Translate

Wednesday, September 30, 2015

نبؤة ابونا مكارى للجميع شاهد ماذا سيحدث فى مصر و العالم كله فيديو

آلو.. حد سامعنى؟

  بقلم   على سالم    ٣٠/ ٩/ ٢٠١٥
الكاتب قليل الخبرة عديم التجارب ضعيف الصلة بالتاريخ يتوهم فى أحيان كثيرة أنه يكتب منبهاً أصحاب المسؤولية من أهل الحل والربط إلى نقاط أو حلول تسهم فى حل مشكلة عامة، كما يتوهم أيضاً أنهم عندما يتجاهلون تماماً ما يقول فإنهم فى تكتم يدرسون ما قال بدقة على ضوء ما لديهم من معطيات، وأن ما اقترحه حتماً سيأخذ طريقه للتنفيذ عندما يحين الأوان، وهو الأوان المعاند الذى لا يحين أبداً لتنفيذ الأفكار الصحيحة.
أما أنا فلست من هؤلاء الكتاب، فليست لدىَّ أى أوهام حول أى استجابة من مسؤول لما أقترحه أو أشير إليه. هكذا تتحول عملية الكتابة وطرح الأفكار إلى شىء زائد فى المجتمع يتسلى به أصحاب الأقلام. لقد تسليت من قبل طويلاً بطرح فكرة ضرورة إشراك المواطن فى الحفاظ على أمنه ولا بأس من أن أعود لتسلية المسؤولين والقراء بها.
لقد استطاع مواطن واحد فى مدينة الأقصر يعمل سائق تاكسى، استطاع أن يمنع كارثة إرهابية فى أحد أشهر الأماكن على وجه الأرض، ضحاياها من السياح الأجانب والمصريين فى معبد الكرنك. لقد شعر الرجل بالشك فى رجلين ركبا معه ومعهما حقيبة ثقيلة الوزن، ولم يحتفظ بشكوكه لنفسه، بل ذهب إلى أقرب نقطة شرطة فى المعبد وأبلغهم، فتم إحباط المحاولة الكارثية.
هذا هو بالضبط ما أريد الوصول إليه، أن يشارك المواطن، أى مواطن، وكل مواطن، أجهزة الدولة مسؤولية الحفاظ على الأمن فى مصر، من أجل ذلك فكرت وطرحت ما فكرت فيه عدة مرات: أن يكون لدينا برنامج يومى فى كل محطة تليفزيونية مدته عشر دقائق فقط، يتكلم فيه مع الناس شاب أو شابة من رجال الأمن، ليس بهدف تحويلهم إلى مصادر بل لتوعيتهم بنوعية الأحداث والقضايا التى تعاملوا معها، أن يعرف الناس أن الأمن المصرى فى حاجة إليهم أمر فى غاية الأهمية. هؤلاء الإرهابيون يوجدون بيننا، ولو لمدة قصيرة، وبعضهم يعيش بيننا، هم يركبون «تاكسى» نحن نقوده. هم لا يهبطون علينا من السماء، بل هم يفخخون سياراتهم فى مكان ما بيننا. إن الحرب التى نعيشها الآن تتطلب التخلى فوراً عن «الأنا مالية».
عشر دقائق فقط يومياً فى حديث أقرب للحكايات، نحدث الناس فيه عن كيفية القبض على الإرهابى فلان الذى أبلغت الناس عنه.. وعن الفيلا الفلانية فى المكان الراقى التى عاش فيها الإرهابى علان.. وعن السلوك المشترك عند الإرهابيين بشكل عام.
برنامج لا يظهر فيه مسؤول، ولا يتولى تلميع أحد، ويتولاه شباب وشابات من الحكائين وهم موجودون فى كل مكان فى مصر. أمر آخر.. تنشر على شاشات التليفزيون أرقام شرطة الأمن الوطنى، ويبدو أنهم اختاروا أرقاماً معقدة لكى يضمنوا ألا يحفظها أحد. ألم تنضج التكنولوجيا فى مصر بعد إلى الدرجة التى تسمح للأمن بأن تكون أرقامه فى سهولة ٩١١ الشهيرة، أليس من حق الشرطة والمواطن أيضاً أن تكون أرقام الأمن فى سهولة أرقام كنتاكى وماكدونالد وأم حسن وخالتك تفيدة..؟
نُشر فى «المصرى اليوم» بتاريخ ٣٠ / ٦ / ٢٠١٥

أطفال الشوارع على الهواء مباشرة بقلم رامى جلال ٣٠/ ٩/ ٢٠١٥

لو تخيلنا معاً وجود مجموعتين من البشر متماثلتين عددياً وعمرياً، الأولى تتكون من أطفال شوارع هائمين طوال اليوم على وجوههم. والمجموعة الثانية تتألف من أطفال بمدرسة أجنبية. لكل مجموعة قدراتها واحتياجاتها وتطلعاتها وأساليبها. واضح أن المجموعة الأولى خطر والثانية فرصة، الأولى عشوائية لكن الثانية ذات تنظيم عالِ (مكان محدد، مناهج معينة، طرق تدريس واضحة، مدرسين معروفين، رجع صدى مُسجل، أرشيف موجود). فمن من المجموعتين يمكن ضبط أدائها بطريقة أسهل، مع ضمان ارتفاع مستواها فى التفاعل المجتمعى؟ الإجابة بسيطة.
الإعلام المصرى متروك الآن لمجموعة من الهواة يعيثون فساداً على الهواء مباشرة، يزيفون وعى الناس وسط عدم اعتراض صانع القرار الذى لا يتفهم أن الممارسات الإعلامية الحادة التى تميل إلى الانحياز الكامل- حتى لو كان انحيازاً للسلطة- هى ممارسات تُقصر عمر أى نظام وليس العكس. لا يجب على الدولة أن تفرح وتشجع هذه الأنماط اللامهنية، لأن ضمانة بقاء أى نظام ليس الصوت الواحد بل التنوع؛ فالاصطفاف الوطنى الإعلامى المزعوم ومبدأ «كلنا إيد واحدة يا بهجت» لا يمكن أن يُسفر عن أى شىء جيد. وعلى الدولة العمل على تنظيم الإعلام بحيث ينحو الصناع والمقدمون إلى إحداث التوازن بين جميع الآراء والكف عن الانحياز الأعمى (بالنسبة للإعلام الخاص يمكنه الانحياز كما يشاء مع الإعلان الكامل والصريح عن التوجه والانتماء، وليس خداع الجمهور). إن لم يُنظم الإعلام نفسه فعلى الدولة تشجيع ظهور أنماط انحيازية أخرى ولو ضدها (عادى جداً) ليتوازن المشهد بشكل عام، هذا صحى وليس مضراً.
من المؤكد أن الدولة عندها رغبة فى تغيير الإعلام، لكن لا أظن أن هناك إرادة لذلك أو رؤية لتحقيقه. المشكلة أن معيار التغيير الإيجابى لدى الدولة هو أن يناصر الإعلام توجهها طوال الوقت- ونحن لا ننكر المنطلقات الوطنية للدولة- ولكن يبدو أن وسائل الدولة لتحقيق هذا المسعى هى السيطرة والتحكم وليس التنظيم والإصلاح، وفكرة السيطرة انتهى زمنها ومنطقها بوجود تطور تكنولوجى لم يعد يسمح لأحد بالسيطرة المُطلقة على الوسائل الإعلامية بأنواعها المختلفة.
المنطق الصحيح يقتدى أن يكون معيار النجاح الإعلامى هو سيره على طريق من معايير ومحددات مهنية ليكون منبراً لكل الآراء، مما يسمح بإعلاء قيم الموضوعية، بما يرفع من وعى الجمهور وذائقته، بعد ذلك ستكون الحقيقة مطلباً واحتياجاً لهذا الجمهور، وقتها لن تعيش الوسائل الإعلامية التى تصنع اللامنطق.

لقاء قداسة البابا تواضروس بالآباء الرهبان في دير وادي النطرون - الجزء ال...

Tuesday, September 29, 2015

شمس الحرية تشرق لشباب مصر بقلم د. محمد أبوالغار ٢٩/ ٩/ ٢٠١٥

بالتأكيد كان هناك شعور غامر بالفرحة عند الملايين من المصريين بعد الإفراج عن الفتيات والفتيان الذين تمت محاكمتهم بقانون ظالم صدر فى عهد الرئيس المؤقت. لماذا شعر الشعب المصرى بتعاطف شديد مع المحبوسين فى قضية مجلس الشورى؟
أولاً: هم من الشابات والشبان الوطنيين المحترمين الذين يريدون رفعة هذا الوطن وحريته.
ثانياً: هم قاموا بوقفة على رصيف مجلس الشورى، وصحيح أن هذا كان مخالفاً للقانون الظالم، إلا أن الشرطة خالفت القانون بدرجة أشد، فبدلاً من النداء عليهم بالميكروفون لتحذيرهم ومطالبتهم بالتفرق، وهو كان أمراً سهلاً أمام عشرات من الشباب المسالم، إلا أن الشرطة بادرت باستخدام العصى للضرب ثم تم القبض عليهم ومحاكمتهم، والحكم بحبسهم مدداً مختلفة.
ثالثاً: فى هذه الوقفة البسيطة السلمية على الرصيف تمت إجراءات شديدة العنف، بينما فى الفترة نفسها قام الإخوان بمئات المظاهرات الكبيرة التى اعتدت على الشرطة وألقت الأحجار على المارة وحدثت معارك بينها وبين الشرطة، وفى معظم الأحوال وبصعوبة تفرق الشرطة المتظاهرين، وقلما يتم القبض على فرد من المتظاهرين.
رابعاً: حدثت مظاهرات ضخمة نظمتها مجموعات عمالية أو موظفون لهم مطالب مادية أو أمناء شرطة اخترقوا كل القواعد وخالفوا القانون وقد كانت الدولة رحيمة معهم ولم يحاكم واحد منهم. السبب واضح هذا الشباب النقى لابد أن يعاقب ويتم حبسهم بكل قسوة، لأن زملاءهم وبعضاً منهم قد أسهموا فى إسقاط نظام مبارك وأن الدولة تعتقد أنهم الخطر الأكبر على النظام، بينما هم شباب وطنى مسالم يقول رأيه بصراحة فى قانون أو مادة من الدستور.
خامساً: الدولة يجب أن تعرف أن أكثر من ٦٠% من الشعب المصرى هم من الشباب، وهذا الشباب يعلم ما يحدث فى مصر الآن بدقة هم على اتصال بكل مصر وبالعالم الخارجى بكل دقة ويشعر معظم الشباب بالظلم الذى حدث لأقاربهم الذين سجنوا شهوراً طويلة.
ليس فى مصلحة الوطن أن ينعزل جزء من الشباب عن الحياة السياسية أو لا يدلون بصوتهم الانتخابى، لأن هذه العزلة قد تؤدى إلى الانحراف إلى أفكار متطرفة تمارس بعيداً عن الأعين. ليس شيئاً رائعاً أن ندفع الشباب دفعاً خارج المنظومة السياسية، لأن فى هذا خطورة شديدة على الوطن.
نحن فى مرحلة بناء توافق وطنى كامل بين جميع القوى المدنية التى اجتاحت الإخوان فى ٣٠ يونيو. هناك شعور عام عند الشباب بأن الدولة تخلت عنه وأصبحت موالية لوجوه قد كرهها الشعب أيام مبارك. نحن على أبواب انتخابات برلمانية ونرجو أن يتوجه الشباب إلى صناديق الانتخاب، وما أخشاه هو العزوف وهو ما يعنى أن مصر ليست فى أمان وأن الشباب ليس فى سلام مع نفسه.
خروج الشباب بعفو رئاسى خطوة جيدة ولكنها متأخرة. سيدى الرئيس مصر تغيرت إلى الأمام ولن تعود للخلف وقد وقف الشباب وراءك حين ساعدت الشعب بشجاعتك على القضاء على فاشية الإخوان. فرجاء دع زهور الشباب تتفتح.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك

Monday, September 28, 2015

مصر «تكذب» على نفسها..! بقلم مصطفى حجازى ٢٨/ ٩/ ٢٠١٥

تقول الرواية إن جماعة من البشر استبد بهم «فراغ العقل» أكثر من «فراغ الوقت».. وتقاطرت عليهم نوائب الدهر حتى لم يعودوا قادرين إلا على الجلوس للسمر.. ولم يعودوا يحسنون إلا الثرثرة..!
طال بهم المقام حتى ظنوا أن القعود والضجيج هما منتهى الفعل فى الحياة.. وحتى أحالوا القعودَ تديناً.. وأحالوا اللغوَ وطنيةً!
طال بهم المقام أكثر.. وبلغ منهم التحلل مبلغه حتى ثقل عليهم أن يُكرروا نِكاتهم أو أن يعيدوا الخوض فى بلاوى حياتهم.. فما كان منهم إلا أن تفتق ذهنُهم البليد عن إبداع أكثر بلادةً.. وهو أن يُرَقِمُوا نِكاتهم ومشاكلهم.. فما عليهم إلا أن يذكروا «رقم النكتة» فيضحكون.. أو «رقم المشكلة» فيعتدلون فى مجالسهم مهتمين واجمين..!
وتوحشت بلادتهم أكثر فأكثر حتى صاروا يُزايدون على بعضهم البعض فى درجة الحميِّة والحِرفية فى إلقاء الأرقام..!! وانصرف تغابيهم إلى أن كَفَّروا وخَوَّنوا بعضهم البعض.. بل ادعى بعضهم أهلية ودراية - فقط - من تغنيه الجاد بالأرقام الصماء المكررة!!
تبدو رواية عبثية عن التكاذب.. أليس كذلك..؟!.. لا أظن..!
وإلا فما بالكم بنا ونحن نلوك عناوين مشاكلنا بذات الوجوم.. وما ندعيه إلهاماتنا بذات الحماس.. على مدار أربعين سنة أو يزيد..!
وما رأيكم ونحن نتحدث عن استنهاض مجتمع.. ونحن نُكرس فيه التوتر وانعدام الثقة والخوف من كل جديد..!
ما رأيكم ونحن نتحدث عن مستقبل لن يكون إلا بالشراكة.. ونحن نؤصل لوصاية وعنصرية مؤسسية..!
ما رأيكم ونحن نتلمس قوة الانتماء للوطن تكون درعاً للأمن القومى.. ونحن نُغرًّبُ معنى الوطن باستنزافنا حلم التغيير فى النفوس..!
ما رأيكم ونحن نُثرثر عن الإبداع علماً وفكراً وثقافةً.. ونحن «نجفف منابع الإبداع» أكثر من تجفيفنا «منابع الإرهاب»..!
وما رأيكم ونحن نأسى على مجتمع ظُلِم كثيراً وندعى انتصاراً له من نفسه وممن ظلموه.. ونحن نحتكر «منطق القانون وروح العدالة» لخاصةٍ من الناس.. ونجعل من «غلظة النصوص وعنت الإجراءات» مشاعاً لا تعرف العامةُ غيرَه..!
ما رأيكم ونحن نملأ الدنيا صراخاً ونحيباً بأعراض مشاكلنا.. ونعجز أن نشخص جذورها - بصدق - فشلاً.. أو خوفاً من الانكشاف والمساءلة والمحاسبة أمام التاريخ.. أو رغبةً فى ادعاء الملائكية.. أو هروباً من استحقاقات علاجها..!
ما رأيكم وقد أحلنا الحديث عن قضايا الوجود ذاته إلى «عناوين».. أو بالأحرى «أرقام كأرقام نكات البلداء» فى الرواية العبثية.. أرقام نقولها فنهدر ونتوعد.. أو نقولها - هى ذاتها - فنهدأ وقد نهنأ..!
سد النهضة «رقم»..
الاقتصاد «رقم»..
الخطاب الدينى «رقم»..
محاربة الفساد «رقم»..
حتى الدستور «رقم»..!
كلها أرقام لقضايا «مصير» نعرف ونحن نثرثر بها أن منتهى علاقتنا بها.. هو ذكرُها.. والتقعرُ فى ذِكرها أو الحماسةُ فى ذِكرها أو الحنو فى ذِكرها.. فالأهم من فحوى الموضوع.. رقم الموضوع.. وحرفية الإلقاء وأثر الإلقاء على قلوب السامعين..!
المهم الصخب والرتابة والحصار النفسى واستجلاب الأثر النفسى «بالتكرار».. أو «بالإقرار» لمن لم يبدُ عليه اقتناعاً.. فمن لديه قدر من منطق أو ابتُلىَ بإِعمال العقل.. فعليه أن يقر بأن الرقم «ضخم أو ضئيل».. العنوان «مبهج أو مقلق».. كلها ثنائيات «واحد أو صفر».. «أبيض أو أسود».. ثنائيات مفتعلة.. فيها الحد بين الخيانة والوطنية.. وبين الإيمان والكفر وفقاً لهوى من افتعلوها.. هكذا ودونما إعمال منطق..!
المهم كسب الوقت أو قتل الوقت.. ونحن نحوم حول الحمى.. أما أصل المشاكل وجذور أمراضنا المجتمعية ومعيار إصلاح فسادها أو إنماء نجاحها.. فلا حديث عنه بالأساس.. فالحديث عنه زندقة دينية أو وطنية.. بلبلة للوعى العام وخرق للاصطفاف..!
ولذلك لا غرابة فى أن نستمر فى تشكيل «الفراغ الوزارى» من معين «الفراغ السياسى»!!
ولا غرابة فى أن تعلو حناجر كائنات «الفلّ الوفى» مطالبةً بتقويض «دستور» - كانت تتقرب إلى الله «بذكر» محامد مواده - وهو بعده لم يُطبَّق..!
ولا غرابة أن نستدعى رقماً أو عنواناً أو مشروعاً للإلهام فنجده للإلهاء - منه للإلهام - أقرب..!
ولا غرابة أن نسمى الإمعان فى مخاصمة روح العصر والعجز عن وعى اللحظة من التاريخ.. خصوصية مجتمع..!
ولا غرابة أن نسمى الإغراق فى استنساخ ممارسات تجاوزها العقل والزمن.. إبداعاً سياسياً..!
ولا غرابة أن نسمى الفشل المتواتر فى تبنى البدايات الصحيحة.. تدرجاً..!
ولا غرابة أن نسمى الإهدار المتتالى لفرص الانطلاق بل وفرص البقاء.. رَويّةً..!
ولا غرابة أن نسمى انعدام الخيال السياسى والاقتصادى والقيادى.. إخلاصاً للواقع..!
ولا غرابة أن نسمى محدودية الأفق.. براجماتية والتصاقاً باحتياجات الناس..!
ولا غرابة أن نسمى التيه.. رؤية..!
ولا غرابة أن ننكر نواقصنا.. ونسمى كل ذلك.. مؤامرة..!
هذا التيه إلى زوال.. بقدر الله المحتوم.. الأهم هو ما يتوجب علينا فعله.. سلطةً وحكاماً ومحكومينَ.. حتى لا نأثم بإطالة أمد التيه.. ولا نأثم أكثر بإنكاره.. ولا نأثم أكثر وأكثر بألا نعرف لماذا انقشع وماذا يلزم أن نفعل بعد أن تصدمنا حقائقنا..؟!
هذا التيه سينقشع بإحلال «عقلى وجيلى» يحدث فى العالم كله الآن لا فى مصر وحدها..!
وإخلاص أى وطن لمستقبله مرهون بمدى وعيه باستحقاقات هذا «الإحلال» وعدم الاصطدام به.. فلا طائل من مراوغته أو محاولة الالتفاف عليه.. فالمحتوم لن يؤجل..!
أول تلك الاستحقاقات أن نعرف أن أصحاب الحل والعقد والقادرين على الوصول لجوهر القضايا- لا الثرثرة بعناوينها وأرقامها- ليسوا بالضرورة موجودين فى أروقة السلطة «شائخة البيروقراطية» والمخاصمة للخيال والعلم.. ولا فى رحم نخبة ماض عقيمة.. ولكنهم موجودون فى رحم المجتمع الأخصب والأوسع فى «نخبة مؤهلة» ولكنها مُبددة.. مُنسحبة.. تراوغها ثقتها فى نفسها حيناً.. ويَغلُبها النبل السياسى أحياناً أخرى.. لا تُزاحم بالمناكب على مواطئ السلطة.. ولا تعرف عن نفسها أن بيدها كل الحكم..!
نخبة تُصنَعُ صناعةً.. بها وعليها تكون صناعة «المستقبل».. فى صناعة «الشراكة».. وصناعة «الرؤية».. وصناعة «الحوكمة».. وصناعة «البدائل»..!
عرفناها مصر التى «تتحدث عن نفسها».. ويأبى البعض إلا أن يجعلها مصر التى «تكذب على نفسها»..!
ولكنّا نريدها مصر التى «تصنع نفسها».. وهذا أمر ليس بالعسير على إرادة الشعوب إذا صدقت وأُهّلَت.. وعن إرادة الله إذا استجابت..!
«ونحن لم نحلم بأكثر من حياة كالحياة».. كقول محمود درويش.
فكروا تصحوا..

Sunday, September 27, 2015

«نبيلة» فى إعلام «نص كم» بقلم رامى جلال ٢٧/ ٩/ ٢٠١٥

«طَلعت فوق السطوح هَز الهوى كُمى، كُل البنات اتجوزوا وأنا قاعدة جنب أمى». الجملة الفولكلورية المصرية السابقة لا تختلف كثيراً عن أداء الإعلام المصرى تجاه ملابس السيدة المصرية المحترمة «نبيلة مكرم»، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، فى أثناء مراسم حلف الوزارة الجديدة لليمين.
ما يجب أن يشغل الإعلام ليس هو «نص كم» الوزيرة، بل هل الوزيرة نفسها «نص كم»- مثل بعض زملائها- أم لا؟ كل المؤشرات تقول إنها نقطة مضيئة. ولأن الممارسة الإعلامية الآن تتميز بالفجاجة والحدة فلو فرضنا جدلاً أن أحد وزراء الحقائب السيادية قد ذهب لحلف اليمين مرتدياً «الجينز» مثلاً لكان من هاجموا الوزيرة أنفسهم هم من هللوا لحكمة الوزير أبو جينز، ولأقيمت حفلات التحليل على ألوان الجينز ودلالاتها الوطنية، التحليل فى الإعلام المصرى الآن لا يختلف كثيراً عن التحليل فى المعامل الطبية، من حيث المادة والنتائج.
الشكل المتحضر الذى ظهرت به وزيرة الهجرة لم يقابله تطور إعلامى مماثل، وذلك لأن الإعلام أصبح كالسلاح الفاسد لا يُزيد الوعى بل ينقصه، ولا يحيط الناس بالحقيقة بل بالعبث. لم تكن المقاربة الإعلامية النقدية للموضوع بروتوكولية، بل بدا الأمر وكأنها أخلاقية، لأن النقد كان ملخصه «ميصحش» و«مينفعش كده».. لم يحاول أحد البحث ليتحدث مثلاً عن المعايير الرسمية لملابس السيدات (يُفضل بدلة كلاسيكية غير مفتوحة، بلون أسود أو كحلى، على أن تكون البلوزة باللون الأبيض، والبُعد التام عن التنورات القصيرة. مع استخدام حذاء أسود، وجوارب بلون محايد).
لا تنخدع وتصدق أن معظم من يجلسون على الهواء يفهمون كثيراً فى الإعلام أو فى الثقافة العامة. هم يختارون قصصاً ضحلة ويتعاملون معها بطريقة أكثر ضحالة، لأن القصص الخبرية الحقيقيةـ وليس النص كم- لن يمكنهم التعامل معها إعلامياً بشكل جيد ومهنى، لأن هذا يحتاج إلى مجهود كبير وتكلفة عالية وموهبة لا يملكونها. تحتاج تلك القصص مثلاً أن يحيط الإعلامى بتفاصيل الموضوع (يا عم كبر دماغك)، مع مراعاة أعلى قدر من الدقة والإنصاف والحياد والتوازن والعمق (أعوذ بالله!)، وإسناد الرأى لمصادر معروفة وموثوق بها وذات صلة (الموجود يسد)، فضلاً عن العمل لصالح الحقيقة فحسب (أى شىء ماشى على ما تُفرج)، ونشر الحقائق حتى لو كانت ضد توجه الرأى العام (اوعى تزعل الأستاذ جمهور).
الإعلام الذى ناقش «نص كم» الوزيرة لم يُقدم لنا تقريراً واحداً عن فقراء مصريين لا يملكون أى أكمام أصلاً. فمن سيستر الإعلام المصرى الـ«نص كم» قبل أن يُظهر عوراته أكثر؟!

Saturday, September 26, 2015

الخطاب الذي انتظره العالم! خطاب البابا للكونغرس الأمريكي ..... “كل ما تريدون أن يفعل الناس لكم افعلوا هكذا أنتم أيضا لهم.” (متى ٧، ١٢)

سيدي الرئيس،
أصحاب السعادة، أعضاء الكونغرس المحترمين،
أيها الأصدقاء،
أود أن أعرب عن جزيل امتناني لدعوتكم لي بالتحدث خلال هذه الجلسة المشتركة للكونغرس في “بلد الرجال الأحرار ومنزل الرجال الشجعان”. أعتقد ان سبب هذه الدعوة يعود لكوني، أنا أيضاً، ابن هذه القارة الكبيرة، التي أعطتنا الكثير والتي لنا جميعنا تجاهها مسؤولية مشتركة.
لكل ابن أو ابنة في أي بلد مهمة ومسؤولية شخصية واجتماعية. وتكمن مسؤوليتكم، كأعضاء في الكونغرس، في السماح لهذا البلد، من خلال عملكم التشريعي، ان يزدهر كأمة. أنتم صورة هذا الشعب، أنتم ممثلوه وأنتم مدعوون الى الدفاع عن كرامة أترابكم المواطنين وصونها في البحث الدائم عن الخير العام إذ هو الهدف الأول لكل سياسة. يُصان المجتمع السياسي إن جعل من تلبية الاحتياجات المشتركة دعوةً فيُعزز نمو جميع اعضائه خاصةً من هم أكثر حاجةً وأكثر عرضةً للخطر. لطالما استند العمل التشريعي على حماية الشعوب ولهذا السبب دعاكم وبايعكم من انتخبكم.
يدفعني عملكم الى التفكير بشخصية موسى من منظورَين. فيرمز، بطريرك ومشرع شعب اسرائيل، من جهة، الى حاجة الشعوب في ابقاء جوهر الوحدة حياً من خلال تشريعٍ عادل. كما وتأخذنا شخصية موسى، من جهةٍ أخرى، مباشرةً نحو اللّه وبالتالي، نحو كرامة الكائن البشري السامية. يعطينا موسى خلاصةً جيدة عن عملكم: فأنتم مؤتمنون على حماية صورة اللّه الكامنة في كل وجهٍ بشري، من خلال القانون.
لا أريد اليوم ان أتوجه بالحديث إليكم، إنما من خلالكم، لكل الشعب الأمريكي. فأود، هنا،من خلالكم، ان انتهز الفرصة لأتحاور مع آلاف الرجال والنساء الذي يدأبون يومياً الى اتمام عملٍ مستقيم ليعودوا الى منازلهم مع الخبز اليومي وادخار المال و – شيئاً فشيئاً – بناء حياة أفضل لأسرهم. إنهم نساء ورجال، لا يدعمون حياة المجتمع من خلال دفع الضرائب وحسب إنما من خلال عملهم بصورةٍ فردية ومتحفظة. فهم يخلقون التضامن من خلال أعمالهم ويؤسسون المنظمات التي تمد أيديها المنقذة لمن هم في الضيق.
أود أيضاً التحاور مع كبار السن الذين هم وديعة حكمةٍ طبعتها الخبرة ويسعون بوسائل عديدة، خاصةً من خلال العمل التطوعي، الى مشاركة قصصهم ورؤيتهم. وأعرف أن عدداً كبيراً منهم لا يزال ناشطاً على الرغم من بلوغهم سن التقاعد، فهم يستمرون في العمل، من أجل بناء هذا البلد. أود أيضاً التحاور مع كل الشباب الذين يعملون من أجل تحقيق أحلامهم الكبيرة والنبيلة ولا يسمحون للسهولة باغرائهم. يواجه هؤلاء الشباب ظروفاً صعبة ناتجة في أغلب الأحيان عن عدم نضوج الكثير من الراشدين. أود التحاور معكم جميعاً وأود القيام بذلك من خلال ذاكرة شعبكم التاريخية.
تتزامن زيارتي مع احتفال رجال ونساء من أصحاب النوايا الحسنة بذكرى عدد كبير من الشخصيات الأمريكية. فتمكن هؤلاء، وعلى الرغم من احداث التاريخ المعقدة وواقع الضعف البشري، من بناء مستقبل أفضل، أبعد من اختلافاتهم الكثيرة وحدودهم، بفضل الجهد والتضحية – على حساب حياتهم في بعض المرات وأرسوا مبادئ أساسية ستبقى راسخة في روح الشعب الأمريكي. وباستطاعة شعب مدجج بهذه الروح ان يتخطى الكثير من الأزمات والتوترات والنزاعات إذ دائماً ما يجد الموارد الكفيلة بالمضي قدماً بكرامة. يقدم لنا هؤلاء الرجال والنساء طريقة للنظر الى الواقع وتفسيره. فنحن نستلهم منهم، من خلال تكريم ذكراهم، حتى وسط النزاعات وحيثيات الحياة اليومية لاستنباط أعمق مخزوننا الثقافي.
أود أن أذكر أربع شخصيات من هذه الشخصيات الأمريكية: ابراهام لنكولن ومارتن لوثر كينغ ودوروثي داي وتوماس ميرتون.
تصادف هذه السنة الذكرى الـ١٥٠ لاغتيال الرئيس ابراهام لنكولن، حارس الحرية، الذي عمل دون كلل وملل لكي تعرف هذه الأمة، بحمى اللّه، ولادة حرية جديدة. يتطلب بناء مستقبل من الحرية محبة الخير العام والتعاون في روحٍ من التضامن والتآلف.
يدرك جميعنا الوضع الاجتماعي والسياسي المقلق الذي يعيشه عالمنا اليوم وجميعنا قلق. يتحول عالمنا أكثر فأكثر ساحةً للنزاعات العنيفة والحقد والفظائع الهمجية التي تُرتكب حتى باسم اللّه والدين. نعرف ان ما من دينٍ معفي من أشكالٍ من الوهم الفردي والتطرف الإيديولوجي. ويعني ذلك انه علينا بإيلاء انتباه خاص لجميع أشكال الأصولية، سواء كانت دينية أو من أي نوعٍ آخر. نحتاج الى ارساء توازنٍ دقيق من أجل مكافحة العنف الممارس باسم أي دين أو إيديولوجيا أو نظام اقتصادي مع المحافظة أيضاً على الحرية الدينية والفكرية والحريات الفردية. إلا أن هناك اغراء آخر علينا بتحصين انفسنا منه وهو الاختزال التبسيطي الذي يرى الخير فقط أو الشر أو، إذا ما أردتم، الصالحين والخطأة. يفرض علينا العالم المعاصر، مع جراحاته المفتوحة التي تؤثر بالعديد من اخواننا وأخواتنا، بأن نواجه جميع أشكال الاستقطاب التي ستقسمه الى معسكرَين. نعرف أنه من خلال كفاحنا للتحرر من العدو الخارجي، قد نميل الى تغذية العدو الداخلي. إن الحذو حذو القتلة والطغاة في الكراهية والعنف لأفضل طريق لأخذ مكانهم وهو أمرٌ ترفضونه كشعب.
على ردنا أن يكون، على العكس، رد رجاء ومعالجة وسلام وعدل. ونحن مدعوون الى جمع الشجاعة بالذكاء لحل عدد كبير من الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية. وتجدر الإشارة الى ان آثار الهيكليات والأعمال الجائرة جليّة حتى في البلدان المتقدمة. تدعو الحاجة لكي نصب الجهود على اعادة الأمل وتصحيح الخطأ والوفاء بالتزاماتنا والترويج، بالتالي، لرفاه الأفراد والشعوب. علينا بالمضي قدماً معاً، يداً بيد، بروحٍ أخويّة ومتضامنة متجددة من خلال التعاون بسخاء من أجل تحقيق الخير العام.
تحتم علينا التحديات التي تترصدنا اليوم بتجديد روح التعاون هذه التي سبق وأنتجت كل الخير عبر تاريخ الولايات المتحدة الطويل. كما وتفرض صعوبة وخطورة هذه التحديات علينا توحيد الموارد والمواهب ومحاولة دعم بعضنا البعض مع احترام اختلافاتنا ومعتقداتنا التي تمليها علينا ضمائرنا.
ساهمت، في هذا البلد، مختلف الطوائف في بناء المجتمع وتعزيزه. ومن المهم، اليوم كما في الماضي، ان يبقى صوت الإيمان مسموعاً لأنه صوت أخوٍة ومحبةٍ يحاول التعبير عن أفضل ما في كل شخص وكل مجتمع. ومن شأن مثل هذا التعاون أن يشكل مورداً قوياً في الكفاح من أجل الاطاحة بجميع أشكال الاسترقاق الناتجة عن حالات الاجحاف الخطيرة التي لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال سياسات جديدة وأشكال جديدة من التوافق الاجتماعي.
أفكر هنا بتاريخ الشعب الأمريكي السياسي حيث ان الديمقراطية ضاربة في جذور الشعب الأمريكي. على كل نشاط سياسي ان يخدم ويروج لرفاه الانسان وان يستند الى احترام كرامته. “نسلم بهذه الحقائق القائلة بأن جميع البشر ولدوا سواسية واعطاهم خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف ومنها الحق بالحياة والحرية والبحث عن السعادة” (اعلان الاستقلال، ٤ يوليو ١٧٧٦). إن كان من واجب السياسة حقاً، ان تكون في خدمة الانسان، يعني ذلك بالتالي انه لا يمكن لها ان تخضع للاقتصاد والمال. تُعتبر السياسة، في الواقع، تعبيراً عن حاجتنا الملحة بالعيش معاً من أجل بناء أكبر الخيرات العامة وهو خير الجماعة التي تضحي بالمصالح الشخصية لكي تتقاسم، بالعدل والسلام، ممتلكاتها ومصالحها وحياتها الاجتماعية. لا أقلل من اهمية الصعوبة المرافقة لذلك إلا أنني أشجعكم في المسعى هذا.
أفكر هنا أيضاً بمسيرة مارتن لوثر كينغ من سلمى إلى مونتغومري، منذ خمسين سنة، ضمن اطار الحملة التي نظمها من أجل تحقيق حلمه باعطاء جميع الأمريكيين من أصول أفريقية جميع حقوقهم المدنية والسياسية. لا يزال هذا الحلم يلهمنا حتى اليوم وأنا مسرور لأن أمريكا، لا تزال بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص بلد “الأحلام” وهي أحلام تحث المرء على العمل والمشاركة والالتزام، أحلام توقظ أعمق ما في حياة الشعوب وأصدقه.
أتى خلال القرون الماضية، ملايين الناس الى هذا البلد ليحققوا أحلامهم وبناء مستقبل من الحرية. لا نخاف، نحن، شعب هذه القارة، من الغرباء، لأن أغلبنا كان في فترة من الفترات غريباً. أقول ذلك لكوني ابن مهاجر ولكوني أدرك أن عدد كبير منكم متحدر من أصولٍ مهاجرة. لسوء الحظ، لم تكن دائماً حقوق من سبقنا الى هنا بكثير محترمة. اود ان أؤكد لهؤلاء الشعوب وأمهم، من قلب الديمقراطية الأمريكية، عن كل تقديري واحترامي. غالباً ما كان التواصل الأول عنيفاً ومحموماً إلا أنه من الصعب الحكم على الماضي بمعايير الحاضر. لكن، عندما يلجأ الغريب القاطن بيننا إلينا، علينا أن لا نعيد خطايا الماضي والأخطاء. فعلينا أن نعقد العزم الآن على العيش قدر المستطاع بطريقة نبيلة وعادلة في حين نعلم الأجيال الصاعدة ان لا تدير ظهرها “للجيران” أو لأي شيء قد يحيط بنا. يفرض علينا بناء الأمة الاعتراف بأنه علينا أن نبقى دائماً على تواصل مع الآخرين وان نرفض روح العداوة من أجل اعتماد روحية من التآزر المشترك وذلك من خلال جهد دائم لبذل كل طاقاتنا. وأنا على ثقة انه باستطاعتنا القيام بذلك.
يواجه عالمنا أزمة لاجئين قل نظيرها منذ الحرب العالمية الثانية. تضعنا هذه الأزمة أمام تحديات جسام وعدد من القرارات الصعبة. يُجبر، في هذه القارة أيضاً، آلاف الأشخاص الى السفر نحو الشمال بحثاً عن حياة أفضل لذواتهم ولأقربائهم، بحثاً عن فرصٍ أكبر. أليس هذا ما نريده لأولادنا؟ لا يجوز لنا التراجع إزاء أعدادهم بل النظر إليهم كأشخاص وملاقاتهم والاصغاء الى قصصهم، محاولين الاستجابة بأفضل ما أوتينا لحالهم والاستجابة دوماً بطريقة انسانية وعادلة وأخوية. تدعو الحاجة الى ان نتفادى اغراء شائع في أيامنا هذه وهو استبعاد كل ما قد يبدو صعباً. فلنتذكر دائماً القاعدة الذهبية: “كل ما تريدون أن يفعل الناس لكم افعلوا هكذا أنتم أيضا لهم.” (متى ٧، ١٢).
تعطينا هذه القاعدة وجهة واضحة. فلنعامل الآخرين بالشغف نفسه والتعاطف نفسه الذي ننتظره منهم ولنبحث للآخرين عن الامكانيات نفسها التي نبحث عنها لأنفسنا ولنساعد الآخرين على الازدهار كما نريد لذواتنا ان تزدهر. بكلمة واحدة، ان أردنا الأمن، فلنعطي الأمن وان أردنا الحياة، فلنعطي الحياة وان اردنا الفرص فلنعطي الفرص. إن المقياس الذي نستعمله مع الآخرين سيكون المقياس الذي سيستخدمه الزمن معنا. تذكرنا القاعدة الذهبية أيضاً بمسؤوليتنا في حماية الحياة البشرية في كل مرحلة من مراحل نموها والدفاع عنها.
حملتني هذه القناعة منذ بداية مهمتي الى الدفاع، على مستويات عديدة، عن قضية التخلص نهائياً من عقوبة الاعدام. أعتقد ان هذا هو المسار الأفضل إذ ان كل حياة مقدسة ويتمتع كل انسان بكرامة لا تتجزأ ولا يستطيع المجتمع إلا ان يستفيد من اعادة تأهيل المتهمين باقتراف الجرائم. جدد، موخراً، اخواني، اساقفة الولايات المتحدة، النداء للتخلص من عقوبة الاعدام. أنا لا أدعمهم وحسب إلا أنني اشجع كل المقتنعين بأن العقاب العادل والضروري لا يجب أن يستثني أبداً الأمل والهدف من اعادة التأهيل.
لا يسعني، في هذه الحقبة التي تشهد صعوبات اجتماعية كبيرة، إلا أن أذكر خادمة اللّه دوروثي داي، التي أسست حركة العمال الكاثوليك فنبع عملها الاجتماعي وشغفها بالعدالة وقضية المقموعين من الإنجيل وايمانها واتباعها مثال عدد كبير من القديسين.
كم من تقدمٍ أُحرز على هذا الصعيد في الكثير من بلدان العالم! وكم من انجازات تحققت خلال هذه السنوات الأولى من الألفية الثالثة لتحرير الشعوب من الفقر المدقع. أعرف أنكم تشاطروني الرأي بأنه لا يزال أمامنا الكثير من العمل على هذا الصعيد وأنه من الواجب المحافظة على روح التضامن في أوقات الأزمات والمشاكل الاقتصادية هذه. أود في الوقت نفسه أن أشجعكم على عدم نسيان الشعوب المحيطة بنا والقابعة في دوامةٍ من الفقر إذ تحتاج هي أيضاً الى الأمل. إن الكفاح ضد الفقر والجوع لا يتوقف ولا ينحصر بجبهةٍ واحدة خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أسبابه. أعرف أن عدد كبير من الأمريكيين يعمل اليوم، كما في الماضي، من أجل حل هذه المشكلة.
وغنيٌ عن القول ان جزء كبير من هذا الجهد الكبير يكمن في استحداث الثورات وتوزيعها. فيُعتبر الاستخدام العادل للموارد الطبيعية والتطبيق السليم للتكنولوجيا واستثمار ريادة الأعمال عناصر أساسية لاقتصاد يهدف الى اكتساب صفات العصرية والشمولية والاستدامة. “باستطاعة نشاط الشركات، الذي يُعتبر دعوة نبيلة وموجهة نحو استحداث الثروات وتحسين العالم لنا جميعاً، ان يكون طريقة مثمرة جداً لتحسين حال المنطقة التي تُنفذ فيها مشاريعها خاصةً ان فهمنا ان استحداث مناصب وظيفية هو جزدٌ لا يتجزأ من خدمتها للخير العام” (الحمد لك، رقم ١٢٩). ويشمل هذا الخير العام الأرض أيضاً وهي الموضوع المحوري للمنشور البابوي الذي كتبته موخراً من أجل “اطلاق حوار مع الجميع حول موضوع منزلنا المشترك”. “نحن بحاجة الى حوارٍ يجمعنا جميعاً لأن التحدي البيئي الذي نعيشه كما جذوره الانسانية تهمنا وتؤثر بنا جميعاً” (الحمد لك، رقم ١٤).
أطلقت دعوة في “الحمد لك” الى بذل جهدٍ شجاع ومسؤول من أجل اعادة تصويب البوصلة وقلب أكثر الآثار خطورةً للتدهور البيئي الناتج عن نشاط الانسان. أنا على ثقة أنه باستطاعتنا احداث فرق ولا أشك في أن للولايات المتحدة – وهذا الكونغرس – دوراً مهماً تلعبه. لقد آن الأوان لاتخاذ الاجراءات والاستراتيجيات الشجاعة الهادفة الى ارساء “ثقافة حماية” (الحمة لك، رقم ٢٣١) و”مقاربة شاملة من أجل مكافحة الفقر واعادة الكرامة للمستبعدين والمحافظة تزامناً على الطبيعة” (الحمد لك، رقم ١٣٩). “إن الحرية البشرية قادرة على الحد من التقنية وتوجيهها” (الحمد لك، رقم ١١٢) “يدفع ذلك ذكاءنا الى الاعتراف بالطريقة الأفضل… لتغذية نفوذنا ووضع حد له” (الحمد لك، رقم ٧٨) والى وضع التكنولوجيا في خدمة نوع آخر من التقدم، أكثر صحةً وانسانية وشمولية ومراعاة اجتماعية. وأنا على ثقة بأن أبرز المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث الأمريكية قادرة على المساهمة بشكلٍ فعال في السنوات القادمة على هذا الصعيد.
منذ قرنٍ من الزمن، عند بداية الحرب الكبيرة، التي وصفها البابا بندكتس الخامس عشر بالـ”مجزرة غير المجدية”، ولدت شخصية أمريكية بارزة أخرى وهي الراهب البندكتي توماس ميرتون الذي لا يزال مصدر الالهام الروحي ومرشد لعدد كبير من الناس. كتب في سيرته الذاتية: “أتيت الى العالم، حراً بفعل الطبيعة، على صورة اللّه إلا أنني كنت سجين عنفي وأنانيتي على صورة العالم الذي ولدت فيه. كان هذا العالم صورة جهنم، الممتلئ بالرجال الذين يحبون اللّه مثلي إلا أنهم يكهرونه أيضاً، ولدوا ليحبونه إلا أنهم عاشوا في ظل الخوف من المجاعات المتضاربة اليائسة.”كان ميرتون قبل كل شيء رجل صلاة ومفكر تحدى ثوابت حقبته وفتح آفاقاً جديدة للأرواح والكنيسة. وكان أيضاً رجل حوار وروج للسلام بين الشعوب والديانات.
من منظور الحوار هذا، أود الاعتراف بالجهود المبذولة خلال الأشهر الماضية من أجل المساعدة على تخطي الفوارق التاريخية المرتبطة بأحداث ماضية. من واجبي بناء الجسور ومساعدة جميع الرجال والنساء بكل الوسائل الممكنة للقيام بالمثل. عندما يعود بلدان كانا على خلاف الى مسار الحوار – حوار كان من الممكن ان ينقطع لأسباب وجيهة- تُقدَم فرص جديدة للجميع. تطلب ذلك، ولا يزال، شجاعة وجرأة – بعيدَين كل البعد عن انعدام المسؤولية. إن الزعيم السياسي القوي هو شخص يضع في باله اهتمامات الجميع ويستغنم الفرصة بروح من الانفتاح والواقعية كما ويختار الزعيم السياسي القوي الشروع بعمليات عوض احتلال المساحات.
تعني خدمة الحوار والسلام العزم على الحد والإطاحة بالنزاعات المسلحة العديدة التي يشهدها العالم وذلك على المدى البعيد. وهنا، علينا ان نتساءل: لما تُباع أسلحة فتاكة لمن يخطط التسبب بآلام لا توصف للأفراد والمجتمعات؟ إن الجواب لسوء الحظ، وكما نعرف، هو المال، المال المُغمس بالدم، الدم البرئ في أغلب الأحيان. إنه من واجبنا، إزاء هذا الصمت المخجل والمذنب، ان نواجه المشكلة ووضع حد لتجارة السلاح.
ثلاثة أبناء وبنت من هذا البلد، أربع شخصيات وأربعة أحلام: لينكولن والحرية، مارتن لوثر كينغ والحرية في التنوع وعدم الاقصاء، دوروثي داي والعدالة الاجتماعية وحرية الأفراد وتوماس ميرتون والقدرة على الحوار والانفتاح للّه.
أربعة ممثلين عن الشعب الأمريكي.
من المتوقع أن أنهي زيارتي الى بلدكم في فيلاديلفيا حيث سأشارك في اللقاء العالمي للعائلات. أتمنى أن تصبح العائلة من خلال زيارتي موضوعاً يتم التداول به باستمرار. فكم كانت العائلة مهمة في بناء هذا البلد! وكم هي جديرة بدعمنا وتشجيعنا! إلا أنه لا يسعني أن أخفي قلقي على العائلة المهددة، ربما أكثر من أي وقتٍ مضى، من الداخل والخارج.
يُعاد النظر بالعلاقات الأساسية كما بأساس الزواج والعائلة. لا يمكنني سوى أن أذكّر بأهمية وغنى وجمال الحياة العائلية.
كما وأود أن أسلط الضوء بصورةٍ خاصة على أفرادها الأكثر هشاشةً وهم الشباب. ينفتح أمام الكثير منهم مستقبلاً غني بالامكانيات إلا أنه يبدو ان عدد كبير منهم أيضاً فقد البوصلة والأهداف وقبع في متاهات العنف والاعتداءات واليأس. إن مشاكلهم هي مشاكلنا ولا يمكننا تفاديها. علينا بمواجهتها معاً والتحاور حول هذا الموضوع والبحث عن الحلول الناجعة عوض الانزلاق في نقاشات لا نهاية لها. في ما سأقوله خطر التبسيط المفرط إلا أنه باستطاعتنا القول اننا نعيش في ثقافة تدفع الشباب الى عدم تأسيس عائلة إذ لا أفق مستقبلية لهم. ومع ذلك، فان الثقافة نفسها تقدم لآخرين خيارات كثيرة تردعهم أيضاً من تأسيس عائلة.
تٌعتبر الأمة عظيمة عندما تدافع عن الحرية مثل لينكولن وتروج لثقافةٍ تسمح للناس بالحلم بحقوق كاملة لجميع الأخوة والأخوات مثل مارتن لوثر كينغ وعندما تبذل الجهود من أجل العدالة وقضية المقموعين مثل ما فعلت دوروثي داي ومن خلال عملها المضني، ثمرة ايمان أصبح حواراً وحصاد سلام ضمن نمط توماس مورتين التأملي.
حاولت من خلال هذه الأفكار ان أستعرض غنى تراثكم الثقافي وروح الشعب الأمريكي. أتمنى ان تستمر هذه الروح في النمو والتطور ليرثها أكبر عدد ممكن من الشباب فتبقى في البلد الذي نقل الحلم الى عدد كبير من الأشخاص.
فليبارك اللّه أمريكا!

دعوة الأردن لتوحيد بُلدان المشرق العربى بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٦/ ٩/ ٢٠١٥

كانت سوريا طوال القرن العشرين، يُشار إليها بأنها قلب العروبة النابض. ولكنا رأينا مع بداية القرن الواحد والعشرين كيف تعرض ذلك القلب للأزمات، واحدة بعد الأخرى، حتى كاد القلب أن يتوقف عن النبض. وكان آخر تلك الأزمات ظهور تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية فى العِراق والشام، والذى جرى اختصاره بـ داعش، وهو حركة بربرية مُتخلفة، يقودها مجموعة من سفاكى الدماء وأعداء الحضارة الإنسانية. وهى حركة لم ير هذا الجزء من العالم مثيلاً لها منذ إعصاف التتار فى القرن الثالث عشر الميلادى بقيادة جانكيزخان، ثم تيمورلينك، اللذين دمرا التراث البشرى والحضارة الإنسانية المُتراكمة على مر العصور التى سبقت إعصارهما.
المهم لموضوعنا، هو أن سوريا كانت هى المؤهلة موقعاً وموضعاً، لتوحيد بُلدان المشرق العربى التى كان قد جزّأها الاستعمار الأوروبى فيما عُرف فى أعقاب الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨) باتفاقية سايكس ـ بيكو (Sykes-Picot)، حيث كانت العِراق والأردن وفلسطين من نصيب بريطانيا، وسوريا ولبنان من نصيب فرنسا. وظل العرب عموماً، والعرب المشارقة خصوصاً يرفضون تلك التجزئة، ويعتبرون سايكس بيكو، شأن وعد بلفور البريطانى للحركة الصهيونية، جراحاً غائرة فى جسم الأمة العربية جمعاء. ولكن العجز المتوارث فى بنية الدول، أو الدويلات العربية التى ظهرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يُمكّنها التوحد أو حتى التكامل، رغم رغبة الشعوب فى ذلك.
ولكن سوريا التى كانت مؤهلة لقيادة حركة توحيد المشرق خصوصاً، إن لم يكن الوطن العربى كله، أنهكتها الانقلابات العسكرية والاستقطابات الأيديولوجية، ثم أخيراً الانقسامات الطائفية. فلم تفشل فقط فى توحيد الوطن العربى، أو حتى مشرقه، بل إنها أيضاً فشلت فى الحفاظ على وحدة القُطر السورى نفسه، الذى قوضه الحُكم البعثى لحافظ الأسد، ثم لابنه بشار الأسد، وأصهارهما من عائلة مخلوف.
ولأن العِراق مُثخن أيضاً بجراح وانقسامات عرقية وطائفية عمّقها واستغلها الحكم البعثى المستبد لصدام حسين، وللأسف فإن من ثاروا عليه، ثم مكنهم الاحتلال الأمريكى فأصبحوا النُخبة الحاكمة من الطائفة الشيعية لم تعُد مؤهلة لقيادة أى مُبادرة توحيدية للمشرق العربى.
وللغرابة وسُخرية التاريخ أن الأردن ونُخبته الهاشمية الحاكمة أصبحا الآن الأكبر قدرة ورغبة واستعداداً لهذا الدور التوحيدى للمشرق العربى.
فرغم صغر حجمه سُكانياً (أربعة ملايين نسمة)، إلا أنه يتمتع بدولة قوية نسبياً، من حيث كفاءة جهاز خدمتها المدنية، ومن حيث قوة وتماسك مؤسستها العسكرية، ومن حيث المستوى التنموى العام لسُكانها. فهم الأكثر تعليماً فى المشرق كله بعد لبنان. كما أن النُخبة الحاكمة الأردنية هى الأكثر ثقافة وانفتاحاً على العالم الخارجى.
والمُفارقة التاريخية هى أن الأسرة الهاشمية الحاكمة كانت تعتبر أن قضية الوحدة العربية هى أساس شرعيتها، منذ قاد مؤسسها، وهو الشريف حسين الثورة العربية الكُبرى، ضد الحُكم العثمانى (١٩١٤-١٩١٧). ولم يحل دون هذا التوحيد إلا خداع حُلفائه الغربيين أثناء الحرب العالمية الأولى، وحنثهم بما كانت بريطانيا قد وعدته به، فيما يُعرف باتفاق حسين- ماكماهون، الاتفاق الذى كان ينطوى على استقلال ووحدة الولايات العربية للدولة العثمانية، ولكنه تقلص إلى الأردن والعِراق، حيث تولى أحد أبناء حسين وهو فيصل حُكم العِراق، وتولى الابن الثانى وهو عبدالله حُكم شرق الأردن، واستبعدت سوريا ولبنان وفلسطين. فتولت فرنسا أمر سوريا ولبنان، وتولت بريطانيا مؤقتاً أمر فلسطين التى كانت قد وعدها البريطانى بلفور وطناً قومياً لليهود.
المهم لموضوعنا أن الهاشميين كانوا أصحاب سجل مشهود فى الدعوة لوحدة بُلدان المشرق العربى. وفى ضوء التمزق والدمار الذى أصاب بُلدانه (العِراق ـ لبنان ـ وسوريا)، لم يبق إلا الأردن قادراً ومؤهلاً للقيام بهذا الدور.
ولا يبدو أن مُبادرة من هذا القبيل ستُعارضها أى من الدول الكُبرى ـ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ولا حتى إسرائيل. فعلاقة تلك الدول بالأردن جيدة تاريخياً إلى الوقت الحاضر. كما لن تُعارضها أى من الدول العربية الفاعلة فى النظام الإقليمى العربى، وأهمها مصر والسعودية والمغرب.
وإذا كانت ثمة مُعارضة تُذكر، فستكون من نظام البعث السورى لبشار الأسد. ولكن أيام هذا النظام أصبحت معدودة، بعد أن فقد شرعيته سورياً وعربياً، ولم يعد حتى قادراً على السيطرة الفعلية على معظم الأراضى السورية.
هذا فضلاً عن أن الأردن بُحكم استقراره ورخائه النسبى، أصبح فى الثلاثين سنة الأخيرة ملجأ وموطناً لملايين ممن شتتتهم الصراعات المُسلحة فى بُلدان المشرق ـ لبنان والعِراق وسوريا. فهو يستضيف الآن ما يقرب من عدد سُكانه الأصليين من تلك البُلدان المشرقية. لذلك ستحظى أى مُبادرة أردنية لتوحيد فيدرالى لتلك البُلدان بالترحيب داخلياً وإقليمياً ودولياً.
أما الصِراع القديم بين الأسرتين الحاكمتين السعودية والهاشمية فقد تطور فى الخمسين عاماً الأخيرة إلى تحالف فى مواجهة الإرهاب. وهو تحالف ترعاه وتُباركه الدول الكُبرى وكذلك دول الجوار العربية الأخرى.
فليمض الملك الشاب عبدالله بن الحُسين، بمساعدة عمه المُحنك والحكيم الأمير الحسن، لإنجاز هذا الحلم التوحيدى الذى عمل له أجداده، وأربعة أجيال من الوحدويين العرب.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد
وعلى الله قصد السبيل

ارجموا إبليس تحت جلودكم فهو يسكن خالد منتصر 26/9/2015

700 حاج ضحايا التدافع لرجم إبليس!!، مانشيت مأساوى يعبر عن حالة العشوائية السلوكية والأخطر العشوائية الفكرية التي نعيشها نحن المسلمين، مشهد رمى الجمرات على نموذج إبليس الحجرى، تشارك فيه بكل حماس وهستيريا الشباشب وزجاجات المياه والأحذية والعصى وكل ما تستطيع أيادى الحجاج الوصول إليه من أدوات انتقام!!، هل هذا هو إبليس فعلاً؟!، إنه مجرد رمز ولكننا مجتمعات لا تفهم الرمز والتجريد، فبمجرد أن يقال هذا إبليس فهو بالقطع إبليس بشحمه ولحمه، ولابد من الانتقام منه، فهو الذي تسبب في كل المشاكل التي مررت بها ودبّر كل المصائب التي وقعت فيها، واليوم وقع في قبضتى ولابد أن أنتهز الفرصة، على فكرة ليست هذه طريقة البسطاء فقط، لكنها طريقة حملة الدكتوراه أيضاً، لا يعرف هؤلاء أن إبليس يسكننا، يسكن تحت الجلد وفى شغاف القلب وفصوص المخ، وما عليك إلا أن ترجمه وتطارده داخلك، ترجمه حين يوسوس لك بأن تخالف ضميرك، ترجمه حين يقول لك افسد..ارتشِ... خُن...اسرق جهد وعرق زميلك....
 اصعد على جثة صديقك... إلخ، يخرج رجل دين مستنير ليوسع لهم زمن هذا الطقس ومدة رمى الجمرات ويسمح لهم بالتوكيل، لكنهم لا يسمعون إلا فتاوى المتشددين ويصرون على هذا الحشد والحشر الرهيب بما فيه من دهس وفعص تحت لافتة من يتعرقل يموت، بل من سيقف متعباً لمجرد نصف دقيقة سيموت، توسعة الحرم ليست هي الحل، بل توسعة المخ هي الحل! ما كان صالحاً لمائة أو ألف صار غير صالح أو مناسب لثلاثة ملايين، وماذا عن الحج بعد مائة سنة وألف سنة عندما تتضاعف تلك الأعداد أضعافاً مضاعفة؟، الله لم يفرض علينا الحج ليموت الحجاج، وبالطبع هم الحجاج الذين ليست لديهم واسطة ولا مكان خاص أو شرفة مخصوصة لرمى الجمرات، الله فرض الحج لِمَعانٍ وأغراض أخرى غير الانتحار، لذلك لابد للسعودية وللعالم الإسلامى أن يستمع إلى صوت العقل ويناقش أفكاراً وحلولاً فقهية مرنة، تراعى الصالح والضرورى والمتغير، أفكاراً طرحها مجتهدون اتُّهموا بالجنون وتم تكفيرهم حين حاولوا تفسير الشهور المعدودات ولماذا تحولت إلى الأيام المعدودات؟، ولو تم رفض تلك الفكرة اطرحوا أفكاراً أخرى للحل، المهم أن الوضع بهذه الصورة كارثى، ولا نريد لرحلة الحج المقدسة أن تصبح رحلة الجثث المكدسة، رحم الله ضحايا الكارثة وشفى الله المصابين وشفانا أيضاً من مرض التصلّب الفكرى.

مصر.. رمانة ميزان العالم بقلم د. وسيم السيسى ٢٦/ ٩/ ٢٠١٥

أخذ الغرب عن إخوان الصفا وخلان الوفا «العصر العباسى الأول» أسماء أيام الأسبوع: اعلم أن الساعة الأولى من نهار الأحد للشمس، والاثنين للقمر، والثلاثاء للمريخ، والأربعاء لعطارد، والخميس للمشترى والجمعة للزهرة، والسبت لزحل «أجمل الكواكب»، فما كان من الغرب إلا أنه أخذ بهذا التقسيم، فكان Sunday للأحد، Monday للاثنين، وماردى للثلاثاء، مارس أو المريخ أو تيوزداى (كوكب الحرب عند أمم الشمال)، والأربعاء لعطارد Mercury ميركريدى أو ودنزداى، لأن أودين هو كوكب الفنون عطارد، والخميس لجوبتر أى المشترى Jude، والزهرة فينوس للجمعة أو فندردى أو فرايداى وهى الربة فريج «الزهرة» عند أمم الشمال، أما زحل أو Saturn فقد أصبحت Saturday أى يوم السبت.
إن شهر سبتمبر معناه أنه الشهر السابع، من Sept الفرنسية أى سبعة، أكتوبر من Octa، أى ثمانية فهو الشهر الثامن، نوفمبر من رقم ٩ الفرنسية نيف، وديسمبر من ديس Dice أى الشهر العاشر! لماذا أصبحت هذه الشهور ٩، ١٠، ١١، ١٢؟!
ذلك لأن السنة كانت تبدأ من مارس فى العصر اليونانى الرومانى. ماذا عن اسم شهر يناير، أو January؟ إنه اسم إلهة رومانية Janus لها تمثال بوجهين، وجه ينظر للأمام «السنة الجديدة»، ووجه ينظر للوراء «السنة التى مضت»، ويسمى الإنجليز بعض بناتهم جينفر Jenever مثل جينفر جونز بطلة فيلم روعة الحب.
أما فبراير فمعناها Mud Month أو شهر الطين. ويقول الأطباء عن هذا الشهر فى مصر: فأراير من الفقر، أما مارس فهو نسبة للمريخ Mars، إبريل فهو شهر التفتح والزهور Oprera، أما شهر مايو فهو من اسم الربة الإيطالية Maia زوجة فولكانو رب البراكين، أما يونيو فهو من اسم الربة Juno، أما يوليو فهو من يوليوس قيصر، كذلك أغسطس من أغسطس قيصر.
أما شهور السنة المصرية فهى توت (تحوت رب الحكمة والمعرفة والقلم)، لذا كان بداية السنة المصرية التى تبدأ ١١ سبتمبر «بزوغ الشعرى اليمانية» أو سبدت، وتنتهى السنة باسم مصر أى شهر مسرا، يقول العقاد: أصل اسم مصر هو مس رع أى «أبناء رع»، أى أبناء الشمس المشرقة، وقيل إن مصر من «ماس رع» أى موضع أبناء الشمس، جدير بالذكر أن مصر هو اسم الدولة الوحيد المذكور فى القرآن الكريم خمس مرات مباشرة عدا تسع مرات أشير إليها فى الذكر الحكيم.
أنقذنى يا آمون.. الصيف يدخل فى الشتاء، والشتاء يدخل فى الصيف (بردية)! ذلك لأن التقويم كان قمرياً، والسنة القمرية أقل ١١ يوماً عن السنة الشمسية، وبعد مئات السنين من الأرصاد الفلكية فى مصر القديمة، اكتشف أجدادنا العظماء الشعرى اليمانية أو سبدت ٤٢٤١ قبل الميلاد، وعرفوا أن هذا النجم يظهر كل ٣٦٥ يوماً، وست ساعات! أهدت مصر هذا التقويم الشمسى للعالم فضبطت أحواله المضطربة فلكياً، كما تحاول الآن ضبط أحواله المنفلتة سياسياً.. مصر رمانة ميزان العالم.
قسمت مصر السنة إلى ١٢ شهراً، وكل شهر ٣٠ يوماً، وجعلت من الأيام الخمسة الباقية أعياداً، وسمتها «أبد كوجى» أو «أبض أوزى» أى الشهر الصغير، وحتى الآن نستخدم كلمة أوزى دلالة على الشىء الصغير! كان اليوم الأول من هذا الشهر الصغير عيد أوزيريس، يزورون فيه أحباءهم الذين رحلوا عن عالمنا، ومازلنا نقوم بهذه الزيارة حتى الآن فى أول أيام العيد! واليوم الثانى عيد ست، حيث الأفراح والاحتفالات، واليوم الثالث عيد حورس.. الخروج للحدائق والمراكب فى النيل، واليوم الرابع عيد إيزيس لختان الذكور فوق الخامسة بالمخدر الموضعى (مصر حرمت ختان الإناث)، واليوم الخامس عيد نفتيس ربة الأناقة والجمال فكان عيدها كرنفال الزهور!
وربنا يجعل أيامك كلها أعياد يا مصر.

Thursday, September 24, 2015

فهمى هويدى: العدو الأول للمثقفين والمبدعين مجدى خليل - الحوار المتمدن - 2015 / 9 / 24



منذ أن كنت طالبا فى كلية الأقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فى ثمانينات القرن الماضى، وأنا اقرأ للكاتب الإسلامى محمد فهمى عبد الرزاق هويدى المعروف بفهمى هويدى والمولود فى 29 أغسطس 1937. كنت أفتح جريدة الأهرام يوم الثلاثاء على مقاله الذى يحتل ثلاثة أرباع الصفحة، واقول لنفسى قبل القراءة ياترى على من سيحرض فهمى هويدى هذه المرة؟. بدون مبالغة لا يوجد مثقف أو مبدع ليبرالى أو يسارى أو مصلح إسلامى إلا وحرض عليه فهمى هويدى. فلم تحدث مشكلة لمثقف أو مبدع أو مصادرة لكتاب إلا وسبقها تحريض من فهمى هويدى. كان مقاله يعتبر الضوء الأخضر لعصابة الحسبة أو للجناح الإرهابى للإسلام السياسى للأنقضاض على المثقفين. يعتبر مقاله بالاهرام الذى بدأ عام 1985 حتى عام 2008 ثم بعد ذلك فى الدستور و المستمر فى جريدة الشروق الإسلامية حتى هذه اللحظة ،هو بمثابة المقال الأول فى الصحافة العربية لمعرفة تفكير واتجاهات الإسلام السياسى ومن يستهدفون. فى مقالات فهمى هويدى قرأت الألتواء والتعصب والزيف والكذب والتربص والتصيد والغمز واللمز والتحريض والتكفير ومن ثم يأتى فعل القتل أو قضايا الحسبة. قرأت فى مقالاته تحريضا سافرا على فرج فودة ونصر حامد ابو زيد وسعيد العشماوى وسيد القمنى وأحمد صبحى منصور وأحمد عبد المعطى حجازى وفؤاد زكريا وخليل عبد الكريم ونوال السعداوى وحلمى سالم وأحمد الشهاوى ولويس عوض وسعد الدين إبراهيم وحيدر حيدر وسناء المصرى ويوسف شاهين وعلاء حامد وصلاح الدين محسن وعلى سالم ورضا هلال وحسن حنفى ومأمون فندى وحتى إيناس الدغيدى ومنير مجاهد وصولا لمحمود محمد طه فى السودان ولأحمد البغدادى فى الكويت ومارسيل خليفة فى لبنان وصادق جلال العظم وعزيز العظمة فى سوريا...وطبعا على البابا شنودة وعلى الأقباط مرات عديدة.... والعشرات من المثقفين الآخرين التى لم تسعفنى الذاكرة للإشارة إليهم.
كانت عصابة إستهداف المثقفين والمبدعين تبدأ بمقال فهمى هويدى بجريدة الأهرام يعقبه مباشرة فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ويتلقف ذلك الأخوان المسلمين فى مجلس الشعب ليهللوا للحفاظ على ثوابت الأمة ويصرخون بهستيرية الإسلام فى خطر!!!، ثم بعد ذلك يأتى تحرك عصابة قضايا الحسبة مثل يوسف البدرى ونبيه الوحش وسمير صبرى ومحمد صميدة عبد الصمد وعسران منصور والمئات الأخرى من المحامين الإسلاميين، والخطوة الأخيرة تتمثل فى تحرك فريق القتل لمن تقرر تصفيته كما حدث مع فرج فودة.
هذا الفريق الكبير يعمل فى تناسق وتكامل حتى تتم المهمة، ففى قضية نصر حامد أبو زيد كان أول من كتب عنها هو فهمى هويدى واصفا نصر ابو زيد بالأستاذ الملحد وعرض مقتطفات من تقرير عبد الصبور شاهين الذى يكفر نصر أبو زيد قبل صدور التقرير مما يعنى أنهم فى تنسيق وتعاون من وراء الدولة، والتقط صميدة التقرير والمقال لكسب قضية تفريق نصر أبو زيد عن زوجته أبتهال يونس. فى حالة فرج فودة بدأت بمقال هويدى الذى يتهم فيها فرج فودة بالعداء للإسلام ثم جاءت فتاوى التكفير ثم تنفيذ القتل، ثم بعد ذلك مقال آخر لهويدى يدافع عن شهادة محمد الغزالى ، المحرض على القتل ،مما حدا بالدكتور غالى شكرى أن يذكر فى كتابه " ثقافة النظام العشوائى" أن شيخ وصحفى إسلامى هم من حرضا على قتل فرج فودة"، والصحفى هو فهمى هويدى والشيخ هو محمد الغزالى. وكتب أحمد صبحى منصور أن فتاوى فهمى هويدى قتلت فرج فودة. فى حالة أحمد صبحى منصور أتهمه هويدى بأنه يسعى ( لتفكيك الإسلام)..وهى تهمة تتعدى الكفر لأن معناها العداء للدولة والدين، وقد شرح هويدى بنفسه ذلك قائلا "أن تفكيك الأمة سابق على تفكيك الملة".....وحتى فى حالة رضا هلال فقد أتهمه فهمى هويدى بالأمريكانى الذى يشوه الإسلام فى مقاله الصادر فى يناير 2003 قبل أن يختفى رضا هلال فى أغسطس من نفس العام.... أما المسألة المرتبطة بدور فهمى هويدى داخل الدولة الإسلامية العميقة فى مصر تنعكس تبعاته فى أن القبض أو هجوم أمن الدولة على معظم المثقفين سبقه مقال تحريضى من فهمى هويدى قبلها بفترة وجيزة ، حدث ذلك قبل الهجوم على مركز بن خلدون وقبل القبض على أحمدى صبحى منصور وقبل محاكمة علاء حامد وصلاح الدين محسن ...حتى قضايا الحسبة ذاتها لم تكن بعيدة عن أيادى الدولة العميقة فى مصر.
يمكن وصف فهمى هويدى من خلال مشروعه فى الكتابة فى عدة أمور، فهو داعية جهير الصوت للدولة الدينية، وهو محرض على الإرهاب، وهو محامى الإرهابيين سواء كانوا سنة أو شيعة، يبحث عن كل الأعذار والتبريرات للدفاع عن جرائمهم، وهو صوت الإسلام السياسى البارز فى الصحافة، وهو المدافع الأول فى مصر عن مشروع ولاية الفقيه ، وهو المحامى الأول للأخوان المسلمين الذى يصر على وصفهم بالجماعة المعتدلة ويصف خصومهم بأعداء الإسلام وفلول الشيوعيين وعملاء الغرب، وهو أخيرا العدو الأول للثقافة والمثقفين والمبدعين فى مصر والشرق الأوسط.
ولا يخجل فهمى هويدى من وصف نفسه بالإصولى، ففى مقاله بالأهرام بتاريخ 19 مايو 1992 بعنوان (التفسير الأصولى للتاريخ) كتب: " أما أكثر ما يُحزننى فهو أنّ البعض ظنّ بى سوءًا وشك فى أننى لسبب أو آخر تخليتُ عن جذورى باعتبارى أصوليًا ابن أصولى . وتلك كانت مفاجأة أخرى لا تخلو من مفارقة ، لأننى أحد الذين لا يكفون عن السؤال منذ لاحتْ ارهاصات الهجمة الظالمة : كيف يستطيع المسلم أنْ يلقى ربه بضمير مستريح ما لم يكن أصوليًا؟!!!".
وكما يقول غالى شكرى عن فهمى هويدى بمجلة القاهرة عدد أغسطس 1993 فى مقال بعنوان بين أقنعة الاعتدال ووجوه التطرف"، ( لم يمسك فهمى هويدى ورقة واحدة من الأوراق السرية أو العلنية للجماعات المسماة متطرفة ليسلط الضوء عليها بالنقد والمراجعة، ولا نتكلم عن الإدانة، وإنما هو يترصد كل ما يكتبه خصومهم للتشهير بهم وأحيانا لتكفيرهم).
على العكس من موقفه من المثقفين فهو يهلل لكل شئ ينتج عن الإسلام السياسى وحتى الجماعات الإرهابية مثل حماس وحزب الله وصولا لداعش التى وصفها بأنها بأنها الأمتداد لمجموعة التوحيد والجهاد التى كانت النواة لمقاومة الإستعمار الأمريكى!!!. ويصف الشيخ محمد الغزالى بأنه أستاذه ومعلمه، ويصف الشيخ يوسف القرضاوى بأنه " أهم مرجع دينى من أهل السنة فى زماننا"، ويصف سيف عبد الفتاح بأنه (مسلم يؤمن بأنّ للإسلام مشروعه الحضارى المتكامل والمستقل.... هو الوجه الآخر للالتزام بالرابطة الإيمانية السياسية الذى يحول دون الانحراف بها بإتجاه الرابطة الفرعوني!!!). 
وفهمى هويدى الذى ينتمى لأسرة أخوانية واعتقل والده عدة مرات، إلا أنه يروج لنفسه وتروج له جماعته على أنه الكاتب الإسلامى المعتدل المستقل، مما حدا بسيد القمنى أن يرد على هذا الاعتدال بقوله (أن تيار الاعتدال أسطورة ووهم وأنه يكتم تطرفه ويخفيه وهذا منطقي أريد به تأكيد أن الناشطين المسلمين جميعاً إرهابيون ، وأنهم في حقيقتهم ما بين متطرف أسفر عن وجهه وكشف أوراقه ومتطرف آخر كان أكثر حذقاً ومهارة فأخفي قناعاته وأظهر سمت الاعتدال).
أما مأمون فندى فوصفه بالقول (إذا خلعنا عن مقال هويدي الزخارف اللغوية وألاعيب التخفي خلف الحواجز الترابية، نجد أنفسنا في مواجهة مع نص يحمل كل مواصفات النص الإرهابي، ويعتمد كل استراتيجيات مقالات التكفير، كبديل عن العقلانية والتفكير).
وقال عنه رضا هلال ( فهمى هويدى معتبر بين الصحفيين سياسياً، وبين السياسيين صحفياً، وبين الفقهاء داعية ليس له أن يفتي. وقد عايشنا تحريضه ضد نصر حامد أبو زيد حتى هرب إلى منفاه الاختياري، وضد فؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيم، بل امتد تحريضه خارج مصر ليطال الاستاذ الجامعي الكويتي احمد البغدادي والمناضل اللبناني مارسيل خليفة).
بالنسبة للأقباط فقد روج فهمى هويدى وسليم العوا وطارق البشرى لمفهوم جديد للمواطنة وهى " المواطنة الإسلامية" وهى أن الأقباط مواطنون تحت ثقافة وشروط وحضارة الدولة الإسلامية، وهو تلاعب بالألفاظ ونوع جديد من الذمية المعدلة. أما عندما ناقش الأقباط المادة الثانية أثناء التعديلات الدستورية عام 2007 فقد حذرهم فهمى هويدى من ذلك فى مقال بتاريخ 2 ابريل 2007 بعنوان ( عقدنا الذى أنفرط)، والعنوان واضح أن عقد الذمة مع الأقباط قد سقط بهذه المناقشة، وقال لهم أن هذا خط أحمر ضامن لأستقرار المجتمع!!!: ( حدود علمي‏,‏ فان هذه هي المرة الاولي في التاريخ المصري المعاصر‏,‏ التي ترتفع فيها بعض الاصوات القبطية مطالبة باستبعاد نص الدستور علي ان الاسلام دين الدولة وأن الشريعة المصدر الاساسي للقوانين‏,‏ وأغلب الظن ان هذه الدعوه شجعت بعض رجال الدين الانجيليين‏ للانضمام إلي الحملة. أن جوهر الدعوة ليس تأكيد الحق في المساواة وتوفير تكافؤ الفرص،‏ وإنما ينصب الجوهر علي إقصاء الإسلام من هوية الدولة المصرية‏,‏ واستبعاد مرجعية الشريعة لقوانينها‏,‏ الأمر الذي يعد تصعيدا في المطالب جارحا لمشاعر الأغلبية الساحقة‏,‏ لم تعرفه مصر من قبل . لست أشك في أن ذلك التصعيد في الدعاوي‏,‏ قد لامس الخطوط الحمراء الضامنة لاستقرار المجتمع).
السؤال الهام:إذا كان هذا هو فهمى هويدى الاخوانى قلبا وقالبا وعائلة، والذى يسمى ثورة 30 يونيه بالإنقلاب، ويحرض ليل نهار على نظام السيسى، لماذا تتركه الدولة يفعل كل هذا حتى هذه اللحظة؟.
الاجابة تكمن فى مفهوم الدولة الإسلامية العميقة‏ التى كتبت عنها من قبل

ففهمى هويدى وسليم العوا وطارق البشرى وأحمد كمال أبو المجد ومحمد عمارة هم من أقطاب الدولة الإسلامية العميقة فى مصر،والمتصلين بشكل وثيق بأجهزة الدولة العميقة.، ولهذا لم يستطع احد أن يتهمهم بشئ حتى الآن.
ويعود للأستاذ محمد حسنين هيكل ربط فهمى هويدى بالدولة العميقة، ومع التطور نشأت الدولة الإسلامية العميقة بداخل الدولة العميقة ذاتها بل وأسلمت جزء لا بأس به من الدولة العميقة ذاتها، وهذا يفسر لنا حرية وسطوة فهمى هويدى،فمازال له دور يلعبه داخل هذه الدولة.

Wednesday, September 23, 2015

مسيحيو حزب النور - فاطمة ناعوت الحوار المتمدن- 2015 / 9 / 21

     


تزامنًا مع أعياد المسيحيين كلّ عام، تُصدّعُ رؤوسَنا أصواتُ التيار السلفي الصارخة الغليظة بتحريم وتجريم وتعظيم وتهويل وتكفير تهنئة المسيحيين بالعيد ولو بابتسامة بشوش مصحوبة بكلمة ودّ طيبة كأن يتمنى المرءُ للمرءِ عامًا جديدًا سعيدًا، وآمنا. وأضع عشرة خطوط تحت كلمة (آمنًا). أي خلوًا من حرق الكنائس (إمبابة نموذجًا ) أو هدمها (صُوْل نموذجًا) أو تفجيرها (القديسيْن نموذجًا)، أو تشويه معالم الكنائس وكسر صلبانها (الماريناب نموذجًا) أو قتل المسيحيين في حفلات أعراسهم بمن فيهم الأطفال والطفلات (المريمتان في كنيسة شبرا نموذجًا)، أو خطف نسائهم (كاميليا نموذجًا )، أو تهجير المسيحيين عن ديارهم وتشريدهم (بني سويف نموذجًا)، وغيرها من النماذج المخزية التي لا تروّع أبناء مصر، مسلمين ومسيحيين وحسب، إنما ترسم نقطة سوداء كبيرة مخجلة في تاريخ مصر الذي نكتبه الآن جميعًا بكل أسف بأقلامنا المرتعشة إما خوفًا أو خجلا.
لهذه الأسباب وغيرها، كره المصريون تكوّنَ الأحزاب الدينية التي مشغولةٌ هي بأمرين لا ثالث لهما: المسيحيّ – المرأة.
تُبدع تلك الأحزابُ في ابتكار فنون صياغة فتاوى وتصريحات حول كيفية قهر المسيحي وإذلاله وتكريس فكرة خاطئة كاد هو ذاته (المسيحي) أن يقتنع بها. تلك الفكرة تقول: "إن المسيحي ضيفٌ ثقيل الوطء على هذه الدولة مصر، أو في أفضل الأحوال هو مواطنٌ من الدرجة الثانية.” (كويس إننا سايبينه يعيش وسطينا يعني!). وبالفعل صدّق كثيرٌ من المسيحيين تلك الأكذوبة الركيكة الضحلة التي ينكرها المثقفون النبهاء، كما يُنكرها ويستنكرها التاريخُ غاضبًا وهو يذكّرنا بتعريف كلمة (قبط) معجميًّا وتاريخيًّا، مثلما يذكّرنا بستّة قرون ونصف القرن عاشتها مصرُ محذوفة من كتب التاريخ كعادة كتب التاريخ المزيفة التي يكتبها المأرخون الكذبة وفق هواهم وخيالهم المشوّش. 
أما (المرأة)، فهي شغل التيار السلفي الشاغل. يفكر في ساقيها أكثر مما يفكر في ساقيه، وفي نحرها وصدرها وخصرها، أكثر مما يفكر في دماغه وجسده واتزانه النفسي. المرأة وشؤونها "الداخلية" الخاصة هي محور اهتمام ذلك التيار منذ أن يصحو من نومه وحتى يغرق في سُباته العميق. وفي نومه يظلُّ ينتظرها حتى تزوره في الحُلم وبهذا تكون المرأةُ، ذلك الكائن الشيطاني المُغوي، قد ملكت على التيار السلفي يومَه كاملا بأربع وعشرين ساعاته كاملات غير منقوصات.
هل قلتُ إن التيار السلفي مشغولٌ بأمرين لا ثالث لهما؟! لا والله، لم أكن دقيقة في زعمي. بل هناك أمرٌ ثالثٌ يسلب عقل ذلك التيار مع المرأة والمسيحي. أمرٌ يملك عليه فؤاده، ويُجري لُعابه منذ عرف طريقَه إلى مصر الطيبة. السُّلطة. حلم اقتناص السلطة يستلبُ عقل التيار السلفي شأنه شأن الإخوان المجرمين وشأن كافة مهووسي التسيّد والتجبّر وسرقة الأوطان واستعباد البشر واستحلال أجساد السبايا والإمات. 
لهذا يناهضُ العقلاءُ من أبناء بلادي تلك الأحزاب ويطالبون بحلّها لأنها مخالفة للدستور الذي ينصُّ على رفض قيام أحزاب على أسس دينية أو عقدية أو عرقية. ولكن السلفيين الأذكياء ينجحون في تكوينها ويدعمهم القانون؟ كيف؟ وبأي شرعية؟ لأن هناك دائما طوابير خامسة تقوّض أمن المجتمعات وتحرق أحلام نهضتها وتزعزع سلامها.
مسيحيون "أذكياء!" نجح قادةُ الأحزاب السلفية الأذكياء (حقًّا) في إقناعهم بالانضمام إلى أحزابهم الدينية الإسلامية؛ فسقطت بهذا عن تلك الأحزاب صفة "الدينية"، بما أنها ضمّت مسيحيين "شرفاء" إلى جوار غُلاة المتأسلمين المتطرفين السلفيين! 
لنذهب إلى أولئك "الأذكياء الوطنيون الشرفاء!” من مسيحيي حزب النور السلفي، وننظر ماذا يقولون، وليبكِ معي مَن يبكي، وليستأ معي مَن يستاء، ويضحك معي الضاحكون، ويندهش معي المندهشون، ولينظرِ المصريون كافة ماذا هم فاعلون مع تلك الأحزاب في الانتخابات البرلمانية الوشيكة.
يقول مسحيو حزب النور السلفيّ: 
حزبنا قانونى ودستوري ووطنى وليس دينيا، وله قواعد شعبية كاسحة، ومن المستحيل حله.
نؤمن بمبادئ حزبنا كما نؤمن باكتساحه في الانتخابات ولو طالبوا بتطبيق الشريعة الاسلامية وقطع اليد ورجم الزواني لكنا أول من نؤيدهم ونباركهم.
* نحن بالنسبة لزملائنا في الحزب كفار بدينهم، هم كفار ايضا بديننا وهذا مايدعم وحدتنا الوطنية فالدين لله ولا دخل له بالسياسة.
* لا يهنئوننا بأعيادنا ونتفهم ذلك، لأنهم لو فعلوا لاعترفوا بربوبية يسوع وقيامته المجيدة. ولا نهنئهم بأعيادهم أيضا فقط لعدم إحراجهم حتى لا يُفهم أننا نطالبهم بالمثل.
* حزبنا لم يقف للسلام الجمهورى ورفض تحية العلم لانهم اعتبروه وثنا وصنما لكن مع وضع قانون يجرم ذلك وقفوا وحيوا العلم المصري لأنه رمز الدولة.
لم تنفعنا أو تدعمنا الكنيسة سياسيا في أي وقت فما المانع الشرعي من البحث عن مصالحنا بعيدا عنها؟
نقول لمن يشبهوننا بيهوذا خائن يسوع وبائع رأسه: نحن لسنا خونة بل نعرف طريقنا جيدا ومرة أخرى نقول حزب النور قدم لنا ما لم تقدمه الكنيسة ولا شعب الكنيسة.
سنحصل على أصوات إخواننا المسلمين ولا نعول على الكتلة التصويتية للأقباط فهم قلة في دوائرهم.
***

انتهت تصريحاتهم "الذكية!” التي أشكر عليها العضو السلفي الذكي (بحق) الذي صاغها لهم ليضعوها على ألسنهم وهم لا يفهمون معناها وتوابعها عليهم أولا، قبل أن تنسحب علينا نحن المصريين كافة. وفي الأخير لا يسعني إلا أن أُنهي مقالي بمثل شعبي مصري شهير يقول: “خيبة الأمل راكبة جمل.”

الحدوتة وقدرة الكلمات على الخداع بقلم على سالم ٢٣/ ٩/ ٢٠١٥

على الأرجح، حكيت لك هذه الحكاية عن الحق والباطل منذ أربعين عاما، كان الحق والزور يمشيان معاً، ربما تندهش لهذه العلاقة الغريبة، كيف ينسجم الحق مع الزور، الواقع أنهما يمشيان معا طوال الوقت منذ بدء الخليقة. بل إن البعض يقول إن كلاً منهما اكتسب ملامح الآخر من طول العشرة، ليل ونهار يمشيان معا، قطعا السهول والوديان والصحارى وكان يجب أن يأتى الوقت الذى يشعر فيه كل منهما بالتعب فقال الزور للحق: أنا تعبت.. وأنا أعرف أنك كريم تتحمل من أجل الآخرين، ولذلك أنا واثق أنك ستوافق على أن أركبك؟
انتفض الحق وقال مستنكراً: مستحيل أن تركبنى.. أنا الحق وأنا مُتعب أيضا.. المنطقى والمعروف فلسفيا وتاريخيا أن الحق هو الذى يركب.
فقال الزور: لقد اختلفنا.. ولا أريد لهذا الخلاف البسيط أن يتحول إلى عداوة.. فى هذه الحالة لابد أن نعود لنسأل الناس، فى مثل هذه القرارات الخطيرة لابد أن نرجع للشعب.. وعلىّ أنا وأنت أن نمتثل للقرار الذى سيتخذه الشعب.. وأن ننفذه عن طيب خاطر.
وبدأ الاستعداد للاستفتاء الكبير الذى سيجيب فيه الشعب على سؤال واحد: الحق والزور.. من يركب ومن يمشى؟
كان من الواضح منذ البداية اكتساح الحق للاستفتاء، النسبة الغالبة من الناخبين كانت مع الحق، وخرجوا فى مظاهرات عديدة كان شعار الحقانيين فيها هو: إحنا نركب.. هو يمشى.
أما الجماعات المناصرة للزور فكان شعارها: إحنا نركب.. هو يمشى. وفى يوم الاستفتاء قال الشعب كلمته: الحق يركب..
ومن يومها، الحق راكب بس الزور هو اللى ماشى.
للوهلة الأولى ربما تظن أن الأجداد أبدعوا هذه الحدوتة للإعراب عن يأسهم. الواقع أن الحدوتة فى كل لغات الأرض لا تحمل قيماً سلبية، بل هى تعمل على تقدم البشر من خلال مفاهيم مقاومة تضخها فى شرايينهم. هى هنا تحذر من خطر الكلمات المخادعة والمراوغة. وفيها أيضا جرأة إبداعية وذلك بإقامة علاقة دائمة بين النقيضين الحق والزور. أما القدرة على التلخيص والاختزال فقد وصلت إلى درجة رفيعة فى فن الحكى. الواقع أن الزور كان يعرف نتيجة الاستفتاء سلفاً، كان يعرف أن الناس ستحكم بأن يركبه الحق، هو يعرف ذلك بل هو قد استدرج الحق لتنفيذ رغبته، ومع ذلك سيكون هو الرابح لأنه سيسود الشارع، بينما يتحول الحق إلى مجرد شعار مرفوع.
عبقرية الحدوتة فى استخدام كلمة «ماشى ويمشى» التى نستخدمها بمعنى الموافقة، أو السائد، أو السير على قدمين، وهو المعنى الذى كان يقصده الاستفتاء. الحدوتة هنا تحذر من خطورة استخدام الكلمات الغامضة وغير محددة المعنى. هذا هو بالضبط ما يجب أن نحترس منه.
المقال الأخير للكاتب الراحل على سالم

انسوا الصناعة والزراعة! بقلم رامى جلال ٢٣/ ٩/ ٢٠١٥

فى الغرب يهتمون ببراءات الاختراع والعرب يهتمون ببراءات المحكمة. حقوق ملكية الأفكار فى العالم المتقدم أهم من عوائد ملكية العقارات، وبالتالى فكثيراً ما تحدث نزاعات حول ملكية الابتكارات الجديدة، لأن الأفكار عندهم هى أغلى منتج بشرى. وهى لا تُعطى أبداً بالمجان، وسرقة مبنى «اسكوتلانديارد» بلندن أسهل من سرقة فكرة من مواطن بسيط.
دخل العملاق الكورى الجنوبى «سامسونج» نزاعاً مع المارد الأمريكى «مايكروسوفت» بسبب حق الانتفاع ببراءات اختراع متعلقة بنظام «أندرويد» للتشغيل، والتى استأجرتها الأولى من الثانية مقابل نسبة من الأرباح، ولكن «مايكروسوفت» قررت استخدام النظام حين استحوذت على هواتف «نوكيا» الفنلندية فتوقفت «سامسونج» عن الدفع. وبمناسبة «نوكيا»، فقد حصلت هى نفسها على مبلغ مالى ضخم كتعويض من «إتش. تى. سى» التايوانية كتسوية نزاع بشأن براءات اختراع أيضاً لتتجنب الأخيرة خطر الخروج من السوق الأمريكية.
أما موقع «فيسبوك» الشهير فله فى مجال الدفاع عن الأفكار جولات كثيرة؛ فقد دخل فى نزاع مع «ياهو» الأمريكية بعد ادعاء الأخيرة أن «فيسبوك» انتهك عشرة من حقوق الملكية الخاصة بها. لا شىء عندهم مجانى فى مجال الأفكار. «فيسبوك» دفع ٥٥٠ مليون دولار لشركة «مايكروسوفت» مقابل شراء ٦٥٠ براءة اختراع مع السماح باستخدام ٢٧٥ أخرى. كما دفع حوالى ٨٣ مليون دولار لشركة «IBM»، مقابل شراء ٧٥٠ براءة اختراع.
مؤسس «فيسبوك»، «مارك زوكربيرج» واجه دعاوى قضائية من شركة «كونكت يو»، التى أسسها مجموعة من زملاء «مارك»، وقد زعموا أن الموقع الشهير اعتمد على سرقة الكود الرئيسى الخاص بهم وبعض الملكيات الفكرية الأخرى. وقالوا إن زميلهم أخلّ بعقد شفهى تم بينهم بشأن تأسيس «فيسبوك»، وقد تمت تسوية هذا النزاع لاحقاً بشكل سرى، ولكن الوسيط القانونى لشركة «كونيكت يو» أخطأ بعد ذلك وأعلن أن قيمة تلك التسوية كانت ٦٥ مليون دولار.. كما حصل «فيسبوك» نفسه على تعويض ضخم بقيمة تقترب من تسعمائة مليون دولار من «آدم جوربوز» مؤسس شركة «أتلانتيس بلو كابيتال»، والذى نشر على الموقع كمّاً هائلاً من الإعلانات للترويج للماريجوانا والمنشطات الجنسية.
أمل مصر فى عقلها، انسوا الزراعة كوسيلة نهضة؛ فقد تجاوزها الزمن، أما الصناعة فليس لنا بها تنافسية تُذكر. ازرعوا واصنعوا بالطبع لكن لا تظنوا أن هذه هى وسائل النهضة هى وسائل لأكل العيش فقط تبعاً لنظرية «رزق يوم بيوم». الأمل والنهضة فى صناعة الأفكار وتجسيدها تكنولوجياً وتصديرها للعالم، المستقبل للعقول وليس للعضلات.

Tuesday, September 22, 2015

فى الطائرة من مدريد إلى القاهرة بقلم د. نوال السعداوى ٢٢/ ٩/ ٢٠١٥

كنت جالسة فى مقعدى بطائرة مصر للطيران، بعد انتهاء مؤتمر النساء الدولى بمدينة مدريد، وأنا ممن يشجعون مصر للطيران لأنها، حسب رحلاتى وخبراتى فى السفر، من أفضل الخطوط الجوية فى العالم، ولا أدرى كيف يتفرد قطاع الطيران بالكفاءة وحده، دون سائر القطاعات الأخرى فى مصر، التى تعانى الردة والتدهور، خاصة فى قطاع الصحة والتعليم والثقافة والإعلام والأدب والفن، ولا يقلقنى فى ركوب الطائرة المصرية إلا الآية التى تذاع علينا لحظة الإقلاع، ولا أسمع منها، بسبب رداءة جهاز التسجيل، إلا كلمة «منقلبون»، تملؤنى هذه الكلمة بإحساس يوحى بأن الطائرة ستنقلب حتما، وأننى (مع المسافرين جميعا) منقلبون معها بإذن الله، كما يضايقنى أيضا أن أفقد مقعدى المحجوز بالصف الأول بجوار الممر (من أجل حرية حركة أكثر من الجالس بجوار النافذة)، تؤكد الهيئة الداعية لى هذا الحجز المسبق لمقعدى قبل أن تدفع ثمن التذكرة، لكنى أكتشف حين أدخل إلى الطائرة أن مقاعد الصف الأول كلها (بما فيها مقعدى) قد تم حجزها للوزراء والشخصيات الهامة، وكعادتى لا أقبل التنازل عن حقى وإن انقلبت الطائرة، فأجلس فى مقعدى رغم أنف السلطة الحاكمة فى الجو، وبعد الإقلاع أكتشف أن مقاعد الصف الأول (المحجوزة للوزراء) كلها خالية،
انهمكت فى قراءة الصحف ولم أنتبه للرجل الذى دخل إلى الطائرة فى اللحظة الأخيرة، وجلس فى المقعد المجاور لى بجوار النافذة، كانت أخبار العالم كلها سيئة (ما عدا أخبار الراقصات نصف العاريات وبائعات الهوى) مجازر داعش وبوكو حرام والقاعدة والطالبان، الحروب والقتل والتجسس الأمريكى فى كل مكان، انتخابات مزورة سرا أو علنا، اختلاس وفساد ونهب، مهاجرون معدمون يموتون فى البحر، ويتعرض الناجون منهم للقهر والإهانة بقوانين البلد الأجنبى.
أقلعت الطائرة فى الجو، فحركت رأسى نحو النافذة لأشهد مدينة مدريد الجميلة من السماء، لكن رأس الجالس إلى جوارى كانت تحجب المشهد عنى، رأسه كبير مربع يرتدى نظارة طبية بيضاء، يميل جسمه للامتلاء، وجهه ممتلئ مشرب بحمرة خفيفة دليل الصحة والرياضة، ظننت أنه رجل أعمال مهم أو شخصية مرموقة فى إسبانيا، لكنه هز رأسه بالتحية وتكلم معى باللغة العربية..
سألته: مصرى؟
قال: نعم
سألته: وعملك؟
قال: وزير
سألته: أى مجال؟
قال: وزير البترول،
قلت: واسمك؟
قال: شريف إسماعيل.
ودار الحديث بيننا طويلا، أمامنا خمس ساعات ونصف طيران لنصل من مدريد إلى القاهرة، حين جاءت المضيفة بالطعام لم يأكل شيئا، تناول فنجان شاى أخضر بالنعناع، كانت وجبة السمك السالمون شهية كالعادة، تتميز مصر للطيران بالخدمة الفائقة، تطرق الحديث بينى وبين جارى الوزير للسياسة الدولية والعربية والمحلية، تكلمنا فى التعليم والصحة والثقافة والاقتصاد والحروب، حتى الحرب بين العراق وإيران فى الثمانينيات من القرن الماضى، التى يعتبرها الوزير شريف إسماعيل المأساة الأولى التى نكب بها عالمنا العربى، وأدت إلى ما نحن فيه من مشاكل متعددة حتى اليوم، وسألته عن وزير الزراعة الذى قبض عليه مؤخرا بعد أن هدد بكشف الفاسدين فى الدولة.
سألته: هل قبضوا على وزير الزراعة قبل أن يكشفهم؟
قال: لا، كان التحقيق يجرى مع وزير الزراعة منذ عدة شهور قبل أن يدلى بتصريحاته الصحفية عن الفاسدين.
سألته: هل عرفته عن قرب؟ هل كان فاسدا؟
قال: لم أعرفه عن قرب، لكن القانون هو الذى سيقرر، لننتظر كلمة القانون.
قلت: ولكن ألم يحكم القانون ببراءة حسنى مبارك وأغلب أعوانه؟
قال: القانون يقرر ونحن دولة القانون.
سألت: وهل القانون يعبر عن العدل؟ أم عن القوة التى تهيمن على الدولة؟
قال: القانون هو الذى يقرر لأن الآراء تختلف.
بعد طول الجلوس سرت إلى مؤخرة الطائرة، لأقوم برياضة بدنية وتحريك دورة الدم فى القدمين، ثم جلست إلى جوار زميلة مصرية شاركت معى فى مؤتمر النساء بمدريد، وانهمكنا فى الحديث عن تفتت الحركات الشعبية المصرية بما فيها الحركة النسائية، ورأينا الوزير شريف إسماعيل يتمشى فى الممر مطرقا برأسه فى تفكير عميق، كان يبدو عليه التوتر قليلا أو الاستغراق فى أمر هام يستولى على تفكيره:
هل تلقى وهو فى مدريد رسالة عاجلة من الرئيس السيسى يطلب منه العودة إلى القاهرة فورا لتشكيل الوزارة الجديدة بعد استقالة حكومة محلب؟
بعد بضع ساعات من وصولنا القاهرة، فى صباح السبت ١٢ سبتمبر، أيقظنى من نومى العميق جرس التليفون، كانت هى زميلتى المصرية، تقول لى: افتحى التلفزيون، لقد أصبح الجالس بجوارك فى الطائرة بالأمس ( شريف إسماعيل وزير البترول) رئيس الوزراء الجديد، على فكرة يا نوال هو من أفضل الوزراء ولم نسمع عنه خبرا سيئا.
فى تلك الرحلة من مدريد إلى القاهرة قابلت شخصية أخرى هامة، كان يجلس فى الصف الأول لا يفصلنى عنه إلا الممر، نحيف الجسم، هل كان رياضيا فى شبابه؟ ملامحه مصرية صميمة، بشرة سمراء ملوحة بالشمس، رأسه بالشعر الأبيض يكاد يشبه الفلاسفة، التفت نحوى بابتسامة المصريين المشرقة، يتذكر بعضا مما كتبته فى مقالاتى المنشورة، سألته من هو؟ اسمه اللواء فهيم السيد محمد، له هيئة الأدباء أكثر من العسكريين، له قدرة على السرد الأدبى، يتحدث معظم الوقت وأنا أستمع لحكاياته باستمتاع كبير، كان صديقا لكثير من الأدباء والفنانين منهم أنيس منصور وحسين فهمى ويوسف السباعى ويوسف إدريس، وكان وثيق الصلة بكثير من الشخصيات العسكرية والسياسية الهامة، منهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وحسين سالم رجل الأعمال الملياردير الذى يعيش فى مدريد حتى اليوم.. وللحديث بقية.

تعديل الدستور.. كارثة تؤدى إلى الاستبداد بقلم د. محمد أبوالغار ٢٢/ ٩/ ٢٠١٥

لا يوجد دستور فى العالم ليس به بعض العيوب، ولكن يجمع خبراء الدساتير فى مصر والعالم على أن الدستور المصرى الحالى أعظم دستور مصرى فى العصر الحديث، وأهم نقاط القوة فى هذا الدستور هى:
١. أن باب الحقوق والحريات يماثل الدول الديمقراطية المتقدمة وبه حماية لجميع المواطنين وخاصة الضعفاء والمعاقين، ويمنع توغل الأجهزة الأمنية فى حريتهم فى التنقل والسفر ويعطى لمنازلهم حرمة، ويقيد الحبس الاحتياطى بقواعد صارمة ويقيد حالة الطوارئ التى عشنا تحتها ثلاثين عاماً فى عصر مبارك. إعطاء الحرية للشعب المصرى أمر يثير الغضب عند مجموعات مختلفة من الشعب المصرى التى تعتقد أن هذا الشعب ليس له الحق فى الحرية والتعبير وهى مجموعات إما تابعة للأمن وتحت طوعه أو أنها فاسدة تخشى حرية الصحافة وحرية المواطنين.
٢. المجموعة الثانية من المواد هى الخاصة بباب نظام الحكم فمنذ أول دستور مصرى فى العصر الحديث فى عام ١٩٢٣ والملك له سلطة حل البرلمان وبالتالى إقالة الوزارة. وفى جميع الدساتير التالية أعطيت للرئيس سلطات واسعة جداً من ضمنها حل البرلمان وإقالة الوزارة وتعيين جميع الوزراء وإقالتهم فى أى وقت وبدون إبداء أسباب. هذه السلطات الواسعة المطلقة غير موجودة فى أى دولة ديمقراطية، الحاكم فيها هو رئيس حزب الأغلبية. أما فى أمريكا فيوجد سلطات واسعة للرئيس ولكنها مقيدة بشدة بمجلسى النواب والشيوخ. أما فى دستور مصر الجديد فسلطات الرئيس كبيرة، فهو يختار رئيس الوزراء وإذا فشل فى تشكيل وزارة تحصل على ثقة البرلمان يقوم البرلمان بترشيح رئيس آخر للوزراء يعنى أن الرئيس هو الذى يختار أولاً وفى الأغلب يكون اختياره هو الذى ينفذ. والرئيس يختار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، وإقالة الوزراء لا بد من موافقة البرلمان عليها وهو أمر طبيعى فى أى دولة شبه ديمقراطية.
الدستور الجيد والصحافة الحرة والبرلمان القوى المنتخب بقانون جيد وعادل وبطريقة ديمقراطية هى خير سند لأى رئيس ليصبح رئيساً عظيماً فى التاريخ، والرئيس الذى لا يريد صحافة ولا برلمانا ولا دستورا مكانه معروف فى صفحات التاريخ.
وواضح أن إعطاء سلطات أكثر من ذلك لأى رئيس فى أى وقت هو مساعدة فى خلق نظام ديكتاتورى، ومصر قد عانت من مختلف أنواع الديكتاتورية منذ أكثر من ستين عاما، فهل هناك مشكلة فى فتح باب الديمقراطية قليلاً؟ وهل الديكتاتورية التى يروج لها البعض، وينادى بها البعض جميلة ورائعة بهذا الشكل؟ أعرف أن المتسلقين والفاسدين يحبون النظام الديكتاتورى الذى يحميهم، ويخافون من الديمقراطية التى تفضحهم.
تغيير الدستور ليس فى صالح مصر ولا فى صالح الرئيس السيسى. فدعونا نبْنِ مصر جديدة بعيداً عن محاولات تأسيس للديكتاتورية.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

Monday, September 21, 2015

أنا أغنى امرأة فى العالم بقلم فاطمة ناعوت ٢١/ ٩/ ٢٠١٥

من السخف أن يكتبَ الكاتبُ مقالاً عن عيد ميلاده! قد يكتبُ شاعرٌ قصيدة ليناجى تلك اللحظة الوجودية الفريدة التى تحّول فيها من فكرة افتراضية تهيمُ فى فضاء العدم، إلى وجود وجسد وروح يحملُ اسمًا، ويُحمَّلُ بأحلام مجموعة من الناس. فهذه أمٌّ تنتظر أن تكبُر وليدتُها لتحنو عليها فى هِرمِها، وهذا أبٌ يأملُ أن يُدخله طفلُه باحةَ الخلود، وتلك طفلة تترقّب وقوف المولود على قدميه كى يلاعبها ويتحمل معها سخافات الكِبار. ينسج الشاعرُ قصيدته بخيوط فرح؛ لأن عامًا جديدًا قد زاده معرفةً وحياةً، أو بخيوط قلق لأن عامًا جديدًا قد اِنتُزِعَ من روزنامة حياته، ليُعجّل بموعد مغادرته هذا العالم، وعودته من جديد إلى دنيا العدم الافتراضية التى لا يعلم ماهيتَها إلا الله.
كشاعرةٍ، لم أكتب أبدًا قصيدةً عن عيد ميلادى. إنما اعتدتُ أن أتأمل الفكرة فى صمتٍ، مثل آلاف الأفكار التى صدّعت رأسى ولم أبُح بها بعدُ للورق. كذلك ككاتبة، لم أكتب أبدًا مقالًا عن عيد ميلادى. فمنذ امتهنتُ الكتابة الصحفية؛ نذرتُ قلمى «للعام» وليس «للخاص». فأنا أؤمن أن النافذة التى منحنيها اللهُ فى الصحف، لأصافح عبرَها قُرّائى، هى لقرائى، لا لشأنى الشخصىّ. أكتبُ بصفحات الرأى لخدمة وطنى وقضايا وطنى. أما شأنى الخاص، فأنثرُ زخّاتِه من نافذة القصيدة، لا المقال. القصيدةُ لى، والمقالُ لكم.
فلماذا، إذن، ألحَّتْ علىَّ اليومَ رغبةُ الكتابة عن عيد ميلادى؟ إنما وددتُ أن أتأمل حال «الأديب» مع «المجتمع». كثيرًا ما نحزنُ، نحن الكُتّاب، حين نقارن حالنا بحال الفنان. الكاتبُ دائمًا فى موضع النقد، والرفض، والاتهام، والمساءلة. عكس الفنان الذى يحصد تصفيق الناس وحبهم. الكاتبُ لا يكون نجمًا، إلا فى دائرة ضيقة من محبى القراءة. بينما الفنان نجمٌ جماهيرى ساطعٌ تطارده الأضواءُ ويتسابق الناسُ لالتقاط الصور التذكارية معه. كان الأديب الكبير «آرثر ميلر» يسير مع زوجته الجميلة مارلين مونرو، فيتساءل الناسُ: «مَن السيد الذى يرافقُ النجمة؟» الفنان محفوف بالحب، والكاتب محفوف بالتحفّز والعداء. الفنانُ يمتعضُ وتندهشُ إن صادف شخصًا لم يشاهد أفلامه. فيما الكاتب يستحى أن يسأل، حتى أقرباءه، إن كانوا قد قرأوا كتابه الأخير. الفنان يسير على البُسُط الحمراء فوق أعناق الورود، بينما يسير الكاتبُ التنويرى على أرض موحشة مظلمة فوق أشواك التكفير والمروق إن طرح أفكارًا جديدة غير مُعلّبة، فتطارده قضايا الحِسبة، وقد يعرف طريق المعتقل أو يحظى برصاصة تستقرّ فى رأسه المشاغب حتى يصمت. الفنانُ يثرى ويعيش الرغد فى القصور ذات الحدائق، بينما الكاتب يعيشُ على الكفاف ويدقُّ الفرحُ قلبَه إن استيقظ فى الصباح ليجد أن عود الياسمين النحيل فى شرفته قد أورقَ زهرة صغيرة، ثم يدعو الله ألا يُقصف قلمُه. الفنانُ يتحدث مع أصدقائه عن بيت فى لندن وشاليه على البحر، أو سيارة فان لرحلات السفارى، بينما يشرُدُ الكاتبُ بين رفاقه وهو يُحصى ما فى جيبه من جنيهات وما يتبقى ليكتمل قسط السيارة هذا الشهر. الفنان سعيدٌ بما حصّل من ثراء وحب وشعبية. والكاتب سعيدٌ بما حصّل من كفاف واستعداء وإقصاء. لكن، يوم عيد ميلادى قبل أيام، نظرتُ إلى الأمر نظرة مغايرة، ورحت أتأمل مفهوم الثراء والفقر، لأحدد موقعى بينهما، فاكتشفتُ أننى من أغنى أغنياء العالم.
أنْ يسهر صيدلانىٌّ مصرى يعيش فى أمريكا أيامًا سبعة، وهو يعانى من أوجاع مبرحة فى عموده الفقرى وساقيه، ليرسم وجهى بالفحم على لوحة مذهلة ليقدمها لى فى عيد ميلادى، فذاك يعنى أننى كاتبة ثرية. شكرًا نادر حنّا. أن ينفق فنانٌ ساعاتٍ من يومه ليصمم من أجلى ڤيديو يحمل صورى مع أغنية عيد الميلاد، فذاك يعنى أننى ثرية. شكرًا بخيت فهيم. أن يدقّ جرس بيتى فى الثانية عشرة ظهرًا، لأجد جمهرة استثنائية من الأصدقاء والقراء والأقرباء يمزّقون الفضاء بصخب الزمامير والطبول ورذاذ الجليد والصواريخ والبالونات والطراطير الملونة والورود والضحكات والأغنيات والتورتات والهدايا الجميلة، فذاك يعنى أننى امرأةٌ ثرية. شكرًا چولا وتونى وسالى وخالد وعمر وهدوء ومنى وچيهان وميما وعصام وأحمد وفيليب ومحمد ويوسف وهانى وچورچ وسماح وهدى وفادى وميرڤت وفاطمة وأسامة ونبيل ومازن. أن أطفئ شموعَ خمس تورتات على مدار اليوم مع خمسة أفواج متعاقبة من الزوّار المفاجئين، فذاك يعنى أننى بنتٌ ثرية. أن تصلنى آلافٌ لا حصر لها من رسائل التهنئة من كل أنحاء العالم على بريدى وهواتفى وإيميلى وصفحاتى، فذاك يعنى أننى أثرى امرأة فى العالم.
كتب أجدادُنا الفراعنة على إحدى الجداريات: «كن كاتبًا، تكن على رأس العالم»، أما أنا فأقول: كن كاتبًا صادقًا، تكن أغنى أغنياء العالم.

اتعلِّموا من بوركينا فاسو!! بقلم د. محمود عمارة ٢١/ ٩/ ٢٠١٥

ماذا فعلت «بوركينا فاسو» فى الزراعة؟
(أ) خبراؤهم وضعوا «رؤية استراتيجية».. وافق عليها مجلس الأمة.. قالت: المستهدف هو:
١- الاكتفاء الذاتى من الحبوب، فى أربع سنوات (كانوا بيستوردوا خمسة ملايين طن قمح وذرة وشعير)!
٢- ستصبح «بلاد الفاسو» أولى دول القارة الأفريقية فى إنتاج وتصدير القطن!
٣- عماد النهضة الاقتصادية هو: الزراعة- التصنيع الزراعى- والتصدير!!
وللوصول إلى هذه الأهداف.. وضعوا «خطة».. قالت:
أولاً: نفحت ترعة بطول ٨٠ كم، لنقل المياه إلى ١.٥ مليون فدان فى الصحراء (فحتوها فى ١٨ شهرا)!
ثانيا: عملوا خريطة (للمليون ونص فدان).. والخريطة «لففوها» على الجهات (الجيش- المناجم والمحاجر- والآثار) كل جهة عملت دايرة بالألوان.. وما هو خارج الدوائر من مساحات لا يحتاج إلى موافقات (مش زى عندنا) لف إنت يا مواطن هات الموافقات، ولجان ورشاوى وفساد من أولها، وضيّع من عمرك ٤ سنين!!
ثالثا: قسَّموا المساحات إلى «مُربّعات».. كل مُربّع خمسة أفدنة.. وحطّوا السعر للفدان على كل مُربّع.. المساحات الملاصقة للترعة والخدمات (بألفين دولار).. والبعيدة التالية (بألف دولار).. والأبعد عن الخدمات (مجانا).. بشرط التزام الجميع «بالدورة الزراعية»!!
(عندنا المواطن عليه يُثبت الجدية، ويزرع الأرض.. وبعدين تنزل اللجان، تحدِّد سعر الفدان.. والفساد يشتغل (وحلَّق حوش) وامسك حرامى، والاتهامات مع الفضايح والجُرس، والإشاعات تملا صفحات الجرايد !!!).
(ب) «السياسات»:
أ - جيّشوا الشعب كله تحت شعار: «لا صوت يعلو على صوت النهضة الزراعية».. فى المدارس والجامعات والمناهج والشوارع والإعلام.. «فرسخوا» لدى الناس أن مستقبلهم فى الزراعة والتصنيع الزراعى والتصدير!!
ب - جعلوا البحوث الزراعية على رأس الأولويات.. فأنتجت لهم (تقاوى منتقاة ضاعفت الإنتاجية بـ ١٦ قنطار قطن للفدان (عندنا ٦ قناطير).. القمح ٢٧ أردبا (عندنا ١٦)- شتلات لنباتات الزينة، وبذور الزهور والورود، طبقا لمواصفات الأسواق الخارجية، وطبقا لاحتياجاتها. وأذواق المستهلكين فيها!
جـ- أسطول للنقل الجوى إلى أوروبا.. وتسهيلات للمزارعين والمستثمرين من البنك الأهلى للفلاحة.
د - معارض محلية ودولية، يحضرها رئيس الدولة (عندنا وزير الزراعة بيكسٌّل يروح)!
وهكذا نجحت «بوركينا فاسو» فى الخروج من الفقر (من ٢٥٠ دولارا، وصل دخل المواطن إلى ٢٨٠٠ $)، واكتفوا ذاتيا من الحبوب.. وتربّعوا على عرش الذهب الأبيض، فى قارتنا الأفريقية!! (مصر بتستورد ٤٠ ألف طن» قطن فاساوى (سنويا)!!
سيادتك هتسألنى: جايز الحكومة عندنا ما تعرفش، كل هذه الأفكار؟
هقول لسيادتك:
عام ١٩٨٦ قُلت (حكاية الخريطة اللى بتلف) لرئيس الحكومة وقتها د. على لطفى.. وشاهدى هو السفير رفيق صلاح الدين، بدار القنصلية المصرية بباريس.. وكرّرته للمخلوع مبارك، بمكتبه فى قصر عابدين (مارس ٩٢)، أمام السيد/ عمرو موسى، وزير الخارجية، ود. محيى الغريب، رئيس هيئة الاستثمار.. ثم كرَّرته على د. عاطف عبيد، رئيس الحكومة عام ٢٠٠٠ فى لقاء ثنائى، حضره د. صفوت النحاس مدير مكتبه.. ثم كتبته على نفس هذه الصفحة منذ ٩ سنوات، تحت عنوان: «التجربة الفساوية».. وأيضا قُلت رأيى للرئيس السيسى عندما بادر سيادته بالاتصال بى تليفونيا، بعد شهرين من تولَّيه السلطة!!
والنتيجة: لا فيه «خريطة» عليها الموافقات، ولا عليها الأسعار للفدان ولا يحزنون.. وللأسف قاعدين: «نعُك»، ونخبّط، ونهبّل، ونشتكى من الفساد، والفساد من صُنع الدولة.. ليه؟
١- لو سهّلنا الحياة على الناس (عملنا خريطة عليها الموافقات والأسعار) هيبقى عند المواطن وقت فراغ (هيلسّن على الحكومة - وهيقرف الدولة).. الأحسن خلّيه يلف حوالين نفسه، وخللى الفساد للرُكب عشان الأجهزة الرقابية، تلاقى حاجة تعملها!!
٢ - لازم المستثمر يبقى تحت إيدينا،، يتلامض نقرفه- نسحب منه الأرض- نجّرسه (زى ما بيحصل من ابتزار للجادين-غير المخالفين)!
٣- الموظفين تسترزق، وكل واحد يحط إيده فى جيب التانى- والمحامين تشتغل، والشرطة تاخد نصيبها و.. و..
* وإلاّ لماذا كل هذا «العك».. والحلول تحت رجلينا، وتجارب الدول منشورة ومعروفة؟
والنتيجة:
أتحدَّى لو فيه «عاقل» هيروح يستصلح ويزرع فدان واحد فى الصحرا الآن.. ليه؟
١ - الغلو الفاحش لمدخلات الإنتاج، وسوء حال العمالة (مفيش حد عايز يشتغل) وكل عامل محتاج عسكرى فوق دماغه!
٢- غياب «التعاونيات»، وعدم التزام الدولة بشراء المحاصيل (باستثناء القمح) مع تضارب القرارات الوزارية (نمنع استيراد القطن وبعد أسبوع قرار مُعاكس- ممنوع تصدير الرز ثم النقيض، وهكذا).
٣- دور «الصحافة المرتشية» فى تلويث سمعة المستثمرين الزراعيين «الجادين»، ومحاولات «ابتزازهم» من بعض المرتزقة!!
٤ - عدم تقنين الأراضى للجادين الملتزمين، هيشجّع مين؟
٥ - كل من يزرع الصحرا (يخسر الآن من ٢: ٦ آلاف جنيه فى الفدان) واسألوا من تعرفونهم، أو روحوا جرَّبوا (عدا المنتجين المصدَّرين، والمنتجين المصّنعين) أو من لديه عدة أنشطة، بجانب الزراعة (إنتاج داجنى أو حيوانى)!!
صباح الخير سيادة الرئيس
«منافيستو» النجاح معروف... و«الكتالوج» مكتوب.. اللى عايز ينجح ويقفز «يقرا، ويفهم الكتالوج» ويطبَّقه حرفياً!!
الخلاصة:
نعمل زى بوركينا فاسو.. رؤية استراتيجية (يوافق عليها مجلس النواب) منها «خطط»، و«سياسات»، و«برامج» بآليات، يديرها كفاءات.. هنطير إلى سماء العالمية خلال بضع سنوات.. وتبقى قد الدنيا!!
(وما تنسوش «الخريطة اللى بتلف» عليها الموافقات وأسعار كل فدان «لو عايزين تخلَّصوا على الفساد» بحق وحقيقى!!
حاجه تكسف.. عندما يصل الحال بأحفاد الفراعنة إلى هذا المستوى الفاضح والمهين، وماحدِّش مكسوف من نفسه!!!
نستكمل الإثنين القادم.