Translate

Wednesday, October 31, 2018

د. محمد أبوالغار يكتب: أمريكا الأقوى بالقوى الناعمة قبل الاقتصاد والجيش ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

أمريكا أكبر اقتصاد فى العالم وأكبر جيش. اقتصادها يمثل ٢٣% من اقتصاد العالم.
والاتحاد الأوروبى ٢٢%. والصين ١٦%. وروسيا ٢% فقط.
ولكن نفوذ أمريكا العالمى أكبر بكثير من نسبة اقتصادها، والواقع أن نفوذ روسيا أكبر كذلك مما يمثله اقتصادها بسبب تقدم صناعة معدات الدفاع والحرب. فالاقتصاد جزء مهم من نفوذ وتأثير الدول فى العالم، ولكنه ليس العامل الوحيد. ونفوذ الصين أقل بكثير مما يمثله اقتصادها، ونفوذ الاتحاد الأوروبى أقل من نفوذ أمريكا بالرغم من التساوى فى حجم الاقتصاد.
النفوذ الدبلوماسى لكل من أمريكا والاتحاد الأوروبى قوى جداً فى العالم كله، بسبب علاقات الدول الأوروبية من أيام الإمبراطوريات واسعة النفوذ. الاتحاد الأوروبى يأتى فى المؤخرة فى اتخاذ القرار السياسى لوجود عدد كبير من الدول، ولم يستطع مثلاً إنهاء حرب البلقان إلا بقرار سياسى أمريكى تلاه تدخل عسكرى. بالتأكيد تتفوق أمريكا بمراحل فى المخابرات وأجهزة التجسس، ولكن الاتحاد الأوروبى وروسيا كلاهما عندهما مخابرات قوية.
واضح أن أمريكا هى الدولة الأولى فى العالم، فما سبب التفوق الأمريكى الكاسح، بالرغم من أن اقتصادها يفوق الصين ٣٠% فقط، ويساوى اقتصاد الاتحاد الأوروبى؟ الحقيقة أن هذا التفوق سببه إطلاق حرية التفكير والابتكار والتخيل بفارق كبير عن دول العالم، ولذا فقوة أمريكا الكاسحة تزيد بأشياء تبدو بسيطة:
١. سرعة الانتقال من ابتكار الراديو والتليفزيون والتليفون وتصنيع أدواتهم إلى ابتكار الميكروشيب وتصنيع الكمبيوتر والتليفون المحمول والأقمار الصناعية وهى صناعات تتطور بسرعة فائقة.
٢. اختراع الإنترنت والسيطرة عليه فى العالم كله، ما يعطى أمريكا قوة رهيبة.
٣. صناعة السينما تمثل حجما هائلا من الإنتاج فى العالم، وهو لا يمثل فقط دخلا قوميا، ولكنه يشكل وجدان الشعوب وأفكارهم، ويغير هويتهم بهذا الفن.
٤. استطاعت أمريكا بعد أن سيطرت على العالم إعلامياً ودعائياً بقنواتها التليفزيونية الانتقال بسهولة وبساطة إلى اختراع وسائل التواصل الاجتماعى والسيطرة عليها فى العالم كله، فهى تملك فيسبوك وتويتر وإنستجرام وغيرها، فهى بالتالى صاحبة لغة العصر.
٥. استطاعت أمريكا ابتكار طرق حديثة للتجارة، والآن أصبح يمكنك شراء ساندوتش فول عن طريق أمازون، وهى ثانى شركة فى العالم يتعدى رأسمالها تريليون دولار.
٦. الصحافة الأمريكية المقروءة والإلكترونية أقوى صحف العالم تأثيراً ومصداقية، مهما ادعت دول العالم الثالث غير ذلك. وأثناء الأزمات الكبرى العالم كله يقرأ النيويورك تايمز والواشنطن بوست التى أطاحت حملتها بالرئيس الأسبق نيكسون، والآن تخوض حملة تقصى الحقيقة فى مقتل خاشقجى.
٧. أمريكا قوية بسبب السلطة الواسعة للرئيس، لكنها ليست سلطة مطلقة، لأن الكونجرس يمكنه أن يجبره على تعديل قرارات أو إلغائها.
٨. استطاعت أمريكا أن تجعل اللغة الإنجليزية هى لغة العالم الأولى ولغة العلم والسياسة وحتى الرياضة.
أمريكا إذاً أقوى بكثير من الـ٢٣% التى يمثلها اقتصادها بسبب الديمقراطية، وبسبب القوة التكنولوجية الجبارة لشباب المخترعين، وبسبب القوة الناعمة فى السينما والفن والموسيقى والصحافة والرياضة.
مصر الفقيرة الكثيفة السكان يمكن أن يرتفع نفوذها ويتحسن اقتصادها، إذا استعادت القوة الناعمة للموسيقى والغناء والأدب والثقافة والصحافة والمجتمع المدنى الكبير الذى يساعد فى تحسين أحوال مصر والمصريين، وهذا لن يتأتى داخل نظام مركزى غير ديمقراطى.
كانت صحيفة الأهرام العريقة مصنفة كإحدى الصحف العالمية والمؤثرة فى العالم.
الآن أحوال الصحف المصرية لا تسر عدوًا أو حبيبًا.
وكانت السينما المصرية تسيطر على المنطقة كلها، وأدخلت اللهجة المصرية فى كل البيوت العربية.
وكان المسرح المصرى الجاد والتجارى فى تفوق كبير، وكانت المقاعد محجوزة بالكامل بالمصريين والعرب.
وكانت جامعة القاهرة الأهلية والتى أصبحت حكومية منارة العلم فى المنطقة.
الآن بصعوبة تكافح، ولكن سبقها عدد من الجامعات العربية، أما بعض الجامعات الإقليمية والخاصة، فبعيدة تماماً عن المنافسة.
رجال الأعمال فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين أقاموا عدداً من الصناعات المهمة والشركات الرائدة، مثل مصر للطيران، واستديو مصر وكانت الزراعة المصرية متقدمة، وكان العمل الجاد والابتكار هو سبب النجاح.
الآن بسبب الفساد الذى انتشر فى العقود الأربعة الماضية أصبح الكثير من رجال الأعمال لا يعتمدون على الابتكار والعمل الجاد، بل على الوساطة والفساد.
إصلاح الاقتصاد وزيادة الإنتاج هما جزء من الحل.
وعودة القوى الناعمة أمر أساسى لازدهار مصر، ولن يتم ذلك إلا بتوسيع المجتمع المدنى ووجود هامش كبير للديمقراطية.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

Tuesday, October 30, 2018

خالد منتصر - أيهما تشجع طه حسين أم عباس العقاد؟ - جريدة الوطن - 31/10/2018

فى ذكرى د. طه حسين دارت نقاشات حادة على السوشيال ميديا حول أيهما أفضل، طه حسين أم عباس محمود العقاد؟، تحولت رويداً رويداً إلى ألتراس أهلى وزمالك، لكنها وبرغم الخلافات إلا أننى سعدت بها وقلت الحمد لله، على الأقل وجدنا نقاشاً ثقافياً ومقارنة جادة أفضل من المقارنات التى نعقدها بين مطربى المهرجانات، وباختصار وفى البداية أعلن رأيى بأننى منحاز فى هذه المقارنة وبشدة إلى جانب وفى صف طه حسين، وبناء على شروط موضوعية لا على عواطف كروية!، «طه والعقاد» قامتان ثقافيتان كبيرتان، إلا أننى أجد أن إسهام طه حسين إسهاماً أكثر جذرية وعمقاً فى الثقافة المصرية، وأن الموسوعية التى اعتمد عليها محبو «العقاد» فى انتخابه الأفضل هى نقطة الخلاف بالنسبة لى، وقد لخصها لى أستاذ الفلسفة القدير د. فؤاد زكريا عندما حكى لى بأسلوبه الجميل ولغته النقدية عن سبب ابتعاده عن صالون العقاد، قال إنه قد حضر مرة واحدة ثم رفض بعدها الانتظام فى الحضور برغم أن مدرس فلسفة آخر كان يحضر بانتظام ويعتبر هذا الصالون بمثابة الرواق الثقافى والأكاديمية الأفلاطونية، هذا الشاب كان أنيس منصور، لماذا رفض د. فؤاد زكريا إعادة التجربة؟، لأنه ببساطة وجد العقاد يتحدث فى علم الحشرات!، وقال لجاره هامساً «ما أنا أروح أفضل أسمع من أستاذ فى كلية العلوم، أكيد حيكون أفضل من العقاد»، وهذا يفتح باب نقاش كبير حول دور المثقف الفكرى وليس السياسى، لأن التغيير الفكرى أرحب من التغيير السياسى، بل له الأولوية، هل التراكم المعرفى وتخزين أكبر كم من المعلومات فى كل العلوم والفنون هو المطلوب فقط من المثقف؟، أعتقد أن المسألة أكبر من ذلك وأشمل، فالمثقف ليس مطلوباً منه أن يكسب برنامج «مَن سيربح المليون»، أو يحل مسابقة الكلمات المتقاطعة فى خمس دقائق، لكن المطلوب أن يكسب فى برنامج «من يربح التغيير» ويحل أعقد الأفكار المتقاطعة، مطلوب منه ثورة فكرية تتمرد على السائد والبديهى والمعتاد، وسأضرب مثالاً بسيطاً ذكره طه حسين فى لقائه الشهير مع الإعلامية ليلى رستم وأمام حشد رائع من خيرة المثقفين المصريين، عبر عن رأيه فى عبقريات العقاد وأحرج أنيس منصور عندما سأله «هل فهمت منها شيئاً؟»، اعتبرها «طه» تمجيداً لا تحليلاً، وانحيازاً تنقصه موضوعية وصرامة البحث العلمى، وضرب مثلاً بالمقارنة بين النبى محمد ونابليون فى عبقرية محمد، وكيف أنها مقارنة لا علمية مع كل الإجلال والاحترام لمكانة النبوة ومكانة القيادة، لاختلاف الظروف والمعايير، ولذلك فالنتائج من المؤكد أنها ستكون مجحفة، وهذا هو الفرق بين العبقريات والفتنة الكبرى، السؤال «لماذا تكتب؟» هو المهم وهو الفيصل، هل تكتب للتمجيد والتأييد وتأكيد الإجابات المسبقة؟ أم تكتب للتحليل والتنقيب والغربلة وطرح الأسئلة وإثارة التفكير النقدى والحس العقلانى؟، وضع طه حسين الصحابة فى الفتنة الكبرى تحت المجهر، وتحدث عن بشر وصراعات إنسانية تتحكم فيها أحياناً الغرائز، لأول مرة على سبيل المثال نقرأ وبصراحة وجدية كيف أثرت ثروات الصحابة فى الصراع السياسى وظهور الفتنة، جرح طه حسين تابوهات كثيرة، وتعامل مع التاريخ وكأنه قارورة معمل لا محراب عبادة أو معبد تقديس، هذا مجرد مثال من ضمن أمثلة كثيرة جعلتنى أنحاز إلى طه حسين برغم احترامى لمكانة العقاد واعترافى بفضله الثقافى، إلا أن طه حسين عندى لا يسكن فى الأدوار العليا من نفس العمارة الثقافية، لكنه يسكن قصراً وحده.

خالد منتصر - من هو المثقف الحقيقى؟ - جريدة الوطن - 30/10/2018

سؤال طرحه الإعلامى عمرو أديب على المشاهدين فى حلقته يوم الأحد الماضى التى كنت فيها ضيفاً على برنامجه بصحبة الفنان والمثقف الجميل وجيه وهبة، سؤال وجدته مهماً وهماً فى الوقت نفسه، فالثقافة ليست هى الفنون الرفيعة فقط، فهى سلوك اجتماعى أرحب من مجرد تلك الإبداعات، فالزى ثقافة والبيوت ثقافة وطريقة الأكل ثقافة والتعامل مع الشارع ثقافة.. إلخ، ولو صعدنا درجة وأخذنا معنى الثقافة بالمعرفة الواسعة عن كل شىء ومن كل شىء، سنواجه بمعضلة، هل المثقف هو فقط الذى يحضر الأوبرا والباليه ويرتاد المسرح والسينما؟، هذه الأشياء فى منتهى الأهمية للمثقف، لكن من هو المثقف الفاعل الذى نحتاجه الآن؟، هل هو هذا النموذج فقط؟، كانت الصدفة أن الحلقة قد واكبت ذكرى العظيم الجليل د.طه حسين، ووجدت بالفعل فى هذا الرجل العملاق نموذج المثقف الفاعل المغير الثائر الذى يترك بصمة فى العقل ووشماً فى الروح، هذا هو المثقف الفاعل بجد، طه حسين يختصر كل التعريفات المتضاربة والجدلية والمتناقضة للمثقف، نستطيع أن نشير بأصابعنا فقط إلى هذا الكفيف البصير لنعرف أن هذا هو المثقف الذى تحتاج إلى استنساخه مصر الآن، المثقف الذى لم ينحنِ للتيار السائد ويميل للريح ويتوافق مع القطيع خاصة أنه يحتاج دائماً إلى مساعدة بسبب إعاقته التى من الممكن أن تجعله يرضى بالهامش والعزلة، تمرد على التعليم الأزهرى وهو الفقير المعدم الآتى من قلب الصعيد محملاً بأعباء أسرة كبيرة تكاد أن توفر قوت يومها بالعافية، خرج عن النص حين التحق بالجامعة واختار شخصيات لدراساته ورسائله هى أيضاً متمردة خارج السياق لا مترددة داخل الشرنقة، ابن خلدون والمعرى، كتب فى العشرينات كتابه الثورة ودراسته العاصفة «فى الشعر الجاهلى» التى كان عمادها منهج الشك الديكارتى، تعرض للسب والشتم فى مظاهرات طلبة الأزهر، ثم إلى التحقيق فى النيابة، لكنه واصل الطريق، واختار درب الألغام، درب الأسئلة، طرح علامات الاستفهام على التراث الإسلامى، وأعاد تقليب تربة التاريخ، فصار التاريخ مجال بحث وليس مساحة تقديس، هل توقف المثقف طه حسين عند هذا الحد؟، لا، فعندما تولى المسئولية لم يكن موظفاً بل ظل مثقفاً، وكانت الثورة هى تطبيق نظام التعليم المجانى فى عهد وزارته، فقد آمن بأن التعليم هو طوق النجاة ولا بد أن يكون كالماء والهواء، كما آمن بأن علينا أن ننظر إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط حيث النور، وعندما دخل إلى عالم السياسة كتب عن ضرورة فصل الدين عن الدولة فى الدستور وخطورة تديين الفضاء العام المشترك، وحتى بعد قيام الثورة لم ينسَ طه حسين دوره الثقافى وطالب بدمج التعليم الأزهرى فى التعليم العام، ولكن حكومة الثورة كان لها رأى آخر، وبدلاً من تطبيق رأى هذا المثقف المتفرد المستقبلى توسعت فى هذا النوع من التعليم الدينى وصدر قرار عبدالناصر الذى أضاف الكليات المدنية إليه!
احتار المثقفون فى تسمية طه حسين، تارة المثقف العضوى وتارة المثقف الليبرالى ولكنى أفضل اختصاراً: «طه حسين المثقف الحقيقى».

Monday, October 29, 2018

أنغام: وحشانى يا أختى جدًّا بقلم فاطمة ناعوت ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم



أعلمُ أن هذا المقالَ مُوجعٌ لكلِّ مَن يقرؤه الآن. فأنا أكتبُه بقلم الألمِ ومِداد الوجد. وما يُكتَبُ بوجعٍ؛ بالوجعِ يُقرأ. وأعلمُ أن ذاك الوجعَ يبلغُ مُنتهاه عند صديقتى أنغام. فهى تقفُ الآن صامتةً دون شدو، داخل خيوط شرنقةِ الحِداد والحَزَن، يلتفُّ حريرُها الحادُّ الحارقُ حول جسدِها النحيل، ولا يتركُه إلا داميًا. لكننى، برغم ما سبق، أكتبُه، من منطلق الصداقة، وبقلب جرّب محنة الفقد المُرِّ. فللصديق عند صديقه مساحةٌ من السماحةِ تسمحُ له بأن يُوجِعَ صديقَه برهةً بجُرعة من مَصلٍ واخزٍ، عسى الجُرح النازف أن يبرأُ من أوجاعه، قليلاً.
بدايةً أُعزّى صديقتى الفنانة «أنغام» فى شقيقتها التى غادرتنا وطارت إلى السماء، مثل عصفورٍ لم يجد فى الأرض ما يُغرى بالبقاء، فتركها وصعد إلى حيث تصعدُ العصافيرُ ولا تعود. وأُعزّى الأمَّ الثَّكلى، السيدة مَجيدة عبد العليم، التى فقدت ابنتَها عروسًا فى زينةِ الصِّبا والجمال. وأُعزّى الأبَ، الموسيقار الكبير، محمد على سليمان، الذى تهدَّمَ حُلمه الطيب، فى إنبات زهرةٍ جديدة اسمُها «غنوة» فى حقل الغناء، بعدما أهدانا زهرةً مشرقة اسمُها «أنغام». وأعزّى الطفلَ الجميل «ياسين»، الذى كان قُرّة عين أمّه الراحلة، وربما لا يعلمُ حتى الآن أنها صعدت وصارت شفيعتَه فى السماء وحارسةَ خُطاه على الأرض. أحسنَ اللهُ عزاءهم جميعًا، وعزاءَ أحبتهم، وعزاءنا.
عزيزتى «أنغام»، لم أستطع تعزيتك، لأننى لا أجيدُ كلمات العزاء. أجدُ كلَّ الكلام الذى يُقال فى لحظات الفقد، خاويًا من المعنى، يُرهقُ القلبَ ولا يُداويه. واليوم أكتبُ لكِ ما قد يُضمِّدُ قلبَكِ النازفَ؛ حتى تعودى إلينا كما عرفناكِ، صوتًا صادحًا بالحبِّ والفرح.
شقيقتُك الجميلة كانت تخبئ لكِ هديةً فى صندوق اللعب. ربما قررتْ أن تضعَها باسمك تحت شجرة الميلاد، هديةَ العام الجديد. لكنها رحلت قبل اخضرار الشجرة واكتسائها بنُدَف الجليد الديسمبرى. وبرحيلها، اكتشفنا الهديةَ، وعرفنا أين تخبئُها. فلماذا لا تأخذينها اليومَ، وتُهدينها أنتِ إليها؟ أغلبُ الظنّ أن الأحباءَ فى السماء، أيضًا ينتظرون هدايانا فى أعياد الميلاد.
قبل عدة شهور، كتب شابٌّ موهوبٌ كلمةً على صفحته يدعو فيها أن نُصالح ونُسامح مَن أغضبناهم من أصدقائنا وأحبّائنا وأقربائنا. وتلقّفت «غنوة» كلماته، وقالت فى تعليقها على البوست إنها تريد أن تُهدى شقيقتَها الكبرى هديةً تجلو بها قشور الزعل، لتعودا كما كانتا دائمًا؛ أختين جميلتين يملأ الحبُّ قلبيهما فيُنطق اللسان بالشدو والغناء، تلك الأخت هى أنتِ يا أنغام. ووعدها ذلك الشابُّ بأن يُجهّز لها الهدية. وكانت أغنيةً من أصدق وأبلغ ما يكون. ذلك الشابُّ هو الشاعرُ الموهوب مينا مجدى. كتب الأغنيةَ بمشاعر غنوة، فكانت كأنها هى مَن كتبتها. ولحّنها مصطفى شوقى، وغنّاها بصوته تمهيدًا لنسمعها بصوت غنوة، مشحونًا بالحب الذى يحملُه قلبُها لقلبكِ. لكن القدرَ كان له رأى آخر، ورحلتْ غنوة قبل أن تُغلّفَ الهديةَ بالورق الملوّن والنجوم والشموع، لتُهديها لكِ. تقول الأغنية: «وحشانى يا أختى جدًا/ وحشتنى الذكريات/ مهما الأيام خدتنا/ عمرى ما أنسى اللى فات/ فى بينّا حاجات كتيرة/ وإنتى يا أختى الكبيرة/ عندى ست البنات/ وحشانى يا أختى لما/ كنا بنسهر فِ لّمة/ بالليل أيام زمان/ وأقعد أنا وإنتى نحكى/ نرغى ونضحك ونبكى/ وف حضنك أنام كمان/ طول عمرك شايلة همّى/ وأنا غيرك ليا مين/ وبحس إن إنتى أمّى/ من وإحنا صغيرين/ نفسى نحكى لولادنا/ عن أحلى سنين حياتنا/ ونبقى قُريبين/ وحشانى ومهما غِبتى/ على بالى ولو بعدتى/ بشتاقلك وبحنين/ لا الدم هيبقى ميه/ ولا هونتى ف يوم عليا/ مهما تعدى السنين/ وحشانى يا أختى ياللى/ أول ما أدعى وأصلّى/ بادعى أشوفك بخير/ ده انتى أنغام حياتي/ وسنينى وذكرياتي/ وإنتى الحب الكبير».
صديقتى الجميلة أنغام، أكاد أسمعُ الأغنيةَ الشجية بصوتك العذب الذى يحملُ من الطفولة والبراءة، قدرَ ما يحملُ من عمق وعشق. ستكونُ تلك الأغنيةُ التى خبأتها لكِ غنوة فى صندوق قلبِها وصندوق هداياها، هديتكِ أنتِ لها ولنا، وللفنِّ والحياة والخلود. فلا تخذلينى.
رحم اللهُ الجميلةَ غنوة التى تركت شمس حبِّها فى يدِ أختها، حتى تظلَّ مشرقةً للأبد على لسان الجميلة أنغام.

Sunday, October 28, 2018

مصير التمييز بين المواطنين بقلم د. عماد جاد ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


كلما سارت المجتمعات على طريق التنمية، والتطور، والتحضر انعكس ذلك فى سلسلة قوانين، تُكرّس من قيمة المواطنة، وبات المواطن أكثر تقبلًا لهذه القيمة، وانتشرت الجمعيات والمؤسسات التى تدافع عن قيمة المواطنة فى أشكالها المختلفة، من مساواة تامة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين، أو العرق، أو اللغة أو المكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادى، فـ«المواطنون أمام القانون سواء»، أى متساوون، وأيضا حرية تعبير، وحرية رأى واعتقاد، وحياد الدولة تجاه هذه القضايا؛ فالدولة تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد، فهى كيان اعتبارى لا دين له.
فى الوقت نفسه يتسم موقف أجهزة الدولة ومؤسساتها بالحياد التام، فلا تنحاز لطائفة من الناس لأسباب أولية، أى موروثة أو ثانوية، أى مكتسبة.
نعلم أن كافة المجتمعات الإنسانية مرت بمراحل التطور، وفى بدايتها شهدت تمييزا قاسيا وقتلا على الهوية وحروبا دينية وطائفية طاحنة، وقد تخلصت من كل هذه النواقص بمرور الوقت، ولذلك لا تجد دولة من دول العالم الأول تميز بين مواطنيها لاعتبارات أزلية أو ثانوية، بل هناك من يمارس التمييز الإيجابى لصالح الفئات التى توصف بالأضعف فى المجتمع، ونادرا ما تجد التمييز الفج فى دول العالم الثانى، تلك الدول التى غادرت العالم الثالث وفق معايير التنمية، ولم تصل بعد للعالم الأول ولكنها فى الطريق.

أما دول العالم الثالث، فقد وصفت كذلك لكونها لم تحقق معدلات تنمية شاملة، ولم تضع أساس التطور الديمقراطى بعد، مثل هذه الدول عادة ما تتخندق وراء سياسات تمييزية بحق جزء من مواطنيها، وتتبنى خطابات دينية وطائفية، وتخلط بين الدين والسياسة، ولذلك نجد أن حكام هذه الدول وبصرف النظر عن خطابهم، فإنهم يحافظون على سمة من سمات الدولة الدينية، ويستخدمون خطابا دينيا، ويطلقون يد المؤسسات المعنية فى الحفاظ على هذه البنية وممارسة كافة أشكال التمييز والحفاظ عليها، وهذه الدول عادة ما تحتل قاع قائمة الإنجاز بكافة أشكاله، فتجدها تتذيل قائمة الإنجاز العلمى، قاع قوائم الشفافية، وتقع على قمة قوائم الفساد والتحرش الجنسى وغيرها من السلوكيات المشابهة.
وآفة هذه الدول هى تعطيل القانون أو استخدامه بطريقة انتقائية لخدمة سياسات التمييز بين المواطنين، فتجد القانون يطبق بقسوة شديدة، وتصدر الأحكام القصوى بحق المغاير للأغلبية عرقيا، ودينيا، وطائفيا أو لغويا، وتجد القانون يُنَحّى تماما فى مواجهة المتهم المنتمى للأغلبية، ويتم تعطيله أو البحث عن حلول خارج إطار القانون مثل قصة الجلسات العرفية والصلح العرفى الذى عادة ما يقلب الآية، ويحول المجنى عليه إلى جانٍ، توقع عليه العقوبات أو يُجبر على إبرام الصلح وتوثيقه حفاظا على السلم المجتمعى.
هذه الأوضاع كانت تمارس بقسوة، وتقديرى أن التطورات التى يشهدها العالم وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال الحديث- ستقلص من عمر هذه الممارسات وكافة أشكال التمييز بين البشر، ومرحلة ما قبل سقوط هذه الأشكال التمييزية هى الأكثر قسوة وصعوبة؛ إذ يحارب أصحاب المصالح والتمييز بضراوة؛ دفاعا عن هذه المنظومة التى أصبحت آيلة للسقوط، بل بات سقوطها مسألة وقت لا أكثر.

المجتمع المصرى المعاصر وسحل الرهبان الأقباط فى القدس بقلم الأنبا موسى ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

فى النصف الثانى من القرن العشرين، ومع بداية القرن الحادى والعشرين، لمسنا التطورات السريعة التى حدثت فى المجتمع المصرى.
١- فمثلاً فى الأربعينات: كان صراع الملك والأحزاب والإنجليز.
٢- وفى الخمسينات: عايشنا الثورة وأهدافها فى إلغاء الملكية، والإقطاع، وإنهاء الاستعمار، والمناداة بعدم الانحياز، ومراعاة محدودى الدخل، وتكافؤ الفرص، ودعوة القومية العربية... إلخ.
٣- وفى الستينات: كانت سيطرة الفكر الاشتراكى على مصر، بما فيه من مقاصد نبيلة، ولكن بوسائل عاجزة، وانتهت بالهزيمة الساحقة فى ١٩٦٧، فى الحرب مع إسرائيل.
٤- وفى السبعينات: كان نصر أكتوبر، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى فى مصر، والانفتاح الاستهلاكى (بدلاً من الإنتاجى)، وبداية التطرف والإرهاب.
٥- وفى الثمانينات: التى بدأت بأحداث سبتمبر حيث احتجز السادات قداسة البابا شنودة الثالث فى الدير، وسجن ٨ أساقفة و٢٤ كاهناً والكثير من العلمانيين، كما سجن الكثير من كل أطياف مصر، مما أدى إلى ارتفاع صوت الإرهاب، واغتيال الرئيس السادات، ومحاولات اغتيال قيادات السياسة، ورجال الشرطة، وبعض الأقباط، وضرب السياحة... إلخ. وبدأت مكافحة الإرهاب، وقد تأثر اقتصاد مصر كثيراً بسبب هذا كله.
٦- وفى التسعينات: كانت محاولات الإصلاح الاقتصادى والبناء، وازدادت مساحة الديمقراطية، كما كانت حرب الخليج لتحرير الكويت... بآثارها على مصر والعالم العربى (بعودة مئات الألوف من المصريين العاملين فى العراق)، ليواجهوا متاعب اقتصادية يعانى منها غالبية الشعب المصرى.
٧- ومع مطلع القرن الحادى والعشرين: كانت الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، وانهيار البرجين، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية، مما أدى إلى موت ٣٠٠٠ شخص. وكان سبباً فى أن تبدأ الحرب على أفغانستان، ثم جاءت الحرب على العراق بكل آثارها المحلية والإقليمية والعالمية.
٨- وكانت المشكلة الكبرى أن الرئيس بوش قال إنها «حرب صليبية»، ثم سحب هذه الكلمة، حيث كلمة «Crussade» (صليبية) أصبحت تستخدم على الدوام فى مجالات عادية مثل كلمة «حملة»... حملة على المخدرات أو التدخين... إلخ. وكان الرئيس بوش يتحدث كثيراً عن أنه متدين، وإدارته تسمى «اليمين الأمريكى المسيحى»، مما كان يهدد بإحداث شرخ فى الوحدة الوطنية فى مصر. ولكن إخوتنا فى مصر يعلمون أن الأقباط جزء من الجماعة الوطنية، والنسيج الاجتماعى المصرى، وأنهم وقفوا دائماً ضد المستعمر، سواء فى حروب الفرنجة القديمة، (التى دعيت خطأً بالصليبية) وهى فى جوهرها استعمار مفضوح... أو فى وقوفهم مع إخوتهم المسلمين، ضد الحملة الفرنسية، والاستعمار الإنجليزى، فى روح وطنية عالية... أو فى موقفهم ضد الاحتلال الإسرائيلى على مدى تاريخ هذا الصراع، وقام الكثير من الأقباط بأدوار بطولية فى تحرير سيناء، مثل اللواء فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى المصرى.
٩- إن وطنية الأقباط ليست محل تساؤل أو شك، وتشهد بذلك مواقف قداسة البابا شنودة الثالث، حين رفض اعتبار الأقباط أقلية، لأننا وإن كنا أقلية عددية إلا أننا لسنا أقلية عرقية أو ثقافية، كما أن قداسته منع الأقباط من زيارة القدس، إلا بجواز سفر فلسطينى، ومع إخوتهم الفلسطينيين والمسلمين.
وهذه الأيام رأينا الموقف البطولى لنيافة الأنبا أنطونيوس مطران القدس، والكهنة والرهبان الأقباط، وقد تم سحلهم بوحشية رهيبة بواسطة جنود الاحتلال الإسرائيلى الغاشم، أثناء الوقفة الاحتجاجية وعلى مرأى من وسائل الإعلام وكاميرات الصحفيين، وذلك لكى لا يفرطوا فيما تسلمناه من تاريخ وأماكن قبطية مصرية خالصة.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

خالد منتصر - هل خطبة الجمعة من وزير الأوقاف فريضة؟ - جريدة الوطن - 28/10/2018

وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة له محاولات ومجهودات كثيرة فى تنظيم المساجد ومنع المتطرفين من اعتلاء المنابر، وحاول أيضاً منع الميكروفونات وتوحيد الخطبة ومحاصرة السلفيين، ولكن تلك المحاولات لم تلقَ النجاح الكامل، ونشكره على تلك المحاولات والاجتهادات، ونرجوه التفرغ لها وعدم شغل نفسه بخطبة الجمعة كل أسبوع فى مدينة مصرية، خاصة أن كثرة تلك الخطب جعلت معظمها تكراراً يبعث الملل فى نفوس المصلين، آخر خطبة جمعة لوزير الأوقاف قد توافرت فيها كل الشروط التى تجعلنى ألح فى طلبى بأن يركز فى مشروع تجديد الخطاب الدينى والرقابة على المتطرفين السلفيين الذين يعتلون المنابر ويبثون السموم فى عقول المتلقين، وهذه مهمة لو تعلمون عظيمة وجليلة وأفضل ألف مرة من خطاب أمام بعض المئات من المصلين، الذين سينسون خطابه قبل خروجهم من باب المسجد، خطبة الجمعة الماضى من مسجد الشهيد محمد عبدالوهاب سعيد بالسويس، التى من المفروض أنها فى أجواء احتفالات عيدها القومى وانتصارات أكتوبر كان موضوعها الابتلاء بالخير، أى إنك من الممكن أن تُبتلى بالفلوس أو بالصحة.. إلخ، الموضوع نفسه لا علاقة له بالظرف الزمانى أو المكانى، لكن المستمعين رضوا بالأمر الواقع، وقالوا: شىء عظيم وأكيد سنسمع كلاماً يحثنا على العمل والجهد فى زمن يحتاج منا بذل العرق كل دقيقة، وحتماً وزير الأوقاف، وهو أستاذ بلاغة وهو يحفظ تعريفها الذى يقول إنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، يعرف ما هو مقتضى الحال الآن، ويعرف جيداً كيف ينتقى الكلمات ويحفّز الهمم، أنصت الجميع وشخصت الأبصار إلى أعلى المنبر، حيث يقف فضيلة معالى الوزير، وعينك ما تشوف إلا النور، نصف ساعة يا مؤمن فى حكاية لا أناقش صدقها أو حقيقتها، فالوزير أعلم منى ويقول إنها حديث صحيح، لكنى أناقش هل هذه القصة أو الحديث هو مقتضى الحال فى تلك اللحظة، كما علمتنا البلاغة، التراث ملىء، ولكن فطنة الاختيار هى المحك والمعيار، القصة باختصار شديد عن أبرص وأقرع وأعمى، ربنا أرسل لهم ملاكاً وباختصار شديد ودون الملل الذى غلف إيقاع الخطبة، ودون تكرار نفس الكلام مع كل واحد منهم، المهم أن الملاك بقدرة ربنا شفى كل شخص منهم، وأعطى الأول ناقة «حامل»، والثانى بقرة «حامل»، والثالث شاة «حامل»، وبعد كذا سنة أرسل لهم الله نفس الملاك وهم أثرياء عندهم الضياع والمزارع، وفى كل مرة يتنكر الملاك، مرة أبرص ومرة أقرع ومرة أعمى، ويطلب من كل واحد طلباً، إما ناقة أو بقرة أو غنمة، والذى يرفض يعاقبه الملاك بإرجاعه ثانية، فيجعل الأول أبرص مفلساً كما كان، والثانى أقرع مفلساً كما كان، أما الأعمى فهو الذى نجا، لأنه شكر الله وأعطى للملاك المتنكر «كارت بلانش» أن يأخذ ما يريده من الغنم! نصف ساعة للحكاية، ثم «وأقم الصلاة»، هل هذه خطبة فى زمن الهندسة الوراثية وغزو الفضاء؟!، كان كافياً يا فضيلة وزير الأوقاف أن تنصحنا بشكر الله، شىء عظيم ونحن نفعله، وتنبهنا إلى رقم الصفحة فى الصحيح، لكى نقرأ القصة وتخلصنا وتريحنا، ثم كلّمنا عن المفيد الآن، فى حياتنا، فى واقعنا، فالدين ليس قصصاً لملء فراغ وقت المنابر، عليك أنت ورفاقك من الشيوخ الأفاضل أن تحلوا لنا معضلة التناقض بين زبيبة معظم المرتشين من رؤساء الأحياء والمسئولين الكبار الذين تم ضبطهم فى مكاتبهم فى الشهور الأخيرة، وهم يضعون المصاحف عليها وبجانبها طويت سجاجيد الصلاة تايوانية الصنع انتظاراً لنداء ميكروفون أذان المؤسسة أو المصلحة أو المحافظة!، أن تخبرونا لماذا طغت الطقوس وانتصرت الشكليات؟، وبعدها احكِ لنا عن الثرىّ الأقرع وبقراته، والثعبان الأقرع ولدغاته كما شئت.

Saturday, October 27, 2018

الأب رفيق جريش يكتب: سقطات مهرجان القاهرة السينمائى ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


خطآن وقع فيهما مهرجان القاهرة السينمائى، الأول هو دعوة المخرج الفرنسى المعروف، كلود ليلوش لحضور المهرجان دون دراسة كافية رغم أننى لا أعتبر دعوته خطأ بتاتاً.
أما الخطأ الثانى والأخطر فهو سحب الدعوة بدعوى أن المخرج الفرنسى يهودى الديانة (وهو من أب يهودى جزائرى) وزار إسرائيل عدة مرات، هذه الحجج لم تعد تناسب عصرنا، فمنذ متى ندعو الناس إلى مصر على أساس دياناتهم؟ ماذا عن آلاف اليهود السياح الذين يأتون إلى مصر؟ وماذا عن الإسرائيليين أنفسهم الذين يزورون مصر ويذهبون إلى سيناء بدون تأشيرة؟ وماذا عن رجال الأعمال المصريين الذين يذهبون إلى إسرائيل لغرض صناعى أو تجارى؟ لماذا نضع رأسنا فى الرمال؟.
ثانياً: فرنسا من أكبر المتعاملين مع مصر اقتصادياً وصناعياً وهى مورد أساسى للجيش المصرى وتعضد مصر فى المحافل الدولية، ولكن فى نفس الوقت هى بلد يقدس الحريات ويفصل بين الدين والدولة وهذا العمل بالنسبة لها هو اعتداء على حريته الشخصية وتمييز دينى بامتياز كما أن فى فرنسا قانونا ضد السامية، فهل تعرفون أى عقلية تخاطبون؟ كلود ليلوش مخرج فرنسى كبير وله أفلام كثيرة كانت تُعرض فى القاهرة فى الستينيات والسبعينيات ولم تُمنع بتاتاً، كما أن الرجل لم يصرح تصريحاً واحداً ضد مصر أو العرب أو الإسلام.. هل نحن معقدون؟ أم تخوننا ثقتنا فى أنفسنا؟.
عندما نرفع شعار أن مصر «أم الحضارة» فهذا ليس للتباهى الإعلامى أو السطحى ولكنه حقيقة وعلينا أن نتعلم أن نتعامل بندية مع الجميع فحضارتنا فيها كل المقومات للتعامل مع جميع الديانات والثقافات والحضارات دون خوف أو انغلاق على الذات أو عُقد. لماذا لم نأت به ليرى ما هى مصر ومن هم المصريون؟ لماذا لم ننظم له لقاء مع كبار الكتاب والصحفيين ليتعرف عليهم؟ لماذا لم ننظم له زيارات للمؤسسات الثقافية والفنية الكبرى؟ هكذا كان يجب أن يكون التعامل الحضارى مع كبار الشخصيات العالمية ولكن التصرفات العشوائية التى أحياناً نمتاز بها هى التى تسىء لسمعة مصر. ألا يعلم منظمو المهرجان أن كبار الفنانين والمنتجين فى العالم من اليهود، وأيضاً وسائل الإعلام الكبرى أغلب مالكيها يهود وهم يهوديو الديانة ولكنهم ليسوا صهاينة ألا نعرف كيف نفرق بين هذا وذاك ونخاطب من هم مع السلام والحق وضد الظلم؟ لماذا نضع الدبلوماسية المصرية فى حالة حرج وهى الوسيط بين حماس وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لصالح الفلسطينيين؟
ماذا سيكون جواب رئيس المهرجان عندما يُسأل وينشر أن كلود ليلوش مُنع فى مصر بسبب ديانته؟ كيف سيواجه العالم فى عالم أصبحت فيه الثقافة والفن والسينما والأدب وغيرها عابرة للقارات؟، كيف سنصل نحن أيضاً إلى العالمية ونحن نرتكب أخطاء تهز صورة مصر وتقزمها أمام العالم بأيدينا؟.

«خيبتنا»... مرآةُ ميدوزا فى يد المايسترو بقلم فاطمة ناعوت ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


ها هو المايسترو يقفُ فى كامل بهائه فارسًا للمسرح دون منازع، ليُهدينا دُرّةَ عِقده الثريّ الحافل باللألئ والأحجار الكريمة. صاحبُ مسرح «رساليّ ورسوليّ». فالكوميديا دون «رسالة» حقيقية؛ تغدو عرضًا هزليًّا وظيفتها إضحاكُ الناس وإلهاؤهم عن القضايا التى تضرب خِصر المجتمع. والكوميديان إن لم يكن «رسولاً» يحمل رسالةً جادّة، يغدو مجرد مهرّج يُخدِّرُ الناس بالنكات والقفشات، لينسوا همومهم، بدل أن يواجهوها. علّمنا المسرحُ القومى العظيم أن المسرح مُعلّمٌ لا يقلّ أثرًا عن المدرسة والجامعة. وشهدنا فى كثير من المسرح الخاص كيف تكون الكوميديا إلهاءً بلا قيمة. لكن المعادلة الصعبة، هى الإضحاك مع إعمال العقل لمواجهة المشكلات بالعقل والعمل. ذلك ما تعلّمناه من مسرح صبحى، المايسترو، فى مشروع «المسرح للجميع».
وكذِبَ صبحى حين قال لى: «أنا اتكسرت خلاص يا فاطمة. أنا انتهيت!» كانت الدموعُ تقطرُ من عينيه وتُبللُ كلماتِه يوم غادرته جميلتُه وحبيبتُه ورفيقةُ دربه الفنانة «نيفين رامز» ورحلت عن عالمنا. وكتبتُ بدموعى يومها قصيدة «دموع الفارس» التى ختمتُها بقولى: «حبيبتُك سوف يزورُ الفرحُ عينيها/ إن هدأ قلبُكَ المصدوعُ/ وعدتَ إلينا/ فارسًا نبيلاً/ عاشَ يُعلِّمُنا/ أن الفُرسانَ/ يبكونَ/ وأبدًا لا ينكسرونْ». وصدق حدسى وعاد الفارسُ الذى لا ينكسر؛ ليثبت لنا أن الفرسان يخرجون من المحن أقوى يعلّمون الناس كيف يواجهون مشاكلهم مواجهة الندّ لا مواجهة الكسير. عاد المايسترو ليُقدّم لنا أحدَ أجمل وأخلد أعماله: «مسرحية خيبتنا» التى تُعرض الآن من الخميس إلى الأحد من كلّ أسبوع، على مسرح مدينة سنبل.
عملٌ خالدٌ سيعبرُ الزمنَ شاهدًا على لحظة مُرّة يعيشُها عالمٌ تسيّدت فيه قيم الهوى والأنانية والعنف والاستنساخ، على قيمة العقل والخير والجمال والفرادة وبناء البشرية. عبر كوميديا رفيعة المستوى، تُجبرك على الضحك المُتسرّب من العقل إلى القلب، ينادى المايسترو بإعمال العقل لأنه طوق النجاة. فالأوطان تسقط لحظة سقوط العقل. كلّ عمل من أعمال صبحى يُمثّل منظومة أخلاقية وفكرية ومجتمعية، مشبّعةً بالضحك والبهجة. هموم المجتمع المصرى، والعربى، تتجلّى فى مسرحية «خيبتنا» التى تُعالجُ أزمة العقل العربى المشغول بالدعاء بالويل على العدو لكى ينهار، فنعلو على «مُنهار»، بدلا من اعتماد العلم والعمل فنعلو على «قويّ»؛ فننتصرُ على خصمنا بالعمل وليس بالدعاء الذليل. يضفِّرُ صبحى فى «خيبتنا» أدبياتِ العلم والتكنولوجيا ليقدّم فانتازيا واقعية رمزية تنطلق من قانون الجينوم البشرى ليستخلص الرمز من تيمة «الاستنساخ البيولوجى» فينتقد مبدأ الاستنساخ المتّبع فى ثقافتنا العربية الذى يهدم الفرادة ويحارب التميّز. المدهشُ، وربما المحزنُ أيضًا، أن صبحى كتب «خيبتنا» عام ٢٠٠٤، إثر سقوط العراق، وتأخر عرضها لأسباب كثيرة، بينما الأزمات التى يناقشها العمل قبل عقد ونصف، حالّة وقائمة ومطروحة اليوم على مائدة الساحة المجتمعية والسياسية الراهنة. وكأن كان يستشرفُ المستقبلَ بكامل أزماته الراهنة. ولا عجب فى ذلك، فالفنان العضوى المثقف، هو الأقدر دائمًا على استشراف أخطار المستقبل، مثلما هو الأقدر على كتابة التاريخ الحقيقى للمجتمع، بعيدًا عن تزييف المؤرخين والساسة. وربما لهذا السبب رفض صبحى منصب الوزير، مرةً تلو مرّاتٍ، لأنه يدرك أن الكرسى مهما اتسع يظل ضيّقًا على الفنان الذى يقبض بأصابعه على خيوط العالم.
حضرتُ المسرحية أكثر من مرة، وكعادة مسرح صبحى، فى كل مرة تكتشف زوايا جديدة ونقاط ضوء لم تنتبه إليها فى المرة السابقة. وهذا شأن الأعمال «المُشعّة» بالتعبير النقدى. مثل حجر كريم اسمه «أليكسندريت» Alexandrite يتغيّر بريقُ إشعاعاته وفق كمية الضوء وزوايا سقوطه على مدار اليوم. تلك سمة الأعمال الخالدة التى لا تموت بل تعبر الأزمان والأمكنة.
ولماذا أُطلق عليه لقب «المايسترو»؟ لأنه يقود فريقَه بدقّة لا تسمحُ بالخطأ أو النشاز؛ ليقدّموا معًا معزوفةً مسرحية فائقة الجمال بالغة الإتقان. لكنه لا يكتفى بدور المايسترو/ المخرج، إنما يعزف مع الأوركسترا لحنه الخاص، ثم يجعلنا نحن المشاهدين، متورطين معه فى العمل، بعدما تشتبك أفكارُه مع أفكارنا؛ فنخرج من المسرح، ليس كما دخلناه ننشد البهجة والضحك، بل مشغولين بكيف سنغيّر من أنفسنا ونعلو حتى ننجو بسفينة الوطن من السقوط. نخرج نردّدُ شعار الختام مع أوركسترا المسرحية: «إحنا نجاتنا فى الوطن… والوطن لينا نجاة» فلا نجاة لنا إلا بقوة أوطاننا وتماسكها.
تحية لأعضاء الأوركسترا: العظيمة «سميرة عبدالعزيز»، والصوت الساحر «ندى ماهر» والكوميديانة الرائعة «ميرنا»، والفنانة «سماح السعيد» والطفل «عبدالرحمن»، وعبقرى السينوغرافيا محمود العقبى، والشاعر «عبدالله حسن»، ومصمم الديكور والأزياء والإضاءة، وجميع صُنّاع العرض المدهش الذى يرفع فى وجوهنا «مرآة ميدوزا» لنرى عيوبَنا ونعالج قبحَ ملامحنا. وتحية احترام للمايسترو العظيم محمد صبحى.

خالد منتصر - احذروا الكارثة.. مطلوب رقابة على صالات الجيم - جريدة الوطن - 27/10/2018

لا يكاد يمر أسبوع إلا وأشاهد فى المستشفى والعيادة أو أسمع من زميل متخصّص فى أمراض العقم، وأحياناً فى أمراض الكبد عن ضحية من ضحايا صالات الجيم، تحليل سائله المنوى صفر، أو يعانى من خلل شديد فى وظائف الكبد، والمتهم الحقيقى بعض مدربى الجيم، الذين ينصحونهم بالمنشطات والهرمونات والمكملات والأمينو مجهولة المصدر، خلطات قاتلة من تستوستيرون وهرمون نمو على بروتينات وكورتيزونات.. إلخ، كله بلا رقابة ودون ضوابط وبالفتاوى، وفى هذه المساحة الضيّقة سأحاول كتابة بعض المعلومات كمفتاح لمناقشة الموضوع بشكل أوسع مجتمعياً وإعلامياً وعلى مستوى المسئولين فى وزارة الصحة، فالمنشطات الهرمونية التى قد تكون مماثلة لهرمون الذكورة (التستوستيرون) أو من مشتقاته تؤدى إلى العقم فى كثير من الحالات، وكذلك ضعف القدرة الجنسية، وضمور الخصيتين، فعند زيادة هرمون الذكورة عن المعدل الطبيعى يقل إفراز الهرمونات المحفزة FSH وهرمون LH، وهناك الكرياتين Creatine وهو مكمل غذائى من السهل شراؤه من الصيدليات دون الحاجة إلى وصفة طبية، وهو أحد أشهر المكملات التى يقبل الرياضيون أو من يمارسون رياضة بناء العضلات على أخذها. وهو مادة طبيعية يفرزها الجسم تعمل على مساعدة العضلات على إطلاق أو تحرير الطاقة، حيث يحفّز العضلة على إنتاج المزيد من جزيئات الطاقة (ATP)، لذا يستخدمه العديد ممن يمارسون رياضة حمل الأثقال ليعطيهم دفعة سريعة من الطاقة، والإفراط فى تناوله قد يسبّب أعراضاً سلبية، ففى حال تناول جرعات زائدة قد يتسبّب فى تلف أو ضرر فى الكلى، كما قد يتسبّب فى احتباس السوائل فى الجسم، وهناك الإيرثروبويتين Erythropoietin، وهو علاج هرمونى يُستخدم فى علاج حالات الأنيميا التى تصيب مرضى الفشل الكلوى، حيث يحفّز إنتاج خلايا الدم الحمراء، الأمر الذى يزيد كمية الأكسجين التى تصل إلى العضلات، لذا يستخدم كمنشط لزيادة القدرة على التحمّل، ومن أضراره حسب موقع «مايوكلينيك»، تسبب الإيرثروبويتين بما لا يقل عن 18 حالة وفاة بين متسابقى الدراجات الهوائية الذين شاع استخدامه بينهم خلال فترة التسعينات من القرن الماضى. يزيد العلاج من خطر الإصابة بالتجلطات (الجلطات القلبية، السكتات الدماغية والجلطات الرئوية)، وهناك هرمون النمو الذى يفرزه الجسم بشكل طبيعى ليحفّز العضلات والجسم بشكل عام على النمو أثناء فترة الطفولة وحتى البلوغ. ويقوم بعض الرياضيين بشكل غير قانونى بأخذه، لتحسين كتلتهم العضلية وتقويتها، رغم أن نتائجه غير مثبتة، ومن أضراره آلام المفاصل، ووهن وضعف فى العضلات، واختلال فى تنظيم مستوى الجلوكوز فى الدم، واضطرابات فى عضلة القلب، وارتفاع مستوى الكوليسترول فى الدم.
مطلوب تحرك سريع ورقابة شديدة وضوابط مكتوبة وقانونية وتوعية إعلامية، الرياضة مطلوبة والأجسام القوية من دواعى الفخر، لكنها لا بد أن تكون جوهراً لا شكلاً فقط، فى صحة جيدة، وليست على شفا الهلاك.

Friday, October 26, 2018

خالد منتصر - هل الدين خُلق لخدمة الإنسان أم أن الإنسان خُلق لخدمة الدين؟ - جريدة الوطن - 26/10/2018

السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت، لكن الإنسان نفسه الذى تم منحه تلك الهبة رفض الهدية، وكان له رأى آخر، وصار جندياً فى كتيبة الطقوس، وخادماً للسبت والجمعة والأحد، قضية نتعمق بها إلى جذور المشكلة، إلى مستواها الفلسفى لا السياسى، العميق لا السطحى. هذا السؤال الفلسفى مطروح منذ بداية الأديان جميعاً، هل الدين خُلق لسعادتى، أم أنا الذى خُلقت لإسعاد الدين؟! رغم أن الدين كيان معنوى لا مادى، إلا أن هذا المفهوم الإذعانى الانسحاقى المازوخى هو الذى سكن جماجم البشر منذ فجر التاريخ. نحن، كما قال عبدالرازق الجبران: «كسبنا المصلين وخسرنا الصلاة، ارتفعت المعابد وهبط الإنسان»، وكما شخّص المرض بأن المشكلة ليست فى أن الإنسان خرج على الدين، بل المشكلة أن الدين خرج على الإنسان، وبدلاً من أن يرفع الدين عبء الحياة، أصبح هو بذاته -بنسخة الكهنة- عبئاً على الإنسان. باختصار صار الإنسان كما وصفه الجبران قربان الدين، وصارت الورود التى فى سلال الأنبياء قيوداً فى سلاسل الكهنة! صار النص المتناهى يحكم اللامتناهى، على عكس ما قال الشهرستانى عن وجوب العكس، وصرنا كسكان الصين القدامى، نظن أن كل الرعية خُلقت من أجل جرّ عربة الإمبراطور. نحن بهذا المفهوم صرنا أدوات لا ذوات! ماتت الذات وفجّرت نفسها، متخيلة أنها تعالج جرحها النازف بحزام الانسحاق الناسف.
الدين دائماً يبدأ بسيطاً بريئاً سهلاً، يُفهم دون تعقيدات، وينتقل دون وسائط، تتنفس معانيه مع نسائم الفجر، يسبح معك فى النهر، تشمه مع نزول قطرات الندى وهى توقظ الزهر، لكن سرعان ما يتحول إلى شفرة ولغز وغموض وفواتير طقوس عليك أن تسددها، وإلا تم حرقك وسحلك وشويك وسلخك، تصبح كالغارمات مع فرق جوهرى، وهو أن الغارمات يصدر لهن عفو، ولكنك إن لم تسدد الفاتورة للوسطاء من السماسرة الذين حوّلوا الدين من فكرة نبيلة إلى مؤسسة ربح وبورصة مضاربة، مصيرك أسود وطريقك مسدود، يصير سدنة المعبد وحراس الهيكل مدافعين شرسين عن البيزنس والثروة والسلطة، يصبحون فى منتهى العنف والشراسة ضد من يخلخل تلك المنظومة ولو برفق، ويصعد الراسبوتينيون، ويختفى الحواريون، لكن هل تحويل الدين إلى مؤسسة فقط هو الذى ضمن السيطرة على الأدمغة لهؤلاء الراسبوتينيين؟ المؤسسة والسلطة والهيمنة هم الغاية، لكن هناك ما هو أهم كوسيلة للسيطرة، إنه الخوف، ازرع خوفاً تحصد سُلطة، وهذا من الممكن أن يفسر لنا سلوك من يدّعى التدين ويطلق على نفسه المجاهد المؤمن وهو يذبح قائلاً الله أكبر. رغم أن أقرانه يصفونه بالشجاعة، إلا أننى أصف ما يفعله بأنه قمة الخوف، وهو ما عبّر عنه الفيلسوف برتراند راسل حين ربط بين هذا المتدين وبين خوفه فى محاضرته الشهيرة 1927، عندما قال إنه «يستند بالدرجة الأولى، وبشكل أساسى، إلى الخوف، إنه جزئياً رعب غير معروف وجزئياً الرغبة فى الشعور بأن لديك أخاً كبيراً سيقف بجانبك فى كل مشاكلك ونزاعاتك. الخوف هو أساس كل شىء؛ الخوف من الغموض، الخوف من الهزيمة، الخوف من الموت. هو والد الوحشية». وبالتالى لا يتعجب إذا كانت الوحشية قد تملكت ممن يسمى نفسه بالمتدين، لأن الخوف -كما يقول- هو أساس هذين الأمرين.
والخوف من الناحية البيولوجية بتبسيط، أرجو ألا يكون مخلاً، لأن مسألة التعامل مع الخوف أكثر تعقيداً، يشل ما يسمى بالـcerebral cortex القشرة الدماغية التى أثناء رحلة التطور صارت المميزة للإنسان العاقل، وهى المهيمنة على التفكير والتحليل والذكاء والإبداع، ودورها بسيط أو منحسر فى حالة الخوف والرعب الشديد، وتترك الحرية والسيطرة للدماغين البدائيين أو الأوليين اللذين كان أحدهما، هو الـbrain stem، وهو المميز للزواحف والمسئول عن الأشياء البدائية الأوتوماتيكية، مثل تنظيم درجة الحرارة وضربات القلب والنوم واليقظة... إلخ، والدماغ الثانى، وهو الدماغ المتوسط، الـmidbrain الذى ارتقت به الثدييات درجة أعلى، وهو المسئول عن مواجهة الخطر بتدفق الدم للعضلات وزيادة ضربات القلب والتعرق والتنفس.. إلى آخره من الأشياء التى تعينك على الهرب أو المواجهة. ولكن تظل الأسئلة تتوالد وتتناسل من علامات الاستفهام الأولية التى نطرحها فى طريق فهم سيكولوجية المتدين. لن نقف عند الجدل العقائدى بأن هذا الشخص ليس متديناً حقيقياً، وبأنه لا يمثل الدين الحقيقى... إلخ. الذى يتحول لوحش كاسر فجأة، هو من وجهة نظرنا حدث فجأة، ولكنه تم بالتدريج عبر البرمجة الدينية. وقد قربت د. وفاء سلطان تلك البرمجة التى تؤدى لهلاك المبرمَج بتشبيه من مملكة الحشرات، فقد احتار العلماء فى تفسير سلوك النملة التى تصعد على ساق العشب وتكرر صعودها دوناً عن بقية زملائها، رغم أن تجربتها تؤكد أنه لا غذاء على هذا العشب، ولا رفيق جنسياً، ومن المؤكد أنها لا تصعد للتنزه أو السياحة، ماذا اكتشف العلماء، وكيف فسروا هذا السلوك؟ تقول د. وفاء: «إصرار علماء السلوك على فهم تلك الظاهرة قادهم إلى اكتشاف طفيلى صغير، دودة Dicrocelium dendriticum يقوم باختراق دماغ النملة ويعشش هناك. هذا الطفيلى، ولكى يكمل دورة حياته، يجب أن يمر بطور يعيش خلاله فى أمعاء البقر، ونظراً لأهمية ذلك الطور، ولكى يحافظ على بقائه، يقوم الطفيلى ببرمجة دماغ النملة برمجة تقودها إلى تكرار ذلك السلوك، على أمل أن تنتهى العشبة والنملة، ومعهما الطفيلى، فى معدة البقر التى تشكل بيئة مناسبة لذلك الطفيلى كى يكمل دورة حياته ويحافظ على بقائه. إن النملة المبرمجَة هى مثل أبطال الإغريق الذين يصعدون إلى حتفهم القدرى مساقين إلى الموت الذى لا فكاك منه، فالطفيلى يغسل الدماغ ويزيف الوعى ويجعل موت هذه الحشرة هو الجسر الذى يصل به، والسلم الذى يصعد إليه لاستكمال دورة حياته، يقتلها. والعجيب والغريب والمدهش أنها تكرر محاولة الانتحار وهى مغيَّبة مبرمَجة لتقدم نفسها قرباناً لهذا المتطفل الذى اخترق واحتل دماغها! مثل الفيروس الذى يبرمج نواة الخلية على خدمته هو، تدمر نفسها من أجل هيمنته.
أسئلة العلمانية وتجديد الخطاب الدينى والتفرقة ما بين الثابت والمتغير فى التراث...إلخ، بالطبع أسئلة مهمة، ويحتاجها مجتمعنا الكسول فكرياً، لكنها تظل أسئلة الممارسة اليومية التى تهم الشارع ويقتات عليها، ليست أسئلة وجودية تأسيسية فارقة، لا تتجاسر بروح الفيلسوف على أن تطرح علامة استفهام عن معنى الوجود وجوهره أصلاً، فتظل فى شرنقة برامج التوك شو التيك أواى، بعيدة عن مناقشات سقراط المزعجة شهيد السؤال والبحث عن الحقيقة، وإذا لم نمتلك حرية التنقيب عن الجذور سنجوع ونموت ونحن نبحث عن الثمار التى انقطع عنها رحيق الحياة بسبب تعفن وموت ما هو فى عمق الأرض بسبب خشيتنا وفزعنا ورعبنا من التنقيب والبحث والسؤال وتحريك التربة، إلى أن نموت ونسكن التربة!

Thursday, October 25, 2018

خالد منتصر - جريدة قومية تدعو ولى الأمر إلى قتال من لا يختن بناته! - جريدة الوطن - 25/10/2018

من الممكن أن أتفهم نشر جريدة إخوانية فتوى تؤيد ختان البنات، ومن الطبيعى أن أقرأ فى نشرة حزب النور أو الجماعة السلفية دعوة إلى نشر العفة عبر تلك الجريمة البربرية التى يطلقون عليها صفة الطهارة، وهى فى الأصل جزارة!، لكن أن تنشر جريدة قومية متخصّصة فى الشأن الدينى وتخضع للدولة ولقوانين الدولة، التى تجرم ختان البنات، وتسهم الضرائب التى ندفعها نحن المواطنين الخاضعين لتلك القوانين، فى الصرف عليها، تنشر كلاماً عكس تلك القوانين يدعو ويحرض وبقوة على تلك العادة القبيحة المهينة المخجلة، بل فى نهايته دعوة صريحة لولى الأمر بقتال من يقاوم الختان ويرفضه!، نشرت جريدة «اللواء الإسلامى» التى تخصّصها الدولة كخط دفاع ضد الإرهاب والتطرف، والمفروض أنها نموذج لتجديد الخطاب الدينى، فى عددها الأخير، مقالاً للشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، المقال قديم بالطبع، وقد تم بذل جهد كبير للنبش عنه وإخراجه إلى الوجود، وتقديمه إلى القراء كهدية وكنز ومفاجأة عظيمة ينتظرها القاصى والدانى، لماذا فى هذا التوقيت يتم نشر مثل هذا المقال وموقف الشيخ جاد الحق بالذات معروف من تلك القضية؟، ما الغرض بالضبط؟، هل لم يجد رئيس التحرير مقالاً للشيخ إلا هذا المقال التاريخى المعجزة؟!، ماذا يقول شيخ الأزهر الأسبق فى مقاله الذى أتحفتنا به الجريدة الموقرة؟، يقول مدافعاً عن حديث أم عطية «أشمى ولا تنهكى»، وهو حديث من ضمن عدة أحاديث، وصفها شيخ الأزهر الذى تولى بعد الشيخ جاد الحق، وهو د. محمد سيد طنطاوى بالضعف، وبأنه لا يوجد ما يُعتد به فيها، يقول الشيخ جاد: «هذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى ختان النساء، ونهيه عن الاستئصال، وقد علل هذا فى إيجاز وإعجاز، حيث أوتى جوامع الكلم، فقال إنه أشرق للوجه، أحظى للزوج، وهذا التوجيه النبوى إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسى عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذى يعلو البول، لضبط الاشتهاء، مع الإبقاء على لذات النساء». ويبشرنا الشيخ جاد الحق بأنه «لم يعدم مصدر الاستمتاع، وفى نفس الوقت لم يبقها دون خفض، فيدفعها إلى الاستهتار، وعدم القدرة على التحكم فى نفسها عند الإثارة»!!، وليعذرنى وليسامحنى الشيخ جاد الحق، رحمه الله، فى وصف كل استنتاجاته بأنها استنتاجات لا تمت إلى علوم الطب بصلة من قريب أو من بعيد، فمسألة ضبط ميزان الحس الجنسى التى تشغل بال رجال الدين بشكل هستيرى ليس الثرموستات الذى يضبطها هو البظر، لكنه المخ للأسف، وهو عضو لا يمكن بتره أو استئصاله!، والمرأة التى تملك هذا العضو الذى تعتبرونه جسم الجريمة، ليست مريضة مجنونة مستهترة لا تتحكم فى نفسها، كما تصفها فضيلتك، ليست الغانية «إيرما لادوس»، التى تتصيد الرجال، وهى تقف أسفل عمود النور!، ثم يواصل الشيخ، قائلاً بأنه «لا يوجد قول بمنع الختان للرجال أو النساء، أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى»، ووصفه بأنه «أمر محمود»، ولا أعرف حتى هذه اللحظة من هو هذا المحمود؟، وكله كوم ونهاية المقال كوم آخر، فهو بمثابة اللغم الذرى والحزام الناسف لأى مجهود مجتمعى تمارسه وتؤيده الدولة منذ أكثر من ربع القرن دعماً لمحاربة الختان، يقول شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله، خاتماً مقاله البديع «أنه لو اجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام (ولى الأمر)، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه»!.

Wednesday, October 24, 2018

خالد منتصر - النقاب والأمان والبرلمان - جريدة الوطن - 24/10/2018

قدَّم النائب محمد أبوحامد اقتراحاً بمنع النقاب فى المؤسسات وأماكن العمل ودور التعليم. بعدها خرج شيخ مقرب جداً لفضيلة الإمام الأكبر ليرد ويعلن أن النقاب نعمة وفضل. ما بين منع النقمة وفضل النعمة تتصاعد حدة الجدل، ومن المؤكد أن اللجنة الدينية فى البرلمان ستجهض المشروع، وستعتبر اقتراح النائب كأن لم يكن، والتعليل الجاهز هو الحرية الشخصية. ولا أعرف كيف يكون إخفاء الهوية فى الشارع ومكان العمل حرية شخصية، فما دمنا قد ارتضينا أن نوجد فى مجتمع متفاعل فكشف الهوية عنصر أساسى فى هذا التفاعل والاندماج وإحساس الأمان والرقابة الاجتماعية، والتعلل بالفتنة والدخول فى جدل حول نصوص وتفسيرات كانت بنت بيئتها البدوية المحقرة للمرأة، هو تعلل عليل وتبرير خادع، اكتسح للأسف الملايين من العقول الكسولة مشلولة التفكير. هناك نقطة أهم من تلك القماشة التى تخفى الوجه، إنها «باكيدج» الأفكار التى خلف تلك القماشة، إنها حزمة المعتقدات التى ترسخ من دونية المرأة واستعذاب قهرها وتخيُّل أن قيودها الحديدية الصدئة أساور ذهبية. من ترتدى النقاب تؤمن إيماناً عميقاً بتلك النصوص التى ترسخ حزمة الأفكار المكبلة لها والتى صارت ثقافة سائدة، وهذا هو المهم. سيخرج الكثيرون ويقولون: هذا صحيح وهذا ضعيف... إلخ، لكن المشكلة ليست مشكلة فى علم الحديث والعنعنات، ولكنها صارت مشكلة فى عقل المرأة وقبولها لدونيتها وانتقاص إنسانيتها. المشكلة هى أنها قد تسللت إلى نخاع وعقل المجتمع، وصارت بديهية واعتقاداً وسلوكاً عاماً تقبله المرأة قبل الرجل! إليكم بعضاً من تلك النصوص:
«المرأة تأتى على صورة شيطان.. فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأتِ أهله، فإن معها مثل الذى معها».
«للمرأة عشر عورات، فإذا تزوَّجت ستر الزواج عورة، وإذا ماتت ستر القبر التسع الباقيات».
«المرأة عورة، فإن خرجت استشرفها الشيطان».. الترمذى.
«إن أقل ساكنى الجنة النساء».. البخارى ومسلم.
«النساء سفهاء إلا التى أطاعت زوجها».
«لا يُسأل الرجل فيما ضرب أهله»!. أبوداود والنسائى وابن ماجة.
«علِّقوا السوط حتى يراه أهل البيت فإنه أدب لهم».
«لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم لعلّه يعانقها ويجامعها فى آخر اليوم».. البخارى.
«ثلاثة لا تتجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط،... ».. ابن ماجة.
«لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذى نفس محمد بيده لا تؤدى المرأة حق ربها حتى تؤدى حق زوجها، ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه»!.. ابن ماجة والترمذى.
«والذى نفسى بيده: لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه».. أحمد.
«أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً فى غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة»! أبوداود.
«إذا دعا الرجل امرأته لفراشه فأبت أن تجىء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح».. البخارى.
«أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة»! الترمذى.
«مثل المرأة الصالحة بين النساء مثل الغراب الأعصم بين مائة غراب».. الطبرانى.
«يا معشر النساء، تصدَّقن فإنى رأيتكن أكثر أهل النار».. البخارى ومسلم.
«النساء ناقصات عقل ودين».
«ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء».. البخارى ومسلم.
«إذا كان الشؤم فى شىء ففى الفرس والمرأة والمسكن».. البخارى ومسلم.
«يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب».. مسلم.
«إنما النكاح رق فلينظر أحدكم أين يُرق عتيقته».. البيهقى فى السنن الكبرى.
«استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق».. أبوداود.
«لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة».. البخارى.
«خير نسائكم الولود الودود».. أبوداود فى النكاح.
«المرأة خُلقت من ضلع أعوج، فإن أقمتها كسرتها، فدارها تعش بها».. مسلم.
«أيما امرأة نُكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل! فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجرا فالسلطان ولىُّ مَن لا ولىَّ له».. أبوداود.
«لا يجوز عطية امرأة فى مالها إلا بإذن زوجها».. النسائى.
«أكثر أهل النار النساء: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان».. البخارى.
والسؤال: هل ما زلتم تؤمنون بأن النقاب هو مجرد زى؟.

التناقض المذهل للإعلام فى حادثة «خاشقجى» بقلم محمد أبوالغار ٢٣/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

تصادف وجودى فى الولايات المتحدة لحضور مؤتمر طبى فى وقت حادثة خاشقجى فى تركيا، ولن أتكلم عن الحادث نفسه وإنما أود أن أشرح قوة الإعلام وتأثيره وتناقضه حول العالم.
فى وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية مازالت الصحف والتليفزيون يلعبان الدور الأكبر والأقوى. وسائل التواصل الاجتماعى ليس لها نفس القوة والتأثير لأنها تعتمد أساساً على المعلومات التى تنشرها الصحف ويذيعها التليفزيون وكلاهما حر تماماً وعنده الوسائل والعلاقات مع المسؤولين على مختلف المستويات فتستطيع الحصول على معلومات سرية تنشرها بدون حذر، والقانون صارم فى حماية مصادر الصحف وعدم الإفصاح عنها. الموضوع كان شهياً ومثيراً للأمريكيين ولا يزال التليفزيون والصحف يواصلان النشر بكثافة شديدة. وساعد على ذلك بخلاف بشاعة الحادث وكونه وقع فى مقر بعثة دبلوماسية أن الصحافة والتليفزيون الأمريكى المعادى فى أغلبه للرئيس ترامب وجد موقف الرئيس الأمريكى لا يتماشى مع موقف رجل الشارع ولا حتى الكونجرس بمن فى ذلك أعضاؤه الجمهوريون.
وضع الرئيس الأمريكى المكاسب الاقتصادية الكبيرة لأمريكا فى المقدمة، وحاول التقليل قدر الإمكان من أهمية الحادث، وقد وجد الإعلام الأمريكى فى ذلك فرصة ذهبية لمتابعة الحادث بقوة لأنه أيضاً فرصة للهجوم على ترامب. وقد خرج زعماء الحزب الجمهورى فى الكونجرس عن تأييد ترامب وأخذوا موقفاً شديد العنف، وطالبوا بمعرفة الحقيقة.
بعد ثلاثة أسابيع من الحادث مازال الإعلام الأمريكى مشتعلاً بتفاصيل الحادث، ويبدو أن أجهزة المخابرات الأمريكية القوية عندها معلومات ضخمة لم تفصح، ولذا يبدو ترامب متخبطاً فى تصريحاته، ولكنه فى النهاية سوف يرضخ لضغط الحقائق.
الإعلام التركى بالتأكيد لم يصبح حراً وإنما هو تابع للنظام بدرجات مختلفة وبالتالى فإن تسريبات الإعلام فى حقيقة الأمر ليست بسبب المهارة الصحفية وإنما هى فى معظمها تسريبات من النظام الحاكم ترتفع وتنخفض حسب رغبة الدولة وهى تعكس أساساً مصلحة تركيا فى ظروفها الاقتصادية الصعبة وذلك بإصلاح علاقتها مع أمريكا وربما وضع حد للعلاقات التى يشوبها التوتر والتنافس مع السعودية، وحيث إن الصحافة ليست حرة هناك، فوسائل التواصل الاجتماعى تأخذ حيزاً من الأهمية وفى حالة تركيا ليس كل ما يكتب على وسائل الاتصال يمثل الحقيقة، وهناك غموض وربما عدم دقة فى ما ينشر فى تركيا.
أوروبا كلها اهتمت بالموضوع وأعطته حجمه الطبيعى من وجهة نظر حقوق الإنسان وهو أمر يهم المواطن الأوروبى بعكس عالمنا العربى الذى مازال فيه موضوع حقوق الإنسان هامشياً.
الإعلام الخليجى عموماً لم يهتم بالحادث لأنه إعلام موجه بالكامل وفى هذه المواضيع ذات الحساسية لا يستطيع أن يعلق أو حتى يذيع أخبارا مؤكدة، باستثناء إعلام قطر الذى وجد فرصة سانحة للهجوم على السعودية ونقل ما تكتبه الصحافة العالمية وهو ما ينطبق على قنوات الإخوان فى قطر وتركيا. الإعلام السعودى صامت تماماً وكأن الموضوع لا يخصه.
الإعلام المصرى فى التليفزيون والصحف اتخذ موقفاً واضحاً بإهمال الأمر تماماً وكأن شيئاً لم يحدث فى الوقت الذى كانت فيه تليفزيونات وصحف العالم مشتعلة بأخبار الحادث. النتيجة المباشرة هى الثورة الكبرى فى وسائل التواصل الاجتماعى التى يتابعها ما يقدر بأربعين مليون مصرى بينما الصحف والمجلات جميعاً تطبع أقل من نصف مليون نسخة فنشرت هذه الوسائل التفاصيل الدقيقة لما كتب عن الحادث فى صحف العالم وبالتالى أصبح المواطن المصرى من أكثر مواطنى العالم معرفة واهتماماً بالحادث بينما صحفه وتليفزيونه غائبان تماماً. والحقيقة أن المقالات الصحفية وبعض الأخبار يقرؤها أضعاف مضاعفة من الناس على هذه الوسائل وليس فى الصحيفة الورقية ويشاهدها الناس بكثافة على اليوتيوب وليس على التليفزيون.
القضية ما زالت تشغل الرأى العام الأمريكى والعالمى بشدة برغم محاولات ترامب لتقليصها فى أضيق الحدود. واضح أنه لن يستطيع ذلك أمام آراء شديدة اللهجة فى الكونجرس وفى الصحافة وفى الشارع. ويبدو أن تداعيات ما حدث ستكون خطيرة وكبيرة على منطقتنا البائسة.
الخلاصة أن تغطية الحادث اختلفت فى العالم طبقاً لأهمية الإعلام وللحرية فى النشر والإذاعة وأهمية حقوق الإنسان بالنسبة للمواطن ونوعية نظام الحكم، وكان لمصالح الدولة الاقتصادية والسياسية عامل مهم فى توسيع النشر وتحجيمه إذا كان حيز الديمقراطية يسمح بذلك. والنتيجة أن النشر كان على أوسع نطاق فى أمريكا وأوروبا وكان متحيزاً فى قطر ومتذبذباً فى تركيا وتقريباً معدوماً فى المنطقة العربية لأسباب تتعلق بحجم حرية الإعلام المتاحة وبسبب علاقات اقتصادية ومصالح سياسية متشابكة بين الدول.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


Tuesday, October 23, 2018

خالد منتصر - درس لبنانى لـ«مصر للطيران» - جريدة الوطن - 23/10/2018

سافرت مؤخراً على خطوط الشرق الأوسط اللبنانية، وجذبت نظرى إرشادات السلامة التى تذاع قبل انطلاق الطائرة، لأول مرة فى حياتى أنتبه إلى تلك الإرشادات بل وأستمتع بها كأننى أمام برنامج منوعات لطيف وجذاب، قبل أن أشرح لماذا أعجبنى هذا الفيلم القصير سأجعلكم تشاهدونه من هذا اللينك حتى تحكموا عليه:
https://www.youtube.com/watch?v=fPoZwQvFjvs، الفيلم فى منتهى الذكاء وبالفعل خارج الصندوق، تخيل أنك قد طلبت من شركة إنتاج فنى هنا فى مصر إنتاج فيلم قصير عن إرشادات السلامة فى الطائرة ويخرج بدون أى لقطة من داخل الطائرة!!، بالطبع سيرفضه الموظف عبدالمتجلى اللى فى الدور الأول ومعه الموظفة عطيات اللى فى الدور التاسع، بحجة إن ده كلام فارغ وإهدار أموال، لكنه حدث فى لبنان، فيلم كامل عن إرشادات السلامة وبكل تفاصيلها لكنه يدور أمام البحر المتسع وفى مغارات لبنان الجميلة وجبالها الساحرة، لماذا؟، لأنهم ضربوا بالفيلم عدة عصافير فى الوقت نفسه، لم يكتفوا مثلنا بدعاء الركوب ثم بترديد إرشادات السلامة الرتيبة المختلطة بتثاؤب الركاب، بل صنعوا فيلماً ممتعاً يستعرضون فيه أهم المناطق السياحية اللبنانية، مع خلفية موسيقية من التراث اللبنانى ورقصات خفيفة وحركات جذابة غير تقليدية من ممثلى الفيلم، حركات مدهشة مختلطة بابتسامة، هذه عقلية ناس تفكر فى ترويج السياحة ونمو البزنس فيه، يرتبط المسافر منذ أول لحظة فى الطائرة وأثناء دوران المحركات بلبنان كبلد سياحى وبمناظره الطبيعية، ويبدأ فى وضع خطة لزيارة تلك الأماكن التى شاهدها فى الفيلم، هذا هو الفكر الإبداعى، وعدم الركون إلى الجمل المقدسة التى نرددها بآلية، مثل «وإيه يعنى اللى حيحصل ما احنا بنطير بقالنا خمسين سنة بالفيلم بتاعنا ده ومافيش حاجة حصلت»، أو «إحنا مش ناقصين دلع ومياصة، إحنا مانعين الخمور عن السياح مش عايزين كمان رقص ومسخرة!!»، وكأن مهمة مصر للطيران هى التبشير الدينى وإدخال السياح إلى الجنة، ولا أستبعد تنفيذ الحدود فى الخطة المقبلة!، عندما تحجز لى شركة سياحة أقول لها وأرجوهم بشدة أن يكون الحجز على شركة مصر للطيران إلا لو نظام الجهة الداعية يتعارض مع طلبى مثلما حدث مع اللبنانية، ذلك لأننى أحس بالدفء فى شركتى الوطنية، وأحس أن الفلوس المصرية لا بد أن تدفع لشركاتها الوطنية، لكنى فى الوقت نفسه أطالب مصر للطيران بتجديد الأفكار وكسر الملل والإبداع فى كل التفاصيل من المجلة وإرشادات السلامة حتى الضيافة وزيادة الخطوط واقتحام مناطق جديدة، ما شاهدته فى هذا الفيلم هو مجرد فكرة، سمح فيها لفنان بإطلاق فكرته المجنونة وصياغتها، فخرجت لنا فى شكل جذاب، الطائرة ليست مخزن أجساد تطير فى الهواء، ولكنها أيضاً منبع أفكار تحلق فى الخيال.

Monday, October 22, 2018

سانت كاترين… هنا نُصلّى معًا بقلم فاطمة ناعوت ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


لو أمسكتْ مصرُ قلمًا وورقة لتكتب تاريخَها العريق، هل تُراها عسراءُ، تكتب باليسرى؟ هكذا أراها دائمًا. ليس تحيّزًا للعسراوت مثلى، بل لأن يُمناها مشغولةٌ بتشييد الأثر الخالد الذى عَبَرَ الأزمانَ وجابَ مجدُه الأمكنةَ يصنعُ الحضارةَ ويؤرّخ للخُلد والفرادة.
نخلعُ نِعالنا، لنصلّى معًا. فنحن بالوادى المقدّس الذى باركته السماءُ. نخلعُ نِعالَ الطائفية والإقصاء. ونقفُ فى حضرة الله نعتذرُ إليه تعالى عن كلّ نقطة دمٍ أهدرتها الطائفيةُ البغيضةُ على أرضنا الطيبة. نقفُ ها هنا، فى باحة دير سانت كاترين لنُصلّى معًا على اختلاف عقائدنا وأعراقنا. نُرحّب بوفود العالم من سفراء وقناصلة ووزراء، جاءوا ضيوفًا على مصر ليشهدوا أثرًا مصريًّا من أقدم خوالد الدنيا، فى ضيافة اللواء أركان حرب خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، ود. خالد العنانى، أستاذ علم المصريات ووزير الآثار، ود. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المثقف، والأب ديمترى ديميانوس، مطران الدير اليونانى المصرى، على شرف مؤتمر السلام العالمى الذى أشرق من مذبح الدير على وجه الأرض. جئنا لنشهد على فرادة مصر التى خَصَّها اللهُ بما يليقُ بها من خصوصية واستثناء. مصر التى كتبت السَّطرَ الأولَ فى كتاب التاريخ، تحملُ مِسطرةَ مهندس، وإزميلَ نحّاتٍ، وريشةَ رسّامٍ، وقيثارةَ موسيقىٍّ، وقلبَ شاعرٍ لا يعرف إلا الحبَّ والخيرَ والجمال. وعلى ظهرها مِخلاةٌ من الكتّان المصرى داخلها ورقةُ بردى مُدوّنٌ عليها معادلات تركيب إكسير الخلود وحجر الفلاسفة، وفوق رأسها كان كتاب. كتابُ الحياة والخروج إلى النهار. وكان على مصرَ نهارٌ، فكان على الدنيا نهار. ها هى مصرُ تحمل مشعل نور يفيض على الأرض بالسلام والسماحة. أسجِّل على التاريخ اليوم أننى أشهد لحظة إطلاق «ميثاق سانت كاترين للسلام العالمى»، الذى يؤكد على أن «السلام» رسالةُ الأديان كافّة ووصيةُ الله للإنسان. وأن لا أمن ولا استقرار ولا بناء ولا حضارة إلا حيث يعمُّ السلامُ العادل. ننشدُ السلامَ الذى يقضى باحترام آدمية الإنسان كونه إنسانًا، أيًّا كان دينه أو عِرقه.
نباركُ السلامَ الذى يأمر بحق الإنسان الأصيل فى العيش الآمن على أرضه. السلام الذى ينصُّ على احترام مبدأ المواطنة المتكافئة وإعلاء شأن الدولة المدنية التى لا تعرف العصبيات العرقية أو الدينية أو المذهبية، تلك التى تدمّر الشعوب وتطوى الحضارات. السلامُ خصيمُ فيروس الإرهاب الذى يجوب الجغرافيات والحدود يهدد البشرية ويطعن خصر المنجز الحضارى.
وليس من سبيل للتخلص من ذلك الفيروس القاتل إلا باتحاد جميع بنى الإنسان يدًا واحدة قوية تقفُ فى وجه داعميه ومموليه وحاضنيه، خصوم البشرية أرباب الظلام الذين يكونون هم أولى ضحاياه، ولكنهم لا يعقلون.
جاءت وفود العالم لتملأ عيونَها من حُسن مصرَ التى أشرق فى واديها فجرُ الضمير الإنسانى، وغُزلت فى باحتها أولى حضارات الأرض. فالحضاراتُ تنشأ حيث ينشأ الضميرُ. وكان مولدُ الضمير فى بلادنا، وكان أولُ شعاعٍ من صبح الحضارة هنا فى تلك الأرض الشريفة: مصر. لهذا نحن هنا اليومَ فى أحد نهارات شهر أكتوبر الخريفية، نُطلقُ يدًا بيضاءً ناصعةً تلوّح بالسلام لكل الأرض، فكيف لا يكون سلامٌ فى قلبِها وبين قلوب بنيها؟.
نقفُ على الأرض المقدسة التى خلّدها الكتاب بقوله: «اخلع نعليك فإنك بالوادى المقدس طوى». الوادى الشريف الذى وطأه الأنبياءُ والرسلُ ليغدو حاضنةً للعقائد والمذهبيات تضمُّ آثار العقائد السماوية الثلاث. نرفعُ وجوهَنا للسماء نُمجّدُ الَله ونشكر فضله على مصر أمام جبل موسى، الذى من فوقه ناجى النبىُّ ربَّه وتلقّى وصاياه. من ورائنا شجرة «العُلّيقة» التى اشتعلت بالنور والنار لتدلّ موسى إلى حديث الله ولم تحترق. وعلى مرمى حجر يقف أنيقًا وطيبًا دير القديسة كاترين الذى يحجُّ إليه مسيحيو العالم، وترعاه قبائلُ مسلمةٌ من شرفاء المصريين، ويحتضن بين جدرانه الجامعَ الفاطمىّ.
أُشير إلى الدير وأهمس لمن حولى، هذا هرمٌ من أهرامات مصر الاستثنائية بحضارتها، التى لو تعلّمها النشءُ، لعرفوا أىَّ شرفٍ يحملون، ولاجتهدوا أن يكونوا أفضل شباب العالم وأكثرهم علمًا وتحضرًا وتسامحًا. طوبى لصُناع السلام.

Sunday, October 21, 2018

الدين والسياسة بقلم د. عماد جاد ٢١/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

من مكونات المعادلة الذهبية لإرساء أسس النظام الديمقراطى فصل الدين عن السياسة، فالدين مكانه دور العبادة، وهو علاقة فردية خاصة بين الإنسان وربه، وأن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان والعقائد والمعتقدات، الدولة تعمل على تحسين ظروف معيشة المواطن على الأرض، وتحميه وتوفر احتياجات غير القادر، أما مسألة دخوله الجنة من عدمه فهى تخص الفرد وحده ولا دور للدولة الديمقراطية فى علاقة الفرد بخالقه. فى منطقتنا الوضع مغاير تماما، فالخلط بين الدين والسياسة قائم، وتديين المجال العام على أشده، والسباق لإظهار التدين متواصل، والمقاييس كلها شكلية خالصة، ويكفى أن نذكر الواقعة الأخير الخاصة باختبار فى اللغة العربية لأطفال فى الصف الثالث الابتدائى، حيث وضع لهم المدرس سؤالاً يقول: من هو رب السماء؟.. فهل هذا سؤال يوضع لأطفال فى مادة اللغة العربية؟، وماذا يريد المدرس من سؤال كهذا؟.. وقد وجد هذا المدرس ضالته عندما أجابته طفله مسيحية بأن يسوع هو رب السماء، فمنحها صفراً، الطفلة أجابت حسب إيمانها المسيحى، وليس من حق مدرس اللغة العربية ولا أى إنسان على وجه الأرض أن يقيّم مثل هذه الإجابات العقائدية، هكذا نقوم من خلال الخلط بين الدين والسياسة، والدين والتعليم، وعبر تديين المجال العام، بزرع الفتن بين المصريين منذ نعومة أظفارهم. أضف إلى ذلك أن المحصلة النهائية لكل ذلك خَلق حالة من الهوس الدينى، التدين الشكلى، انتشار الفساد والتخلف فى شتى مناحى الحياة وما يترتب على ذلك من انتشار الجرائم بمختلف أنواعها وصولا إلى الجريمة السياسية.
ومن تديين المجال العام داخل الدول إلى تديين علاقات الدول والشعوب بكل ما تتضمنه من تفاعلات تعاونية أو صراعية، نجد أن التديين يربك هذه التفاعلات، ويعقّد الصراعات، ويجعلها تدخل منطقة الصراعات الاجتماعية الممتدة، التى تتسم معادلاتها بكونها صفرية، أى معركة وجود لا حدود، حلُّها يقتضى القضاء على الطرف الآخر.
أتذكر هنا بعد توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية عام ١٩٩٣، ثار التيار اليمينى الإسرائيلى، وهاج التيار الدينى متهما رابين بأنه يتنازل عن «أرض أبناء إسحاق إلى أبناء إسماعيل»، أبناء إسحاق هم اليهود، فهو أبوالأسباط الاثنى عشر، أما أبناء إسماعيل فهم العرب، نسل إسماعيل بن إبراهيم من زوجته المصرية هاجر، ويعتبره اليهود الابن غير الشرعى أو ليس ابن الوعد الإلهى، رد عليهم رئيس الوزراء إسحاق رابين بالقول إن «التوراة ليست سجلا لملكية الأرض»، فخرج من بين طلبة المدارس الدينية (إيجال عامير)، الذى قام باغتيال إسحاق رابين، وعندما سئل قاتل رابين طالب المدرسة الدينية عن سبب قتل رئيس الوزراء، قال لأنه كان ينوى التنازل عن أرض أبناء إسحاق إلى أبناء إسماعيل، وهكذا قتل اليمين الدينى اليهودى رئيس وزراء إسرائيل، وتولى اليمين الدينى الإسلامى ممثلا فى حركتى «حماس» (الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين) و«الجهاد» قتل الاتفاقية على الجانب الفلسطينى من خلال العمليات الانتحارية التى قامت بها عناصر الحركتين، حتى تم وأد الاتفاقية، وعادت إسرائيل إلى احتلال ما سبق أن انسحبت منه بموجب هذه الاتفاقية.
واليوم وبعد ربع قرن على توقيع هذه الاتفاقية، التهمت إسرائيل المزيد من أراضى الشعب الفلسطينى، بحيث لم تعد هناك قطعة أرض متصلة ومتماسكة يمكن إقامة الدولة الفلسطينية عليها ما لم تتم إزالة مجموعات من المستعمرات اليهودية المقامة على أراض محتلة فى عدوان يونيو ١٩٦٧.
المؤكد أن جميع المنظمات والحركات التى تخلط الدين بالسياسة هى منظمات مشوهة، فلا هى منظمات دينية دعوية ورعوية خالصة تدعو إلى مكارم الأخلاق وإتقان العمل وتقديم النماذج الصالحة والقدوة اللازمة، ولا هى حركات سياسية تمارس السياسة بقواعدها المتعارف عليها نظريا وعمليا، والتى صاغها ميكيافيللى فى كتابه الشهير «الأمير» ومبدؤه الأشهر «الغاية تبرر الوسيلة».
خلط الدين بالسياسة ينطوى على ضرر بالغ بالاثنين، يلوث الدين ويقيد السياسة ويكبلها ويمنع إقامة دولة ديمقراطية حقيقية تنهض على قيمة المواطنة والمساواة، ويعطى لرجال الدين دورا متعاظما فى الحياة السياسية، ويتعرضون لسيف المعز وذهبه، والنتيجة ضرر بالغ بالدين والسياسة.
باختصار، لا دولة وطنية حديثة دون فصل الدين عن السياسة، لا مواطنة فى ظل تديين المجال العام، لا عدل فى دولة دينية، وعلينا الاختيار وحسم موقفنا من هذه القضية.


مكونات الشخصية الإنسانية بقلم الأنبا موسى ٢١/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

تتحدد ملامح الشخصية الإنسانية من خلال تفاعل الإنسان (فى مراحل عمره المختلفة) مع البيئة (بكل مكوناتها المحلية والعالمية).. إذن، فهناك عنصران يشاركان فى تكوين وتحديد معالم الشخصية، وهما: الإنسان، والبيئة.
١- الإنســـان
المكونات الأساسية للطبيعة الإنسانية، هى:
١- الروح: العنصر الذى به يتجاوز الإنسان محدوديته، ليدخل إلى اللامحدود. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذى يتجاوز ذاته. وما يراه وما يعرفه، وما يحس به، إلى عالم «الميتافيزيقيا»، أى «الماورئيات».. ماذا وراء المادة؟ والكون؟ والزمن؟ والطبيعة؟ والموت؟ إنه العنصر الذى من خلاله يعرف الإنسان الله، ويكون له اتصال بالحقائق الإيمانية، ويتطلع إلى السماء والخلود.
والإنسان منذ فجر الخليقة كائن متدين.. حتى إذا ما أخطأ فى معرفة من هو الله، فتصوره قوة كالنار، أو مصدر حياة فقط كالشمس، أو غير ذلك من التصورات الوثنية القديمة.. إلا أنه فى النهاية دائمًا يسأل عن غير المحدود، أساس الكون، مصدر الحياة، معنى الوجود، وماذا وراء هذا الوجود؟
٢- العقل: وهو عنصر التفكير والاستيعاب والإدراك والتعبير والتحاور والاكتشاف والاختراع.. إنه ليس كالعقل الغريزى الذى للحيوانات، والذى من خلاله يتعرف أن هذا طعام، أو أن هذا صيد ثمين، وكيف يصل إليه؟
العقل وزنة إلهية، لأنه عطية من الله للإنسان. ومن خلاله يتأمل ويدرس ويستنتج. ومن خلاله يقترب من الألوهة واللامحدودية. وبالقطع العقل الإنسانى محدود، ويستحيل أن يدرك اللامحدود، ولكنه يستطيع أن يستنير بروح الله، ليدرك الكثير من حقائق الإيمان. العقل يبدأ والإيمان يكمل!! دون مصادمة، ودون استغناء الواحد عن الآخر!! ونحن «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عب ٣:١١). إنه كالعين المجردة المحدودة، التى تحتاج إلى التلسكوب، لترى ما هو بعيد، وما هو فوق طاقتها. فلا العين تستغنى عن التلسكوب، ولا التلسكوب يستغنى عن العين.
٣- النفس: وفيها الغرائز (الدوافع النفسية) الأساسية جدًا لاستمرار النوع الإنسانى: كالجنس، والطعام، والخوف، والاستطلاع.. إلخ. وفيها أيضًا الحاجات النفسية المختلفة: كالحاجة إلى الحب، والأمن، والتقدير، والانتماء. وكذلك الأفعال المنعكسة بدءًا من الرضاعة، إلى كل فعل منعكس آخر، أساسى لحفظ الإنسان. وفيها الدوافع العامة: كالاستهواء والتقليد. وفى النفس أيضًا عناصر أخرى مكتسبة (غير تلك الموروثة) مثل: العواطف، والعادات، والاتجاهات.
ولا شك أن للنفس دورا مهما فى تحديد ملامح الشخصية، بما فيها من أمور طبيعية يمكن أن تفيد وأن تضر، وبما لابد منه من تسام بدوافع معينة، وما لابد من ضبطه من عواطف، أو التخلص منه: كالعادات الضارة، أو اكتسابه: كالعادات البناءة، أو فحصه: كالاتجاهات.. بل بما يحدث فى النفس من متاعب بسبب مصادمات الحياة المختلفة، وما يعتريها من قلق واكتئاب وحيرة وخوف وتأزم.. ما هو طبيعى، وما يمكن أن يكون مرضًا يحتاج إلى تدخل من الأطباء.
٤- الجسد: فجسد الإنسان، بصحته أو أمراضه المختلفة، له دخل فى تحديد ملامح الشخصية.. العاهات الجسمية وأثرها.. مراحل العمر.. مستوى الجمال.. نوع التغذية.. طول القامة.. وأمور أخرى كثيرة، يمكن أن يكون لها عائد على الشخصية، وعلى رأى الإنسان فى نفسه، ومدى ارتياحه ورضاه، وتمرده ورفضه، واجتهاده فى تغيير ملامح معينة، وكذلك ما يتعرض له الجسد من حوادث وأمراض مختلفة تؤثر فى قدرة الحركة، والإنتاج، والتأثير.. إلخ. أو ما يؤثر فى الصحة الجسدية كالتدخين والمخدرات والمسكرات والأمراض المنقولة جنسيًا.
٢- البيئة
لاشك أن للبيئة أثرها الخطير فى تحديد ملامح الشخصية، ففرق بين طفل تربى فى بيت متدين ملتزم، وآخر تربى فى بيت غير متدين.. وفرق بين طفل نشأ فى بيئة زراعية، وآخر فى بيئة صناعية، أو ريفية، أو حضرية... فى حىّ شعبى، أو فى حىّ أكثر تحضرًا.. فى أسرة متعلمة أو جاهلة.. فى مدرسة جيدة فى تربيتها، أو أخرى رديئة أو مهملة.. ألعاب الطفولة مختلفة.. وسائل الإعلام مختلفة.. فقر وغنى.. مستوى الألفاظ.. الشجار.. السفر داخل أو خارج القُطر.. أمور كثيرة لها تأثيرها على تكوين الشخصية وملامحها.
إذن، فالتربية المقصودة وغير المقصودة، كلاهما له أثر جبار فى تحديد ملامح الشخصية.
وهذا لا يعنى أن الغنى والتحضر دائمًا أمران جيدان، أو أن الفقر والحىّ الشعبى أمران سلبيان. فهناك معايير وقيم وملامح مختلفة حسنة وسيئة فى كل بيئة.. المهم أن كل هذا يترك بصماته على الشخصية الإنسانية.
البيئة إذن، هى:
١- المنزل، الأسرة، الحىّ.               ٢- وسائل التواصل الاجتماعى: الإنترنت والفيس بوك والتليجرام والإنستجرام والواتس والفايبر وغيره..
٣- الحضانة والمدرسة والجامعة. ٤- دور العبادة، ومدى التواجد فيه والتأثر به.   ٥- المجتمع، والوطن.
٦- العالم على اتساعه من خلال الرحلات ووسائل الاتصال.
إن التفاعل بين مكونات الإنسان نفسه، ومكونات البيئة، هو الذى ينتج لنا نوع الشخصية، ويحدد ملامحها.
ولكن هذه الأنواع يمكن تعديل كل ما هو سلبى فيها، واكتساب ما هو إيجابى، وذلك من خلال التربية الشاملة: المنزل، والمدرسة، ودور العبادة، والمجتمع.. إذا أحسنا قيادتها حتى نصل إلى إنسان سوىّ عمومًا.. وشخصية متكاملة ومثمرة وناجحة.. وهذا ما نسميه بناء الإنسان المصرى، وهذه أهم قضية مثارة على الساحة حاليًا.
لذلك...
فما أحلى أن يغوص الشباب فى داخلهم وخارجهم، ويتعرفوا على مكوناتهم الداخلية ومدى اهتمامهم ببنيانها، مثل: إشباع الروح بالصلاة، والعقل بالقراءة، والنفس بالضبط، والجسد بالطهارة، والعلاقات بالمحبة المقدسة.. كذلك عليهم أن يدرسوا آثار البيئة عليهم: الأسرة والمدرسة ودور العبادة والأصدقاء، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعى، ووسائل الإعلام... إلخ.
وبعد ذلك يتخذ الشباب القرارات الصائبة البناءة فى التعامل مع كل ذلك، وفى التمسك بما يبنيهم، ورفض ما يهدمهم، حتى يصلوا إلى الشخصية المتكاملة، المتأصلة، والمعاصرة، والقادرة على التفاعل الاجتماعى السليم مع الأسرة والأصدقاء والمجتمع.. فإلى مزيد من التفاصيل!!

■ أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


وحيد حامد يكتب: من أسباب الحزن..!! ٢١/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

الثابت أن الدولة وضعت يدها على كل وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، ومنذ ذلك الحين صار الإعلام المصرى فى موقف لا يُحسد عليه، رغم أنه كان الإعلام الصادق والمؤثر والمستنير، وصاحب الريادة والشعبية، أيضاً كان داعماً لسياسة الدولة بمنطق خافت وقليل من الحكمة، ولم يحدث أن غلبه أى إعلام آخر، مهما كثرت أمواله أو انتشرت خدعه.. وكان هناك الرأى والرأى الآخر، الذى يُثرى الحياة السياسية والاجتماعية ويغذيها بالروح الوطنية، ويحارب ولو كذباً نماذج الفساد والإهمال والنفاق، إذ ربما تحدث نتيجة، وكان يبث من خلال المسلسلات والبرامج القيم الإنسانية والأخلاقية، وكانت برامج السهرة مختارة بعناية بحيث تسعد المشاهد قبل أن يغلق عينيه وينام.. أيضا كانت نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية كافة فى غاية الحياد والمصداقية، بحيث كانت المصدر المعتمد لدى المشاهد.. وكانت كل النوافذ الثقافية والدينية والفنية مفتوحة، وكنا نحقق أعلى نسب النجاح بواسطة إعلاميين وإعلاميات بحق، أعطوا بكل المعرفة والحب والإتقان والوطنية.
أما الآن.. ومن المؤسف حقاً وبعد أن صار الإعلام فى قبضة الدولة من جديد، فقد تخلّى عن القواعد الإعلامية الثابتة والتى لا يجوز تغييرها، وإنما يجوز تطويرها.. فالإعلام لا يدار إلا بواسطة إعلاميين.. وأهل الرأى والحكمة يقولون بكل بساطة (كل واحد يشتغل شغلته)، الطبيب طبيب.. والمدرس مدرس.. والقاضى قاض.. والعسكرى عليه أن يقاتل، والمطرب عليه أن يغنى، ولا يجوز لأى واحد من هؤلاء أن يحل محل الآخر.. لو حدث ذلك تحدث الكوارث.. ولأن الإعلام المصرى الآن فى قبضة غير المتخصصين فى الإعلام، فقد سقط فى حفرة عميقة، الخروج منها ليس بالأمر الهين. أنا شخصياً أحس بالحزن العميق وأنا أشاهد الانتشار غير العادى لثلاثة أو أربعة برامج يتم بثها من قنوات فى تركيا، وللأسف تجد من يشاهدها بكثافة، وسواء صدّق أو لم يصدّق، الثابت أنه انصرف عن قنواته الوطنية، لأنها ابتعدت عنه فابتعد عنها تلقائياً. وإذا كانت وظيفة الإعلام أن يؤثر فى الداخل والخارج، فإعلامنا أيها السادة فقد القدرة تماماً على التأثير.. وإذا كان الإعلام هو سلاح الحرب فى العالم الحديث، فإن قادته ليسوا من العسكريين، وإنما من المثقفين وأساتذة الإعلام.. الإعلام له رجاله ونساؤه فابحثوا عنهم.. لأننا فقدنا التنوع والإبداع والمنافسة، وأصبحت الصحف متشابهة تماماً، وإن تغيرت عناوينها، والقنوات الفضائية صورة طبق الأصل من زميلاتها، ولا جديد هنا أو هناك، لأن الإعلام مسألة وطنية والإعلان مسألة تجارية.. ولا يوجد فى الوقت الحالى من يفرق بين هذا وذاك.

Saturday, October 20, 2018

ماذا لو كنت إماماً لمسجد! بقلم وسيم السيسى ٢٠/ ١٠/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


بنى وطنى الأعزاء، أنتم تعرفون أن الأرقام خير لغة، ونحن الآن مائة مليون نسمة، والمواليد مليونان وثلاثمائة ألف كل عام!.
بالله عليكم أى تنمية تستطيع أن تلاحق هذا الانفجار السكانى الذى يتزايد بمتتالية عددية!، أى أننا سنصبح مائتى مليون بعد بضع عشرات من السنين.
تقولون إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: تناكحوا.. تناسلوا.. إنى مباه بكم الأمم يوم القيامة، أقول لكم: كان الإسلام قليلا أما الآن فالإسلام كثير، وهذه كلمات الخليفة عمر بن الخطاب فى سهم المؤلفة قلوبهم.
كان الرسول الكريم يقول: «اللهم إنى أعوذ بك من جهد البلاء»، فلما سألوه: ما جهد البلاء يا رسول الله؟ قال: قلة المال وكثرة العيال!.
تقولون إن وسائل تنظيم الأسرة حرام!، أقول لكم: كان العزل- أى قذف السائل المنوى خارج الرحم- هو الطريقة الوحيدة عند العرب لتنظيم الأسرة، وفى يوم تناقش الصحافة فى موضوع العزل، قال واحد منهم: أعوذ بالله إنها الموؤودة الصغرى!، رد عليه صحابى آخر: إنها لا تكون موؤودة إلا إذا مرت على التارات السبع:
سلالة من طين ثم نطفة، ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً، ثم كسوة العظام لحماً حتى يصبح خلقاً آخر، علق أحد الصحابة: صدقت.. العزل ليس بمحرم فى الإسلام.
يا أبناء وطنى.. لقد سمح الإسلام بتنظيم الأسرة بواسطة العزل، ولدينا الآن وسائل أسهل، لماذا لا نتبعها.
الرسول الكريم يريد المباهاة بنا كنوعية وليست كمية!، انظروا إلى إسرائيل.. ثمانية ملايين، مدوخين ثلاثمائة مليون عربى!.
كانت مصر والدنمارك سنة ١٩٠٥ أربعة ملايين، الآن الدنمارك ٨ ملايين ومصر ١٠٠ مليون!.
سنغافورة رفعت الدعم عن الطفل الثالث، والصين عن الطفل الثانى، وأنديرا غاندى كانت تعقم الرجال بعد الطفل الثانى، وإنجلترا تعدادها ثابت منذ خمسين عاما، وفرنسا تتناقص!، إذا توالدنا كالأرانب، نموت كالأرانب جهلاً، وفقراً ومرضاً!.
المؤسف أن القادرين على التربية والصرف لا ينجبون أكثر من اثنين أو ثلاثة، بينما الفقراء علماً ومالاً لا رابط لهم، نريد قوانين صارمة لتنظيم الأسرة حتى وإن كانت قاسية، فالقسوة على الأفراد غير المسؤولين، رحمة بالمجموع.

خالد منتصر - هل سيظهر شلل الأطفال مرة أخرى فى العالم؟ - جريدة الوطن - 20/10/2018

تقرير منشور منذ يومين على موقع «Medscape»، أشهر موقع طبى فى العالم، أثار الذعر فى العالم كله، أكثر من مائة طفل تم اكتشاف إصابتهم بمرض شبيه بشلل الأطفال، فهل سيعود شلل الأطفال إلى العالم بعد إعلان نهايته فى معظم بلاد الدنيا، لنقرأ التقرير لنفهم ما سر الانزعاج، يقول التقرير:
هناك قلق متزايد بشأن حدوث ارتفاع حاد فى حالات الأطفال المصابين بالتهاب النخاع الحاد (AFM) لدى الأطفال الأمريكيين، وهى حالة نادرة تسبّب شللاً شبيهاً بشلل الأطفال يتصف بالضعف المفاجئ، أو فقدان العضلات فى الذراعين أو الساقين، واعتباراً من 16 أكتوبر، تلقت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC) تقارير من 127 مريضاً قيد التحقيق من أجل (AFM) فى 22 ولاية، منها 62 حالة تم تأكيدها على أنها (AFM)، يبلغ متوسط عمر الحالات المؤكدة نحو 4 سنوات، وقالت نانسى ميسونييه، مديرة المركز الوطنى للتحصين والأمراض التنفسية خلال تقرير إعلامى: إن «عدد الحالات المبلغ عنه اليوم هو عدد أكبر بكثير من الأشهر السابقة من هذا العام». وأوضحت أنه «مع تعزيز الجهود والعمل مع الإدارات والمستشفيات الصحية المحلية، تمكنا من تأكيد عدد من الحالات الجديدة المشتبه فيها بشكل أسرع».
واعتباراً من 30 سبتمبر، كانت هناك 38 حالة مؤكدة بـ(AFM)، كما ذكرت من قبل (Medscape) الطبية، ومن الآن فصاعداً، أعلنت مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) اليوم أنها ستقوم بإعداد تقرير عن عدد الحالات الجديدة ظهر كل يوم اثنين على موقعها الإلكترونى، كانت مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) تحقق بنشاط فى (AFM)، وتختبر العينات، وتراقب المرض منذ عام 2014، عندما تم اكتشاف زيادة فى الحالات لأول مرة فى عام 2014، كانت هناك 120 حالة مؤكدة فى 34 ولاية، وفى عام 2016، تم تأكيد 149 حالة فى 39 ولاية، وشدّدت ميسونييه على أن (AFM) لا يزال «نادراً للغاية. بشكل عام، فإن المعدل على مدى السنوات التى تم تشخيصها منذ 2014 هو أقل من 1 فى المليون».، وقالت أيضاً إنه لا يزال من غير الواضح ما الذى يُسبّب (AFM). وقالت: «نحن نعلم أن فيروس شلل الأطفال ليس السبب فى هذه الحالات. وقد اختبرت (CDC) كل عينات البراز من مرضى (AFM). ولم تكن أى من العينات إيجابية بالنسبة لفيروس شلل الأطفال». قد يكون سبب (AFM) فيروسات أخرى أو سموماً بيئية أو اضطرابات وراثية.
وقالت ميسونييه: «أنا محبطة، لأنه على الرغم من كل جهودنا، لم نتمكن من تحديد سبب هذا المرض الغامض». «على الرغم من الاختبارات المختبرية المكثفة، لم نقرر ما الذى يسببه العامل الممرض أو الاستجابة المناعية لضعف أو شلل الذراع أو الساق فى معظم هؤلاء المرضى. نحن لا نعرف من قد يكون أكثر عرضة لتطوير (AFM)، أو الأسباب التى قد تكون فى خطر أعلى». وأضافت: «نحن لا نفهم تماماً ما العواقب طويلة المدى لـ(AFM)، أو لماذا تماثل بعض المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بـ(AFM) بسرعة، بينما لا يزال الآخرون يعانون من الشلل ويتطلبون رعاية مستمرة؟».
يُذكر أن شلل الأطفال مرض فيروسى شديد العدوى يغزو الجهاز العصبى، وهو كفيل بإحداث الشلل التام فى غضون ساعات من الزمن. ينتقل الفيروس عن طريق الانتشار من شخص إلى آخر بصورة رئيسية عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام) ويتكاثر فى الأمعاء. وتتمثّل أعراض المرض الأوّلية فى الحمى والتعب والصداع والتقيّؤ وتصلّب الرقبة والشعور بألم فى الأطراف. وتؤدى حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال (يصيب الساقين عادة). ويلاقى ما يتراوح بين 5% و10% من المصابين بالشلل حتفهم بسبب توقّف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها.