Translate

Saturday, November 28, 2020

الأنبا موسى يكتب: معًا... نبنى الوطن: المواطنة - الحكمة - المحبة ٢٩/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 أتصور أن هذه هى المفاتيح الثلاثة لدعم أواصر الوحدةالوطنية والانتماء فى وطننا المحبوب:

أولًا: المواطنة:

المواطنة هى مصطلح يشير إلى الانتماء إلى «أمة أو وطن»، وكلمة المواطنة والمواطن مأخوذة فى العربية من الوطن، أى المنزل الذى نقيم به وهو «موطن الإنسان ومحله». وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء وأمانة المواطن لوطنه وخدمته له، فى كل الأوقات سواء فى السلم أو الحرب، والتعاون مع بقية المواطنين، بهدف تنمية وتقدم الوطن. لذلك لابد من غرس فضيلة حب الوطن وروح الانتماء، فى كل مواطن، مع إيضاح كيف أحب آباؤنا وأجدادنا مصر، وكم قدموا وبذلوا من أجلها، فلم يبخلوا بالفكر أو الوقت أو المجهود أو الدم. وحث المواطنين على المشاركة الإيجابية، المدفوعة بالحب دون انتظار المقابل فى كل المجالات.

ولكى تنمو المواطنة لابد من:

١- أن يتم تفعيل هذا المبدأ الدستورى المهم، الذى يساوى بين كل المصريين فى الحقوق والواجبات.

فهذا المبدأ- حين نحياه فعلًا مسلمين ومسيحيين- وكذلك حكومة ومعارضة- كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء.. يستطيع أن يجعلنا نعيش ما يسمى «الوحدة فى التنوع»، فمع تعدد الأديان والأحزاب والمستويات الاجتماعية والمادية، ينبغى أن تبقى «المواطنة» و«المساواة» و«تفعيل القانون»، و«العدالة الاجتماعية» و«حضور الدولة المدنية»، أساسيات للنسيج الواحد، الذى يربط الكل معًا فى عقد واحد لا ينفرط. ومهما جاءت الأعاصير، من الداخل أو من الخارج، يبقى النسيج الوطنى متماسكًا، فى محبة وموضوعية. فالكل يمكن أن يعمل بإخلاص، من أجل مصر واحدة آمنة ومستقرة ونامية. وحين يحيا الكل فى محبة ومساواة، لا تكون هناك مشاكل اجتماعية.

٢- وقد علمتنا دروس التاريخ أن علاقات المحبة الأصيلة، بين المسيحيين والمسلمين، هى صمام الأمن

الوحيد أمام كل مشكلة.

٣- ولا شك أن وجود «مجموعة حكماء» فى كل قرية وحىّ، مهم جدًا للحفاظ على المحبة والوحدة، ولإطفاء أى شرارة فتنة بمجرد ظهورها.

٤- ونحن نتمنى تشكيل هذه المجموعات المحلية، بسرعة، مع إعطائها فرصة العمل المدنى الطبيعى، لدعم أواصر المحبة، وتهدئه النفوس، وعزل دعاة الفرقة.

ثانيًا: الحكمة:

١- نحتاج جميعًا أن نسلك بحكمة، عندما ينشب أى نزاع طائفى، أو حتى اجتماعى (كما يحدث فى البيوت أو فى مباريات الكرة).

٢- الحكمة تجعلنا نسلك بعقولنا وليس بعواطفنا وانفعالاتنا. والعقل دعا كذلك لأنه «رباط» يعقل ويضبط النفس والجسد. نقول «نعقل» الجَمَل، أى نربطه، لكى نحسن قيادته.

٣- والعقل هو الذى يضبط انفعالات النفس، وحركات الجسد.

٤- والكتاب المقدس يعلمنا: «مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال ٣٢:١٦).

٥- ويوصينا القديس يعقوب: «لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِى الاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِى التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِى الْغَضَبِ» (يعقوب ١٩:١)، «غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللَّهِ» (يعقوب ٢٠:١)..

٦- كما يوصينا الرسول بولس قائلًا: «اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا» (أفسس ٢٦:٤)، أى إذا تصاعد فيكم انفعال الغضب، فلا تخطئوا لا باللسان ولا باليد. فالوداعة- وهى إحدى ثمار الروح القدس- معناها «ألا ننفعل، وإذا انفعلنا فلا نخطئ».

٧- الحكمة هى صمام أمن للجميع، ونعمة الله العاملة فينا هى التى تمنحنا الحكمة فى التصرف، وتجعل العقل مستنيرًا وقادرًا على التمييز، فى الكلام والتصرف.

٨- والكتاب المقدس يصف الحكمة بأنها: «طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ» (يعقوب ١٧:٣).

٩- يجب ألا نترك الانفعالات تعبث بنا، فإذا ما احتجنا إلى حكمة، فلنطلب من الله، لكى يعطى لنا «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِى يُعْطِى الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ» (يعقوب ٥:١).

١٠- وواضح أن الحكمة البشرية محدودة وعاجزة، أما الحكمة الإلهية «النازلة من فوق»، فهى وحدها القادرة على حل المشاكل، حتى على المستوى الشخصى والأسرى، فكم بالحرى الاجتماعى والوطنى.

ثالثًا: المحبة:

١- هى المنهج المطلوب، فقد أوصانا الكتاب المقدس: «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (١بطرس ٢٢:١).

٢- وقال لنا: «بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (غلاطية ١٣:٥).

٣- أما من جهة ما يُسمى «الأعداء»: فقد علمتنا الأديان أن عدونا الوحيد هو الشيطان، المهم أن نبحث وراء المنظور (العدو البشرى)، غير المنظور (أى الشيطان الذى جنده). وحينئذ سنكتشف أن عدونا وعدوه واحد، وهو الشيطان، عدو الخير، الذى يحب أن يشعل الفتن، فى الأسرة والمجموعات الصغيرة والكبيرة، ليقف بعد ذلك مقهقهًا وفرحًا بالخراب والدمار.

٤- إن وصية الرب لنا: «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْر» (رومية ٢١:١٢)، ووعد الرب صادق وأكيد:

«اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا» (١كورنثوس ٨:١٣).

٥- لهذا سوف نهزم كل محاولات الفرقة فى وطننا الحبيب مصر بالمحبة الصادقة، ولن نخضع لا للانفعال، ولا لعدو الخير، الذى يبغى خراب الجميع. ولتبق المحبة صمامًا لأمن مصر، بكل أطيافها.

حفظ الله مصر، بكل من فيها.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


الأهلى يقهر الزمالك على الشاشة أيضًا! بقلم طارق الشناوى ٢٩/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

أشهر أغنية رددناها عن الكرة «بين الأهلى والزمالك محتارة والله» لصباح، لدينا قطعا أغنيات أخرى أقل شهرة مثل «فيها جون» لمها صبرى، ولكن صباح الأكثر شعبية، قدمت مع بداية البث التليفزيونى، حيث لعب التليفزيون وتحديدا الكابتن محمد لطيف بخفة ظله دورا محوريا فى الانتشار الجماهيرى الساحق للكرة، الأغنية تأليف الشاعر حسين السيد الذى يليق بنا أن نطلق عليه أنه يكتب فى كل شىء وبنفس الإبداع من الإبرة للصاروخ، عن الكرة والحب والوطن والإيمان بالله وتصدقه فى كل ما يكتب.

الناس عادة تبحث عن الهوية الكروية للفنان وأغلبهم يتحفظون، إلا إذا كان لهم ماض معلن للعب فى أحد الأندية، مثل نور الشريف وهانى شاكر كانا فى فريق الأشبال بالزمالك، ولكن مثلا أم كلثوم كانت تتحفظ فى البوح ولا أظن أن لها اهتمامات كروية.

لقد حاولوا مثلا تحليل مقطع فى أغنية صباح (تأليف أهلى لحن زمالك) فقالوا إنه دليل قاطع أن حسين السيد أهلاوى وعبد الوهاب زملكاوى، وسبق أن سألت الشاعر الكبير عن حقيقة تلك الشطرة الشعرية فى الأغنية، فقال لى «إطلاقا وليس لى أساسا ميول كروية»، بينما عبد الوهاب لا يمكن أن يبدد طاقته فى أى شىء خارج الفن، فهو يقول دائما «فنى أولا ثم فنى ثانيا ثم فنى ثالثا، ولا مجال لأى شىء آخر إلا رابعا أسرتى»، ناهيك عن ضعف نظره وكلنا نتذكر نظارته السميكة التى تحول دون قدرته على متابعة الكرة تليفزيونيا.

عندما سألوا صباح عن هويتها الكروية قالت «أنا أهلاوية عندما يلاعب الأهلى الزمالك، ولكن عندما يلاعب الزمالك أى فريق آخر غير الأهلى أشجع الزمالك»، طبعا إجابة صدمت جماهير الزمالك رغم كل المحاولات (الشحرورية) لتخفيف الوطأة عليهم.

السينما المصرية انحازت أكثر للأهلى لأن جماهيريته أكبر فى الشارع، ولهذا تجد أن لاعبى الكرة وهم لا يجيدون فن التمثيل إلا أنهم بسبب شعبيتهم الجارفة فى الملاعب، أشهرهم طبعا المايسترو صالح سليم، لعب بطولة سبعة أفلام على قمتها (الشموع السوداء) وأيضا عادل هيكل فى (إشاعة حب)، وتعددت الأسماء الأهلاوية مثل طاهر الشيخ وشريف عبد المنعم، وطبعا إكرامى وهو أكثر لاعبى الكرة احترافا وله باع طويل من الأفلام الكوميدية، بينما الزمالك لأنه أقل جماهيرية والمحاولات فى هذا المجال خجولة جدا، مثل يكن أو عصام بهيج ولم تسفر عن أى نجاح، شعبية نجم الكرة هى الفيصل، ومؤكد النادى الأكثر جماهيرية يشعر شركات الإنتاج السينمائى باطمئنان أكثر.

نجومية محمود الخطيب غير المسبوقة تاريخيا دفعت السينمائيين للحصول على موافقته لبطولة الأفلام وكثيرا ما اعتذر، كان هو بالمناسبة المرشح الثانى لأداء دور( شحاتة أبو كف) لاعب الكرة فى فيلم (غريب فى بيتى)، وعندما اعتذر أسندوا الدور إلى نور الشريف، وكان المرشح الأول عادل إمام.

الأغلبية يميلون لعدم الإفصاح عن الهوية الكروية على أمل اكتساب شريحة أكبر من الجمهور، ربما فريد الأطرش حالة استثنائية فى (زملكاويته) المعلنة، وهذا ما دفع عبد الحليم لإعلان أهلاويته حتى يضمن أن تنحاز له الشريحة الأكبر من المصريين!!.


سين وجيم عن الحداثة (٢) - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /28

 نستكمل سين وجيم عن معنى الحداثة مع ما كتبه المفكر المغربى الكبير سعيد ناشيد، يقول ناشيد:

سؤال، لماذا تعتبر الحداثة عصراً من عصور الحضارة البشرية برمتها رغم أنها ظهرت فى الغرب حصراً، ولا تزال محصورة فيه رغم بعض الاستثناءات؟ لماذا لا نقول، الحداثة خاصية غربية وكفى؟!

جواب، لقد تم اكتشاف الكتابة فى أماكن جغرافية محددة، وكان تعميمها عملية شاقة تعرضت إلى أشكال من المقاومة الشرسة من طرف كثير من الثقافات الشفهية، غير أن عصر الكتابة فرض نفسه على الجميع، وفرض احترام الجميع، وهو يؤرخ للبشرية جمعاء. يمكننا أن نقول الشىء نفسه عن اكتشاف القوانين، والنار، والموسيقى، والمعمار، والزواج، والمدن، والسلطة، والرياضيات، إلخ. كذلك الحال بالنسبة للمبادئ الأساسية للحداثة، التى تؤرخ لعصر متقدم من عصور الحضارة البشرية برمتها. ذلك أن الحضارة الإنسانية تمتلك مراحل عامة من التطور الإجمالى بصرف النظر عن الحضارات المحلية التى قد تساير وقد تتخلف.

