فرضها على الآخر- نختلف ولا نتخالف- تشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.

وقد اعتمدت لجنة التنمية الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، الثلاثة منتديات السابقة، كمنصة دولية لمناقشة قضايا الشباب.

ثالثًا: ختام المنتدى: وقد تم ختام فعاليات المنتدى:

1- إعلان توصيات وقرارات.

2- حفل تخرج دفعة الأكاديمية الوطنية للتدريب؛ البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة والمشاركة فى الحياة السياسية (PLP)، والذى يهدف إلى إنشاء قاعدة قوية من الكفاءات الشبابية، تكون مؤهلة للعمل السياسى، والإدارى، والمجتمعى بالدولة. وذلك من خلال الاطلاع على أحدث نظريات الإدارة والتخطيط العلمى والعملى، وزيادة القدرة على تطبيق الأساليب الحديثة لمواجهة المشكلات التى تواجه الدولة.

3- إطلاق مشروع النصب التذكارى لإحياء الإنسانية.

من هنا نقول إن الأديان تدعو إلى الإنسانية بل تحقق لنا «ملء إنسانية الإنسان».. فهى لا تخدم عنصرًا فى الإنسان دون عنصر آخر، لا تخدم الروح وتحتقر الجسد.. ولا تخدم الأبدية وتحتقر الزمن.. ولا تخدم العلاقة مع الله وتحتقر العقل البشرى.. تخدم كل إنسان، وكل الإنسان: روحًا، وعقلًا، ونفسًا، وجسدًا، وعلاقات.

4- جاء اختيار سيناء لإقامة النصب التذكارى لإحياء الإنسانية، ليكون بمثابة رسالة خاصة للإنسانية، والنصب شمل قلوبًا تم نحتها من قبل عدد ضخم من الفنانين من مختلف دول العالم، يمثلون حوالى 195 دولة فى العالم، بهدف إشراكهم لإعادة إحياء الإنسانية التى فُقدت خلال السنوات الماضية.

رابعًا: الشباب الذى نرجوه:

لهذ نأمل فى شبابنا بعد المشاركة فى مثل هذه المنتديات تقديم:

- القدوة الحسنة لجميع الناس.

- الوعى السليم بالعصر والمجتمع.

- نشر المحبة والخير، والعبور إلى الآخر فى حب حقيقى.

- عدم التطرف وعدم نفى الآخر.

- التربية الحوارية، وقبول التعددية والموضوعية والعقلانية.

- دعم روح الوحدة الوطنية، التى بدونها لا تنمو مصر بل تنتكس.

- دعم روح الانتماء للوطن، متمسكًا بالمبدأ الكتابى: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 35:20).

- دعم روح الفداء والعطاء السمح، وعدم التهرب من تكاليف المواطنة: كالتجنيد والضرائب.

- الإسهام الإيجابى فى نشاطات المجتمع: كالأحزاب والنقابات واتحادات الطلاب والجمعيات.

وفى الختام: قال سيادة الرئيس «إن الله هو السلام والعدل، وندعوه أن يهبنا السلام والعدل لكل البشرية، ويكلل جهودنا، من أجل أن يبقى هذا العالم أكثر سلامًا، عالم يليق بنا وبأوطاننا، ومن هنا من أرض السلام والمحبة، أرض سيناء الغالية، أتوجه برسالة محبة وتآخٍ لكل العالم.. وأنا وشباب مصر عقدنا العزم على بذل كل جهد من أجل رخاء البشرية». وفى نهاية كلمته بختام منتدى شباب العالم، قال الرئيس «تحيا مصر.. تحيا البشرية.. يحيا شباب العالم»، وهى العبارة التى رددها خلف الرئيس كل الشباب الحاضرين. منتدى رائع حقق لمصر حضورًا دوليًا تستحقه مع رئيس نشط ومتابع لحركة العالم والإنسان، حفظ الله مصر.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

Friday, January 21, 2022

الوسوسة في العلم ضرورة وليست مرضاً - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 21/1/2022

 كلما دارت مناقشات فى مصر عن مشكلة طبية نكتشف أن الكثير من المصريين يجهلون أبجديات العلم ولا يعرفون معنى البحث العلمى ويعنى إيه دواء ويعنى إيه علاج ويعنى إيه شفاء... إلخ.

غياب هذه البديهيات عن الأذهان وغيبوبة المصطلحات والتفكير بالتمنى والإحساس الرهيب بالدونية الذى ولد عدوانية تجاه العلم الذى احتكره الآخرون، لأنهم ببساطة اتبعوا قواعده ولم يخونوا مبادئه، كل هذا يجعل من الواجب أن نعود إلى نقطة الصفر ونناقش مضطرين تلك البديهيات التى كتب علينا أن نظل فى حرب لتوضيحها وأن نناقشها بعد أن ظننا أننا قد تجاوزناها، وسنأخذ من على ألسنة الناس والبسطاء والجمهور هذه التساؤلات:

أول وأهم تلك التساؤلات إحنا ليه فى العلم لازم ننتظر ونطيل الانتظار لحد الملل والزهق تجارب وأبحاثاً واتباع إجراءات مش كفاية إن شوية مرضى يقولوا إحنا خفينا على إيد فلان أو علان؟!، هذا السؤال هو نفس السؤال الذى يردده كارهو القانون: «لماذا التطويل فى المحاكمات والمرافعات وانتظار محاكم أول درجة وتانى درجة واستئناف ووجوب توكيل محامٍ للدفاع وصحة إجراءات... إلى آخر تلك الدوشة؟ أليس المتهم معروفة جريمته ومن الممكن أن يكون معترفاً ويوجد شهود كمان؟! ما نعدم ونسجن وخلاص بمحاكم استثنائية فى يوم وليلة وبلاش ملل!!، اتباع إجراءات القانون التى تراها أنت مملة هو الذى يضمن حقك فى محاكمة عادلة لو كنت مظلوماً وليست لحماية المجرم الذى فى القفص، نفس الكلام بالنسبة لإجراءات وخطوات البحث العلمى الطويلة والطب القائم على الدليل وليس الظن أو الانطباع الشخصى، كل هذا التطويل والتأنى هو لحماية المريض الذى يرقد بلا حول أو قوة على سرير فى مستشفى أو من سيتعرض لتجربة علمية، العلم لا يعرف المحاكم الاستثنائية ولا يعرف إلا القاضى الطبيعى وطريق البحث الطبيعى والنطق بالحكم الطبيعى أمام ساحة المؤتمرات العلمية والمجلات المحكمة.

ينفجر السؤال الثانى فى وجوهنا إيه اللى يضمن لى الأدوية اللى انتو بتوصفوها لنا ما هى يمكن فنكوش هى كمان ما تسيبونا نجرب وتسيبوا المصريين يخترعوا دوا وعلاج وبلاش إحباط لعزيمتنا؟!، والإجابة طبعاً كل مصرى نفسه وأمنية حياته أن بلده يخترع دواء ويبتكر علاجاً، لكن العالم اتفق على أن اختراع الدواء والإعلان عنه لا بد أن يمر بمراحل فى منتهى الصرامة ولا حياد عنها حتى نستطيع أن نطلق على المنتج النهائى الذى هو قيد البحث دواء أو علاجاً، وكما أنك لا تستطيع بيع خادمتك لجارك على أنها جارية احتراماً للمواثيق الدولية فأنت أيضاً لا تستطيع أن تعلن عن دواء لمجرد أنه طق فى دماغك واخترعته، من المسموح أن يطق فى دماغك أى شىء، ولكن من الممنوع بل من المجرم والمحرم أن تسميه دواء إلا بعد المرور من فلتر البحث العلمى المنضبط، وهناك فرق بين الإنجاز العلمى وبين العلم نفسه، فالإنجاز العلمى شخصى ولكن العلم نفسه لا شخصى، العلم موضوعى جداً بارد جداً صارم جداً لا منفعل جداً جداً، من حقك أن تشطح وتقول لى إن المسحوق الذى تحتفظ به فى جيبك يشفى من السرطان، ولكن ليس من حقك أن تجبرنى على ابتلاعه إلا إذا أجريت عليه البحوث الإكلينيكية والصيدلية المناسبة، ولكن ما هى تلك البحوث والإجراءات والخطوات؟ هذا ما سنستكمل شرحه غداً.


