Translate

Sunday, September 24, 2023

الشباب هم المستقبل - الأنبا موسى - المصري اليوم - 24/9/2023

 الشباب هم مستقبل الوطن والكنيسة، لذا يجب أن يأخذوا- مع الأطفال طبعًا- الأهمية القصوى من العمل الرعوى. إن مَن يلتفت إلى هذه الحقيقة البديهية سوف يرى بالقطع هذه الشريحة المهمة من الشعب، لذلك فنحن نرى:

1- أن الشباب هم مستقبل الوطن:

فمصرنا العزيزة لن تبنيها سوى سواعد الشباب والشابات، فهم كنزها ورصيدها وغدها، وهم صناع المستقبل: العلمى، والزراعى، والصناعى، والتعليمى، والإعلامى، والثقافى، والصحى، والأمنى، والفنى، والأدبى، والرياضى..!.

2- أن الشباب هم الشريحة الكبرى:

إذ تقول الإحصائيات إن:

- %40 من الشعب المصرى تحت 15 سنة.

- 50% من الشعب المصرى من 15- 55 سنة.

Nigeria the most popular African football team from 90s
00:48
00:14 / 01:20
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player

- %6 من الشعب المصرى من 55- 65 سنة.

- %4 من الشعب المصرى فوق 65 سنة.

ولهذا يكاد يكون الشباب من 15- 35 سنة شريحة تصل إلى 35%.

3- أن الشباب يحتاج إلى الله:

فبدون الله- له المجد- لا خلاص ولا سعادة ولا خلود.. فالله هو الحاجة الحقيقية للشباب، حتى وإن تصور الشباب حاجات أخرى مثل:

أ- الحاجات البيولوجية: كالغذاء والزواج.

ب- الحاجات السيكولوجية: كالأمن والنجاح والتقدير والانتماء والتفرد والمرجعية.

ج- الحاجات العقلية: كالدراسة والتفكير والثقافة والرؤيا والتحليل والاستنتاج.

ذلك لأن الحاجات الروحية هى الأعمق، والأسمى، والأهم، فالإنسان فى حاجة إلى:

أ- الخلاص من الخطيئة والإثم: «ليس بأحد غيره الخلاص» (أعمال 12:4).

ب- الشبع الحقيقى: حيث الإنسان فى أعماقه عطش إلى المطلق، وجوع إلى اللانهاية.. ولن يشبع قلبه بالمادة أو بالذات أو بالجسد، إلا بالله اللانهائى، غير المحدود.

ج- الخلود فى الأبدية: وهذه عطية يتفرد بها الإنسان، حيث يمنحها الله للبشر.

4- الشباب يتفاعل مع المجتمع:

فالسيد المسيح قال: «لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير» (يوحنا 15:17)، فهو- أبدًا- لم يعزلنا عن المجتمع، بل إنه شبّهنا بالنور الذى ينتشر، فيطرد فلول الظلمة، ويقود الناس إلى تمجيد الله، كما أنه شبّهنا بالملح الذى يحفظ العالم من الفساد، ذائبًا دون أن يضيع، وبالخميرة التى تحمل الحياة فى داخلها، فتخمر العجين كله، والرائحة الزكية التى تنتشر بتلقائية، وتنشر معها الخير والحب، والسفير الذى يسعى جاهدًا لتقديم صورة جيدة عن الله المحب، ويهتف إلى دعوة الناس لكى يتصالحوا مع الله، لهذا فالشباب «نموذج مجتمعى جيد» فى علاقاته، واتساع قلبه، وشهادته الأمينة، وانتمائه للوطن، وإسهامه كمواطن صالح فى صنع مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة.. لا يتقاعس عن واجبه الانتخابى فى الأحزاب والنقابات والاتحادات.. ولا فى إسهامه اليومى فى العمل الوطنى البَنّاء.

5- الحب الشخصى أقصر طريق إلى قلب الشباب:

فالشباب طاقة حب، كما أنه يسعى إلى تأكيد وجوده وقراراته، لذلك يحتاج الشباب إلى خادم أو مسؤول فعال، يحب كل مَن يخدمهم، ويعرفهم بالاسم والظروف، والاحتياجات، والمشكلات، دون اقتحام مريض، ودون طغيان يلغى خصوصية كل نفس، ودون تعلق عاطفى يطرد وجود الرب من الحياة، بل فى إيمان صادق بأن الرب مستعد أن يخلق من كل شاب وشابة أيقونة جميلة مقدسة، ذات رسالة خاصة متميزة، فى الكنيسة والمجتمع.

