Translate

Sunday, May 31, 2020

حقوق الميثاق العالمى بقلم الأنبا موسى ٣١/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

فى إطار حديثنا عن «حقوق الإنسان.. هدف مشروع!»... نتحدث عن حقوق الإنسان فى «ميثاق حقوق الإنسان العالمى»، وكيف أنه يتوافق مع الأديان.
لاشك أن المسيحية توافق تمامًا على الميثاق العالمى لحقوق الإنسان، بصورته الأصلية. ولكن الاعتراضات نشأت بعد ذلك من محاولات التطوير فى مجالات حساسة مثل: حق الإجهاض، أو الجنسية المثلية.
إن دائرتى الإيمان والأسرة لهما حساسية خاصة، وسوف تعلن الأديان رأيها باستمرار فى هذا الشأن.. والمبدأ الأساسى المعمول به فى هذه الأمور هو:
- «يَنْبَغِى أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال الرسل ٢٩:٥)..
- «لاَ تَشْتَرِكُوا فِى أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِىِّ وَبِّخُوهَا» (أفسس ١١:٥).
ولكن الميثاق الحالى مقبول عمومًا، وهذه بعض الأمثلة:
١- الناس أحرار ومتساوون فى الكرامة والحقوق: وهذا يتفق مع قول الكتاب المقدس: «الإِلَهُ الَّذِى خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هَذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ... يُعْطِى الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْسًا وَكُلَّ شَىْءٍ. وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ.. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» (أعمال الرسل ٢٤:١٧-٢٨).
إذن.. لا تفرقة بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى.. وقد جاء فى الإنجيل: «لَيْسَ يُونَانِىٌّ وَيَهُودِىٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِىٌّ سِكِّيثِىّ عَبْدٌ حُرٌّ» (كولوسى ١١:٣)،«لَيْسَ يَهُودِىٌّ وَلاَ يُونَانِىٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ» (غلاطية ٢٨:٣)، أى لا فرق بين الأعراق والثقافات والأديان من جهة تساوى البشر معًا (الختان هم اليهود، والغرلة- أى عدم الختان- ترمز إلى الأمم الأخرى) التى لا تفرض الختان على الذكور.
٢- حق الحياة والحرية والأمان: ولا خلاف فى ذلك لأن الله هو معطى الحياة، وقد خلقنا أحرارًا، وهو وحده القادر على تأمين حياة الإنسان.. قال الكتاب المقدس: «آمِنُوا.. فَتَأْمَنُوا» (أخبار أيام ثانى ٢٠:٢٠).
وإذ يوصى إلهنا العظيم بنشر الخير والمحبة، فهو يدعو إلى الحرية الملتزمة، وإلى أن يتمتع الكل بالأمان، فى ظل نظم حكم خيرة، تلتزم بالقانون والمساواة والمواطنة.
٣- لا يجوز استرقاق أحد: وأديان التوحيد ضد استعباد البشر، ومع أنها لم تدع إلى ذلك من خلال ثورات دموية، إلا أنها شجعت العبيد أن يتحرروا «دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ! بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِىِّ» (كورنثوس الأولى ٢١:٧)، كما أنها نادت السادة بأن يعاملوا العبيد كإخوة، وأن يحرروهم، كما طلبت من العبيد أن يسلكوا بأسلوب سليم، منتظرين لحظة الحرية. وقد حرر الكثير من المؤمنين عبيدهم بمجرد دخولهم إلى الإيمان بالله. وتؤمن المسيحية بفكرة «الأعضاء فى جسد واحد»، فمن غير المعقول أن يستعبد عضو عضوًا آخر، بل لابد من تناغم وانسجام ومساواة بين أعضاء الجسد الواحد..
- «نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ..، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ» (رومية ٥:١٢)..
- «فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ.. أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.. لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِى الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ.فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ» (١كورنثوس ١٤:١٢-٢٧).
٤- لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب: يوصينا الإنجيل: «كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ، مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ..» (أفسس ٣٢:٤)، فالتعذيب ضد الكرامة الإنسانية، وكم من اعترافات غير حقيقية انتزعت بواسطة التعذيب! إذ التعذيب غير إنسانى، والكتاب المقدس يقول: «مُبَرِّئُ الْمُذْنِبَ وَمُذَنِّبُ الْبَرِىء كِلاَهُمَا مَكْرَهَةُ الرَّبِّ» (أمثال ١٥:١٧)
- ولاشك أن كل إنسان يجب أن يتمتع بشخصيته القانونية. وأن يكون الكل سواء أمام القانون.
وأن يكون من حق كل إنسان أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه، ولا يجوز اعتقاله أو حجره أو نفيه تعسفيًا.. فالله عادل، وهو العدل المطلق، يستحيل أن يقبل الظلم أو يرضى عن الظالمين.. وهو يوصى الإنسان قائلاً: «لاَ يَسْكُنُ الظُّلْمُ فِى خَيْمَتِكَ» (أيوب ١٤:١١).
- «رَجُلُ الظُّلْمِ يَصِيدُهُ الشَّرُّ إِلَى هَلاَكِهِ» (مزامير ١١:١٤٠).
- وكان ينادى الحكام قائلاً: «يَا رُؤَسَاءَ إِسْرَائِيلَ. أَزِيلُوا الْجَوْرَ وَالاِغْتِصَابَ، وَأَجْرُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ. ارْفَعُوا الظُّلْمَ عَنْ شَعْبِى» (حزقيال ٩:٤٥).
- وفى نهاية الأيام سيقول إلهنا العظيم للظالمين: «تَبَاعَدُوا عَنِّى يَا جَمِيعَ فَاعِلِى الظُّلْمِ! هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (لوقا ٢٧:١٣)، «اذْهَبُوا عَنِّى يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متى ٤١:٢٥).
- يجب- لذلك- أن تكون المحاكم مستقلة، وأن يعتبر المتهم بريئًا إلى أن تثبت إدانته، دون تدخل تعسفى فى شؤون أى إنسان أو أسرته أو مسكنه، أو فى تعريضه لحملات ضد سمعته أو شرفه، وذلك بحماية القانون.
٥- حق التنقل: هو حق طبيعى توافق عليه المسيحية بالطبع، فكل إنسان له حق المغادرة والعودة، ما لم تكن هناك تحفظات قانونية فى حياته، كأن يرتكب جريمة ويهرب! لهذا نشأ نظام «الإنتربول» ليتعامل- بطريقة قانونية عادلة- مع هذه الحالات. وهذا كله يتناسق مع صفة العدل المطلق فى إلهنا المحب، فإذا ما تعرض إنسان للظلم فى بلده لسبب ما، ينص الميثاق على أن من حقه اللجوء إلى بلد آخر خلاصًا من الاضطهاد، متمتعًا بجنسيته الأصلية، التى لا يجوز حرمانه منها لسبب تعسفى.
٦- حق التزوج وتأسيس أسرة: حق آخر طبيعى.. لكن لابد هنا من ضوابط الدين والقانون، فها نحن نرى مفاهيم جديدة للأسرة تزحف علينا مثل: أسرة الزواج المدنى دون شعائر دينية، والأسرة المكونة من اثنين من جنس واحد (الجنسية المثلية)، وأسرة الأم غير المتزوجة، و«الأسرة الجماعية»، مجموعة من الرجال والنساء يعيشون معًا فى علاقات زوجية بلا حدود، وينجبون الأطفال.. هذا كله مرفوض لما له من أثر مدمر على: الأطفال، والأسرة بمفهومها، والمجتمعات، والدولة، ناهيك عن النزول بالعلاقة الزوجية من مستوى الإنسان إلى أقل من مستوى الحيوان. (يتبع بإذن الله)
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


حسن حسنى.. الأيقونة والجوكر - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /30






وداعاً حسن حسنى الجميل البسيط الطيب خفيف الدم، أسطى التمثيل عاشق الفن، الذى تأخرت نجوميته كثيراً، وعانى حتى اقتحم الصفوف الأولى بالجهد والمثابرة والعزيمة، وقبلها بالموهبة الفياضة، أيقونة الكوميديا الحديثة ومعشوق المضحكين الجُدد، الفنان الجميل حسن حسنى، رحل بعد أن اطمأن إلى أن بئر نفط البهجة ومخزون السعادة الذى تركه لنا يكفينا آلاف السنين، ممثل عبقرى صنّفناه خطأً «كوميديان»، فهو أيضاً غول تراجيديا رهيب من مدرسة المليجى وزكى رستم، قادر على سرقة الكاميرا ممن أمامه دون تعمد، فمغناطيس الجاذبية لديه يجمع فى قطبيه كل الأعمار والطبقات والأجناس والفئات، نجوم الكوميديا الجدد كانوا يعتبرون أفلامهم ناجحة قبل أن تنزل إلى صالات السينما بشرط واحد أن يقبل حسن حسنى مشاركتهم البطولة، حتى لو بمشهد، وكأنهم يأخذون منه البركة كلهم بداية من محمد هنيدى حتى محمد سعد، مروراً بأحمد حلمى ورامز جلال وعلاء ولى الدين.. إلخ، استحق بالفعل لقب الجوكر كما أطلق عليه زملاؤه، فما إن يرشح لأى دور تجد الدور اصطبغ بصبغته، وصار علامة مسجّلة باسمه، الكم كبير بالفعل، نحو خمسمائة عمل فنى، وقد انتقد الكثيرون هذا الكم الكبير، لكن الحقيقة أن حسن حسنى كان مخلصاً فى كل دور، حتى لو استغرق على الشاشة خمس دقائق، صارت إيفيهاته «محفوظة صم» للأطفال قبل الكبار، فمن منا لا يتذكر «يا أم نيازى صحى نيازى وقولى له ضبش حرامى (غبى منه فيه)، يا ناس محدش ياخد ميدو ابنى ويدينى بداله مروحة (فيلم ميدو مشاكل)، عايز تحتفل بالالتصاق (عبود ع الحدود)... إلخ»، وأيضاً لا ننسى أدواره التراجيدية التى أبكتنا وهزتنا من الأعماق مع المخرجين عاطف الطيب (دماء على الأسفلت)، وداوود عبدالسيد (سارق الفرح)، ورضوان الكاشف (ليه يا بنفسج)، وأسامة فوزى (عفاريت الأسفلت)، وغيرهم، فى أحد حواراته يقول «بانام والشخصية فى حضنى!»، دلالة على الإخلاص والتبتل فى محراب الفن.
قبلة على جبين من ترك وشم الفرحة على جدران أرواحنا، حتوحشنا يا عم حسن..

Saturday, May 30, 2020

د. وسيم السيسى يكتب: من هو الأقدر على علم الجينات؟! ٣٠/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

عزيزى دكتور زاهى، قبل أن أبدأ الرد على مقالكم، الدراما ليس لها صلة بالتاريخ، أرجو أن نقرأ سوياً: الوقائع المصرية- الملحق للجريدة الرسمية- العدد ١٩٧ تابع بتاريخ ٥-٩-٢٠١٩.
كود ٧: الأعمال الدرامية: الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص فى حال تضمين الدراما أفكارا ونصوصا دينية أو علمية أو تاريخية، حتى لا تصبح الدراما مصدراً لتكريس أخطاء معرفية.
كود ١٥: إفساح المجال للدراما التاريخية والدينية والسير الشعبية للأبطال الوطنيين، وذلك بهدف تعميق الانتماء، وتنمية الوعى القومى.
يكفينى هذا من القانون، الذى يؤكد أن الدراما لها أعمق الصلات بالتاريخ والدين والسير الشعبية، ولكنى أسأل: هل نفرتيتى القاتلة، وتوت عنخ آمون، أكثر الملوك شهرة، والمشكوك فى نسبه، وأنه من زوجة ثانية، ولا نعرف غير «كيا» كزوجة ثانية، ينميان الانتماء لتاريخ مصر العظيم، خصوصاً أن نفرتيتى و«توت» من أعظم أسرة صاحبة أول إمبراطورية فى العالم كله، بدأت بمحرر مصر من الهكسوس أحمس، وانتهت بصاحب قانون حقوق الإنسان، حور محب.
قلت يا دكتور زاهى إن «كيا» سورية، وليست عبرانية، يبدو أنك نسيت ما كتبته فى مقالى السابق عن ولبرايت، وعالم الآثار وليم مورنان وترجمته لثلاث رسائل من تل العمارنة، واليوم أضيف لك ما يؤكد عبرانية «كيا»، وهى الرسالة ١٥٥:
عينت مصر تاوشرتا على مبتان، وابنه عازيرو على شاروهين جنوب عزة الخابيرو الذين كانت منهم «كيا»، وهم الذين هاجموا مصر، ولم يتحرك إخناتون «لأن زوجته كيا منهم». يا دكتور زاهى لم ترد على بحثك الذى استشهدت به ٢٠١٠، ولم ترد على برندا بيكر، ولم ترد على بحوث عالم الجينات المصرى، عميد طبيب دكتور طارق طه، أحيلك إلى كتابه الرائع الذى ذكرته فى مقالتى الماضية، هذا الإنسان الرائع عملت معه ست سنوات فى عالم الجينات، وقد صدر كتابه منذ أسبوع، وقد شرفنى بالإهداء: إلى الله أولاً، إلى زوجتى وأسرتى ثانياً، إلى الأستاذ العلامة الدكتور وسيم السيسى، المعلم والأب، الذى احتضن هذا العمل ورعاه طوال هذه الفترة الطويلة من العمل، ثم إلى إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة، ثم إلى الزملاء الأطباء.
خبرنى يا دكتور زاهى: من الأقدر على علم الجينات؟ الطبيب، أم رجل الآثار؟ أنا لا أتدخل فى عملك، ولكنى أتحدث معك من منطلقين ١- اهتمامى بالهندسة الوراثية ٢- عشقى لمصر وخوفاً عليها من هذه الأوبرا، ليتها كانت عن كفاح طيبة أو معاهدة قارش أو قناة السويس «سنوسرت الثالث»، تقول الحرية والخيال فى الدراما، هذا صحيح ولكن بدون ذكر أسماء تاريخية حقيقية، وإلا وجب عليك الالتزام بالأمانة التاريخية، أوبرا عايدة.. أسماء مستعارة: عايدة الحبشية، والضابط المصرى راداميس، فيلم المهاجر البطل رام، فيلم عروس النيل «هاميس»، أما كفاح طيبة فالأسماء حقيقية، والأحداث كلها حقيقية، فأصبحت رائعة من روائع نجيب محفوظ.
أنت تعرف يا دكتور زاهى أن الدراما أنواع ١- كوميديا ٢- تراجيديا «من تراجوس أغنية الماعز التى كان الكورس يذبحها» ٣- تراجو كوميديا ٤- ميلودراما... إلخ، ولكن أى نوع من الدراما لابد أن يكون له هدف، فما الهدف من أوبرا توت؟ والملايين الذين لا يعرفون تاريخ مصر من كافة أنحاء العالم، بما فيهم مصر، سيخرجون بجميلة الجميلات القاتلة، والملك الصبى، ابن الزوجة الثانية كيا العبرانية، الذى حكم مصر تسع سنوات، لماذا لا تغير الأسماء إلى نفرتوم «كاملة الأوصاف»، توتامين، ملك كوش بعل زبول، لن يجرؤ أحمد عثمان، المقيم فى لندن، أن يقيم دعوى لإيقاف هذه الأوبرا بعد ذلك.
أخيراً هذا التهديد اللطيف: إذا قامت مناظرة بينى وبينك.. فليست فى صالحك!! كيف أنهى مقالى السابق بقولى أنا أحبك، وتبدأ مقالك بصديقى، وتنهى نفس المقال بهذا التهديد الظريف، أما أنا فأرى أى مناظرة إنما هى فى صالحى لعدة أسباب: ١- أتعلم منك ٢- تثير اهتمام الناس بالمصريات ٣- تجمعنى بك علامة الجمع الطيبة وليست علامة القسمة الشريرة.
يا دكتور زاهى دعنا نتعلم درساً من فولتير حين حكمت السلطات الفرنسية بإعدام كتاب جان جاك روسو «العقد الاجتماعى»، حيث كتب فولتير: أنا لا أؤمن بكلمة واحدة مما تقول، ولكنى سأظل حتى الموت أدافع عن حريتك فى أن تفكر وتكتب كما تشاء.

مفيد فوزى يكتب: حيرة كاتب! ٣٠/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

قد تصل الشفافية بينى وبين قارئ لبيب إلى الحد الذى أصارحه فيه بحيرتى ككاتب، لقد اعتدت أن أختار موضوعاً ما أعالجه على طريقتى، وربما تتكشف نقاط لم تكن فى الحسبان أثناء الكتابة، تلك التى يطلق عليها يوسف إدريس «من بواطن الأمور»، وحيرة أى كاتب واردة عندما يشرع فى الإبحار فى الكتابة، حيث يصبح الورق الأبيض تحدياً للقلم، ويعيش لهذا الإحساس من «أخلصوا» للكتابة فوق الورق، وهأنذا أكشف عن حيرتى!.
العالم كله مشغول بالبحث عن «اللقاح المضاد» لكورونا، وتتجه أنظار الكون إلى منظمة الصحة العالمية، وبعد أن كانت هذه المؤسسة محل الاحترام والتبجيل والثقة، طالها التشكيك والتضليل! صرنا ننظر إلى تقاريرها بالكثير من الريبة، فلم تعد المرجعية! فلماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!
وأظن أن الأسئلة المثارة حول الفيروس أضعاف أضعاف الإجابات، لقد امتلأت أسواق الاجتهادات للكوفيد ١٩ وتاه اليقين وسط ضبابيات سماء الأزمة، هل الفيروس خضع للتخليق فى المعمل الأمريكى لضرب اقتصاد الصين، و«من أطلق العفريب عجز عن صرفه»؟! هل هو صنف من البكتيريا من وراء عقول العلماء «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»؟ لماذا صار «الغامض» بسلامته عابرا للقارات وضرب اقتصاد الدنيا، وكلنا بلا استثناء نمارس لعبة التحليل بلا جدوى.
فلماذا «أستمر فى سرد بلا طائل؟».
وجاءت صيحات يطبقها العالم أجمع «عميانى» لأنها الملاذ الوحيد للنجاة. خليك فى البيت، الزموا بيوتكم، تباعدوا بدنيًا، لا تصافحوا بعض، لا عناق ولا قبلات محبة أو شوق، اغسلوا أيديكم بالماء والصابون، ضعوا الكمامات على أنوفكم لأن الفيروس يتسرب من الجهاز التنفسى ويبحث عن خلية يقيم فيها، والعزل الاضطرارى ضرورى، فإذا كان الاحتراز كذلك، فلماذا يحصد الغادر أرواح الأطقم الطبية شديدة الحذر والاحتراس؟ فماذا نفعل؟ هل نعقم الهواء الذى نستنشقه مثلما دهنا الهوا دوكو؟ وهل تتصحر عواطفنا بسبب التصخر فى الاحتراز؟ لكن بيتك- مع الحذر- هو قلعتك، وإلى متى أظل معتقلاً بإرادتى، لماذا أستمر فى سرد بلا طائل، والإجابات الشافية بعيدة المنال؟
اقتصاد العالم أصابته «كورونا الكساد».
والدول- معظم الدول- تراجع اقتصادها بدرجة مخيفة، واشتدت نسبة بطالتها التى «تخلقت» من الفيروس، وأسواق العالم يحتويها الصمت والمطاعم والمحال العامة والمولات مغلقة، والطائرات لا تطير حتى إشعار آخر، والسياحة فى خبر كان، والمدارس والجامعات والمؤسسات ON LINE، وقد سمحت مصر بأن تفتح الشباك لا الباب، بمعنى أنها سمحت لبعض الهيئات بأن تمارس نشاطها بنفس الشروط الاحترازية، لكن قلة مستخفة ومستهترة لم تراعِ القواعد الصحية، كان «الذعر» من كورونا ضرورياً حتى لا تتضاعف نسب الإصابة، ولكن سرادق عزاء لشخصية عربية إعلامية عزيزة على مصر، كان كامل العدد! لا تباعد بدنيا، والمصافحة باليدين كما تتطلب أمور العزاء الواجبة، وكان السرادق كنموذج لواجب اجتماعى يصعب التخلف عنه، ولا يجوز أن يكون on line، هل أصيح فى المعزين: فى البلد فيروس مُعدى يا ناس، وسيضيع صوتى فى الهواء، ولماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!.
يثبت لى كل يوم أن «المجاملات الاجتماعية» فوق القواعد الاحترازية التى تطالب الدولة مواطنيها باتباعها! يثبت لى أن العادات النفسية والذهنية المصرية لها قوة السيطرة على سلوكيات المصريين.
إنها أكبر من قواعد الدولة الاحترازية، فالأفراح تتم وسرادقات العزاء تتم، حتى مناسبات «الطهور» تتم، وكل مترو ينحشر الناس فيه كالسردين يرفع أرقام الإصابات وبالتالى أرقام الوفيات.
ولا أستطيع أن أدعى أنى حريف فى قضايا الاقتصاد، فمن البديهى أن تدور عجلة الاقتصاد وإلا سقطنا فى المحظور، وإذا وافقت الرأى الرسمى الذى يعيد عجلة الاقتصاد للدوران، فهل أضمن وأراهن على وعى الناس الاحترازى؟ الإجابة: لا أضمن ولا أراهن!.
فلماذا أستمر فى سرد بلا طائل؟!
إن مصادر دخل الدولة من السياحة والتصدير، وكلاهما فى حالة سكون، وما زال السفر للخارج ممنوعاً، واستمرار هذه الحالة يصل بنا إلى كارثة، ولابد أن الدولة معنية بهذا الأمر المصيرى، ولكن السؤال: هل نملك كشعب أن نتعايش مع الكورونا؟ إنه أخطر سؤال بدأت الدولة تجيب عنه، ربما أخذت الدولة دروساً وتحولت إلى قواعد فى السلوك، فهل نضمن أن المصريين سوف يبالون بأن الفيروس لم يرحل وأن العودة لحياتهم العادية هو الجنون ذاته؟ وهل نبدأ الدرس من أوله؟ هل تتم عودة الحياة العادية على درجات؟ إن من عيوب المصريين التى ذكرها عالم الاجتماع د. سيد عويس: «النفس القصير فى مواجهة الأزمات»، لا ينبغى أن نقلد الدول التى أعادت الحياة العادية فربما كانت نسبة الوعى لديهم مرتفعة وكان الدرس- درس الفيروس- أليماً؟ إنها معادلة صعبة، فالحياة لا تستقيم بهذا الحظر الطويل، وفى نفس الوقت- وفى غياب اللقاح المضاد- سترتفع نسب الإصابة، فهل يظل العلاج سراً سرمدياً؟ لا أعرف، لا أستطيع أن أتكهن وإن ظل الأمل بعيداً وقريباً!!.
فلماذا أستمر فى سرد لا طائل له؟!.
هل «حيرتى» مشروعة؟!
أليست حيرة كاتب يخاف على مستقبل أمَّة ويخشى فراق الأَحِبَّة بسبب خصال موروثة، ويحلم بكتالوج جديد لحياتنا الآتية؟

أسطى أرابيسك الدراما وحشتنا - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /29






عشر سنوات على غياب أسطى أرابيسك الدراما، الذى كان اسمه علامة الجودة الدرامية على أى مسلسل، أسامة أنور عكاشة، وفى الليلة الدرامية الظلماء يفتقد البدر، كان أسامة قد حافظ على كرامة المؤلف وقيمة النص، فتحول من كونه مجرد «ورق» إلى إبداع، لا يسمح بالخروج عنه إلا بإذنه، فى ذكرى رحيله، تذكرت تلك الرسالة التى أرسلتها له وهو فى المستشفى يصارع السرطان، أناشده البقاء والتشبث بالحياة، لكن خطوات القدر كانت أسرع، كنت أحس أن الدراما بعده ستكون يتيمة وتائهة، كتبت له وهو على فراش الموت تلك الرسالة: ومنين بييجى الشجن.. من اختلاف الزمن.. قبلة على جبين أسامة أنور عكاشة الذى رصد لنا شجن الوطن وأحلامه المجهَضة فى دراما تليفزيونية من نسيج جديد ووعى جديد ولغة جديدة ورؤية جديدة وحس جديد. وعندما اختلف الزمن نظر أسامة حوله فوجد الأقزام قد احتلوا منافذ الدخول والخروج فى دنيا الإبداع، وسكنوا مقدمة المشهد، وجلسوا فى الصفوف الأولى، حاولوا إغراءه بأن يكون من الكتبة فأصر على كونه كاتباً، وإقناعه بأن يكون من حمَلة المباخر ولكنه قرر أن يحمل هموم الوطن. أعرف أن نصال سيوف الغدر والرداءة والكذب قد نالت من جسدك وعزيمتك.. أعرف أن محاولات الكتابة بروح «ليالى الحلمية» صارت كالقبض على الجمر.. أعرف كل ذلك، ولكنى أعرفك أكثر، وأعرف وهج إبداعك، وأعرف صلابة عنادك، فلا ترفع «الراية البيضا»، فما زال نيل إبداعك يا أسامة يجرى ويروينا. «تحت نفس الشمس، وفوق نفس التراب، كلنا بنجرى ورا نفس السراب».. إبداعك يا أسامة لم يكن سراباً، ملحمة «ليالى الحلمية» شكّلت وجدان جيل بأكمله، «أرابيسك» فتحت عيوننا على تعشيقات وطبقات التاريخ المصرى المتراكم والمتداخل والمكون لشخصية حفر تجاعيدها زمن طويل لا تلوثه أتربة طارئة من شرق صحراوى أو غرب استعمارى. «عصفور النار» زرع فينا كراهية الديكتاتور وحرّضنا على سرقة نار الحرية حتى ولو أحرقت أصابعنا. «ما تمنعوش الصادقين عن صدقهم.. وما تحرموش العاشقين من عشقهم.. كل اللى عايشين للبشر من حقهم يقفوا ويكملوا».. لا بد أن تقف وتكمل يا أسامة، أنت عاشق ولا يوجد قانون فى الكون يحرّم العشق ويجرّم الحب، أنت لم تحارب طواحين الهواء مثل أبوالعلا البشرى، أنت نثرت بذور الياسمين فى حياتنا، ووضعت قناع أكسجين الفن ليسرى فى رئاتنا التى تحجّرت وتكلّست من غلظة الفن الهابط ودراما الصابون، وتنقذنا من الموت الإكلينيكى فى غرفة الإعدام بسيانيد مسلسلات الحواوشى. «وينفلت من بين إيدينا الزمان.. كأنه سَحبة قوس فى أوتار كمان.. وتنفرط الأيام عود كهرمان.. يتفرفط النور والحنان والأمان.. الغش طرطش رش ع الوش بوية.. ما دريتش مين بلياتشو أو مين رزين.. شاب الزمان وشقيقى مش شكل أبويا.. شاهت وشوشنا تهنا بين شين وزين»... لم تقبل يا أسامة بدور البلياتشو والمهرج فى دنيا الكتابة، فتعرضت لسهام النقد المسمومة التى وصلت لدرجة تجنيد مؤسسة صحفية كاملة لاغتيالك معنوياً، فى زمن الغش والتدليس ما زلت زين كُتّاب الدراما فى وطن يصعد فيه الشين على أكتاف الزين. قبلة على جبينك الوضّاء ولقلمك الشريف، تحية من مريد وعاشق إلى عصفور اقتحم النار واقتبس منها شعلة المعرفة والإبداع وما زال يغرد، وسيظل يغرد.

Friday, May 29, 2020

الكورونا يخنق التنفس والنفسية أيضاً - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /28






الجميع يتحدث عن أعراض وآثار كوفيد ١٩، الكحة الجافة فقدان حاستى الشم والتذوق والإسهال والصداع وارتفاع درجة الحرارة وصعوبة التنفس.. إلخ، لم يذكر أحد الأعراض والآثار النفسية التى أراها فى منتهى الأهمية، فالفوبيا والرعب الذى يسببه كوفيد ١٩ وأثره على انخفاض المناعة لا بد من دراسته، وأثر كوفيد ١٩ على المرضى النفسيين وهل هو أكثر شراسة معهم؟، وهل العزلة والتبادل الاجتماعى وفقدان الونس وعدم السفر والإحساس الدائم بالخوف والهلع من وقوع الشخص فى براثن الكورونا.. إلخ، هل كل هذا سيزيد من نسبة الأمراض النفسية فى المجتمع؟، وباء أو جائحة COVID-19 من المتوقع أن تسبب ارتفاعاً حاداً فى الأشخاص الذين يعانون من الذهان (الفصام)، وفقاً لتقديرات الأطباء النفسيين، قام الباحثون بتقييم 14 ورقة موجودة حول الفيروس التاجى بالإضافة إلى الوبائيات السابقة للسارس، وMERS والإنفلونزا، نُشرت المراجعة فى مجلة Schizophrenia Research.
وخلص الفريق إلى: «هناك أدلة تشير إلى أن عدداً صغيراً ولكن مهماً من المرضى سيصابون بالذهان المرتبط بالفيروس التاجى، كان هذا مرتبطاً بالعقاقير المستخدمة على مرضى COVID-19، مثل بعض الستيرويدات، بالإضافة إلى آثار الفيروس نفسه على الجسم، وتعرض الشخص السابق للحالة العقلية، والضغط النفسى الاجتماعى للتعامل مع مرض معد مستجد، بالإضافة إلى إجراءات مكافحته التى تفرض الابتعاد الاجتماعى، كما أظهرت بعض تلك الكتابات العلمية أن علاج هؤلاء المرضى لمشكلات الصحة العقلية الخاصة بهم أثناء محاولتهم منع انتشار العدوى قد يكون أمراً صعباً، فقد ذكرت إحدى الدراسات التى استشهد بها المؤلفون فى منطقة كان شائعاً فيها COVID-19 ارتفاعاً سنوياً بنسبة 25 فى المائة فى حالات الفصام، وهو اضطراب تشمل أعراضه الذهان، فى يناير 2020، وشملت هذه الدراسة 13783 مريضاً نفسياً من زوزهو أورينتال يضم مستشفى الشعب و35909 مرضى للمراقبة، وألقى مؤلفوه باللوم على الضغط النفسى الاجتماعى وإجراءات التحيز الاجتماعى، ومع ذلك، بما أن الزيادة فى الحالات كانت صغيرة نسبياً، فقد حدث ارتفاع مفاجئ بشكل عشوائى، كما ذكر أصحاب الدراسة، وأوضح الفريق أنه تم الربط ما بين تفشى الفيروس والأمراض العقلية. وكتبوا «تم الإبلاغ عن العلاقة بين عدوى الإنفلونزا والذهان منذ تفشى وباء الإنفلونزا الإسبانية فى القرن الثامن عشر»، وقالت إيلى براون، التى لها أبحاث فى الذهان فى جامعة ملبورن الأسترالية، فى بيان: «إن COVID-19 تجربة مرهقة جداً للجميع، خاصة أولئك الذين لديهم استعداد واحتياجات معقدة للصحة العقلية»، وأضافت «نحن نعلم أن الذهان، والنوبات الأولى من الذهان، تنجم عادة عن الضغوط النفسية الاجتماعية الكبيرة.
فى سياق COVID-19، يمكن أن يشمل ذلك الضغط المتعلق بالعزلة والقدرة على البقاء فى المواقف العائلية الصعبة، وأولئك الذين يعانون من الذهان «معرضون بشكل خاص لوباء COVID-19 الحالى، وكثيراً ما يتم تجاهل احتياجاتهم»، وقالت براون إن أولئك الذين يشعرون بالقلق من أنهم أو أحد أحبائهم يعانون من الذهان المرتبط بالفيروس التاجى يجب أن يتصلوا بطبيب العائلة ويشرحوا مخاوفهم بالتفصيل، أما ريتشارد جراى، أستاذ التمريض السريرى فى جامعة لاتروب، ملبورن، الذى شارك فى قيادة العمل، فقد قال فى بيان: «إن الحفاظ على إجراءات مكافحة العدوى عندما يكون الأشخاص ذهانيين يمثل تحدياً»، وأضاف: «لكى لا يصبحوا مرسلين محتملين للفيروس، قد يستفيد الأطباء ومقدمو الخدمات من نصائح محددة لمكافحة العدوى للتخفيف من أى خطر انتقال».، ورداً على سؤال حول قيود المراجعة، قال جراى لنيوزويك: «إن COVID-19 هو مرض جديد ولا نفهم إلا القليل عن تأثيره النفسى الذى سيحدثه على المدى القصير والطويل، ولهذا السبب من المهم أن نكون حذرين. حول استنتاجاتنا وتوصياتنا. هذا صحيح لكل من عامة الناس والأفراد الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية الحالية».
بعد يوم من نشر الورقة البحثية، قالت ديفورا كيستيل، مديرة قسم الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية، للصحفيين فى مؤتمر صحفى: «لقد تأثرت الصحة العقلية والرفاهية لمجتمعات بأكملها بشدة من هذه الأزمة وهى الأولوية التى يجب معالجتها على وجه السرعة».

Thursday, May 28, 2020

الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /27






لم أندم على شىء قدر ندمى على قلة لقاءاتى بأستاذنا الراحل الرائع الرائد فى طب الأمراض الجلدية د. عبدالرحيم عبدالله، لم تجمعنى به إلا لقاءات قليلة فى مؤتمرات ورحلات سفر، لكن برغم تلك الجلسات القليلة سحرتنى شخصيته وعمق ثقافته وتواضعه الشديد وبساطته الآسرة وعذوبة حديثه وقدرته المبهرة على الحكى، فهو ما إن يلتقط الخيط حتى يأسرك ويجذبك وكأن فى كلماته مغناطيساً روحياً، هو ليس أستاذ جلدية بارعاً فحسب، ترأس قسم الجلدية بطب عين شمس لمدة ٨ سنوات، وحاصل على تكريمات وجوائز، منها جائزة جوستاف ريل من ألمانيا التى عرضت عليه إغراءات عديدة بأن يظل هناك ولكنه رفض وعاد ليرد الجميل لمعشوقته مصر المحروسة، ولكنه كان متعدد المواهب، بداية من فن الطبخ حتى الفن التشكيلى والموسيقى الكلاسيك، كان فيلسوفاً يرتدى البالطو الأبيض، وطبيباً تخرج فى أكاديمية أفلاطون، شخصية سلسة عميقة مختلفة لها نظرة مختلفة للحياة، تتميز بالبساطة والعمق والثقافة وخفة الظل، دقيق الملاحظة شديد الذكاء منفتح على كل الثقافات، يكفى أن تنظر إلى قائمة أصدقائه لتعرف أن د. عبدالرحيم هو كالماسة لها أكثر من جانب وأكثر من زاوية، ولكن كل الجوانب والزوايا متألقة، كان صديقاً مقرباً فى شبابه لصلاح جاهين، الذى تربطه به صله نسب، فهو زوج ابنة خالته، وكان دائم الالتقاء به، وأصابته نوبة اكتئاب شديدة بعد وفاته استمرت لشهور، كما كان صديقاً مقرباً للأستاذ الدكتور سمير حنا صادق، أستاذ التحاليل، وكان يشاركه أفكاره وهمومه بخصوص كيفية نشر التفكير العلمى فى المجتمع، كان من ضمن أصدقائه أيضاً د. سمحة الخولى عميد معهد الكونسرفاتوار السابقة، وكان يجمعهما الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية، وزاملها كعضو بالمجلس الأعلى للثقافة شعبة الموسيقى والباليه، كان أيضاً صديقاً للكاتب الكبير يحيى حقى، كما كان عاشقاً لأعمال نجيب محفوظ وكان له الحظ بالالتقاء به عدة مرات عبر صديقهما المشترك المخرج الكبير توفيق صالح.
وكان أيضاً دائم الالتقاء بالدكتور أحمد مستجير، أستاذ الوراثة الشهير، وكان مهتماً جداً بأبحاثه فى مجال البيولوجيا الجزيئية والوراثة، وكانت تجمعهما جلسات وحوارات راقية مع د. محمود خيال وحسين أمين وجلال أمين، وبرغم قربه من تلك القامات لم ينس أو يهمل الشباب، فقام فى أوائل الثمانينات بإنشاء الأسرة البيضاء فى طب عين شمس، التى كانت لها أنشطة ثقافية متميزة جداً، وقدمت للحياة الطلابية العديد من الكوادر المميزة، معظمهم نجوم الآن سواء كعمداء أو رؤساء جامعات أو أساتذة ورؤساء أقسام، كان د. عبدالرحيم عبدالله رحمه الله رائداً للعديد من اللجان الطلابية الاجتماعية والثقافية من الستينات إلى التسعينات، أشرف خلالها على العديد من الأعمال الفنية المسرحية والموسيقية، وكان من ضمن أعضاء فريق التمثيل د. يحيى الفخرانى ود. لميس جابر، ويحكى الفخرانى كيف أن د. عبدالرحيم كان يشجعهم على الخروج عن المألوف فى الاتجاه إلى الأعمال ومنها الأعمال العالمية، حيث كان مسرح طب عين شمس مقتصراً فى ذلك الوقت على إعادة إنتاج الأعمال المصرية لنجيب الريحانى وغيره، وكان د. عبدالرحيم من أوائل الرواد الذين غيروا طريقة التعليم الجامعى الطبى فى مصر بالتعاون مع ا. د. محمد صبور أستاذ الباطنة وأ. د. عماد فضلى، أستاذ الأمراض العصبية وآخرين، وكان من أهم أهدافه التأكيد على أهمية مستوى التحليل والنقد والإبداع المعرفى أكثر من مستوى الحفظ والتلقين، د. عبدالرحيم محاضر صاحب مدرسة خاصة جداً قام بنقلها للعديد من تلاميذه فى مصر والوطن العربى. تتميز هذه المدرسة بالتبسيط الشديد فى شرح أكثر العلوم صعوبة مثل الجزيئية والمناعة والأمراض الفقاعية والفطريات. وكان حريصاً على تدريب تلاميذه على كيفية التبسيط والعرض وإعداد الشرائح، حتى كون مدرسة فى إلقاء المحاضرات كان هو من أسسها، أما عن مدرسته الخاصة المتفردة فى إلقاء المحاضرات فحدث ولاحرج، فأنت فى محاضرته تستمع إلى مقطوعة لموتسارت أو بيتهوفن على شكل معلومات طبية.
عذراً على عدم استيعاب المساحة للكتابة عن إنجازات وعطاء شخص بكل هذا الثراء، رحم الله هذا الحكيم الفيلسوف الطبيب الموسيقار الفنان د. عبدالرحيم عبدالله، قبلة على جبينه الوضاء فى زمن نفتقد فيه القدوة.

Tuesday, May 26, 2020

د. محمد أبوالغار يكتب: تزييف التاريخ: الرئيس ويلسون والأنفلونزا وثورة ١٩١٩ ٢٦/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

أعلن ويلسون، رئيس الولايات المتحدة، دخول الحرب العالمية الأولى متحالفاً مع إنجلترا وفرنسا ضد ألمانيا وحلفائها فى عام ١٩١٧. وأعلن ويلسون فى مجلس الشيوخ أن جميع شعوب العالم يجب أن تحصل على حريتها، ولا يجب أن تتحكم أى دولة فى دولة أخرى. وطالب بإنشاء منظمة دولية ليسود العدل والنظام فى أرجائه، وأن عهد الفتوحات والغزوات والاحتلال قد ولى، وأن الشعوب لا يجب أن تحكم بسلطات مستبدة. وأعلن مبادئه الأربعة عشر. وأرسل ويلسون ٢ مليون جندى أمريكى عبر الأطلنطى فقد منهم ١٢٠ ألفاً بين قتيل وجريح، قائلاً إن هذه الحرب ستكون آخر الحروب، وسيصبح العالم أكثر ديمقراطية، وسوف يسود العالم مبادئ العدل، ونحن دخلنا الحرب لتغيير العالم إلى الأفضل. اعتبر المصريون أن مبادئ ويلسون حملت وعداً بنظام عالمى جديد يحقق تقرير المصير، وأن الاستقلال أصبح وشيكاً. فى هذه الظروف قامت ثورة ١٩١٩ بقيادة سعد زغلول، واضطرت بريطانيا للإفراج عن سعد زغلول المنفى فى مالطا وسافر منها إلى باريس فى محاولة لإقناع الرئيس ويلسون بإلغاء الحماية على مصر. وكانت الآمال كبيرة باعتبار أن ويلسون هو رمز للحرية والإنسانية. حتى نعرف مدى إيمان ويلسون بالحرية والديمقراطية والإنسانية؟ يقول الكاتب الأمريكى الشهير جون بارى إن المحللين الثقاة يعتقدون أن ويلسون كان يعتقد لدرجة الجنون أنه دائماً على صواب وأن أفكاره تأتى من قوى خارقة، وأن الإلهام يأتيه من السماء لاتخاذ قرارات صائبة.
ويقول بارى إن ويلسون عنده إيمان كامل بأنه لا يخطئ، فهو يماثل من يشعلون الحروب الدينية، ويعتبرون أن ما يفعلونه هو أمر إلهى وأنهم على صواب. الحرب بالنسبة لويلسون لا مجال فيها للتعقل ولابد أن يكون عنيفاً وسفاحاً. ونقل هذه الأفكار إلى الكونجرس والمحاكم والشرطة، وحتى رجل الشارع. وحول ويلسون الشعب الأمريكى إلى قنبلة متفجرة بطريقة لم تحدث من قبله ولا من بعده. وقال ويلسون علينا تدريب الأمة وليس الجيش على الحرب. هاجم ويلسون الأمريكيين من أصول ألمانية، وقال إن هناك مواطنين أمريكيين أخجل أن أقول إنه ليس عندهم ولاء للوطن، وهؤلاء الحشرات عديمى الوطنية لابد من سحقهم. وقام ويلسون بالحد من جميع الحريات، وأصدر قانوناً سماه عدم الولاء للوطن، وبناء عليه صودرت الصحف والمراسلات حتى وصل الأمر إلى أن طلب المدعى العام من أمناء المكتبات أسماء الأشخاص وعناوين الكتب التى يستعيرونها قائلاً إنه يريد معرفة الخونة. وأصدر ويلسون قانوناً يقضى بعقاب من ينشر شيئاً يهاجم الحكومة بالسجن لمدة ٢٠ عاماً. وأنشأ تنظيماً شعبياً فاشياً من المتطوعين اسمه «المجموعة الأمريكية لحماية الدولة» وتم إعطاؤها بطاقات تعريف تعلق على ستراتهم ووصل عددهم ٢٠٠ ألف فى غضون عام واحد. وهاجمت هذه المنظمة المواطنين واعتدوا عليهم، وتم اتهام أصحاب الرأى بالخيانة والجاسوسية. وجرمت اللغة الألمانية. وعلقت اللافتات بأن كل أمريكى من أصل ألمانى أو نمساوى يعتبر جاسوساً وغير وطنى. وشجعوا الناس على تقديم بلاغات بالآلاف فى مواطنيهم باعتبارهم غير مخلصين وتمت ملاحقتهم. وألقيت الكلمات لتأييد الرئيس بالآلاف فى المسارح والسينمات قبل العروض بطريقة هستيرية وتم منع بعض الأغنيات ومحاربة بعض النكات. وطلب ويلسون من جماعة الكشافة المساعدة فى بيع سندات المجهود الحربى فانتشر ١٥٠ ألف شاب لبيع السندات والضغط على الناس فى فترة اعتبرت أسوأ من أيام مكارثى أو الحرب الأهلية وقاد ادجار هوفر الجهاز الأمنى للتجسس على كل أفراد الشعب ولاقى الأمريكيون أهوالاً بسبب آرائهم. فى هذا الوقت ظهر وباء الأنفلونزا الذى قتل عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين وتوفى بسببه حوالى ٧٠٠ ألف أمريكى ولم يهتم بذلك ويلسون الذى فعل بالأمريكان ما يفعله الكثيرون من حكام العالم الثالث.
فى باريس عام ١٩١٩ رفض ويلسون مقابلة سعد زغلول، ثم أصيب ويلسون بالأنفلونزا وساءت حالته لمدة أربعة أيام تحسن بعدها ولكنه لم يعد لحالته الطبيعية وكان يقوم بتصرفات غير طبيعية وشهد معاونوه جميعاً بأن قدرته على التفكير لم تصبح سوية وكان يصرح بأفكار غريبة، وبدأ ينسى ما تمت مناقشته فى الجلسة السابقة. وفى النهاية وافق على معاهدة سلام كان قد رفضها من قبل. وعاد إلى أمريكا ليصاب بالشلل وتجرى الانتخابات التالية ليخسر حزبه الانتخابات، ويرفض الكونجرس المعاهدة التى وقعها. لقد انفضح التزييف فى تصوير شخصية ويلسون عبر مائة عام، فصاحب مبادئ الحرية والمساواة والإخاء والاستقلال أيد ببساطة استمرار الحماية على مصر، واستمرار الاحتلال ورفض مقابلة سعد زغلول، وأتضح أنه كان ديكتاتوراً فاشياً، ويعتقد أن هناك توجها إلهيا باختياره، وأن آراءه كلها صائبة، وصادر الحريات وسجن أعداداً كبيرة منهم أعضاء الكونجرس، وتم فى عهده سحل بعض المعارضين حتى الموت. وبينما الوفد المصرى فى باريس ينتظر الموافقة على إلغاء الحماية البريطانية لم يكن أحد يعلم أن ويلسون كان فى حالة مرضية أدت إلى عدم التركيز وأن موضوع مصر لم يكن على البال.
التاريخ يتم تزييفه لفترة تطول أو تقصر، ولكن فى النهاية تعاد كتابته بالحقائق، فها هو ويلسون بطل السلام والديمقراطية وحق تقرير المصير نعرف أن عنده جنون العظمة وأنه يظن أن وحياً إلهياً لا يخطئ يوجهه، وأنه قام بسجن الشعب الأمريكى بقوانين ومنظمات فاشية وأدى إلى قتل عشرات الآلاف من الشعب بإهمال سياسة التباعد وعلاج وباء الأنفلونزا التى قتلت من الأمريكيين أضعاف ما قتلته الحرب.
وعلى الجانب الآخر اكتشف سعد زغلول والشعب المصرى أن عليه الكفاح حتى ينال حريته، فاعتمد على نفسه وواجه الاحتلال حتى ألغيت الحماية وتحقق الدستور والبرلمان والاستقلال الجزئى.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

د. زاهى حواس يكتب: د. وسيم السيسى.. الدراما ليس لها صلة بالتاريخ! ٢٦/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم


لا أعرف لماذا يربط صديقى د. وسيم السيسى الدراما بالتاريخ!!!
الدراما هى من وحى خيال الكاتب؛ لذا فإنها لا ترتبط إطلاقًا بالتاريخ. وأقول له، انظر إلى كل الأفلام التى أُنتجت عن الفراعنة، فسوف تجد فى مقدمة هذه الأفلام عبارة تقول إن قصة هذا الفيلم من وحى خيال الكاتب، ولا ترتبط بتاريخ الفراعنة. وأقول دائمًا إن من حق الكاتب أن يبدع فيما يكتبه عن مصر الفرعونية، ولكن لابد أن يلتزم بالملابس واللغة والمعابد حتى يحاكى العمل الفنى الحقيقة.
وأقول له أيضًا انظر إلى كتابات الأستاذ نجيب محفوظ عن الفراعنة سواء أكانت روايته «عبث الأقدار» أو روايته «كفاح طيبة» أو غيرهما، فسوف تجد أن كاتب نوبل قد كتب «عبث الأقدار» من خياله، وهذا من حقه. ثم اعتمد فى كتابة القصة على قطعة أدبية تعرف باسم «خوفو والسحرة» أو «بردية وستكار». وأخذ منها بداية القصة، وبعد ذلك، كتب الرواية كلها من خياله. وللمرة الثانية، فإننى أؤكد لك أن هذا هو ما يعرف باسم «فن الدراما».
وأود أن أقول له أيضًا، إنك لو أخذت التاريخ بما فيه للدراما، فسوف ينصرف العامة عما تكتب؛ لأن التاريخ يسجل فقط الأحداث المتصلة بالدين أو الأحداث المرتبطة بألوهية الملك؛ لذلك كان الملك يظهر على المعبد فى مناظر تتصل بهزيمة الأعداء وتقديم القرابين للآلهة وتوحيد الشمال والجنوب، أما مقبرة الملك، فتوجد عليها فقط نصوص الكتب الدينية مثل كتاب الموتى والبوابات والليل والنهار وغيرها، بالإضافة إلى مناظر تمثله وهو يقدم القرابين للآلهة؛ لذلك لا يمكن إطلاقًا أن نعرف من خلال الآثار من هو فرعون موسى؛ ولذلك يجب ألا يتم الربط بين الدين والآثار؛ لأن الآثار تعتمد على حقائق وأدلة، ولا يوجد لدينا فى الآثار ما يثبت وجود أنبياء الله فى مصر إلى الآن.
وللمرة الأخيرة، أقول لك إن ما كتبته للأوبرا هو دراما مثل أوبرا عايدة التى هى من خيال الكاتب مارييت باشا والموسيقار فيردى، وليس لها أية صلة بالتاريخ الفرعونى إطلاقًا.
وأعود إلى التاريخ والآثار المرتبط بالأدلة سواء اللغوية أو الأثرية عن تلك الفترة المهمة وغير التقليدية فى تاريخ مصر الفرعونية، فأقول لك لقد اعتقد البعض أن سبب اختفاء الملكة نفرتيتى فى العام الثانى عشر من حكم أخناتون هو أنها اشتركت فى الحكم، وغيرت اسمها إلى نفر نفرو آتون، واعتقد البعض الآخر أن سبب اختفائها هو وصول الملكة تى، أم الملك أخناتون، إلى عاصمة أخناتون فى تل العمارنة، غير أن الحقيقة أنه عُثر مؤخرًا على جرافيتى بمنطقة «دير أبو حنس» بالمنيا، ويشير إلى العام السادس عشر من حكم الملك أخناتون فى وجود الملكة نفرتيتى. وهذا يعنى أن الملكة استمرت بجواره حتى نهاية حكمه؛ لذلك يعتقد البعض الآن أن مريت-آتون، ابنة أخناتون، هى التى شاركت أباها الملك أخناتون فى حكم البلاد. ويعتقد بعض العلماء، وأنا أيضًا منهم، أن الملكة نفرتيتى قد حكمت حوالى عامين أو أقل بعد موت أخناتون، وغيرت اسمها إلى سمنخ كارع.
أما موضوع رأس نفرتيتى، فقد كُتب فى هذا الموضوع العديد من الكتب، بل وأرسلت أول خطاب رسمى إلى ألمانيا مطالبًا بعودة رأس نفرتيتى لمصر؛ وذلك فى أواخر عام ٢٠١٠. وتعتبر هذه هى المطالبة الرسمية الثانية بخصوص عودة رأس الملكة الجميلة إلى بلده الأصلى: مصر. وعمومًا، وللمزيد عن تاريخ فترة العمارنة، وخاصة الملكة نفرتيتى، برجاء الرجوع إلى كتابى الذى نشرته تحت عنوان Tutankhamun: From Carter to DNA، مع العلم أننى قد كتبت حوالى ١٥ كتابًا عن توت عنخ آمون وهذه الفترة، وهى كتب علمية بحتة، وليس لها أية صلة بالدراما.
ونعود إلى توت عنخ آمون، فأقول إنه يجب أن نشير إلى أن هناك بعض الأشخاص الذين يقرأون بعض الكتب عن الآثار، وهم لا يعرفون أن هناك الآلاف من المقالات العلمية التى نُشرت عن فترة العمارنة وتوت عنخ آمون؛ ولذلك أقول عندما أطلق توت عنخ آمون، وهو عائد من العمارنة، على الملك أمنحتب الثالث اللقب المصرى القديم، «إيت» «it»، بمعنى «أب»، فأقول إن علماء الآثار قد ناقشوا هذا اللقب، وقالوا إن لقب «إيت» يعنى «الأب» و«الجد» و«جد الجد». وقد كُشف فى الأشمونين عن حجر منقول من تل العمارنة، وعليه نقش بالهيروغليفية يذكر الملك توت على النحو التالى: ابن الملك من صلبه، محبوبه، توت عنخ آتون. وهذا يؤكد أن هذا الملك الصغير قد وُلد فى تل العمارنة، وأنه ابن الملك أخناتون، كما يقر بذلك الكثير من علماء الآثار.
وعندما بدأنا المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية عن طريق فحص المومياوات بالـCT Scan والـDNA الحامض النووى، وجدنا أن الهيكل العظمى الذى عُثر عليه داخل المقبرة رقم ٥٥ بوادى الملوك يخص الملك أخناتون، وأنه ابن الملك أمنحتب الثالث والملكة تى، وهو والد الملك توت عنخ آمون. كما اتضح لنا أن المومياء الموجودة داخل المقبرة رقم ٣٥ بوادى الملوك، وهى مقبرة الملك أمنحتب الثانى التى عُثر بداخلها على خبيئة للمومياوات وصل عددها إلى ١٣ مومياء، المومياء، المعروفة باسم مومياء السيدة الكبيرة، تخص الملكة تى. ويؤكد ذلك كارتر الذى عثر على تابوت صغير عليه اسم الملكة تى وخصلة من الشعر. وتم عمل مقارنة بين هذه الخصلة وشعر السيدة الكبيرة، واتضح التطابق، مما يؤكد أنها مومياء الملكة تى، وبجوارها وُجدت مومياء السيدة الصغيرة، وهى أم الملك توت عنخ آمون، والتى لا نعرف اسمًا لها، ولكن اتضح من تحليل الحامض النووى أنها كانت ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تى؛ ولذلك فإن الزوجة الثانية كيا لم تكن هى أم توت عنخ آمون، كما يقول د. وسيم. ومن المعروف أن كيا كانت من مملكة ميتانى الحورية، أو «نهارينا» فى النصوص المصرية، والتى كانت تقع فى شمال سوريا وجنوب شرق بلاد الأناضول، أى أنها من سوريا، وليس لها علاقة بالعبرانيين، كما يذكر د. وسيم أيضًا. وهكذا فقد تزوج أخناتون من أخته، ابنة الملك أمنحتب الثالث، كما سبق أن ذكرنا.
وهناك الكثير من المعلومات عن توت عنخ آمون يجب أن تعرفها يا د. وسيم قبل أن تكتب عنه؛ لذلك أرجو أن تقرأ كتبى، وأيضًا كتب العلماء فى هذا الموضوع، ولا تعتمد على مراجع قديمة، بل يجب أن تعرف الجديد فى علم الآثار باستمرار؛ لأنه علم متجدد بشكل دائم.
د. وسيم: إننى أقدرك واحترمك كطبيب، وأعلم أن اهتمامك بالآثار كهواية، غير أننى، على الجانب الآخر، قد قضيت عمرى كله أبحث وأنقب وأكتب حتى وصلت أبحاثى العلمية إلى أكثر من مائتى مقالة وكتاب؛ لذا فإننى أؤكد لك أن المناظرة العلمية بينى وبينك لن تكون فى صالحك.
وفى النهاية، أؤكد لك للمرة الأخيرة، أن الدراما هى مجرد خيال من الكاتب، أما العلم والتاريخ والآثار فأرضها الأدلة اللغوية والأثرية والاكتشافات الجديدة.. مع تحياتى لك.


كيف ترفع كفاءة جهاز مناعتك؟ - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /25






وصلتنى رسالة من الصديق د. بهى الدين مرسى الذى يقوم بمهمة تثقيف صحى عظيمة يجب علينا تشجيعها وإلقاء الضوء عليها، وله جزيل الشكر على ذلك، يقول د. بهى فى رسالته:
«سوف يكون جهاز المناعة ممتناً لك إن تجنبت وسائل إضعافه».
تعال أولاً لنتعرف إلى جهاز المناعة:
بينما يتكون الجهاز البولى (مثلاً) من أعضاء مختلفة هى الكليتان والحالبان والمثانة البولية ومجرى البول، وكل عضو منها له وصف تشريحى وموقع محدد بالجسم (وكذلك بقية أجهزة الجسم)، إلا أن الجهاز المناعى ليس متفرداً بأعضاء تخصه، فهو «ضيف» يوجد متناثراً على أعضاء متفرقة من الجسم، ولذلك هو مكون وظيفى أكثر منه مكوناً تشريحياً.
المناطق التى يسكنها الجهاز المناعى هى:
- كريات الدم البيضاء التى تسبح مع الدم.
- العقد الليمفاوية التى تشرف كل مجموعة منها على بقعة جغرافية من الجسم مثل الرقبة والذراع والعانة وحول الأمعاء وغيرها، وتقوم بتصفية السائل الليمفاوى الوسيط بين الخلايا والدم، وكذلك اللوزتان.
- جزء من النسيج النخاعى بتجويف العظام القصبية.
- بعض الخلايا المتناثرة بالطحال.
- البروتينات المناعية السابحة بالدم.
- وظائف الطرد والدفاع الانعكاسية مثل السعال، والعطس، والإسهال وارتفاع الحرارة وانقباض الشعيرات الدموية والرعشة وعشرات الوظائف الأخرى.
- التحكم فى إنتاج ونشاط بعض الهرمونات وتصنيع بعض الخلايا الخاصة به مثل الخلايا «التائية» نسبة إلى الحرف (T) والغدة الزعترية.
وظيفة الجهاز المناعى دفاعية، أمّا سلامته فيستمدها من سلامة بقية أعضاء الجسم.
لا ينتظر منك جهاز المناعة أكلات بعينها لتتعاظم وظيفته، فهو لا يعبأ بتناولك الكافيار أو البروكلى أو السالمون المدخن أو بقية الأكلات البحرية ولا غذاء ملكات النحل ولا غيرها من القوائم الغذائية التى نالت سمعة مغرية فى هذا الشأن، ولا حتى تناول الفيتامينات والمعادن بغير نقص فى الجسم أو تناول مضادات الأكسدة، فكلها لا تخدم جهاز المناعة.
فى الحقيقة، «مكرمة» جهاز المناعة ليست فى تناول أغذية بعينها، بل فى تجنب الأذى لأعضاء الجسم، وهى تحديداً:
التدخين، فأثر التدخين ليس فى الضرر التراكمى على الرئتين عبر عشرات السنين، بل فى تسمم مكونات جهاز المناعة من النيكوتين والقطران وهى مواد تستنفد طاقة جهاز المناعة فى التخلص منها، فهناك خلايا فى الرئة تُعرف بخلايا «عمال النظافة» Scavenger Cells، وهى تبذل جهداً مضنياً فى التخلص من زيت القطران وهباب التدخين.
ضبط مستويات السكر فى مرضى السكر.
التأكد من حسن سير وظيفة الغدة الدرقية وضبط مستوى هرمون الدرق، وكذلك الغدة جار- الدرقية التى تُعنى بضبط التمثيل الغذائى للكالسيوم.
تجنب المخدرات والإفراط الكحولى لأن هذه المواد تعيق تحكم المخ فى إفراز المورفينات الداخلية وهرمونات السعادة.
تجنب اضطرابات النوم والسهر وإحداث خلل فى وظيفة الساعة البيولوجية عبر إفراز هرمون الميلاتونين.
تجنب أذى الكليتين بنقص التوازن المائى فى الجسم ورفع العبء الواقع على الكلى للتخلص من النيكوتين، ومن ضمن مؤذيات الكلى تناول الخل فى الطعام والمشروبات الغازية، مما يدفعها لبذل جهد كبير لإعادة حموضة الدم للمستوى الطبيعى.
التأكد من عدم وجود نقص فى فيتامين د.
وتطول القائمة لتشمل تأذى الكبد والعظام وبقية أعضاء الجسم والغدد الصمّاء، خاصة الكظرية التى تفرز الكورتيزون.
خلاصة القول: سلامة جهاز المناعة هى محصلة سلامة أجهزة الجسم وانتظام وظائفه، لذلك فإن الأمراض المزمنة تخصم حصة لا بأس بها من كفاءة جهاز المناعة.
ويبقى سؤالان:
1- هل لمضادات الأكسدة ومشروبات الطاقة وتجرع الفيتامينات والمعادن أى عائد على جهاز المناعة؟
الإجابة حسماً: لا، إلا فى حالة نقص فيتامين أو أحد المعادن بعينه حتى يتم تعويضه.
2- هل من أغذية معينة ترفع القدرة المناعية؟
الإجابة: بعيداً عن المراوغة والسفسطة الإيحائية، لا عبرة للأغذية عالية الرفاهية كما أسلفنا، فالطعام المتوازن العادى من الخبز والبقوليات ومنتجات الألبان وطبق السلاطة الخضراء والبروتين المتنوع يفى بالغرض.

Sunday, May 24, 2020

حقوق الإنسان.. هدف مشروع ! .. الحق فى الحرية بقلم الأنبا موسى ٢٤/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

تحدثنا فى العدد الماضى عن بعض حقوق الإنسان فى المسيحية، وذكرنا منها:
- الحق فى الوجود.
- الحق فى الأبدية.
- الحق فى الرعاية الإلهية.
ونستكمل موضوعنا:
رابعًا: الحق فى الحرية:
وهذا أمر نرى أن نستفيض فيه بعض الشىء:
١- ما المقصود بالحرية؟ يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسى والاقتصادى العالمى، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، من أجل حق تقرير المصير، والتخلص من الاستعمار، والحريات الشخصية فى مواجهة السلطة وحرية التعبير. ولكن حين وجهنا السؤال للشباب ركزت الإجابات على الحريات الشخصية، خاصة فى مواجهة سلطة الوالدين. ويمكن ملاحظة الارتباط الوثيق بين الحرية وتحمل المسؤولية. فمنذ الطفولة يتحول الإنسان تدريجيًا إلى الاعتماد على النفس، يتناول طعامه بنفسه، ويرتدى ملابسه، ويختار أصدقاءه، وينظم لعبه ثم مكتبه، ويستذكر دروسه دون إشراف الوالدين. ويتضح هنا تراجع سلطة الوالدين تدريجيًا، مع تزايد تحمل المسؤولية الشخصية، هذا دون إجحاف بدور الوالدين فى النصح والتوجيه.
وهذا يؤكد الرابطة بين الحرية والمسؤولية، فكل قرار أنت حر فيه، بشرط أن تكون مسؤولاً عن النتائج المترتبة عليه. وذلك على كل المستويات: من مسؤولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسى، إلى مسؤولية الطبيب عن الدواء الذى وصفه لمريض، إلى مسؤولية الكاتب عما عرضه فى الجريدة، إلى مسؤولية السائق عن حادثة سيارة.. إلى مسؤولية الحكومة عما تتخذه من قرارات، وتؤثر على المجتمع. إن الحرية والمسؤولية صنوان لا يفترقان.
٢- الحرية وحقوق الآخرين: «بِهَذَا أَوْلاَدُ اللهِ ظَاهِرُونَ، وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ: كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ» (يوحنا الأولى ١٠:٣).
إن أهم حدود الحرية هى حرية واحترام حقوق الإنسان الآخر، فمثلاً استخدام التليفون أو الموبايل أو التليفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعى، حرية، ولكن يجب ألا يزعج صوتها الجار، وألا يعطل آخر يريد أن يستذكر. بل إنه فى بعض المناطق أصبحت هناك عقوبات على استخدام «كلكس» السيارة! كذلك تم منع التدخين فى أماكن كثيرة، لأنه يضر بالآخرين، وما تتم مراجعته حاليًا حول إلقاء النفايات البشرية والكيميائية والنووية. إن تعليم أولادنا احترام حريات وحقوق الآخرين هو التدريب العملى ليشبوا كبارًا يتمسكون بالحقوق ويقومون بالواجبات.
٣- الحرية واحترام القانون: هناك قوانين متعلقة بمواعيد العمل، واختصاصات كل موظف، والزى: المدرسى أو زى المضيفات، أو الممرضين، أو الأطباء أو رجال الجيش والداخلية.. إلخ، وكذلك احترام إشارات المرور، واحترام التعليمات فى الانتخابات، والتعامل مع الرؤساء، والهيئات، والشركات، والبنوك.. هناك قوانين تنظم الحريات والتعامل، وذلك فى كل مناحى الحياة... فالحرية المطلقة وهم كبير، وضوابط القانون أمور أساسية للتمتع بالحرية الملتزمة.
٤- الحرية واحترام التقاليد: فكل مجتمع له تقاليده وعاداته، والخروج عنها يجعل الإنسان مرفوضًا أو موضع نقد! مثل نوعية الملابس، فتختلف ملابس الهنود، عن اليابانيين، عن الأوروبيين. كذلك يختلف أسلوب التحية والسلام، وموقف المرأة فى المجتمعات المختلفة، وحتى ما يقدم على المائدة، فحرية كل فرد عند إشباع احتياجاته هى داخل الهامش الذى يسمح به المجتمع وتقاليده.. والتقاليد
هى ضمانات أخرى للحرية الملتزمة.
٥- الحرية فى مواجهة الإنسان نفسه: حتى فى مواجهة الإنسان لنفسه هناك حدود للحرية، ولا يحق له أن يدمر ذاته أو يقتلها! وإذا ضبط أنه يسعى لذلك، تقيّد يداه، أو يوضع فى مصحة نفسية.. حماية لنفسه وللمجتمع. وأمام الله قاتل نفسه هو قاتل، فالذى ينتحر تجاوز أبعاد الحرية التى أعطيت له، فلقد أُعطاه الله حق رعاية نفسه وليس قتلها!.
٦- الحرية ومسؤولية الإنسان عن شخصيته: إن حرية الإنسان لا تعنى خروج الجسد أو العاطفة عن المبادئ التى يتمسك بها، أو المعتقدات والاقتناعات العقلية.
فالتدخين مثلاً أو تعاطى المخدرات لا يعنى أن الإنسان حر، بل يعنى أنه غير قادر على قيادة حياته وتحديد مساره. وهو استعباد للعادات السلبية وليس تحررًا. والتخلص منها هو التحرر من عبوديتها. الإدمان عبودية وليس حرية. وحتى عدم قدرة الإنسان على ضبط شهواته، وأهوائه، ونزعاته وحدة انفعالاته، هو نوع من الخضوع لها، وهو أسوأ من الخنوع لسلطات خارجية، «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا ٣٤:٨) وكل تحرر يتطلب قوة مقاومة وجهادا من أجل الانتصار، وهو ضمن خطوات بناء الشخصية القوية.
٧- الحرية والانقياد للأصدقاء: عجيب أمر الفتى الذى يرفض تمامًا الخضوع لأى أوامر أو نواهٍ من سلطة عليا، حرصًا على كرامته وحريته، ثم ينقاد إلى شلة تتحكم فيه دون مناقشة، أو حتى مراجعة لقراراتها، وأثر ذلك على مستقبله وحياته وكيانه، ومادام احتمال الانسياق للشلة قائمًا، فيجب التدقيق أصلاً فى اختيار الأصدقاء، إذ يقول المثل الإنجليزى: «الصديق مثل رقعة الثوب يجب أن يكون من نفس النسيج». أنت حر حين تختار الصديق، ولكن بعد ذلك لا تضمن التأثير إذا أسأت الاختيار.. ومن المهم أن نربى أجيالنا على اختيار الصديق الصالح، وألا يتصوروها حرية أن ينساقوا وراء أصدقاء أشرار يدمرون حياتهم ومستقبلهم.
٨- الحرية وأمانة الجهاد: هناك جوانب من الحياة لسنا أحرارًا فى اختيارها مثل الأسرة، المدينة أو القرية، والوطن، والجنس، واللون وغيرها من الصفات الوراثية. وهنا يجب استغلال الحرية فى الحدود الممكنة. وكثير منا يلقى مسؤولية فشله على الله، وأما النجاح فينسبه لنفسه.
نسمع ذلك عند ظهور نتائج الامتحانات، أو فشل الزيجات: كل إنسان حر، فى حدود ظروفه وقدراته، يختار طريقه، ويشكل حياته. وعليه أن يتكيف مع ما لا يمكن تغييره، يقبله كواقع ويتفاعل معه، يعدل ويصلح ما يمكن إصلاحه، مستعينًا بقوة الله.
٩- الحرية فى علاقتنا بالله: لقد خلق الله آدم وحواء حُرّين، وأكلا من الشجرة على عكس الأمر الإلهى، ولكن تم حسابهما، لأنهما وكل بنى آدم مسؤولون أمام الله. إن الإنسان مدعو لأن يكون ابنًا لله!. والأنبياء والرسل عبر العصور يبلغونهم الدعوة، لكن الاستجابة هى مسؤولية شخصية. إن الحياة مع الله لا تلغى حريتنا، بل تضيف إليها، إذ إن الله يعطينا قوة النصرة على إغراءات العالم، وضغوط الجسد، وإثارات الآخرين، ومحاربات الشيطان! لهذا يقول الرسول بولس: «إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ... لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ» (غلاطية ١٣:٥).
١٠- الحرية الحقيقية: هى حرية الروح، وإمكانية النصرة. فالحرية هى القدرة على الاختيار، والقدرة على الانتصار. وهذا ممكن بقوة الله الذى يعمل فينا بنعمته الإلهية، فنكون أقوياء أمام إغراءات الشر، ومنتصرين بقوة عمله فينا، وبأمانة جهادنا معه. والإنسان المؤمن يضع لنفسه ضوابط مهمة مثل:
أ- الضمير: الذى يتحدث داخلنا.. كصوت من إلهنا المحب.
ب- الأسفار المقدسة: التى تنير طريقنا.
ج- رجل الدين: الذى يفسر لنا كلمة الحق..
د- قوانين الدولة التى نعيش فيها: إذ يعلمنا الكتاب المقدس: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِىَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ... أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ... وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَُحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا...» (رومية ١:١٣-٧).
الله يعيننا لنعرف مشيئته المقدسة، وبفعلها بفرح وثقة، فتنمو حياتنا بكل مناحيها.
لمجد الله تعالى.. له كل المجد.
* أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


رؤية الحساب الفلكى أصدق من رؤية العين - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /23






كل سنة وأنتم طيبون، أعلن المفتى أن غدا الأحد هو بداية عيد الفطر، وقد أصرَّ فى بيانه على أن يطمئن الناس أن الرؤية تمت بالعين المجردة، وأنها هى الرؤية الشرعية!، وقد كتبت وتساءلت مراراً وتكراراً: ما فائدة أقسام الفلك فى كليات العلوم؟، ما فائدة هيئة الأرصاد والمركز القومى للبحوث؟، الحسابات الفلكية الآن تكتشف كواكب ومجرات، بالحسابات الفلكية الدقيقة يحددون متى ستهبط سفينة على المريخ بالدقيقة والثانية!، هل تعتمدون فى تحديد مواقيت الصلاة على ما قاله القدماء؟، هل تحددون وقت الظهر الآن بأنه إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله؟، وهل نحدد وقت صلاة المغرب بأنها وقت مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَق؟!، لماذا نحترم الحسابات الفلكية فى مواقيت الصلاة ونهملها فى تحديد بدايات الشهور؟، لماذا نترك أنفسنا لشعار «بختك يابوبخيت»؟، أول كلمة فى القرآن «اقرأ»، بمعنى «تدبر وابحث وتعقل»، والله لا يمنحنا رؤية شرعية تتناقض مع أسمى ما خلقه وهو العقل، وها هو العقل قد وصل إلى علم الحسابات الفلكية التى هى لا تتناقض مع الرؤية الشرعية والتى يمكن أن تكون بديلاً مثلما جعلناها البديل فى تحديد مواقيت الصلاة، والرؤية أشمل من البصر، والمجاز الإبداعى أعم من التحديد اللفظى، وهناك الكثير من الأمثلة التى تشير إلى أن الرؤية من الممكن أن تكون بالعقل لا بالعينين، وقد كتبت من قبل كثيراً أدعو إلى احترام الحساب الفلكى حتى ننشر فضيلة احترام المنهج العلمى وصرامته ودقته، وننقل العدوى العلمية إلى الناس، قلت من قبل إن انضباطات التوقيتات والمواعيد هى سمة تحضّر وحداثة، وعدم وجود أجندة مواعيد محددة لبدايات الشهور ونهايتها للبلاد الإسلامية وتركها لعشوائية رؤية العين للهلال هى سمة جمود وعدم مرونة، إذا احتجت مثلاً حجز طائرة أو فندق أو تحديد ميعاد مؤتمر طبقاً للتقويم الهجرى وحسب الإجازات.. إلخ قبلها بمدة ستفشل نتيجة هذا الإصرار على الرؤية الشرعية، وكان قد أعجبنى تعليق الصديق د. يحيى طراف عند رؤية هلال العيد عندما قال: «إن عدم تحقّق الرؤية البصرية لهلال شوال لا ينفى وجوده فى سماء البلاد المثبت فلكياً!!. وهل عدم تحقق الرؤية البصرية للميكروبات ينفى وجودها المثبت بالميكروسكوب؟ وهل عدم رؤية الكسر فى العظام تحت اللحم والجلد بصرياً ينفى حدوثه المثبت بأشعة إكس»، إن منح الحق المطلق فى إثبات رؤية هلال العيدين وبدايات الشهور العربية لدار الإفتاء، التى بدورها لا تملك من وسائل الرصد إلا أعين أعضاء لجانها الشرعية والعلمية المجردة، ليصبح حساب الشهور أمراً دينياً، يتحدد كل شهر فى اللحظة الأخيرة، هو أمر يجب إعادة النظر فيه، فى ظل وجود وسائل رصد متقدمة، وتقويم فلكى يحدد بدقة متناهية موعد ومكان ميلاد الأهِلَّة لعشرات السنين.
إن تحديد المواقيت وبدايات الشهور هو شأن مدنى، يجب أن تتولاه الدولة، فنحن نتكلم عن أهِلَّة موجودة فى السماء بالفعل أثبتتها الحسابات الفلكية الدقيقة والتليسكوبات العملاقة، وليس ينفى وجودها أن الأبصار لا تدركها، فميلاد الأهِلَّة ليس فتوى تتصدى لها وتجتهد فيها دار الإفتاء، إذا أخطأت فلها أجر وإذا أصابت فلها أجران.

Saturday, May 23, 2020

تفرتيتى ليست قاتلة.. وتوت ليس عبرانيًا! بقلم د. وسيم السيسى ٢٣/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

فى سنة ١٨٩٨م اكتشف V.Loret مقبرة فى وادى الملوك، أطلق عليها K.V. ٣٥، وفى سنة ١٩٠٧ اكتشف E. Eyrton مقبرة فى وادى الملوك أطلق عليها K.V-٥٥ أى King Valley فى بحث قام به الدكتور زاهى حواس، والدكتور يحى جاد، والدكتورة سمية إسماعيل عن أسرة توت غنخ آمون، ونشر فى مجلة Jama بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٠ بعنوان: Ancestry And Pathology In Tutankamun’s Family. نعرف جميعاً أن يويا تزوج من تويا، وكانا من النبلاء، فأنجبا «تى» التى تزوجت من أمنحوتب الثالث فأنجبا ثلاثة أبناء: تحتمس «توفى صغيراً»، أخناتون، سمنخ كارع. وجد الفريق البحثى مومياء لشخص فى المقبرة K.V-٥٥، قال عنه الدكتور زاهى إنه أخناتون وإن عمره يتراوح من ٣٥ إلى ٤٥ سنة، ولكن عالمة الآثار Brenda J Baker قالت إن الدكتور زاهى تجاهل ما كتب عن هذه المومياء من قبل، وأنها لرجل فى عمر من ١٨ إلى ٢٦ بناءً على الغضاريف التى لم تتكلس، خصوصاً أنها متخصصة فى العظام Ostoelogy والطب الشرعى، كما جاءت إلى مصر ١٩٨٨ عن جامعة Yale بالولايات المتحدة لإجراء بحوث فى أبيدوس، خلاصة رأيها أن هذه المومياء لسمنخ كارع، وهو الأخ الأصغر لإخناتون. المصدر: A. S. U. News June ٢٠١٠.
تزوج شخص المقبرة K.V-٥٥ من السيدة الصغيرة التى وجدت فى المقبرة K.v-٣٥ YL «ميريت آتون - ابنة نفرتيتى وإخناتون»، فأنجبا توت عنخ آمون «المقبرة K.V-٦٢».
وجد الفريق البحثى أن التشابه فى الحمض النووى بين توت عنخ آمون ورجل المقبرة K.V-٥٥ «سمنخ كارع» ٦٨٫٧٪، كما وجدوا التشابه بين توت ووالدته ميرت آتون فى المقبرة A.V- ٣٥ إنما هى ٦٨.٧%، بل الأخطر والأهم أن رجل المقبرة K.V-٥٥، والسيدة الصغيرة K.V.٣٥ إنما هما دماء واحدة. نستنج من هذا البحث الجميل للدكتور زاهى ومن معه، أن توت عنخ آمون من أسرة مصرية ملكية، والدته ابنة نفرتيتى، ووالده سيمنخ كارع فى رأى برندا بيكر، أو أخناتون فى رأى دكتور زاهى. إذن ما موضوع الزوجة الثانية التى يحدثنا عنها الدكتور زاهى فى أوبرا توت عنخ آمون، وكيف أن توت ابن هذه الزوجة الثانية، لهذا تآمرت نفرتيتى مع أونو وملك كوش لقتل حفيدها! هذه الملكة العظيمة والتى كان من ألقابها: جميلة الجميلات، الأميرة وارثة العرش، سيدة النعمة، حلوة الحب، سيدة جميع النساء.. إلخ.
رسائل تل العمارنة ٣٧٧ رسالة، لدينا ترجمات لعالم الآثار ولبرايت، ولكن أخطر هذه الرسائل التى وصلتنا هى من عالم الآثار وليم G مورنان الذى ترجم لنا ثلاث رسائل، ٢٧، ٢٨، ٢٩ عن أصل الزوجة الثانية لأخناتون «كيا» يقول: توشرتا ملك الميتانيين، وابنه عازيرو رئيس الخابيرو، أو العابيرو أو العبرانيين، أما كيا فهى ابنة توشرتا، وأخت عازيرو التى أهداها لأمنحوتب الثالث، فلما مات تزوجها أخناتون، هذه القبيلة كانت تعيش فى شاروهين جنوب غزة، كيا اختفت من حياة أخاناتون فى الثلث الأخير من حكمه، كما أنها لم تنجب.
الأستاذ الدكتور عميد طبيب طارق طه، رئيس قسم المناعة والبصمة الوراثية بالقوات المسلحة، له بحث عالمى موجود فى ١٢ جامعة فى العالم بعنوان: Egyptian D.N.A Finger Print Gene Pool Secrets And Answers.
وكان لى شرف مناقشة هذه الرسالة ٢٠١٦ وأخطر ما فيها أن ٨٧.٥٪ من جينات توت عنخ آمون موجودة فينا جميعاً كمصريين. أهلاً بك يا دكتور زاهى فى Jama وعالم الجينات، ولكن عالم الأوبرا والدراما فقد شوه جميلة الجميلات، كما طعن فى نسب توت عنخ آمون وبالتالى فى أصلنا كمصريين وجعلنا عبرانيين أو غزاوية، لا يا دكتور زاهى أنا أحبك كثيراً ولكن مصر فوق الجميع.


من جلدك شخّص الكورونا - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /22






تم تحديد خمسة أمراض جلدية مرتبطة بـCOVID-19، يقول الباحثون إن الحالات قد تكون ناجمة عن COVID-19 أو قد تشير إلى مضاعفات، لكنهم حذّروا الناس من التشخيص الذاتى.
كشفت دراسة جديدة أن خمسة أمراض جلدية مرتبطة بالفيروس التاجى تم تحديدها من قِبل أطباء الجلد، تم إجراء بحث على 375 مريضاً فى إسبانيا، فى محاولة لبناء صورة لكيفية ظهور المرض على صورة أعراض على الجلد، من خلال الأكاديمية الإسبانية للأمراض الجلدية، طُلب من جميع أطباء الجلد فى البلاد المساعدة فى تحديد المرضى الذين أصيبوا بمرض جلدى غير مفسّر فى الأسبوعين الماضيين، والذين اشتبهوا أو أكدوا COVID-19، تم توزيع استبيان، وتم التقاط صور لحالات الجلد للكشف عن أنماط التأثير المحتمل للفيروس على الجلد، لكن أصحاب الدراسة، الذين نشروا فى المجلة البريطانية لطب الأمراض الجلدية، حذّروا من أنه فى بعض الحالات كان من الصعب معرفة ما إذا كانت الحالات الجلدية ناجمة بشكل مباشر عن فيروس كورونا أم أنها مضاعفات، كما حثّوا الجمهور على عدم محاولة التشخيص الذاتى لـCOVID-19، بناءً على أعراض الجلد، لأن الطفح الجلدى شائع، ويصعب التمييز دون خبرة طبية، والأمراض والأعراض الجلدية هى:
1 - أعراض تشبه عضة البرد chilblain
وفقاً للدراسة، فإن 19٪ من الحالات تضمّنت أعراضاً تشبه chilblain، وقالت إنها تؤثر على اليدين والقدمين على شكل انتفاخات حادة، وتم وصفُها بأنها بقع حمراء أو أرجوانية صغيرة ناتجة عن النزيف تحت الجلد، وعادة ما تكون غير متماثلة فى المظهر.
2 - Vesicular eruptions الانفجارات الحويصلية
وصفها أطباء الأمراض الجلدية بأنها تفشى البثور الصغيرة، التى تسبّب الحكة بشكل عام، والتى ظهرت على جذع الجسم، و«انفجارات حويصلية» فى 9٪ من الحالات، وقالوا إنها قد تكون مليئة بالدم، ويمكن أن تصبح أكبر أو أكثر انتشاراً، ويمكن أن تؤثر على الأطراف.
3 - Wheals
تم تحديدها فى 19 ٪ من الحالات، تتكون من مناطق جلدية وردية أو بيضاء مرتفعة وتشبه الأرتيكاريا، وعادة ما تكون مصحوبة بالحكة، ويمكن أن تنتشر فى جميع أنحاء الجسم.
‏4 - Other maculopapules
تم تحديدها فى 47٪ من الحالات، ووُصفت بأنها نتوءات حمراء صغيرة ومسطحة أو مرتفعة، تم توزيعها حول بصيلات الشعر فى بعض الحالات وبدرجات متفاوتة من التقشّر. وقالت الدراسة إن المظهر يشبه النخالة الوردية، وهى حالة جلدية شائعة، وقالت إن بقع الدم تحت الجلد قد تكون موجودة أيضاً، والحكة شائعة جداً.
5 - Livedo or necrosis
تم تحديده من قِبل أطباء الجلد فى 6٪ من الحالات، يحدث النخر necrosis، حيث يضعف الدورة الدموية فى الأوعية الدموية، التى فى الجلد، مما يتسبّب فى ظهور مظهر أحمر أو أزرق لامع بنمط يشبه الشبكة.
يسبّب هذا النخر الوفاة المبكرة لأنسجة الجلد، حيث أظهر المرضى درجات مختلفة من الآفات تشير إلى «مرض الأوعية الدموية الانسدادى»، حيث يحدث ضيق أو انسداد الشرايين، مما يحد من تدفّق الدم إلى مناطق معينة من الجسم. وأضافت الدراسة أن هذه الحالات ارتبطت بمرضى كبار السن المصابين بحالات حادة من COVID-19، رغم تفاوت مظاهر المرض فى هذه المجموعة.

Friday, May 22, 2020

عصا الأنبا موسى! بقلم هانى لبيب ٢٢/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

لم أشاهده يوما دون ابتسامته الصافية حتى فى أحلك الأزمات، ولم يفقد هدوءه وسماحته فى واحدة من أهم الأزمات الطائفية، تلك التى عُرفت إعلامياً بأزمة وفاء قسطنطين. اسمه إميل عزيز، لكن الإنسانية ستظل تعرفه إلى الأبد باسمه الدينى، الأنبا موسى، كما ستذكره بأعماله التى صارت مضرب الأمثال، رغم أنه لم يمتلك عصا سحرية!
الأنبا موسى من مواليد شهر نوفمبر ١٩٣٨، وحصل على بكالوريوس الطب ١٩٦٢، وترهبن فى ٢٤ إبريل ١٩٧٦، وتم تنصيبه باسم الأنبا موسى على يد البابا الراحل شنودة الثالث فى ٢٥ مايو ١٩٨٠، أى أن هذا الأسبوع يحمل ذكرى مميزة ترتبط به، إذ تمر ٤٠ سنة على تنصيبه أسقفاً عاماً للشباب.
وقد تعرفت عليه لأول مرة فى محاضرة له عن العلامة الفيلسوف أوريجانوس سنة ١٩٨٨، وأذكر حينها أن النقاش بيننا استمر حتى مغادرته، لكنه منحنى موعداً لاستكمال الحوار بمقر إقامته بدير الملاك. ومنذ هذا الوقت، أتابع الأنبا موسى وأعتبره واحداً من أبرز رجال الدين المسيحى، خلال نصف القرن الأخير.
يتميز الأنبا موسى بقدرة هائلة على شرح الأمور الدينية المعقدة وتبسيطها، بشكل ينم عن فهم حقيقى للعلاقة بين النص الدينى المقدس واجتهادات الفكر الدينى، وهو ما يلمسه من يحاوره، أو يقرأ مقالاته وكتبه، أو يسمع محاضراته وندواته وعظاته الشيقة. فضلاً عن قدرته الشاسعة فى التأثير على المواطنين المسيحيين المصريين بشكل عام، وعلى شباب لايزالون هدفه إلى الآن، بشكل خاص، لدرجة أنه يواكبهم باستحداث أدوات جديدة ليخاطبهم بلغتهم، فى عالم الميديا الجديدة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعى. والقريبون من الأنبا موسى يعرفون عنه متابعته الجيدة لكل ما يدور فى مصر والعالم، فهو شغوف باقتناء الكتب الجديدة، ونتيجة ثقافته الواسعة اتسمت مواقفه بالحكمة والعقلانية، مما جعله محل ثقة واحترام جميع الاتجاهات السياسية والفكرية والدينية، خاصة فى أدواره الوطنية أثناء الأزمات والتوترات الطائفية المتلاحقة، وهى المواقف التى لم يعرفها الرأى العام بسبب حرصه على الابتعاد عن الأضواء.
وقد قامت أسقفية الشباب فى عهده بمئات المؤتمرات والتدريبات واللقاءات والندوات لرفع وعى الشباب ودمجه فى المجتمع، والخروج من أسوار الكنيسة إلى التفاعل مع الحياة الفكرية والسياسية المصرية، كما نظمت الأسقفية العديد من المهرجانات والمسابقات الشبابية على مستوى الجمهورية فى العديد من المجالات الفنية والإبداعية. كما أذكر الدور الرئيسى الذى قامت به مجموعة التنمية الثقافية التى أسسها وأشرف عليها صديقى العزيز جداً سمير مرقس فى تشجيع الكثير من الشباب للانضمام للعمل السياسى والبحثى والفكرى. كما أذكر أيضا الدور المهم لمجموعة المشاركة الوطنية التى يشرف عليها الصديق سمير ذكى.
والأنبا موسى يعتبر أسقفاً صاحب طبيعة خاصة، وهو نموذج للرمز، بداية من حسه الوطنى ومشاعره الإنسانية الفياضة، وبابها الكبير بشاشة وجهه وحسه الفكاهى، وصولاً إلى سمته الرئيسية فى قبول الاختلاف باحترام كبير، وهكذا فى وجوده لا مجال للخلاف، لا مجال للتنمر، وطبعاً لا مجال للتمييز والكراهية. إنه شخص لا يمكن أن يسقط من الذاكرة المصرية أبداً.
نقطة ومن أول السطر..
الأنبا موسى رمز وطنى وتاريخى أصيل، ستظل سيرته محل تقدير واحترام العديد من الأجيال.


الأب رفيق جريش يكتب: حشرية مسيحى فى شؤون إسلامية ٢٢/ ٥/ ٢٠٢٠ - المصري اليوم

ترددت كثيراً فى كتابة هذا المقال، لأنه يتناول بعض ما قد يراه البعض شؤونا إسلامية، وقد يقول لى قائل «وأنت مالك».. ولكن من منطلق الوطن والمواطن والمواطنة رأيت أن أشارك معكم بعض الأفكار أو الهواجس التى طُرحت أخيراً، وأبدأها بـ
١- مسلسل الاختيار الذى بدأ بقوة، التفت جميع البيوت حوله لأنه أبرز عمل وتخطيط أخواتنا وأبنائنا من الجيش، وجسد لنا التضحيات الجسام التى يضحونها من أجلنا ومن أجل وطننا الحبيب مصر، وقد خدم المسلسل العمليات التى تمت فى سيناء فى هذه الفترة، فكأننا نرى ماذا يجرى فى الواقع أمام أعيننا. ولكن أخذ منحنيين: المنحنى الأول، أخرج المسلسل من سياقه الوطنى ووضعه فى سياق إسلامى ضيق، فلا وجود لأى عنصر مسيحى والكلمات المسيحية التى اُستخدمت أو جنازة شهداء دير الأنبا صموئيل حُشرت حشراً ودون تعليق يذكر، رغم أن السيدة الفاضلة زوجة البطل الشهيد أحمد منسى ذكرت فى شهادتها عنه أمام سيادة الرئيس السيسى حبهما وتقديرهما لشركاء الوطن.
أما المنحنى الثانى فهو محاولة شرح «ابن تيمية».. مجموعة تبجله وتستغله لتبرير أفعالها الإرهابية، وأخرى تستخدمه لمحاولة شرحه، ولا أعرف لماذا هذا المنحنى الذى فشل فى تبريره رغم أن علماء كبارا، منهم شيخ الأزهر، لهم اعتراضات على «ابن تيمية»، هذا الجزء سبب بلبلة فى المجتمع المصرى عكس ما كان المقصود منه، فوصلت الرسالة مشوشة ومبتورة.
٢- أما الحشرة الثانية، فهى بعض الفتاوى بأن الزكاة من مسلم لمسيحى لا تجوز، بل إثم كبير. وأتساءل: ماذا عن تبرعات المسلمين لفقراء أو مرضى المسيحيين؟ ماذا عن مساهمة فى بناء أو فرش كنائس من قبل المسلمين؟ وماذا عن العكس من عشور المسيحيين التى توجهت لعائلات مسلمة فقيرة خاصة فى رمضان، أو مساهمة المسيحيين فى بناء المساجد للمسلمين، وإعلانات الخير من مؤسسات إسلامية التى تذاع فى التليفزيون فى وسط المسلسلات.. لماذا لا تذكر أنها للمسلمين فقط وعلى المسيحيين أن يمتنعوا؟!.. والأمثلة كثيرة لا أريد أن أجرح تواضع أحد. الزكاة عن المسلمين يقابلها العشور عند المسيحيين، والاثنان واجب إيمانى فى الديانتين الكريمتين، وهذا ما يعرفه الشعب المصرى منذ آلاف السنين، لماذا هذه «النغمة» الآن؟.. أظن أن عمل الخير يجب ألا يميز بين البشر لأننا جميعاً إخوة فى الإنسانية. وهذا الخطاب العنصرى لا يخدم المواطنة بل يهدمها. إذ الحكومة ومؤسسات دينية وثقافية وإعلامية تعمل من أجل إبراز قيمة المواطنة، ولا فرق بين مواطن وآخر والجميع متساوٍ فى الحقوق والواجبات.
إن الإمام الأكبر الشيخ الدكتور الجليل أحمد الطيب وقّع منذ سنتين ونصف مع قداسة البابا فرنسيس وثيقة عنوانها «الأخوة الإنسانية»، وضعت فيه كل القيم المشتركة التى تجمع ما بين الإنسان وأخيه الإنسان دون تمييز فى الدين أو العرق أو الجنس أو الحالة الاجتماعية إلى آخره. وهذه الوثائق عندما تصدر من مؤسسات دينية ليست «شو إعلاميا»، بل هى لتطبيقها على أرض الواقع، بل تم تشكيل لجنة دولية من أجل هذا، واعتبرتها الأمم المتحدة من الوثائق المهمة. أين نحن من «الأخوة الإنسانية»، إذا كانت بعض الفتاوى تشوه هذه الأخوة وتحرض عليها، ومن شيوخ ليسوا محسوبين على الإرهابيين والتكفيريين، بل من الذين يظهرون فى التليفزيون؟.
إخوتى الأحباء، علينا أن نميز فيما نعطيه للناس، خاصة البسطاء فى خطابنا الدينى لهم الذى يجب أن يكون كله محبة ومسامحة وخير وسلام، لأن مصر لم تعرف يوماً التمييز، خاصة فى الخير ومن أجل سلامنا الاجتماعى ومن أجل أجيالنا القادمة.

Thursday, May 21, 2020

وزارة الثقافة ومعركة التنوير وفرج فودة - خالد منتصر - جريدة الوطن - 5/2020 /20









اليوم الخميس فى الحادية عشرة مساء ستذيع وزارة الثقافة من خلال قناة الهيئة العامة للكتاب على اليوتيوب المناظرة التى بسببها تم اغتيال فرج فودة، النسخة الموجودة كانت رديئة جداً، لكن هناك جهداً كبيراً لتحسين النسخة وجعلها ذات جودة عالية، شكراً لوزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم على اقتحامها معركة التنوير بجرأة، وتحية لجهد كتيبة هيئة الكتاب بقيادة د. هيثم الحاج، وأتمنى فى الخطوة القادمة إعادة طبع كتب شهيد التنوير كاملة، وسأحكى لكم قصة تلك المناظرة فى عجالة وكنت قد حكيتها وكتبتها مرات عديدة.
قبل ستة شهور بالتمام والكمال من اغتياله حضر الكاتب المقاتل فرج فودة مناظرة فى معرض الكتاب واجه فيها الشيخ الغزالى والدكتور محمد عمارة والمستشار الهضيبى، واجههم فى 8 يناير 1992 بالمنطق وبالعقل فتمت مواجهته بعدها بستة أشهر فى 8 يونيو 1992 بالرصاص والدم. بكى مدير الندوة د. سمير سرحان كثيراً بعد اغتيال فرج فودة نتيجة إحساسه بالذنب بعد أن اتضح أن قرار الاغتيال جاء بعد هذه المناظرة!
سأقتبس لكم من هذه المناظرة بمناسبة الاحتفال بذكرى فرج فودة بعض الفقرات وأترك لكم الحكم، هل يستحق فرج فودة الاغتيال بعد هذه المناظرة أم يستحق التكريم؟ وهل اختلافه مع الإسلام السياسى يعنى اختلافه مع الإسلام نفسه؟ اقرأوا بعين العقل وأنتم ستعرفون أن فرج فودة كان يدافع عن صورة الإسلام السمح الحضارى بعيداً عن الاستغلال السياسى وأحكام التكفير والقتل.
بدأ د. فرج فودة الندوة بقوله: «لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاد وفقه، الإسلام الدين فى أعلى عليين، أما الدولة فهى كيان سياسى وكيان اقتصادى واجتماعى يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم».
يقول «فودة» أيضاً: «أنا من المؤمنين بأن الإسلام كدين لا يتناقض أبداً، ونحن حين نقول نزّهوا الإسلام لنا وجهة نظر فى هذا، أنا لست مع الدكتور عمارة حين قال ليس الإسلاميون فقط هم الذين اختلفوا.. الشيوعيون اختلفوا أيضاً»!!
الرد: أنا أقبل أن تهان الشيوعية ولكنى لا أقبل أن يهان الإسلام، حاشا لله، أما أن يختلف الفرقاء فى أقصى الشرق وأقصى الغرب، ويحاول توثيق خلافاته بالقرآن والسنة ومجموعة الفقهاء، لا يا سادة حرام حرام، نزّهوا الإسلام وعليكم بتوحيد كلمتكم قبل أن تلقوا بخلافاتكم علينا، قولوا لنا برنامجكم السياسى، هل هؤلاء الصبيان الذين يسيئون إلى الإسلام بالعنف وهو دين الرحمة، هؤلاء الصبيان منكم أم ليسوا منكم؟
هل كان التنظيم السرى جزءاً من فصائلكم أم لا، تدينونه اليوم أم لا؟ هل مقتل النقراشى والخازندار بدايات لحل إسلامى صحيح؟ أو أن الإسلام سيظل دين السلام، ودين الرحمة، والدين الذى يرفض أن يُقتل مسلم ظلماً وزوراً وبهتاناً لمجرد خلاف رأى.
ويختم فرج فودة كلمته قائلاً: «القرآن بدأ بـ(اقرأ)، وسنظل نتحاور لنوقف نزيف الدم ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم أنه ليس خلافاً بين أنصار الإسلام وأعدائه، هو خلاف رؤى، وهذه الرؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى أنتمى إليه لم ير أبداً أن الإسلام دين العنف، الإسلام هو دين القول بالتى هى أحسن، ولأجل هذا نحن ندين الإرهاب لأنه قول وفعل بالتى هى أسوأ، التاريخ نقل إلينا حوار أبى حنيفة مع ملحد، كان الحوار بالحروف لا بالكلاشينكوف! أدعو الله للجميع أن يهتدوا بهدى الإسلام وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله ليضعوا الإسلام فى مكانه العزيز بعيداً عن الاختلاف والفرقة والإرهاب، وعن الدم والمطامح والمطامع».
تخيلوا برغم كل هذا الدفاع عن الإسلام قتلوه!، لكى تعرفوا أنهم فى الحقيقة قتلوه من أجل السبوبة التى يحققونها من تجارة الدين وليس من أجل الدين نفسه.