العلم الحقيقى لا يعيش فى الكهوف - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 20/1/2022

 العلم يحب الشمس والنور وينمو فى الأوكسجين والهواء النقى، ويحتاج الضوء ليصنع منه كلوروفيل التغيير والإبداع، لذلك فمقياسه النشر العلمى فى الدوريات العلمية، ومعياره وميزانه انتقادات العلماء فى المؤتمرات العلمية الدولية، العلم يسعى للعلن، لا يختبئ فى كهف ولا يعرف شغل العصابات ولا يتقن لغة الشفرة والسيم والتلسين ولهجة من تحت لتحت والدروب الجانبية والأنفاق السرية، العلم الزائف على العكس، يدعى السرية ويوهم الناس بالكتمان مخافة التسريب واحتياطاً من أطراف المؤامرة وتحسباً للسطو المسلح، والغريب أنه مع كل هذا الجو الهيتشكوكى الكافكاوى الغامض غالباً ما يعلن نتائجه فى مؤتمرات صحفية وضجة إعلامية وبروباجندا جوبلزية!!

لماذا يعلن العلم الزائف عن نتائجه إعلامياً فى مؤتمرات صحفية وبرامج فضائية قبل الإعلان عنها فى مجلات علمية محكمة أو مؤتمرات علمية دولية، بالرغم من أنه يردد دائماً نحن نحافظ على السرية خشية المؤامرة الكونية؟ سؤال مطروح ومشروع والإجابة عنه توضح لنا الميكانيزم الذى يستخدمه العلم الزائف للانتصار وكسب الجمهور، وللأسف هو انتصار وقتى ومكسب زائل لا يطمح إليه العلم الحقيقى الذى لا يتاجر بغرائز وعواطف البسطاء، هذا الشبق الإعلامى هو استباق من أصحاب العلم الزائف، لأن شرط التجربة فى العلم هو إمكانية إعادتها عدة مرات بأشخاص مختلفين وعلماء متعددين والحصول على نفس النتيجة، ومن هنا تأتى أهمية النشر لكى يطلع عليها من يريد تكرار التجربة للتأكد، وهذا حق علمى مشروع ومطلوب، فمن يعلن أن الماء يتجمد عند درجة حرارة الصفر هو إنسان يعلن للعالم ويدعوه قائلاً ها أنا اكتشفت قانوناً فيزيائياً معيناً فلتجربه يا شوان لاى فى الصين ويا جورج فى إنجلترا ويا محمد فى أفغانستان ويا بيتر فى كينيا ويا حاييم فى إسرائيل، ستجد حتماً نفس النتيجة، وأنا مستعد كعالم لمراجعة نتائجى إذا وجد أحدكم ظاهرة مختلفة أو رقماً مغايراً، والعالم الحق لا يخجل من مراجعة نتائجه ولا يعاند، العلم لا يعرف القمص والزعل وحساسية الكرامة الشخصية عند النقد، بل العالم الحق هو من يدق الأبواب على الآخرين قائلاً «استيقظوا وأنقدونى وقومونى بالأبحاث المضادة»، قوانين نيوتن التى غيرت العالم وكانت ثورة جديدة فى مفاهيم الحركة والفيزياء والنظرة إلى الكون عموماً هل عندما جاء أينشتين واكتشف أن هذه القوانين غير مناسبة فى ظروف أخرى مثل السرعات الهائلة أو حركة إلكترون أو طبيعة ضوء تفسيرها مختلف.. إلخ، هل زعل واتقمص تلاميذ نيوتن ممن حصلوا على الدكتوراهات طبقاً لمفاهيمه وأعلنوا الانتقام من أينشتين الذى أحرج أستاذهم وخذلهم وجرح كرامتهم؟! هذه المفاهيم الثأرية الانتقامية غير موجودة فى العلم الحقيقى على عكس العلم الزائف.

العلم لا يعرف الطناش بل وقوده هو الوسوسة والتشكك، العلم الزائف عمود خيمته الأساسى هو الطناش، بمعنى تجاهل الأخطاء التى تكتشف أثناء البحث المتسربع السريع الذى به من اللكلكة الكثير، كنس تراب الأخطاء وإخفاؤها أسفل سجادة البحث اللاعلمى اعتماداً على ذاكرة الجمهور المستهدف المصابة بالألزهايمر التى تمل بسرعة من الدقة والأرقام والإحصائيات، هذا الكنس والإخفاء هو القاسم المشترك الأعظم بين كل ما يسمى علماً مزيفاً، بداية من الجراحة الآسيوية بدون مشرط حتى ثنى المعادن وتحريك الأشياء عن بعد، وغالباً أو فلنقل دائماً العلم المزيف لا يراجع نفسه، وطبعة كتابه الأول شبيهة بل ومطابقة لطبعة كتابه الألف، فهو يكرر نفس الكلام ويدور فى نفس الفلك، لأنه لا يملك علماً تراكمياً تطورياً بل هى فكرة وهمية تلمع فى الذهن يلفق لها نتائج وتجارب لا تعرف لها رأساً من قدمين لتقدم للجمهور طبخة برائحة العلم ما إن يتناولها المجتمع حتى يصاب بالتلبك العقلى.


Tuesday, January 18, 2022

أسئلة بديهية عن تجريب الدواء - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 17/1/2022

 تجربة دواء واختراع دواء والمراحل التى يمر بها، صعبة وتماثل فى صعوبتها استعدادات وكالة ناسا للهبوط على القمر! لكننا فى مصر أحياناً نتخيل أن اكتشاف دواء ممكن أن يحدث بسهولة لعب الطاولة والدومينو وبمجرد رؤيا فى منام أو نميمة فى صالون! هناك أسئلة بديهية للأسف لا يسألها معظم المصريين ولا يعرفون إجاباتها نتيجة غياب الثقافة العلمية مثل:

• هل يعنى إنى «خفيت» من مرض بعشب وهمى أو بقرص تتم تجربته أن هذا العشب أو القرص هو الذى عالجنى؟ هناك ما يسمى بالـplacebo effect يعنى قرص نشا تأخذه من الممكن أن تتخيل أنه قد عالجك، ولابد فى أى تجربة أن تعطى الدواء لمجموعة والبلاسيبو لمجموعة مماثلة أخرى، ولو ثبت أنهما نفس النتيجة يشطب على التجربة، وهناك أمراض self limited نسبة كبيرة من المرضى فى هذه الأنواع من الأمراض بيخفوا ويشفوا لوحدهم لو شربوا جنزبيل أو خرجوا للهواء ونظروا للسماء، فهل هذا يعنى أن الجنزبيل أو النظر للسماء هو الذى شفاهم؟! دور البرد وأكثر من ٦٠٪ من الكورونا البسيطة ينطبق عليها هذا المثال، إذاً تجارة الوهم التى يمارسها البعض بعبارة إدانى قرص أو عشب كذا وخفيت فى التجربة هذا تدليس علمى أو بالأصح لا علمى.

• لماذا تجربة الدواء لازم تجرى فى مستشفى جامعى أو مركز بحثى؟ الإجابة: لمراقبة المريض الذى من الممكن أن يسبب له الدواء أعراضاً جانبية لم تكن محسوبة فى بداية التجربة، والمستشفيات والمراكز البحثية هى المنوط بها هذا والموجود فيها متخصصون وخبراء فى البحث العلمى وكيفية عمل الدراسات البحثية.

• هل وجود دراسة أو ألف أو مليون عن نجاح تجريب دواء معين فى علاج مرض معين يبيح للطبيب استخدامه فى عيادته؟ الإجابة: لا وألف لا، أولاً لأنه لا يستخدم دواء إلا بعد موافقة هيئة الغذاء والدواء ثم وزارة الصحة فى بلدك وهيئة الرقابة الدوائية فيها، لأن نظرتهم تكون أشمل وأعم ولا تنحاز، لأنه من الممكن أمام الألف دراسة الإيجابية عن الدواء أن تكون هناك ألف دراسة سلبية تم غض الطرف عنها.

• هل يجوز أن يصبر الطبيب وحالة مريضه الذى يجرب عليه الدواء تتدهور وهو مصر على الاستمرار فى تجربة الدواء الذى يستخدمه لأول مرة عليه؟ الإجابة: لا يجوز، بل تلك جريمة، فعندما تستخدم دواء فى غير استخدامه الأصلى وتجد من ثانى أو ثالث يوم على سبيل المثال التهاباً رئوياً شديداً من خلال التحاليل التى تؤكد ذلك، ولكنك ما زلت تصر، هنا لا تسمى تجربة بل تسمى جريمة، لأنك تهمل فى منح مريضك فرصة إنقاذه من التدهور وأحياناً إنقاذه من الموت.

• هل من المسموح أن تكون الموافقة المستنيرة للمتطوع فى تجربة الدواء على مريض شفوية؟ هل يكفى أن يقول المريض للطبيب «اتكل على الله واستعنّا ع الشقا بالله والبركة فيك...» إلخ، هل يُعتبر هذا consent موافقة مستنيرة مستبصرة بالتجربة والدواء والأعراض الجانبية؟ لا وألف لا.. الموافقة المستنيرة تعنى التوقيع كتابة على ملف كبير فيه الأعراض الجانبية بالتفصيل، وفيه إخبار للمريض بأنه تحت تجربة معرضة للفشل أو النجاح، ويوافق بملء إرادته وكامل وعيه.

• هل يجوز أن يتقاضى الطبيب مقابلاً مادياً على تجربته على المريض؟ الإجابة: ممنوع، بل العكس صحيح، المريض هو الذى يتم الصرف عليه من جنيه لمليون وأن يؤمّن عليه أيضاً من أى أخطار محتملة.

هذا هو العلم والطب الصحيح إن أردتم، لكن لو عايزين تمشوا بقانون كل واحد ودراعه وجدعنته وكل واحد يعمل ما بداله، وتلقوا بقانون التجارب الإكلينيكية فى سلة القمامة، فيا ليتكم تخبروننا حتى نستعد لزمن الفوضى والعشوائية.


Sunday, January 16, 2022

سرطان العلم الزائف - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 15/1/2022

 العلم الزائف أو الـpseudoscience مصطلح تبدو تركيبته ظاهرياً متناقضة وكأننا نقول الأبيض الأسود!!، فالعلم الحقيقى الجاد يتميز دائماً بالصدق العلمى الأكاديمى، فكيف يكون مزيفاً؟!، لكن العلماء الحقيقيين اضطروا لاختراعه وقبول تناقضه لتوصيف الدجل الذى يتمحك فى مجرد اسم نظرية علمية بدون أى منهج علمى، وصار الإعلام مهتماً بتوضيحه لوضع الحدود الفاصلة بين العلم الحقيقى بصرامته والعلم الزائف بأوهامه وأساطيره.

من أدوات العلم المزيف المصطلحات الكبيرة، والرطانة اللاتينية، والبهارات الإعلامية، والغيبيات الدينية، أسلحته جهل المستقبل وكاريزما المرسل، وجمهوره شعوب فقدت المناعة العلمية وأصيبت بالإيدز، فأصبح من السهل اختراق عقلها المشوش باختراعات بهلوانية، مثل أطباء الفلبين الذين يجرون جراحات بدون مشارط، أو تجار بول الإبل المصريين الذين يعالجون مرضى فيروس سى بفضلات الناقة، أو علماء باكستان الذين يستخرجون الطاقة من الجان!!

من الممكن عزيزى القارئ أن ترد قائلاً «ما العلم الزائف فى كل مكان، حتى أمريكا وأوروبا»، وأنا موافق، لكن العلم الزائف عندنا تيار وهناك استثناء، العلم الزائف هناك يقف على حدود المعمل، ولا يستطيع الدخول من باب الجامعة، وإلا كُسرت ساقاه، لكن عندنا للأسف تقدم فيه رسائل ماجستير ودكتوراه، ويقتنع به أساتذة جامعة وتروج له مؤسسات ويرعاه مسئولون!!.

هذه معركتى منذ أكثر من ربع القرن، دخلت فيها معارك كثيرة، جرجرت فيها إلى المحاكم، واتُّهمت بسببها أبشع الاتهامات، لكنى احتملت كل غبار وجراح تلك المعارك، لأننى مؤمن بأن قارب نجاة هذا البلد الوحيد ينتظرنا على شاطئ العلم، ولا قارب غيره، ولذلك لا بد من تيار فكرى فى مصر لتوضيح ماهية العلم المزيف، ولماذا انتصر على العلم الحقيقى فى مصر، وللأسف الشديد فى مجالات كثيرة؟

إنها دراما مصرية فيها ميلودراما الفواجع، وفيها أيضاً الكوميديا الفارس، لكنها كوميديا سوداء نضحك فيها حتى نختنق بالدموع، تكلمنا كثيراً عن أعراض المرض، لكن العلاج يحتاج جهد كل مسئول وكل مواطن، ولا يمكن أن تحله مقالات ولا جريدة ولا إعلام، من الممكن أن تكون أنت الحل عزيزى القارئ، بداية طريق الحل، إذا استطعت فقط أن تتساءل لماذا؟، بداية انتصار العلم الحقيقى وهزيمة العلم الزائف هى السؤال والدهشة والفضول، فلتقرأ أى معلومة تصل إليك من أى شخص مهما كان بتلك العدسات المتسائلة المندهشة الفضولية واطرح التلقين والبديهى والموروث جانباً، واستمع إلى أى شخص يقول عن نفسه «خبير استراتيجى» أو يسبق اسمه حرف الدال بتشكك العقل النقدى الذى يضع كل الأفكار على طاولة التشريح، والحقيقة عندك لا بد أن تستقل عن قداسة الماضى وقداسة الشخص وقداسة الأغلبية الشعبوية الجماهيرية، فليس كل ما هو جماهيرى صادقاً علمياً، احذروا العلم المزيف، فهو أخطر أنواع السرطان.


اسمى عجيب - الأنبا موسى - المصري اليوم - 16/1/2022

 إن لقب «عجيب» هو أحد أسماء إلهنا العظيم فى العهد القديم. وذلك ما نراه فى قصة بشارة الرب لامرأة منوح، أم شمشون، حين تراءى لها الرب وقال: «فها أنك تحبلين وتلدين ابناً...» (قضاة 5:13)... وقد وصفت امرأة منوح منظره قائلة: «جاء إلىّ رجل الله، ومنظره كمنظر ملاك الله، مرهب جداً» (قضاة 6:13)... ولما تراءى الرب ثانية لمنوح زوجها، وأكد له البشارة بميلاد شمشون، سأله منوح قائلاً: «ما اسمك؟ حتى إذا جاء كلامك نكرمك».. فقال له الرب: «لماذا تسأل عن اسمى، وهو عجيب؟‍!» (قضاة 18:13).

فإلهنا العظيم عجيب فى الكثير:

1- عجيب فى خليقته:

فما أعجب هذا الكون!! وبالحرى ما أعجب خالقه!!

إنه المهندس الأعظم، مانح الحياة، وموجد الموجودات، ومدبِّر الخليقة كلها.

أ- نحن نحيا على كوكب صغير، هو نقطة صغيرة، أو حبة رمل، فى المجرة الهائلة التى تجمعنا معًا، وتحوى ملايين الشموس والنجوم والأقمار.. وهى واحدة من ملايين المجرات التى يزخر بها هذا الكون المادى الشاسع.. فكم بالحرى عالم الروح، ومدينة الله؟‍!.

ب- والنور الذى وصلنا، قادمًا من كواكب مضيئة أرسلته منذ سنوات ضوئية كثيرة، بعضه لم يصل بعد‍!! وحينما يصلنا سندرك أن هناك المزيد من النجوم والأكوان!!

ج- والخلية الصغيرة.. تحوى أشكالاً وأنماطاً ووظائف وتفاعلات كيميائية لا حصر لها.. كما تحوى الجينوم الوراثى المكوَّن من عشرات الآلاف من عوامل الوراثة.. وها نحن نتوه فى عالم الجينات والهندسة الوراثية.

د- والزمن.. الذى كنا نقيسه بالسنين، ثم بالفصول، ثم بالشهور، والأيام، والساعات، والدقائق، والثوانى.. صرنا نقيسه بالجزء على المائة من الثانية، ثم بالفيمتو ثانية، وهو واحد على مليون بليون من الثانية.. واحد على واحد وأمامه 15 صفرًا!! حقًا.. عجيب هو الله فى هذا الكون!!.

2- عجيب.. فى طبيعته:

لاشك أن إلهنا العظيم عجيب فى طبيعته، فهو الواحد وحده، غير المحدود، القادر على كل شىء، الأزلى الأبدى، الذى لا نهاية له، ملء السماء والأرض، لا يحده مكان ولا زمان، الروح الأعظم، وخالق الكل، الذى لا يُرى بالعين الجسدية، ولكن بعين الإيمان.

قصة: أخذت المدرسة الملحدة تلميذاتها إلى الحديقة، وأرادت أن تثبت لهن عدم وجود الله، كما تتصور! فسألت إحداهن:

- هل ترين ذلك المبنى البعيد؟ فأجابت: نعم.

- هل ترين السماء من فوقنا؟ فأجابت: نعم.

- هل ترين الله؟ فأجابت: لا.

- إذن، الله غير موجود!!

- فاندهشت التلميذات وصمتن، لكن تلميذة مؤمنة استأذنت المُدرسة فى أن تسأل زميلتها بعض الأسئلة، فسمحت لها..

- هل ترين ذلك المبنى البعيد؟

- (متبرمة): نعم!

- هل ترين تلك الشجرة الجميلة؟

- (ازداد ضيقها): نعم!

- هل ترين مدرَّستنا المحبوبة؟

- نعم.

- هل ترين عقلها؟

- لا!!

- إذن، فالمُدرسة ليس لها عقل!!

- وضحكت التلميذات، وفهمن الدرس، وأدركن أنه ليس كل ما لا يُرى غير موجود.. وانسحبت المُدرسة الملحدة من السباق!!.

3- عجيب فى رعايته:

فالأب يرعى رعاية شاملة، ويحنو على أبنائه، وهكذا إلهنا العظيم!! فحنانه لا نهائى، وليس كما يتصور البعض!! ولكن هذا الحنان لا يلغى عدل الله وحزمه.. إن الأبوة الحقيقية لا تعنى محبة متسيبة دون ضابط، بل تعنى محبة متسامية عادلة، وعدلاً محبًا.. إنه الحنان البنّاء الذى:

أ- يقتاد الخاطئ إلى التوبة. ب- ويقتاد التائب إلى الشبع والثبات. ج- ويقتاد الثابت إلى خدمة الآخرين ونشر الخير والسلام... وهكذا الرب!!

- لهذا يهتف المؤمن دائما مع داوود النبى قائلاً: «الرب راعىّ، فلا يعوزنى شىء» (مزمور 1:23).

- فهو لمعونتنا يركب السحاب، وهو قريب لمن يدعون باسمه، ويلجأون إليه.. هو الذى وعدنا فى سفر إشعياء قائلاً:

1- «هل تنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟‍! حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك!!» (أشعياء 15:49).

2- «هوذا على كفى نقشتك، أسوارك أمامى دائماً» (أشعياء 16:49).

3- «اطلبوا الرب مادام يوجد، ادعوه وهو قريب» (أشعياء 6:55).

4- «قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك» (أشعياء 1:60).

5- «روح السيد الرب علىّ، لأن الرب مسحنى لأبشر المساكين أرسلنى، لأعصب منكسرى القلب، لأنادى للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأنادى بسنة مقبولة للرب» (أشعياء 1:61-2).

6- «هأنذا أدير عليها سلامًا كنهر.. وعلى الأيدى تحملون، وعلى الركبتين تدللون، كإنسان تعزيه أمه، هكذا أعزيكم أنا يقول الرب» (أشعياء 12:66-13).

7- «إذا اجتزت فى المياه فأنا معك، وفى الأنهار فلا تغمرك.. أنا قد أحببتك.. لا تخف فإنى معك» (أشعياء 2:43-5). هذا هو ربنا العجيب، الذى يرعانا كل يوم بأبوته!! له كل المجد إلى الأبد آمين.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.