طبعاً داخل ذلك البعد الكونى لتطور الحضارة البشرية هناك خصوصيات لحضارات وثقافات وأشكال تعبير محلية، لكن ذلك كله لا يلغى الأساسيات الكونية. مثلاً، عصر الكتابة كونى، لكن الخصوصيات تظهر فى مستوى رسم الحروف، وأدوات الكتابة، وما إلى ذلك من تعبيرات مختلفة عن الجوهر الكونى نفسه والمتمثل فى فعل الكتابة.

مثال آخر، تختلف الألبسة باختلاف الثقافة والمناخ والجغرافيا، لكن قرار الإنسان الذى خُلق بلا فرو ولا ريش بأن يرتدى اللباس، هو حدث كونى، سرعان ما سيمثل عصراً جديداً من عصور الحضارة البشرية.

كذلك القول عن الحداثة، إنها عصر من عصور الحضارة الإنسانية، من حيث تبنى قيم العلم والعقل والحرية، وبحيث يمثل اختلاف الدساتير وقوانين الاقتراع وتنظيم العمل، مجرد تعبيرات محلية عن الجوهر الكونى للحداثة السياسية والمتمثل فى التعاقد الاجتماعى بين الناس باعتبارهم ذوات مستقلة، متساوية، ومتعايشة.

سؤال، قلتَ الحداثة السياسية، هل تقصد وجود حداثات؟

جواب، يمكن الحديث عن حداثة فنية نشأت فى إيطاليا، وحداثة علمية نشأت فى بريطانيا، وحداثة سياسية نشأت فى فرنسا، وحداثة فلسفية نشأت فى ألمانيا، وحداثة اقتصادية نشأت فى أمريكا، إلخ. لكن هناك مشتركاً إجمالياً بين هذه الحداثات كلها.

سؤال، ما هو ذلك المشترك الإجمالى؟

جواب، تحيل الحداثة إجمالاً إلى رؤية جديدة إلى العالم قائمة على الأسس التالية:

أولاً، تفرد الفرد (الحرية، الذات، الوعى، الإرادة، إلخ). المقصود بتفرد الفرد هو الفرد باعتباره ذاتاً مفكرة بلغة ديكارت، وباعتباره وجوداً لذاته ليس وسيلة لأى غايات أخرى، ولا يخضع لأى قيمة تبادلية، وفق توضيح كانط، وبالتالى فهو مستقل عن الجماعة التى يتقاسم معها الخبز والأرض والحياة، له إرادته وميوله وأذواقه وذكاؤه وقدره الخاص، له أصالته فى الوجود. وهو يمتلك ضميراً أخلاقياً كافياً لتوجيهه حين لا يتم الحجر عليه كما تفعل مجتمعات ما قبل الحداثة، التى يعتبر فيها الفرد كائناً لأجل غايات أخرى. مثلاً، فى العالم القديم دور العبد خدمة السيد، دور المرأة خدمة الرجل، دور الأبناء طاعة الآباء، دور الجمهور طاعة الإمبراطور، دور الإنسان عبادة الله، إلخ. فى الحداثة الفرد بلا غاية. هذا له وجه دراماتيكى يزعج الكثيرين، لكنه الحقيقة العارية بلا أوهام. لا تخلو الأوهام من إغراء لكنها أوهام فى النهاية.

ونستكمل فى المقال القادم باقى الأسس.


البارافيليا بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

هى كلمة معناها الشذوذ الجنسى، وله أنواع كثيرة:

١- السادية: نسبة إلى ماركيز دى ساد، وفيها يستمد الإنسان، رجلًا كان أو امرأة، إثارة جنسية حين يوقع الأذى البدنى أو النفسى على الطرف الآخر.

٢- المازوشية: وهى عكس السادية، وفيها تكون الإثارة الجنسية حين يقع الأذى عليه أو عليها!.

٣- pedophilia أى عشق الأطفال، وعادة ما ينتهى هذا الشذوذ بقتل الطفل، وقد يكون المجرم مصابًا بالتخلف العقلى أو الفصام.

٤- necrophilia أى عشق الجثث أو جماع الموتى، وفى بعض البلدان يوفرون لهذا الشاذ امرأة على قيد الحياة، صفرة الموت على جلدها البارد، والتنفس السطحى حتى لا يحس أنها على قيد الحياة، طبعًا مقابل مبلغ ضخم من المال.

٥- exhibitionism أى الاستعراض، وفيها يستعرض الفتى أو الفتاة جسمه أو جسمها لإنسان غريب!، ولما سأل طبيب الأمراض النفسية أحد المصابين بهذا الانحراف لماذا يفعل هذا؟ كان الرد: حتى أظهر للنساء أننى رجل!. وقد شاهدت ونحن طلبة فى كلية الطب حين زرنا مستشفى الأمراض العقلية مستعمرة للعراة من النساء مصابات بهذا الانحراف الجنسى!.

٦- fetishism أى التثبيت، وهى حالة لا يثار فيها الشاب إلا بشىء من متعلقات المرأة مثل ملابسها الداخلية أو حذائها أو خصلة من شعرها، وهذا رباط رمزى لإنسانة كان لها مكانة عاطفية فى حياة هذا الفرد.

٧- voyeurism وهو مراقبة الآخر دون أن يعلم، وهذا المنحرف لا يجد إثارة مع زوجته مثلًا، ولكن من مشاهدته امرأة تخلع ملابسها دون أن تدرى.

٨- zoo philia وهى العلاقات الجنسية الشاذة مع الحيوان كالكلاب والنعاج والحمير، bestiality.

٩- transvestism أى التحول النفسى، وفيها يلبس الشاب جزءًا من ملابس السيدات، وهذه الحالة تبدأ قبل البلوغ.

١٠- sodomy: نسبة إلى سيدوم وعمورة، وهى تسمية أفضل من اللواط، نسبة إلى قوم لوط، وقد شاهدت شابًا فى الهايد بارك ينادى بحرية العلاقة الجنسية مع الجنس المشابه لأنها علاقة طبيعية، قلت له: أنت لا تستطيع أن تتبرع بدمك لأى إنسان أو مستشفى، ذلك لأنكم مرضى، ونسبة الإيدز فيكم عالية.. أصابة الخرس أولًا ثم نالنى من الحب جانب ثانيًا!.

١١- lesbianism: عشق الجنس المشابه عند النساء، حدثتنى إخصائية اجتماعية بريطانية، كيف يطردها الشباب المصاب بعشق الجنس المشابه، وكيف تتحسس البنات الـ lesbians جسمها حين تكون فى وسطهن، وذلك عند زيارتها أنديتهن.

فى دراسة علمية تجريبية، حقنت الباحثة إناث حوامل الفئران بالهرمون الذكرى، وبعد الولادة أخذت من المواليد الإناث الصغار، وبعد أن كبرت وبلغت أصبحت يسلكن سلوك الذكور!!. قفزت الباحثة فرحًا فى الهواء لأن نظريتها فى عشق الجنس المشابه أن الأجنة تتعرض لهرمون ذكرى أو أنثوى، فتصبح أنثى فى جسد رجل، أو رجلًا فى جسد أنثى!.

أخيرًا هناك أنواع أخرى من الشذوذ الجنسى أذكرها فقط للأطباء وليس للقراء مثل كوبرو فيليا، يورو فيليا، ميزو فيليا، سكاتولوجيا، كليزما فيليا، أوديب، إلكترا، شومانيزم!.. وقى الله مصر هذه الشرور.


سين وجيم عن الحداثة (١) - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /27

 طلبت من صديقى المفكر المغربى الكبير سعيد ناشيد أن يجيب عن أسئلة كثير من الشباب من مختلف أنحاء العالم العربى يسألون عن ما هى الحداثة؟ وقد استجاب صديقى الرائع الجميل وكتب بقلمه الرشيق الإجابة على هيئة سؤال وجواب، سأنشرها على ٣ حلقات، كتب ناشيد:

لا أكتب تحت الطلب، لكن الطالب هذه المرة هو الدكتور خالد منتصر، ما يعنى أنى سأكتب ليس تحت الطلب بل خلف الطلب، طالما حدس الرجل استباقى كما أعرفه، وهو من أكثر الناس دراية بما ينقص العقول.

ذاك هو الطالب فما المطلوب؟

ورقة تجيب عن السؤال الشائك: ما الحداثة؟ بأسلوب واضح، طالما -يقول فيلسوف اللغة فيتجنشتاين- كل ما يمكن قوله يمكن قوله بوضوح. الوضوح درس فيلسوف العقل ديكارت، وبالتالى فهو الدرس الأول للعصر الحديث، ومنه ننطلق.

تبسيط الأمور على طريقة سؤال جواب هو الأسلوب الأكثر بلاغة وشعبية، ولذلك سنعول عليه.

سؤال: ما الحداثة بالضبط؟

جواب: الحداثة مرحلة من مراحل تطور الحضارة الإنسانية، وُلدت فى جنوب أوروبا خلال القرنين 15 و16 مع النهضة الفنية والكشوفات الجغرافية، وترعرعت فى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية خلال القرنين 18 و19، مع فلسفات الأنوار والثورة الفرنسية ووثيقة استقلال أمريكا، ثم ازدهرت مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى أواسط القرن 20، وصولاً إلى العولمة، الإنترنت، الجينوم، الذكاء الاصطناعى، وإعمار الفضاء، خلال القرن 21.

سؤال: طالما تتميز الفترة الراهنة بالازدهار حسب وصفك، ألن تعقبها مرحلة التدهور وفق قانون الحضارات، وكما ينذر بعض المثقفين الغربيين أنفسهم؟ ألا تكون شيخوخة السكان، وغياب المثل العليا، وطوفان المهاجرين، وصعود الصين، والإرهاب العالمى، من عوامل الانهيار؟ أليس من طبيعة الحضارات أن تولد وتموت، وأن تعقب فترة ازدهارها مرحلة الأفول؟

جواب: يجب عدم الخلط بين الحضارات المحلية والحضارة الإنسانية، الحضارات المحلية تتعاقب بالفعل، لكنها تتعاقب داخل الحضارة الإنسانية التى لا تزال تنمو منذ آلاف السنين. مثلاً، العصر الحجرى لم يتدهور بل تطور إلى مستويات أعلى، مروراً بالعصر الحجرى القديم، ثم الوسيط، ثم الحديث، وصولاً إلى عصر المعادن وما بعده، لكن داخل العصر الحجرى انهارت حضارات محلية ونشأت حضارات أخرى على أساس الخصائص الكونية للعصر الحجرى، وكذلك سائر العصور الأخرى. على المنوال نفسه يجب عدم الخلط بين الحضارة الحديثة باعتبارها عصراً من عصور الحضارة البشرية، والحضارة الغربية باعتبارها حضارة محلية رغم أنها المساهم الأكبر فى بناء الحضارة الحديثة. إن الحداثة لهى المفهوم الدال على الحضارة الحديثة والتى تشمل البشرية جمعاء بتفاوت كبير فى درجة الاستيعاب ومستوى المساهمة.

بصدد مصير الغرب بعد مائة عام من الآن، لا أستطيع أن أتكهن بأى شىء، لكن بصدد مصير الحداثة فرؤيتى واضحة: حتى ولو انهار الغرب لأى سبب من الأسباب (الحرب، الشيخوخة، صعود الصين، تسونامى المهاجرين، إلخ) فإن الحداثة باعتبارها عصراً من عصور التاريخ البشرى لا يمكنها أن تنهار، اللهم إلا إذا تعرضت البشرية جمعاء لكارثة كونية غير مسبوقة، لقد أنتجت الحداثة حالة جديدة من الوعى الإنسانى، لا يمكن التراجع عنها رغم طابعها الدراماتيكى، لقد اكتشف الوعى البشرى لأول مرة فى التاريخ أن السيادة على الإنسان مكان فارغ، وأن الحل الباقى أمام الإنسان أن يكون سيد نفسه، وأن الأعمدة الأساسية لتحقيق ذلك هى ثلاثة: العلم (فن المعرفة)، الحكمة (فن العيش)، والمواطنة (فن العيش المشترك).