6- الشباب محتاج إلى ثقافة:

فهو لن يعيش بمعزل عن الأسرة والمدرسة والكلية والشارع والمؤسسة والمجتمع بأسره ووسائل الإعلام، لذلك يجب أن يكون قارئًا، يتتلمذ كل يوم، من خلال كتابات الآباء القدامى والحديثين، وهو قادر أن يتثقف بعلوم العصر، فعنده دراية ولو بسيطة بأحداث الحياة اليومية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية، والأدبية، والنفسية، والتربوية، والرياضية، والإعلامية.. فنحن لا نريد أن نخلق شبابًا منعزلًا عن واقع الحياة والعصر، بل بالأحرى شبابًا قادرًا على التفاعل مع الحياة والعصر، متمسكًا بجذوره، يمتلك قدرًا من المرونة القوية، القادرة على أن تجعله متحركًا وديناميكيًّا مادام التيار مقدسًا ومناسبًا، ورافضًا وراجعًا حينما يكون التيار سلبيًّا ومضرًّا.

7- أهمية الحوار والتعددية لدى الشباب:

فلعل هذا هو أخطر ما يعانى منه الشباب المصرى، إذ يتعلم بأسلوب التلقين، وليس بأسلوب التكوين، لهذا ينشأ أحادى الرأى، ينفى الآخر بسهولة، ولا يطيق رأيًا مخالفًا، ولا نمطًا متمايزًا عن نمطه، ولا مواهب متنوعة تختلف عن مواهبه. مع أنه يجب أن يدرك أنه لا يوجد أحد فى الوجود يملك الحقيقة كلها، ولا كل الطاقات، ولا كل المواهب. لذلك نحتاج إلى التنوع والوحدة، والاختلاف والتكامل لأننا فى النهاية «أعضاء بعضنا لبعض» (رومية 5:12) لذلك.. فالحوار، والشركة، والقائد الـ«نحن» وليس الـ«أنا».. ركائز مهمة فى خدمة الشباب.

8- الشباب يحتاج إلى المشاركة:

وهذه مهمة المسؤول، إذ يؤمن بأهمية مشاركة الشباب، بمعنى أنه لا ينفرد بالعمل، بل يقوم بما يأتى:

أ- يكتشف الطاقات بين الشباب، وما أكثرها!.

ب- يشغل هذه الطاقات، موزعًا العمل عليها.

ج- ينسق هذه الطاقات، مهما اختلفت أو تعارضت أو تقاطعت.

د- يتابع هذه الطاقات، حتى لا تذبل إحداها، أو تطغى عليها.

هـ- ينمى الطاقات، بحيث يحصل بنعمة الله بروح الصبر على أكبر عائد روحى ونفسى منها.

لذلك يحتاج الشباب إلى مسؤول يؤمن بكل ذلك. وأن يعمل من خلال فعل روح الله، ولمجد الله.. فالعمل إذا كان ذاتيًّا أو بشريًّا، يكون بالضرورة قوة طرح وليس قوة إضافة وبنيان. الرب يقودنا جميعًا فى طريق الخلاص والخدمة والإثمار والخلود.

* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


Saturday, September 23, 2023

د. مفيد سعيد «الحكيم» - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/9/2023

 كنت أتعجب من جدى عندما يقول عندما يذهب إلى الطبيب أنا رايح للحكيم، وأتساءل ما علاقة الطب بالحكمة التى أتخيل صاحبها دائماً رجلاً ساهماً متأملاً صامتاً شارداً فيلسوفاً، لكنى بالفعل عرفت أن جدى وجيله الذى كان يصف الطبيب بالحكيم كان على حق، من أهم الشخصيات التى وجدت هذا الوصف منطبقاً عليه كان الأستاذ دكتور مفيد إبراهيم سعيد الذى رحل عنا منذ أيام وألقيت كلمة فى رثائه فى كنيسة قصر الدوبارة، فقد كان حكيماً فيلسوفاً بحق، فهم الدنيا وعرف أنها مجرد رحلة، وأن سعادة الإنسان فى إسعاد الآخرين وإزالة آلامهم، وقد نذر نفسه الأستاذ الجراح الموهوب حياته من أجل هذا الغرض، كان يعمل ليل نهار، والأجر الذى يعطيه له المريض لا يحدده هو بل تحدده قدرة المريض المادية، وإذا كان فقيراً تجرى له الجراحة مجاناً، هذه الشخصية هى التى جعلتنى أختار الطب بعدما كنت عازماً على قطع صلتى بالكلية، بعدما وجدت تدريس الطب مختلفاً عما حلمت به، والسيستم والتعامل مع المرضى فى معظمه ليس ما دخلنا الكلية من أجله، كنت أرى أننا نتعلم ميكانيكا تصليح البنى آدمين وكأننا فى مركز صيانة سيارات، لكن السكشن الذى حضرت فيه للدكتور مفيد غيّر مصيرى فاختلفت النظرة، وجدت أستاذاً ينادى المريض باسمه وليس هاتوا لى حالة الطحال أو الكبد.. إلخ، يقول هاتوا لى محمد، هاتوا لى جرجس، ينظر فى وجه المريض ويطبطب عليه، يجعلنا نفحصه بالترتيب وليس بالتجمع حوله وخنقه كالتتار، تعلمت منه أن الطب إنسانية قبل أن يكون حرفة أو مهنة، ليس ميكانيكا، بل زراعة أمل، هذا الرجل كان بابتسامته يطمئننا كطلبة فى امتحانات الشفوى فيجعلنا نقول ما نحفظه وليس كآخرين كنا نجلس أمامهم فننسى كل ما فى أدمغتنا من كثرة التجهم والتعالى، رحم الله د. مفيد سعيد القديس النبيل.


Friday, September 22, 2023

المواطنة وحرب أكتوبر - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 21/9/2023

 هل كان سيحدث اقتحام خط بارليف لو كنا قد طبقنا نظرية الولاء والبراء، وسمعنا كلام الطائفية العنصرية الذى تبثه تيارات الفاشية الدينية والإسلام السياسى عن وجوب عدم موالاة المسيحى، ومنعه من تولى الوظائف القيادية ورفض التحاقه بالجيش والاكتفاء بدفعه للجزية؟

الإجابة هى لا، لسبب بسيط، وهو أن صاحب فكرة هدم الساتر الترابى بخراطيم المياه هو الضابط المهندس المسيحى باقى زكى يوسف، الذى كان برتبة مقدم آنذاك، أدعوكم بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر لقراءة قصته بلسانه ومن خلال حكيه، لعل الأجيال تتذكر وتفيق من الغيبوبة.

يقول اللواء باقى زكي: «فى أبريل 1964، انتُدبت للعمل فى السد العالى من القوات المسلحة، والأعمال هناك كانت كلها تتم بنظام معين، وبتكنولوجيا معينة، السد العالى كان عبارة عن رمل وزلط وحجر، وفى 5 يونيو 1967 حدثت النكسة، فقررت القوات المسلحة آنذاك إنهاء عمل كل الضباط المنتدبين فى الخارج فى كل المؤسسات الحكومية.

وعُدت مرة أخرى للقوات المسلحة، وتم تعيينى رئيس مركبات فى أحد التشكيلات التى كانت موجودة غرب قناة السويس.

وبطبيعة عملى كنت أمر على صف عربات الوحدة التابعة للتشكيل الذى أترأسه، وفى هذا الوقت كان الجيش الإسرائيلى لا يزال فى مرحلة بناء الساتر الترابى الذى كان جزءاً حصيناً من خط بارليف الدفاعى، والذى كان عبارة عن كثبان رملية طبيعية، وكثبان رملية نتيجة حفر القناة على الشاطئ الشرقى للقناة، العدو قام بتعلية هذه السواتر الترابية بتشكيلاتها القديمة والحديثة وأوصلها إلى ارتفاعات تصل إلى 12 أو 20 متراً ارتفاعاً، وبعرض 8 إلى 12 متراً من السويس إلى بورسعيد.

