Translate

Sunday, February 27, 2022

الحاجة إلى اللانهائى - الأنبا موسى - المصري اليوم - 27/2/2022

 إن حاجاتنا الحقيقية العميقة لا يشبعها سوى إلهنا العظيم. وهذا لا نقوله كرجال دين ولكن كحقيقة منطقية تستطيع أن تكتشفها، فقد قدم عالم النفس الأمريكى أبراهام ماسلو نظريته (هرم ماسلو للاحتياجات)، حاول فيها أن يصوغ نسقًا مترابطًا يفسر من خلاله طبيعة الحاجات التى تحرك السلوك الإنسانى وتُشكله.. يفترض ماسلو فى هذه النظرية أن الحاجات أو الدوافع الإنسانية تنتظم فى تدرج أو نظام متصاعد من حيث الأولوية أو شدة التأثير، فعندما تشبع الحاجات الأكثر أولوية أو إلحاحًا فإن الحاجات التالية فى التدرج الهرمى تبرز وتطلب الإشباع هى الأخرى، وعندما تشبع نكون قد صعدنا درجة أعلى على سلم الدوافع.. وهكذا حتى نصل إلى قمته.. ولكننا لا نصل أبدًا إلى حالة الإشباع النهائى طالما نحن على قيد الحياة.

إن أول ما يتبادر إلى الذهن حين نتحدث عن احتياجاتنا هو:

أولًا: الاحتياجات البيولوجية:

1- الحاجة إلى الطعام، الشراب، النوم، أو الجنس، أو الحياة، وهى احتياجات قائمة ولكنها على سطح الكيان الإنسانى، إذ يشترك فيها الإنسان مع بقية الكائنات الأخرى. فالحيوان أيضًا يحتاج إلى الطعام ويفتش عنه، كما يحتاج إلى إشباع رغبته فى وقت معين، مما يحفظ نوعه من الانقراض، وذلك من خلال التناسل. وكذلك فهو يحب البقاء ويدافع عن نفسه ضد أى خطر محدق!.

- وما دامت هذه الاحتياجات سطحية وزمنية، فلذلك يجتهد الإنسان المؤمن فى أن يتسامى بها فى حياته، ويستخدم فى ذلك وسائل كثيرة، منها الصوم، فبالصوم تُضبط شهوة الأكل، وبالجهاد الروحى نضبط الرغبات المنحرفة، وبالتطلع السماوى إلى الله نضبط حبنا ليتجه نحو الله وليس الحياة الأرضية فقط.

وهنا لا تغفل الكنيسة الصلاة من أجل احتياجات الإنسان، فنصلى إلى الله فى القداس الإلهى قائلين:

- دبر حياتنا كما يليق.. من أجل فقراء شعبك.. تعطيهم طعامهم فى حين حسن.. يا معطيًا طعامًا لكل ذى جسد.

كما نصلى من أجل إصعاد مياه النهر، ومن أجل الزروع والعشب، ونبات الحقل.

فإذا ما دخلنا إلى داخل النفس الإنسانية بطريقة أعمق، نكتشف نوعًا من الاحتياجات الأخرى وهى:

ثانيًا: الاحتياجات النفسية:

1- الحاجة إلى الأمن: فالإنسان لا يستريح طالما يحس بخطر يهدد حياته.

2- الحاجة إلى الحب: فالإنسان اجتماعى بطبعه، ويود أن يكون محبًا ومحبوبًا فى آنٍ واحد.

3- الحاجة إلى النجاح: فالفشل يمرر النفس الإنسانية، والنجاح يسعدها.. إلخ.

- هذه احتياجات حقيقية وأعمق من الاحتياجات البيولوجية، بدليل أن الإنسان إذا حزن لا يأكل إلا بصعوبة، وإذا فرح وشعر بالنجاح والسعادة قد تهدأ عنده شهوة الجسد، أما إذا اضطرب وقلق نراها تزداد.

- وهنا نصلى فى القداس ونكرر كثيرًا من أجل أن يعم السلام العالم، وسلام الشعب والرئيس والجند ومداخلنا ومخارجنا.. إلخ، كما نصلى من أجل نجاح الطلبة، ومن أجل التصالح بين الناس، ومن أجل عمل المحتاجين.