Thursday, November 26, 2020

«مارادونا».. الرجل الذى ارتكب خطيئة أنه الأفضل - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /26

 فى حب «مارادونا» كتب وقيل الكثير والكثير، بكى الجميع رحيل مارادونا، رجال سياسة وشعراء وفنانون ورجال أعمال ومواطنون غلابة وأطفال شوارع وساكنو قصور ورجال دين ورجال مافيا!!، ليس فقط لأنه أيقونة متعة كرة القدم، وليس لأنه الأسطورة، وأعظم من لمس تلك البالونة السحرية المستديرة فى تاريخ تلك اللعبة، وليس لأنه الباترون الذى يقيسون عليه حجم الموهبة، ولكن مآقيهم غسلتها دموع الشجن، لأن مارادونا بالإضافة لكل ذلك وبالرغم من كل ذلك، لم يدَّعِ أنه ملاك، عاش الحياة بطولها وعرضها حتى الثمالة، لم يخطط لنجوميته، بل ترك جنونه الجامح يرسم جدارية هى ملخص الملحمة، ملحمة الصراع فى كرة القدم بين المتعة والبهجة والخروج من الإطار وبين الآلية والتكنولوجيا والتخطيط للبيزنس والانصياع للخطة وقمع الخيال.

من أهم وأجمل ما كُتب عن مارادونا، ما كتبه الروائى العالمى الشهير ابن أوروجواى إدوارد جاليانو فى كتابه «كرة القدم فى الشمس والظل»، وهناك عدة صفحات فى الكتاب عن حادث طرد مارادونا ومنعه من الاشتراك فى كأس العالم ١٩٩٤ بسبب اتهامه بتعاطى مادة الإيفيدرين المنشطة، نقتبس منها الفقرات التالية:

ظهر الإيفيدرين فى تحليل البول وتم طرد مارادونا من كأس العالم 1994، كان هناك ذهول وفضيحة، انفجار إدانة أخلاقية ترك العالم كله أصم، ولكن بطريقة ما، تمكنت بعض أصوات الدعم للمعبود الذى سقط، ليس فقط فى الأرجنتين الجريحة، ولكن فى أماكن بعيدة مثل بنجلاديش، حيث هزت الشوارع مظاهرة كبيرة تطالب بعودة مارادونا، لم يكن من السهل أن ننسى أن مارادونا ارتكب لسنوات عديدة خطيئة كونه الأفضل، وجريمة التحدث علناً عن الأشياء التى يريدها الأقوياء صمتاً.

لم يستخدم دييجو أرماندو مارادونا المنشطات قبل المباريات لتوسيع حدود جسده، صحيح أنه كان مغرماً بالكوكايين، لكن فقط فى الحفلات الحزينة حيث أراد أن ينسى أو يُنسى لأنه حاصره المجد ولا يستطيع العيش بدون الشهرة التى لن تسمح له بالعيش فى سلام، لعب أفضل من أى شخص آخر على الرغم من الكوكايين، وليس بسببه، لقد غمره ثقل شخصيته، منذ ذلك اليوم منذ فترة طويلة عندما هتف المشجعون باسمه لأول مرة، تسبب عموده الفقرى فى حزنه، حمل مارادونا عبئاً اسمه مارادونا أدى إلى ثنى ظهره، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ليدرك أنه من المستحيل التعايش مع مسئولية أن يكون إلهاً فى الميدان.

فى وقت لاحق فى نابولى، كان مارادونا هو سانتا مارادونا، باعوا فى الشوارع صوراً لهذه الألوهية فى سراويل قصيرة تنيرها هالة العذراء أو ملفوفة فى عباءة القديس الذى ينزف كل ستة أشهر، وحتى أنهم باعوا توابيت لنوادى شمال إيطاليا وزجاجات صغيرة مليئة بدموع سيلفيو برلسكونى، ارتدى الأطفال والكلاب شعر مارادونا المستعار، وضع أحدهم كرة تحت قدم تمثال دانتى، لقد مر أكثر من نصف قرن منذ أن فازت هذه المدينة، التى حُكم عليها بمعاناة غيظ فيزوف والهزيمة الأبدية فى ملعب كرة القدم، بالبطولة للمرة الأخيرة، وبفضل مارادونا تمكن الجنوب المظلم أخيراً من إذلال الشمال الأبيض الذى احتقرها.

عندما تم طرد مارادونا أخيراً من كأس العالم 94، خسرت كرة القدم أقوى متمرديها. وكذلك لاعب رائع، مارادونا لا يمكن السيطرة عليه عندما يتحدث، ولكن أكثر من ذلك بكثير عندما يلعب، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالحيل الشيطانية التى سيحلم بها مخترع المفاجآت هذا من أجل المتعة البسيطة المتمثلة فى إبعاد أجهزة الكمبيوتر عن المسار، الحيل التى لا يكررها أبداً، إنه ليس سريعاً، مثل ثور قصير الساق، لكنه يحمل الكرة مخيطاً بقدمه ولديه عينان فى جميع أنحاء جسده، تضيئان حركاته البهلوانية الحقل، يمكنه الفوز بمباراة من خلال انفجار مدوى عندما يكون ظهره للمرمى، أو بتمريرة مستحيلة من بعيد عندما تصطدم به آلاف أرجل العدو، ولا يمكن لأحد أن يمنعه عندما يقرر المراوغة لأعلى، فى كرة القدم المتجمدة فى عالم اليوم، والتى تكره الهزيمة وتمنع كل مرح، كان هذا الرجل من بين القلائل الذين أثبتوا أن الخيال أيضاً يمكن أن يكون فعالاً.


Wednesday, November 25, 2020

عطر صوفيا لورين والحياة المقبلة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /25

 عودة صوفيا لورين أيقونة إيطاليا ونبيذ السينما المعتق إلى الشاشة فى سن السادسة والثمانين، هى حدث يستحق الاحتفاء والبهجة، أطلت علينا صوفيا من خلال نافذة منصة «نتفيلكس» وببصمة ابنها المخرج إدواردو بونتى الذى كان قد أخرج لها أيضاً آخر أفلامها منذ عشر سنوات، أطلت علينا كالعطر الذى تفوح رائحته أكثر كلما تقادم الزمن، أطلَّت بفيلم «الحياة المقبلة»، فيلم بسيط، ليس فيه استعراض عضلات أو إثارة مغامرات أو توابل جنس، فيلم إنسانى نسجت خيوط الشجن فيه شخصيتان فقط، سيدة عجوز وطفل، مدام «روزا» اليهودية الهاربة من جحيم معتقل «أشفيتز» النازى، التى كانت عاهرة والآن ترعى أطفال بائعات الهوى فى بيتها المتواضع، والطفل «مومو» المسلم السنغالى الأصل (الممثل العبقرى إبراهيم جوى الذى أتوقع أن يقتحم العالمية خلال سنوات)، مومو ابن العاهرة التى قتلها زوجها لأنها رفضت الاستمرار فى بيع جسدها، بدأت العلاقة بسرقة مومو لحقيبة روزا وبها شمعدانان كانت ذاهبة لبيعهما لتسديد الإيجار، لكن د. كوين الطبيب النفسى الذى يرعى مومو بعد وفاة والدته يعيد إليها المسروقات، ويطلب منها ضم هذا الطفل فى بيتها إلى جانب الطفلين الآخرين ومراعاته، فهو طفل فى منتهى الذكاء.

تقبل على مضض حين يغريها الطبيب العجوز بـ٧٠٠ يورو شهرياً، تنمو العلاقة فى تلك المعزوفة السينمائية بنعومة وتصاعد ذكى وشجن مؤلم، روزا تكتشف أنها مقبلة على ألزهايمر، حين تبدأ فى النسيان الشديد لدرجة أنها تتوه منه بعد أن ضلت الطريق إلى حمام المطعم، بذكائه الفطرى يفهم ويحس مومو باقتراب الخطر من روزا التى تأخذ منه عهداً بألا يسمح لأحد بأن يأخذها إلى المستشفى حين تفقد صلتها بالعالم ويجرى عليها الأطباء التجارب، أخذت منه هذا الوعد فى قبو أسفل البيت.

كانت روزا تلجأ إليه أملاً فى السلام النفسى واستمراراً لعزلة المعسكر النازى القديمة، حكت له وهى تلملم شتات الذاكرة عن تلك الزهور التى كانت تحيط ببيتها القديم فى زمن الطفولة، وكم كانت تحب تلك الزهور، حين أغمى عليها ونقلها الإسعاف إلى المستشفى، خطط مومو لتهريبها تنفيذاً لوعده بألا يتركها، أخفاها فى القبو حتى ماتت وهى لا تعرفه لكنها كانت تحتضنه بعدما أهداها نفس الزهور التى كانت تعشقها فى طفولتها، وضع مومو وهو يبكى بحرقة على قبرها صورة بيتها القديم وشجرة زهورها المعشوقة التى كانت تشير إليها وهى تحكى، كان يلمح وشم الرقم المحفور على ذراعها منذ أن كانت فى أوشفيتز، وكان يتساءل بفضول، عرف أخيراً بعد أن ودعته.

ليست علاقة مومو بمدام روزا هى الوحيدة التى يجسدها الفيلم، هناك علاقات متناثرة لكنها كلها يجمعها التسامح وقبول الآخر وتفجير ينابيع الخير الموجودة تحت السطح الذى ربما يكون مشوهاً ظاهرياً، هناك علاقة بين الطفل مومو وتاجر السجاد الإيرانى الذى أرادت روزا أن يعمل معه ويعلمه أصول صنعة وفن ترميم السجاد، والذى يضع لوحة آية قرآنية بخط الثلث إلى جانب أفيش فيلم فى بيتنا رجل!!، وبين مومو وبين تاجر المخدرات الذى يستغله لتوزيع الصنف، وهناك علاقة التعاطف من روزا والطفل مع الجارة المتحولة جنسياً والتى كانت بطلاً للملاكمة عندما كانت رجلاً!!، نسيج دانتيلا سينمائى ويكفى أنه معطر بعطر صوفيا لورين، والتى كانت تسير بصعوبة فى المشاهد من أثر السن، لكن ما زال ألق عينيها يأسرنا ويجذبنا ويمنحنا عصارة الفن فى قارورة من النيجاتيف الساحر.


Tuesday, November 24, 2020

الحداثة سر التقدم: عقبالنا بقلم د. محمد أبوالغار ٢٤/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 شعوب العالم الثالث ومن ضمنها مصر تعثرت كثيراً خلال القرن الماضى فى محاولات مختلفة للتقدم بدأتها أسرة محمد على، ثم محاولة عبدالناصر، ثم مرحلة السادات والانفتاح والتى استمرت فترة طويلة، تخللتها ثورة ٢٥ يناير التى انتهت بعدم تحقيق أهدافها، ولكن تأثيرها النفسى المستقبلى على الشباب فى المدى البعيد لا يمكن التنبؤ به الآن. هناك إجماع بأن الحداثة هى الطريقة الوحيدة لبناء مستقبل الأمم وانتقال شعب من دولة عالم ثالث متخلفة إلى دولة حديثة متقدمة. الحداثة لها أركان معروفة وهى التقدم العلمى والتقدم الفكرى والتقدم الاجتماعى. والسؤال هو: ما معنى هذه الكلمات العامة وكيف لدولة مثل مصر أن تنتهج هذه المسارات؟

بدأت الحداثة باختراع جوتنبرج للمطبعة، وتلاها ميكنة الصناعة، ثم دخول عصر التكنولوجيا وعصر الاتصالات واستخدام الكمبيوتر. لقد حقق العالم فى القرنين الماضيين تقدما علميا أكبر بكثير مما حققته البشرية منذ آلاف السنوات. ما تفعله دول العالم الثالث هو نقل قشور التكنولوجيا، وهناك دول من العالم الثالث استطاعت الدخول فى مرحلة التصنيع المتقدم والتكنولوجيا مثل الصين وكوريا، دول العالم الثالث فشلت فى ذلك.

