Translate

Sunday, February 28, 2021

ضرورة التعلم والتعليم بقلم الأنبا موسى ٢٨/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

■ أولاً: الهدف من العملية التعليمية:

١- من أخطر الأمور فى حياة الإنسان، أن يصبح غير قادر على التعلم، وأن يكتفى بما لديه من معرفة، ويشعر بأنه أفضل من غيره. ولو قارن نفسه بآخرين، وشعر بأنه يعرف أكثر، تكون غالبًا الإدانة والكبرياء.

٢- ويعتبر الهدف من التعليم، هو تغيير نمط الحياة: والحياة تتغير عندما يصحح الإنسان فكره، عن طريق الخبرات التى تأتى من الاحتكاك مع الناس. أو أن يقتنع بفكرة ما، ثم يتحمس لهذه الفكرة، ثم يسلك بحسبها، وهنا يبدأ ذهنه فى العمل، ومشاعره فى التحرك: ماذا ينبغى أن أكون؟ وماذا يجب أن أفعل؟ وبهذا يصحح الإنسان اتجاهاته طبقًا لقناعاته.

٣- وقد قام السيد المسيح باختيار التلاميذ فى (مرقس ١٣:٣-١٤)، ثم أرسلهم للكرازة فى (مرقس ٧:٦)، وما بين الاختيار والإرسال، فقد مكث التلاميذ معه سنة كاملة يتعلمون الخدمة، واستخدم معهم فيها بعض أساليب التعلم، التى نراها حديثًا فى الحياة.. وهناك فرق بين التعليم والتعلم! التعليم... أى ماذا يفعل المدرس؟ أما التعلم فهو ماذا يفعل التلميذ؟

٤- وتعتبر كلمة «ثقافة» أشمل وأوسع من كلمة التعلم والتعليم، حيث يُعرِّف البعض الثقافة بأنها:

- اكتساب درجة من العلم والمعرفة (الإبداع والابتكار الفنى والمعرفى والجمالى).

- أو أنها: السلوك أو نمط التعبير الخاص بمجتمع من المجتمعات، أو جماعة من الجماعات.

- وقال المفكرون: إن «الثقافة» هى المركب الذى يشتمل على: المعرفة، والعقائد، والفنون، والأخلاق، والقانون، والعادات، وغيرها من القدرات التى يكتسبها الإنسان، بوصفه عضوًا فى المجتمع.

■ ثانيًا: الكتاب المقدس وأهمية التعلم والتعليم:

طالما الإنسان فى هذه الحياة، فهناك أهمية وضرورة للتعلم والتعليم. وهناك آيات من الكتاب المقدس أوصت بعملية التعليم التى تبدأ من الوالدين.. حيث يوصى الكتاب المقدس الوالدين بأن يربوا أولادهم فى الرب.. وكلمة «التربية» هنا من الأصل اليونانى تعنى: التدريب والتعليم والتوجيه والتأديب.

وهذه بعض الآيات الهامة فى هذا الموضوع:

١- يشوع بن سيراخ:

أ- «أَدِّبِ ابْنَكَ، وَاجْتَهِدْ فِى تَهْذِيبِهِ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِيمَا يُخْجِلُكَ» (يشوع بن سيراخ ١٣:٣٠).

ب- «مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ، يَجْتَنِى ثَمَرَ تَأْدِيبِهِ، وَيَفْتَخِرُ بِهِ بَيْنَ الْوُجَهَاءِ» (يشوع بن سيراخ ٢:٣٠).

ج- «مَنْ عَلَّمَ ابْنَهُ.. َيَبْتَهِجُ بِهِ أَمَامَ أَصْدِقَائِهِ» (يشوع بن سيراخ ٣:٣٠-٤).

٢- وسليمان الحكيم له وصايا لأبنائه، وهو يشجعهم على التعليم، ويسمى نتيجة تطبيق المعرفة المكتسبة

بأنها حكمة.

أ- «اَلاِبْنُ الْحَكِيمُ يَسُرُّ أَبَاهُ، وَالرَّجُلُ الْجَاهِلُ يَحْتَقِرُ أُمَّهُ» (جامعة ٢٠:١٨).

ب- «اَلْمُقْتَنِى الْحِكْمَةَ يُحِبُّ نَفْسَهُ. الْحَافِظُ الْفَهْمِ يَجِدُ خَيْرًا» (أمثال ٨:١٩).

ج- «أَعْطِ حَكِيمًا فَيَكُونَ أَوْفَرَ حِكْمَةً. عَلِّمْ صِدِّيقًا فَيَزْدَادَ عِلْمًا» (أمثال ٩:٩).

د- «قَلْبُ الْفَهِيمِ يَقْتَنِى مَعْرِفَةً، وَأُذُنُ الْحُكَمَاءِ تَطْلُبُ عِلْمًا» (أمثال ٥:١٨).

٣- ويقول داود النبى فى المزمور: «وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِى» (مزمور ٦٦:١١٩).

٤- ويختم السيد المسيح ذلك بقوله: «تَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنا ٨: ٣٢)، والحق يعنى الحكمة والكلمة والمعرفة. أى أن العلم والمعرفة يحرران الإنسان.

■ ثالثًا: للتعلم أساليب كثيرة ومنها:

١- التعلم الذاتى

٢- التعلم بالمشاهدة

٣- التعلم بالممارسة

٤- التعلم بالتدريب

٥- التعلم بالتلمذة

١- التعليم الذاتى: وهذا يواكب العصر، إذ يعلم الإنسان نفسه بنفسه، أى لا ينتظر التلقين، ولكنه مكون داخليًا لكى يتعلم، ويعرف كل ما هو جديد. ويبحث عن أساليب وطرق التعلم واكتساب الخبرة ويتحرك ذاتيًا لاكتساب كل ما هو جديد من خبرات ومهارات ومعلومات.

- لذلك قال السيد المسيح: «عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ» (عبرانيين ١٣:٣).. كيف يعظ الإنسان نفسه؟ بأن يتعلم هو ذاتيًا، ويبحث ويستفيد من كل شىء.

- ابحث عن فرص الاستفادة ولا تظل منتظرًا التلقين، حتى لا يكون التعليم مجرد عملية حشو، بل يكون بمثابة مضاد داخلى، يفرز كل تعليم، وينمو كل يوم، لأنه لا ينتظر الشبع، فالتعلم عملية مستمرة طول العمر. كذلك يعنى التعلم من الآخرين، مع كونه قادرا على تعليم نفسه بنفسه..

- أخطر شىء فى التربية هو التلقين، والأفضل هو التكوين: تكوين عقل وفكر، فيضع الإنسان لنفسه، من خلال قراءاته، الطعام اليومى الفكرى.. فيشبع نفسه بنفسه.

- ويكون التعلم الذاتى عن طريق: التعلّم المبرمج - أسلوب الاستقصاء والاكتشاف – الأبحاث والمشاريع- أسلوب المشكلة وكيفية حلها - التعلّم الإلكترونى والتكنولوجى (التعلم عن بعد) عبر مواقع التواصل الاجتماعى سواء: (مادة مكتوبة أو مرئية أو سمعية أو... إلخ) – الزيارات الميدانية – العصف الذهنى (Brain storming).

- وحاليًا نظرًا لانتشار فيروس وباء كورونا، ففى بعض دول العالم أصبح التعليم عبر النت (أون لاين)، ودول أخرى مزيج من الاثنين (التعليم التقليدى والتعليم أون لاين)، حتى إن التعليم الذى يتم أون لاين عبر البرامج ومنها (Any-meeting) و(Zoom) يسمح بالتفاعل بين التلميذ والمعلم.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


معركة التنوير الحقيقية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 27/2/2021

 صدر كتاب مهم فى فرنسا عن «دار غاليمار» الباريسية الشهيرة، بعنوان «النبى والجائحة»، للمفكر جيل كيبل، وقد قدم له الكاتب هاشم صالح قراءة فى منتهى الدقة والروعة فى جريدة الشرق الأوسط، سأحاول فى هذا المقال أن أشرككم معى فى بعض منها، فهو يفتح فيها نافذة تفاؤل جديدة لإمكانية التنوير فى العالم العربى، يقول الكتاب:

لن يظل السؤال: هل هذا الشخص سنى أم شيعى؟ عربى أم كردى؟ مسلم أم مسيحى؟... إلخ، وإنما سيصبح هو التالى: هل هذا الشخص حداثى تنويرى فى فهمه للدين أم تقليدى ظلامى؟ هل يشد إلى الأمام أم يشد إلى الخلف؟ هل يستوعب الدين الإسلامى بشكل عقلانى واسع متسامح أم بشكل طائفى ضيق متعصب؟ وهل أنت من أتباع طه حسين ونجيب محفوظ أم من أتباع حسن البنا وسيد قطب؟ باختصار شديد: هل أنت من أتباع إسلام الأنوار أم إسلام الظلام؟ هذا هو السؤال المركزى الذى سوف يهيمن على المثقفين العرب طيلة العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة.

المعركة مندلعة، إذن، بين تيارين كبيرين: الأول يريد أسلمة الحداثة، والثانى يريد تحديث الفكر الدينى. الأول يريد إبقاءنا إلى الأبد سجناء ما يدعوه محمد أركون بالسياجات الدوغمائية المغلقة، والثانى يريد إخراجنا منها، ولكن بصعوبة شديدة وألم مرير.. فنحن قد وُلدنا فيها، وتعودنا عليها، ورضعناها مع حليب الطفولة، وتربينا عليها فى البيوت والمدارس والجوامع والجامعات والفضائيات... إلخ، فكيف يمكن أن ننفصل عنها؟ نفضّل أن تُزهق روحنا على أن يحصل ذلك!

لا يعتقدن أحد أن الإسلام السياسى يعيش الآن أجمل لحظاته، فالواقع أنه فقد شعبيته إلى حد كبير من بغداد إلى تونس. قبل عشر سنوات فقط، كان مترعرعاً مسيطراً على ما يُدعى «الربيع العربى». ولكن الثورات التى اندلعت مؤخراً فى العراق ولبنان والجزائر والسودان لم تندلع باسمه أبداً، ولم تكن له فيها مشاركات تُذكر، على عكس ما حصل سابقاً. وهذا شىء مفرح بالنسبة لقضية التنوير العربى، وهو دليل محسوس على أنه يمكن تجاوز جماعات الإخوان المسلمين، وبقية جماعات الإسلام السياسى، وهو كذلك يثبت صحة مقولة هيجل عن مكر العقل فى التاريخ، فالعقل الكونى يستخدم الشر لتحقيق الخير، أو قل لا يمكن أن يتوصل إلى الخير إلا بعد المرور بمرحلة الشر. وهذا ما اكتشفه المتنبى قبل هيجل بزمن طويل: «ولا بد دون الشهد من إبر النحل». ينبغى أن ندفع ثمن التقدم عداً ونقداً. ينبغى أن ندفع ثمن كل خطوة إلى الأمام دماً ودموعاً. وهذا أذكى أنواع «المكر»، بالمعنى الإيجابى النبيل للكلمة، لأنه يعكس الشر ضد ذاته. بمعنى آخر، لولا الفظاعات التى ارتكبتها حركات الإسلام السياسى فى الجزائر إبان العشرية السوداء، لما فقد الأصوليون السيطرة على الشارع فى «الحراك» الذى حصل مؤخراً. هذه أشياء ينبغى أن تقال. قبل ذلك كانت الجماهير مخدوعة بالإسلام السياسى، بل كانت تعتقد أنه الحل والخلاص والترياق، فإذا بها بعد عشر سنوات فقط تكتشف الخيبة والمرارات، فالإسلام بصيغته التكفيرية الظلامية لا يمكن أن يكون حلاً، وإنما فقط بصيغته التنويرية. ولكن الانتقال النهائى من هذه إلى تلك قد يستغرق عشرات السنوات المقبلة، كما علمتنا تجربة أوروبا ذاتها. وبالتالى، فنحن لا نعتقد أن المسألة قد حُسمت تماماً.. هذه قضية كبيرة، هذه قضية القضايا ومعضلة المعضلات، ولكن حصل تقدم فى السنوات الأخيرة، والشعوب العربية سائرة نحو الاستنارة لا محالة.


Saturday, February 27, 2021

أنا الساكنة فوق الكُلَى أتحدث إليكم! بقلم د. وسيم السيسى ٢٧/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 أنا الغدة التى تجلس فوق الكلية وأسمى «الغدة الكظرية»، ولى أخت تجلس فوق الكلية الأخرى، ونشكر جراحى الكلى والمسالك البولية لحرصهم علينا أثناء الجراحة على الكلى، لى قلب وجسد من ثلاث طبقات، أما عن قلبى فهو الذى يتلقى الأمر مباشرة فى جزء من الثانية من المخ! فأدفع بالأدرينالين الذى يجعلك تهرب أو تهاجم، كما أدفع بالدم إلى قلبك ومخك حتى تفكر جيدًا فى هذا الموقف العصيب.

أما عن جسدى، فالطبقة الخارجية ورمزها G، تتلقى الأمر من الغدة المايسترو المسماة «النخامية» والمقيمة فى العلالى، أعنى المخ، يأتينى الأمر: «الضغط واطى، اتصرفى!»، فورًا أستجيب للأمر وأفرز هرمون اسمه «الدوستيرون»، يأمر الكلى بعودة الماء والصوديوم من البول للدورة الدموية فيرتفع الضغط!، خذوا حذركم منى لأنه إذا اتجننت بعض خلايا طبقتى هذه أو أصابنى ورم، فهذا هو الضغط العنيد الخبيث، وعليكم بالتحاليل والأشعة المقطعية أو الرنين.

أما طبقتى الثانية وهى تحت الأولى، ويرمزون لها بالطبقة F، فهى تتلقى الأمر من المايسترو: «إلحقى صاحبك أو صاحبتك، السكر هابط فى الدم».. أقوم فورًا بإفراز الكورتيزون الذى يحول الجليكوجين فى الكبد إلى جلوكوز.. صحيح أنى أُضعف جهاز المناعة، ولكنها فترة قصيرة، كما أُضعف العظام، ولكنها أيضًا فترة مؤقتة.

أما الطبقة الثالثة من جسدى فهى تحت الطبقتين السابقتين، ويرمزون لها بالحرف R.. هذه الحروف الثلاثة رموز لأسماء لاتينية لا داعى لكتابتها، هذه الطبقة تتلقى أوامرها من السيد الساكن هناك فى الجمجمة والمسمى «النخامية»، فتقوم بإفراز كميات قليلة من الهرمون الذكرى، هذا الهرمون يقوم بصفات الذكورة عند الذكور مثل الذقن والشنب، طبعًا بالإضافة للهرمون الذكرى الذى تفرزه الخصيتان، الشىء العجيب أن طبقتى الثالثة هذه تفرز نفس الهرمون الذكرى عند الإناث! لأن له وظيفة مهمة جدًا عند النساء ألا وهى الرغبة الجنسية، كما وجدنا البرودة الجنسية عند المرأة التى يقل لديها هذا الهرمون، ولكن إياكم أن تفسروا كل حالة برودة جنسية عند المرأة بتقصيرى فى إفراز هذا الهرمون، فأنا أذكركم بما قالته سيمون دى بوفوار:

«ليست هناك نساء باردات، هناك رجال حمقى أغبياء!». أنا وأختى كالديدبان الساهر لملاحظة الأخطار التى تحيط بكم من الخارج أو من داخلكم كالسكر المنخفض أو الضغط المنخفض.. فإذا استقرت الأمور، أرسلنا لِسِتّنا النخامية وسيدها الهيبوثالماس Feed Back: «كله تمام وأنتم فى الأمان!».

فها هو ذا أمير الشعراء يشدو:

تلك الطبيعة قف بنا يا سارى/ حتى أريك بديع صنع البارى

الأرض حولك والسماء اهتزتا/ لروائع الآيات والآثار

من شك فيه فنظرة فى صنعه/ تمحو أثيم الشك والإنكار.


لماذا نعترض على قانون الأحوال الشخصية؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 26/2/2021

 مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد أثارت كثيراً من اللغط، وأفضل من فنّدت وقدّمت مبررات الاعتراض على هذا القانون ونقاط ضعفه وعواره وعيوبه الجسيمة كانت المحامية القديرة نهاد أبوالقمصان، وهذا بعض ما طرحته:

- عدم الاعتراف بالأهلية القانونية للنساء، حيث لا تستطيع المرأة عقد زواجها مهما بلغت من السن أو المكانة العلمية أو حتى السياسية، مما يجعل وزيرة فى الدولة تستطيع عقد عقود بمئات المليارات باسم الدولة، لكنها تحتاج إلى ولى ذكر ولو أصغر منها سناً لعقد زواجها.

- عدم الاعتراف بحق النساء فى اختيار الزوج، ويحق لأى ذكر فى العائلة فسخ عقد زواجها، استناداً إلى ما يراه «عدم التكافؤ».

- استكمال الاستناد إلى مذهب الإمام أبى حنيفة كمرجع وحيد دون باقى المذاهب أو مبادئ الشريعة، مما يؤدى إلى حق أى ذكر فى العائلة منع النساء من السفر مهما كان منصبها أو متطلبات السفر.

- غير ترتيب الأب فى حضانة الأطفال ليتقدّم بعد الأم والجدات، ولكن لم يذكر الأم على الإطلاق فى الولاية على الأطفال، وبناءً عليه لا تتمكن الأم من التالى:

- قيد ميلاد طفلها.

- لا تستطيع الإشراف على أمواله، أو حتى معرفة وضعه المالى وحماية مصالح الطفل من ولاية جد ربما يستولى على أمواله.

- لا تستطيع اتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية له.

- لا تستطيع استخراج جواز سفر لابنها أو بطاقة شخصية أو دعم طفلها فى أى تعامل قانونى باعتبارها أماً.

- لا تستطيع اختيار نوع التعليم أو التدخل الدراسى إلا فى حال الخلاف مع الأب وصدور أمر قضائى بالولاية التعليمية.

- منع سفر الأم الحاضن بالطفل بغير إذن غير الحاضن، لكنه لم يقيد سفر الأب بالطفل، مما يفتح الباب لخطف الأطفال خارج البلاد.

- نظم ما يُسمى بحق الأب فى استضافة الأطفال فى حالة الخلاف مع النص على الحبس فى عدم إعادته إلى الأم، ولم ينص على أى آليات تنفيذية تضمن سلامة الطفل النفسية والجسمانية آو تحميه من التّعدى.

- لم يسهم القانون فى تقديم أى تصور إجرائى تنظيمى يسهم فى حسم المشكلات الإجرائية فى المحاكم، والتى تجعل دعاوى الأسرة، ومن أخطرها النفقة، تمتد لسنوات، مما يؤدى إلى وضع الأطفال فى حالة من الجوع والعوز.

- أبقى عبء إثبات دخل الزوج فى النفقات على الزوجة دون تقديم أى تصور حديث أو مميكن للإثبات، مما يجعل معاناة الأمهات والأطفال فى البحث عن الإثبات لا تتوقف.

- لم يسهم فى تقديم حل ناجز فى ضمان مسكن للأطفال فى حال الخلاف لحمايتهم من المبيت فى الشارع فى حال طردهم من منزل الزوجية.

- ألغى اختصاص المحاكم الجنائية فى ما يتعلق بمنقولات الزوجية، مما يحرم النساء من أى قوة ضاغطة لتسلم منقولاتها، لتصبح فى حال الخلاف بلا سكن أو فرش.

- لم يقدم أى رؤى تتماشى مع تغيرات العصر وتطور أدوار النساء التى أصبحت تعول بمفردها ما يقرب من ثُلث الأسر المصرية وتسهم فى الإنفاق بدرجة كبيرة فى أغلب الأسر.

- لم يتطرق لتنظيم الطلاق وجعله أمام القاضى لحسم الحقوق المترتبة عليه.

- لم يتطرق لتنظيم التعدّد الذى يدمر أسراً كاملة.


Friday, February 26, 2021

بورتريه د. ثروت عكاشة بريشة د. أحمد عكاشة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/2/2021

 فى مئوية د. ثروت عكاشة لن نجد أفضل من شقيقه رائد الطب النفسى د. أحمد عكاشة، ليرسم لنا بورتريه شخصية هذا الرائد الثقافى الكبير من خلال قلمه وريشته المبدعة، هذه الكلمات من ذكريات المحاضرة التى ألقاها د. ثروت فى صالون د. أحمد عن الفن والتطهر النفسى، كتب د. أحمد عكاشة:

هناك سمات فى شخصية ثروت لا يعرفها الكثيرون عنه، فعادة ما يتّجه إدراك الناس إلى أن الفنان يعيش حياة عشوائية لا يفكر فى الغد، وأنه غير منظم ويأتى إنتاجه خلال لحظة إلهام، وأنه كى يخلق فناً ينبغى عليه الانتظار حتى يهبط عليه الوحى أو تنزل عليه «العصفورة» وأنه يتميز برومانسية غير واقعية ولكن إذا نظرنا إلى سمات ثروت «المثابرة - الإصرار - العمل الجاد - امتصاص الثقافة وهضمها بكل أنواعها»، لوجدنا أنه يعمل حتى انتقاله، ما لا يقل عن ثمانى إلى عشر ساعات يومياً.

إن التناقض الشديد فى سماته بين الرومانسية والواقعية والخيال والدوجماتية والإبداع الفنى مع الالتزام الشديد بالدقة والتفاصيل والموضوعية يشير إلى أننا أمام فنان فى ثوب عالم، نقول فى مجال العلوم العصبية والنفسية إن الفص السائد فى مخ هؤلاء الذين يكتبون بأيديهم اليمنى هو الفص الأيسر، وهو الفص المسئول عن المنطق والسببية والتنفيذ والواقعية، أما الفص الأيمن فهو المسئول عن «الزمن - المسافات - التذوق الجمالى - إدراك المشاعر»، وكأنما الفص الأيسر هو فص العالم، والفص الأيمن هو فص الفنان، وعادة ما يتميز الإنسان بتغلب أحد الفصين على الآخر، ولكننا نكتشف عند «ثروت» سيادة الفصين وإلا فكيف نفسر نشأته كضابط فى سلاح الفرسان، وخوضه حرب 1948 مع الولع الشديد بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية؟ وكيف يكتب كتاباً عن الحرب الميكانيكية وفى الوقت نفسه يترجم رومانسيات «جبران خليل جبران» إلى العربية؟ كيف يكتب عن «جنكيز خان»، ثم يصدر كتاب «مولع بفاجنر»؟ كيف يترجم فن الهوى لـ«أوفيد» ويعقبه كتاب عن منمنمات الفنان الواسطى من خلال مقامات الحريرى؟

وكيف أن موسوعاته «العين تسمع والأذن ترى» -وهذا العنوان يحمل فى رأيى المعنى العميق للتذوق الفنى- فالبعض يقول إن الحواس الخمس تعمل فى وقت واحد عندما يهز إدراك الفن وتذوقه النفس البشرية. التذوق الفنى يجعل براعم التذوق فى الفن تحس بالشعر، وتجعل العين تبصر الموسيقى، وتجعل الأذن ترى الصورة، وتجعل حاسة الشم تشبع بالصورة واللحن، وأخيراً حتى حساسية الجلد تصبح هدفاً للتذوق الفنى، أى أن الإنسان الذى يستطيع أن يسمع ويبصر ويشم ويتذوق ويحس بالموسيقى هو الذى يحقّق الإشباع الفنى ويبلغ مرحلة تحقيق الذات.

أثناء قيامه بعمله فى باريس كان يتقدّم لرسالة الدكتوراه فى الأدب العربى من جامعة السوربون عن «ابن قتيبة». هذا هو المقصود من سردى المطول كى أصل إلى تحليل شخصية «ثروت»: «التناقض والتفانى مع قطبى الواقعية والوطنية والرومانسية والإنسانية، وقد ترك ثروت منصبه كوزير للثقافة مرتين، كان بينهما رئيساً لمجلس إدارة البنك الأهلى، حيث جعل البنك يقتنى أجمل اللوحات المصوّرة والمنحوتات المصرية، وتبنى عدة مواقف ثقافية كمعظم البنوك العالمية.

إن هذه الأمثلة تعزّز سيادة فصى مخ ثروت: الفص الأيسر، العالم الدقيق الموضوعى المنظم المثابر الجاد، مع الفص الأيمن، الفنان الرومانسى الشاعرى المتذوق للفن بفروعه كافة، من موسيقى إلى أدب إلى شعر إلى تصوير إلى نحت، إلى الفروسية والشهامة والحفاظ على الكرامة، وهو التباين أو التناقض الذى لم أجده خلال احترافى للسلوك الإنسانى لمدة ستين عاماً، لم أجد هذا التزاوج بين الواقعية والرومانسية أو هذا التناغم بين الرقة والشهامة، لقد ضحى «ثروت» بالصورة الاجتماعية والإعلامية فى سبيل التحقيق من الجدية والكيف، حيث كانت علاقته بالإعلام خلال فترة توليه مسئولية وزارة الثقافة، لا تتمتع بما يقال عنه اليوم من التلميع الإعلامى!!


Tuesday, February 23, 2021

بين زغلول ١٩١٩ والبرادعى ٢٠١١ بقلم د. محمد أبوالغار ٢٣/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

اقترح علىّ المهندس اللماح هشام فتوح أن أعقد مقارنة بين سعد زغلول ومحمد البرادعى أهم شخصيتين فى ثورتى ١٩١٩ و٢٠١١. وترددت قليلاً لأن المقارنة لن تكون سهلة، وسعد زغلول له صورة ذهنية عظيمة فى عقول وقلوب المصريين، ومحمد البرادعى يعيش فى النمسا بعيداً عن الوطن وعن الساحة.

سعد زغلول بدأ مناضلاً واشترك فى الثورة العرابية، وسجن فترة قصيرة وخرج من السجن ليعمل كمحام، ثم تزوج بنت مصطفى باشا فهمى رئيس الوزراء صديق الإنجليز. وتولى وزارة المعارف (التعليم) وأظهر نشاطاً كبيراً وتحديثاً للتعليم وصادق اللورد كرومر الحاكم الفعلى لمصر سنوات طويلة، ولم يعرف عنه فى هذه الفترة أنه ناشط وطنى ضد الإنجليز. وبدأ نشاطه السياسى الشعبى فجأة حين ترشح للجمعية التشريعية ونجح فى أن يكون نائباً لرئيسها عام ٢٠١٣.

محمد البرادعى تخرج أيضاً فى كلية الحقوق والتحق بالسلك الدبلوماسى، وانتدب بالمنظمات الدولية وحصل على الدكتوراة والتحق بالعمل فى منظمة الطاقة الذرية، حتى وصل إلى منصب رئيس المنظمة وحين حققت المنظمة نجاحاً حصل البرادعى على جائزة نوبل للسلام، وهى جائزة يمنحها برلمان النرويج وفيها جانب سياسى وليس لها علاقة بالأكاديمية السويدية التى تعطى باقى الجوائز بناء على قواعد راسخة ومحايدة. وبذا أصبح البرادعى نجماً فى العالم ونجماً كبيراً فى وطنه مصر الذى غادره منذ أن أنهى دراسته الجامعية وأصبح ارتباطه به محدوداً للغاية، وحصل على قلادة النيل تقديراً لجهوده العالمية، وهو أعلى وسام مصرى.

سعد زغلول ابن عائلة ريفية غنية نسبياً ولكنها ليست إقطاعية وأبوه كان عمدة ولم يكن بك ولا باشا. تربى فى القرية ثم فى الأزهر وأخيراً فى الحقوق الفرنسية، فحياة القرية وأحوالها المعيشية راسخة فى ذهنه وتربيته الأزهرية جعلته قريباً من البسطاء واستطاع أن يدخل فى أوساط الباشوات بعد زواجه وعاش حياتهم.

البرادعى تربى فى المدينة فى أسرة غنية، أبوه كان صاحب جاه ونفوذ وانتخب نقيباً للمحامين، ولذا كان اختلاطه بزملاء من نفس المستوى الاجتماعى ثم ترك مصر إلى الخارج حيث أقام طوال حياته بعيداً عن الوطن باستثناءات قليلة.

سعد زغلول والبرادعى كلاهما دخل الساحة السياسية لتحرير الوطن. زغلول رأس الوفد المصرى الذى قابل السير ونجت مطالباً بإلغاء الحماية على مصر، إلى قيادة المقاومة الشعبية ضد الإنجليز مطالباً بالاستقلال وبصياغة دستور جديد وإقامة حياة نيابية سليمة. ومحمد البرادعى كان يريد نظام حكم ديمقراطى وحياة برلمانية سليمة وتحقيق الحرية للمصريين.

سعد زغلول قدم مطالبه إلى المحتل وقاومه على الأرض وخطب فى الناس وقام بتجميعهم واضطر الإنجليز إلى نفيه لمدة شهر ثم أفرجوا عنه فذهب إلى باريس فى محاولات لجذب انتباه العالم للمسألة المصرية ثم عاد إلى مصر ليقود المعركة ضد الإنجليز، وقامت بريطانيا بنفيه للمرة الثانية بعيداً إلى جزيرة سيشيل. وقبل القبض عليه قاد مجموعات من المصريين وطلب منهم توكيلا للوفد المصرى بقيادته ثم كان مفاوضاً صلباً للإنجليز حتى اضطرت فى النهاية لإعادته لمصر، وتحقق لمصر دستور وبرلمان، وأصبح زغلول رئيس الوزراء ضد رغبة الإنجليز أكبر قوة فى العالم وضد رغبة الملك فؤاد.

محمد البرادعى أصدر بياناً قوياً نشره فى فيينا مطالباً بالديمقراطية والحرية للمصريين، وأعلن عن حضوره للقاهرة بعد غياب سنوات طويلة. وعندما حضر إلى مطار القاهرة كان فى استقباله أعداد غفيرة من الناشطين المصريين ومنع نظام مبارك أعداداً من الشباب من الوصول للمطار. خرج البرادعى من باب كبار الزوار وركب سيارته وانطلق إلى بيته وفاته أن يلقى بالتحية على المئات الذين ذهبوا لاستقباله فى المطار، وعلق أحدهم بأن هذا التصرف ليس من صفات الزعماء. ثم قابل البرادعى فى بيته مجموعة من حوالى ٢٥ ناشطاً من مختلف الاتجاهات السياسية وتكونت الجمعية الوطنية للتغيير بصعوبة بعد أن ضغط عليه الحاضرون، فهو لم يكن يريد التورط فى مسؤولية جمعية يقودها ليس خوفاً من نظام مبارك بل لعدم رغبته فى أن يكون قائداً لعمل منظم له تبعاته ومسؤولياته.

خلال العام السابق للثورة سافر البرادعى إلى المنصورة وأقيم له استقبال حافل، ولكنه كان واضحاً أن عنده صعوبة فى لقاء الجماهير والأعداد الغفيرة، هنا كان الفارق الكبير بين سعد زغلول المحب للجماهير والتى احترمها وقادها بمهارة بالغة وبين عدم قدرة البرادعى وربما خوفه وفى الأغلب عدم رغبته فى الاختلاط بالعوام والبسطاء. ربما لأنه لم يختلط بالشعب طيلة حياته خارج مصر، وربما لتركيبته الخاصة. حدث نفس الشىء بعد ٢٥ يناير حين كان يقابل مراسلو كبار الصحف العالمية ولم يتمكن الكثير من المصريين الذين يريدون لقاءه من مقابلته. سعد زغلول بذل مجهوداً كبيراً فى تكوين حزب الوفد، ورتق الخلافات بين أعضائه وخاض المعارك الضخمة معهم، ومحمد البرادعى بصعوبة بالغة وافق على تكوين حزب الدستور، ولم يهتم بقيادته ورفض عرضاً بتوحيد كل الأحزاب السياسية التى خرجت من رحم الثورة تحت رئاسته. وعندما ظهرت المشاكل بين الإخوان وبقية الأحزاب تكونت جبهة الإنقاذ ولم يستطع قيادة المجموعة فكان يفضل التحدث فى غرفة مغلقة مع عدد قليل من الناس ينتقيهم بنفسه ولا يتعامل مع الواقع السياسى. فى النهاية بعد ٣٠ يونيو حين أصبح نائباً لرئيس الجمهورية استقال وسافر إلى فيينا حيث الهدوء وراحة البال التى يبغاها بينما سعد زغلول بعد مقتل السيردار الإنجليزى اضطر إلى الاستقالة ولكنه استمر فى النضال ضد الإنجليز وضد المعارضين للوفد.

الخلفية الاجتماعية والسياسية ومكان المعيشة وطريقة الحياة خلقت شخصيتين مختلفتين تماماً كلاهما وطنى يحب مصر ويريد أن يعمل لصالحها ولكن لكل شيخ طريقة تناسبه.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


ثروت عكاشة.. أندريه مالرو مصر - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/2/2021

 يُعتبر الاحتفال بمئوية د. ثروت عكاشة حدثاً لا بد من الاحتفاء به، ولا بد أيضاً من تقديم الشكر لوزيرة الثقافة التى تحمست لهذه الاحتفالية التى ستتخطى حدود الأمسية أو اللقاء، بل ستمتد لتشمل كل معهد فنى بناه وفكّر فيه هذا البنّاء الثقافى العظيم، أندريه مالرو مصر.. الأكاديمية، قصور الثقافة، المعابد الفرعونية التى تم إنقاذها فى عهده، فيلم المومياء الذى لولاه ما خرج إلى النور، كتبه الفنية التى تعلمنا من خلالها ما هو الفن! كل تلك الأشياء ستحتفل بهذا المثقف العظيم الذى منح مصر كل كيانه، وعشقها حتى الثمالة، جندياً ومسئولاً وفناناً ومفكراً، سأعرض للقراء بعض ما كتبه عنه مثقفو مصر مما تسمح به المساحة:

«أيها البنّاء العظيم للبشر قبل الحجر، ولأعمدة النهضة لا دعائم السلطة، سقطت قلاع كثيرة منذ رحيلك عن ميدان العمل الثقافى، لكن قلاعك الجديدة التى شيّدتها بقلمك ورسمت على جدرانها أوجه الجمال السبعة وُجدت لتبقى راسخة أبد الدهر، ومنها سوف يستمر إشعاع تنويرك، فرحيلك الجسدى سوف يزيدها إشعاعاً وتنويراً».

الفنان التشكيلى عز الدين نجيب

«من عاش قاهرة الستينات يدرك جيداً أن ثروت عكاشة قد جعل من القاهرة إحدى العواصم الثقافية الكبرى فى العالم، كان بإمكاننا وقتها أن نحضر حفلتين أسبوعياً لأوركسترا القاهرة السيمفونى تخصص الحفلة الصباحية منهما للطلبة بسعر موحد خمسة قروش للتذكرة، ونحضر موسم الأوبرا الإيطالى ونشاهد عروض البولشوى وباليه لينينجراد وفرقة موسييف الذائعة الصيت للفن الشعبى على مسرح دار الأوبرا، وفرقة «الأولدفيك» البريطانية العريقة على مسرح الصوت والضوء بالهرم، وفرقة تساندريكا الرومانية للعرائس التى كانت الفرقة الأولى للعرائس فى العالم وقتها، وكذلك مسرح موسكو للعرائس «مسرح أبراشوف» الذى يُعد من أهم مسارح العرائس فى العالم على خشبة مسرح القاهرة للعرائس الذى تم إنشاؤه أيضاً فى تلك الفترة وقدم عروضاً مرموقة ما زلنا نشاهدها حتى الآن، ولعل «الليلة الكبيرة» خير شاهد على ذلك».

المخرج محمد كامل القليوبى

«كنت أعرفه قبل أن أراه، أعرفه من خلال ما كان يقوم به كوزير للثقافة وما يقدمه لنا كباحث وعالم ومؤرخ وفنان.. وأخيراً تسللت من بين سطور مذكراته لأستشف من خلالها الإنسان الكبير والروح الهفهافة الباحثة عن الجمال والهارمونى فى كل ما تراه وتلمسه وتبحث عنه. كنت أتابع بذهول ما فعله لمصر وللثقافة العربية وكيف بنى جسوراً من ذهب وياقوت تربط بين حضارة عربية إسلامية عريقة وبين معالم حضارة أوروبية ما زالت مشاعلها تضىء أرجاء الدنيا.. إنه واحد من هؤلاء الفرسان الكبار بدءاً من رفاعة الطهطاوى وصولاً إلى طه حسين وتوفيق الحكيم، عرف كيف يمسك بالخيوط السحرية التى تجمع بين دفقات عمر الخيام الفارسية وبين أصداء «ليليات» شوبان المليئة بالشجن.. وبين الرسومات الإسلامية المغرقة فى تجريبيتها المبكرة وبين أعمال شاجال ودوفى المنمنمة وألعابه بالسحر الأسطورى».

الناقد السينمائى رفيق الصبان

«هو الأديب العاشق للحياة بكل ما فيها، متذوقاً لفنونها وجمالها، متربعاً على عرش الثقافة المصرية بل والعربية، المثقف الواعى الذى سبق أجيالاً وأجيالاً بما قدمه للحياة الثقافية فى مصر فى شتى المجالات الفنية والثقافية، فقد كان وزير الثقافة المثقف المستنير الذى أنشأ وأرسى قواعد التعليم الفنى فى مصر، فلم تكن هناك مؤسسات حكومية تقوم بنشر الفنون، ولذا أنشأ أكاديمية الفنون عام 1959 بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومى بسنة واحدة، ومن خلال تلك المؤسسة، وهذا الصرح الثقافى العظيم، استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية، فقد كانت هى إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية والانفتاح عليها، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية فى كثير من المجالات، حيث بدأ التعاون مع بعض الدول الأجنبية لاستقدام أساتذة أجانب لتولى عملية الدراسة للطلاب المصريين فى أكاديمية الفنون من خلال دراسة أكاديمية متخصصة، والذين أصبحوا يقودون العملية التعليمية والثقافية فيما بعد، وصولاً لتمثيل مصر فى المهرجانات والمسابقات الدولية والعالمية ووضع فنون مصر على الخريطة العالمية».


Saturday, February 20, 2021

الشباب الذى نريده.. النضوج الروحى بقلم الأنبا موسى ٢١/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

فى حديثنا الماضى تحدثنا عن النضوج الجسدى والنفسى والعاطفى وتكوين عادات مفيدة، واتجاهات بناءة وإرادة سليمة.

ويبقى ضرورة النضوج الروحى، وهو حديثنا بإذن الله.

رابعًا: النضوج الروحى:

النضج الروحى هو نمو من مستوى الحس إلى العاطفة إلى العقل إلى الروحانية الإنسانية.. إلى الروحانية الوجدانية.

يقول الكتاب المقدس: «كُونُوا رِجَالًا. تَقَوُّوا. لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِى مَحَبَّةٍ» (١كو ١٣:١٦-١٤).

كلمة رجولة لا تعنى أنها تطلق على المذكر.. ولكن تعنى رمزًا للنضج، فالطفل صار شابًا وبدأ يمشى على رجلين. فالنضج الروحى أو الرجولة الروحية هى رمز لبعض الصفات التى يتصف بها الرجال وهى كما وضحها القديس بولس:

- الصفة الأولى: الجدية.       - الصفة الثانية: الموضوعية.           - الصفة الثالثة: القوة.

أولًا: الجدية: يقول سفر الأمثال: «الرخاوة لا تمسك صيدًا، أما ثروة الإنسان الكريمة فهى الاجتهاد» (أمثال٢٧:١٢)

١- المفروض فى حياتنا الروحية.. وحياتنا بصفة عامة أن يكون فيها نوع من الجدية.. لأن الرخاوة لا تصنع الرجال إطلاقًا.. ولذلك فإن الإنسان الذى يود أن يكون ناجحًا فى أى عمل من الأعمال، من الضرورى أن يتصف بالجدية.. فالطالب مثلًا إن لم يأخذ المذاكرة بجدية، ومثابرة، لا يمكن أن ينجح، لأنه من الضرورى أن أبذل جهدى وبعد ذلك ربنا يكمل هذا الجهد، ويكلله بالنجاح. ولذلك يقول الحكيم سليمان: «الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا» (أمثال ٢٧:١٢).

ثانيًا: الموضوعية:

١- المحور الذى يدور حوله نشاط البشر هو أحد موضوعين:

١- محور الذات.           ٢- محور الموضوع.

١- محور الذات:

أ- فأى شخص تكون كل اهتماماته حول ذاته، يكون كل تفكيره وكل كلمة يقولها.. تدور حول المحور (أنا).. إنه يريد كل الناس تتكلم (عنى أنا!) فيبحث عن كل المحاور، وعن كل الأفكار، وعن الأحاديث والتصرفات، ولكن من خلال محور ذاته، وهذا يقود الإنسان إلى نوع من السطحية وعدم الكفاءة.

ب- فالإنسان عندما يتكلم عن نفسه كثيرًا، ويتصرف تصرفات تبرز ذاته وشخصيته، لكى يكون موضع أنظار كل الناس.. فهذا الإنسان من الداخل يخلو من كل موضوعية، لأنه مهووس بأهمية الذات، وهى مجموعة من العواطف، والعواطف متغيرة، فيكون إنسانًا متقلبًا، فما يرضيه اليوم لا يرضيه غدًا! والشىء الذى يبرزه فى ذاته اليوم غير الغد، وهكذا نجده إنسانًا مزعزعًا وضعيفًا.

٢- محور الموضوع:

١- فالإنسان الموضوعى.. دائمًا محور تفكيره الموضوع: ما هى القضية؟ نحن تتناقش مع بعض فى موضوع.. وليس فى الكلمة التى أقولها.. فالإنسان الموضوعى لا يحول النقاش الموضوعى إلى مناقشة جدلية، (كأن أحاول إقناع الذى أمامى بشىء خطأ)، بل نكون موضوعيين فى أحاديثنا.. موضوعيين فى كلامنا.. موضوعيين فى تصرفاتنا.

٢- والمواضيع تختلف حسب أهميتها.. فلابد أن أهتم بالبناء، وليس فقط مجرد أن أتكلم.

- والقديس بولس الرسول يقول: «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِى، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِى» (١كورنثوس ٢٣:١٠)..

- ولذلك فالمحور الذى يحدنى فى اختيار الأشياء التى أتكلم فيها أو أتصرف بناءً عليها، هو الأشياء التى تبنى.

ثالثًا: القوة:

١- «كُونُوا رِجَالاً. تَقَوُّوا» (١كورنثوس ١٣:١٦).. فالحياة الروحية لا تنجح مع الإنسان الضعيف روحيًّا. فالإنسان الضعيف غالبًا لا يريد أن يجاهد ويستخدم الإمكانيات والقدرات المعطاة له من الله.. فقد يتقمص شخصية ناجحة للوصول إلى الهدف.. فيقلد فلانًا لأن شخصيته ناجحة، فى كلامه، وفى تصرفاته، وفى كل شىء.

٢- كل فرد منا أعطاه الله إمكانيات وقدرات كثيرة جدًا، ولا يوجد أحد لم يأخذ، فكل فرد منا خصه الله بإمكانيات وقدرات تختلف عن الآخر.. بعدد أفراد البشر. كما تختلف البصمة من الشخص لآخر، والآن يقولون أيضًا: إنه حتى البصمة الصوتية تختلف، فكل واحد له صوت يختلف عن كل الناس، من أول آدم إلى نهاية الخليقة.. هكذا توجد بصمة روحية لكل فرد فينا.

٣- «لا تكن ظلًّا لأحد» لتكن بالإمكانيات واستثمر القدرات التى أعطاها لك الله، واعمل بها.. والله عنده فيض من الغنى، وقادر على أن يعطى لكل إنسان قدرات فريدة.. ولا تختر الطريق الصغير بل السهل، وينبغى أن نمتثل بالنحلة، التى تذهب لكل الأزهار وتأخذ الرحيق، من كل زهرة، وتُكّون فى النهاية العسل.. فالنحلة إذا اكتفت بزهرة واحدة تأخذ منها كل الرحيق لا يمكن أن نأخذ منها العسل.

٤- الله أعطى لنا قدرات وإمكانيات، فقط علينا أن نكتشفها فى اتضاع، ونشعر أن صاحب هذه القدرات وهذه الإمكانيات هو الله. ولذلك يقول معلمنا يعقوب الرسول: «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِىَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِى الأَنْوَارِ» (يعقوب ١٧:١).

٥- الله لم يخلق إنسانًا ضعيفًا، بل خلقنا أقوياء، وكلما اقتربنا من مصدر القوة (الله نفسه) ازددنا قوة.

٦- والشخصية السليمة تتكون بعمل الله فينا، وبالاجتهاد الإنسانى، فتقوم هذه النفس بمكوناتها، فى تغليب للروح على الجسد، وعمل الله على الروح الإنسانية.

٧- وهكذا يقود الإنسان (بروحه وبعقله) الغرائز والحاجات النفسية، وكذلك العواطف والعادات والاتجاهات، مختارًا منها جميعًا ما يبنيه، ورافضًا ما يهدمه.

٨- وعكس الشباب الناضج، الشخصية الضعيفة، سهلة الانقياد، هى التى تخضع سريعًا لأصدقاء السوء، وتخجل من مقاومة هجومهم الشرس على منافذها الضعيفة، إذ يستحيل عليه أن يقاوم إغراء «الشلة»، ويقول: لا!.

٩- أما الشاب القوى الذى يحمل فى داخله ثقلًا روحيًّا ونفسيًّا وثقافيًّا، مع إرادة قوية، ومعالم واضحة، وطريق محدد، والممتلئ حماسًا للحياة، وفكرًا مستنيرًا، وروحًا طاهرة مقدسة، وإرادة مجاهدة وأمينة، فيستحيل أن يقع فى براثن شلة مستهترة، ولا حتى يرضى بمسايرتها منذ البداية.

نطلب من الله أن يمنحنا هذا النضوج.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


دروس قضية المذيع والصعيد - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 20/2/2021

 حتى لا تتكرر مشكلة المذيع الذى أهان الصعيد وخرج ليعتذر قائلاً «جزمكم على راسى»، لا بد أن نتعلم بعض الدروس المستفادة، لأن القضية لم تكن خلافاً عابراً على أحد المقاهى أو الكافيهات، ولم تكن زلة لسان، ولم تكن السابقة الأولى لنفس المذيع، ولكنها منهج وللأسف الكثير منا قد وافق عليه، ساعدنا على استمراريته وحافظنا على وجوده، ولذلك من الوارد جداً أن يتكرر إذا لم نتعلم الدرس، أولاً صفقنا له عندما خرج علينا يكيل التهم ويوزع الإهانات من على منصته الفضائية وعزبته البرامجية، تارة يشبه راقصة بالعاهرة، وتارة أخرى يحرض على فنانة بسبب فستانها، ويهاجم فنانة أخرى لأنها قدمت فيلماً اسمه هز وسط البلد، جعل من نفسه فضيلة الملا المذيع، معه مسطرة الفضيلة وترمومتر الأخلاق، وللأسف صفق له معظمنا ومنهم من يشتكون اليوم من تطاوله عليهم، إذاً الخطأ أو الخطيئة الأصلية أننا سمحنا له بأن يكون وصياً على الأخلاق، حتى اقتنع بأنه منبع الفضيلة والوكيل الحصرى لقطع غيار الأخلاق وسمسار الموعظة الحسنة، إذاً لا بد من أن نلوم أنفسنا أولاً ونواجه بصراحة مشكلة أننا لا نتحرك إلا إذا أصابتنا نحن شخصياً المصيبة، مثل جحا الذى قال: «ما دامت الفاحشة بعيدة عنى وماله.. مايضرش»!!، ثانياً لا بد من وقفة إعلامية لمواجهة ظاهرة المذيع الزعيم الحكاء الذى يظل ساعتين يرغى ويثرثر وكأنه كوكتيل من ديكارت وكانط وسبينوزا وزكى نجيب محمود، وبالطبع لا مانع من امتطاء فرس الزعامة وإمساك عصا سيدنا فى الكتاب وتعليمنا كتاب أبلة نظيرة فى السياسة والاقتصاد والفن والطبخ والرياضة.. إلخ، لا بد من عودة صيغة برامج التوك شو لأصلها كما كانت؛ دور المذيع هو أن يحاور فقط، والذكاء والمهارة فى إدارة ذلك الحوار، وإخراج أجمل وأهم ما فى الضيف من درر ولآلئ، ليست مهمته فى أن يصبح جيفارا ويحرر مصر من خلال الشاشة ويدير معركة ووترلو من استوديوهات مدينة الإنتاج، ليس هذا دوره على الإطلاق، ثالثاً: المذيع ليس دوره أن يتحول إلى حمادة سلطان أو شكوكو يلقى المونولوجات والنكت، المذيع الذى يظن دمه خفيفاً عليه الاكتفاء بتلك الموهبة الفذة بين جدران بيته ووسط أسرته التى من الممكن أن تحتمل ظرافته، مع أننى أشك أيضاً، لا أقول إن المذيع يجب أن يتجهم ويكشر، لكن عليه أن يكون جاداً ويحترم الشغلانة وأصولها، رابعاً: لا بد من استعادة دور المعد، انتهى عصر المعد الأجندة الذى كل دوره سويتش تليفونات، فلنحترم الاسكريبت القوى الذى يحيط بعناصر الموضوع، فلنحترم جهد المعِد المعَد والمدرب جيداً والمثقف والملم بكل الأحداث، وأيضاً المتخصص، فهناك المتخصص فى الثقافة والفن أو الرياضة أو الاقتصاد أو الطب.. إلخ، نحن ببساطة نحتاج فى المرحلة القادمة لمواجهة لجان وإعلام الإخوان الإعلامى المثقف الجاد الذى لديه قضية والذى يعرف جيداً ساحة معركته وأدواتها ولا يخرج لاستعراض عضلات أو إلقاء مونولوجات.


مصيبتى كبيرة وحزنى أكبر.. لك الله يا مصر بقلم د. وسيم السيسى ٢٠/ ٢/ ٢٠٢١ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 19/2/2021

 

اتصل بى تليفونيًا الدكتور السفير فاروق رياض مبروك منزعجًا: لقد كتب الدكتور مراد وهبة فى «الأهرام»: علينا أن نكف عن أوهام كتاب أثينا السوداء لمارتن برنال، وفيه أن حضارة اليونان كلها مأخوذة عن مصر الإفريقية.. كما أرسل لى الدكتور فاروق رياض مبروك رسالة تقول: قام فريق من جامعة القاهرة بإشراف الدكتور أحمد عتمان، الرئيس الأسبق لقسم الدراسات اليونانية واللاتينية القديمة، بترجمة وكتابة مقدمة لهذا الكتاب من ٧٠ صفحة، هى بحد ذاتها دراسة عميقة، ونشرت الترجمة ضمن إصدارات المشروع القومى للترجمة، ويبرز الكتاب إسهام الحضارة المصرية القديمة فى تشكيل الحضارة الإغريقية والرومانية، كما يذكر لنا كتاب: التراث المسروق للأمريكى جورج جى. إم. جيمس، وكيف أن فلاسفة اليونان تتلمذوا على أيدى الفلاسفة المصريين.

كما كتب سيادة السفير مبروك أن الدكتور مراد وهبة ذكر مارى ليكوفتس وكتابها: ليس من إفريقيا، وهو الكتاب الذى يرد على أثينا السوداء، ولكن السفير لم يجد فى جوجل أثرًا لهذا الاسم أو الكتاب!!.

انتهى كلام سيادة السفير، وقد تألمت كثيرًا من كلام الدكتور مراد وهبة، فهل إقامة أفلاطون فى الإسكندرية ١٣ سنة كانت وهمًا؟، وهل كلماته: ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه عن مصر.. كانت وهمًا؟، وهل كلمات الدكتور طه حسين فى مستقبل الثقافة فى مصر: اليونانيون يعرفون أنهم تلاميذ للمصريين فى حضارتهم الراقية.. كانت وهمًا؟، وهل كلمات جان فرانسوا شامبليون: يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة.. كانت وهمًا؟ وهل كلمات وارن داوسن فى كتابه Legacy Of Egypt: العلوم جميعًا، خاصة الطب، نشأت فى مصر منذ أكثر من خمسين قرنًا من الزمان.. كانت وهمًا؟، وهل كلمات والاس بادج: نحن فى حاجة إلى قرنين من الزمان حتى نصل لهذا المستوى الرفيع للحضارة الإنسانية.. كانت وهمًا؟، وهل كلمات عمدة برلين الحالية، كارين شوبارت: كيف كان سيكون شكل العالم لو لم تكن الحضارة المصرية القديمة؟!.. كانت وهمًا؟!، هل كلمات د. روزالين رئيسة قسم الآثار فى جامعة مانشستر، حين كنت أحاضرهم عن العقاقير من أصل كيماوى وكيف توصلوا للأنتيمون كعلاج للبلهارسيا على هيئة لبوسات، صرخت وقالت: هؤلاء الناس كانوا عباقرة ولو استخدمتم طريقتهم فى العلاج بدلًا من الحقن لما فتك بكم فيروس C.. فهل كان هذا وهمًا؟!.

لماذا صفقت لى وكنا على عشاء عند المهندس نبيه زكى وهاجمت الحضارة المصرية، ووضحت لك أن طاليس، وسولون، وأفلاطون، وفيثاغورث.. كلهم تتلمذوا على أيدى المصريين، كما أحلتُك إلى كتاب الدكتور محمود السقا، أستاذ القانون، وكيف أن حضارتنا قامت على القانون المصرى الذى كان مثاليًا فى قواعده، عالميًا فى مراميه، عادلًا فى أحكامه، صافيًا فى مواده، نقيًا فى مبادئه، قام على: أ- العدل أساس الملك. ب- العدالة الاجتماعية.. فالكل أمام القانون سواء بسواء.. هل كان أ.د. محمود السقا، وأ.د. أحمد عتمان من الواهمين؟! هل كان مسمار عظمة الفخذ فى مومياء المتحف البريطانى وهمًا؟! هل كانت التربنة وعملية المياه البيضاء وزراعة الأسنان وهمًا؟ هل كانت الخيوط الجراحية والسلم الموسيقى السباعى وهمًا؟ هل كانت عبقرية تحتمس الثالث وهمًا؟!.

لو أن عدوًا لمصر قال ما قلت لما رددت عليه، أما أن يكون مصريًا، أستاذًا جامعيًا، فمصيبتى كبيرة وحزنى أكبر، أين الولاء والانتماء يا رجل؟.. أم هى باسبورات مصرية ودماء أجنبية؟!. لك الله يا مصر!!.


Thursday, February 18, 2021

لماذا يستكشفون المريخ؟ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 18/2/2021

 مع كل رحلة إلى المريخ تبدأ تساؤلات البشر عن التكلفة الباهظة التى تكون بالمليارات لكل رحلة، ما جدواها؟ هل هى مجرد استعراض عضلات، أم أن هناك فائدة علمية؟ طرحت هذا السؤال مجلة ناشيونال جيوجرافيك منذ فترة، وتم طرح الموضوع ومناقشته فى محافل علمية كثيرة، وبالطبع كانت حصيلة المناقشات والإجابات أن هناك فائدة علمية مستقبلية ستعود على البشر ساكنى هذا الكوكب الذى يشيخ بفعل الزمن وبفعل أيدينا المدمرة، كوكب يستهلكنا ونستهلكه، ولكى نفهمه علينا أن نفهم كوكباً بكراً يجيب عن أسئلة غامضة حول ماضى الأرض ومستقبلها، على مدى القرن الماضى، كل ما تعلمناه عن المريخ يشير إلى أن الكوكب كان فى يوم من الأيام قادراً تماماً على استضافة النظم البيئية وأنه ربما لا يزال حاضنة للحياة الميكروبية اليوم، المريخ أكثر من نصف حجم الأرض، مع جاذبية 38 بالمائة فقط من الأرض، يستغرق الأمر وقتاً أطول من الأرض لإكمال دورة كاملة حول الشمس، لكنها تدور حول محورها بنفس السرعة تقريباً، هذا هو السبب فى أن سنة واحدة على سطح المريخ تستمر لمدة 687 يوماً على الأرض، فى حين أن اليوم على المريخ أطول بـ40 دقيقة فقط من على الأرض، على الرغم من صغر حجم المريخ، فإن مساحة اليابسة على الكوكب تعادل تقريباً مساحة سطح قارات الأرض، مما يعنى، على الأقل من الناحية النظرية، أن المريخ لديه نفس القدر من المساحة الصالحة للسكن، لسوء الحظ، الكوكب الآن ملفوف بغلاف جوى رقيق من ثانى أكسيد الكربون ولا يمكنه دعم أشكال الحياة الأرضية، كما يظهر غاز الميثان بشكل دورى فى الغلاف الجوى لهذا العالم الجاف، وتحتوى التربة على مركبات من شأنها أن تكون سامة للحياة كما نعرفها، وعلى الرغم من وجود الماء على كوكب المريخ فإنه محبوس فى القمم القطبية الجليدية للكوكب ومدفون تحت سطح المريخ.

من لونه الشبيه بالدم إلى قدرته على الحفاظ على الحياة، أثار كوكب المريخ اهتمام البشرية لآلاف السنين، وعندما يفحص العلماء سطح المريخ، فإنهم يرون ميزات هى بلا شك من عمل السوائل المتدفقة القديمة: الجداول المتفرعة، وديان الأنهار، والأحواض، والدلتا، تشير هذه الملاحظات إلى أنه ربما كان للكوكب محيط شاسع يغطى نصف الكرة الشمالى، فى مكان آخر، غمرت العواصف المطيرة المناظر الطبيعية، وتجمعت البحيرات، وتدفقت الأنهار، من المحتمل أيضاً أن يكون ملفوفاً فى غلاف جوى سميك قادر على الحفاظ على الماء السائل عند درجات حرارة وضغوط المريخ، فى زمن ما خلال تطور المريخ، مر الكوكب بتحول جذرى، وأصبح العالم الذى كان يشبه الأرض يوماً ما جافاً ومغبراً، السؤال الآن ماذا حدث؟ أين ذهبت تلك السوائل، وماذا حدث لجو المريخ؟ يساعد استكشاف المريخ العلماء فى التعرف على التحولات الجسيمة فى المناخ التى يمكن أن تغير الكواكب بشكل أساسى، كما يتيح لنا البحث عن البصمات الحيوية، وهى علامات قد تكشف ما إذا كانت هناك حياة فى ماضى الكوكب، وما إذا كانت لا تزال موجودة على كوكب المريخ اليوم، وكلما عرفنا المزيد عن المريخ، سنكون أفضل تجهيزاً لمحاولة كسب العيش هناك، يوماً ما فى المستقبل، وهذا ما عبر عنه إيلون ماسك، الرئيس التنفيذى لشركة SpaceX، مراراً وتكراراً بأن البشرية يجب أن تصبح «نوعاً متعدد الكواكب» إذا أردنا البقاء على قيد الحياة، وهو يعمل على خطة يمكن معها أن نرى مليون شخص يعيشون على المريخ قبل نهاية هذا القرن.


المدرسة ليست مسجداً أو كنيسة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 17/2/2021

 وافق الدكتور رضا حجازى، نائب وزير التربية والتعليم، خلال اجتماع لجنة الدفاع والأمن القومى، على مقترح النائب فريدى البياضى، عضو اللجنة، بتدريس مادة الدين ضمن كتاب يتضمن تدريس القيم المشتركة بين كل الأديان، ومبادئ التسامح والمواطنة والعيش والمشترك، مضيفاً أنه ستتم إضافة هذه المادة للمجموع لأهميتها، وفيما يتعلق بوجود أمثلة لنصوص دينية فى مناهج غير منهج الدين، قال الدكتور رضا حجازى إن هناك توجيهات لاقتصار النصوص الدينية على مادة الدين فقط.

انتهى الخبر الذى نشرته «الوطن» والذى يجب ألا يمر مرور الكرام، فطالما تساءلنا لماذا إقحام نصوص دينية إسلامية فى منهج اللغة العربية فى مدارس مصرية تضم المسلم والمسيحى؟، ولا حياة لمن تنادى، لماذا القصص المقررة فى منهج اللغة العربية كلها عن الحروب الإسلامية التى تضم أيضاً الآيات والأحاديث؟

الدين على العين والرأس وفى القلوب والضمائر، ولكن له مكانه ومساحته بعيداً عن اللغة العربية والفيزياء والكيمياء.. إلخ، المدرسة ليست مسجداً أو كنيسة، المدرسة مكان لصناعة الوجدان المشترك، هى الأرضية التى يقف عليها الجميع بمساواة وبدون أى تمييز أو عنصرية، المدرسة هى مصنع المواطن، هى أول مكان يتعلم فيه الطالب معنى المواطنة، فى المدرسة يتعلم الطفل أولاً أنه مصرى، ويجب أن تكون هذه هى مهمة المدرسة بدون مواربة أو نفاق أو مغازلة لتيار دينى معين يرفع فزاعة التكفير فى وجه أى فرد يريد أن يكون الدين علاقة خاصة بين الإنسان وربه، لا أن يكون تجييشاً لأطفال وتحضيرهم لجهاد أو غزوة، فى المسجد أو فى الكنيسة أو فى المعبد، ولا أن يكون براند أو علامة تجارية فى بورصة البيزنس، فى تلك الأماكن ومع أسرته يعرف إن كان مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً، ويعرف أبجديات عقيدته ودينه عن فهم لا عن قمع، لكن فى المدرسة هو مواطن مصرى لا بد أن يعرف طبقات تاريخه الجيولوجية كاملة وبدون إجحاف أو إغفال لفترة تاريخية معينة نتيجة انحياز دينى.

ويجب أيضاً ألا نحذف نظرية علمية صارت من بديهيات وأساسيات علم البيولوجى مثل نظرية التطور لأن السلفيين يرفضونها!!، فمن لا يعرف نظرية التطور ويتفاخر بأنه قد درس علم الأحياء فهو واهم ويعيش كذبة كبيرة داخل فقاعة جهل عصامى، داروين ونظريته وكتابه أصبحوا دستور علم البيولوجى ومن يضحك على نفسه ويتصور أنه قد أصبح حجة الإيمان وضامن الجنة بحذف نظرية التطور من منهج الأحياء فى المدارس، هو قد ارتكب جريمة فى حق تلك الأجيال.

محاولة تحويل المدارس إلى كتاتيب دينية هى ضد أساسيات الدولة المدنية الحديثة، ليس المطلوب على الإطلاق نفى الدين، ولكن المطلوب هو أن تقوم المدرسة بدورها الوطنى الحيادى التعليمى بدون الدخول فى جدل سفسطائى حول العقائد والأديان والأفضل ومن هو الناجى والمختار ومن سيتعذب فى جهنم ومن سينعم فى الجنة... إلخ، المدارس نبنيها على الأرض ولا نشيدها فى السماء، فلندع السماء بعيداً عن وزارة التربية والتعليم وعن جرس الفسحة وحوش المدرسة وفصل ستة أول، ولنفكر بجدية لماذا تخلفنا ولماذا تقدموا؟


Tuesday, February 16, 2021

ثورة ١٩١٩ بين الأدب والسينما: كتاب مهم بقلم د. محمد أبوالغار ١٦/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

صدر هذا الكتاب بالإنجليزية عن جامعة أدنبرة عام ٢٠٢٠ بقلم دينا حشمت، ونقلت الكتاب للعربية المترجمة العمدة شهرت العالم، وصدر عن دار الشروق عام ٢٠٢١. وقد صدرت كتب كثيرة حديثاً عن تاريخ ثورة ١٩١٩، ولكن علاقة الثورة بالفن لم تكن واضحة فى هذه الكتب باستثناء كتاب زياد فهمى الرائع الذى صدر بالإنجليزية عن جامعة ستانفورد عام ٢٠١١، وهو يسجل الأغانى والنكت والسخرية والإسكتشات الكوميدية والمسرح والشعر وكيف كونت الهوية المصرية. وللأسف لم يترجم إلى العربية.

كتاب دينا حشمت يحكى عن صورة ثورة ١٩١٩ فى السينما والأدب والمسرح. وكان واضحاً أن دينا حشمت كانت تفكر فى ثورة ٢٥ يناير وهى تبحث فى ثورة ١٩١٩ وكتبت عن رؤيتها لميدان التحرير والشباب ينظفونه، ومسح الشعارات من الحوائط ومحاولة إعادة كتابة ثورة ٢٥ يناير بعيداً عن الزخم الثورى. وتقول إن ذلك حدث فى ثورة ١٩١٩ حين غطى نفى سعد زغلول على نضال المصريين. وتشير إلى أن أحداث ثورة ١٩ كتبتها وشكلتها النخبة وتم تهميش أصوات الناس وهو مشابه لما حدث فى ٢٥ يناير ولكنها تؤكد أن ١٩١٩ و٢٠١١ كانتا ثورتين حقيقيتين شهدتا شعبية وزخما لم يسبق لهما مثيل.

تشير المؤلفة إلى أن التاريخ الحكومى بعد ١٩٥٢ يؤكد أن ثورة ١٩١٩ فاشلة. وتعتبر أن صفية زغلول كان لها دور هام فى الثورة واستمرارها بعد نفى سعد زغلول. وتتحدث عن العمل المتميز للباحثة عالية مسلم عن ثورة الريف والفلاحين عندما اجتاح الإنجليز القرى وقتلوا ٣٠٠٠ فلاح فى الريف. وأعتقد أن مئوية الثورة أتاحت الفرصة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة.

يشير الكتاب إلى العلاقة الوثيقة بين ثورة أيرلندا ومصر اللتين تزامنتا فى نفس الوقت. حتى إن الشاعر شوقى ذكر جماعة شين فين الثورية الأيرلندية فى قصيدة له، وأيد ذلك المؤرخ حسين عمر حديثاً فى مقال مفصل، قمت بترجمته ونشره فى أخبار الأدب.

قدمت المؤلفة لمسرحية أمين صدقى «الانتخابات» بطولة على الكسار، والتى انتقدت حكومة سعد زغلول بعدم تحقيق المطالب الاجتماعية للعمال والفلاحين وانحيازها لطبقة الملاك وأن الانتخابات لم تكن عادلة. والمسرحية الأخرى كانت جمهورية زفتى والتى قدمت الأحداث بصورة هزلية.

كان هذا النوع من المسرح المسمى الفوفديل عاملاً فعالاً فى تأسيس الثورة وقدمت العروض أيضاً فى الشارع واشتركت الفرق فى المظاهرات وكانت أشهر المسرحيات «قولوله» لنجيب الريحانى مع ألحان سيد درويش وفيها كانت الأغنية الأشهر «قوم يا مصرى».

أما عن الروايات فالضاحك الباكى سيرة روائية تدور أحداثها بين ١٩١٧ و١٩٢٦ كتبها فكرى أباظة المنتمى للحزب الوطنى والطبقة العليا، والتى عبر فيها عن فكر طبقى، فهو استاء من دور ما سماهم الغوغاء فى النضال الثورى، وهو كان يعتبر أن الطبقة الوسطى الممثلة فى الأفندية هى مستقبل المجتمع. ويعرف الأفندية بأنهم صناع الحياة السياسية الحديثة والمؤسسات الاجتماعية والإنتاج الثقافى فضلاً عن أنهم مستهلكوها الرئيسيون.

ثم تحدثت عن عودة الروح (١٩٣٣) لتوفيق الحكيم، فيها شاب من عائلة من ملاك الأراضى يحضر إلى القاهرة للدراسة وينخرط فى الثورة ويعبر عن مصر الجديدة ذات الجذور الفرعونية.

ثم تأتى المؤلفة إلى بين القصرين ونجيب محفوظ، وهى تروى صراعات الطبقة الوسطى فى القاهرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد كان لفوز محفوظ بجائزة نوبل وإنتاج فيلم كانت له شعبية واسعة أثر كبير فى ترسيخ فكر محفوظ عن ثورة ١٩١٩ والوفد فى العقل والفكر المصرى. واتهمت المؤلفة حسن الإمام مخرج الفيلم بالتأثر بالناصرية وأنه تجنب أى تلميح إلى الاضطرابات الواسعة أثناء الثورة ولا للمظاهرة النسائية الشهيرة.

وهناك كتاب عيسى عيد «مذكرات حكمت هانم» الذى نشر فى ١٩٢١ وهى قصة قصيرة تمجد الثورة على شكل يوميات لامرأة شابة غير تقليدية تشير إلى وحدة المصريين جميعاً وكذلك الأجانب.

ثم تنتقل إلى كتاب مصطفى أمين «من واحد إلى عشرة» وكتاب «أسرار ثورة ١٩». على ومصطفى تربيا أطفالاً فى بيت الأمة وكان زغلول بمثابة جدهما. والكتاب يحكى عن سعد زغلول القائد والمفكر الملهم ويقدم صفية زغلول على أنها أكثر راديكالية ويشرح النضال الشعبى فى المدن والريف. وتعتبر المؤلفة أن مذكرات الساسة من حزب الوفد وغيرهم تكتب تاريخ القادة ولا تذكر تاريخ الشعب ونضاله.

وهناك كتابا «قنطرة الذى كفر» لمصطفى مشرفة و«الفيلق» لأمين عز الدين وكلاهما يركزان على دور الشعب والطبقة المهمشة فى الثورة ويشكك الكتابان فى الدور الكبير لكبار الملاك من قادة الثورة. وفى الفصل الأخير تقارن المؤلفة بين ثورتى ١٩١٩ و٢٠١١ وتقول إن هناك تشابها مذهلا فى الغضب والفرح والخوف وخيبة الأمل. وتعلق المؤلفة على الانتشار الكبير للعديد من أشكان الفن فى الشارع وفى الميادين والمسارح الصغيرة فى الفترة من ٢٠١١ و٢٠١٣. وقدمت عملين عن ثورة ١٩١٩ ظهرا بعد ٢٠١١ الأول «هدى الحرية» ومؤلفته ليلى سليمان وتعبر عن مشاعر الغربة والتهميش وتعتبر المسرحية نوعاً من المقاومة النشطة، وتصحب المسرحية أغانى ثورة ١٩ وألحان سيد درويش. والكتاب الآخر للروائى أحمد مراد الذى تقول المؤلفة إنه من الذين استطاعوا تحويل المنتج الثقافى إلى سلعة وله جمهور كبير من الشباب ولكن النقد يتجاهله والرواية حققت نجاحاً كبيراً وتقدم لها الكاتبة نقداً جيداً.

الكتاب به نقد للروايات والمسرحيات والأفلام التى تناولت ثورة ١٩١٩. وهو أيضاً كتاب أكاديمى المراجع فيه مكتوبة بدقة ولكنها ممتعة فى قراءتها لأن المؤلفة تشرح فيها أشياء هامة ومثيرة. أعتقد أنه كتاب هام عن الفن والثورة ويستحق القراءة.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


صالة أورفانيللي - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 15/2/2021

 «ماذا يتبقى من إنسانيتنا إذا أصبحنا قطعة معروضة فى مزاد؟»، مفتاح رواية «صالة أورفانيللى» للروائى أشرف العشماوى والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، عالم جديد مدهش يفتحه لنا الروائى كعادته، ندخل معه ونتجول فى كواليسه ودوماً نحتفظ بنفس الدهشة، الروائى إذا طرق باب المعتاد والمألوف صرنا أمام جلسة نميمة عادية، أو حكاية سمر مملة مثلها مثل النكتة التى تلقى مرتين فلا تثير الضحك، لكن الصعوبة هى فى أن تتحدى السؤال الصعب المطروح على كل روائى يبدأ كتابة رواية جديدة، هل ستستطيع أن تحلق خارج سرب الروائيين الذين كتبوا قبلك مئات الآلاف من الروايات؟، هل ستستطيع إدهاشنا؟، هل ستضيف جديداً وتكتشف بكارة وطزاجة روائية متفردة؟، إن استطعت فقد انضممت إلى عالم السحرة النبلاء ممن أمسكوا بخيط الضوء قبل أن يفلت من قبضة الفناء، من ثبتوا كادر ذاكرة الزمن على لقطة كانت ستسقط فى بئر النسيان لولا من سكنوا مدينة الرواية وغابة الحلم، الروائى أشرف العشماوى حقق تلك الدهشة من خلال عالم المزاد الجديد على معظم القراء، ومن خلال مجتمع اليهود الذين عاشوا فى مصر ويجهل الجميع كواليسه نتيجة طبقات جيولوجية متعاقبة من الكراهية برغم أن كثيراً منهم كانوا يعشقون مصر، وبالطبع إضافة أى صفة جيدة لأى يهودى فى عمل فنى ستكون خطوة محفوفة بالمخاطر، مثلما تعرض السيناريست مدحت العدل عندما تناول نفس المجتمع فى مسلسله «حارة اليهود»، أسرار المزاد مثلها مثل أسرار الحياة، مراوغة ولا تقاس بالخير والشر المطلق، أورفانيللى ومنصور التركى صديقان لكنهما ليسا نسختين، أورفانيللى الطائر قليل الحظ الذى ضحك عليه الذئب، منصور الذى يعيش صراع الأم اللعوب والزمن الضنين، البداية شمعدان ثم مزاد حجرة نوم ثم أكبر صالة مزاد فى مصر، الأحداث منذ عصر الملك حتى بداية عصر السادات، لن أسرد الأحداث لأن فى الرواية «نفس بوليسى» لا أريد إفساده على القارئ، الدم فى خلفية الجدارية الروائية يحتل مساحة كبيرة، عبر أحداث قتل منها المخطط بدقة ومنها العبثى بسخرية، علاقات ريبة وتربص وتوجس، أبرزها العلاقة العجيبة ما بين منصور وأورفانيللى الصغير، كلاهما يعرف أن الآخر ينتظر لحظة الطعن من الخلف، ولكن ثمة وداً غامضاً وخيط حب سرمدى يربط بينهما لا تستطيع تحديده، الصغير يعرف أن منصور خلف إيداع أمه مستشفى الأمراض النفسية ثم قتلها، ومنصور يعرف أن الخطابات الغامضة خلفها خال أورفانيللى الصغير الذى يتشفى فى حالة الرعب التى تنتابه عند قراءتها، منصور يموت بتدبير أورفانيللى الصغير، البحث عن كنز المزاد الذى أخفى عن الأعين نتيجة الصراع السياسى وتغير الزمن، بعد الملك جاءت الثورة وصارت صالة المزاد خاضعة لموظف حكومى، البحث عن الكنز أودى بحياة الجميع فى خاتمة روائية مأساوية، مهد لذروتها أشرف العشماوى بدقة لاعب شطرنج محترف.

رواية صالة أورفانيللى هى نافذة دهشة جديدة تستحق إطلالة منها عزيزى القارئ حتى تمسك عصا السحر برعشة الفن.


Monday, February 15, 2021

لماذا يبيض الديك مرة واحدة؟ بقلم طارق الشناوى ١٥/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

البعض يصفها ببيضة الديك، أى أنها تحدث مرة واحدة فى العمر، وكأنها المعجزة، مع رحيل المطرب البدوى على حميدة عادت مرة أخرى للذاكرة (لولاكى)، الأغنية قطعا لم تغب، ولكن الملابسات التى صاحبت هذا النجاح الاستثنائى أعادت لنا المشهد مجددا، خاصة ممن عاصروا هذا المطرب المثقف الذى وصل إلى أعلى مكانة علمية وجماهيرية، وذلك عام ٨٨، والكل كان يتهافت عليه، ثم بدأ رحلة الانزواء السريع، انطفأت نيران الشهرة لتصبح مجرد رماد تزروه الرياح.

حكايات متعددة نستعيدها لمعرفة سر اللغز، وفى العادة نحاول البحث عن أسباب موضوعية، مثل سوء التخطيط أو الغرور أو المؤامرة، قطعا هناك، ربما شىء من الصحة، إلا أنه فقط يشير إلى بعض الأسباب، يقينا ليست كل الأسباب.

الموهبة منحة قدرية تطول بضع سنوات أو فقط بضعة أيام، (من الذى تآمر ضد على حميدة؟) هل كل شركات الكاسيت تعمدت إسقاطه؟ حصل على أكثر من فرصة وأنتج عددا من الأشرطة لم تستطع أى منها أن تقفز إلى نصف نجاح (لولاكى)، هناك شىء مرتبط بوهج داخلى يخلق لمسة سحرية بين الفنان وجمهوره قد تتجدد أو تتبدد.

تكررت كثيرا، فى أكثر من مجال، هناك كُثر عانقوا النجاح مرة واحدة، هل تتذكرون الممثل عبد العزيز مكيوى المناضل المثقف (على طه) بطل فيلم (القاهرة ٣٠) أمام سعاد حسنى، واحد من أنجح أفلامنا، وقع اختيار المخرج صلاح أبوسيف على هذا الفنان الموهوب، إلا أنه لم يكررها.

قفز للذروة ومن بعدها لم يستطع إكمال الطريق، كان له العديد من المحاولات حتى مطلع الألفية الثالثة، إلا أن الشرارة مع الجمهور لم تتكرر، انطفأ فى لحظات، وفى النهاية عثروا عليه يعيش فى الشارع، يتسول قوت يومه، ولم يتذكر حتى أنه لعب دور (على طه).

لديكم المطرب الشعبى حمدى باتشان بعد بضعة أشهر من نجاح (لولاكى) ردد الشارع المصرى (الأساتوك)، والذى يعنى كعب الحذاء العالى، الأغنية كتبها أمل الطائر، ولحنها حسن إش إش (إيه الأساتوك ده / إللى ماشى يتوك ده / إللى يصحى النايم ده) والشطرة الأخيرة أقضت مضجع الرقابة فقررت مصادرة الشريط.

حصل باتشان على عدة فرص، أضاعها تباعا ولا يزال يحاول إلا أنه لم يعرف طريق النجاح سوى مرة واحدة.

أحيانا نجد أن مطربا قدم مئات الأغنيات، وواحدة فقط تحقق النجاح لتصبح عنوانه، مثل رجاء عبده التى يعرفها الناس باسم مطربة (البوسطجية) التى كتبها أبو السعود الأبيارى ولحنها محمد عبد الوهاب، أيضا نجاة على مطربة (عش الهوى المهجور) تأليف إمام الصفطاوى وتلحين أحمد صدقى (وإن رحت مرة تزور / عش الهوى المهجور / سلم على قلبى)، المطرب محمد مرعى (لأ يا حلو لأ) تأليف مرسى جميل عزيز وتلحين كمال الطويل، وحورية حسن (من حبى فيك يا جارى) لمرسى والموجى.

بعض المخرجين قدموا عشرات من الأفلام، ويتبقى فى الذاكرة واحد مثل كمال عطية صاحب (قنديل أم هاشم) الذى اختير للمخرج ضمن أفضل ١٠٠ فيلم فى تاريخ السينما المصرية.

بيضة الديك ربما، ولكن حتى لو كانت كذلك فهى تستحق أن نسأل لماذا لا يبيض الديك أكثر من مرة، طالما فعلها مرة؟.


Sunday, February 14, 2021

نحن لا نقع في الحب بل ننمو فيه - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 13/2/2021

 فى عيد الحب رددوا هذه العبارة: نحن لا نقع فى الحب، بل نحن ننمو فى الحب، هذا هو المفهوم الذى لا بد أن يحكم سلوكنا تجاه هذه العاطفة الجميلة التى تم تشويهها وابتذالها حتى صارت بلا معنى مثل الماء النظيف بلا طعم ولا لون ولا رائحة! لا بد أن نفهم أن الحب كالبذرة الصغيرة لا بد لها من الرى والرعاية والجهد حتى تنمو إلى نبتة ثم شجرة كبيرة يستظل بظلها الحبيبان، والحب ليس نباتاً شيطانياً يظهر فجأة، وليس أيضاً نبات صبار يحتمل هجير الصحراء الموحشة وجفافها القاسى، إنه زهرة رقيقة تحتاج إلى مزيد من العناية والبذل والتنازلات والتخلى عن النرجسية حتى تخرج من الصوبة المعقّمة لتضرب بجذورها قوية وسط الأحراش والعواصف وبراكين المجتمع الذى لا يكره شيئاً فى الكون مثل كراهيته للحب، فهو يتغنى فى العلن باسمه فى كل وقت، ويغتاله ويغتابه فى الخفاء فى كل مكان.

الحب سلوك مكتسب، وهو ما يناقض البديهيات التى تربينا عليها، وهى أن الحب سلوك فطرى يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الأكل والتنفس، الحب مشاركة وليس عطاء بلا حدود، للأسف نحن نعيش مع بعضنا البعض ولكننا جميعاً نموت من الوحدة.

البداية لكسر هذه الوحدة الباردة أن نكون أنفسنا، فقديماً رُفع شعار «اعرف نفسك»، ونحن حالياً نرفع شعار «كن نفسك»، للأسف أنت لست نفسك ولكنك النموذج الذى يريده المجتمع لك فى أثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فأثناء طفولتك مثلاً وحين تطلب منك مُدرسة الرسم أن ترسم شجرة فأنت تحصل على إعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هى وليست شجرتك أنت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الآخرين وتسير فى طرقهم المعبَّدة، وتسكن فى مساكن أفكارهم المعلَّبة سابقة التجهيز، فالبداية الصحيحة والسليمة هى أن تهرب وترسم شجرتك أنت، وتضحك حين تريد أن تضحك، وتبكى حين يخنقك البكاء، وفى هذا المعنى يكتب «ليو بوسكاليا» الذى قام بتدريس كورس لتعليم جوهر الحب: «لا حاجة بنا لأن نخشى من أن نلمس، وأن نشعر، وأن نُبدى الانفعال، إن أيسر شىء فى الدنيا هو أن تكون «كما أنت»، وإن أشق شىء تكونه هو ما يريدك الآخرون أن تكونه».

من أهم الخرافات التى تقتل الحب خرافة الكمال، فالشخص المحب لا حاجة له أن يكون كاملاً، بل يكفيه أن يكون إنساناً فقط، ونحن كثيراً ما نخاف على أن نقدم على فعل أشياء كثيرة لمجرد أننا لا نستطيع فعلها على نحو كامل، فلا تخافوا من النقصان، وثقوا فى إمكانية التغيير، فالتغيير هو الشىء الوحيد الثابت فى هذه الحياة، وعليك أن تعرف أن نقيض الحب ليس الكراهية، وإنما هو اللامبالاة وفتور الشعور، فإذا كرهنى شخص ما فلا بد أنه يشعر بشىء ما إزائى وإلا ما استطاع أن يكره، والذى يكرهنى لى طريق معه، أما الذى لا يبالى بوجودى فلا طريق معه، فإذا وجدت نفسك لا تستطيع التفاهم مع مَن هم بجانبك على مسرح الحياة فلا بد أن تغير مشهدك وترسم ستارة خلفية جديدة لمسرحك، وتحيط نفسك بممثلين جدد، وتكتب مسرحية جديدة لتؤديها بصدق، يقول الكاتب اليونانى كازانتزاكس صاحب رواية زوربا: «لديك فرشاتك وألوانك، فارسم الفردوس وادخله آمناً».


الشباب الذى نريده.. النضوج بقلم الأنبا موسى ١٤/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

فى حديثنا الماضى، تحدثنا عن الشباب الذى نريده، وذكرنا أنه لابد أن يتصف بالآتى:

١- السعادة.

٢- الاتزان.

٣- الاستقلال.

٤- قبول الذات والآخر.

نواصل حديثنا عن:

٥- النضوج:

ويعرف علماء النفس أن النضج بوجه عام هو حالة من التوافق فى عمل متناغم ما بين الوظائف العقليّة، والجسديّة، والفسيولوجيّة، والروحية، والاجتماعية، بصورة تمكن الإنسان من فهم الحياة بكل ما فيها. أن يكون الإنسان لديه استقلالية فى التحكم فى شؤونه، واتخاذ القرارات بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم، أى أنه يستطيع ألا يكون تابعًا لغيره. بمعنى أن يكون الشاب ناضجًا فى شخصيته وقراراته الشخصية، ونضوج الشخصية هو نضوج فى مكونات الشخصية التى هى: الجسد - النفس - العقل - الروح - العلاقات.

أولاً: الجسد الصحيح:

ولا يكون الجسد صحيحًا إلا بالرياضة، والأنشطة، والنوم الكافى، والاهتمام الصحى، أما ما يفسد الجسد، فيجب أن يبتعد عنه الشباب ابتعادًا كابتعاده عن حية مهلكة، لذلك يبتعد عن:

١- تدخين السجائر: الذى يدمر الرئتين بالسرطان، والقلب بالأمراض.

٢- المخدرات: التى تدمر خلايا المخ والحياة كلها.

٣- الخمور: التى تدمر الكبد والمثانة بالسرطان.

٤- النجاسة: التى تدمر الإنسان كله بالأمراض المنقولة جنسيًا: كالإيدز، والهربس، والكالاميديا، والزهرى، والسيلان... إلخ.

وما أحوج شبابنا إلى أنشطة دينية وترويحية ورياضية وكشفية، تساعده فى تكوين جسد صحيح، وتبعده عن السلبيات المدمرة التى ذكرناها.

ثانيًا: النفس المنضبطة:

والنفس عبارة عن خمسة مكونات، وهى:

أ- الحاجات النفسية: كالحاجة إلى الأمن، والحب، والانتماء، والخصوصية، والمرجعية، وتحقيق الذات.

ب- الغرائز: كالجوع، والعطش، والخوف، وحب الحياة، والجنس، والأمومة، والأبوة وحب الاستطلاع، وحب الاختلاط الجماعى.

ج- العواطف: نحو أشياء، أو أشخاص، أو صفات معينة.. ينفعل بها الإنسان، ويتكرر الانفعال، فيثبت، ويتحول إلى عاطفة. نحتاج دائمًا أن نتسامى فى محبتنا من العاطفة إلى الروح. فمحبة منقوصة ممكن أن تتدنى إلى الحسيات والجسديات بسبب الدالة الشديدة وعدم الفطام..

د- العادات: إذ يكرر الشباب أمرًا ما، فيصير عادة، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وقديمًا قالوا: «الشخصية هى عبارة عن مجموعة عادات تمشى على قدمين».

ه‍- الاتجاهات: أى ما فى أعماق الإنسان من توجهات معينة سائدة، تظهر فى حياته اليومية: كالاهتمام بالصلاة والدراسات الدينية وخدمة الآخرين، أو - بالعكس - الاهتمام بالمادة أو الذات أو اللذات... إلخ.

و- نضوج الإرادة: فهناك إنسان إرادته رافضة، وآخر مراوغة، وآخر ساخطة، وآخر مستسلمة، وآخر خانعة، وآخر متوافقة، وآخر معطاءة.

١- إرادة رافضة: يوضحها الكتاب المقدس بقوله إن هناك إنسانا: «بِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ» (أى ١٤:٢١) هذه إرادة رافضة لله «رَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ» (لوقا ٣٠:٧)، «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يو ١١:١).. «كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ.. وَلَمْ تُرِيدُوا!» (لوقا ٣٤:١٣).. «تَرَكُونِى أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إر ١٣:٢)..

٢- إرادة مراوغة: مثل فيلكس الوالى عندما قال للرسول بولس: «أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ» (أع ٢٥:٢٤).

٣- إرادة ساخطة: متذمرة ورافضة لكل ما يحدث.

٤- إرادة مستسلمة: فهناك له إنسان يقول: «هذا قضاء وقدر».. هو «عايز كده».. فهو يقول للشىء كن فيكون! (الله) ولكن بداخل هذا الإنسان تذمر وسخط.

٥- إرادة تسليمية: إنسان يقول «ربنا بيحبنى.. ولابد هناك خير فى هذا».

٦- إرادة متوافقة: إنسان يشعر بأن هذا المر هو للخير فيما بعد، ويسلم أمره لله بدون غضب أو سخط أو ألم، إنما يقبله بفرح.. ويؤمن بأن الله يعمل كله للخير.

٧- إرادة معطاءة أو مبذولة أو مصلوبة: هنا الفرح كامل.. البذل كامل للإرادة قطع الهوى والمشيئة. وترك الله بالكامل يتصرف.. وكل هذا يحتاج إلى موت للذات..

ثالثًا: الاستنارة العقلية أو الذهنية:

أى أن يكون لدينا استنارة ونقاوة ومعرفة، حيث يموج العالم المعاصر، بمتغيرات كثيرة، وخطوط متقاطعة، وتيارات متضاربة، وثقافات متصارعة.. الأمر الذى يستدعى الحصول على استنارة خاصة من الله، ليستطيع الإنسان أن:

١- يستوعب عصره.    

٢- يحلل الأحداث.

٣- يتخذ المواقف.

٤- يقدم الخدمة المناسبة.

- والاستنارة تأتى بالقراءة الدينية والثقافية والعلمية وكل المجالات المختلفة، والحوار وسماع الآخر والرأى الآخر.

- النمو الفكرى وهنا يكون التوازن المطلوب فى الشخصية الإنسانية بين أن يكون هناك نمو فى النعمة ونمو فى المعرفة الدينية والمعرفة العامة، بمعنى يكون هناك عقل رشيد قادر على التفكير والفحص، وقادر على استعماق الأمور ودراستها، والنقد البّناء وعلى الاستيعاب، وقادر على الدراسة وعلى الإثمار.

- كل هذا يحتاج أن الله ينمينى فى النعمة، والمعرفة، إذ يجب أن كل يوم يأخذ الإنسان معلومة جديدة، وإضافة جديدة فى أى مجال، لعمل توازن فى النمو ما بين النعمة والمعرفة ما بين الروح والعقل، وكما يقولون: الإنسان يعرف كل شىء عن الشىء (التخصص)، ويعرف شيئا عن كل شىء (المعرفة العامة). يبقى أن نتحدث عن النضج الروحى.. وهذا حديثنا القادم إن شاء الله.

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


مروان محسن ومأساة (الميديوكر)! بقلم طارق الشناوى ١٤/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

بدون أى اقتحام منى للنقد الكروى، أستطيع أن أرى فى اللاعب مروان محسن توصيف (الميديوكر)، هؤلاء الذين يقفون فى منطقة متوسطة بين المتذوق الرائع الذى يستشعر الجمال أينما كان، بينما هو عاجز عن خلق الجمال، هؤلاء يشكلون الأغلبية العظمى فى كل المجالات فى الفن والصحافة والأدب، وبين كل المهن مثل الأطباء والمهندسين، القطاع الأكبر فى الحياة إنهم متوسطو الموهبة.

لماذا احتل مروان إذن كل تلك المساحة؟، إذا قلنا مثلا إن لاعبى الكرة داخل الملعب وعلى دكة الاحتياطى ١٥، ستجد بينهم ٥ على أكثر تقدير من الموهوبين والباقى (ميديوكر) مع اختلاف الدرجة فى الحالتين.

مأزق مروان أنه مهاجم، وهؤلاء تحت الأضواء، وأغلب نجوم الكرة فى العالم ستجدهم فى العادة من خط الهجوم، وغالبا رأس حربة، مثل بيليه ومارادونا وبوشكاش وميسى وصالح سليم وأبو جريشة وأبو تريكة والخطيب وحمادة إمام ورضا والشاذلى وطه إسماعيل وحسام حسن، ومحمد صلاح وغيرهم.

مروان قليل التهديف، محدود المهارات، ورغم ذلك يستعان به فى فريق الأهلى وفى الفريق القومى، رغم تغير طاقم المدربين والإداريين، وهذا يعنى أن الجميع مع اختلاف مشاربهم يجدون فيه المجتهد والمؤدى للواجب والمنفذ للتعليمات، أحيانا تصبح مثل هذه الأمور هى المطلوبة أولا.

مروان لا يؤذى أحدا من زملائه، بينما (الميديوكر) أحيانا يرتبط بالحقد وصناعة المكائد، ولعل شخصية أنطونيو ساليرى الموسيقار الغيور فى حياة (موزار) هى الأقرب لتلك الصورة الشائعة لهؤلاء الذين يقفون على الحافة، تتجمع فيهم غالبا الأحقاد، كان ساليرى يتمنى أن يصبح مثل موزار، ويعاتب الله لماذا اختار موزار وأنعم عليه بكل هذه الموهبة ليبدع كل هذا الجمال، منذ أن كان فى السابعة من عمره، وعاش بعدها أقل من ٣٠ عاما، وظل العالم يستمتع به حتى الآن، بينما ساليرى لم يعش له أى إنجاز موسيقى.

الأمر ليس له علاقة بالنجومية، مثلا فى مجال التمثيل، هناك موهوب إلا أنه ليس نجما للشباك، هذه قضية أخرى، لم يكن على سبيل المثال صلاح منصور ولا محمود المليجى ولا توفيق الدقن ولا سناء جميل نجوم شباك ولكنهم الأكثر موهبة.

(الميديوكر) تستطيع أن تلمحه فى مخرج يجيد نظريا كل التفاصيل فى عمل (الديكوباج)؛ تقطيع اللقطات وتحديد زوايا اللقطة، إلا أنه يقف فقط عند تلك الحدود، وتشتعل فى أعماقه كل مشاعر الغيرة، عندما يقدم أحد زملائه الموهوبين عملا فنيا، يصبح سكينا تطعن العمل الفنى، بينما عندما يصبح هو صانع العمل تطعن السكين كل من يقترب إليه بأى نقد، وفى العادة لا يسفر رصيده عن شىء ذى قيمة، حتى الخوف من سلاطة لسانه لا يستطيع إنقاذه من السقوط المدوى. أمثلة عديدة للميديوكر فى كل المجالات، هم إما معرقلين أو فاسدين، وخطرهم طبعا فى لعبة كُرة القدم أقل، لأنك تتعامل مع فريق، متعدد الوظائف وهناك أخطاء مشتركة يتحملها الفريق كله.

مأزق مروان أنه أيضا سيئ الحظ، فى ضربة الجزاء التى أضاعها، جاء المشهد كالتالى، الحارس البرازيلى العملاق ملقى على الأرض بجوار العارضة فى أقصى اليمين، بينما هو يصوب الكرة إلى أقصى اليسار لترتطم بالعارضة خارج الملعب، كان من الممكن مثلا أن تتوجه الكرة مباشرة للشبكة، وبعدها يهتفون باسمه، إنه ليس فقط (ميديوكر) ولكنه أيضا منحوس، وتلك هى (أُم المشاكل)!!.



Saturday, February 13, 2021

أحمد عبدالمعطي حجازي سلامتك - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 12/2/2021

  الجدية ومحاولة الوصول إلى قمة الإتقان والكمال، هذا هو الدرس الذى تعلمته من التجربة الأخيرة مع الأستاذ والصديق الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، البداية تليفون من الأستاذ حجازى يخبرنى فيه بأنه فقد توازنه وأحس بدوخة وسقط على الأرض، فسألته مباشرة هل هناك كسر؟ فكان الرد بالنفى، ليس هناك كسر، وتحامل على نفسه وسار خطوتين، طالبته بالتوجه إلى المستشفى مباشرة، فطلب الانتظار حتى الصباح وقال إنه يحس بتحسن، ثم فى الصباح أخبرنى بأن أسفل الساق اليمنى قد تورم قليلاً، فلم أطمئن وألححت عليه فى الذهاب إلى المستشفى وعمل الفحوصات اللازمة، قبل أن أسترسل فى الحكاية، عرفت من زوجته د. سهير أنه ظل حوالى ١٦ ساعة على مكتبه يبحث ويقرأ فى الكتب، ثم يكتب المقال الأسبوعى للأهرام ويدقق ويحقق فى كل كلمة، ١٦ ساعة متواصلة يا أستاذ حجازى، معقول ما زال يوجد فى مصر كاتب يأخذ الكتابة بهذه الجدية والصرامة وذلك الاحتشاد والاحتفاء؟! بالطبع لا بد عند وقوفه بعد هذا الجهد الذهنى الرهيب من الطبيعى جداً أن يدوخ، هذا هو الدرس الذى تعلمته من هذا الأستاذ الذى ما زال حتى هذه اللحظة يستعد لمقاله وكأنه طالب علم مقبل على تحضير رسالة دكتوراه، المهم بعد إلحاح واتصالات، وافق شاعرنا الكبير على نقله للمستشفى، واتضح أنه يعانى من كسر بالعظمة المجاورة لعظمة الساق والتى تسمى الشظية، وهى عظمة والحمد لله كسرها ليس خطيراً والتئامه سريع، أحببت أن أطمئن كل أحباب وتلامذة الشاعر الكبير عبدالمعطى حجازى على صحته، والأهم أن أنقل لكم درساً صار من المستحيلات مثل العنقاء فى زماننا، درس أن الكتابة عمل يحتاج للجدية وليس مجرد رص كلام وثرثرة فارغة ولغو مصاطب، فها نحن أمام كاتب كانت بدايته مع إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين فى عز مجد صباح الخير وروز اليوسف، نحن أمام شاعر غير عادى، شاعر أحدث ثورة حقيقية فى الشعر الحديث، وكان ديوانه الأول مدينة بلا قلب مع ديوان صديقه صلاح عبدالصبور بمثابة زلزال وبركان فى عالم الشعر، هز أركان الشعر التقليدى وقتها، وخاض معارك ضد كتاب كبار مثل العقاد من أجل ترسيخ هذا التجديد الشعرى، وذهب إلى فرنسا فى زمن مطاردة اليسار والتضييق عليه، وقابل هناك كبار المثقفين الفرنسيين، ثم عاد ورأس تحرير مجلة من أهم المجلات الثقافية التى كانت لها أيادٍ بيضاء على كثير من المبدعين، وهى مجلة إبداع، حفظ الله شاعرنا وأعطاه الصحة ليستمر فى عطائه ودروسه الثقافية والإنسانية أيضاً، لكن قبل أن أختم مقالى لا بد من توجيه الشكر للأستاذ عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام الذى استجاب بسرعة وجعل الأهرام يتكفل بالعلاج، والشكر أيضاً لوزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم التى لم تدخر جهداً لأنها تعرف قيمة وقامة الأستاذ حجازى، كل الأمنيات بالصحة والسعادة وطول العمر لك يا أستاذنا.


Friday, February 12, 2021

أنقذوا دور النشر المصرية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 11/2/2021

 برغم أن أول كلمة أنزلت فى القرآن كانت «اقرأ»، إلا أننا للأسف شعب غير قارئ، ونتعامل مع القراءة على أنها رفاهية ونشاط زائد على الحاجة، كيف سنقرأ ونحن نصف المريض نفسياً بأن عنده والعياذ بالله «فِكر»؟!!، فى وسائل النقل الأوروبية سواء مترو أو أوتوبيس أو قطار، أو حتى فى المحطات، تجد نفس المشهد الثابت «الراكور»، شاب يقرأ أو شابة تفتح كتاباً غارقة فى صفحاته، القراءة عندهم طقس مقدس، والكتب توزع بالملايين، والكاتب من الممكن جداً أن يعيش فقط من حصيلة بيع كتبه، لكننا هنا من الممكن أن يعيش الكاتب ويموت وكتابه لم يوزع الألف نسخة!!، وطبعاً إذا كان كتاباً فى الفلسفة أو العلم فإنه حتماً «لا يكيّل بالباذنجان» على رأى النجم عادل إمام، وجاءت الكورونا لتجهز على الكاتب والكتاب، ذبحت دور النشر بسكين التجاهل، وصار أصحاب دور النشر الذين يؤدون دوراً تنويرياً عظيماً وخطيراً على حافة الهاوية، بل إن هناك ناشرين أغلقوا دور النشر التى يمتلكونها وعطلوا النشاط وبحثوا عن تجارة أخرى مضمونة لعلها مطعم حواوشى أو محل أحذية، فهذه الأنشطة أكثر ضماناً وأماناً، المجتمعات التى تخاصم فكرة معينة على الدولة أن تفرض قانونها لتعديل السلوك تجاه تلك الفكرة، على سبيل المثال، مجتمع يخاصم ويعادى انتخاب النساء أو الأقليات، هنا لا بد أن تتدخل الدولة بالكوتة أو فرض نسبة معينة فى البرلمان، وهذا قد حدث بالفعل، كذلك لو خاصم شعب القراءة الجادة بعيداً عن كتب الطبخ والأبراج وعذاب القبر المكتسحة، فعلى الدولة أن تتدخل لدعم هذه الصناعة الفكرية المهمة، على سبيل المثال، لماذا توقفت مكتبات المدارس فى مصر عن تزويد مكتباتها بالكتب الجديدة؟، لماذا لا نقف موقفاً جاداً وحاسماً من قرصنة الكتب التى تستنسخ وتباع على الأرصفة وتزيد من نزيف أصحاب دور النشر؟، لماذا لا يتم دعم تلك الصناعة وتخفيض الضرائب عليها؟، لماذا لا يقدم الإعلام برامج جادة فى أوقات متميزة تناقش الكتب وتحللها وتعرض لها؟، لماذا نقدم معرض كتاب واحداً فى السنة؟، ما زاد الأزمة احتقاناً هو غياب معارض الكتب العربية بسبب الكورونا، فقد كانت متنفساً لدور النشر المصرية أن تبيع وتعرض كتبها على أشقائنا العرب، ماذا يفعل الناشر الآن؟، بعد أن تم حصاره فى «الكورنر»، يكيل له الجميع أقسى أنواع اللكمات لكى يتنازل عن نشر نور الكلمات، أجبرنا البعض على أن يعوض خسائره من جيب المؤلف للأسف، وهذه مشكلة كبيرة أن يطلب الناشر من المؤلف مبلغاً لكى يطبع له الكتاب، وكأنها الجزية!!، وهذا سلوك نطلب من اتحاد الناشرين أن ينبه هؤلاء المبتزين بأن يغيروا من هذا السلوك المشين الذى يقتل الصناعة أكثر وأكثر، الحقيقة أننا فى أزمة كبيرة، فمعركة التنوير والتجديد لم تعد رفاهية بل صارت قضية حياة أو موت، والتنوير بدون كتاب، والقضاء على الفكر الإرهابى بدون دور نشر قوية، هو معركة مع أسطول غواصات نووية بمجموعة من العصى والنبابيت.


Thursday, February 11, 2021

(مرسى).. الجميل والعزيز!! بقلم طارق الشناوى ١١/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 

فى تاريخ الأغنية المصرية، لا يمكن سوى أن نتوقف أمام هذا الشاعر الذى منح العامية الدارجة ألقًا وعبيرًا وألوانًا وبهجة ونشوة.

عندما رحل الشاعر الغنائى الكبير مرسى جميل عزيز، كتبت على صفحات مجلة (روزاليوسف): (فى يوم فى شهر فى سنة /تهدا الجراح وتنام/ وعمر جرحى أنا/ أطول من الأيام)، وأضفت ستظل كلماته تعيش فينا أطول من أيامه وأيامنا!.

مر ٤١ عامًا على غيابه، ولا تزال كلماته حاضرة تتردد عبر كل المحطات الغنائية.. كلمات مرسى تحمل الإبداع الخاص الذى يتجاوز قيد الأغنية، لنجد أنفسنا نتعايش مع شاعر يحيل نبضاته إلى حروف تملك شعاعًا يضىء أعماقنا.. لو أنك حررت الأغانى من أنغامها وصوتها ووضعتها تحت مجهر الإحساس الشاعرى لوجدته مثلًا يقول فى (أنا بستناك) بصوت نجاة (مرايتى قوليلى يا مرايتى/ حبيبى ماجاش لدلوقتى/ وسابنى لوحدتى وانتى).. تجد مثلًا فى (تلات سلامات) لمحمد قنديل (عيونك سود/ وأقول مش سود/ عشان الناس/ تتوه عنك)، أو فى (سيرة الحب) وهى أول تعامل مع أم كلثوم (ياللى ظلمتوا الحب/ وقولتوا وعيبتوا عليه/ قلتوا عليه مش عارف إيه) لأول مرة تستخدم الست مفردة مثل (عيبتوا) منتهى الجرأة.. تابع هذه مع فريد الأطرش (اسمع لما أقولك/ ولا أقولك/ مش ح أقولك/ ما أنت عارف قصدى إيه/ من غير ما أقولك)، هو أكثر شعراء الأغنية تكرارا للكلمة الواحدة أكثر من مرة، ورغم ذلك فى كل مرة تزداد عبقرية وشاعرية، ومع محرم فؤاد (بس يعنى/ قصدى يعنى/ قولى يعنى) أو مع محمد فوزى (الشوق/ الشوق الشوق/ حيرنى/ الشوق الشوق/ سهرنى/ الشوق الشوق)، أو فى (ألف ليلة وليلة) بصوت أم كلثوم (الله محبة/ الخير محبة/ النور محبة) أو فى نفس الأغنية (إزاى إزاى إزاى/ أوصفلك يا حبيبى إزاى/ قبل ما أحبك كنت إزاى)!!.

قيمة مرسى تقدر بعمق إبداعه، وأيضًا بتلك الثورة الشاعرية التى أحدثتها كلماته فى مسار الأغنية العربية.. كان مرسى يلحن كلماته وهو يكتبها، وهكذا مثلًا توافقت أشعاره مع الموسيقار محمد الموجى. ولـ«مرسى» تعبير دقيق جدًا يقول: (عندما أسلم كلماتى للموجى أنام على مخدتى وأنا قرير العين)، قدم له فى البدايات مثلًا (يا أمه القمر ع الباب) بصوت فايزة أحمد التى أحدثت ثورة اجتماعية قبل أكثر من ٦٠ عامًا، وتأملوا (ما عادش فيها كسوف/ يا أمه اعملى معروف/ قومى افتحى له الباب)، هاجموه بضراوة، اعتبروها أغنية تخرق الآداب العامة، وأكثر من إذاعة عربية مثل الأردن ظلت تمنع تداولها عدة سنوات.

أتوقف أمام (طيب يا صبر طيب) لعبدالمنعم مدبولى وتلحين كمال الطويل فى فيلم (مولد يا دنيا) لحسين كمال (ليه يا زمان العبر/ سوق الحلاوة جبر/ وإحنا اللى كانوا الحبايب/ بيسافروا بينا القمر/ بقينا أنتيكا/ دقى يا مزيكا)، حكى لى الموسيقار محمود الشريف أنه كان يجلس مرة معه فى نقابة الموسيقيين وكان بائع الثوم ينادى (توم الخزين يا توم) فوجد مرسى يكتب على نفس الإيقاع (توب الفرح يا توب/ مغزول من الفرحة/ ناقص يومين يادوب/ وألبس لك الطرحة) لتصبح أشهر أغانى أحلام. وروى لى المخرج عاطف سالم أنه فى فيلم (يوم من عمرى) قال له: عايزين أغنية فيها ضحك ولعب، فكتب على الفور لعبد الحليم (ضحك ولعب وجد وحب).

قدمت محطة الأغانى يومًا كاملًا احتفالًا بذكراه، إشراف الشاعر الغنائى ناصر رشوان، فكان يومًا لا ينسى، يفيض بالجمال لشاعر العسل والسكر.. مرسى.. الجميل والعزيز.