- ولكن هذه الاحتياجات النفسية موجودة أيضًا لدى الحيوان، فهو أيضًا يحتاج إلى الإحساس بالأمن، والعطف، والنجاح فى اقتناص فريسته.. إلخ. من هنا نقول إن هناك احتياجات أعمق من تلك وهى:

ثالثًا: الاحتياجات المعنوية:

وهى الاحتياجات المرتبطة بالعقل الإنسانى: كالثقافة والفكر والفن والفلسفة. والقيم الإنسانية المختلفة: كالشجاعة والشهامة والوداعة والمحبة والعطاء.. إلخ. فنحن جميعًا أعضاء كثيرة ولكن فى جسد واحد، لذلك نصلى: وحدانية القلب التى للمحبة فلتتأصل فينا.

هذه كلها احتياجات تجعل من الإنسان إنسانًا، وترتفع به فوق حياة الحيوان الجسدية والنفسية إلى عالم أسمى من الفضائل والقيم والمعنويات. ففى الإنسان الحاجة إلى اللانهائى والأبدى، أى إلى الله تعالى. وفى هذا يقول الآباء فى حديثهم إلى الرب: «يا رب لقد خلقتنا لك، ولن نستريح إلا فيك».

وعلى الرغم من هذا الفرق والتفوق على الحيوان بالعقل والفكر والفن وتجاوز الحسيات، هناك المزيد من الاحتياجات الأعمق وهى:

رابعًا: الاحتياجات الروحية:

وهذه مرتبطة بالروح، ذلك العنصر الإلهى الذى اختص به الإنسان وهو الروح.. العنصر الذى يرتفع بالإنسان فوق المادة والحسيات والزمن والتطور.. ويتجه نحو السماء، حيث: الروحانيات والخلود مع الله إلى الأبد.. وأهم هذه الاحتياجات هى:

1- الحاجة إلى الغفران: فنحن نخطئ ونحس بالذنب وتبكيت الضمير وعدم قدرتنا على تحقيق قصد الله من حياتنا، مما يجعلنا ننوى التوبة، ونعزم على تغيير مسيرة حياتنا. كذلك..

2- الحاجة إلى الخلاص: أى الحاجة إلى قوة أعلى تستطيع أن تخلص الإنسان من عقوبة الخطية التى ورثناها عن آدم وحواء، وتقدس طبيعته التى أفسدتها الخطيئة، وبالتوبة تطهره من الخطايا التى يفعلها يوميًا وترفعه فوق الأحزان والمشاكل، بل فوق الشيطان وقوى الشر، وأيضًا فوق الموت وانتهاء الزمن فى هذه الأرض. كذلك..

3- الحاجة إلى اللانهائى: ففى الإنسان جوع إلى اللانهائى وعطش غير محدود.. أو كما قال باسكال: «الإنسان بئر عميقة من الرغبات».. لا يشبع. هذه البئر من الرغبات غير المحدودة لا يشبعها سوى الله غير المحدود، الذى يشبع حياته هنا على الأرض ويمتد به إلى حياة سمائية فى الأبدية.. له كل المجد إلى الأبد آمين.

Sunday, February 20, 2022

الله غير محدود بينما الإنسان محدود - الأنبا موسى - المصري اليوم - 20/2/2022

 فرق شاسع بين الله غير المحدود والإنسان المحدود. فالله هو الخالق، والإنسان مخلوق.

أولًا: تم خلق الإنسان..

- بعد أن خلق الله الكون كله من أجل الإنسان.. وأعطاه سلطانًا عليه.

- خالق إلإنسان على صورته ومثاله.. ومعطيًا إياه وصية ونصيحة.. علامة حب واعتزاز!!.

1- خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها... ورأى كل شىء أنه حسن.. حتى خلق الإنسان.. فرأى كل شىء أنه حسن جدًا.

- الطبيعة الجميلة تغذى وجدان الإنسان.

- والنباتات المفيدة تغذى جسده.

- والتأمل العقلى يغذى فكره.

- والحياة مع الله فى الجنة تغذى روحه.

- وحواء تغذى حاجته إلى الآخر!!.

إنها أبعاد الشخصية الإنسانية المتكاملة: الجسد، والنفس، والعقل، والروح، والعلاقات.

2- وأعطى الله للإنسان سلطانًا على هذا الكون المادى.. كتاج للخليقة، «يتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى الدبابات التى تدب على الأرض» (تكوين26:1).

- وبالفعل.. استخدم الإنسان عقله، الوزنة الإلهية المقدسة، واستطاع أن يسبر أعماق الكون المادى، ووصل إلى أعماق البحر: وما فيه من كنوز حية وجمادية، وإلى أعماق الأرض: وما فيها من بترول ومعادن، وإلى أعماق السماء: وما فيها من أفلاك وأجرام.. حتى وطئت قدماه القمر، ويوصل مسيرته إلى المريخ!!، ذلك حينما أعمل العقل، واستوعب القوانين والأسرار التى وضعها الله فى الطبيعة.. وكما قال داود فى المزمور: «يا رب ما أعجب اسمك فى الأرض كلها.. جعلت جلالك فوق السموات.. من أفواه الأطفال والرضعان هيأت سبحًا. أرى السموات عمل أصابعك. القمر والنجوم أنت أسستها.. من هو الإنسان لتذكر.. أو ابن آدم لكى تفتقده.. وضعته قليلًا عن الملائكة وبمجد وبهاء كللته.. وسلطته على أعمال يديك.. وجعلت كل شىء تحت قدميه» (مزمور1:8-6).

وفى القداس نصلى قائلين:

«خلقتنى إنسانًا كمحب للبشر.. ولم تكن أنت محتاجًا إلى عبوديتى.. بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك.. من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتنى إذ لم أكن.. وثبتّ لى الأرض لأمشى عليها.. من أجلى ألجمت البحر.. من أجلى أظهرت طبيعة الحيوان.. أخضعت كل شىء تحت قدمى».

3- خلقه على صورته ومثاله..

- فى القداسة.. لأن الله قدوس!!

- وفى الحكمة.. لأن الله هو اللوغوس (الكلمة)!!

- وفى الحرية لأن الله حر!!

- وفى الخلود.. لأن الله تعالى خالد!!

أعطى الرب آدم: السماء والأرض، صورته ومثاله، حواء من ضلعه، الكون المادى وكل ما فيه.. ثم أعطاه وصية حياة، وعلامة محبة، وحاوره فى كل أمر؛ حتى فى تسمية الكائنات، واعتمد الرب الأسماء التى اختارها آدم.

ثانيًا: الله لم يره أحد قط!!

- فى العهد الجديد: هذه حقيقة ذكرها يوحنا الحبيب عن ارتفاع الله فوق البشر والمخلوقات، واستحالة أن يراه- فى جوهره الإلهى- بالحواس المجردة.. «الله لم يره أحد قط..» (يوحنا1: 18).

- كذلك يقول الرسول بولس: «الذى وحده لا يدنى منه، الذى لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذى له الكرامة والقدرة الأبدية، آمين» (تيموثاوس الأولى6: 16).

- وكان الرب يقول فى العهد القديم: «الإنسان لا يرانى ويعيش» (خروج 33: 20).

- وحينما قال موسى للرب: «أَرِنِى مَجْدَكَ»، قال له الرب: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِى لأَنَّ اْلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِى وَيَعِيشُ. وَقَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا عِنْدِى مَكَانٌ فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِى أَنِّى أَضَعُكَ فِى نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَسْتُرُكَ بِيَدِى حَتَّى أَجْتَازَ. ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِى فَتَنْظُرُ وَرَائِى. وَأَمَّا وَجْهِى فَلاَ يُرَى» (خروج33:18-23).

- وحينما ظهر الرب لمنوح وامرأته (والد شمشون)، فى شكل إنسان نورانى، أن «مَلاَكَ الرَّبِّ صَعِدَ فِى لَهِيبِ الْمَذْبَحِ، وَمَنُوحُ وَامْرَأَتُهُ يَنْظُرَانِ. فَسَقَطَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا إِلَى الأَرْضِ.. فَقَالَ مَنُوحُ لِامْرَأَتِهِ: نَمُوتُ مَوْتًا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ!» (قضاة 13: 20-22).

- إلهنا العظيم روح لا نهائى، أزلى أبدىّ، أصل الوجود، الخالق من العدم، وسر الحياة، القدوس قداسة مطلقة، والقادر قدرة لا نهائية.. لذلك فمن المستحيل على الإنسان المحدود والضعيف، المخلوق الصغير، أن يستوعب لا نهائية الألوهة، داخل محدودية عقله وكيانه الإنسانى، فالبحيرة لا تتسع لبحر كبير!!.

- لقد كان الرب يظهر كثيرًا لبنى إسرائيل، وفى أشكال حسية متعددة: النار فى العليقة، وعمود النار، وعمود الغمام، والدخان الذى كان يملأ الخيمة، وكان يظهر من خلال ملاك، ولكن أكثر ظهوراته كانت فى شكل إنسان.. حبًا فى الإنسان.

إذن، فهناك فى الأزل السحيق، كان الإنسان فى قلب الله، حتى قبل أن يخلقه. ثم خلق الكل لأجله: السماء والأرض، والبحار والأنهار، والنباتات والأسماك.. وبعد أن أنجز كل شىء قال عنه: «حسن!»، ثم عندما خلق الإنسان قال عنه: «حسن جدًا» ذلك لأن الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، فى القداسة والحكمة والحرية والخلود. ولإلهنا كل مجد إلى الأبد آمين.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

Saturday, February 19, 2022

لماذا تقبلين الضرب؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 18/2/2022

 عريس يضرب عروسته بالبوكسات والشلاليت فى الشارع وأثناء الزفة، يسحلها من شعرها من داخل الكوافير، أهل العروسة يبكون فقط، لا يوجد رد فعل، تكتمل الزفة، يستمر حفل الزفاف، وفى الصباحية صورة ابتسامة عريضة احتفالاً بالدخلة!! هذا المشهد يتكرر كثيراً، لا يستهجنه الشارع، ولا يدينه أهل العريس، ويخضع له أهل العروسة، السؤال الذى يفرض نفسه مثيراً الدهشة والعجب، لماذا ترضى البنت؟ ولماذا تقبل العروسة بهذا الموقف المهين؟ لماذا تقبل الانسحاق؟ وللأسف أقول ليس مجرد القبول فلقد تطور الأمر أكثر وصار استعذاب الموقف وتمريره، ليس كأنه عادى ولكن لأنه مطلوب لشكم العروسة ودبح القطة، واكسر لها ضلع يطلع لها ضلعين!!! المشكلة أن العروسة ليلى أو سعاد ليست هى ليلى أو سعاد فعلاً ولكنها النموذج الذى خلقه المجتمع وشكله على مقاس باترون أخلاقياته وسلوكياته وأولوياته، العروسة بالفعل غلبانه ومسكينة، فلقد رباها الأب والأم على أنها درجة تانية، فرز تالت، تخدم الذكر الأخ الأعلى، عادل يذاكر وسعاد تكنس، العنف ضدها مقبول ويطنشه المجتمع بامتياز، منذ ختانها وفرض غطاء الشعر عليها وهى طفلة والتعامل معها كعورة متحركة وحرمانها من الرياضة وحتى من الابتسام والتعطر وتنميص الحواجب، المجتمع يلعنها ويصفها بناقصة العقل وبأنها فى قاع النار، حتى عندما تدخل الجنة فمكافأتها المنتظرة طبقاً لثقافة المجتمع الذكورى هى مراقبة الزوج مع الحور العين وانتظاره حتى ينتهى من مهمته! فالعروسة بالفعل هى طبخة تمت تسويتها على مهل منذ الطفولة تجهيزاً لهذا اليوم وذلك الموقف، فلا تندهش إذا قبلت انسحاقها ودافعت عن قيودها، وكونت جمعية لتعدد الزوجات، ومطالبة كل زوجة بقتل غريزة الغيرة والبحث لزوجها عن ضرة جميلة!! لا تندهشوا وأنتم تقرأون تعليقات البنات على بعض الكتاب المجتهدين الذين يريدون تحريرها من تلك القيود التى هى عادات قبلية وليست أوامر دينية، تجد البنات هن أكثر الشاتمات الشامتات المهاجمات، والأهل وما أدراك ما الأهل، فالأم التى كانت على بعد سنتيمترات من ابنتها وهى تتلقى الصفعات والأقلام لم تحرك ساكناً! هل سألت نفسك لماذا قبل أن تتعجب وتندهش؟ لأن تلك الأم تخاف من شبح عنوسة ابنتها، وأن تعود إلى البيت حاملة لقب طالق، مرعوبة والمجتمع زادها رعباً، البنت للأسرة عبء وعار وخطيئة، لا بد أن نتخلص منها بسرعة، ونطردها لبيت عريسها حتى لا تظل صداعاً فى دماغنا، فقد تعبنا من المراقبة والحصار والكبت لهذا الشيطان الإغوائى الذى يسكن معنا فى البيت!!! هذه لقطة زووم للعروسة المنسحقة، لأى عروسة تجدونها تتحمل المر والضنى فى سبيل أن تتزوج وتستريح من سجن الأسرة، لتدخل زنزانة الزوج الذى يوصيه تراثه بأن يعلق سوطاً على الجدار! تستكمل العيشة لا الحياة، من أجل الأولاد ثم من أجل عدم الفضيحة والقيل والقال، هل ما زلتم تتساءلون لماذا تقبل العروسة الضرب؟!


Tuesday, February 15, 2022

حب «جبران» الحقيقي - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 14/2/2022

 فى عيد الحب نبحث عن أجمل رسائل الغرام، فنجد على رأس القائمة الرسائل المتبادلة ما بين «جبران ومى»، القائمة طويلة، لكن تلك الرسائل لها سحر خاص، لكن الحقيقة هى أن من امتلكت قلب «جبران» بشدة كانت مارى هاسكل، والقصة طويلة والأسباب كثيرة لا يستوعبها عمود صحفى، يلخصها مثلنا الشعبى «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، اخترت لكم من مذكرات «هاسكل» لحظة إعلانها استحالة الزواج، وهى لحظة درامية متفردة، تقول «هاسكل»: «قضى خليل جبران الليلة هنا، أخبرنى أنه يحبنى، ولو استطاع لتزوجنى، لكنى أخبرته أن سنّى تجعل الأمر غير مطروح للنقاش أصلاً».

قال: «حينما أحاول مجاراتك فى الحديث، أجدك تفلّين هاربة إلى مناطق بعيدة لا أستطيع إتيانها، ولكنى أحملك معى»، أجبته بأننى أريد أن أحفظ صداقتنا آمنةً من فساد قد يعتريها إثر علاقة حب ضعيفة غير حقيقية، فى اليوم التالى، فى ظهيرةٍ كان قد قضى «خليل» بعضها هنا، أخبرته بأننى موافقة.

لكن بعد تلك الليلة، وفجأة اتخذا قراراً بعدم الزواج، وكان الداعى الرئيسى من وراء ذلك القرار ذلك الذى تُعبر عنه «هاسكل» بشاعرية فى أبريل من العام 1911، وفى منتهى الرومانسية والنبل كتبت:

لاح لى أن اللحظة الحالية هى التى يوشك أن يُطل فيها «خليل» على العالم الذى سيبادله الحب والإعجاب، والذى على «خليل» حينها أن يسقيه ويغدق عليه من فيض إبداعه، وأنا أرى أن هذه اللحظة من المستقبل قريبة جداً الآن، ولذا قررت أن أتبع ما بدا لى كقدرٍ محتم قضاه الله علينا، ولقد وضعت عن نفسى كل أمنية فى أن أكون زوجته، وعلى الرغم من أننى قد قضيت كل ساعة كنت واعية فيها فى دموع تسكبها روحى، إلا أننى أعلم أننى على صواب، وأن دموعى هنا هى دموع فرح، لا آلام، أستشرف بها المستقبل.

فى اليوم التالى أبلغت «هاسكل»، «جبران» بقرارها الحازم تدعّمه أفكارها، والمتردد تتضارب فيه عواطفها، وقالت له: «يتوق قلبى إلى التفريط ويميل، ولكنى أعلم أن الثبات هو قرارى الأخير»، وصفت «هاسكل» شعوره فى مذكراتها قائلة: «لقد بكى وانتحب، وناولته منديلاً، لكنه لم يتفوه بكلمة فى بداية حديثى، وقد توقفت عن الحديث مراراً بينما أحاول إخباره بقرارى، قال لى مُنكسراً: «مارى، تعلمين أننى سأصبح فى حالة لن يمكننى عندها الحديث والردّ»، ولم يزد بحرف، كان تعليقه الوحيد عن حبه لى، عندما فرغ الحديث مددت ذراعى إليه، وقد مد هو ذراعيه فاحتوانى، ولصار القلب حطاماً لو عَدِم العزاء والمواساة، عندما تأخر الوقت، ألصقت راحة يده اليمنى إلى شفتى، حينها استجابت الدموع للنداء أخيراً، فاقترب منى، قبّلت يده كما تمنيت طويلاً، وقد ترددت مراراً فى فعل ذلك، فقد علمت أن لمسة طفيفة كتلك كانت قادرة على تحريك مشاعره، أجابته القبلة نيابة عن قلبى.. بكيت قليلاً مرة أخرى عند الباب، وقد ظلّ يحاول محو آثار دموعى ولم يزد عن قول: «مارى - مارى - مارى»، وبينما يرحل قال محاولاً أن تتضح جملته قدر ما يستطيع: «لقد أنبتِّ لى قلباً جديداً الليلة».

هطلت دموعى فور أن ذهبت للنوم، بدا الأمر فجأة كما لو أن طاقة عظيمة من السلام والنور قد انبلجت -وقد بدونا أنا وهو من داخلها- ولذلك بكيت، «شكراً لك، يا الله، شكراً لك!» مراراً وتكراراً، كانت سعادة تغمرنى، أدركت أننى قد فرطت فيه، لكن تفريطى لم يفرقنا، وإنما قرّبنا أكثر فأكثر.


Sunday, February 13, 2022

لماذا خلقنا الله؟ - الأنبا موسى - المصري اليوم - 13/2/2022

 إلهنا العظيم، اللانهائى، الأزلى والأبدى، خلق الإنسان فى زمان محدد فى ذهنه تعالى، حين قال: «نخلق الإنسان على صورتنا وكشبهنا».. فشابهنا- تعالى- فى: الحرية والفهم والحركة والقداسة والإبداع والخلود، لكن بصورة محدودة، أما الله- تعالى- فهو غير محدود!

يا له من مخلوق عجيب!! ذلك الإنسان.. فقد كان فى قصد الله.. وموضوع انشغاله.. منذ الأزل.. وإلى الأبد!!

كنا فى فكره.. مجرد فكرة.

أولًا: لماذا خلقنا الله؟

هذا السؤال التقليدى يحتاج فى إجابته إلى قلب أب.. فالخلق عملية بنوة، ونتاج حب متدفق!! تمامًا كما يشتاق الرجل إلى أن يكون أبًا، فيتعاون مع الزوجة.. التى تشتاق أن تكون أمًا.. فى إيجاد طفل- بمعونة وسماح الله- لكى يعطياه كل ما فيهما من حب، ويبذلا من أجله كل جهد حتى إلى الدم!!

عطاء الحب- إذن- هو سر الخلق، إذ يستحيل على الله المحبة الخالدة غير المحدودة، أن يضن بحبه على مخلوقات حرّة.. لكى تستمتع هذه الكائنات بذلك الحب الخالد!.

من هنا كان خلق الإنسان.. الذى من أجله خلق الله كل شىء حتى الملائكة والشياطين!!

فالله حينما خلق الملائكة أبرارًا مقدسين، كان يهدف من خلقتهم أن يكونوا فى خدمه الإنسان.

ثانيًا: الإنسان الفكرة

كمهندس أعظم.. رسم الله صورتنا فى ذهنه الإلهى.. بل، وهذا هو الأهم فى قلبه المحب.. فالله مهندس وخالق، ولكنه- وهذا هو الأهم مرة أخرى- محب وحنون!.

1- كنا فى ذهن الله منذ الأزل.. والأزل حقيقة منطقية.

2- كما أن الأبدية حقيقة منطقية.

فالفلاسفة يقولون: إن الوجود أفضل وأبقى من العدم.. والله هو أصل الوجود، وخالق الموجودات، ولذلك فهو «واجب الوجود»، حيث إنه الذى به كان كل شىء، وبغيره لم يكن شىء مما كان. وسيظل إلى الأبد.. وكما أن الأرقام ليس لها نهاية، سواء بالسلب أو بالإيجاب فكذلك إلهنا أزلى أبدى!!

يمكنك أن تعد الأرقام بالإيجاب: زائد واحد، ثم تضع أصفارًا فيكبر الرقم باستمرار... إلى متى؟ إلى ما لا نهاية!! هنا نقول وصلنا إلى: «زائد ما لا نهاية». ثم يمكنك أن تعد الأرقام سلبًا: ناقص واحد، ثم تضيف صفرًا فأصفارًا، فيكبر الرقم سلبًا.. إلى متى؟ إلى ما لا نهاية!! هنا نقول وصلنا إلى: «ناقص ما لا نهاية»!!

ومعروف رياضيًا أن: ∞ + ∞ = ∞ - ∞ المربع علامة بلا نهاية

+ ∞ = الأبدية - ∞ = الأزلية

وإلهنا العظيم قبل كل الزمان، وبعد كل الزمان، لأنه- تعالى- لا نهائى.

فلا توجد إذن سوى ما لا نهاية واحدة فى الكون!.

وهذا الكائن اللانهائى هو الله تعالى!!

أما عن الإنسان فنقول:

الله- منذ الأزل- كنا فى فكره «مشروعًا»، وفى قلبه «محبة»!.

حتى حينما خلق الملائكة: كان يقصد أن تصير «أرواحًا خادمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص (أى للإنسان)» (عبرانيين14:1).

وحتى حينما سقط الشيطان ومجموعته، صار ذلك فرصة للإنسان لممارسة حريته.. فها أمامه الخير والشر، الحياة والموت، الله- تعالى- وإبليس! وهو حر تمامًا فى أن يختار أيهما. ولكن هذه الحرية- بالطبع- تتبعها مسؤولية: فالإنسان ليس ماكينة، ولكنه كائن حر له إرادته الخاصة!!

فسارتر يرى فى الله «جوبتر» الذى يداه ملطختان بالدماء من كثرة ضحاياه!! كما ذكر فى مسرحية «الذباب»!.

بينما الحقيقة المعروفة هى أن الإنسان هو القاتل الأول، حيث قتل قايين أخاه هابيل!.

لهذا قال أحد مدعى الفلسفة المحدثين: «أبانا الذى فى السموات.. ابق فيها».. فى رفض مؤلم لله، رغم الإيمان بوجوده!.

وقال ملحد آخر: «ينبغى أن يموت الله، لأحيا أنا!»، وهكذا تصور المخدوع المسكين أن الله ينافس الإنسان فى عرشه.. بينما- فى الحقيقة- الله يدعو الإنسان إلى الجلوس معه فى عرشه: «من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى فى عرشى» (رؤيا 21:3).

ختامًا: إن موقف هؤلاء الملحدين المساكين، ليس جديدًا، فقد قال البعض لله منذ العهد القديم: «ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نُسر» (أيوب14:21).. هكذا يرفض الملحد وجود إله، ليحيا منغلقًا فى ذاته المسكينة!.

الله هو «الديمقراطى اللانهائى».. إذا جاز التعبير.. فهو لا يعطينا فقط حرية القرار، بل يعطينا- حتى فرصة عدم طاعته، أو حتى رفض وجوده!! ومن منا يحتمل مثل ذلك الموقف من آخرين؟!.. ولكنه الحب اللانهائى للإنسان.. والحرية الكاملة المعطاة له!.

إذن.. فتعال أيها القارئ الحبيب:

لنسبح معًا فى فضاء رحيب.. لنلتقى بإلهنا الحبيب.. لنرى أنفسنا هناك فى أعماق قلوبنا.. وفى أعماق أذهاننا.. وفى خطة مقاصده المحبة لنا.. التى هى موضوع انشغاله.. منذ الأزل السحيق!! حتى قبل أن يخلقنا.

له كل المجد إلى الأبد آمين.

Friday, February 11, 2022

مطلوب إجابة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 10/2/2022

 كتبنا اليوم عن الخطوة الجبارة التى تحقّقت على طريق المواطنة، واليوم نطرح أسئلة على المجتمع كله، علماء الأزهر والاجتماع والتاريخ والنفس.. إلخ، تحتاج إلى إجابات حاسمة ولا ينفع معها الطناش، لأن السكوت عنها وعدم توضيحها وتفسيرها بطريقة صحيحة كان هو السبب فى تأجيل اتخاذ مثل تلك الخطوات فترة كبيرة:

1 - أول توضيح نريده هو تفسير موضوع الجزية التى يدفعها المسيحيون، والتى يطالب بها البعض حتى هذه اللحظة، وكان آخرهم مرشد شهير سابق للإخوان المسلمين، وذلك اعتماداً على أنها مذكورة فى القرآن، والتوضيح الأهم لماذا هذا الإحساس المتعالى الذى يصر على تصدير الدونية والمهانة للمسيحى فى تفسير موضوع الجزية؟! فالآية تقول «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»، ماذا قال المفسرون فى تفسير هذه الآية؟، قال عكرمة فى شرحها فى تفسير القرطبى «يدفعها وهو قائم والمسلم جالس»، فلما بين بعض المسلمين أن الرسول قال اليد العليا خير من اليد السفلى، رد بأن ذلك ينطبق على الصدقة، ولا ينطبق على الجزية، ونقرأ فى تفسير ابن كثير أن الإمام مالك فسّرها بأنها تعنى قهراً لهم وهم ذليلون حقيرون مهانون، ولهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء!

2 - نريد تفسيراً أو تكذيباً أو تصحيحاً لهذا الحديث المنتشر، الذى جاء فى صحيح مسلم، والذى استند إليه الشيخ عمر عبدالكافى فى تبرير عدم السلام على الأقباط، والحديث يقول «لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم فى الطريق فاضطروه إلى أضيقه».

3 - نريد تفسيراً لشروط الخليفة عمر بن الخطاب فى اتفاقيته مع نصارى الشام حين فرض عليهم ألا يلبسوا لباس المسلمين، وأن يجزوا نواصى رؤوسهم، ولا يلبسوا عمامة، وأن يترجّلوا عن دوابهم إذا مروا بمسلم، وعدم دق نواقيس الكنائس.. إلى آخر هذه الشروط المجحفة، وهل نقول إنها فكر ومبدأ أم نُخضعها للظروف التاريخية؟

4 - إلى ماذا استند أبوالأعلى المودودى، ومن بعده الإخوان المسلمون والتنظيمات التى خرجت من عباءتهم فى قوله «لا يحق لأهل الذمة أن يتولوا عضوية مجلس الشورى»، وقوله «يُستثنى أهل الذمة من الخدمة العسكرية»؟

5 - هل حديث «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب»، والذى يستند إليه أهل الجزيرة العربية فى منع بناء الكنائس هناك، ومنع إحضار الإنجيل مع الأجانب، ووضع اللافتة الضخمة المعلقة فى الطريق المؤدى إلى مكة، المكتوب عليها ممنوع لغير المسلمين.. إلى آخره من هذه المظاهر، هل هذا الحديث صحيح؟

6 - نريد تعديل المفاهيم المستقاة من تفسيرات متعدّدة لآيات كثيرة تتعارض ظاهرياً مع آية «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى»، والأمثلة التى يعتمد عليها المتطرفون كثيرة، منها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». وهل تفسير كلمة الكفار معناها اليهود والنصارى، كما يقول خطباء كثيرون على المنابر لتفسير آيات مثل «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ»، و«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ»، وأيضاً «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الْأَرْضِ».. إلخ.

7 - نريد إجابة من الدعاة والمفسرين وعلماء الدين، هل نحن فى سورة الفاتحة ندعو على اليهود والمسيحيين، ونحن نصفهم بالضالين والمغضوب عليهم، كما هو مكتوب فى معظم التفاسير؟

نريد إجابات حاسمة على ما سبق، حتى لا نغلق الجرح على صديد، فنحن بكشف المستور عنه وتوضيحه وتنقيحه وتصحيحه ننقذ وطناً من نار الفتنة.