وقد جربت مصر النظام الاشتراكى المغلق، وكانت الدولة هى قائدة مسيرة التصنيع والتكنولوجيا. ثم جربت سياسة الانفتاح ووضع خريطة الصناعة والتقدم فى أيدى القطاع الخاص ثم وضعت نظاماً مختلطاً. الفشل كان شعار العالم الثالث لأنه لا يمكن تحديث الصناعة بدون وجود تفكير علمى، والأمر متوقف على تغيير جذرى فى نظم التعليم مبنى على التفكير والاستنتاج. والموضوع صعب لأن هذه الدول غير مقتنعة بذلك، والتعداد السكانى رهيب ومن الصعب استيعابه، فالنهاية هى استمرار نوعية التعليم التى فشلت مسبقاً مع توسيع قاعدة التعليم بمدارس وجامعات خاصة وهى كلها مؤسسات تعليمية الغرض منها الربح، والنهاية الفشل الذى يزداد قسوة بتخريج أعداد هائلة من أنصاف المتعلمين لا يمكن أن يقيموا صناعة حديثة مبنية على التكنولوجيا وزيادة فى الإنتاج بدون تقدم علمى، ولا يمكن حدوث هذا التقدم بدون وجود علماء. النظم الحالية لا يمكن أن تؤدى إلى ظهورهم.

الثورة الصناعية التى حدثت فى أوروبا لم تكن فقط ثورة فى الصناعة والتعليم، وإنما صاحبها تغيير جذرى فى علاقة الكنيسة بالدولة. وقد تم فصل الدين عن الدولة وهذا أتاح للعلماء والمفكرين التحرر من نفوذ رجال الدين وسيطرتهم، ولكن هذا لم يمنع الإنسان أن يحتفظ بالعلاقة مع الله. نيوتن العالم الكبير وصاحب قانون الجاذبية كان يؤمن بأن الله خالق الكون وأنه أيضاً خالق القوانين التى أسس لها نيوتن، ولكنه كان أيضاً يؤمن بأن دراسة هذه القوانين وفهمها يتم عن طريق الإنسان مباشرة دون الرجوع للإنجيل. وتأسست أمريكا بالمهاجرين الأوروبيين الذين استمروا فى تطبيق نفس المبدأ فى الدولة الجديدة، وأدى ذلك إلى تصادم بين العلم والدين فى بعض الأدبيات، ولكن هذا الفصل سمح للعلم بالتقدم بدون سقف وبدون سؤال ما هو حلال وما هو حرام. وصاحب ذلك تحول السلطة إلى سلطة مدنية بالكامل، وقد حرر ذلك الإنسان فانفجرت طاقات الفنون والآداب بدون سقف وحققت إنجازات رائعة.

العالم الثالث كله لم يلحق بالثورة الصناعية ولا بفصل الدين عن الدولة فى البلاد التى فيها الدين الإسلامى هو دين الأغلبية فى الشرق الأوسط، أو فى أمريكا الجنوبية حيث الدين المسيحى هو دين الأغلبية. فأصبحت الغيبيات موجودة بكثرة، وكثرت التجارة باسم الدين. فصل الدين عن الدولة يترك الحرية للإنسان للتعبد إلى ربه بالطريقة التى يقتنع بها. وفى الدين المسيحى كان الفصل أصعب لأن لرجل الدين دورا جوهريا فى الدين، أما فى الدين الإسلامى فهناك إجماع على أن العلاقة بين الإنسان وربه مباشرة ولا تحتاج إلى وسيط. فصل الدين عن الدولة يسهل للإنسان أن يأخذ من التفسيرات الذى يتمشى مع الحداثة ولا يوجد فرض عليه بأخذ تفسيرا محددا.

يثار فى هذه الأيام حديث عن رأى الدين بزواج المسلمة من غير المسلم، وأعتقد أنه فى وسط الأزمة التى يمر بها المجتمع والمنطقة، بل والعالم كله من الوباء، هذا الأمر ليس بمشكلة حيوية تستحق أن تختلف حولها. لو كانت الدولة مدنية حقاً وهناك فصل بين الدين والدولة لكان الأمر بسيطاً ولأصبح متروكاً للإنسان وما يراه وما يقتنع به. حينئذ سيكون الزواج مدنياً فى الشهر العقارى كما هو الحال فى أوروبا وأمريكا. من يرد زواجاً دينياً فليذهب بعد ذلك إلى الكنيسة أو المسجد وله مطلق الحرية برغبته فى الزواج دينياً.

الأمر الثالث فى الحداثة هو أهمية كرامة الإنسان وصونها وحرية الإنسان فى التعبير عن رأيه وحدود حرية الرأى يحددها القانون، وهى ألا تتعدى على حرية الآخرين أو كرامتهم، وقد أدى ذلك إلى التطوير الكبير فى الفنون والآداب والتى نتجت عنه فنون جديدة ودخلت التكنولوجيا الحديثة فى الفن فأضافت إبهاراً كبيراً وجذبًا لجمهور كبير. والأدب والثقافة انتشرت عن طريق الإنترنت واستخدام الوسائط الإلكترونية فى القراءة. وأعطيت الفرصة للكثيرين بالنشر مباشرة على الإنترنت أو فيسبوك وغيرها كتابات ووثائق وأفلام مختلفة وفيديوهات شخصية وأدى ذلك لانتشار المعرفة بسهولة عبر العالم كله الذى أصبح قرية صغيرة.

الدول التى طبقت الحداثة حدث فيها تطور ديمقراطى برغم تباين النظم السياسية، وشجعت الحداثة على ارتفاع شعارات العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة.

أحد الأمثلة على أرض الواقع هو ما حدث للطائفة اليهودية فى مصر والتى كان تعدادها حوالى مائة ألف نسمة، حين كان تعدادنا ١٦ مليون مواطن. كانت مثل بقية الشعب خليطا من الأغنياء والطبقة الوسطى والفقراء وفيها نسبة أمية عالية. قامت المدارس والهيئات اليهودية فى أوروبا بنشر المدارس اليهودية التى أدخلت جميع جوانب الحداثة فى العمل والفهم والتصرفات، فالنتيجة أن اليهود أصبح مستواهم الفكرى والمادى أعلى من بقية الشعب، ونجحوا فى تحديث الطائفة فى مصر، وعندما خرجوا من مصر تأقلموا بسهولة مع الشعوب الأوروبية التى عاشوا معها فى أوروبا وأمريكا وحتى فى إسرائيل.

وأخيراً فإن الحداثة تجعل الإنسان مواطناً عالمياً، يؤمن بالعلم الذى لا تعارض بينه وبين الدين. نرجو أن تدخل مصر عصر الحداثة ولو متأخرة قرنين من الزمان.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


(على قد الشوق).. دعوة صريحة للتحرش! بقلم طارق الشناوى ٢٤/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

فى أحد التسجيلات التى أجريتها مع الموسيقار الكبير كمال الطويل، روى لى أن أغنية عبدالحليم حافظ (على قد الشوق) توثق حكاية حب مستحيلة عاشها على أحد شواطئ الإسكندرية، عندما رأى فتاة حسناء، من المنطقى أنها كانت ترتدى (مايوه)، غازلها قائلا (على قد الشوق اللى فى عيونى/ يا جميل سلم)، ولا أدرى هل الجميل سلم أم (عملت نفسها من بنها)؟، فى طريق عودتهم لـ(الكابينة)، قال له عبدالحليم إنها تصلح كمطلع أغنية وبدأ الطويل (الدندنة)، وتواصلا مع الشاعر محمد على أحمد، فأكمل (أنا ياما عيونى/ عليك سألونى/ وياما بتألم) وبسبب النجاح الطاغى للأغنية تم إنتاج أول أفلام عبدالحليم (لحن الوفاء)، الاتجاه فى البداية أن يحمل الفيلم اسم (على قد الشوق)!!.

أريدك فقط أن تتذكر أن هذه الأغنية انطلقت عام ١٩٥٤، وأسفرت عن أكثر من نجاح، أولا صار عبدالحليم مطربا جماهيريا سبق فى نجاحه كل معاصريه، وقال الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوى: (على قد الشوق هى الطبق الطائر، الذى صعد بعبدالحليم إلى السماء السابعة)، ثانيا بدأت السينما تلهث للتعاقد معه على أفلام غنائية، رغم أنه قبلها بعام واحد عندما رشحه المخرج عاطف سالم لغناء (تتر) فيلم (فجر)، اعترضت المنتجة مارى كوينى، وهى واحدة من أشهر رائدات السينما المصرية، وقالت للمخرج: (وجهه ليس فوتوجينيك، يغنى فقط بصوته).

لم ينس لها عبدالحليم، طوال حياته، هذا الموقف أبدا، ورفض أن يلعب بطولة أى فيلم من إنتاجها، حتى بعد أن قدمت له شيكا على بياض، ثالثا النجاح أيضا دفع عبدالوهاب للموافقة على التنازل عن الدعوى القضائية التى أقامها ضد عبدالحليم، لأنه لعب بطولة أفلام من إنتاج آخرين، قبل أن ينفذ تعاقده معه، كما أنها ساهمت فى شراكة فنية وإنتاجية بين عبدالوهاب وعبدالحليم تبلورت فى (صوت الفن) التى أنتجت عشرات من الأفلام والأغنيات، وليست بالضرورة كلها لعبدالوهاب وعبدالحليم.

تخيل أنك فى هذا الزمن تقمصت دور كمال الطويل ورأيت فتاة جميلة تعبر الشارع، وقلت فقط: (على قد الشوق)، ولم تكمل، حتى (يا جميل سلم)، أى أنك عبرت فقط عن مشاعرك، ولم تنتظر رد السلام، ح تلبس على الفور قضية تحرش، وستصبح فضيحتك بجلاجل، وستكتشف أن الجميع يقذفونك بكل ما فى حوزتهم من قسوة وعنف ومثالية مزيفة.

توصيف التحرش فضفاض، ويختلف فى الزمان والمكان، بل داخل المكان والزمان الواحد، ربما تكتشف أن ما هو مقبول فى دائرة مرفوض فى أخرى، المداعبة بكلمة قد يتقبلها البعض فى موقف وربما فى آخر وبنفس المفردات وعلى حسب مزاج المتابعين تجد أن (الكلابشات) فى إيديك، وفين يوجعك و(كله ضرب ضرب مفيش شتيمة).

تنويه لابد منه، هذا المقال مؤكد يرفض التحرش بكافة أنواعه وصوره وأنماطه، المقصود قبل أن يلبسنى أحدهم قضية، هو أن ليس كل ما يبدو ظاهريا تحرشا هو بالضرورة تحرش و(على قد الشوق اللى فى عيونى/ يا جميل سلم).


الأرمن من مذابح تركيا إلى أحضان مصر - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /23

 شارك الدكتور منير حنا، رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية، مساء يوم الأحد الماضى، فى قداس ذكرى الإبادة الأرمينية، قال حنا فى بيان صادر عن الكنيسة الأسقفية «إن الإبادة الأرمينية التى ارتكبتها تركيا ضد الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى وصمة عار فى جبين الأتراك لا يمحوها زمن»، مؤكداً أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يسير على خطى أسلافه ويجدد المآسى فى أرمينيا مرة أخرى هذه الأيام، وأوضح حنا فى بيانه الذى نشره موقع «الوطن»، أن النظام التركى يواصل جرائمه ضد الإنسانية على عدة مستويات، سواء فى الداخل أو الخارج، معبراً عن تعازيه للشعب الأرمينى فى ذكرى هذه المذبحة البشعة التى راح ضحيتها آلاف الأبرياء وتسببت فى الشتات الأرمينى فى شتى بقاع العالم حتى إن مصر استقبلت بعضاً منهم فى تلك الأثناء.

انتهى الاقتباس من بيان د. حنا، لكن لا بد ألا ينتهى التأكيد على دور مصر الرائع فى استقبال واحتضان الأرمن الذين ارتُكبت ضدهم مجازر ومذابح راح ضحيتها ما يقرب من مليون ونصف مليون أرمنى، وفى هذه المناسبة من المهم أن نتحدث عن وثيقة مهمة وهى بيان شيخ الأزهر حينذاك والذى أدان تلك المذابح فى فتوى طبعها المحامى حسين صبرى على حسابه وأرسل منها ٢٥ ألف نسخة إلى الحكومة التركية، هذه الوثيقة أصدرها شيخ الجامع الأزهر سليم البشرى فى مايو 1909، وندد فيها بالمسلمين الأتراك ومذبحتهم الأولى التى قتلوا فيها 30 ألف أرمنى فى مدينة أضنة، وهى إحدى أكبر المدن فى الإمبراطورية العثمانية، قال شيخ الجامع الأزهر فى بيانه:

(وبعد فقد اطلعنا فى الصحف المحلية على أخبار محزنة وإشاعات سيئة عن مسلمى بعض ولايات الأناضول من الممالك العثمانية، وهى أن بعضهم يعتدون على بعض المسيحيين فيقتلونهم بغياً وعدواناً، فكدنا لا نصدق ما وقع إلينا من هذه الإشاعات، ورجونا أن تكون باطلة، لأن الإسلام ينهى عن كل عدوان ويحرم البغى وسفك الدماء والإضرار بالناس كافة، المسلم والمسيحى واليهودى فى ذلك سواء.

فيا أيها المسلمون فى سائر البقاع وغيرها احذروا ما نهى الله عنه فى شريعته الغراء واحقنوا الدماء التى حرم الله إهراقها ولا تعتدوا على أحد من الناس فإن الله لا يحب المعتدين.

إن للذين عاهدوكم والمستأمنين لكم والذين جاوروكم من أهل الذمة بينكم حقاً من الله تعالى فى رقابكم أن تستقيموا لهم ما استقاموا لكم، وأن تمنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم وأهاليكم، وأن تجعلوا لهم من بأسكم قوة لهم ومن قوتكم عزاً ورخاء، وأن تكفوا عن أديارهم وكنائسهم وبيعهم ما تكفون عن مساجدكم ومعابدكم.

ولا والله ما داس امرؤ حريمهم ووضع السيف فيهم وبغى عليهم إلا كان ناقضاً لما أخذ الله على المسلمين من عهد وأوجب عليهم من أمر..

واعلموا أنه إن كان ما بلغ الناس عنكم حقاً فقد أغضبتم ربكم، وما أرضيتم نبيكم وشريعتكم، وأحفظتم إخوانكم المسلمين عليكم غيرة على دينهم الذى قد تنكرت بهذا العمل الشنيع (إن صح) معالمه، وانتُهكت محارمه وأطلقتم ألسنة الجاهلين بدينكم بنكر القول فى المسلمين أجمعين.

ألا فاسمعوا بعض ما قال نبيكم فى مثل ما أنتم فيه اليوم. قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً».

وقال عليه الصلاة والسلام: «من قذف ذمياً حد له يوم القيامة بسياط من نار»).

هكذا كانت مصر النور والاستنارة، فجر الضمير ومنبع الحكمة وملجأ المقهورين.


Sunday, November 22, 2020

هل نحن نؤثر أم نتأثر؟ بقلم الأنبا موسى ٢٢/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

يموج العالم المعاصر، بمتغيرات كثيرة، وخطوط متقاطعة، وتيارات متضاربة، وثقافات متصارعة.. الأمر الذى يستدعى الحصول على استنارة وحكمة خاصة من الله، ليستطيع الإنسان أن:

١- يستوعب عصره.   

٢- يحلل الأحداث.

٣- يتخذ المواقف.

٤- يقدم الخدمة المناسبة.

فبدون هذا النور الإلهى، والحكمة الإلهية، سوف يتخبط الإنسان كفرد، والعائلة كأسرة، والجماعات المتباينة دينيًا وعرقيًا وثقافيًا واجتماعيًا، والدول المختلفة، والتكتلات الدولية.. لتسير الأمور فى غير صالح الإنسان، فى كل مكان وزمان!!.

نحتاج - إذن - إلى الإستنارة لكى:

١- نستوعب العصر وهنا نستعير مقولة القديس العظيم أنطونيوس: «من يعرف ذاته يعرف الله، ومن يعرف الله يعرف زمانه». ففى أعماقنا- عندما نغوص فيها- يسكن الرب، الذى خلقنا جميعًا على صورته ومثاله، فالإنسان- أصلاً- أيقونة الله، إذ خلقه الله تعالى على صورته فى:

١- القداسة.. حيث إن الله قدوس. ٢- والحكمة.. حيث إن الرب هو «اللوغوس» (أى الحكمة).

٣- والحرية.. حيث إن أحدًا لا يستطيع فرض شىء على الله تعالى.

٤- والخلود.. فهو الحىّ الذى لا يموت.. ويمنح الحياة والخلود لتابعيه!.

أ- فى أعماقنا نرى كيف أن الإنسان مخلوق على صورة الله تعالى.

ب- ونرى الرب ساكنًا فينا، قابعًا فى سفينة حياتنا، جاهزًا للعمل، إذا أردنا، وإذا تجاوبنا مع النعمة الإلهية.

ج- وهكذا تستنير «عيون أذهاننا» (أفسس ١٨:١)، بإلهنا العظيم «نُورُ الْعَالَمِ» (يوحنا ١٢:٨)، وبنور الوصية التى «تعقل الجهال» (مزمور ١٣٠:١١٩).

د- ومن خلال هذه الاستنارة «نفهم».. فنحن «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ..» (عبرانيين ٣:١١).. وهكذا نعرف ذواتنا وحاجتنا إلى الله، فنعرف زماننا ونميز ما فيه من غث وسمين!!.

٢- نحلل الأحداث: وأهم عناصر الأحداث الحالية: «العولمة» Globalization، حيث صار العالم «قرية صغيرة»، أو «جهازًا يقبع فى ركن حجرة»، بل فى يد الشخص، من خلاله يتم اتصالنا بالعالم، واتصال العالم بنا. وهنا مكمن الأمر: هل نحن نؤثر أم نتأثر؟ وبماذا نتأثر؟ وكيف نختار ما يبنينا؟. حولنا عالم اختلط فيه كل شىء: الدين والسياسة والثقافة والحضارة والعِرْق، حتى إن نظرية «صموئيل هنتنجتون» الشهيرة والفاعلة، قسَّمت العالم إلى ٧ أو ٨ قوى، دون أن يسميها قوى، بل دعاها: «حضارات»، بينما هى خليط بين الأديان والثقافات والجغرافيا والأصل الإثنى (العرقى).

وهذه القوى- فى نظريته- هى:

١- الغرب: أمريكا الشمالية وأوربا الغربية.. وهذه ثقافة وبعضها دين.

٢- أمريكا اللاتينية: وهذه منطقة جغرافية لها ثقافتها وظروفها.

٣- الأرثوذكسية: يقصد روسيا وأوروبا الشرقية.

٤- الإسلام: ويقصد مناطق واسعة فى آسيا.

٥- البوذية: فى اليابان.

٦- الكونفوشية: فى الصين.

٧- الهندوسية: فى الهند.

٨- إفريقيا: كاحتمال، لأن ظروفها لا تجعلها قادرة على التأثير، إذ تموج بالأمراض والحروب، وتثقل كاهلها الديون. وهكذا اختلط الحابل بالنابل، والدين بالسياسة، والثقافة بالجغرافيا. وانتهى «هنتنجتون» إلى مقولة: «الغرب والآخرون» (The west and the rest). وبالفعل تم إعمال هذه المقولة، حين سيطرت الولايات المتحدة على الغرب، ثم استطاعت بالمال والنفوذ أن تسيطر على قوى كثيرة، مع دعم كامل لإسرائيل!!.

وكانت النتيجة:

أ- صراعًا غربيًا: يحاول إحداث شرخ وطنى فى العالم العربى، وبالذات فى مصر والعراق وسوريا ولبنان، بين المسيحيين والمسلمين.

ب- غزوًا صهيونيًا: من خلال «بدعة التهود» التى ظهرت فى القرن الأول، وحاربها بولس الرسول، ثم صارت الآن بدعة طائفة «الأدفنتست السبتيين»... التى تحاول أن تنال من إيماننا المسيحى.

ج- محاولة اختراق طائفى: لبعض أبناء الكنيسة القبطية الأم، من خلال هيئات يمولها بعض الأجانب، لتنال من عقيدتنا الأرثوذكسية.

٣- نتخذ المواقف: بناء على التحليل السابق، ونتائجه، نحتاج أن نتخذ المواقف، ونحدد الأولويات، ونضع البرامج التى تساعدنا على تحقيق أهدافنا وهى:

١- دعم الإيمان بالله فى نفوس وقلوب أبنائنا وشبابنا، منذ نعومة أظافرهم، وباستمرار، لكى يفهموا التدين السليم، ويعيشوه فى حياتهم اليومية، ويسلموه للأجيال الصاعدة.

٢- دعم روح المحبة والوحدة فى الوطن.. فنحن كأقباط لا نتخاذل أبدًا عن واجبنا الوطنى، وقد شاركنا على الدوام فى مقاومة المستعمرين، مهما قيل عنهم إنهم مسيحيون.. ونحن نعيش معًا كأعضاء فى جسد واحد، وشركاء لمن يجاهدون معنا، فى هذه الأرض.

٤- إنماء الروح الوطنية: يجب إنماء الروح الوطنية لدى أجيالنا الصاعدة وذلك من خلال:

أ- لقاءات المشاركة الوطنية. ب- الحوار المفتوح مع الآخر.

ج- المساهمة فى العمل الوطنى: الجمعيات والنقابات والأحزاب واتحادات الطلبة.

د- السلوك كمواطنين صالحين نساهم فى بناء الوطن، ونشر الحب والخير.

ه‍- دعم علاقات المحبة فى المجتمع.

***

ومن هنا يصير المسيحى مطالبًا بواجبين هامين:

أ- الخدمة داخل دور العبادة: فى أنواعها ومجالاتها المتعددة، كالتعليم، والعطاء، والتدبير، والرعاية، وخدمة الفئات الخاصة، والافتقاد، وتدريب الخدام.

ب- الشهادة فى المجتمع:

- كنور ينشر حب الله للجميع.      - وكملح يعطى للحياة طعمًا.

- ورائحة تنشر شذاها فى كل مكان.

- ورسالة تنشر كلمات المحبة والسلام.

- وخميرة تنشر عمل روح الله،.   - وكسفراء ننادى الجميع أن: «تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ» (٢كو ٢٠:٥).

لهذا يجب أن نستنير كل يوم بالتدين السليم وبالكلمة الإلهية، وبالقراءات: الروحية والثقافية والعامة.

فليسكب الرب نوره فى قلوبنا وأذهاننا، فنحيا النور، لنصير نورًا لكثيرين، بنعمة الرب العامل فينا ومعنا.

له كل المجد إلى الأبد آمين..