أثناء مرورى بالقرب من هذه المنطقة، كنت أرى الساتر الترابى وهو فى مرحلة البناء، وبدأوا فى تعليته، وجعلوه مائلاً بنسبة 80 درجة حتى يتماشى مع قاع القناة، فأصبح بذلك مانعاً شديداً للغاية بعدما تم وضع ألغام ومفرقعات ومدافع داخله، وخطر على بالى فكرة، أنه لو كان الساتر الترابى فى أسوان، لكانت خراطيم المياه التى تجرف الرمال إلى قاع السد العالى يمكن أن نستفيد منها فى مقاومة هذا الساتر الترابى، وهذا كان أقصى تفكير لى.

فى مايو 1969 جاءتنا الأوامر بعبور قناة السويس، وفى أثناء جلوسى مع قائد الفرقة، عرضت فكرتى الخاصة بالساتر الترابى، وقام رؤساء العمليات بشرح الموقف كاملاً أمام الفرقة بتفاصيل شديدة الدقة، نشأته، طبيعته، مكوناته، التجهيزات الهندسية والقتالية الموجودة فيه، والتجارب التى يمكن إجراؤها للتغلب عليه، والتى كانت كلها نابعة من المدرسة الاستراتيجية العادية التقليدية العالمية، التى كانت ستتم إما بالصواريخ أو المدفعية أو الطيران.

وبتجربة كل هذه الطرق وجدنا أن المدة التى سنستغرقها فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى ستكون ما بين 12 إلى 15 ساعة، دون وجود دبابات أو مدفعية تغطى الجنود، المشكلة كانت صعبة للغاية، علاوة على أن الخسائر التقديرية كانت على أقل تقدير قد تصل إلى 20 ألف شهيد على الأقل لحين إتمام هذه المهمة.

قلت للقيادة: الساتر الترابى مبنى فى الأساس على رمل، بتحصينات قديمة ومتوسطة وجديدة وتم وضع كل التحصينات داخله. ويمكن تدميره باستخدام مضخات ماصة كابسة، يتم وضعها على زوارق خفيفة، تسحب المياه من القناة وتضخها على الساتر الترابى مباشرة، خاصة بعد أن قام العدو بتعليته وتمييله.

وعلى رأى المدفعية أصبح فى (السوادة)، أى مرمى المدفع، وأصبح فى حضن مدافع المياه، لأن الساتر الترابى على الحافة وبنفس درجة الميل.

تكريمى الحقيقى كان عندما عشت اللحظة التى رأيت فيها فكرة من أفكارى تنقذ البلد، أنا لا أحتاج بعد هذا لا ورقة ولا شهادة، لأن ربنا أكرمنى جداً بفكرة الساتر الترابى، فبدلاً من 20 ألف شهيد عاد 20 ألف بطل، ربنا منحنى الفكرة ومنحنى حقى تماما.


Saturday, September 9, 2023

بمناسبة العيد المئوى لميلاد قداسة البابا شنودة الثالث.. الأصول الدينية لوطنية الأقباط (4) - الأنبا موسى - المصري اليوم - 10/9/2023

 تحدثنا في الأعداد الماضية عن بعض الأصول الدينية التي أدت إلى الوطنية المتأصلة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وذكرنا منها: 1- الاعتزاز بالأصل الفرعونى، 2- الاعتزاز بالكنيسة القبطية، 3- الاعتزاز باليقين القبطى، 4- التأثير التربوى للطقس القبطى. وتحدثنا عن الانتماء والوعى.. ونستكمل موضوعنا...

ج- المشاركة:

ترفض الكنيسة القبطية فكرة «الفرد» وتقبل فكرة «الشخص» أو «العضو». فالإنسان ليس مجرد رقم قومى، أو فرد منعزل، بل هو شخص له أحاسيسه، ودوره، وإسهامه، أو هو عضو لا يقوم إلا باتحاده ببقية الأعضاء، وبممارسته لوظيفته كعضو، وإلا صار «زائدة» يمكن استئصالها دون أن يفقد الجسد شيئًا.

والأعضاء تختلف اختلافًا بينًا، لكنها تتكامل وتتناسق وتتضافر في خدمة الجسد الواحد، هذا الإحساس الكنسى يعنى المشاركة في بنيان جسد الكنيسة، والإسهام في بنيان جسد مصر.

فالإحساس بالعضوية في الوطن يعنى ضرورة توظيف ما عندى من إمكانيات، في خدمة الوطن الواحد.. ولهذا كتب الكثير من آباء الكنيسة منذ القرون الأولى وحتى الآن، يحضون أبناءهم على الإسهام في العمل الاجتماعى والوطنى، وإعطاء الصوت الانتخابى والاستزادة من علوم وثقافات العصر، فأبدًا ما كان للكنيسة أن تنعزل أو تتقوقع.

ومع أن الكنيسة الرسمية، كمؤسسة في المجتمع، ليس لها أن تتدخل في السياسة، ولا تعمل بها، ولا تطمح إلى نفوذ سياسى أو مجتمعى خاص، فشعارها المستمر هو نفس شعار السيد المسيح: «مَمْلَكَتِى لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ» (لوقا 36:18)، إلا أنها تدفع أولادها دفعًا إلى المشاركة الوطنية، والإسهام في العمل الوطنى،

ومن خلال الاشتراك في الأحزاب والنقابات والجمعيات، دون تدخل أو توجيه منها، تاركة لكل إنسان أن يختار ما يروق له من توجيهات حزبية أو سياسية أو اجتماعية أو فكرية.


Sunday, September 3, 2023

بمناسبة العيد المئوى لميلاد قداسة البابا شنودة الثالث الأصول الدينية لوطنية الأقباط (3) ......... الأنبا موسى - المصري اليوم - 3/9/2023

 تحدثنا فى العددين الماضيين عن بعض الأصول الدينية التى أدت إلى الوطنية المتأصلة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وذكرنا منها: 1- الاعتزاز بالأصل الفرعونى. 2- الاعتزاز بالكنيسة القبطية. 3- الاعتزاز باليقين القبطى.. ونستكمل موضوعنا...

4- التأثير التربوى للطقس القبطى:

ونقصد بالطقس نظام العبادة والصلوات، فلا شك أن محتوى هذه الصلوات يؤكد أن الكنيسة كانت ولا تزال تربى أولادها وبناتها على قيم أساسية هى:

أ- الانتماء:

وعدم الإحساس بالاغتراب، فالكنيسة تربط أولادها بالأرض، والزروع، ومياه النهر، وأهوية السماء، والثمار، من خلال صلوات يومية، كما تربطهم بالرئيس، والجند، والرؤساء، والجموع، والجيران. وتصلى الكنيسة أيضًا من أجل الأرملة، واليتيم، والغريب، والضيف، لدرجة أن القديس الأنبا بولا أول السواح (القرن الرابع)، الذى قضى عشرات السنين فى عزلة كاملة فى مغارة، لا يراه إنسان، ولا يرى إنسانًا، بل يعكف على الصلاة وقراءة الكتاب المقدس، فاجأنا- حينما زاره القديس أنطونيوس- بسؤاله عن فيضان النيل، وهل ما زال النيل ينشر الخير والنماء، ويشبع كل المصريين، مسيحيين وغير مسيحيين!.

ومع أن بعض الأقباط كانوا يحسون بشىء من الاغتراب، بسبب بعض قوانين بناء الكنائس، أو بسبب عدم تواجدهم فى مواقع متقدمة بحسب نسبتهم العددية، أو غيره... إلا أن الكنيسة كانت دائمة تحارب هذا الإحساس، وتدعوهم إلى تقديم صنع الواجب على المطالبة بالحقوق، باعتبار المسيحية عطاء مطلقًا، وبذلًا مستمرًّا، وتطلعًا إلى الروحيات والأبديات.

ومن جهة أخرى تجتهد الكنيسة فى أن تربط أبناءها فى المهجر بمصر الوطن الأم، عن طريق الزيارات الدورية لهم، وقد كان قداسة البابا شنودة الثالث حريصًا على ذلك، وحاليًا قداسة البابا تواضروس والآباء الأساقفة حيث إقامة مؤتمرات دورية، بهدف ربط الأبناء والأطفال والشباب- من الجيلين التانى والثالث- من الأقباط، بالكنيسة الأم والوطن الأم.



00:00
00:10 / 01:20
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player

ومع أن الكنيسة القبطية كنيسة تقليدية محافظة، ونسكية، وأخروية (كسمات أساسية فيها)، إلا أن الالتزام بالآخرة لا يلغى الالتزام بالزمن، والارتباط بالله يستلزم الارتباط بالإنسان، والاهتمام بقضاياه الاجتماعية. لدرجة أن القديس يوحنا ذهبى الفم كان يوبخ الإنسان الغنى قائلًا: «بينما كلبك متخم، يهلك المسيح جوعًا» والمقصود بالمسيح طبعًا الفقير والمحتاج. فقد قال السيد المسيح: «بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِى هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِى فَعَلْتُمْ» (متى 40:25).

إن الاستغراق فى الروحيات والأخرويات يخلق نفسًا صافية معطاءة، فحينما نحلق فى أجواء السماء، تبدو الأرض نقطة تافهة فى كون فسيح، وهكذا نُفطم عن المادة والترابيات، ونعطى أنفسنا، وما عندنا فى حب، للقريب والغريب.. ألم يقل السيد المسيح: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» (متى 39:22). وحينما سألوه عن القريب، وهم يهود، حكى لهم مثل السامرى الصالح، أى رفعهم فوق التفكير العرقى، والتعصب القومى، وإيثار الذات والسلامة (انظر المثل فى إنجيل لوقا 20:1-27).

لا انتماء بدون وعى.. الإنسان الواعى بذاته، وبالآخر، وبالرب، وبالوطن.. هو الإنسان القادر على ممارسة الانتماء. نحتاج أن نتواصل على كل المستويات: داخل الأسرة والكنيسة والمجتمع.. نحتاج أن نتثقف وندرس كل تيارات الفكر المعاصر، وظروف المجتمعات المختلفة، وهموم الإنسان فى كل مكان، نحتاج إلى ذهن مفتوح وقلب مفتوح، ليمكننا أن نتفاعل مع الآخرين عطاءً وأخذًا.

ب- الوعى:

لا شك أن نوعية الصلوات القبطية الأرثوذكسية تحدث وعيًا لدى أبنائها، إذ إنها تحرص على شرح هذه الصلوات، والأبعاد المرتجاة من ورائها. وعندنا فى الكتاب المقدس قول: «أُصَلِّى بِالرُّوحِ وَأُصَلِّى بِالذِّهْنِ أَيْضًا». (1كورنثوس 15:14)، بمعنى إن إشباع الروح باللقاء المستمر مع الله فى الصلاة، وقراءة الإنجيل، وحضور اجتماعات الكنيسة، لا يلغى ضرورة فهم هذه كلها، والتعامل معها بوعى وذهن مفتوح، فالمسيحية ليست ديانة سرية، وليس فيها طقوس غامضة معزولة عن الناس، بل العكس لا تجوز الصلاة فى غير حضور الشعب، والكنيسة عندنا هى الإكليروس، وجماعة المؤمنين، بل حتى القرارات القيادية فى الكنيسة لا يجوز أن تأتى من الإكليروس بمفردهم، بل هى قرارات عامة يشترك فيها الشعب لأن «صوت الشعب من صوت الله».

فإذا ما أراد البابا البطريرك سيامة أسقف أو كاهن أو حتى شماس، لا بد من أخذ رأى الشعب وتزكيتهم.

وإذا سحب الشعب ثقة من قيادة ما. فمن حق المجمع المقدس أو الأسقف الاستجابة لهذا المطلب الشعبى.

كذلك تحرص الكنيسة القبطية الأرثوذكسية- فى أصولها طبعًا- على أن تربى شبابها على روح الحوار لا التسلط، فهى كنيسة «إكليروسية شعبية»، ويهمها دائمًا أن يكون الشعب واعيًا بكل ما يحدث، ومشاركًا فى كل القرارات، إن لم يكن التصويت المباشر- كما فى انتخابات البطريرك وبعض مجالس الكنائس- فبالتشاور المخلص، بحيث يكون الشعب مستريحًا للقرار المتخذ.

كذلك ترشد الكنيسة أولادها بضرورة الالتزام بالمجتمع وبالآخر، فالآخر- مهما كان عرقه

أو دينه- من نسل آدم ومخلوق على صورة الله، وعبر تاريخ الأقباط فى مصر، كانوا وما زالوا على صلة ممتازة بإخوانهم المسلمين، ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

الأسقف العام للشباب

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية