Translate

Thursday, October 31, 2019

خالد منتصر - الملابس الداخلية كشفت لغز «البغدادى» - جريدة الوطن - 10/2019 /31

بوكسر أبوبكر البغدادى أفصح عن هويته!، فقد سرق جاسوس للقوات الكردية فى سوريا الملابس الداخلية لأبى بكر البغدادى، من أجل الحصول على عينة من الحمض النووى لقائد «داعش»، والمساعدة فى قيادة الجيش الأمريكى إلى مكانه، حسبما زعم المسئولون الأكراد.
وصف مسئولون من القوات الديمقراطية السورية التى يقودها الأكراد، كيف تعقّبوا البغدادى من أحد أطراف سوريا إلى الطرف الآخر فى الأشهر التى سبقت عملية نهاية هذا الأسبوع، التى قُتل فيها أخطر إرهابى فى العالم، والمطلوب رقم ١، كتب «بولات كان»، أحد كبار المستشارين فى قوات سوريا الديمقراطية، تغريدة يقول فيها:
«من خلال مصادرنا الخاصة، تمكنا من تأكيد أن البغدادى قد انتقل من منطقة الدشيشة فى (دير الزور) إلى إدلب. منذ 15 مايو، كنا نعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية لتعقّب البغدادى ومراقبته عن كثب»، وقال أيضاً «تمكن أحد مصادرنا من الوصول إلى المنزل الذى كان يختبئ فيه، غيّر البغدادى أماكن إقامته فى كثير من الأحيان، لقد كان على وشك الانتقال إلى مكان جديد، مصدرنا، الذى تمكن من الوصول إلى البغدادى، أحضر ملابس البغدادى الداخلية لإجراء اختبار الحمض النووى والتأكد (100٪) من أن الشخص المعنى كان البغدادى نفسه».
أكد مصطفى بالى، المتحدث باسم قوات الدفاع الذاتى، رواية «كان»، وقال لشبكة «سى إن إن»: إن أحد المخبرين حصل على ملابس داخلية من «البغدادى» وعينة دم تم استخدامها لاختبار الحمض النووى، التى أكدت هويته قبل حدوث الغارة.
يمكن لعلماء الطب الشرعى استخدام الحمض النووى فى الدم أو السائل المنوى أو الجلد أو اللعاب أو الشعر الموجود فى مسرح الجريمة، للتعرّف على الحمض النووى المطابق، تُسمى هذه العملية تحديد بصمة الحمض النووى، وقد كانت هناك عينة سابقة عند الأمريكان من الحمض النووى التى تم جمعها عام 2004 فى مركز اعتقال فى جنوب العراق، يسمى معسكر بوكا من أبوبكر البغدادى.
ومن أشهر المواقف والقضايا التى استخدم فيها الـdna لتحديد القاتل أو القتيل أو الأسير.. إلخ، عند القبض على صدام حسين من أكواب الشرب وفرشاة الأسنان واللعاب الملتصق بسيجاره الكوبى الشهير، وأيضاً تم استخدامه فى كشف أسرار توت عنخ آمون، وبالطبع فى إثبات بنوة كثير من أبناء وبنات مشاهير المصريين المنكرين لتلك البنوة وتلك قصة أخرى!!!

تحية للوطنى الكبير محمد غنيم بقلم د. محمد أبوالغار ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

كنت فى زيارة علمية لإلقاء محاضرات طبية فى مؤتمر الجمعية الأمريكية للعقم والتكاثر البشرى فى أمريكا حين قرأت على وسائل التواصل الاجتماعى عن خبر اللقاء التليفزيونى للدكتور محمد غنيم مع الأستاذ عمرو أديب فى حوار شمل جوانب كثيرة. لم تتح لى الفرصة لمشاهدة اللقاء كاملاً، ولكننى استمعت لأجزاء منه موجودة على صفحة القناة التليفزيونية، وقرأت تعليقات مختلفة فى الصحافة معظمها تعليقات إيجابية عن الحديث وعن شخصية الدكتور غنيم وآرائه، وقرأت أيضاً أنه حدث هجوم كبير عليه معظمه من الكتائب الإلكترونية الموجودة على فيسبوك وغيرها. والمعروف أنه فى بلاد العالم الثالث وخاصة التى تقيد فيها وسائل الإعلام المرئية والمذاعة والمقروءة تكون الأداة الرئيسية فى توصيل المعلومات والآراء والتعليقات هى وسائل التواصل الاجتماعى والتى يتواصل عليها عشرات الملايين بينما يشاهد التليفزيون عشرات الآلاف، ويقرأ الصحف بضعة آلاف فقط، وأصبحت هذه الوسائل تنقل إلى الناس ما يرغبون فى مشاهدته فى الوقت الذى يناسبهم، فأنا مثلاً لم أشاهد برنامج عمرو أديب فى فيلاديلفيا، وإنما شاهدت أجزاء منه على فيسبوك. والآراء التى قالتها جموع الناس كانت إيجابية أمام الآراء السلبية الموجهة والمتشابهة لما يسمى بالكتائب الالكترونية وهى مجموعات منظمة ممولة فى بعض الأحيان من جماعات سياسية أو جماعات إرهابية أو بعض الهيئات فى دول العالم الثالث وكلها بالكامل مكشوفة لمتابعى وسائل التواصل لأن كل مجموعة منها تتكلم بلسان واحد ولغة واحدة ويتقاذفون الشتائم ضد بعض، هذه الكتائب تأثيرها ضعيف وليس له قيمة بالرغم من أنه يتم الإنفاق عليها بكثافة من جهات مختلفة، وتأتى دائماً بتأثير عكسى لأنها تثير أغلبية المتواصلين على الجهة صاحبة هذه الكتائب.
أولاً: الدكتور غنيم أستاذ وعالم وباحث متميز قدم خدمة جليلة للعلم فى العالم وفى المنطقة وفى مصر بأبحاث متميزة، وما زال يكمل أبحاثه فى الاستخدام المستقبلى للخلايا الجذعية بنشاط شاب فى العشرين، وهذا أمر نادر فى مصر، بل المنطقة كلها.
ثانياً: الدكتور غنيم بمجهود فردى استطاع أن يقنع شعب المنصورة والدقهلية بالمساهمة فى إنشاء أول مركز تخصصى من نوعه فى الشرق الأوسط، واستطاع الحصول على منحة هولندية استخدمت بالكامل فى هذا المشروع. وفى النهاية استطاع أن يقنع رئيس الدولة السادات بأن يساند المشروع، وعندما عينه السادات مستشاراً طبياً سأله غنيم عما هو المطلوب منه فى هذه الوظيفة، فأجابه السادات بمعلمة وبذكاء «فقط عشان تعرف تخلص المشروع بتاعك وتكلم كل واحد باسم مستشار الرئيس الطبى، فيمشولك الشغل».
ثالثاً: استطاع أن يدير هذا المشروع بكفاءة عالية وكان ولا يزال المركز الطبى المصرى الجامعى الحكومى المجانى الذى يتفوق على أى مركز خاص ليس فقط فى الرعاية الطبية المتميزة الحديثة بل بالمظهر العام والنظافة بدءاً من شكل الحديقة إلى المدخل إلى ملابس الموظفين، وكل الأجهزة تم تحديثها، ويعمل كل شىء بنظام كمبيوتر متكامل، وتواجد غنيم طوال اليوم عشرات السنوات ليحافظ على المكان وتحديثه وتقدمه.
رابعاً: محمد غنيم هو الطبيب المصرى الوحيد الذى عمل طوال حياته للمرضى بدون أجر، ويتقاضى فقط راتبه الذى يعادل أجر طبيب خاص فى عملية جراحية يجريها فى ساعتين، ورفض فتح عيادة واشترط التفرغ للعمل فى المركز لسنوات طويلة. هذه هى القيمة المثالية، فمن هو المصرى الذى يرفض العمل الخاص بأجر بعد عمله الحكومى فى ظروف اقتصادية صعبة؟ من هو المواطن فى أى وظيفة الذى لا يهمه شراء سيارة حديثة أو شقة كبيرة؟!.
خامساً: محمد غنيم جعل مركز المنصورة مركزاً لتدريب كبار المتخصصين فى العالم كله، وقد صاحبت فى نهاية الثمانينيات أستاذاً سويدياً فى المسالك البولية حضر لمصر للإقامة لمدة شهرين للتدريب فى مركز غنيم للكلى فى المنصورة. وقام المركز بتدريب مئات الأطباء من مصر والمنطقة كلها ونشر عشرات الأبحاث المهمة المتطورة فى بلد أبحاث جامعاته محدودة القيمة والعدد.
سادساً: يقولون إن غنيم يسارى، وكأن هذه تهمة. محمد غنيم منذ كان طالباً، وهو يسبقنى بعامين فى قصر العينى، كان يؤمن بالديمقراطية الاجتماعية، وهو النظام الموجود فى جميع دول أوروبا الغربية بالكامل من السويد شمالاً إلى إيطاليا جنوباً وإنجلترا والبرتغال غرباً، وأيضاً فى كندا وأستراليا ونيوزيلاندا وغيرها، وهى بلاد التعليم فيها مجانى والعلاج متاح للجميع مجاناً، وهناك رعاية لكبار السن وللمعاقين. هل ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا بلاد سيئة السمعة لأنها تؤمن مثل غنيم بالديمقراطية الاجتماعية والتى يطلق عليها فى مصر يسارية؟ إنه مبدأ يحترم الإنسان وبرعاه وفى نفس الوقت هو ليس عائقاً أمام رجال الأعمال إذا عملوا حسب القوانين ودفعوا الضرائب، هذه هى يسارية غنيم.
سابعاً: محمد غنيم يعيش فى المنصورة وهى مدينة كانت جميلة وهادئة ونظيفة، وتغيرت مع تغير الأحوال فى مصر. لم ينتقل غنيم للقاهرة ليعيش فى أحد المنتجعات الحديثة المحاطة بالأسوار، ولم يعمل فى بلد عربى ويكسب ملايين، ولم يهاجر إلى أمريكا ليصبح أسطورة علمية أمريكية، بل بقى فى شقته الصغيرة التى زرته فيها وتناولنا الغداء البسيط فى الشقة البسيطة.
ثامناً: محمد غنيم مصرى وطنى يحب مصر وترابها، ويريد لها أن تكون أعظم بلاد الأرض، وإذا انتقد غنيم أمراً فى سياسة الدولة فهو انتقاد المحب الغيور على مصلحة الوطن الذى يرى أن هناك سياسة خاطئة يجب إصلاحها لمصلحة المصريين وليس لمصلحته الشخصية، وعلى النظام أن يستمع وينصت بكل جدية واحترام، فهو لا يريد شيئاً لنفسه وإنما فقط للوطن. تحية للمصرى الوطنى الشريف نادر الوجود محمد غنيم.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك


موت «البغدادى» لا ينهى مشاكل الشرق الأوسط بقلم توماس فريدمان ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

نقلًا عن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية
من المؤكد أن مقتل مؤسس وزعيم تنظيم داعش، أبوبكر البغدادى، على يد قوات الكوماندوز الأمريكية الموجودة فى سوريا، سيؤدى إلى إضعاف الحركة الجهادية الأكثر دموية وفتكًا فى العصر الحديث.
ومن المؤكد أيضًا أن العالم قد بات مكانًا أفضل بعد وفاة «البغدادى»، كما أن موته يُعد بمثابة تخفيف لأوجاع النساء المغتصبات على أيدى رجال داعش، والصحفيين الذين قطعت رؤوسهم، وعشرات الآلاف من السوريين والعراقيين الذين أساء التنظيم معاملتهم، فقد كان قرار قتله جيدًا من قِبَل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى أمر به، وعملاء المخابرات الذين رتبوا لتنفيذه، والحلفاء الذين ساعدوا على تنفيذه، والقوات الخاصة التى نفذته.
لكن هذه القصة لم تنته بعد، ويمكن أن يكون لها العديد من النتائج غير المتوقَّعة، ولنبدأ بالشأن الأمريكى الداخلى، فقد كان ترامب مبالغًا فى مدحه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التى عثرت على «البغدادى» وتعقبته فى مخبئه فى سوريا، حيث فجّر نفسه لتجنب القبض عليه، حيث استمر ترامب، فى مؤتمر صحفى، فى الحديث عن مدى مهارة العملاء فى وكالتنا الاستخباراتية.
حسنًا، سيدى الرئيس، ولكن هذه هى وكالات الاستخبارات نفسها، التى أخبرتك بأن روسيا تدخلت فى انتخاباتنا الأخيرة، فى محاولة لتوجيه التصويت لك وضد هيلارى كلينتون «ومازالت تتدخل». كما أن وكالات الاستخبارات التى تعقبت «البغدادى» هى نفسها التى أرسلت شخصين للعمل فى البيت الأبيض، واللذين اشتكيا من أنك قد قمت بإساءة استخدام سلطة منصبك، وطلبت من أوكرانيا إجراء تحقيق مع جو بايدن، مما ترتب عليه بدء إجراءات العزل.
وهذه الأجهزة الاستخباراتية، التى قمتَ بوصف رجالها بأنهم «أبطال» لتعقبهم «البغدادى»، هى نفسها التى قمتَ بوصفها بـ«الدولة العميقة»، وهى نفس الأجهزة التى وصف السكرتير الصحفى للبيت الأبيض، ستيفانى جريشام، رجالها بأنهم «بيروقراطيون غير منتخبين يشنون الحرب على الدستور».
شكرًا لك يا سيد ترامب على توضيح هذا الالتباس، فقد أصبحنا نعرف الآن أن نفس أجهزة المخابرات التى قامت بدور بطولى فى حمايتنا من أولئك الذين يريدون مهاجمة ديمقراطيتنا فى الخارج هم نفس الأبطال الذين قاموا بحماية ديمقراطيتنا الدستورية فى الداخل، فهم، على عكس ما تقوم به يا سيد ترامب، قد تعاملوا بشكل جدى مع قَسَمهم للقيام بالأمرين. وبالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط، دعونا لا ننسى أن داعش هى المنظمة الجهادية السُنية التى ظهرت بعد أن قضت إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما على صاحب لقب «الرجل الأسوأ فى العالم»، أسامة بن لادن، لكن موت «البغدادى»، وهو أمر جيد للغاية فى حد ذاته، ليس نهاية لمشاكلنا فى الشرق الأوسط.
فالجهود- التى يبذلها ترامب للتقليل من أهمية قتل أوباما لـ«بن لادن»، فى الوقت الذى يركز فيه على قتل «البغدادى» باعتباره المفتاح لإحلال السلام فى المنطقة- لا تُظهر إلا مدى جهله بالمنطقة.
فقد صعد داعش عام ٢٠١٤، متضمنًا ٣ فصائل، كما أشرت فى عمود عام ٢٠١٥، وقد كان الفصيل الأول يضم المتطوعين الأجانب، الذين كان منهم الجهاديون المتشددون، والشباب والبنات الضائعون، وغير الكفء.
أما الفصيل الثانى من داعش، وهو الذى يشكل العقل المدبر والعمود الفقرى العسكرى للتنظيم، فقد كان يتألف من ضباط سابقين فى الجيش البعثى والسُنى والقبائل العراقية المحلية.
كما حصل داعش أيضًا على الكثير من الدعم من السكان العاديين من السُنة، بعدما استخدمت إيران والشيعة المؤيدون لها فى السلطة فى بغداد- بقيادة رئيس الوزراء، نورى المالكى، الذى استخدمته إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش بشكل مأساوى- نفوذهم لتوجيه المزيد من الإساءات إلى السُنة العراقيين وطردهم من الوظائف وخارج الجيش.
أما الفصيل الثالث من داعش فقد كان يتألف من هؤلاء الذين لديهم أيديولوجية دينية حقيقية بقيادة «البغدادى»، وهؤلاء لديهم نسختهم المروعة الخاصة من الإسلام.
وقد دعم السُنة السوريون داعش لنفس السبب الذى دعم سُنة العراق التنظيم من أجله، فقد تعاونت كل من إيران، وميليشيا حزب الله الموالية لطهران، والنظام السورى الشيعى بقيادة بشار الأسد، وروسيا، لإنشاء حكومة شيعية موالية لإيران فى دمشق، وبالطبع أعطوا ترامب تصريحًا لقتل «البغدادى»، فموته يجعل الأمر أسهل بكثير بالنسبة لهم لحكم سوريا دون حدوث تقاسم للسلطة مع السُنة، وطالما كان هذا هو الحال فإنه لن يكون هناك استقرار فى هذا البلد.
واستمر ترامب أيضًا، فى مؤتمره الصحفى، فى الحديث عن كيفية قيامه، بحكمته اللامتناهية، بإبقاء القوات الأمريكية فى سوريا لحماية حقول النفط هناك، ولذا فإنه ربما يمكن لشركات النفط الأمريكية استغلالها، وهذا كلام مثير للاشمئزاز، ويُعد بمثابة وصفة مثالية لإحداث المشاكل فى المستقبل، فإذا كان لأمريكا دور فى الشرق الأوسط، اليوم، فهو ليس لحماية آبار النفط، بل لحماية وتعزيز أماكن مثل كردستان العراق وسوريا والأردن والإمارات العربية المتحدة وعمان ولبنان والديمقراطيات الضعيفة فى تونس وبغداد، فهذه الدول تروج لصورة أكثر اعتدالًا من الإسلام والتسامح الدينى، كما أنها تعمل على تمكين نسائها وتشجيع التعليم الحديث.
فهم يستحقون أن نعمل على الحفاظ عليهم وتعزيزهم على أمل أن يتمكنوا يومًا ما من أن يتطوروا ليصبحوا فى وضع أفضل من أجل شعوبهم، ولننظر إلى الاحتجاجات من أجل الديمقراطية فى لبنان حتى نتمكن من رؤية إلى أين يريد الشباب هناك المضى قدمًا.
ويبدو أن ترامب وحده هو الذى يفخر بهزيمة داعش ويرى أن كل ما يجب القيام به الآن هو حماية آبار النفط فى الشرق الأوسط وليس حماية البلاد التى ذكرتها سابقًا.
ترجمة- فاطمة زيدان

خالد منتصر - بيت القبطية - جريدة الوطن - 10/2019 /28

«هل الدين والقانون فى خدمة المجتمع، أم أن المجتمع والقانون هما اللذان فى خدمة الدين؟!»، سؤال طرحه الروائى أشرف العشماوى فى روايته الجديدة «بيت القبطية»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، سؤال يلخص نبوءة الرواية عن نار الفتنة الراقدة تحت رماد خداع النفس والمسكوت عنه من ممارسات تصنع وتؤجج الصراع الطائفى، وإزاحة قانون مدنى لصالح احتلال عرف قبلى، وتقاليد بالية، وتلاسن دينى بغيض.
الرواية تلمس وتراً حساساً وتخوض فى منطقة ألغام ملتهبة، ولا يمكن تلخيصها فى هذه المساحة، لكن يمكن الإشارة إلى حالة التوتر التى تخرج من بين السطور لتضىء لنا النور الأحمر وتنذر بالرعب القادم إذا ظلت الأمور على ما هى عليه بدون تجديد فكر دينى حقيقى، بداية من اختيار مسرح أحداث الرواية، قرية «الطايعة» ذات الأغلبية المسيحية، وهذا يجعل وتر التوتر والتصاعد مشدوداً أكثر، ويجعل الروائى حراً فى عرض بورتريه أكثر صدقاً، ليست فيه ألوان الملائكة والشياطين الحادة، لكن فيه الإنسان المثقل بالحمل الطائفى والمغيّب، والأهم أنه من الجانبين. الوتر الروائى مشدود ما بين شخصيتين، نادر وكيل النيابة، وهدى القبطية صاحبة البيت الذى هو عنوان الرواية، هدى صاحبة البركة والمعجزات، التى يلجأ إليها أهل القرية لتعاطى البركة، فى نفس الوقت الذى يطاردونها فيه ويرسمون على بيتها الصليب، الاثنان هاربان، نادر هارب من جحيم خطيبته المرفهة المزعجة، وهدى هاربة من جحيم زوج الأم الذى اغتصبها والزوج الكلاف الذى تعامل معها كبهيمة فقاومته وهربت. لقاءات هدى ونادر كمواجهة مباشرة قليلة، لكن لقاء المصير وسؤال النبوءة يتصاعد إيقاعه طوال الرواية ليخلق خطاً ومصيراً مشتركاً، صراع أراضٍ وتزوير أوراق وبيع مساحات وتعدٍّ على أملاك، هذا هو ظاهر الصراع، لكن تحت السطح شيخ جامع يدعو على المسيحيين ويسبهم، وحارس مسكن وكيل النيابة يتوعد بالانتقام، وممثل سلطة الضبط والربط يقول جملته الإكليشيه المقدسة «أحمد لما يقتل محمد دى جريمة عادية»، يقولها تبريراً تحت لافتة الحس الأمنى، وهى تعكس الكارثة.
الدين نواته الضمير والسكينة والخشوع، تبحث عن تلك المعانى فى ممارسات أهل قرية الطايعة فتجدها قد تبخرت وصارت سراباً، بدوى الغفير رفض المسلمون والمسيحيون الصلاة عليه لأن كلاً منهما يتشكك فى هويته الدينية، هدى التى تزوجت رزق، كهربائى الكنيسة، والتى اكتشفت أن زوجها الكلاف مغتصب الروح والجسد لم يمت، عندما حاولت الانتحار وانتقلت وهى حامل إلى المستشفى، لم يتم إنقاذها وماتت لأنها لم تجد فى أهل القرية واحداً يوافق على التبرع بالدم! ضم الأطفال يحدده الأفضل ديناً وليس الطفل ورغبته، إنها القسوة والفاشية وغياب الضمير واستخدام الدين كأداة قهر ورابطة ألتراس وبلطجة ميليشيات.
عند وقوع الفاجعة المشتركة واجه المسلم والمسيحى نفس العدو، النار، لكن ساعتها كان الحضن قد جف، والونس قد تبدد، واللسان قد شل، قالها نادر بعد أن قال له الضابط إن القرية مستهدفة، قالها وهو يتأمل القرية ورماد الحرائق وأطلال التخريب. «هززت رأسى فى أسى محاولاً إحصاء عدد السنين التى ضيّعها الشيخ رجب وتابعوه من عمرهم رافعين أيديهم فيها نحو السماء للدعاء على غيرهم، متمنين تدميرهم وتفريقهم وحرقهم كل جمعة، يدعون عليهم وعلى آخرين مؤمنين مثلهم، والله لا يستجيب كل مرة، لكنهم مستمرون فى الدعاء بغير تفكير، كيف يستجيب لكم لحرق وتشتيت شمل طائفة لأن أخرى لا تحبها؟، أليس هو ربهم وخالقهم يا أغبياء مثلما هو ربنا؟، هل هو بحاجة لرأيكم فى خلقه كى يبدله أو يدمره؟!»، لم يجد نادر الإجابة وترك الطايعة وهو أكثر حيرة وشفقة على هدى حبيب، تلك السيدة التى ماتت منا لأنها فقط أرادت الحياة.

خالد منتصر - العالم يحتفل بعيد ميلاد قديس الطب - جريدة الوطن - 10/2019 /30

يحتفل العالم بالذكرى 105 لميلاد الطبيب عالم الفيروسات الأمريكى الجنسية، الروسى الأصل، اليهودى الديانة «سولك»، مكتشف لقاح شلل الأطفال، وبهذه المناسبة أعيد نشر بعض الخواطر التى كنت قد كتبتها عنه، «سولك» يستحق الاحتفال ليس ليوم واحد بل لقرن بأكمله، إنه قديس الطب الذى لا بد لكل أطفال العالم أن يهتفوا فى صوت واحد «شكراً لك أيها الرائع العظيم»، فقصة هذا الرجل ملحمة، وحكاية انتصاره على شلل الأطفال قصة تصلح لفيلم، لو قدر له أن يخرج إلى النور سيكون من أهم كلاسيكيات السينما، قصة حياته هى سلسلة انتصارات وكفاح ضد أخطر وأعتى المشاكل والعوائق، بداية من رفض أى جهة أمريكية تعيينه فى أى وظيفة نتيجة ديانته اليهودية، وانتهاء بالحرب الضروس حتى من الزملاء ومن بينهم «سابين» نفسه شريكه ومنافسه فى اكتشاف وتطوير اللقاح من الحقن إلى الفم، كى نتعرف على حجم الإنجاز وعبقرية الاكتشاف وإعجاز الجهد الذى بذله «سولك»، لا بد أن نتعرف أولاً على مدى المعاناة التى كانت تعانيها أمريكا ومعها العالم كله من وحش شلل الأطفال الكاسر، يكفى أن تعرف أن فصل الصيف قبل 1955، سنة إعلان الاكتشاف، الذى من المفروض أنه فصل النشاط واللعب للأطفال كان موسماً للسجن داخل المنازل وإغلاق حمامات السباحة وانتشار الرعب والفزع فى أرجاء أمريكا كلها، أى ارتفاع فى درجة الحرارة أو آلام فى العنق تفسر على أنها شلل أطفال، كانت أهم صناعة أمريكية هى صناعة الرئة الحديدية البشعة التى يسجن فيها الطفل الذى افترسه شلل الأطفال وفتك به حتى شلت عضلات قفصه الصدرى فلم يعد قادراً على التنفس، تسحب هى الهواء وتضخه فى عملية شهيق وزفير اصطناعية لمساعدة المريض على الحياة، كانت بمثابة آلة تعذيب يدفن فيها الطفل طوال حياته ولا يظهر منها إلا رأسه!!، كل سنة كان ينضم إلى طابور المعاقين نصف مليون طفل، وكان نصيب الولايات المتحدة وحدها عام 1916 هو 27 ألف طفل مصاب، وكانت بداية الاهتمام على شكل حملات منظمة لمحاربة هذا المرض اللعين مع عيد ميلاد «روزفلت» 30 يناير 1938، وهو أشهر مريض بهذا المرض فى العالم، واستطاعت الحملات فى أول عام تجميع 1٫8 مليون دولار وهى الخميرة التى ساعدت «سولك» على أبحاثه، ماذا فعل «سولك» بعد هذا الاضطهاد الذى عاناه بسبب دينه وبسبب عبقريته وتفوقه؟، هل قرر أن يفجر نفسه فى عملية انتحارية لينتقم من الآخرين الكفار؟!، هل قرر أن ينتقم مادياً ويتاجر ببراءة اختراع يذل بها العالم الذى رفضه ونبذه فى البداية؟، رفض «سولك» أن يسجل براءة اختراع وخسر سبعة مليارات من الدولارات كان سيكتنزها فى حساب البنك، ظل يعمل 18 ساعة يومياً لكى يهزم «دراكيولا» شلل الأطفال ويخرج اكتشافه إلى النور، حاول «سولك» فى أواخر الأربعينات تطبيق أبحاثه على القرود، وكان لقاحه عبارة عن فيروس ميت، وفشل فى أولى تجاربه 1954 عندما حقن فى البداية 137 طفلاً بلقاحه، وارتفع الرقم إلى 2 مليون طفل تقريباً، لكن 260 أصيبوا بعد لقاحه التجريبى، ومن بينهم توفى أحد عشر مصاباً، وظل «سولك» يطور من حقنة المصل حتى أعلن اكتشافه العظيم على العالم عام 1955، وبعدها طور «سابين» الفكرة وجعل الفيروس مضعفاً وليس ميتاً وعلى شكل نقط فى الفم وليس حقناً، وخرج اكتشافه إلى النور عام 1957.
العلم لا دين ولا وطن له.. شكراً «سولك» أقولها لروحك نيابة عن أطفال الدنيا الذين أنقذتهم من مصير السجن فى الرئة الحديدية، وأقول لروحك ملاحظة أخيرة فى صيغة سؤال: هل نما إلى علمك أن الدول الثلاث التى ما زال منتشراً بها شلل الأطفال هى أفغانستان وباكستان ونيجيريا وهى للأسف بلاد إسلامية، ومع الأسف والخجل أيضاً أنهم يطاردون هناك البعثات الطبية التى أرسلت لإنقاذ أطفالهم بحجة أن التطعيم فيه دهن خنزير ويسبب العقم؟!، لترقد روحك فى سلام ولتدعُ معنا من قبرك باللعنة على الجهل والتخلف.

Saturday, October 26, 2019

الشباب.. وبعض السلبيات المرفوضة بقلم الأنبا موسى ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

هناك بعض السلبيات المرفوضة فى حياة الشباب، ينبغى أن يرفضوها هُم أولًا قبل أن يرفضها غيرهم. ومن هذه السلبيات: الاهتمام الخاطئ بالجسد، فى المغالاة الخاطئة التى تجعله يتمرد علينا، ويتعب أرواحنا... وهذه بعض الأمثلة:
أولًا: التخمة:
١- لاشك أن الإفراط فى المأكل والمشرب أمر خاطئ، إذ يدل على أن هذا الإنسان لا يشبع بالروح وبالفكر وبالأنشطة المختلفة، بل يجد ملذته الحقيقية فى الطعام والحلوى. ولو أنه اهتم بنفسه وعقله وروحه وشبع بهذه الأغذية المهمة، لما كان للأكل هذا السلطان الفائق فى حياته، ولما أصابته البدانة المفرطة (ما لم تكن البدانة لسبب آخر غير التغذية، كاضطراب الهرمونات). والبدانة هى الطريق المباشر إلى أمراض القلب والسكر.. وغير ذلك.
٢- ونحن نشكر الله أن الصوم الجماعى الذى ترتبه لنا أدياننا يقلل من الكوليسترول الكامن فى اللحوم والدهون، وغير ذلك. كما أن الصوم يدعونا إلى الانقطاع عن الطعام لفترات، والاقتصاد فى المأكولات، وعدم الاستسلام للبدانة ولذة الطعام... وهذا كله بنّاء للغاية.
٣- ولقد أمضى القديس أنطونيوس، أب جميع الرهبان، عشرين سنة فى مغارة، وخرج منها لا نحيفًا ولا بدينًا.. وهذا هو الاتزان.. حيث يضبط القديس جسده بالصوم والنُّسك والإرادة... ولا يترك نفسه للترهل والبدانة والضعف، حيث البدانة هى «أُم جميع الأمراض».
ثانيًا: سيطرة الجسد:
وذلك حين يهتم الشباب بجسده ويهمل نفسه وروحه وعقله، ويكون كل ما فى ذهنه أن يرى جسده قوى العضلات، بحيث تقوى جدًا وتنمو لوحدها دون نمو: ١- روحى ٢- وثقافى ٣- ونفسى ٤- واجتماعى. هذا الاكتفاء بالنمو الجسدى يجعل ذهنه عاجزًا عن النمو، وروحه ضامرة، ونفسه مضطربة. فهو لا يفكر إلا فى جسمه، ويسعد بأن يرى نفسه فى المرآة بطل كمال أجسام. ومع أن الرياضة مفيدة للجسد والنفس، إلا أن المغالاة فيها على حساب بقية عناصر الشخصية أمر خاطئ. ويكفى أن نتذكر ذلك المصارع الذى نزل من حلقة المباراة ليضرب الناس كالوحش الهائج، الأمر الذى يتكرر مع أولئك الذين يحلون مشاكلهم بالعضلات لا بالعقل والحكمة والتدين.
ثالثًا: تدليل الجسد:
ونقصد المغالاة فى استخدام العطور والماكياج والملابس غالية الثمن والتحلى المبالغ فيه بالذهب.. ولاشك أن المغالاة فى هذه الأمور تنم عن شخصية خاوية وسطحية.. لا تفهم أن مقياس نضوجها هو تكاملها، ونموها المطرد، وبناؤها الداخلى، وجمالها الروحانى، وثقافتها، وعلاقاتها الجيدة، ونفسها المستريحة فى الله.
لذلك يحتاج الشباب أن يقتنعوا بضرورة عدم المغالاة فى تدليل الجسد وإعطائه كل رغباته، وأن يلتزموا بمنهج القديس بولس الرسول: «بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِى وَأَسْتَعْبِدُهُ» (١كو ٢٧:٩)... والقمع هنا هو الضبط وليس الإيذاء.
رابعًا: ضبط الجسد والشهوات مطلوب:
١- لأن قمع الجسد الذى يوصينا به القديس بولس الرسول (١كو ٢٧:٩) لا يعنى إضعافه أو إهلاكه أو الانتقاص من كرامته، فالجسد الإنسانى أيقونة مباركة، فيها نرى عمل الله العجيب وقدرته اللانهائية. ومازال العلماء يبذلون أقصى الجهد لدراسة تشريح أجهزة الجسم الإنسانى، وبخاصة الجهاز العصبى، ويدرسون تحت المجهر الخلايا الدقيقة التى تتكون منها أنسجة الجسم المختلفة والتفاعلات الكيميائية الحيوية التى تحدث داخل خلية واحدة صغيرة. وفى كل ذلك هم يحسون ما أحس به اسحق نيوتن - وهو يكتشف قوانين الطبيعة - حينما قال: «كنت كطفل صغير يلهو على شاطئ محيط شاسع». كما قال أينشتاين: «كلما ازددت علمًا، ازددت إحساسًا بالجهالة».. لأن مجالات البحث والمعرفة لا حصر لها.
٢- والكنيسة بينما هى تعلم أولادها ضبط الجسد لا تقصد أن يحتقروا أجسامهم، فلا يهتموا بصحتهم أو بقوتهم البدنية، ولكنها تدعوهم إلى أن يشارك الجسد الروح فى ممارسات العبادة المتنوعة كتأكيد على وحدة الكيان الإنسانى. فكما أن الخطيئة تكون من عقل تائه، وروح ملوثة، ونفس منحرفة، وجسد خاضع، كذلك القداسة: تحتاج إلى روح مقدسة بنعمة الله، ونفس منضبطة بفعله المقدس، وجسد مشارك بالجهاد والبذل والصلوات والتسابيح.
٣- لاشك أن هناك إمكانية جيدة لضبط الدوافع والتحكم فى الغرائز بدلًا من أن تتحكم هى فينا!!، ولاشك أن نعمة الله مع الجهاد الإنسانى والأمانة فى الحياة اليومية يمكن أن تحفظ الشباب سليمًا، وتعطيه إمكانية النصرة والظفر فى جهاده مع دوافعه الطبيعية وغرائزه الموروثة.
والغريزة لها ثلاثة جوانب: كلها قابلة للتعديل والتسامى والضبط، بقوة روح الله، وهذا مثال مهم:
أ- يمكن ترقية الجانب الإدراكى، وذلك من خلال الثقافة الجنسية الصحيحة، لكى ينشأ شبابنا واعيًا لمعنى الجنس فى حياة البشر، وكثمرة له يكون التناسل وحفظ النوع الإنسانى.
ب- ويمكن ضبط الجانب الانفعالى، فالإنسان المتدين لا يجد صعوبة فى ضبط رغباته وشهواته وانفعالاته، ونجاحه لأن هناك رغبات أخرى مقدسة بدأت تملأ جنبات قلبه، وتغمر حياته بنور إلهى مقدس، وشبع روحى فائض. كما أن نعمة الله تعطى الإنسان قدرة الضبط وقوة الإرادة.
ج- ويمكن ضبط الجانب النزوعى، بمعنى منع الجسد من التحرك نحو الخطيئة، حيث إننا ضبطنا بالروح الانفعالات والحواس والسلوكيات، وهكذا ينجو الإنسان من الممارسات الخاطئة والتصرفات المنحرفة.
نعم... سوف تستمر الضغوط، ولن يصير الإنسان معصومًا من الخطأ على هذه الأرض، لكنه سيتمكن من النصرة على الشهوات السلبية الضعيفة الكامنة فيه، بقوة نعمة الله، وأمانة الجهاد والبذل والعطاء وخدمة الآخرين!!.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

خالد منتصر - ثورة الذكاء الاصطناعى هل نحن مستعدون؟! - جريدة الوطن - 10/2019 /26

وصلتنى رسالة مهمة من د. حاتم أيمن توفيق، الخبير الشهير فى جراحات تجميل العيون، يتحدث فيها عن مستقبل الذكاء الاصطناعى، يقول فيها:
انتهيت هذا الأسبوع من قراءة كتابين هما من أهم ما كُتب عن مستقبل البشرية وهما كتاب super-intelligence لمؤلفه نيك بوستروم، والكتاب الآخر الأكثر رواجاً وإن كان أقل عمقاً homo deus للكاتب الإسرائيلى يوفال نوح هرارى. وفيهما يتفق الكاتبان على أن الأسس التى يقوم عليها الاقتصاد العالمى اليوم والمستمرة منذ بداية الثورة الصناعية على شفا الانهيار، وأن النموذج الاقتصادى العالمى الحالى للمواطن الذى يستيقظ صباحاً ليعمل من التاسعة للخامسة (أو للواحدة ظهراً إن كنت تعيش فى مصر) ربما لن يكون موجوداً فى غضون عقود قليلة ولن تبقى إلا حفنة قليلة من البشر فى مجالات العمل التقليدى، بل ربما قد تتدهور الأمور إلى الحد الذى سينعدم فيه دور البشر تماماً كما تنبأت مجلة foreign affairs فى عدد أغسطس ٢٠١٥ أن مصير البشر فى ظل ثورة الذكاء الاصطناعى سيكون مطابقاً لمصير الحصان الذى انتهى دوره تماماً كوسيلة مواصلات، ومأساة الحصان تنفى تماماً المقولة التطمينية الساذجة التى تقول إن التكنولوجيا ما هى إلا مكملة للإنسان ولن تكون أبداً منافساً له، وبرغم قبول مفكرين آخرين لخطر الذكاء الاصطناعى لكن بسيناريو أقل حدة عن طريق الادعاء أن تلك المخاوف حقيقية، لكن التخوف أن الجيل الحالى من البشر سيشهدها مجرد ترهات وأن تلك النهاية المأساوية للبشر لن يراها إلا أحفادنا، إلا أن «بوستروم» يتنبأ أن النهاية قد تكون مفاجئة وأسرع مما نتصور، وقد نصحو يوماً ونجد البشر قد أصبحوا فجأة فرضاً زائداً عن الحاجة على هذا الكوكب، لكننى أزعم أن النهاية قد بدأت بالفعل وتحدث يومياً على مرأى ومسمع من الجميع ودون أن نعى، فالعدو القادم للبشرية لن يكون جيوش الروبوت الخرقاء كالتى نشاهدها فى أفلام حرب الكواكب، لكن العدو الحقيقى غير مرئى وهو عبارة عن تطبيقات وبرامج على الهاتف المحمول وأجهزة الكمبيوتر تتسلل إلى حياتنا يومياً وبهدوء، وفى البداية سيبدو أنها تجعل حياتنا أكثر سهولة، ولكن الأمر سينتهى كما سنرى فى مجال قيادة المركبات إلى أنها ستنهى دور البشر تماماً، فحتى شهور قليلة مضت لم أكن ألقى بالاً لتلك المخاوف مطمئناً نفسى دائماً أن أبنائى ربما هم الأولى بالقلق إلى أن قرأت خبراً مزعجاً أن إحدى شركات التاكسى الأمريكية الكبرى (تعمل أيضاً فى مصر) تعاقدت على شراء ٢٤٠٠ سيارة بدون سائق من إحدى الشركات السويدية وتنوى إدخالها الخدمة فور تسلمهم، وبعيداً عن الفوائد الاقتصادية المزعومة لتكنولوجيا عمل مركبات بدون سائق التى تروج لها كذباً تلك الشركات، فلنا أن نتخيل خطورة هذه الخطوة على مستقبل البشرية بصفة عامة وربما الإحصاءات فى مصر ليست دقيقة، لكن مهنة قيادة السيارة هى أكثر المهن شيوعاً فى الولايات المتحدة وربما العالم، وهذه الخطوة الكارثية التى لن يستطيع أحد إيقافها الآن لن تؤدى فقط إلى فقدان ملايين السائقين وظائفهم، لكنها ستؤدى أيضاً إلى فقدان ملايين آخرين لوظائفهم من العاملين بتأمين وتمويل وصيانة السيارات على سبيل المثال، ولا محل للادعاء أن شوارع مصر لا تصلح لذلك النوع من السيارات لأننا سمعنا نفس ذلك الجدل الساذج عندما دخل الـGPS مصر ومع ذلك فى غضون سنوات قليلة أصبح الجميع معتمداً عليه حتى سائقو التوك توك بناء على تجربة شخصية فى أسوان.
والمزعج أن الأمر لا يقتصر على قيادة السيارات فقط وما يتبعه ذلك من نتائج اقتصادية كارثية ومحتمة، إلا أن الذكاء الاصطناعى سيحل محل البشر ليس فى الوظائف البسيطة فقط، ولكن فى مجال المهن الأكثر تعقيداً من طب ومحاماة وهندسة، على سبيل المثال فى المجال الطبى، وفى مجال تشخيص الأمراض بالذات ستنقرض وظائف مثل طبيب الأشعة وطبيب الأمراض الباطنية والجلدية وستحل محل تلك الوظائف algorithms. وبرامج بدأ بعضها فعلاً فى تشخيص أنواع معينة من سرطانات الجلد والتفرقة بينها وبين الأورام الحميدة، وتلك التطبيقات ولا حتى مبرمجوها لم تحضر أبداً محاضرة لأى من أساتذة الجلدية لكنها ستتفوق عليهم فى تلك البرامج التى لا علاقة لها بالطب من أساسه بل ستكون عبارة عن تطبيقات صور photo app يتم تغذية البرنامج الواحد بعشرات الآلاف من صور المرض وكينونته ليتمكن البرنامج بعد ذلك عن طريق photo recognition من تشخيص المرض بدقة متناهية وسيعقب ذلك بالتأكيد انقراض الجراحات، وتلك قصة أخرى، وعموماً تشير الدراسات الحديثة إلى أن آخر الوظائف التى ستبقى للبشر هى إما التدريس أو أن تعمل مدرباً لكرة القدم (أو أى رياضة عموماً) أو العمل بالفنون التشكيلية. تلك الوظائف ربما ستظل لها قيمة اقتصادية.
وللحديث بقية حتى نحلل ماذا نحن فاعلون كأفراد وأمة إزاء ذلك الإعصار القادم لا محالة.

يكفينا فخرًا أننا نصارع الموت من أجل الإبقاء على الحياة! بقلم د. وسيم السيسى ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

■ «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، هذا مثل شعبى يجب تغييره إلى «اسأل مجرب ولا تنسى الطبيب!»؛ ذلك لأن الطبيب تجاربه آلاف المرات عن أى مجرب، فضلاً عن أن الأساس العلمى هو الذى يعتمد عليه الطبيب فى الاستنتاج من تجاربه.
المثل الشعبى هو خلاصة تجارب شعب فى حقبة معينة فى ظروف معينة قد لا تصلح فى زمن آخر! مثلاً: إن كنت عاوز حاجة من الكلب.. قل له يا سيدى! كان هذا فى وقت الاستعمار، وظلم المحتل، أما الآن فلم يعد ويجب ألا يكون لهذا المثل وجود.
ولكن هناك أمثلة شعبية ثبتت حكمتها وصلاحيتها على مر الأزمان، مثلاً فى مشروع الإقدام على الزواج: أ- لا تذم ولا تشكر إلا بعد سنة وستة أشهر! هذا المثل صحيح تماماً، وجدنا أن معدل نسبة الطلاق يتناسب تناسباً عكسياً مع هذا المثل! نسبة الطلاق تقل كلما زادت مدة التعارف، وتزيد كلما قلت.
ب- اللى تتجوز بسرعة تندم على مهلها! هذا صحيح ويؤكد ما جاء فى المثل الذى قبله. حـ- الزواج: أسرة من أسرة وليس فردا من فرد، يؤكد هذا.. المثل القائل: يا اللى تريد النسب على الأصل «الأسرة» دوّر.
■ تعريف الذكاء: هو أ- القدرة على التعلم.
ب- الاستفادة من التجارب الماضية.
حـ- قدرة الفرد على حل مشاكله اليومية.
والذكاء أنواع: أ- أكاديمى. ب- اجتماعى. حـ- سيكولوجى، بمعنى قدرة الفرد على فهم نفسية الآخرين.
د- رياضى «رياضيات». هـ- جسمانى: قدرة العقل على التحكم فى حركات الجسم «الجمباز».
و- سياسى: كذكاء مصر فى عدم إعلان الحرب على هتلر حتى تنجو القاهرة من الدمار مثل (لندن)، ثم إعلان الحرب على هتلر بعد أن تأكدت هزيمته حتى يكون لمصر نصيب فى تعويضات ما بعد الحرب!
■ توقفت حركة المرور بسبب الأمطار الثلاثاء ٢٢ أكتوبر فهل استفدنا من تجارب السنين الماضية أو حتى من تجارب الدول الأخرى مثل جزيرة بالى! أو حتى من ماضينا المشرق «البارون إمبان ومصر الجديدة»؟! لو أن اختيار المسؤولين بالكفاءة وليس بالقرابة، لتغير حال مصر!
■ سألت رجلاً حكيماً: ماذا علمتك الحياة؟ قال: الصبر أولاً، عدم الدخول فى قضايا أمام المحاكم ثاثياً. قص علىّ فكاهة معبرة: أراد أحدهم الالتجاء لمحام، فأخذه صاحبه إلى سيارة فارهة واقفة بداخلها رجل ضخم بسيجار هافانا، وعلى يمين السيارة شحاذ، وعلى يسارها شحاذ آخر! سأل صاحبنا، فكان الجواب: هذا هو المحامى بداخل السيارة، وعن يمينه بالخارج من كسب القضية، وعن يساره من خسرها!
■ تحية للدولة فى موضوع التأمين الصحى الشامل الذى بدأ فى بورسعيد، وبدأ تطبيقه فى محافظات أخرى، ليتنا نأخذ بتجربة بريطانيا التى طبقت ما جاء فى كتاب جورج برناردشو: حيرة الطبيب doctor،s dilemma، ويتلخص فى وضع حاجز بين يد الطبيب وجيب المريض، شريطة أن تكفل الدولة للطبيب راتباً يكفل له حياة كريمة، ذلك لأن الطبيب الجائع أو معدوم الضمير، أشد خطراً على المجتمع من أى مجرم!
فى مقدمة أحد الكتب الطبية كلمات تقول: الطب.. هذه المهنة النبيلة، يجب أن يكون الأطباء درجة أولى فى الأخلاق، درجة أولى فى الحكمة، درجة أولى فى الشخصية! قد يخطئ الطبيب ولكن يكفيه شرفاً وفخراً أنه يصارع الموت من أجل الإبقاء على الحياة!
سمعت كثيراً عن: ضبط وإحضار الدكتور فلان، ولم أسمع يوماً عن ضبط وإحضار الضابط فلان أو وكيل النيابة فلان أو القاضى فلان!!.

خالد منتصر - صناعة الدواء وصناعة مستقبل مصر - جريدة الوطن - 10/2019 /25

قاطرة التنمية فى الهند هى صناعة الكمبيوتر، خاصة السوفت وير، وصناعة الدواء، ومصر تستطيع من خلال صناعة الدواء، ومن خلال شركات الدواء فيها، ومن خلال صيادلتها وباحثيها، ومن خلال التصدير إلى السوق الأفريقية والعربية، أن تنمو اقتصادياً ويصبح رأسمالها فى صناعة الدواء يدور حول رقم العشرين مليار دولار، مثل الهند، المهم ألا نترك صناعة الدواء تحتضر فى مصر، لذلك فالمؤتمر الذى ستنظمه مؤسسة «الأهرام» العريقة فى نوفمبر القادم تحت رعاية د. مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، يُعد خطوة مهمة فى هذا المجال، حيث سيجتمع مصنعو الدواء مع أصحاب القرار السياسى والحكومى تحت سقف واحد لمناقشة مشاكل صناعة الدواء المصرى، الذى لم يعد لاعباً احتياطياً خارج المستطيل الأخضر للصناعة، بل أصبح اللاعب الرئيسى، حيث يعتمد ما نسبته ٩٣٪ من المصريين فى علاجهم على الأدوية المصنّعة فى مصر، بما يقدّر بنحو ٣٠ مليار جنيه سنوياً، حيث يمثل الإنتاج الدوائى المحلى ٨٠٪، والمستورد ٢٠٪.
إذاً ما سيُناقش فى مؤتمر «الأهرام» هو أمن قومى لمصر، وهناك معوقات كثيرة تتسبّب فى خسائر تتكبّدها الصناعة لأسباب كثيرة، من بينها تشريعات التسجيل، وعدم واقعية التسعير، والتصدير، والقوانين المنظمة، والتبعية، وتصنيع المواد الخام، والجودة، والضرائب.. إلخ، وهناك أحلام لتطوير صناعة الدواء، التى بالفعل ستصبح قناة السويس العلاجية لاقتصاد مصر إذا توافر المناخ المشجّع، منها إنشاء مجلس أعلى للدواء يكون من بين اهتماماته تطوير الصناعات الدوائية والتغلب على المشكلات التى تحول دون تحقيق هذا التطوير، بحيث يضم المجلس كفاءات متميزة من الأساتذة والباحثين فى كليات الصيدلة والطب ونخبة من الأساتذة والباحثين العاملين فى أمريكا وأوروبا وخبراء فى صناعة الدواء، ومتخصصين فى الاقتصاد والاستثمار، كما أطالب بإتاحة الفرص لعدد كبير من خريجى كليات الصيدلة لإيفادهم إلى دول سبقتنا إلى مضمار البحوث العلمية والتكنولوجية لاكتساب خبرات فى بحوث الصيدلة والصناعات الدوائية، خاصة فى ما يتعلق بصناعة أدوية التكنولوجيا الحيوية التى عُقد عليها الأمل فى علاج الأمراض المستعصية، مثل السرطان وألزهايمر وأمراض الدم والكبد وغيرها.
كما أطالب المسئولين فى كليات الطب والصيدلة والمهتمين بصناعة الأدوية بإيفاد باحثين إلى أمريكا وإنجلترا ودول أوروبية، لاكتساب خبرات فى مجال الجينوميات الدوائية، وهو تخصص دوائى جديد يستهدف البحث فى تقليل الأعراض الجانبية واكتشاف أدوية فعّالة فى علاج المرض، ولا تُسبب حدوث الأضرار التى تسببها الأدوية المستخدَمة حالياً، وينبغى أن نثق تماماً فى أن الأموال التى تنفق على الدراسات والبحوث التى تستهدف تقدم وارتقاء الصناعات الدوائية والتكنولوجية سوف يكون لها مردود اقتصادى كبير، ونأمل أن نكرس كل طاقاتنا للاستفادة بمكان ومكانة مصر.

Thursday, October 24, 2019

خالد منتصر - فى حب صلاح السعدنى - جريدة الوطن - 10/2019 /24

لأننى لم أتمكن من تهنئة الفنان الجميل صلاح السعدنى فى عيد ميلاده وأستمع إلى صوته المحبب الجميل المثقل ببصمات السجائر التى منحته بحة خشنة تدق باب قلبك من أول لحظة، فقد قلبت أوراقى وصافحته وهنأته من خلال توقيعه الذى يضىء وثيقة كَتْب كتابى، فقد كان الشاهد الأول على كتب الكتاب فى السيدة نفيسة التى كان يعشقها ويمنحه محرابها السلام النفسى، أتاحت لى الظروف أن أقترب من هذا الفنان النجم بحكم صداقته الحميمة لحماى العزيز الفنان أبوبكر عزت، جمعهما أكثر من عمل، وجمعتهما أكثر علاقة أسرية وطيدة وقوية، أداء صلاح السعدنى الفنى من فرط عفويته تحسبه واقعاً حياً معيشاً بدون سيناريو مكتوب، لكن كان خلف هذا الأداء فنان مثقف عرك الحياة وعركته، صفات الفلاح خريج كلية الزراعة منحته الصبر والجلد فى مواجهة عواصف العزل والتربص والمنع والاضطهاد الذى عانى منه فترة طويلة بسبب آرائه السياسية، يحافظ ببذرة موهبته وفأسه الفنى ومحراثه الإبداعى، مراهناً على أنه حتماً هناك أرض خصبة ستكون الرحم الحنون لجنونه الفنى، وبسبب أنه شقيق المشاغب الولد الشقى محمود السعدنى، خاصة فى زمن السادات، فبعد بصمته التى كانت كالوشم فى مسلسل الضحية فى بداية الستينات مع المخرج نور الدمرداش فى دور الأخرس أبوالمكارم والذى أداه بأستاذية لا تتناسب مع سنه العشرينى حينذاك، ثم أكد أن موهبته ليست ابنة الحظ بأداء على نفس المستوى وفى دور فلاح أيضاً لكنه مختلف، «علوان» فى فيلم الأرض مع يوسف شاهين، اختفى صلاح السعدنى فترة ليعود لنا كالعنقاء من رماد التجاهل والإقصاء، عاد إلينا عملاقاً بهياً، غول تمثيل تعشقه الكاميرا وتنحاز إليه، ظلمته السينما فقرر أن يكون نجم الشاشة الصغيرة والدراما التليفزيونية بامتياز، وكانت الأيقونتان، حسن النعمانى فى أرابيسك، وسليمان غانم فى ليالى الحلمية، والأيقونتان أو المسلسلان للمبدع الحاضر الغائب أسامة أنور عكاشة، حسن صاحب ورشة الأرابيسك الصعلوك المتمرد أبو دم حامى الذى يحمل فى جيناته كل الطبقات الجيولوجية لمصر المحروسة، يطل عليك من نافذة منمنماته الخشبية ويطرح عليك سؤال الهوية: «إحنا مين؟!!»، فراعنة ولّا رومان ولا عرب... إلخ، يترك الأقواس مفتوحة ويغرقنا فى المزيد من الحيرة والشجن، سليمان غانم على العكس، هو من بقايا جلباب الإقطاع المتشعلق فى ذيل الريدنجوت الرأسمالى، تظنه المهرج فى البداية لكن فى أعماقه لؤم السنين التى راوغ فيها الفلاح المصرى كل السلطات التى قمعته وجعلته ما زال حياً وفاعلاً، معركة توم وجيرى بينه وبين سليم البدرى هى أشهر المعارك الدرامية التليفزيونية الملحمية، صلاح السعدنى لن ننساه، محفور فى ذاكرة القلب والوجدان، قبلة على جبينه الوضاء فى عيد ميلاده، ليس مهماً أن تصله هو شخصياً الرسالة، لكن المهم أن تصلكم أنتم، فترسلون إليه القبلات وأمنيات السعادة والعودة بسلام من رحلة التأمل.

خالد منتصر - التفوق بالجينات والرعب القادم - جريدة الوطن - 10/2019 /23

«رعب أكبر من هذا سوف يجىء لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالى جبل الصمت»، تذكرت تلك الجملة المسرحية الخالدة لصلاح عبدالصبور بعد أن شاهدت الحلقات الوثائقية الرائعة والصادمة والمدهشة التى قدمتها قناة نتفليكس، الحلقات عنوانها un natural selection، استغرق تصويرها ثلاث سنوات، وهى تفتح نافذة مبشرة ومرعبة فى نفس الوقت، فقد بدأ الإنسان يتحكم فى الطبيعة، وفى مسار التطور الداروينى الذى كان يتم على مهل وينتصر للأكثر ملاءمة لظروف الحياة، فتنتقل الجينات وتطبخ الصفات عبر ملايين السنين، لكن الجديد الذى يعرضه هذا الفيلم ويفتح قمقم مصباحه هو التطور المقصود والمدبر والمتعمد بعد فك شفرة «الجينوم» واكتشاف تقنية «كريسبر» السحرية، فى بداية القرن الحادى والعشرين، أعلن الرئيس الأمريكى «كلينتون» الانتهاء من مشروع الجينوم الذى وصفه الرئيس بكتاب الحياة، وهو بالفعل كتاب الحياة الذى تتكون أبجديته من أربعة حروف، أما «كريسبر» فهو تقنية المقص السحرى، قص ولصق الجينات، الاستغناء عن الجين المعطوب ولصق الجين السليم، إعادة تصميم الباترون الإنسانى، لكن أين الرعب الذى كشف عنه الفيلم الغطاء؟، والسؤال الأخطر أين موقعنا نحن الدول الفقيرة التى تتفرج من المدرجات على ملعب البحث العلمى بفرقه البرشلونية والريال مدريدية؟!، الرعب هو أن تلك التقنيات والأدوية الجينية الجديدة ستظل احتكاراً للدول الغنية بل الشريحة الأكثر ثراء داخل تلك الدول، فالحلقات تتحدث عن صراخ وشكاوى الأمريكان أنفسهم من ارتفاع تكلفة تلك الأدوية، فهناك دواء تكلفته ٨٠٠ ألف دولار، والآخر تكلفته نصف مليون دولار.. إلخ، كيف ستحل تلك المعضلة؟، نحن أمام مرحلة فاصلة ستكتب نهاية عصر صيدليات الأرفف والبرطمانات وشرائط البرشام، نحن مقبلون على زمن ورش الصيانة الآدمية بالقص واللصق الجينى، الفيلم يتابع بشكل متوازٍ قصص مرضى من الذين نصنّفهم كحالات ميئوس منها تنتظر الموت، ومنها ما ينتظر العمى مثل الطفل المرشح لفقد البصر كلياً بمرض وراثى أصاب شبكيته التى هى خلايا عصبية مستحيل تجدد الميت منها، الحالات الأخرى منها حالة إيدز، ومنها حالة ضمور عضلات بسبب خلل فى النخاع الشوكى، شركات أدوية قدمت الحل، لكن الحل بتكلفة مرعبة، والمبرر هو ارتفاع تكلفة الأبحاث العلمية نفسها، وهى بالفعل تكاليف بالمليارات، لكن أيضاً هامش الربح كبير ومن الممكن ضغطه وتخفيضه، الفيلم يفتح الكاميرا على قضية أخرى غريبة على وعينا وتخيلنا، وهى قضية القراصنة أو الهاكرز البيولوجيين!!، وهم الذين يواجهون هذا الاحتكار من ديناصورات صناعة الدواء، ويقررون إجراء أبحاثهم وتطبيق تقنية كريسبر فى المنازل والجراجات والمطابخ، منهم من يحقن عضلاته بجين معين يضخّم ويقوّى العضلات، ومنهم من يحول كلابه لكلاب مضيئة بالهندسة الجينية، ومنهم من يضرب مرض الإيدز بتركيبة منزلية جينية!!، خيال علمى يتحول إلى حقيقة وواقع، تلعب فى الجينات وتقص وتلصق بسهولة وكأنك تجهز ساندوتش شاورما!، التوقعات مخيفة وتحمل فى رحمها سحقاً ودهساً وفرماً للغلابة، فهناك شعوب ستتحول إلى سوبرمانات، ستحدد درجة ذكائها وقامة رجالها ولون عيون أطفالها وجمال نسائها بالهندسة الجينية!، هناك شعوب ستصبح أمراضها الخطيرة فى متاحف الأنتيكات، وشعوب أخرى ستزداد أمراضها وتتفاقم آلامها بسبب أنها قد سلمت عقولها للخرافة وقفزت من قارب العلم للمجهول، ألم أقل لكم فى البداية: «رعب أكبر من هذا سوف يجىء»!!.

Tuesday, October 22, 2019

د. محمد أبوالغار يكتب: نافخ الزمارة والتبليغ عن الفساد فى أمريكا ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


قبل عودتى للوطن من الولايات المتحدة شاهدت عن قرب المناقشات التى دارت حول موضوع نافخ الزمارة، فكتبت هذه المقالة وأرسلتها للمصرى اليوم.
قرأ المصريون كثيرًا فى الأسابيع الماضية عن Whistle Blower أو نافخ الزمارة، الذى سبب مشاكل كبيرة للرئيس الأمريكى ترامب، أدت إلى محاولات لخلعه من وظيفته. الأمر كله يتعلق بدعم الشفافية ومنع الفساد، وهذا أمر هام جدًا فى الديمقراطيات الغربية وليس له أهمية فى العالم الثالث الذى تقبع معظم دوله فى قاع القائمة التى تنشرها المنظمة الدولية للشفافية كل عام. لاحظ المشرع الأمريكى منذ سنوات أن هناك قرارات سياسية واجتماعات رئاسية ومكالمات تليفونية وبريدا إلكترونيا يتم تبادله بين القيادات العليا فى البلاد، وبالرغم من أنه مسجل ومحفوظ إلا أنه يعتبر من الأمور السرية، ولا تصل تفاصيل هذه الأمور للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعى. بعض هذه الاجتماعات أو الاتصالات التليفونية قد يكون فيها أمور مخالفة للقانون أو ضارة بمصلحة الوطن، ولكن لا أحد يعرف تفاصيلها لأنها تحفظ لدواعى السرية، وأحيانًا تكون هذه المعلومات خاصة بقيادة عليا فى البلاد مثل رئيس الجمهورية. ولذا فقد صدر فى أمريكا عام ١٩٨٩ قانون حماية «نافخ الزمارة» وهو مصطلح يطلق على موظف فى مكان ما من سلطته الاطلاع على المعلومات السرية فيمكنه الإبلاغ عن خرق القانون إلى هيئة مخابراتية خاصة عليها التحقيق فى الأمر. فى حالة وجود اشتباه قوى فى مخالفة للقانون أو تعريض الدولة للخطر ويتم تحويل المسؤول إلى مجلس له صلاحيات قضائية للتحقق من البلاغ ومنها يحول إلى محكمة قضائية، وإذا كان المتهم هو رئيس الجمهورية فيتم تحويل الأمر إلى مجلس النواب الأمريكى ليقوم بمحاكمته، وإذا ثبتت التهمة يتم تحويل الأمر إلى مجلس الشيوخ الذى له الحق فى خلع الرئيس بعد التصويت على ذلك بنسبة ثلثى الأعضاء وهو ما حدث مع الرئيس الأسبق نيكسون فى حادثة ووتر جيت الشهيرة.
وينص القانون على الحفاظ على سرية اسم نافخ الزمارة، وتوفير الحماية له من الشخصيات الضالعة فى هذا الخطأ، وتمنع أيضًا أى انتقام منه. والقاعدة أن يظل نافخ الزمارة غير معروف للحفاظ عليه ولتشجيع آخرين على القيام بوظيفة نافخ الزمارة بدون خوف عليهم وعلى مستقبلهم وقد تم تحديث قانون نافخ الزمارة فى عهد الرئيس أوباما ليشجع جميع موظفى الدولة فى المناصب الحساسة لأن ينفخوا الزمارة بما يرونه خطأ أو مخالفًا للقانون.
ما حدث فى أمريكا أن الرئيس ترامب قرر وقف معونة عسكرية إلى أوكرانيا وهى دولة حليفة لأمريكا، وتم اقتطاع جزء من أراضيها بواسطة روسيا أدى إلى إجراء عقوبات أوروبية وأمريكية عليها. وفى حديث تليفونى مع رئيس أوكرانيا طلب ترامب منه أن يقوم بالتحقيق فى اشتباه ضلوع إبن بايدن منافسه فى الانتخابات القادمة بالفساد داخل أوكرانيا. واعتبر نافخ الزمارة أن هذه تهمة بالغة الأهمية ضد ترامب لأنه حاول أن يضغط على رئيس دولة أجنبية بتأجيل المعونة حتى ينتهى التحقيق فى احتمال أن يكون بايدن قد ساعد ابنه فى الحصول على منصب فى شركة أجنبية باستخدام نفوذه كنائب لرئيس الجمهورية.
وقامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن بين ترامب الذى يقول إن نافخ الزمارة عضو فى الحزب الديمقراطى المنافس، وبين من يطالب بسماع تسجيل المكالمة بين ترامب ورئيس أوكرانيا كاملًا فى الكونجرس، ومازال الحوار دائرًا ومحاولة خلع الرئيس مستمرة. وظهر أخيرًا نافخ زمارة آخر أرسل معلومات للمحقق. القانون يحتم أن يتم حفظ أسماء نافخى الزمارة فى سرية كاملة بينما ترامب يقول إنه سوف يسعى حتى يعرف من هو نافخ الزمارة. أعتقد أن الكونجرس سوف يأخذ قرارًا بإدانة ترامب، ولكن مجلس الشيوخ المنوط به خلع الرئيس بثلثى الأصوات لن يقوم بذلك، ولكن ما يحدث يضعف مركز ترامب فى الانتخابات القادمة، وإن كان هناك ١٣ شهرًا باقيًا حتى ميعاد الانتخابات، والشعب الأمريكى ذاكرته ضعيفة، وأهم شىء عنده هو الاقتصاد، وهو الذى يمر بانتعاشة كبيرة الآن، لو استمرت سيكون ذلك فى صالح ترامب، ولا يزال المرشح الديمقراطى المنافس فى علم الغيب.
والحقيقة أنه مهما قيل من تحكم رأس المال والجهات واللوبيات الضاغطة الأمريكية فى الانتخابات الأمريكية فإن الديمقراطية قوية واحترام الدستور وحمايته أمر شديد الأهمية. نيكسون واحد من أقوى الرؤساء من الحزب الجمهورى أطيح به لأنه كذب على الشعب الأمريكى وهو الذى كان على علاقة وثيقة بكبار الرأسماليين. فكرة نافخ الزمارة فكرة مبدعة وحمايتها بالقانون أعطتها أهمية والاستماع لها من لجنة خاصة حتى فى اتهام رئيس الجمهورية أمر شديد الأهمية وتأكيد للديمقراطية.
صحيح أن الديمقراطية المطلقة لم توجد بعد، وأنها فى شمال أوروبا أكثر قوة ونفوذًا وتنفيذًا على الأرض من أمريكا، وصحيح أن الديمقراطية انتشرت فى أوروبا الشرقية وإن أدت إلى انتخابات رؤساء عندهم ميول غير ديمقراطية ولكنها الآن فى مرحلة متقدمة جدًا مقارنة بنظام الحكم الشمولى السابق. اليابان والهند ودول كثيرة فى آسيا وأمريكا الجنوبية أصبحت دولا ديمقراطية. إسرائيل دولة شديدة الديمقراطية والشفافية بالنسبة لسكانها من اليهود، ودولة شديدة العنصرية بالنسبة للفلسطينيين. أما منطقتنا العربية التعيسة فتأتى فى المؤخرة من ناحية الديمقراطية والشفافية وكذلك العنصرية والتعصب، ولا ندرى متى تخرج هذه المنطقة من الظلام إلى الحرية والديمقراطية.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.

خالد منتصر - خطر إدمان حقن كورتيزون المفاصل - جريدة الوطن - 10/2019 /21

هناك إدمان طبى اسمه إدمان حقن الكورتيزون لتخفيف آلام التهاب المفاصل فى مصر، هناك دراسة جديدة تشير إلى أن هذا الحقن قد يمثل خطورة، وجد الباحثون أن من بين المرضى الذين تلقوا العلاج فى مركزهم 8٪ لديهم مضاعفات.
يقول «جيرمازى»، الأستاذ فى كلية الطب بجامعة بوسطن ورئيس قسم الأشعة فى نظام الرعاية الصحية فى بوسطن: «نريد فقط التأكد من أننا لا نخفى أى شىء عن المرضى».
الدراسة، التى نشرت على الإنترنت فى 15 أكتوبر فى مجلة Radiology، بعيدة كل البعد عن الإشارة إلى المخاطر الناجمة عن حَقن الكورتيزون المتكرر.
دراسة عام 2017 التى نشرت فى مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) هى مثال على ذلك. تبع ذلك نتائج مرضى التهاب المفاصل فى الركبة الذين تلقوا الحَقن المتكرر على مدى عامين، إما مع الكورتيزون أو دواء وهمى (بلاسيبو ملحى). المرضى الذين يتناولون المنشطات لا يرون عادة أى ألم، وبدلاً من ذلك انهارت الغضاريف بشكل أسرع فى مفصل الركبة.
وقالت الدكتورة ناتالى عازار، أستاذة مساعدة سريرية لأمراض الروماتيزم فى جامعة نيويورك لانجون الصحية فى مدينة نيويورك، إن النتائج الجديدة «تعتمد على مجموعة من الأدلة».
وقالت «هذه الدراسة غير موجودة فى فراغ». «لقد كان لدينا دليل ليس فقط على التشكيك فى فاعلية حقن الكورتيكوستيرويدات، ولكن أيضاً تبين أنها قد يكون لها هذا التأثير المتناقض فى تسريع تطور [هشاشة العظام]».
هشاشة العظام هو الشكل الشائع للالتهاب المفصلى، حيث ينهار الغضروف الذى يبطئ المفاصل تدريجياً. هذه العملية يمكن أن تؤدى إلى التهاب وألم وتصلب. فى النهاية، قد تبدأ العظام فى الاحتكاك ببعضها البعض، مما يتسبب فى مزيد من الضرر المشترك والإعاقة. فى الولايات المتحدة وحدها، يؤثر على نحو 27 مليون شخص، وفقاً لمؤسسة التهاب المفاصل.
لا يوجد علاج لالتهاب المفاصل العظمى، والعلاج يكون من خلال فقدان الوزن، وممارسة التمارين والعقاقير المضادة للالتهابات (NSAID) مثل الإيبوبروفين والنابروكسين، أما حقن الكورتيكوستيرويدات، التى تقلل الالتهابات فهى آخر الاختيارات.
غير أن الجرعات لا تكون فعالة إلا لبعض المرضى، وحتى مع ذلك، فإن تخفيف الألم مؤقت. وأضاف أنه إذا لم تسبب أى ضرر، فقد لا تكون هذه مشكلة. لكن ليست هذه هى المسألة.
وقال جيرمازى: «إذا كان مريضٌ مصاباً بالتهاب المفاصل العظمى يفكر فى هذا العلاج، فنحن بحاجة إلى إخباره بأنه قد لا يساعدهم، وقد يتسبب فى ضرر».
استندت النتائج إلى 459 مريضاً تلقوا من واحد إلى ثلاث حقن كورتيزون لالتهاب المفاصل (الورك أو الركبة) فى عام 2018. بشكل عام، أظهر 26 مريضاً (6٪) تطوراً سريعاً فى زيادة التهاب المفاصل. عانى ثلاثة مرضى من تدمير سريع للمفاصل، بما فى ذلك فقدان العظام؛ أربعة منهم يعانون من كسور الإجهاد (كلها فى الفخذ)؛ وثلاثة كانت لديهم مضاعفات من تنخر العظم، حيث «تموت» الأنسجة العظمية.
فى المتوسط، تم اكتشاف المضاعفات بعد سبعة أشهر من الحقن.
وأشارت «عازار» إلى أن الدراسة لم تكن تجربة سريرية، وما زالت تحتاج إلى تأكيد، لكن جيرمازى قال إن النتائج تتفق مع ما أظهرته دراسة JAMA، وتشير إلى وجود مخاطر جدية إضافية.
قالت عازار إنه إذا كنت تعانى من آلام هشاشة العظام المتزايدة وأن طبيبك يقترح الكورتيزون، فقد ترغب فى طلب إجراء اختبار التصوير أولاً. قد يكون الألم الجديد بسبب شىء آخر، مثل (وسادة الغضاريف فى الركبة).
ولكن بعد ذلك، يجب على المرضى أن يسألوا عن بدائل الكورتيكوستيرويد، حسبما قال كل من عازار وجيرمازى.
وقالت عازر: «لا يمكنك التقليل من أهمية فقدان الوزن والعلاج الطبيعى».
إذا كانت هناك حاجة إلى دواء، فقد قالت إنها عادة ما تبدأ بمضادات الالتهاب غير الستيرويدية الموضعية، ثم تنتقل إلى «الاستخدام الحكيم» لأقراص الفم، لأن استخدام أقراص المسكنات غير الكورتيزون مثل الكاتافلام والفولتارين.. إلخ طويل الأجل ينطوى على مخاطر أيضاً.
وقالت عازار إنه بالنسبة للألم المزمن الأكثر حدة، يمكن أن تكون أدوية الألم المرتبط بالأعصاب خياراً. وتشمل الأدوية مثل Cymbalta وLyrica وNeurontin.
«أكبر شىء أود قوله هو أنه فى حالة وجود التهاب، فإن الحقن قد يكون خياراً معقولاً، خاصةً فى شخص لا يستطيع تناول أو فشل فى تناول الأدوية المضادة للالتهابات عن طريق الفم، أو فى المرضى الذين ليسوا مرشحين لاستبدال الركبة».

Sunday, October 20, 2019

خالد منتصر - الطمأنينة الفلسفية (٢) - جريدة الوطن - 10/2019 /19

يلخص الكاتب المغربى سعيد ناشيد فى كتابه «الطمأنينة الفلسفية» بعض نماذج الحاجات الروحية للإنسان من وجهة نظر الفلسفة على النحو التالى: الحاجة إلى المعرفة والتأمل والصداقة بحسب فلسفة أبيقور، الحاجة إلى النمو وتحقيق الذات والفرح بحسب سبينوزا، الحاجة إلى الحرية روسو، الحاجة إلى الكرامة كانط، الحاجة إلى الاعتراف والاعتراف المتبادل هيجل، الحاجة إلى رفض الاستغلال والعدالة بين البشر ماركس، الحاجة إلى الطموح والإبداع والتفوق نيتشه، لكن كيف سيكون حال الفلسفة فى القرن الحادى والعشرين؟، يجيب «ناشيد» بأن الفلسفة حاجة روحية، وصارت الحاجة إليها أكثر إلحاحاً فى عصر صار فيه التشدد الدينى مصدر اكتئاب، نحتاج إلى الفلسفة لأجل العلاج الروحى، لأجل التربية على الحياة، لأجل تحديد أخلاقيات العلم، يظل الأمن الروحى هو مهمة الفلسفة، وتظل معايير الحياة الجيدة أى الحكمة، ومعايير السلوك الجيد أى الفضيلة، تتحدد من خلال النشاط الفلسفى، من خلال المصالحة مع الذات واستعادة الأمن الروحى من خلال تلك النصائح التى يقدمها الكتاب: ١- أحب قدرك، ٢- كن أنت، ٣- اعرف نفسك بنفسك، ٤- لا تعمل إلا ما هو ضرورى، ويؤكد المؤلف أنه لا يوجد تدين صحيح أو خاطئ، ولكن هناك تديناً يلبى أو يعيق نمو الفرد، بالنظر إلى ممكناته ومتطلباته، وكل تدين يخالف الطبيعة البشرية لا ينتج سوى منافقين ومرضى، فالمعادلة بسيطة حين يصر المرء على أن يصبح ملاكاً، سيتنكر لطبيعته البشرية، سيفقد إنسانيته، ومن ثم يستيقظ الوحش الراقد فى أغوار الغرائز البدائية، ويجيب «ناشيد» عن فقدان الهوية والطمأنينة عند قبيلة الإسلام السياسى، ويعيدها إلى مفهومين، الاقتلاع والاجتثاث، فك الارتباط مع ذاكرة الأرض من خلال تدمير الأضرحة والمزارات والآثار على سبيل المثال، وصولاً إلى تصور افتراضى لأمة الإسلام التى بلا جغرافيا محددة، وكما خرجنا من التاريخ نخرج الآن من الجغرافيا، وليس الإنسان الفاقد للوعى سوى إنسان فاقد للقدرة على التموقع فى الزمان والمكان، الوصفة الأساسية للفلسفة هى تنمية القدرة على الحياة، يقول «روسو»: من المستحيل أن يتحقق السلام بين شخصين يعتقد كل واحد منهما بأن الله غاضب على الآخر!، وهنا يأتى دور الفلسفة فى إصلاح الكينونة التى يراها المؤلف من أعظم المهام الفلسفية، وتتم من خلال إصلاح العقل بإخراجه من حالة الخمول والتسليم، إصلاح الغرائز وتخليصها من الانحطاط، إصلاح العقيدة بالدين الإنسانى لا التسلطى، وبالفلسفة سنهزم أكبر مصدر للانفعالات السلبية وهو الخوف، الذى هو أصل المكر والنفاق، والذى يفقدنا القدرة على الحب وعلى التفكير وعلى الاحترام، فالخوف لا يصنع الفضيلة ويعطل العقل ويشل الإرادة ويغتال الرغبة، غاية الفلسفة ببساطة هى السعادة.
كتاب «الطمأنينة الفلسفية» لا يمكن تلخيصه برغم حجمه الصغير، بل يمكن الإشارة إلى بعض مناطق الدهشة والجمال فيه.. تحية إلى قلم سعيد ناشيد الذى جعل الفلسفة برشاقة أسلوبه عصيراً شهياً سهل الهضم حلو المذاق.

Saturday, October 19, 2019

أنا بروفيسور موريسيو! بقلم د. وسيم السيسى ١٩/ ١٠/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

أنا بروفيسور موريسيو أستاذ الكلى والمسالك البولية فى جامعة تل أيبب، وأدعوك لزيارة إسرائيل لإلقاء محاضرات فى كلية الطب، لقد زارنا من قبل أ. د. محمود بدر وأقام عندنا أسبوعًا!
إيه الحكاية؟ ذهبت إلى فيينا لإلقاء بحث عن ضيق الحوالب، وعند مناقشة البحث كان هناك المؤيد والمعارض، وكان بروفيسور موريسيو من المؤيدين بحجة وقوة، وفى وقت الاستراحة جاء يعرض علىّ هذه الدعوة، قلت له: شكراً دعها للظروف!
وبعد عودتى للقاهرة ببضعة أسابيع وصلتنى دعوة من الحكومة الإسرائيلية لزيارة بلدهم، ولى أن أحدد المدة والتاريخ وأفراد الأسرة كما أشاء، وطبعاً الزيارة من الباب للباب هم سوف يتكفلون بها.
ذهبت لأستاذى محمود بدر فى منزله وقصصت عليه ما دار بينى وبين بروفيسور موريسيو فى فيينا، وهذه الدعوة التى وصلتنى، قال الدكتور بدر: نعم ذهبت بناء على أوامر من الرئيس السادات، وفعلاً أقمت أسبوعاً، ألقيت محاضرات، ولكنى أنصحك ألا تذهب! تصور حين رجعت إلى مصر زملائى لا يسلمون علىّ، ويقولون: يدك لامست أيدى اليهود!! كان متألماً.
سألت الدكتور بدر: هل أرد عليهم بالاعتذار؟
قال: ولا ترد!
قابلت منذ بضعة أيام أحد الدبلوماسيين، وكان يعمل فى إسرائيل، قال لى: ألقيت العديد من المحاضرات عن مصر والقضية الفلسطينية على طلبة جامعات وأندية مختلفة، لا تتصور كم التغيير الذى أحدثته فى عقول هؤلاء الناس! حتى جاءتنى أم أحد الطلبة تقول لى: ما الذى فعلته بعقل ابنى؟! أصبحنا أصدقاء حتى إنها كانت تفطر مع أسرتى فى رمضان!
استطرد الدبلوماسى: صورت ١٤ فيديو عن أوجه النشاط فى إسرائيل، كالتعليم، والسياحة، والزراعة، والمصانع، والمواصلات... إلخ، حاولت أن أعرضها حتى على من يزورنى.. أبدا. أرسلت دعوة لبعض أقاربى لزيارتى فى إسرائيل، رفضت الجامعة التى كانوا يعملون بها!
أذكر أننى فى سهرة وكان بها الإنسان الجميل أحد أفراد عائلة الشوبكشى السعودية، وتحدثت فى هذه الأمسية عن عظمة مصر وحضارتها، وكيف أن عمرو بن العاص قال: أنا والأعراب ممن معى نغطى عيوننا من بهر المرمر والطلاء فى مدينة الإسكندرية! مصر هى التى سوف تحضّر العرب! علق صديقى الشوبكشى: لأول مرة أفكر فى ازدواج الجنسية، كيف أكتسب الجنسية المصرية؟!.
أردت بهذه الأحداث أن أطرح رؤية من جانبى، وأنتظر رأيا منكم: لن تتغير سياسة إسرائيل القائمة على التهجير والاستيطان إلا بضغط شعبى عام مستنير على الحكومة الإسرائيلية، هذا الضغط الشعبى لن يتكون إلا بالتطبيع الثقافى السياحى، ذهب الرئيس السادات وتحدث فى الكنيست، علينا أن ندعو مفكريهم وقادة الرأى عندهم، ويذهب أيضاً مفكرونا وقادة الرأى عندنا، ونضىء المساحات المظلمة المغيبة والمتعصبة فى عقلهم الجمعى!
سمعنا: اعرف عدوك! اطلبوا العلم ولو فى الصين، إذا أردتم أن تأمنوا شر جماعة تعلموا لغتهم! إن المخزون الحضارى المصرى، وقوة قواتنا المسلحة، يجعلاننا على قدم المساواة إن لم نكن أغنى وأثرى فكرا وحضارة!.


خالد منتصر - الطمأنينة الفلسفية (١) - جريدة الوطن - 10/2019 /18

نحن نفهم الفلسفة، للأسف الشديد، على أنها مصدر الحيرة والتوتر والتوهان وتعقيد البسيط وتصعيب السهل. وهذه التخوفات تجعل الأفراد ووزارات التعليم والحكومات تكره أو تتجنب أو تعادى تدريس الفلسفة. كل هذه التخوفات لا أساس لها من الصحة، بل على العكس، وكما يقرر المفكر المغربى «سعيد ناشيد»، الفلسفة مصدر طمأنينة. فى كتابه الرائع «الطمأنينة الفلسفية» يمنحنا مانيفستو السعادة بالفلسفة والطمأنينة من خلالها، ويقنعنا بأنها قرص مهدئ، أو فيتامين حياتى مضاد للأكسدة والشوارد المدمرة لخلية الروح بلغة الطب. فى البداية يقول ناشيد: «عقلك طوق نجاتك حين تثق فيه، عقلك فرصة خلاصك حين تستنجد به، عقلك حارس أمنك الروحى حين تعول عليه، عقلك صراطك المبين حين تهتدى به»، لذلك فالفلسفة من خلال ذلك الكتاب المهم ستتأكد من أنها ستحقق لك الأمن الروحى، والسكينة النفسية، والطمأنينة الوجودية، أو ما يسمى بلغة الإغريق «أتاراكسيا».
والمسلم يعانى بشكل كبير من توتر روحى بالغ التعقيد، كما يقول ناشيد فى كتابه، هذا التوتر ناتج عن تضارب حاد بين شعورين متناقضين، الأول فقدان الثقة فى معتقداته بسبب حجم الهزيمة الحضارية، الثانى شعور الخوف بسبب فقدان القدرة على فهم ومجاراة التطورات العلمية والاجتماعية. والطمأنينة التى يقصدها «ناشيد» ليست طمأنينة الأوهام والثوابت التى تؤجل شقاء الروح حتى يتفاقم، فالثوابت عدوة الحرية، والفلسفة لا تنمو إلا فى المجتمعات الطامحة إلى الحرية. يبدأ الكتاب بالسؤال الأول: هل نغير الحياة أم نغير نظرتنا وفكرتنا عنها؟ فهناك تحسين الحياة (بنية تحتية ودخل وتقنيات)، وهذا هو معظم جهدنا، وهناك تحسين نظرتنا إلى الحياة (علمياً.. أخلاقياً.. جمالياً)، وهناك الأهم، والذى نغضّ الطرف عنه تماماً، وهو تحسين القدرة على الحياة (دور الحكمة.. الفلسفة). أكبر مرض يدمر الحياة هو مرض العجز عن الحياة، وتحسين القدرة على الحياة يحتاج إلى تحسين القدرة على التفكير، أفكارنا حول الأشياء أشد تأثيراً على سعادتنا من الأشياء نفسها، إننا لا نستطيع تغيير العالم كما ينبغى، لكننا نستطيع تغيير نظرتنا إلى العالم كما ينبغى، التأمل هو البحث عن ممكنات الأمل داخل ذواتنا، وعبر التأمل نتمرن على تطوير مهارة التفكير النقدى الهادئ والمتحرر من سطوة الانفعالات السلبية.
ينتقل الكاتب إلى تكنيك يصفه بـ«الأبيقورى» للحصول على الطمأنينة من تلك المدرسة الفلسفية، فاضطراب الروح من وجهة نظر أبيقور ناجم عن أمرين: الخوف الوجودى من جهة، والرغبات التى لا تهدأ من جهة أخرى، وأصل الخوف هو الجهل، لذلك لا بد من المعرفة لهزيمة الخوف، أما الرغبات فمنها الطبيعى والضرورى، ومنها الطبيعى وغير الضرورى، ومنها غير الطبيعى وغير الضرورى، كالثروة والسلطة والشهرة، اطرح سؤالاً دائماً: «ماذا سيحدث إن لم أُشبع تلك الرغبة، ماذا سأخسر؟»، ما يسميه «أبيقور» السلوك النزيه هو أن يعيش الإنسان متصالحاً مع ذاته ولا يمارس إلا قناعاته بوضوح، أما الخوف من العدم هذا الإحساس الذى يسبب الهلع للإنسان، فيقتبس المؤلف من إنشاد إغريقى قديم هذه العبارة «الإنسان غير الموجود أصلاً، لا يمكنه أن يشقى، لا يوجد ما يجب خشيته بعد الموت».

Thursday, October 17, 2019

خالد منتصر - هل تطعيم الإنفلونزا ضرورى؟ - جريدة الوطن - 10/2019 /17

 يصاب الملايين حول العالم كل عام بالإنفلونزا، ويتغير شكل الفيروس المراوغ ويتحور كل فترة فى لعبة استغماية، كر وفر مع الإنسان، والإنفلونزا ليست مجرد عطس وتكسير عظام، ولكنها أحياناً تؤدى مع البعض إلى الموت، لذلك فموضوع لقاح الإنفلونزا يتجدد الحوار حوله كل عام، خاصة ونحن فى موسم التطعيم السنوى، لذلك يجب الرد على تلك الأسئلة المهمة:
كيف تعمل لقاحات الإنفلونزا؟
تتسبب لقاحات الإنفلونزا فى تطور الأجسام المضادة فى الجسم بعد حوالى أسبوعين من التطعيم، توفر هذه الأجسام المضادة الحماية ضد العدوى بالفيروسات الموجودة فى اللقاح، يحمى لقاح الإنفلونزا الموسمية من فيروسات الإنفلونزا التى تشير الأبحاث إلى أنها ستكون الأكثر شيوعاً خلال الموسم المقبل.
ما أنواع لقاحات الإنفلونزا المتاحة؟
توصى منظمة الصحة العالمية باستخدام أى لقاح مرخص، هنا فى مصر معمل المصل واللقاح هو المرجع والمصدر، تشمل الخيارات لقاح الإنفلونزا المعطل (IIV) أو لقاح الإنفلونزا المؤتلف (RIV) أو لقاح الإنفلونزا الموهن المباشر (LAIV). اللقاحات المختلفة مرخصة لمجموعات عمرية مختلفة، وبعض اللقاحات غير موصى بها لبعض مجموعات الأشخاص.
سيكون كل من لقاح الإنفلونزا ثلاثى التكافؤ (ثلاثى المكونات) ورباعى التكافؤ (أربعة مكونات) متاحين فى الفترة 2019-2020. معظم اللقاحات ستكون رباعية التكافؤ.
تشمل لقاحات الإنفلونزا الثلاثية:
ثلاثية التكافؤ عالية الجرعة التى تمت الموافقة عليها للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكبر، والتى تحتوى على جرعة أعلى من المستضد (جزء الفيروس الذى يطوره الجهاز المناعى ضد الأجسام المضادة)، للمساعدة فى خلق استجابة مناعية أقوى.
ثلاثية مصنوعة من مادة مساعدة (عنصر يساعد فى خلق استجابة مناعية أقوى)، معتمدة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فما فوق.
تشمل لقاحات الإنفلونزا الرباعية:
جرعة إنفلونزا رباعية قياسية بدون مواد مساعدة، تُصنع باستخدام فيروس يُزرع فى البيض، تتوفر العديد من العلامات التجارية المختلفة لهذا النوع من لقاح الإنفلونزا، وتمت الموافقة عليها لمختلف الفئات العمرية. تمت الموافقة على بعضها للأطفال حتى عمر 6 أشهر. يتم إعطاء معظمها فى الذراع (العضلات) بإبرة، يمكن إعطاء طلقة واحدة من رباعى التكافؤ، إما بإبرة (للأشخاص من 6 أشهر لما فوق) أو باستخدام حاقن نفاث (للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاماً فقط).
لقاح رباعى الإنفلونزا قائم على الخلية يحتوى على فيروس ينمو فى استنبات الخلايا، تمت الموافقة عليه للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 4 سنوات وما فوق.
لقاح الإنفلونزا رباعى التكافؤ (طلقة الإنفلونزا التى يتم إجراؤها دون فيروسات أو بيض الإنفلونزا) المعتمدة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فما فوق.
لقاح بخاخ الإنفلونزا المهدئ الرباعى (LAIV4) المصنوع من فيروسات الإنفلونزا الحية الموهنة (الضعيفة) المصادق عليه للاستخدام فى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و49 عاماً. لا يُنصح باستخدام هذا اللقاح أثناء الحمل أو للاستخدام بين الأشخاص الذين يعانون من بعض الحالات الطبية المحددة.
هل أى من لقاحات الإنفلونزا المتوفرة موصى به أكثر من غيره؟
بالنسبة لموسم الإنفلونزا 2019-2020، توصى اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين (ACIP) بالتطعيم السنوى ضد الإنفلونزا لكل شخص يبلغ من العمر 6 أشهر أو أكبر مع أى لقاح مرخص به من الإنفلونزا يناسب عمر المتلقى وحالته الصحية، بدون تفضيل لأى لقاح على آخر.
هناك العديد من خيارات اللقاح للاختيار من بينها، ولكن الشىء الأكثر أهمية هو أن يحصل جميع الأشخاص الذين يبلغ عمرهم 6 أشهر فأكثر على لقاح الإنفلونزا كل عام..
من الذى يجب تطعيمه هذا الموسم؟
كل شخص يبلغ من العمر 6 أشهر أو أكثر يجب أن يحصل على لقاح الإنفلونزا كل موسم مع استثناء نادر. قدمت اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين فى مركز السيطرة على الأمراض هذه التوصية منذ موسم الإنفلونزا 2010-2011.
التطعيم للوقاية من الإنفلونزا مهم بشكل خاص للأشخاص الذين يتعرضون لخطر كبير للإصابة بمضاعفات خطيرة للإنفلونزا. انظر الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات مرتبطة بالإنفلونزا
من لا يجب تطعيمه؟
لا يُنصح ببعض اللقاحات لمجموعات معينة من الناس. تشمل العوامل التى يمكن أن تحدد مدى ملاءمة الشخص للتلقيح، أو التطعيم بلقاح معين، عمر الشخص وصحته (الحالية والماضية) وأى حساسية من لقاح الإنفلونزا أو مكوناته.
متى يجب أن أتلقى التطعيم؟
يجب أن تحصل على لقاح الإنفلونزا قبل أن تبدأ فيروسات الإنفلونزا فى الانتشار، حيث يستغرق الأمر نحو أسبوعين بعد تلقيح الأجسام المضادة لتتطور فى الجسم وتوفر الحماية ضد الإنفلونزا. ضع خططاً للتلقيح مبكراً فى الخريف، قبل بدء موسم الإنفلونزا. يوصى مركز السيطرة على الأمراض بأن يحصل الناس على لقاح الإنفلونزا بحلول نهاية شهر أكتوبر، إن أمكن. ومع ذلك، فإن الحصول على التطعيم لاحقاً يظل مفيداً وينبغى الاستمرار فى تقديم التطعيم طوال موسم الإنفلونزا، حتى شهر يناير أو ما بعده.
من المحتمل أن يرتبط التطعيم مبكراً (على سبيل المثال فى يوليو أو أغسطس) بتقليل الحماية من الإصابة بعدوى الإنفلونزا فى وقت لاحق من موسم الإنفلونزا، خاصة بين كبار السن.
يجب أن يبدأ الأطفال الذين يحتاجون إلى جرعتين من اللقاح فى عملية التطعيم فى وقت أقرب، لأنه يجب إعطاء الجرعتين لأربعة أسابيع على الأقل.

خالد منتصر - انتخابات كندية بنكهة مصرية - جريدة الوطن - 10/2019 /16

أكثر الجاليات المصرية نجاحاً وتألقاً وفاعلية فى الخارج هى الجالية التى تعيش فى كندا، ولم يقف نجاحها عند حدود التفوق العلمى والمهنى والعملى بل تجاوزه إلى السياسى أيضاً، ومع أجواء الانتخابات الكندية الآن يخوض المرشحون المصريون المعركة بقوة، ولفهم أهمية تلك المعركة الانتخابية كتب لنا عنها الصيدلى المصرى الشاب الذى يعيش هناك جورج موسى، وهو بالإضافة إلى شطارته فى مهنته، كاتب صاحب أسلوب جميل يكتب فى جريدة «جود نيوز» المتميزة، يذوب عشقاً فى وطنه مصر، كتب جورج:
تجرى فى الثلث الأخير من شهر أكتوبر الانتخابات الفيدرالية الكندية التى تحدد نتيجتها الحزب الذى سيحكم البلاد لأربع سنوات مقبلة، ويكون الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان هو الحزب الفائز فى الانتخابات وهو الذى سيقوم بتشكيل الحكومة المقبلة وسيكون رئيس هذا الحزب رئيساً لوزراء كندا لأربع سنوات مقبلة، ويتسابق فى تلك الانتخابات ستة أحزاب رئيسية هى الحزب الليبرالى الذى يحكم الآن وحزب المحافظين المعارض والحزب الديمقراطى الجديد وحزب الكتلة الكيبكية والحزب الخضر الكندى والحزب الشعبى الكندى، ولكن فعلياً تنحصر المنافسة ما بين الحزب الليبرالى الحاكم ورئيسه جاستن ترودوا رئيس وزراء كندا الحالى وبين حزب المحافظين المعارض ورئيسه هو أندرو شير، وللمرة الأولى يشارك فى هذه الانتخابات الفيدرالية ستة مرشحين من أصل مصرى، هم: غادة ملك (حزب المحافظين) عن دائرة «ميسيساجا- ستريتسفيل» وغادة انتقلت مع عائلتها للعيش فى كندا منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً وهى حاصلة على درجة البكالوريوس فى هندسة الميكانيكا من جامعة ويندسور وتشغل منصب مدير أول فى إحدى الشركات العالمية وتقدم خدمات استشارية للشركات فى مجال التصنيع والسلع والطاقة وهى متزوجة ولديها بنتان، وغادة لديها نشاط اجتماعى واسع وتقضى حاليًا فترتها الثانية كنائب لرئيس نادى الروتارى، ولدينا مرشح آخر هو ميلاد ميكايل وهو مرشح حزب المحافظين عن دائرة «ميسيساجا سنتر» وهو مستشار هجرة وله سنوات خبرة طويلة من التفاعل مع الناس وتقديم الاستشارات للمهاجرين كما أنه شارك فى كثير من الحملات الانتخابية لمرشحين سابقين، ويؤمن ميلاد بمبادئ حزب المحافظين وستلمس هذه الحماسة للحزب فى كل حديث له. ولدينا أيضاً المرشحة مريم إسحق مرشحة حزب المحافظين عن دائرة «بييرفوند دولار» فى مقاطعة «كيبك»، وتعد مريم أول مرشحة مصرية رسمية عن حزب المحافظين حيث تم تسميتها مرشحة رسمية عن الحزب منذ ١٤ سبتمبر ٢٠١٨، وتعمل مريم إسحق مع كل الجاليات حيث لا يقتصر تفاعلها فقط مع الجالية المصرية، ولدينا أيضاً المرشحة عن حزب المحافظين عن دائرة «ويست آيلاند فى كيبك»، «آن فرانسيس» وهى كندية من أصل مصرى مولودة فى كندا وزوجة وأم وتتمنى أن تكون صوتاً للعائلات فى برلمان أتوا، وفى دائرة «ميسيساجا أيرين مايلز» لدينا الصيدلى المصرى هانى ثاؤفيليس مرشحاً لحزب المحافظين، كما لدينا سمير جرجس مرشحاً عن الحزب الديمقراطى الجديد عن دائرة «ميسيساجا- ستريتسفيل».
ربما ينجح أحدهم وربما ينجح بعضهم وربما نراهم جميعاً فى البرلمان وربما أيضاً لا يحالفهم التوفيق، كل ما أقوله إنهم لديهم فرص متساوية فى بلد آمن به مواطنون متساوون فى الحقوق مع غيرهم، لن تفرضهم كندا ككوتة فى البرلمان لأن هذا قبطى أو هذه سيدة، سيدخلون البرلمان إذا ما اقتنع الناخب الكندى بهم، هم مصريون يحملون مصر فى قلوبهم، نعم يا سيدى فكلنا هنا نحملها فى القلوب، طعامنا مصرى وضحكاتنا مصرية وحديثنا مصرى وعن أحوال مصر، نعم هاجرنا منها ولكنها لم تهجرنا.

Wednesday, October 16, 2019

خالد منتصر - بصمات مدرسة الخارجية على العلاقات المصرية - الإسبانية - جريدة الوطن - 10/2019 /15

تتميز مدرسة الخارجية المصرية بأنها ليست مؤسسة جامدة، لكنها على العكس، فهى من أكثر المؤسسات مرونة وقابلية للتطور والتغيير مع الأحداث الخارجية والداخلية، لديها ميزان ذهب حساس ولا يتناقض رسوخ عراقتها مع أناقة حداثتها، وهذا يعتمد بالأساس على كتيبة السفراء الذين يتم اختيارهم وترشيحهم من قِبل وزير الخارجية المحنك سامح شكرى، والذين هم على أعلى مستوى من الثقافة والمهنية والوطنية والذكاء، وهذا ما لمسته فى مقابلتى وحوارى مع السفير عمر سليم، سفيرنا لدى إسبانيا، فقد لمست فيه الثقافة والاستنارة واتساع الأفق وحب مصر المحروسة الذى يسرى فى الروح ويسكن الوجدان حتى النخاع، وعرفت أن هذا العشق المصرى يسرى فى الجينات ويكمن فى الجذور، يكفى أن الجد هو سليم حسن صاحب أكبر موسوعة ومرجع لمصر القديمة، إنه صورة مشرّفة لمصر فى أوروبا، وما يفعله السفير عمر سليم هو تطبيق عملى لشعار الخارجية المصرية، «قدرات وإمكانيات السياسة الخارجية كلها موظفة لخدمة الداخل».
ولنتحدث بالأرقام، فقد زاد معدل نمو الصادرات المصرية إلى إسبانيا بنسبة ٥٧٪، وهو أعلى رقم، مما يعتبر قفزة هائلة وعظيمة رغم انخفاض الصادرات البترولية، فإنه تم التعويض من الصادرات السلعية، خاصة الموالح لدولة هى فى الأساس أكبر مصدر موالح للاتحاد الأوروبى، ويتم الآن تصنيع الصوب الزراعية فى مصر من خلال الاستعانة بالخبرة الإسبانية، ومن أهم أوجه التعاون المبشّرة بين مصر وإسبانيا مجال النقل، حيث سيتم توريد ستة قطارات إسبانية على أعلى مستوى من الراحة والرفاهية والتكنولوجيا والأمان بعقد صيانة ثمانى سنوات، وهى على الخط ما بين مصر والإسكندرية، أما أحدث مجالات التعاون ففى مجال الطاقة المتجددة النظيفة، محطة توليد طاقة بالرياح فى العين السخنة مصروف عليها من ثمرات التعاون المصرى - الإسبانى بأقل فائدة.
أما على الصعيد السياسى فالتفاهم المصرى - الإسبانى على أعلى مستوى، حفاظاً على استقرار المنطقة، أما التعاون الثقافى المصرى - الإسبانى فهو شىء مشرف بالفعل، وقد لمسته بنفسى حين أثمرت جهود السفير عمر سليم الناجحة عن عرض فيلم «يوم الدين» هناك فى البيت العربى، حيث امتلأت القاعة بالجمهور فى جميع حفلاته، بكل ألوان الطيف، ولاقى نجاحاً رائعاً، وهناك أيضاً بعثة التنقيب الإسبانية عن الآثار، التى لها وقت طويل هنا فى مصر، أما الندوات الثقافية ومعارض الفن التشكيلى فى المركز الثقافى الإسبانى التى تتم بشكل شبه أسبوعى، فهى وقود عقلى وروحى واحتفالية تفاهم تعبر عن مدى أهمية القوة الناعمة المصرية.
من الصعب فى المجال السياحى أن تقنع سكان أهم دولة سياحية فى العالم بأن تسافر للسياحة خارج أوروبا، لكن هذا ما حدث بالفعل، فقد زاد معدل الرحلات إلى سبع رحلات طيران أسبوعياً ما بين مدريد والقاهرة ورحلة أسبوعية ما بين مدريد وأسوان، وخمس رحلات من برشلونة، بخلاف الشارتر، وقد زادت سياحة الإسبان إلى مصر من ٣٣ ألف سائح إلى ٧٠ ألفاً، ومتوقع فى العام القادم أن يصل الرقم إلى ١٠٠ ألف، وهذا رقم كبير لجمهور يعتمد على السياحة الثقافية والآثار وخلافه، لا الشاطئية.
وهناك مشروع رائع تم برعاية السفارة هناك، وهو مشروع المائة مليون شجرة زيتون، بإشراف أفضل دولة فى هذا المجال على مستوى العالم، مجالات التعاون والنجاح فى العلاقات المصرية - الإسبانية، كلها تبشر بالخير وتبث الأمل من خلال العقلية المنظمة المنهجية الهادئة لمدرسة الخارجية المصرية العريقة المتميزة التى بالفعل تدعو إلى الفخر.