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


وزير التعليم العالى ينتصر للتنوير - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /21

 الإخوان عصابة إرهابية وتنظيم يسعى لتخريب وهدم الدولة بنص القانون، وليس مسموحاً لإخوانى بأن يكون فى منصب ومركز المسئولية عن تشكيل وعى أو التأثير فى قرار أو تمثيل الوطن فى المحافل العالمية، فبين هذا الوطن والإخوان دم نزف من مدنيين وعسكريين، ودور عبادة أُحرقت، وضباط وجنود جيش وشرطة ذُبحوا فى كمائن أو فُجروا فى وحدات بأيديهم أو بتحريض من قنواتهم العميلة، لذلك كنت مندهشاً أن يظل الشيخ الأزهرى د.حسن الشافعى المعروف بانتمائه للإخوان رئيساً لمجمع اللغة العربية، ذلك الصرح العظيم الذى ضم يوماً ما رائد التنوير العربى طه حسين وغيره من عمالقة الفكر والتنوير فى مصر، جاء قرار د. خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى انتصاراً للتنوير وتصحيحاً للأمور العبثية التى سمحت للإخوان برغم ثورة ٣٠ يونيو، بأن يتسللوا ويتوغلوا فى مفاصل مؤسسات الدولة، تم تعيين د. صلاح فضل الذى له مواقف رائعة فى صف التنوير قبل وبعد وثيقة الأزهر التى أجهضت، صدر قرار د. عبدالغفار ليشغل فضل هذا المنصب المهم فى دلالة لا تخفى على أحد بأن وزارة التعليم العالى ماضية فى طريقها الصعب، الذى أمامه وقت طويل وجهد رهيب لإنقاذ الجامعات المصرية من طاعون الأخونة، فى يوم ما جمع الشافعى ما بين ثلاثة مناصب، رئيس المجمع وأستاذ فى دار العلوم ومستشار شيخ الأزهر!! كل هذا وتاريخه مع الإخوان قديماً وحديثاً معلن، الوحيد الذى انتبه وتحرك منذ سنوات كان د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الأسبق، الذى قام بعزله من كلية دار العلوم، وبلغة طب الأسنان كان د. خالد عبدالغفار يعرف جيداً أن ضرس اللاعقل يجب خلعه، لأن السوس ينخر فيه، وصديد الالتهاب الإخوانى لا شفاء منه إذا توغل فى نسيج الوطن، لم يقم بعملية تبييض وتجميل مثلما يفعل البعض، فكما لا يصلح إخفاء الأسنان المخربة الهشة المشوهة باللون الأبيض، كذلك لا يصلح أن نطلى جداراً إخوانياً مهترئاً بمزاعم ديمقراطية زائفة، لا ينكر الشيخ حسن الشافعى تأثره بفكر حسن البنا وانضمامه إلى الإخوان، هو نفسه يقول عن بداياته «التقيت أول مرة بالدكتور العسال (قطب من أقطاب الإخوان) عام ١٩٥٠ فى منطقة شبرا، وكان خارجاً لتوه من معتقل الطور، وكان بصحبة الشيخ يوسف القرضاوى العالم الجليل، والدكتور على عبدالحليم، وبعد فترة كان اللقاء مرة أخرى فى السيدة زينب، وعدت من هذا اللقاء ومعى أول نسخة من كتاب (التشريع الجنائى فى الإسلام) للشهيد عبدالقادر عودة». أما موسوعة الإخوان المسلمين فتقول عنه بفخر «إن الشافعى تأثر كثيراً بحسن البنا، حيث ترك مؤسس الجماعة بصماته على فكره وسلوكه»، وقد اعتقل الشافعى ثلاث مرات آخرها فى حملة اعتقالات تنظيم سيد قطب، وسيرد البعض بأن الشيخ قد تاب وأناب وتخلى عن إخوانيته عندما صار مستشاراً لإمام وشيخ أكبر مؤسسة دينية سنية فى العالم، لكن ٣٠ يونيو كشفت كل الأوراق، فقد أصدر عدة بيانات نارية بعد انهيار حلم جماعته، يدين فيها انتفاضة الشعب المصرى ضد الإخوان، ونقلاً عن الصحفى محمود الشهاوى الذى جمع تلك البيانات فى أحد أعداد «البوابة»، اعتبر الشافعى وقتها أن ما حدث فى ٣٠ يونيو «انقلاب عسكرى مكتمل الأركان»، ووصفها بـ«المؤامرة الانقلابية المدبرة بدقة وإحكام قبلها بثلاثين ساعة بل ومن بدء رئاسة الدكتور مرسى»، وهدد قائلاً «لن تستمر قوى البغى والعدوان أن تفرض الخوف فى قلوب المواطنين بعد أن ذاقوا طعم الحرية فى عهد د. مرسى»، مؤكداً على أن «الضغط على الإسلاميين لن يدخلهم تحت الأرض»، هذا غيض من فيض بياناته التى استمات فيها دفاعاً عن أرامل البنا، وأرسل نداءات للبلاد الإسلامية بالتدخل لعودة الإخوان، لكن د. خالد عبدالغفار بجرأة وحسم أصدر قراره الذى وقف فيه إلى جانب مهمة الجامعة الأولى وهى تنوير العقل وتحرير الروح.


Saturday, November 21, 2020

احتفظ فى بيتك بالآتى بقلم د. وسيم السيسى ٢١/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

إنها لوحة كبيرة فى المستشفيات والأماكن العامة فى إنجلترا، ماذا لو قابلتك حالة غيبوبة؟! كيف تتصرف بسرعة لحين يراه الطبيب؟!.

١- بص: اللون باهت «نزيف»، أزرق جلطة رئوية، أصفر «غيبوبة كبدية».

٢- حِس: بارد «نزيف»، سخن «جلطة المخ pontine».

٣- حرك: الرقبة متصلبة «التهاب سحائى»، الأطراف «شلل».

٤- شم: أسيتون «سكر»، أمونيا «بولينا»- كحول «خمر».

درجات الغيبوبة خمس:

١- سامعك ويستجيب حتى بحركة العينين.

٢- هل يحس بالألم؟.. قرصة الأذن.

٣- المس قرنية العين.. يبربش.

٤- منعكس الضوء على حدقة العين «بطارية».

٥- ليس هناك تنفس! هذه أسوأ درجة.

تعمل إيه؟ تذكر a-b-c ... إلخ:

Air Way:A منافذ الهواء.. اعدل الرقبة.. فك ياقة القميص.

breathing :B تنفس صناعى أو قبلة الحياة إذا لزم الأمر.

ciriculation :C الدورة الدموية، تدليك القلب إذا لزم الأمر.

drugs :D العقاقير طبقًا للحالة.

early treatment :E بسرعة.. الوقت مهم جدًا.

focal lesion :F فكر فى بؤرة صرعية.

gases :G غازات الدم فى المستشفى.

hypo or hyper thermia :H حرارة عالية أو منخفضة.

judge pupils :j عينك على حدقتى عين المريض.

keep examining :k داوم الفحص.. خليك جنب المريض.

احتفظ فى بيتك بالآتى:

١- جهاز ضغط وسماعة.

٢- جهاز وشرائط لقياس السكر.

٣- قسطرة سيلكون رقم ١٨ وشنطة جمع بول+ k.yjel.

٤- محاليل دكستروز وملح وأجهزة نقل محاليل، أفدرين، أتروبين، مسكنات، أبيدرون عدد ٥، حقن مضادة للحساسية، لازكس، أبيلات، سرنجات ٥سم، ١٠سم.

٥- أرقام مستشفيات، وأطباء.

حتى إذا كنت غير قادر على استخدام هذه الأشياء فأنت توفر وقتًا على الطبيب القادم فى توفير هذه المستلزمات.

أتذكر أن الدولة فى إنجلترا كرمت زوجة لأنها أنقذت زوجها من موت محتم بالاختناق، حين كان يضحك أثناء الطعام، فانحشرت قطعة لحم فى حنجرته، ازرق وجه الرجل، ودخل فى غيبوبة، فما كان من هذه الزوجة الواعية بالإسعافات الأولية، وهى ليست طبيبة، إلا أنها شقت القصبة الهوائية بسلاح حاد، ووضعت أنبوبة ونقلته إلى المستشفى! استخرجوا قطعة اللحم، وأغلقوا الجرح، وكرموا الزوجة تكريمًا عظيمًا.

أعجب كثيرًا حين يفقد إنسان وعيه وهو على كرسى، وبدلًا من أن يجعلوه مسطحًا، مرفوع الساقين حتى يضخ لتر دم للمخ بهذه الحركة البسيطة أراهم يطبطبون على خديه، مع تقديم كوب ماء له!!.

على الإعلام، خاصة التليفزيون، أن يقوم بهذه التوعية الحيوية، ولا مانع أن يقدم لها بكلمات أسمهان: أنا اللى أستاهل كل اللى يجرا لى! الغالى بعته رخيص، وما احسبوش غالى.


Friday, November 20, 2020

هوامش على دفتر قضية د. آمنة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /20

 • نفتح الشباك ولا نقفل الشباك؟! أى شخص يفكر خارج سياق المؤسسة الدينية حتى لو من داخل المؤسسة الدينية يُغتال معنوياً والتهمة حيازة عقل.

• ما حدث من هجوم على د. آمنة نصير وصل إلى حد اتهامها بازدراء الدين، لم يكن دفاعاً عن الدين الفرد ولكنه دفاع عن الدين المؤسسة، الدين عقيدة وضمير الفرد وعلاقته الخاصة مع الله للروحانية ليس هو المهم عندهم، لكن المهم لديهم هو الدين بيزنس وسلطة المؤسسة وعلاقتهم العامة مع البشر للسيطرة.

• ما حدث من هستيريا تجاه د. آمنة نصير فى حديثها عن زواج المسلمة من الكتابى أثبت أن الصراع ليس بين إيمان وإلحاد، ولكنه بين إيمان وإيمان، زاوية رؤية وزاوية رؤية مختلفة، قراءة وقراءة مختلفة، الغنى والثراء للفكر الدينى يأتى من تعدد القراءات، لكن المؤسسة الدينية الإسلامية تحتكر قراءة حصرية.

• نحن فقط الذين نتحدث باسم الإسلام، وعندما تسأله أو تسألهم من هذا «النحن»، وعن أى إسلام تتحدثون؟!، يكون الرد نحن علماء الدين، والإسلام إسلام بلون واحد محدد، لا أطياف ولا ألوان فيه، يا سادتى العلماء الكهنة محتكرى الدين، الدين لم ينزل لفئة تحتكر فهمه، الدين نزل للجميع، الدين ملاذ لا ألغاز.

• آمنة نصير طرحت السؤال، والسؤال خطيئة عندهم، ومن قبلها سعد هلالى سلط الضوء على الآراء المسكوت عنها، والضوء عدو لهم، ومن قبلهما كان أبورية الذى تجرأ وناقش أبا هريرة، وعلى عبدالرازق الذى فنَّد ظاهرة الخلافة وحاول نزع السياسة عن الدين، كل هؤلاء برغم انتمائهم للمؤسسة طُردوا من جنتها.

• يقولون لإفحام صاحب السؤال: هات لى دليلك من القرآن، وعندما واجهتهم د. آمنة نصير بنفس السؤال تهربوا وراوغوا، قالوا ليس نصاً قرآنياً بل كان رأياً فقهياً، قالت لم يقل الرب الإله بذلك، قالوا لكن العلماء البشر أمرونا بذلك، قالت نحن عبيد للرب وليس لمخلوقات الرب، هوجمت لأنها سألت نفس سؤالهم!

• سر حدة الهجوم على د. آمنة يعود إلى سببين، الأول أنها بنت المؤسسة الدينية وهى بهذا المروق والتحليق خارج السرب والخروج من الإطار المرسوم ستحرجهم وتخفف من قبضتهم وتطلق سراح المعتقلين ذهنياً، الثانى أنها امرأة، وتاء التأنيث هى عدوهم التاريخى ولوحة تنشينهم السهلة، من هذه النافذة قفز الرعب.

• يصرخون طوال الوقت نحن ندافع عن الإسلام من محاولات تغيير ثوابته، ونحن بدورنا نتساءل هل أنتم تدافعون عن إسلام الأشاعرة أم إسلام المعتزلة أم إسلام الخوارج أم إسلام الشيعة أم إسلام الوهابية؟، هل تدافعون عن إسلام محمد عبده أم إسلام القرضاوى؟ وعن ثوابت أبى حنيفة أم ابن تيمية؟!

• د. آمنة مؤمنة مثلهم، لكنها عندما خالفتهم فكرياً لم يكن لها نصير.


من الفاشية الكروية إلى الفاشية الدينية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /19

 المتعصب الكروى صار هو الصيد السهل للتنظيمات الدينية المتطرفة، وأظنه سيصبح حصان طروادة الجديد الذى تراهن عليه تلك التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، لمحاولة العودة والتوغل والتغول فى قطاعات كبيرة ومؤسسات كثيرة داخل الدولة فى خطة للسيطرة على مفاصل الدولة.

تجولت كثيراً فى صفحات السوشيال ميديا وحاولت بقراءة تحليلية أن أتابع الشباب المتطرف الذى يشتم ويسب ويروج لمقولات الإخوان وينخرط فى لجانها الإلكترونية، وجدت معظمهم يضع صور لاعبى كرة أو أندية على البروفايل الخاص، ومعظم بوستاته تتأرجح ما بين الكروى والدينى، العبارات حادة وعنيفة، واللغة السوقية الخشنة هى السائدة والغالبة، والشجارات تصل إلى سب الأم والأب بأقذع الألفاظ!!، لكن ماذا يجمع ما بين الفاشية الكروية والفاشية الدينية؟، وما الذى يجعل المتطرف والمتعصب كروياً هو الجاهز للتجنيد والانخراط فى تنظيمات التطرف الدينى؟

هناك أوجه شبه، وهناك نقاط التقاء كثيرة، المتعصب الكروى ابن بار لثقافة القطيع، وتلميذ مخلص فى مدرسة السمع والطاعة، لا يستطيع أن يشجع وحيداً، ولا يطرح أسئلة عن أسباب الفشل أو الخطأ، دائماً ما يبرر، دائماً ما يلتمس الأعذار، لا يمتلك المنهج النقدى فى التفكير، مغمض العينين عن السلبيات، يحتاج فى كل تحركاته إلى صنم يقدم إليه القرابين، يتحرق شوقاً إلى مرشد يقبِّل يديه كل صباح ومساء، يدافع عنه حتى ولو أجرم، يحلل له كل محرماته ويقلب خطاياه إلى لمسات ملائكية، المتعصب الكروى لا يقبل الحوار، يكره آلياته، حواره أصم، فى اتجاه واحد، يشخصن الأمور، مخاصم للموضوعية، لا يعترف بالإنصاف، وغرضه ليس الحقيقة، لكن غرضه الانتصار لفريقه، مستعد لممارسة العنف فى أى لحظة، عنف اللاعبين داخل الملعب الذى أحياناً ما تبرره المنافسة ويكون غير مخطط أو بحسن نية، يصير عند المتعصب مشروعاً بل مطلوباً، صار العنف طقساً عنده، وصارت الفوضى فريضة لديه، وصار العنف اللفظى والجسدى مطلوباً لتحقيق الانتصار حتى ولو على حساب مبادئ الرياضة نفسها.

ما نراه من صراع إعلامى على الساحة الرياضية فى بعض القنوات صار ردحاً لا يليق حتى بالجهلة والمسجلين خطر فما بالك بأصحاب مهن محترمة ومناصب رفيعة يدخلون فى خناقات وألفاظ غير لائقة وتلويث سمعة وتجريس! كله من أجل عيون الفريق والكرة، لا بد أن ننتبه إلى أن ظاهرة التعصب الألتراساوى، وتغذية النار لتأجيجها، هو انتحار، ليس للرياضة فقط، ولكن لمستقبل هذا الوطن وشبابه، وكما نادينا بعدم الخلط بين الدين والسياسة، ننادى بعدم الخلط بين الرياضة والسياسة، البعض يظن أنه يربى قطاً أليفاً، الحقيقة لا، ففى النهاية سينقلب نمراً شرساً يلتهم أول ما يلتهم مَن ربَّاه وسمَّنه وروى أرض التعصب فيه وضخ دماء التطرف فى شرايينه، بدعوى الانتماء وهو فى الحقيقة انتهاء.


Wednesday, November 18, 2020

هل اختفت النكتة؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /18

 النكتة مختلفة عن الردح، النكتة فن والردح بلطجة، وللأسف كثير منا يفهم فى تلك الأيام النكتة ويتعامل معها على أنها نوع من الردح والشتيمة والتنمر، لذلك عندما أسأل عن اختفاء النكتة، فأنا أسأل من موقف انزعاج، لأن اختفاءها يعنى انسداداً لشرايين البهجة فى الجهاز الدورى للعقل المصرى، لذلك فتش عن النكتة، هى مفتاحى السحرى وكلمة السر وحل اللغز، هى أنجح محاولة لرسم بورتريه للوطن، فليس أفضل من النكتة كريشة سحرية ترسم اللوحة بلا رتوش وبألوان هى كألوان معابد الفراعنة لا تبهت لأنها ضد الزمن، وبعيداً عن علوم الاجتماع والأنثروبولوجى ومجاملات الحكام والسلاطين والمكاتبات الرسمية وبلاغة الأقوال وزخرفة الكلمات والتنميق والتزويق، «فتش عن النكتة» وابحث فى مدلولاتها ومعانيها المختفية والمضمرة فهى ثقافة الشعوب الشفهية التى تكشف المستور، وتبوح بما تخفيه الأعراف والتقاليد وألاعيب السياسة وكبت الجنس وحتى بما تقننه وتستره طقوس وتعاليم الدين، فهى الدستور غير المكتوب والأدب الذى يتعالى عليه النقاد.

النكتة كالعشق تستعصى على التعريف وتتحدى التصنيف والقياسات والمعادلات الرياضية، إنها الفن المجانى الذى يمارسه الفقراء، وحفلة الزار الجماعية التى تقيمها الشعوب المقهورة، وبرغم أن الفقراء والمقهورين ليسوا أصحاب التوكيل الوحيد لقطع غيار النكت، فإننا نستطيع أن نقول إنهم أصحاب وملاك الصناعة الأصلية، فالنكتة المغموسة فى ملح الفقر والقهر هى الوجبة الأساسية، أما عند أهل الشمال والراحة فهى مجرد «أبراتيف» أو فاتح شهية، هى عندنا صراخ وعندهم همس، هى عندنا ضرورة وعندهم ترف، ونكتتنا حراقة بالفلفل والشطة والحواوشى، ونكتتهم باردة بالكاتشاب والمواد الحافظة والمايونيز.

أكبر مشكلة عند من يمارسون التنكيت فى مصر والتى لا توجد فى بلاد الفرنجة هى أن الواقع المصرى كوميدى جداً أكثر من قدرة أى نكتة شعبية، والحياة المصرية فى حد ذاتها نكتة تتجاوز طاقة أى نكتة مخترعة، ولذلك فصناعة النكتة المصرية صعبة بل وفى بعض الأحيان مستحيلة، وازدادت الصعوبة أكثر حين قل التواصل أو انعدم بين أفراد المحروسة الذين أصبحوا جزراً منعزلة، وبما أن النكتة يتم طبخها فى أفران جماعية لتستوى على مهل وبعدها تنتشر بسرعة الضوء، فإن الخرس الاجتماعى يقتلها والتواصل الحميم ينعشها ويرويها بدليل أن أغلبية النكت تولد وتنتشر عبر المقاهى والأندية والغرز والفصول الدراسية.. إلخ، وكان دخول الإنترنت أكبر ثورة فى عالم التواصل الإنسانى الذى بلا حدود، وأصبح من الممكن أن تتواصل مع العالم كله وليس مع أفراد مجتمعك فقط، ومع الإنترنت عادت النكتة لتزدهر من جديد وانتعشت الذاكرة الجماعية المصرية التى تطبخ النكتة ولكن هذه المرة تم الطبخ والتقديم بل والأكل بواسطة جيل مختلف يتقن لغة الكمبيوتر ويتواصل بالإنترنت، ولم تكن لنكاته وسخريته مذاق مختلف فقط بل للغته أيضاً المذاق نفسه، عبر الإنترنت ستفهم النكتة الجديدة والأهم أنك ستفهم الجيل الجديد نفسه، فالجيل الجديد أو ما يطلق عليه الجيل الروش يحتاج إلى الفهم قبل الإدانة، وفك الشفرة قبل وضع كلمة السر، والحب قبل التربص، فهذا الجيل لن يستطيع ناقدوه إلغاءه من الوجود، ولن يتمكن مهاجموه من تغييره بولادة قيصرية جديدة ووضعه فى حضانة أعرافنا وتقاليدنا وتوصيله بخراطيم أكسجين الانضباط الأسرى والاجتماعى القديم ولكن أقصى ما يستطيع تقديمه أهل الخبرة، كما يسمون أنفسهم، هو الإنصات للفهم والمعرفة وليس التنصت للمصادرة والتحرى، وتعريف الخبرة هو أنها المشط الذى تمنحه الحياة للأصلع بعد فوات الأوان!، وأعتقد أن الجيل الروش يحتاج إلى الشعر قبل المشط، والحياة قبل النصائح، والتجربة قبل التعالى على أو الخوف من التجربة.


Tuesday, November 17, 2020

رسالة من راجى عنايت - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2020 /16

 ما أصعب وما أقسى أن تكون كاتباً مستقبلياً فى مجتمع يقدس الماضى، يا لها من مهمة شبه مستحيلة أن تعيش كراهب فى محراب المستقبل ومعظم مَن حولك محنطون فى توابيت ما قبل القرون الوسطى، هذه كانت صعوبة مهمة الكاتب العظيم الراحل راجى عنايت، الذى كان ينظر حوله فيجد أناساً عيونهم فى القفا، ينظرون إلى الخلف دائماً ويظنون أنهم يتقدمون فى سيرهم، ظل يصرخ طيلة حياته: «راهِنوا على المستقبل وناضِلوا من أجله»، لكن هل أيقظت صيحة الكاتب المستقبلى مَن يقدسون ساكنى المقابر ويستفتونهم فى كل شئون حياتهم؟! كان هذا هو السؤال المؤرق.

منذ عشر سنوات استقبلت رسالة من هذا الرجل العظيم المعلم، ونشرت بعضاً منها لأنه كان يناقش قضية التعليم وكيف أنه مفتاح حل مشكلات مصر، نشرتها تحت عنوان «راجى عنايت يدق ناقوس الخطر فاسمعوه»، كتبت: لن يحدث تقدم فى مصر بدون إصلاح ثورى فى نظام التعليم، وكل ما يحدث من بناء مدارس جديدة أو تغيير مناهج أو طلاء جدران فصول أو حتى تكديس ألف كمبيوتر فى كل مدرسة... إلخ، كل هذا لن يغير التعليم المصرى ولن يخلق إلا نمطاً ببغائياً من طلاب وتلاميذ غير قادرين على الاندماج فى عصر المعلومات الذى لا ينفعه تعليم الكتاتيب وألفية ابن مالك وحقن التلقين والملخصات والدروس الخصوصية، أرسل لى أستاذى ومعلمى راجى عنايت، الذى لم أقابله وجهاً لوجه، بل قابلته على الورق وتعلمت منه من خلال كتاباته المدهشة المستفزة لكسل العقل المصرى المزمن، ما أرسله راجى عنايت ليس مجرد رسالة عادية ولكنه مشروع متكامل ورؤية فكرية متماسكة لإنقاذ التعليم، وأعتقد، من خلال وجهة نظرى المتواضعة، أنها من أهم الكتابات التى تناولت التعليم المصرى من خلال فلسفة متكاملة وخطوط عامة ورؤية ثاقبة متعمقة بدون الغرق فى تفاصيل تافهة وسطحية، إنه لم يناقش تغيير بعض النغمات لتجميل اللحن، بل طالب بتغيير القيثارة نفسها.

وجهة نظر الأستاذ راجى عنايت أن تعليمنا لم يتجاوز مرحلة المجتمع الصناعى النمطى القديم ولم يدخل بعد عصر المعلومات، وقد لخّص صفات تعليم عصر المعلومات فى أنه تعليم يساعد على التفرّد، ويناهض القولبة، ومحاولة جعل الأفراد آحاداً متراصة متشابهة، هو تعليم خالق للمعرفة، يحض على التفكير والابتكار، ويحارب التبعية النمطية والتلقين، تعليم يستفيد من دخول الأجيال إلى كل منابع المعلومات والمعارف، بلا قيود أو وصاية، تعليم يناهض كل ما هو جماهيرى، من رواسب نظم عصر الصناعة، ويحترم الفروق بين الأفراد، تعليم لا يضع قيداً على العقيدة، ويحترم التنوّع الشديد الذى استحدثه تدفّق المعلومات والمعارف فى عقائد البشر وتوجّهاتهم، ويحضّ الفرد على الإيمان بأن اختلافه عن الآخرين هو مصدر ثراء له وللآخرين، كل ما سبق يجبرنا على أن نغير نمط تعليمنا من التلقين إلى الابتكار، فالكمبيوتر أحال قدراتنا الروتينية على المعاش فلم يبقَ لنا إلا الإبداع والابتكار، ولا بد أن نتحول إلى التعليم المفتوح عبر شبكات المعرفة المختلفة وننهى احتكار المدرسة للتعليم، وننتقل من التعليم النمطى الذى يعتمد على التقسيم العمرى إلى التعليم الذى يحترم القدرات الخاصة المختلفة لكل فرد، ولا بد أن نتبنى مفهوم التعليم مدى الحياة ونعتبر أن الشهادة مجرد بداية لتخريج مشروع باحث.

راجى عنايت يدق ناقوس الخطر، فمن خلال هذا النظام سنُخرج جيشاً من مدمنى البطالة الفاقدين للعقل الناقد المبتكر، سنزحف إلى الخلف أكثر وأكثر، استمعوا إلى راجى عنايت الذى لو كنت وزيراً للإعلام لخصصت له حلقة أسبوعية ليشرح لنا خريطة إنقاذ العقل المصرى بدلاً من خفافيش ودعاة الظلام.


Monday, November 16, 2020

طارق الشناوى يكتب: شيكولاتة سعاد حسنى! ١٦/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

من الحالات النادرة فى أغانينا مشاركة أكثر من ملحن فى الإبداع، أشهرها أغنيات (هو وهى)، التى جمعت بين كل من الكبيرين كمال الطويل وعمار الشريعى؟

أتيح لى أن أستمع إلى (بروفات) تعود لنحو ٣٥ عاما مع الصديق العزيز الموسيقار زياد الطويل، التسجيلات تحاول الإجابة عن ولادة تلك الأغنيات، وأشهرها (الشيكولاتة) و(خالى البيه)، ووجدت خيطا لو أمسكنا به وحللناه لاقتربنا من الحقيقة، الخط النغمى فى تلحين الكلمات كمال الطويل، بينما (اللزم) الموسيقية والمقدمة والتوزيع والتنفيذ عمار الشريعى، لم يذكر أحد أبدا إجابة قاطعة، كل منهما منح الآخر فضل النجاح، بينما سعاد فى كل أحاديثها كانت تذكر فقط أن الأغانى تلحين الطويل، وحدثت بعدها جفوة- بل خصومة- بين سعاد وعمار، حاول عمار أكثر من مرة تنبيهها، الطويل أيضا طلب منها أكثر من مرة ألا تغفل اسم عمار، فلم تستجب، قرر عمار الانتقام، أسند الأغنيتين، للمطربة الشعبية فاطمة عيد، بدون علم ولا موافقة الطويل، مع الزمن لم يعد الناس يتذكرون سوى صوت سعاد حسنى، ولم يكرر الطويل الاشتراك فى التلحين مع أحد ولا عمار أيضا فعلها.

(جينات) الإبداع كيف تتجزأ؟ أشهر ثنائى عرفناه هما الأخوان (رحبانى) عاصى ومنصور، صحيح سبقهما تاريخيا ومن لبنان أيضا الأخوان (فليفل) محمد وأحمد، واضعا النشيد الوطنى السورى، ولكن ظل الرحبانية مع صوت فيروز، أهم وأشهر مثال فى التاريخ الموسيقى العربى على ثنائية الإبداع، عندما أثير فى حياتهما السؤال، كانت إجابة عاصى ومنصور واحدة وقاطعة، لا ندرى كيف حدثت الدفقة الإبداعية، من أمسك بتلك الومضة الموسيقية أو التقط تلك اللمحة الشاعرية، وإن كانت فيروز بعد رحيل زوجها عاصى عام ٨٦، كانت قاصرة فى الغناء على موسيقى وكلمات ابنها زياد، وتناثرت أقاويل هنا وهناك، تؤكد أن نصيب عاصى أكبر، كان البعض يردد أن منصور حاسة الشاعر لديه أكثر وهجا، بينما عاصى هو النغمة، إلا أن التجربة العلمية أثبتت بعد رحيل عاصى، أن منصور ظل، وعلى مدى ٢٣ عاما، مبدعا بمفرده للموسيقى.

الموسيقار محمد عبد الوهاب التقى كثيرا مع الأخوين وفيروز، ولحن ثلاث أغنيات (مُر بى) و(سكن الليل) و(سهار)، وتولى التوزيع الموسيقى الأخوان، كما كان من المنتظر أن يجمعهما لقاءً رابع فى (ضى القناديل) من تأليف وتوزيع الأخوين وتلحين عبد الوهاب، فيروز لم تتحمس، فكانت من نصيب عبد الحليم حافظ، اقتراب عبد الوهاب من (الأخوين) أتاح له الفرصة ليدلى بدلوه للدائرة القريبة، عبد الوهاب رأى أيضا أن عاصى به ومضة إبداعية أكبر فى الموسيقى، بينما الشعر، خاصة الفصيح، لمنصور، بالطبع لو أذيعت بروفات الرحبانية وفيروز لاقتربنا أكثر من الحقيقة.

وثيقة الطويل والشريعى قدمت لنا بداية الإجابة، الإذاعة المصرية عندما تقدم أغنيات (هو وهى)، يذكر مذيع الهواء أنها من تلحين كمال الطويل، بالاشتراك مع عمار الشريعى، ورحل الطويل عن عالمنا ٢٠٠٣، والشريعى عاش بعده نحو عشرة أعوام، ولم يعترض أن يأتى اسمه تاليا ومشاركا الطويل، وظل سر وسحر ولغز (شيكولاتة سعاد)، يبحث عن إجابة!!.


Sunday, November 15, 2020

سلوكيات شبابية (٤) بقلم الأنبا موسى ١٥/ ١١/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

 

ذكرنا فى الأعداد السابقة أن هناك تباينًا كبيرًا بين الشباب فى نوعياتهم وسلوكياتهم، وذكرنا بعضًا من هذه النوعيات، ومنها: الشباب والاستهتار - الشباب والفريسية - الشباب والروتينية - الشباب والوسوسة - الشباب والطموح، ونستكمل بعض هذه الملاحظات فيما يلى:
٩- الشباب وحب الظهور:


أ- فى أعماق الشباب نداء نحو تحقيق الذات، ولا شك أن هذا الاحتياج النفسى، احتياج مشروع، لو أنه كان بالله، ولمجد الله تعالى. أما الخطأ فهو أن يسعى الشباب إلى حب الظهور، واستجداء المديح، وتضخيم الأنا، وعبودية الذات.. فالذات هنا ستكون بديلاً عن الله، بعكس منهج القديس يوحنا المعمدان، الذى كان عنده الله تعالى بديلاً للذات بعد أن أدى رسالته كسابق للسيد المسيح، ورسالته المجيدة، لهذا قال: «يَنْبَغِى أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّى أَنَا أَنْقُصُ» (يوحنا ٣٠:٣)، ويقصد أن يتمجد السيد المسيح ويتوارى هو، ويعلمنا الرسول بولس أن تتوارى ذواتنا ليتمجد الله تعالى.


ب- هذا النوع من الشباب الذى يسمى Egocentric أو Self centric، أى المتمركز حول ذاته، كثيرًا ما يسقط فى «المهرجانية»، «والاستعراض»، وهو يسرق مجهود إخوته، ويبحث عن المديح والمكافأة.. فهو يعمل لحساب الذات، وليس لمجد الله. لذلك يحتاج إلى مواجهة حائية من مسؤول الخدمة أو المجموعة، تشرح له الخطأ وتدعوه إلى الصواب. كما يحتاج إلى التوجه نحو الله تعالى، والاهتمام بخلاص نفسه. فقد حذرنا الكتاب المقدس: «مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟» (مرقس ٣٦:٨).
ج- إن العالم بكل أمجاده، والكرة الأرضية بكل ما فيها، إذا وضعت داخل قلب الإنسان المثلث، ستتبقى زوايا المثلث فارغة، ولن يشبع قلب الإنسان المثلث إلا إلهنا العظيم غير المحدود.


د- الشاب الأنانى يكون على الدوام مرفوضًا من الكل: من الأسرة، والمجتمع.. لكن الأخطر من ذلك، أنه يعرض نفسه للهلاك الأبدى! إذ يعيش لذاته، بدلاً من أن يعيش لله! بينما يكون الإنسان المتضع، محبوبًا من الكل، إذ يبرز دور إخوته فى كل عمل، ويختفى هو وراء الله تعالى، معطيًا كل المجد لله، الذى أعطاه كل ما لديه من عطايا أو وزنات، أو مواهب! وهنا يقول معلمنا بولس الرسول: «لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَىُّ شَىْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (كورنثوس الأولى ٧:٤). أى أن كل ما عندك هى عطايا من إلهنا العظيم، وليست من إمكانياتك البشرية.


وهنا لابد أن نذكر أن حب الذات يختلف عن قبول الذات، فلنقبل ذواتنا بما من فضائل أو عيوب أو ضعف مجاهدين مع نعمة الله إصلاح العيوب، وتطوير الذات. بل حتى ما فينا من ضعف، يصبح موضع قوة وتميز وليس موضع كبرياء أو إحساس بالذات.
هـ - وعندما نتفهم ذواتنا بما فيها من ضعفات ومواجهتها إيجابيًا، نستطيع أن نتعامل مع الآخرين، ونحتمل أخطاءهم ونقبلهم كما هم، وليس كما نريد أن يكونوا.
و- فلنقبل ذواتنا شاكرين الله على ما لدينا من وزنات ومواهب ونسعى لتنميتها.


■ وفى النهاية يقول القديس بولس الرسول «لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يَعِيشُ لِذَاتِهِ، وَلاَ أَحَدٌ يَمُوتُ لِذَاتِهِ. لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْن». (رومية ٧:١٤-٨).
١٠- الشباب والسخط:
- هناك بعض الشباب غير راضين عن أى شىء، ومهما كان العمل ناجحًا ومفرحًا، تجده يفتش عن سلبيات قليلة، ويركز عليها، ويشيع جوًا من التذمر والرفض والمرارة، بدلاً من أن يشيع جوًا من التشجيع والنقد البناء.


■ وسليمان الحكيم يقول فى سفر الأمثال:
١- «كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ» (أمثال١٧:١٤).
٢- «اَلْبَطِىءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال١٥: ١٨).
٣- «اَلرَّجُلُ الْغَضُوبُ يُهَيِّجُ الْخِصَامَ، وَالرَّجُلُ السَّخُوطُ كَثِيرُ الْمَعَاصِى» (الأمثال ١٥: ١).
٤- «اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ» (أمثال ١٩: ١١).


■ ومعروف نفسيًا أن هذا الشاب يعانى من سلبيات داخلية، تجعله يجنح إلى الحزن والكآبة، بدلاً من الفرح والانطلاق والإيجابية.
ولقد كان السيد المسيح، أنموذجًا رائعًا فى البحث عن الإيجابيات عند الناس فى بحر السلبيات!
١- فها هو يشجع زكا حيث وجد فيه شيئًا صالحًا بقوله له: «يَنْبَغِى أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِى بَيْتِكَ» (لوقا ٥:١٩).
٢- والمرأة السامرية، حيث قال لها: «حَسَنًا قُلْتِ.. هَذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ» (يوحنا ٤: ١٧، ١٨).
٣- والمرأة الخاطئة التى بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها.. وقال عنها إنها «أَحَبَّتْ كَثِيرًا»


(لوقا ٧: ٤٧). وشرح كيف أنها كانت أفضل من سمعان الفريسى!
٤- والشاب الغنى، إذ قيل عن الرب بأنه «فَنَظَرَ إِلَيْهِ.. وَأَحَبَّهُ» (مرقس١٠: ٢١).
■ كما أن السيد المسيح فى كل هذا، كان يكتشف الجوهرة المدفونة فى الطين، وينظفها ويمدحها، ويظهرها للناس. و«رَابحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أمثال ٣٠:١١).
■ فبعضنا يرى النصف الفارغ من الكأس، ويركز عليه، ويتناسى أن هناك النصف الآخر الملآن!. وقديمًا قال لنا الآباء: «ليست عطية بلا زيادة، إلا التى بلا شكر».


■ يحتاج شبابنا إلى «النظرة الإيجابية»، «والنقد البّناء» الذى يرى الإيجابيات أولاً، ثم يتحدث فى السلبيات ليصلحها. وهذا مهم، ليس فى حياتنا العائلية، والدينية، والمجتمعية فحسب، بل أيضًا فى حياتنا الخاصة والشخصية.. لأن روح الرجاء والتوجه الإيجابى، أفضل من روح السخط واليأس. وليكن شعارنا دائمًا:
«إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (فيلبى ١٣:٣)، بقوة إلهنا العظيم، ولمجد اسمه تعالى.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية