Translate

Tuesday, October 31, 2017

التاريخ يكتبه الأقوى ولكن إلى حين بقلم د. محمد أبوالغار ٣١/ ١٠/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


التاريخ علم وفن وسياسة ومن لا يقرأ التاريخ لن يستطيع تقييم الحاضر ولا يتصور المستقبل، وهذا ينطبق على الأفراد والحكام وقادة الجيوش. التاريخ يكتبه البسطاء ويكتبه المؤرخون ويكتبه أيضاً أصحاب السلطان وحاشيتهم. كلٌ يكتب بطريقته. رجال السلطان يكتبونه من وجهة نظر الحاكم، الذى يبرز أنه صاحب الفكر الثاقب والرأى السديد والشجاعة الفائقة، والمؤرخ يكتبه بالطريقة التى درس بها وبما يمليه ضميره، ولكن المؤرخين فى البلاد الموكوسة بغياب العدل يكتب معظمهم التاريخ بما يلبى رغبة السلطان ومزاجه الخاص.
دعنا نواجه تاريخ مصر الحديث والذى يبدأ من محمد على، نرى أن تاريخ الأسرة العلوية التى حكمت مصر حتى عام ١٩٥٢ كلها كتبت لما يقرب قرن من الزمان بواسطة رجال كل السلاطين تمجيدا وإطراءً لهذه الأسرة وأعمالها. بالطبع قام بعضهم بأعمال مجيدة وبعضهم بأعمال كارثية تصل إلى حد الخيانة. لم يذكر التاريخ الذى كتب فى عهدهم الكوارث التى فعلها عباس الأول فى التعليم المصرى ولم يكتب بدقة حجم الديون التى اقترضها إسماعيل والتى انتهت بإحكام القبضة على مصر ثم احتلالها فى مرحلة لاحقة ولم يكتب عن الآلاف من الفلاحين الذين ماتوا أثناء حفر قناة السويس وكتبوا الكثير عن خيانة أحمد عرابى للعرش وللخديو توفيق. ولم يكتبوا شيئاً ذا أهمية عن ثورة ١٩ لأنهم لم يعجبوا بهذه الثورة العظيمة هم وحلفاؤهم من الإنجليز ولم يكتبوا عن فساد الملك فاروق وعدائه للديمقراطية وتشجيعه على تزوير الانتخابات.
بالطبع قاموا بتمجيد المؤسس محمد على لتوحيد الأمة وبناء جيش قوى وبدء مرحلة تصنيع كبيرة وكذلك القائد إبراهيم صاحب الفتوحات الكبيرة ومشروع قناة السويس لصاحبه سعيد باشا والنهضة المعمارية والثقافية التى قادها إسماعيل باشا ولم يتحدثوا عن خيانة توفيق وتحالفه مع الإنجليز ولا ديكتاتورية الملك فؤاد ومناهضته للديمقراطية والقوى الوطنية.
بعد عام ١٩٥٢ تغير الموقف تماماً وكتب التاريخ بطريقة مختلفة فأسرة محمد على كلها أصبحت فاسدة ومحمد على اختصر فى مذبحة القلعة وفتوحات إبراهيم وقيادته المتميزة للجيش المصرى تم اختزالها وكانوا على وشك رفع تمثال إبراهيم باشا من ميدان الأوبرا. وتم التركيز على تحالف سعيد باشا مع الفرنسيين وحفر قناة السويس لصالح الأجانب ووفاة آلاف الفلاحين المصريين. أما إسماعيل باشا فتم التغاضى تماماً عن مشروعاته الحضارية وبناء القاهرة الخديوية ودار الأوبرا ومشروعات الرى وتم التركيز على البذخ الرهيب الذى أدى إلى إفلاس مصر. ونسى المؤرخون دور الملك فؤاد والأميرة فاطمة فى إنشاء جامعة القاهرة. وتم التركيز على فساد الملك فاروق بصورة مبالغ فيها بالرغم من أنه كانت هناك محاسبة من البرلمان والوفد والصحافة. وفى هذه الفترة عاد عرابى كبطل قومى وأعيدت كتابة سيرته وأصبح عبدالله النديم الذى كان خائناً قبل ١٩٥٢ بطلاً قومياً يكتب عنه كتب وتؤلف مسرحيات وأغانٍ.
بعد ١٩٥٢ ركز التاريخ على إنجازات الثورة وعبدالناصر من بناء مصانع ومشروعات قومية والاهتمام بالفقراء والوقوف ضد الاستعمار ولم يذكر شيئاً عن الديمقراطية والحرية والسجون والتعذيب. وناصر الشيوخ النظام الاشتراكى وأسهبوا فى ذكر آيات قرآنية وأحاديث نبوية تقول إن الإسلام هو دين الاشتراكية. وفى عصر السادات تغير الموقف وأصبح الإسلام فجأة بنفس الشيوخ دين الرأسمالية بآيات وأحاديث مختلفة وبدأ التاريخ يعاد كتابته فعصر عبدالناصر لم يصبح هذا العصر العظيم وتم التركيز أكثر على الهزائم العسكرية وفشل القطاع العام وأعيد الاعتبار جزئياً لأسرة محمد على.
فى عصر مبارك الذى تميز بالفساد والركود كان التاريخ يكتب حسب رغبة ومزاج الكاتب.
بعد ثورة ٢٥ يناير ظهرت الفجوة الكبيرة فى كتابة التاريخ فمن يكتب أنها أعظم ثورة مصرية ومن يكتب أنها مؤامرة أمريكية، وثورة ٣٠ يونيو لاقت نفس المصير، فمن يكتب أنها ثورة شعبية على الفاشية الدينية أيدها الجيش ومن يكتب أنها انقلاب عسكرى ديكتاتورى. كل هذه الكتابات التاريخية الوقتية قيمتها محدودة للغاية وهى تختفى من الوجود بعد فترة قصيرة.
التاريخ الحقيقى موجود ويبقى فى الوثائق المدققة التى يكتب عنها المؤرخون الحقيقيون الذين ليس لهم مصلحة فى شىء. دور الوثائق البريطانية والأمريكية والمصرية تحوى كل شىء عن الحقيقة وبعد سنوات كله يصبح متاحاً للدارسين. تاريخ مصر الحقيقى وليس المزيف الذى يمجد الرئيس أو الملك ونظامه فى أثناء حياته ويتغير التارخ تماماً بعد رحيل الحاكم ونظامه. التاريخ البعيد عن الهوى والمصالح مدقق بمؤرخين مصريين وأجانب فى عشرات الكتب الجادة.
فى تاريخنا الحديث منذ محمد على قام عدد من الملوك والرؤساء بأعمال جيدة وأيضاً ساهموا فى كوارث أدت إلى مصائب للوطن، وكلهم بدون استثناء كانوا من محبى الديكتاتورية وكلهم يكرهون الديمقراطية.
تاريخ مصر الحقيقى مكتوب بدقة وموثق، كل التاريخ المزور يختفى تماماً بعد زمن طال أو قصر. وقرار النظام المصرى بإلغاء تاريخ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو من المواد الدراسية لن يقوم بإلغاء الأحداث الهامة الموثقة من التاريخ المصرى التى غيرت وسوف تغير مسار مصر.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

خالد منتصر - هل سيحرق الأزهر شرائط «بحيرى» عند 451 فهرنهايت؟! - جريدة الوطن - 31/10/2017

لم أندهش من الحكم الذى صدر لصالح الباحث إسلام بحيرى بحق ظهوره فى الفضائيات وعدم منعه، لأننى كنت واثقاً أنه لم يعد موجوداً فى أى بقعة على مجرة درب التبانة، سواء نجم أم كوكب أم قمر أو حتى نيزك، فكرة منع إنسان من الكلام وربط لسانه وبتر حنجرته وختان عقله ووضع جمجمته فى صندوق فولاذى كاتم للصوت ومانع للنقد! ولو كان قد تحقق هذا الحلم الأزهرى لكنا قد حققنا العجيبة الثامنة من عجائب الدنيا ولصرنا محمية طبيعية لفترة إنسان الكهف ومزاراً لعلماء الحفريات! لكنى مندهش من طلب الأزهر نفسه والذى رفع تلك القضية باسم شيخ الأزهر شخصياً الذى كان يجب أن ينأى بمكانته كإمام أكبر عن الدخول فى قضية لشطب إنسان من الوجود بأستيكة المشيخة! كيف تتصور تلك المؤسسة الدينية العريقة التى عملها الأساسى الاجتهاد والبحث أن القضاء سيحقق لهم مطالبهم بتحويل بنى آدم إلى بخار لأنه انتقد البخارى؟! وكيف سيطبق هذا الحلم الأزهرى والطلب المشيخى؟ هل سيتم تعيين مراقب أزهرى على باب كل استوديو فى مدينة الإنتاج الإعلامى لديه جهاز حساس فى جيبه اسمه إسلاموميتر، أو الـnew version منه «البحيريولوجى»، المثبت فىه إيريال حساس و«جى بى إس» فى منتهى الدقة يحس باقتراب إسلام بحيرى من الاستوديو ويكهربه بمجرد دخوله من بوابة الأمن رقم 4؟!! هل سيصدر من مكتب المستشار القانونى للأزهر فرمان للإنترنت بأن يتربص بإسلام ويحرص على عضه وهبشه ووضع السيخ المحمى فى صرصور ودنه من خلال الموجات الكهرومغناطيسية بمجرد ضغطه على أزرار «الكى بورد»؟! ما هذا الطلب العبثى؟ هل تظنون أننا ما زلنا فى زمن الخليفة الإسلامى العظيم الذى قطّع أوصال ابن المقفع وشواها ليقدمها وجبة شهية لكل من تسول له نفسه مجرد النصيحة!!
أما الشق الثانى فهو المطالبة بحذف برنامج «مع إسلام» وعدم بثه مرة ثانية بأى وسيلة، والكرة الآن فى ملعب الأزهر لتطبيق هذا المنع، طبعاً من السهل تحذير طارق نور، مالك القناة التى كانت تذيع البرنامج، وسيرضخ ويسمع الكلام فوراً، لكن لا بد لهم من دخول القناة والحصول على شرائط البرنامج، وهنا يحضرنى فيلم «451 فهرنهايت» الذى كانت تحرق فيه السلطة الفاشية أى كتاب من الممكن أن ينير عقول العامة والدهماء والغوغاء من وجهة نظر تلك الفاشية، وكانت الكتب تحترق عند درجة حرارة 451 فهرنهايت!! لذلك أتصور السيناريو كالتالى، اقتناص الشرائط وإحراقها فى ميدان التحرير مع انطلاق التكبيرات وإقامة صلوات الشكر فى مسجد عمر مكرم المجاور بينما ألسنة النيران تلتهم أشرطة الزندقة والفجور والكفر والعصيان! وبعدها سيقام الحد على بقايا رماد تلك الأشرطة بتطبيق حد الحرابة وتقطيع «البيتا كام» من خلاف، ومن الممكن رجمها بأحجار يتم نقلها لمكان تطبيق الحد من المتحف المصرى المجاور والمحتوى على أصنام سيحدد ميعاد رجمها فيما بعد فى غزوة «الميوزيم» المباركة! ثم تخرج المظاهرات مطالبة بسقوط الخواجة «يوتيوب» والقصاص منه لموافقته على نشر أشرطة هذا الخارج المارق، وبالطبع سترتعد فرائص عم يوتيوب وينفذ فوراً مطالب الثائرين المجاهدين ويحذف فيديوهات إسلام بحيرى من موقعه.
قطع اللسان وكتم الحنجرة وختان العقل فى زمن الإنترنت والسماوات المفتوحة أشبه بمطاردة قطة سوداء فى ظلام دامس، ولن يستطيع المتربص القنص فى الظلام، لكن بمجرد شمعه تستطيع أن تشق صدر الظلام، و لا يمكن لكل خفافيش الدنيا أن تلتصق وتجتمع لتحجب نور الشمس.

Monday, October 30, 2017

د. عماد جادوجوه من زمـن الفتنة - جريدة الوطن - 30/10/2017

يبلغ عدد سكان العالم قرابة سبعة مليارات إنسان، أكثر من نصفهم لا يتبعون الديانات الإبراهيمية، ورغم أن أتباع الأخيرة لا يزيدون على 40% من سكان الكرة الأرضية فإن الصراعات بينهم هى الأعلى والأكبر وعلى أراضيهم سقط ملايين البشر ضحايا الصراع الدينى والطائفى بين أتباع الديانة الواحدة، فالحروب بين أتباع الديانات الإبراهيمية وداخل كل دين من هذه الأديان الثلاثة هى الأكثر حدة وتدميراً لبنى البشر، كما أن التشدد الدينى والطائفى هو الأعلى والأكثر خطورة، من الحروب بين المسلمين إلى الحروب الدينية والمذهبية داخل المسيحية التى استمرت إحداها سبعة عقود كاملة، إلى الحروب الدينية بين المسلمين والمسيحيين ثم مع اليهود. وفى الوقت الذى اكتشفت فيه البشرية أن فصل الدين عن السياسة هو البوابة الذهبية لإقامة دولة ديمقراطية حديثة ومتطورة ومتقدمة تضمن حقوق الإنسان، فإن الكثير من الجماعات داخل الديانات الإبراهيمية ترفض ذلك، بل تحمل السلاح لإقامة الدول الدينية. والظاهرة الأكثر خطورة هنا هى أن أتباع هذه الديانات تركوا منظومة القيم الخاصة بكل دين من هذه الأديان وركزوا على هدم الديانة الأخرى، فنادراً ما نجد تراشقاً بين أتباع ديانة سماوية وأخرى أرضية، وإذا حدث سيكون لاعتبارات عرقية أو قومية، أما الغالب فى عالم اليوم فهو تراشق وصراع بين أتباع هذه الديانات الثلاث، والدليل الأبرز على ذلك فى بلدنا هو ظاهرة تركيز عدد كبير من الشيوخ على التهجم على الديانة المسيحية، والحرص على ذكر المسيحيين من منطلق سلبى حتى أثناء الصلاة، بدلاً من شرح صحيح الدين وإبراز القيم الإنسانية، نجد تركيزاً شديداً على كفر «النصارى» وأن مآلهم جهنم، فمن «برهامى» إلى «حسان»، وصولاً إلى عبدالله رشدى الذى يحرص فى كل لقاء ومداخلة على تذكيرنا بأن «النصارى» كفار. وبالمناسبة هو لا يعلم شيئاً إطلاقاً عن القناعات الفكرية والدينية لطائفة النصارى، وهى طائفة من المسيحيين اتبعت طريق الهرطقة من أمثال ورقة بن نوفل وسارت على طريق نسطور وترى فى السيد المسيح نبياً فاضلاً من أنبياء بنى إسرائيل وليس الله المتجسد حسب العقيدة المسيحية للمذاهب الثلاثة، وبهذا المعنى فإن النصارى لا يؤمنون بالتثليث ولا قيامة المسيح من الأموات وهو جوهر الإيمان المسيحى، وقد اندثرت هذه الطائفة تماماً، ويرفض أى مسيحى أن يوصف بأنه نصرانى بل يشعر بإهانة من هذا الوصف المتناقض مع جوهر إيمانه المسيحى.
برز دور هؤلاء المشايخ فى مرحلة ما بعد 25 يناير، وكنا نعتقد أن مرحلة ما بعد 30 يونيو سوف تختفى هذه الظاهرة وتسود الرابطة الوطنية، وتوضع أسس الدولة المدنية الحديثة التى تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد، لكن ما حدث هو أن هذه الوجوه استمرت ومعها سياسات الدولة الساداتية التى تنهض على أسس دينية وتميز بين المصريين على أسس دينية وطائفية، واليوم يواصل أمثال عبدالله رشدى التطاول على المسيحية والانشغال بالتهجم عليها أكثر من انشغالهم بنشر صحيح الدين وبث القيم الإنسانية التى ترقى سلوك البشر، وهو الأمر الذى لم يعد مقبولاً السكوت عليه من قبل مؤسسات الدولة المصرية لاسيما فى المرحلة الدقيقة التى تمر بها البلاد وتقتضى تضافر الجهود على أرضية وطنية خالصة وإرساء قيم الاحترام المتبادل بين الأديان والعقائد، فلا فائدة ترتجى من التراشق وإطلاق يد دعاة الفتن أمثال عبدالله رشدى.. فهل من مجيب؟

Sunday, October 29, 2017

خالد منتصر - لماذا نفشل فى مواجهة الأوبئة والأمراض المعدية؟ - جريدة الوطن - 29/10/2017

وصلتنى رسالة فى منتهى الأهمية، تعليقاً على ما نشرته عن مستشفى ثابت ثابت لمقاومة الأمراض المعدية، الرسالة من أ. د. جمال عصمت، أستاذ الكبد والجهاز الهضمى والأمراض المتوطنة والحاصل على جائزة النيل للعلوم ٢٠١٦، أهمية الرسالة ليست فقط فى أهمية علم وبحث ودأب مرسلها، بل تكمن فى الزاوية الجديدة التى نظر منها، وصور بها أهمية ذلك المستشفى العظيم الذى ينتظر جهودكم وتبرعاتكم، يقول د. جمال عصمت فى رسالته:
ما بين جنون البقر وحمّى الضنك، مضى أكثر من 15 عاماً، مرّت مصر فيها بالكثير من الأمراض والأوبئة المحلية والعالمية، ورغم وجود عدد من مستشفيات الحميات المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، التى تؤدى دوراً حيوياً فى التصدى لهذه الأمراض، ورغم انتشار أقسام الأمراض المتوطنة والحميات بكليات الطب المصرية، فإن عدم وجود معمل مرجعى متكامل لتشخيص البكتيريا والفيروسات يحول دون التشخيص الدقيق وعمل الأبحاث العلمية اللازمة، لذلك نلجأ إلى إرسال التحاليل إلى خارج البلاد، بما يحمله ذلك من تأخير نتائج أمراض حادة تحتاج إلى سرعة فى التشخيص، بالإضافة إلى التكلفة المالية المرتفعة.
لذلك كان لا بد من التفكير فى إنشاء معمل متخصّص لتشخيص الأمراض المعدية بدقة، مع الاهتمام بسلامة العاملين به، وهو ما يُطلق عليه معمل السلامة الحيوية من المستوى الثالث (Biosafety Level 3 Laboratory).
كما أن استعمال نظام العنابر الجماعية لإقامة المرضى يعتبر الوسيلة السائدة حتى الآن فى معظم مستشفيات الحميات المصرية، وذلك النظام ليس الأمثل للعلاج من الأمراض المعدية، ومن المؤكد أنه لا غنى عن اللجوء لنظام عزل المرضى باستعمال الغرف المنفصلة والمصمّمة كمناطق معقّمة، سواء بطرق التعقيم السطحى أو المعالجة الميكانيكية لضغوط الهواء.
ومما سبق يتضح أهمية وجود مستشفى جامعى متخصّص ومتكامل للأمراض المعدية، لنكون على استعداد لمواجهة أى أوبئة أو أمراض فتّاكة تُهدّد المجتمع، سواء بالوقاية أو العلاج، بالإضافة إلى البحث العلمى، تلك الأمراض التى ظلت مهملة فى مصر طوال الأعوام الماضية، وهذه الأمراض ومضاعفاتها هى السبب الرئيسى للوفيات على مستوى العالم.
وفى أكتوبر 2013، قامت جامعة القاهرة بإحياء مشروع مستشفى ثابت ثابت بعد توقف دام عدة سنوات، على الأرض التى أوصى بها المرحوم ثابت ثابت جورجى منذ عام 1936، وخلال عامين، وبعد أن قامت الجامعة بضخ التمويل من مواردها الذاتية، تم افتتاح الجزء الأول من المرحلة الأولى للمستشفى، التى تضم العيادات الخارجية والمعامل الاعتيادية ومركز التشخيص بالموجات فوق الصوتية ومناظير الجهاز الهضمى.
لكن لا يزال المستشفى بحاجة إلى المزيد من الدعم المالى حتى يكتمل الحلم ويخرج المستشفى إلى النور بكامل طاقته كأول مستشفى حميات جامعى لتشخيص وعلاج الأمراض المعدية فى مصر والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولإنشاء المعمل المرجعى للفيروسات، الذى تصل تكلفته إلى 300 مليون جنيه مصرى قد تتضاعف مع عدم توافر التمويل اللازم حالياً، وهذه دعوة إلى منظمات المجتمع المدنى والجهات المانحة لدعم هذا المشروع الذى سينقل مصر إلى آفاق جديدة فى تشخيص وعلاج الأمراض المعدية، لتصبح مصر هى المرجع للدول العربية وشرق أفريقيا فى هذا المجال.
ومما هو جدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية، تُخصّص الجزء الأكبر من دعمها المادى؛ لمقاومة أمراض مثل الدرن، الملاريا، الإيدز.. وذلك بسبب عظم المردود الاقتصادى لعلاج هذه الأمراض، فعلى سبيل المثال تكلفة علاج مريض فيروس سى حالياً فى مصر لا تتعدى 1500 جنيه، فى حين أن علاج أورام الكبد التى قد يُسبّبها الفيروس فى حالة عدم علاجه هى 500 ألف جنيه، التى تكفى لعلاج 350 مريضاً من الفيروس.

د. عماد جاد - ماذا يحتاج الرئيس؟ - جريدة الوطن - 29/10/2017

حملات كثيرة تعمل على جمع توقيعات تطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بترشيح نفسه لفترة ثانية، الحملات بدأت على يد مجموعات متحمسة من اتجاهات سياسية مختلفة، بعض المسئولين عن هذه الحملات تعهد بجمع ملايين الأوراق التى تطالب الرئيس بترشيح نفسه، وهناك من عقد المؤتمرات والمهرجانات، مطالباً الرئيس بترشيح نفسه لفترة ولاية ثانية. السؤال هنا: هل يحتاج الرئيس إلى مثل هذه الحملات والمهرجانات حتى يرشح نفسه لفترة ولاية ثانية؟ الإجابة باليقين لا، فالرئيس من حقه دستورياً أن يرشح نفسه لفترة ولاية ثانية، فالدستور ينص على فترتين رئاسيتين، مدة كل منهما أربع سنوات، والرئيس اقترب من إنهاء مدته الأولى، ومن حقه الدستورى أن يرشح نفسه لفترة ولاية ثانية مدتها أربع سنوات، والرئيس لم يعلن أنه لن يترشح لفترة ثانية، كى تبدأ حملات مكثفة تدعوه للعدول عن موقفه وترشيح نفسه مثلما حدث عقب ثورة الثلاثين من يونيو، فقد كانت الحملات التى تطالب المشير عبدالفتاح السيسى بترشيح نفسه منطقية فى ذلك الوقت، فقد أثبت الرجل شجاعة منقطعة النظير وانحاز للشعب وساند الثورة وأزاح حكم المرشد والجماعة، فكان منطقياً أن تخرج حملات تطالبه بخلع الرداء العسكرى وترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، أما اليوم فلا جدوى من وراء هذه الحملات التى يقدمها البعض للرئيس جرياً على نفاق الحاكم، وسعياً من قبل رجال كل زمان وحاكم لتصدر المشهد.
فى تقديرى أن من يقف وراء هذه الحملات يضر بصورة الرئيس داخلياً وخارجياً لا سيما مع تصدر الوجوه القديمة للمشهد من جديد، من كان جزءاً عضوياً من نظام مبارك، ومن التحق بحكم المرشد والجماعة، قدم التهانى، وهنأ نفسه ومصر والمصريين بفوز عضو مكتب الإرشاد بالمنصب، عمل معهم ونسق الخطوات، وقبيل الثلاثين من يونيو قفز من المركب مثلما اعتاد، يرافقهم فى ذلك مجموعة من حاملى الطبل والزمر سيطروا على الإعلام المصرى واستخدموه فى تغييب الحقائق ودفع المصريين إلى البحث عن المعلومات والحقائق لدى وسائل إعلام الغير، بما فيها الإعلام المعادى لمصر والمصريين. الرئيس ليس فى حاجة لحملات طبل وزمر، وإلى حملة المباخر كى يرشح نفسه، الرئيس فى حاجة إلى نخب سياسية لها مصداقية فى الشارع، الرئيس فى حاجة إلى إعلام حر له مصداقية يقدم المعلومات الحقيقية، الرئيس فى حاجة إلى فريق رئاسى متكامل يعمل معه ومن خلال مؤسسات الدولة، الرئيس فى حاجة إلى تقديم رؤيته تجاه كل ما يجرى فى البلاد للشعب مباشرة، وربما يكون الرئيس فى حاجة إلى العمل من خلال فريق متكامل يقدم فيه إلى المصريين ثلاثة نواب: نائب أول ربما من مؤسسات الدولة يبدأ فى العمل معه ويحصل على التدريب والخبرة الكافية لقيادة البلاد مستقبلاً بعد انتهاء فترتى حكم الرئيس السيسى، مع نائبين آخرين لقضايا متخصصة يجمعان ما بين المرأة والأقباط والشباب، فيحصلان على الخبرة والتدريب، ويعملان مع الرئيس، ولاحقاً يمكن أن يخدما فى مجال آخر من مجالات العمل العام. تركيبة على هذا النحو يمكن أن تؤدى إلى بعث روح جديدة فى البلاد وتدفع قطاعات من العازفين عن العمل العام إلى الانخراط فيه، والأهم أنها يمكن أن تدفع بقطاعات من المصريين من مرأة وأقباط وشباب إلى المشاركة فى العمل العام تصويتاً وترشحاً.

Saturday, October 28, 2017

خوفاً من الشيوعية ومجاملة للإخوان! بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

تصورت نفسى مستلقياً على أريكة، وأنتم حولى تطلبون منى أن أتحدث بما يعن لى من أفكار، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس، تداعى المعانى! قلت: إذا كان الدم ضرورة لحياة صاحبه، فهو أسمى وأنقى وأطهر دم إذا كان من أجل بنى وطنه، تحررت أوروبا بالدم.. إنه الفداء!
إن دماء الأطهار لشعوبها فداءً
دستور ١٩٢٣: ها هى كلمات أمير الشعراء:
وجواهر التيجان ما لم تتخذ
من معدن الدستور غير صحاح
صوت الشعوب من الزئير مجمعاً
فإذا تفرق كان بعض نباح
كانت المادة ١٤٩ فى دستور ١٩٢٣ «دين الدولة الإسلام» بتوجيه من الإنجليز! وكان ذلك بسبب الحزب الشيوعى المصرى ١٩٢٣، الذى انضم إليه أربعون ألفاً من المصريين فى بضعة أشهر، فطلب الإنجليز من الملك أحمد فؤاد، والمفتى محمد بخيت المطيعى إدخال هذه المادة على الدستور!
ثار محمود باشا عزمى ثورة عارمة على هذه المادة، وكتب فى جريدة الاستقلال: مواد دستور ١٩٢٣ تجمع ما بين الدولة الليبرالية والدولة الدينية «العفنة» وهى نفس الكلمة التى قالها عبدالمنعم الشحات على تراب هذا الوطن.
جاء دستور ١٩٥٤ «السنهورى باشا» فوضع هذه المادة تحت بند ١٩٥، ثم جاء السادات فى دستور ١٩٧١ فجعلها المادة الثانية، وأضاف عليها: مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
قال السنهورى باشا لعبدالوهاب طلعت باشا: القانون المدنى ١١٤٩ مادة لا يختلف عن الشريعة إلا فى قانون التقادم: «جعلتها ٤٥ سنة بدلاً من ١٥ سنة».
كما قال للمستشار صبرى أبوعلم: القانون الجنائى لا يختلف عن الشريعة فى شىء إلا فى عقوبة التعزير «جعلتها موحدة بدلاً من اختلافها من قاض لقاض».
إذن خلاصة الخلاصة فيما يخص المادة الثانية من الدستور: الخوف من الشيوعية ١٩٢٣، ومجاملة الإخوان ١٩٧١.
مصر بلد القانون، جاء سولون اليونانى، اعتنق الآمونية حتى يدخل المعابد حيث بها المكتبات، وبعد سنوات من الدراسة عاد إلى بلده أثينا بالقانون المصرى وسماه: قانون سولون، جاءت روما وأخذت القانون من أثينا وأطلقت عليه قانون جوستنيان والألواح الإثنى عشر!
ثم جاء نابليون وأخذ القانون من روما وسماه قانون نابليون! ثم جاءت مصر وأخذت قانونها من فرنسا، وجاء أ. د. محمود الدسوقى فى كتابه «فلسفة وتاريخ القانون المصرى القديم» يقول: بضاعتنا وقد رُدت إلينا!
أسرة بريطانية، مستر ومسز شبرد، دعيانى على العشاء، كان ذلك فى نيوكاسل بإنجلترا، سألتهما عن أخبار قضية ابنتهما آن «عشر سنوات»، وكانت قد أصيبت بخدوش بسيطة إثر حادث سيارة، قالت الأم: حكمت المحكمة لها بمبلغ عشرين ألفاً من الجنيهات الإسترلينية على سبيل التعويض!
قلت: هذا عظيم، وماذا كان رد فعل «آن» بعد أن عرفت بهذا التعويض؟!
قالت الأم بدهشة بالغة: بالطبع لم نخبرها، ولن نخبرها بذلك حتى تبلغ الثامنة عشر!
سألت بدهشة: لماذا؟
قالت الأم: لسببين.. الأول: حتى لا تحس أنها أفضل من غيرها، فالشعور بالتميز أسوأ من الشعور بالدونية، والسبب الثانى: حين يختارها شريك حياتها، يختارها لذاتها، لا لما تملك من مال!
قلت فى نفسى: هؤلاء الناس يربون أولادهم بطريقة مختلفة عنا تماماً!!

د. عماد جاد - استخدام القوة فى العلاقات الدولية - جريدة الوطن - 28/10/2017

قديماً قال الرومان وهم رجال قانون وقوة أيضاً: «القوة تخلق الحق وتحميه»، بمعنى أن الدولة القوية تقدم على ما تريد من خطوات بما فيها استخدام القوة وتفرض ما تريد كأمر واقع لأنه لا يوجد من هو أقوى من الإمبراطورية الرومانية والذى بمقدوره أن يواجهها بالقوة. واستمرت كلمات الرومان هذه كقاعدة حاكمة للعاقات الدولية، فكل دولة تحتل المكانة الأولى فى العالم من حيث القوة تفعل ما تريد من غزو واحتلال وضم أراض. وقد حاول الإنسان مراراً ضبط استخدام القوة فى العلاقات الدولية من خلال ضبط سياسات وسلوكيات القوى الكبرى بدءاً من معاهدة صلح وستفاليا التى أنهت حرب السبعين عاماً الدينية فى قلب القارة الأوروبية وصولاً إلى محاولات تقييد سيادة الدولة بالوصول إلى تعريف ضيق لها مروراً بمنظمتَى عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى والأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كانت كلها محاولات لضبط سلوكيات القوى الكبرى ومنعها من اتخاذ قرار العدوان والغزو منفردة، وتمثل ذلك فى الأمم المتحدة فى مجلس الأمن الدولى المكون من خمس دول دائمة العضوية هى الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية ثم أضيفت إليها لاحقاً الصين الشعبية بدلاً من الصين الوطنية (فرموزا)، زائد عشر دول غير دائمة العضوية (مدة عضوية كل منها عامان فقط)، ونص الميثاق على أن تصدر قرارات المجلس بموافقة 9 من الدول بشرط عدم اعتراض أى من الدول دائمة العضوية التى تمتلك حق النقض أو الفيتو الكفيل بمنع صدور القرار حتى لو وافقت عليه باقى الدول الأعضاء فى المجلس، فنتصور حالة توافق فيها أربع عشرة دولة على قرار للمجلس وترفضه دولة واحدة دائمة العضوية فلا يصدر القرار، وقد تحققت هذه الحالة فى التجديد للراحل بطرس غالى فى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة، حيث وافقت على ذلك كل الدول عدا الولايات المتحدة، فلم يجدد للرجل وخلفه كوفى عنان.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن ميثاق الأمم المتحدة وما به من قيود وضوابط يخص الدول الصغيرة والمتوسطة فى العالم، أما القوى الكبرى فمتحررة منه تماماً لأنه لا توجد قوة بمقدورها ردع أو وقف القوة الكبرى، القوى الكبرى تفعل ما تريد وتنفذ ما يحلو لها وتراه فى مصلحتها، فإذا أرادت غزو دولة صغيرة أقدمت على ذلك دون تردد ودون قرار من مجلس الأمن الدولى، وحالة الغزو الأمريكى البريطانى للعراق عام 2003 حالة نموذجية، فالغزو والاحتلال تم دون تفويض من مجلس الأمن الذى اضطر لاحقاً إلى إضفاء الشرعية على الوجود الأمريكى البريطانى فى العراق، نفس الأمر ينطبق على الغزو الأمريكى لبنما فى أمريكا الوسطى، وعلى الغزو السوفييتى للمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968. أما محاولات الدول الصغيرة والمتوسطة للتصرف على غرار القوى الكبرى فكان مصيرها مأساوياً مثل الغزو العراقى للكويت عام 1990، والذى انتهى باحتلال العراق نفسه من قبَل الولايات المتحدة وبريطانيا عام 2003.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن استخدام القوة فى العلاقات الدولية أمر يخص القوى العظمى والكبرى، وإذا أرادت قوة صغرى أو متوسطة استخدام القوة فى محيطها الجغرافى فلا بد من العودة إلى مجلس الأمن الدولى وطلب الحصول على ترخيص بذلك دفاعاً استباقياً عن النفس أو مواجهة مصدر تهديد وخطر على أمنها القومى، فإذا حصلت على التفويض أمكنها القيام بما تريد وإذا لم تحصل ليس أمامها سوى التفاهم مع القوى الكبرى والحصول على موافقتها على القيام بمثل هذا العمل، أما إذا لم تحصل على ترخيص مجلس الأمن أو موافقة حتى لو سرية من القوى الكبرى فالعملية ستكون محفوفة بالخطر الشديد وقد تأتى بنتائج عكسية.

خالد منتصر - طه حسين وتفسير «الإسلام دين الدولة» - جريدة الوطن - 28/10/2017

ما أشبه الليلة بالبارحة، طه حسين ينتقد موقف رجال الدين من دستور 23 وفهمهم لمادة «الإسلام دين الدولة»! نفس الأجواء ونفس المخاوف وكأننا فى مصر نجتر قضايانا، ونعيش نفس اللحظة بأكثر من سيناريو، ونجرى بسرعة ولكن فى نفس المكان، وأحياناً إلى الخلف! ونحن نعيش رحاب ذكرى عميد الأدب العربى طه حسين أدعوكم لقراءة كتاب «من بعيد» الذى يحتوى على مقال فى غاية الأهمية حول فهم تيار الاستنارة المصرى لمادة «الإسلام دين الدولة» مقابل فهم الشيوخ حينذاك، سأقتبس لكم بعض ما كتبه طه حسين فى هذا الكتاب الذى كُتب فى العشرينات والذى أعتقد أنه لو كان موجوداً يكتب الآن فى ظل تربص المؤسسة الدينية بالمثقفين لكان مصيره الإعدام فى ميدان عام بتهمة ازدراء الأديان!
يقول طه حسين: «الشيوخ فهموا هذا النص فهماً آخر أو قل إنهم فهموه كما فهمه غيرهم ولكنهم تكلفوا أن يُظهروا أنهم يفهمونه فهماً آخر واتخذوه تكأة وتعلة يعتمدون عليها فى تحقيق ضروب من المطامع والأغراض السياسية وغير السياسية، فهموا أن الإسلام دين الدولة، أى أن الدولة يجب أن تكون دولة إسلامية بالمعنى القديم حقاً، أى أن الدولة يجب أن تتكلف واجبات ما كانت لتتكلفها من قبل.. فكتبوا يطلبون ألا يصدر الدستور لأن المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله، وذهب بعضهم إلى أن طلب إلى لجنة الدستور أن تنص أن المسلم لا يكلَّف القيام بالواجبات الوطنية إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام، وفسروا ذلك بأن المسلم يجب أن يكون فى حل من رفض الخدمة العسكرية حين يكلَّف الوقوف فى وجه أمة مسلمة كالأمة التركية مثلاً»!
أما كيف استغل الشيوخ هذه المادة بعد صدورها حسب فهمهم الخاص فى كتاب «الإسلام وأصول الحكم» وكتاب «الشعر الجاهلى»، فيقول طه حسين: «إليك نظرية الشيوخ فى استغلال هذا النص الذى ما كان يفكر واحد من أعضاء لجنة الدستور فى أنه سيُستغل وسيخلق فى مصر حزباً خطراً على الحرية بل على الحياة السياسية فى مصر كلها، يقول الشيوخ إن الدستور قد نص أن الإسلام دين الدولة، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور حماية الإسلام من كل ما يمسه أو يعرضه للخطر، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تضرب على أيدى الملحدين.. ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تمحو حرية الرأى محواً فى كل ما من شأنه أن يمس الإسلام من قريب أو بعيد، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور أن تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأياً أو ألف كتاباً أو نشر فصلاً أو اتخذ زياً، ورأى الشيوخ فى هذا كله مخالفة للدين ونبهوا الحكومة إلى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أن تسمع لهم وتعاقب من يخالف الدين بالطرد ثم القضاء ثم إعدام جسم الجريمة». ويخلص طه حسين إلى نتيجة أنه قد تكوّن فى مصر حزب رجعى يناهض الحرية والرقىّ ويتخذ الدين ورجال الدين تكأة يُعتمد عليها فى الوصول إلى هذه الغاية.
المقال كبير وثرى بالأفكار ويحتاج إلى قراءة متمعنة.. وفى النهاية أقول لطه حسين ما قاله نزار قبانى: ما أنت بأعمى ولكننا جوقة العميان.

Friday, October 27, 2017

د. عماد جاد - الأمن والسياسة مرة أخرى - جريدة الوطن - 27/10/2017

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى موفقاً فى الإجابة عن سؤال الصحفى الفرنسى حول حال حقوق الإنسان فى مصر، جانب التوفيق الأول قوله للسائل الذى وجه السؤال للرئيس الفرنسى، إذا أردت أن تسأل عن أمر فى مصر فلتوجه السؤال لى، أى إن السؤال عن شأن مصرى يوجه للرئيس المصرى وليس الفرنسى كى يتحدث عن شأن مصرى داخلى وفى حضور الرئيس المصرى، وهو الأمر الذى يعد نوعاً من التجاوز إن لم يكن الوقاحة. جانب التوفيق الثانى هو حرص الرئيس على طرح المفهوم الشامل لحقوق الإنسان وليس فقط الشق السياسى منه، نعم الشق السياسى هو المهم بل والأكثر أهمية فى مفهوم حقوق الإنسان، وتحديداً فى دول العالم الثالث والنظم غير الديمقراطية أو التى تسير على طريق التحول الديمقراطى، لكن الأبعاد الأخرى لحقوق الإنسان لا تقل أهمية عن البعد السياسى، فحقوق الإنسان تنطوى على الحقوق الأربعة الرئيسية للإنسان وهى الحق فى السكن، والتعليم، والصحة والعمل أو التشغيل، وفى حال عجز المواطن عن تدبيرها تكون الدولة ملزمة بتوفيرها له بالمجان، وهى الحقوق التى صاغتها نظريات الديمقراطية الاجتماعية التى حققت أعلى معدلات التقدم والرفاهية فى دول شمال أوروبا التى تحتل قمة جدول الدول التى حققت أعلى درجات السعادة لشعوبها. الرد السريع من قبل الرئيس على الصحفى الفرنسى كان موفقاً للغاية كما أن حرصه على طرح المفهوم الشامل لحقوق الإنسان كان مهماً للغاية.
ويطرح أداء الرئيس فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الفرنسى سؤالاً جوهرياً حول ما يجرى داخل مصر من تحركات وما يطرح من حملات تدعو الرئيس للترشح لفترة ثانية، فالملاحظ أن مجمل هذه الحملات والتحركات تضر بالرئيس فى الداخل وصورته فى الخارج، فمن حق الرئيس دستورياً ترشيح نفسه لفترة ثانية، وهو ليس فى حاجة لحملات مصنوعة تدعوه لترشيح نفسه، حملات ظهر فيها رجال كل زمان وعبيد كل حاكم، وبدأ سباق بين المتعهدين لابتداع مسمى جديد لحملة جديدة تطالب الرئيس بترشيح نفسه، والرئيس فى غنى عن كل هذه الحملات، فالترشح لفترة ثانية حق دستورى، ولا يتوقع أحد منا أن الرئيس لن يرشح نفسه، فذلك من حقه الدستورى. وفى تقديرى أن القضايا الأهم والأجدى اليوم هى ترشيد الأداء الأمنى والتحقيق فى التجاوزات التى ارتكبت بحق الدولة، ومحاسبة المسئول عن التقصير الذى وقع إبان ملاحقة إرهابيى الواحات، وتقديم صورة صحيحة للوضع داخل البلاد وشرح الإنجازات التى تحققت والتى ستكون كفيلة بدفع شخصيات ترى فى نفسها القدرة على المنافسة فى الانتخابات الرئاسية، دون خوف أو خشية من ملاحقة أمنية، وأيضاً وهو الأهم والأكثر إفادة للبلاد هو دفع المواطنين للمشاركة فى الانتخابات والتصويت لمن يرونه الأصلح لقيادة البلاد، ففى تقديرى أن محور الاهتمام الرئيسى ينبغى أن يكون نسبة المشاركة فى الانتخابات، ليس دعوة الرئيس لترشيح نفسه، ولا الانشغال بمن سوف يرشح نفسه فى مواجهة الرئيس، فانشغالات الأجهزة الأمنية المصرية اليوم هى القضايا الأخيرة فى حين أن الانشغال الحقيقى ينبغى أن يكون إجراء الإصلاحات والتعديلات فى كل المجالات وعلى رأسها الأمن كى يقتنع المواطن المصرى بأن هناك تغييراً يجرى تحت السماء فى مصر يتطلب دعمه نوعاً من الإيجابية والمشاركة فى الحياة السياسية ترشحاً وتصويتاً، هذا هو الفارق بين رؤية رجل الأمن ورؤى رجال السياسة.

خالد منتصر - أسرار جابر عصفور - جريدة الوطن - 27/10/2017

فى حوارى مع د. جابر عصفور حول محطات التنوير فى رحلة مصر المحروسة، كشف لى الغطاء عن بعض الأسرار والكواليس فى الحياة الثقافية المصرية، التى أثارت الكثير من اللغط، أولها قصة موافقة الشاعر صلاح عبدالصبور على اشتراك إسرائيل فى معرض الكتاب، قال «عصفور» إن «صلاح» بصفته رئيساً لهيئة الكتاب رفض اشتراك جناح إسرائيل بطريقة ذكية، ومقبولة دولياً، حيث قال إنها قد تأخرت فى التقديم، ولذلك يرفض طلبها، لكن الكاتب أنيس منصور توجه إلى الرئيس السادات، وقال له إن الرئيس بيجين شخصياً مستاء من القرار، وكيف يوافق المصريون على التطبيع، وتمنعوننا من الاشتراك فى معرض كتاب دولى؟!، انفعل السادات وقرر قبل المعرض بفترة بسيطة جداً اشتراك إسرائيل، ووجد «صلاح» نفسه فى موقف لا يحسد عليه، وأكد «عصفور» أن «صلاح» كان رجلاً وطنياً، وليس عميلاً أو خائناً، كما قال البعض، أو باع نفسه كما قال له الرسام بهجت فى الجلسة الخاصة فى منزل الشاعر حجازى، وكانت سبباً فى مقتل صلاح عبدالصبور، وهكذا تحققت نبوءة «صلاح» بأنه سيقتل بالكلمة الحجر، وهذا يفتح ملف ذبح المثقف المصرى لزميله وتخلف إدارة الحوار وافتقاره للحد الأدنى من الإنسانية بين قبيلة المثقفين المصريين، وضيق الصدر واستسهال التجريس.
الحكاية الثانية من حكايات المثقفين هى حكاية يوسف إدريس و«نوبل» وهجومه على نجيب محفوظ، قال د. جابر عصفور إنه عندما طرده وفصله «السادات» من كلية الآداب، ذهب إلى جامعة ستوكهولم ورُشح إدريس هو، ورئيس القسم، وأُبلغ «إدريس» بذلك، واقتنع يوسف إدريس بأن ترشيح جامعة ستوكهولم القريبة من مقر الجائزة هو جواز المرور الأكيد لنوبل، هكذا تصور، ولذلك كانت صدمته كبيرة عندما فاز نجيب محفوظ بالجائزة، فهاجمه فى جلساته الخاصة ومنتدياته، ويفسر «عصفور» ذلك بأن «إدريس» كاتب انفعالى فوضوى عكس «نجيب»، وتلك طباع شخصية، وليست حقداً أو كراهية، الحكاية الثالثة هى تكذيبه لمقولة إن سيد قطب هو مكتشف نجيب محفوظ، وأكد أنها مجرد فرية وشائعة، وأن سفر «قطب» فى بعثة ليس تكريماً لعبقريته!!، وإنما كان للتخلص منه، ومن شخصيته المعقدة على مستوى وزارة التعليم، وكشف عن أن رائد التنوير الذى لا بد أن يكرّم مثله مثل رفاعة الطهطاوى هو الشيخ حسن العطار، الذى لم ينل حقه من الدراسة والبحث، الحوار كان ثرياً، وذا شجون، ويستحق المزيد من التحليل.

Thursday, October 26, 2017

خالد منتصر - مستشفى ثابت ثابت أمل جديد يحتاج دعمكم - جريدة الوطن - 25/10/2017

كشف انتشار حمى الضنك والاضطراب والعشوائية التى تعاملنا بها معها عن عورات رهيبة فى نظام التعامل مع الأمراض المتوطنة والأوبئة، فمستشفيات الحميات إمكاناتها فقيرة ومخجلة وأقسام المتوطنة فى الجامعات تأخذ الفتات للصرف على الأبحاث، وهكذا أصبحنا بلا غطاء طبى أو درع صحى يحمينا من تلك الأوبئة الفتاكة، ولكن هناك بقعة ضوء فى نهاية النفق تحتاج حتى تصبح شمساً مشرقة مجهودكم ودعمكم سواء رجال أعمال أو مواطنين أو هيئات أو جمعيات أو نوادى روتارى أو إينرويل أو مصارف زكاة.. إلخ، الكل لا بد أن يتكاتف لاستكمال مشروع مستشفى ثابت ثابت بالهرم، الذى أترك الأستاذ دكتور أحمد عبداللطيف أبومدين، رئيس قسم الأمراض المتوطنة السابق بقصر العينى، للحديث عنه، وأقتبس من رسالته الطويلة هذه النقاط المهمة:
تعتبر الأمراض المتوطنة لأى من الأمم بمثابة المرآة الحقيقية للحالة الصحية لأفرادها وما زالت هذه النوعية من الأمراض كثيراً ما تنطلق فى اجتياح على هيئة «أوبئة» مما يعبر بوضوح عن شدة التخوف منها وذلك لصعوبة السيطرة عليها حين انتشارها حيث إنها فى معظم الأحوال تنتشر عدواها بسهولة وذلك من جراء الاختلاط اليومى بين الناس مما يهدد التنمية البشرية فى المجتمعات النامية ومما هو معروف أن جميع الأمراض المتوطنة أمراض معدية وأغلبها وبائية وهذه النوعية من الأمراض تجتاح البلدان دون أن تعرف الحدود السياسية بين هذه البلدان فهى تصيب جميع أفراد المجتمع دون تمييز.
تخصص الأمراض المتوطنة فى كبرى جامعات مصر والشرق الأوسط (جامعة القاهرة) ظل فى العهود السابقة دون اهتمام وما زال يشغل عنبراً ونصف عنبر به عدد لا يتجاوز أربعين سريراً وليس مجهزاً لاستقبال أو تشخيص «الحالات فائقة العدوى» وظل دون تطور فى مجال الأمراض المتوطنة منذ أواخر الأربعينيات فى القرن الماضى رغم جهود علمائه الفائقة والمميزة وحيث كان مرتبطاً وقت ذلك فى بدايته بانتشار الأوبئة التى خلفتها الحرب العالمية الثانية نتيجة للانتقالات المكثفة للجيوش الأجنبية عبر البلاد.
كما أنه لا يوجد على مستوى الجمهورية أى مستشفيات جامعية ترتقى إلى المستوى العلمى والعناية الطبية والتطوير البحثى العلمى الضرورى لهذا التخصص باستخدام التقنيات الحديثة ولا يوجد سوى بعض مستشفيات (الحميات) التقليدية التى لا يمكن لأى منها أن يفى بأغراض تطوير التشخيص أو العلاج أو أبحاث الوقاية أو تطوير تقنياتها على المستوى الجامعى لمنح الشهادات التخصصية العالية فى هذا المجال الطبى المهم.
لذلك فإن مشروع «مستشفى ثابت ثابت» التابع لمستشفيات جامعة القاهرة الذى يقام الآن فى مصر بشارع الهرم صرح شامخ لإرادة علماء مصر لصالح الأجيال وهو الأمل الوحيد الذى يحقق إضافة جديدة رائدة غير مسبوقة لجامعات مصر والمنطقة العربية وأفريقيا والشرق الأوسط حيث إنه أول معهد فى تاريخ هذه الجامعات يختص بمجال الأمراض المتوطنة والمعدية والحميات والوبائيات والذى سوف يخاطب التكنولوجيا المتطورة الحديثة وسيقوم هذا المعهد بتشخيص ومتابعة وتحديث طرق تشخيص وعلاج الأمراض المتوطنة والمعدية والحميات والوبائيات فى مصر والدول المحيطة بها فى أفريقيا والشرق الأوسط والبلاد العربية كما سيقوم برصد الأوبئة المقبلة من القارات المختلفة عبر مصر لما لها من وضع متميز بين القارات.
وقد حظى مشروع «مستشفى ثابت ثابت» التابع لمستشفيات جامعة القاهرة بالهرم باهتمام كبير من قيادات الدولة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد توقف دام أكثر من ثمانين عاماً وقد وضعت جامعة القاهرة هذا المشروع القومى على رأس أولوياتها لتتحمل جامعة القاهرة -الجامعة العريقة- مسئولية حماية شعب مصر من الأمراض المتوطنة التى تفتك بصحة الإنسان وحماية شعوب قارة أفريقيا وبالتالى حماية شعوب العالم ليتم استكمال أعمال بناء الصرح الشامخ لجامعة القاهرة فى شارع الهرم بعد توقف دام عقوداً عديدة من الزمان منذ عام 1937 ليقترب موعد افتتاحه فى غضون شهور قليلة ليصبح شاهداً على نجاح «قيادة مصر» من خلال علمائها وأبنائها وبجهود السادة وزراء التعليم العالى ورؤساء جامعة القاهرة وعمداء كلية الطب وعلماء وأساتذة قسم الأمراض المتوطنة، خاصة الأستاذ الدكتور جابر نصار والأستاذ الدكتور جمال عصمت اللذين يشهد لهما الجهد المضنى الشاق الدءوب من متابعة وتذليل العقبات المالية والإدارية والهندسية وإعطاء الصلاحيات لسرعة الإنجاز فى الفترة السابقة.

Wednesday, October 25, 2017

خالد منتصر - المسلمون بين الخطاب الدينى والخطاب الإلهى - جريدة الوطن - 25/10/2017

ابتعدنا عن الخطاب الإلهى بقدر ما التصقنا بالخطاب الدينى، وهل هناك فرق بين هذا وذاك؟، نعم، هناك فرق شاسع، للأسف لا ندركه نحن أبناء الإسلام بالرغم من أنه أصل مشكلتنا وبيت دائنا، هذا ما يقوله ذلك الكتاب المهم «المسلمون بين الخطاب الدينى والخطاب الإلهى» للكاتب الإماراتى على محمد الشرفاء الحمادى، وهو كاتب مستنير شجاع مهموم بالإجابة عن هذا السؤال الشائك: لماذا تخلف المسلمون بهذا الشكل، ولماذا هذا التناحر؟، ولماذا صاروا علامة الجودة فى الإرهاب حول العالم؟، إنه ركام الخطاب الدينى البشرى القاسى المتجمد المتحنط المتكلس، الذى أخفى نواة الخطاب الإلهى الرحيم الحنون الرحب المحتضن، كتاب لا غنى عنه لكل من يريد أن يفهم وأن يبدأ طريق البحث، كتاب لا يدعى أنه صاحب الكلمة الأخيرة والإجابة الشافية، ولكنه يمارس معك العصف الذهنى ويأخذك إلى مساحة شك فعال وقلق إيجابى من كل ما حشوا به رأسك من خرافات اعتبرتها أنت مقدسات لدرجة أنك تصورت أن ذبح أخيك فى الإنسانية مصحوباً بالله أكبر أمر إلهى يسعد الرب!!، يقول على الشرفاء الحمادى فى كتابه: «كل ما فعله هؤلاء -يقصد من يسمون أنفسهم بالعلماء- أنهم نقلوا إلينا مفاهيم وتأويلات فقهية حولت الوسائل، التى هى الشعائر وجعلتها غايات، فالتبس الأمر وغاب عن الناس أصل الدين ومقاصده العليا»، ويقول أيضاً: «وقد ابتليت الأمة بفقهاء السوء الذين خدعوا الناس باجتهاداتهم، وما استمدوه من روايات تدعم استنتاجاتهم لصرفهم عن الخطاب الإلهى للناس، وعمل هؤلاء بدعوتهم إلى حصر الأركان فى العبادات»، ويمضى الكتاب بمهارة الجراح الحاذق فى تبيان الفرق بين الخطابين، بينما يهوى الكاتب بمطرقة ثقيلة على رؤوس الأفكار العتيقة التى أخّرتنا سنين، بل قروناً عن العالم وحداثته، وإليكم تلك الاقتباسات كإضاءات قبل قراءتكم للكتاب نفسه، والذى أدعوكم إلى اقتنائه وفتح نقاشات موسعة حوله، يقول على الشرفاء الحمادى:
«بدلاً من أن يكون القرآن المعين الذى لا ينضب نوره، كى يستضىء به العلماء من ظلمة العقل وشهوات النفس، ويطبقون خارطة للطريق مضيئة جلية، فتحفظ للإنسان حريته وحُرمته وكرامته وأمنه ورزقه، فإذا بهم استبدلوا به روايات الإنسان التى لا أصل لها، بل استحدثتها شياطين الإنس لخدمة المآرب الدنيوية».
مَن أعطى لأى مخلوق الحق فى أن ينصّب نفسه قاضياً، فيكفّر من يكره ويزكى بالتقوى من يحب؟، وعجباً كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصبوا أنفسهم قضاة على العباد، فيقضون بما لا يحق لهم ويحكمون ظلماً على الناس ويمارسون القتل ضد من يكفرونه؟.
لم يمنح الخالق، سبحانه، أى نبى أو رسول أن يشاركه فى التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع له وحده، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح لمراد الله.
القرآن يؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون ولا يقدسوا الأشخاص مهما بلغ علمهم، فإنهم بشر يخطئون ويصيبون، وما صاغته أفهامهم حسب قدراتهم الفكرية، وحسبما أملت ظروفهم الاجتماعية ومصالحهم الشخصية.
يجب أن تجتهد كل أمة فى كل عصر باستنباط التشريعات اللازمة بما يحقق مصالحها الحياتية، فلن نُسأل عمن سبقنا، وكلٌ سيحاسب بما كسبت يداه، ولن يشفع لنا من عاش قبلنا، ولن تقينا أفهام وتفاسير من سبقونا، إنما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا وللناس فى عصرنا الذى نعيشه.
كل الذين اتخذوا من أنفسهم دعاة للإسلام وتم تصنيفهم بشيوخ الدين وعلمائه فى الماضى والحاضر كانوا يعلمون أن حساب الله لعباده لا يعلمه أحد غيره ولا يقرره إلا هو وحده، لكنهم يروجون لمفاهيمهم الخاطئة خدمة لمصالحهم الشخصية، واستقطاب العوام لخدمة مآربهم، هؤلاء من حرّفوا فهم القرآن ووضعوه فى خدمة مصالحهم الدنيوية فقدسهم الجاهلون، ثم رفعوهم فوق الجميع، فاكتسبوا قيمة اجتماعية فى مجتمعاتهم، وتسابق لهم الناس بالعطايا، فاكتسبوا الثروات وأصبحوا سلطة سياسية وقوة اجتماعية، ولن يتخلوا عن مكاسبهم الاجتماعية والمادية، بل سيحاربون كل من يحاول المساس بامتيازاتهم ويشنون عليه حملة مسعورة، ولا يستبعد اتهامه بالكفر والإلحاد لإلجامه والقضاء عليه.

د. عماد جاد - إنـها الحرب - جريدة الوطن - 25/10/2017

تتحدّث المصادر الاستخباراتية العربية عن فرار نحو 40 ألف مقاتل من سوريا والعراق بعد الهزيمة التى منى بها تنظيم داعش فى هذين البلدين، وأن هؤلاء المقاتلين خطيرون للغاية، ومدربون تدريباً جيداً ومسلحون تسليحاً حديثاً، وينتمون إلى عشرات البلدان العربية والأجنبية، بما فيها الأوروبية من أصول عربية وإسلامية. وبدأت الدول الغربية وأجهزة استخباراتها فى الإعداد للتعامل مبكراً مع هؤلاء الدواعش العائدين من العراق وسوريا، ففى الوقت الذى قدّرت فيه بريطانيا دواعشها بالمئات، ظهرت دعوات إلى قتلهم فى مناطق وجودهم وعدم السماح بعودتهم إلى الأراضى البريطانية، كما أن فرنسا أمدت العراق بأسماء 850 من دواعشها، طالبة من بغداد عدم السماح لهم بالعودة إلى فرنسا مرة أخرى.
ساد توافق بين أجهزة الاستخبارات الغربية وتقديرات خبراء مكافحة الإرهاب الدولى على أن وجهة غالبية هؤلاء الدواعش ستكون ليبيا، حيث الفوضى وغياب السلطة المركزية ووجود آلاف الدواعش هناك، وحيث القُرب من الحدود المصرية وجهة العمل المفضّل لديهم فى الفترة المقبلة، فالراعى والممول يرغب فى نقل النشاط من سوريا والعراق، بعد أن تدخلت «موسكو وواشنطن» فى الحرب على التنظيم مباشرة، إلى مصر، ومن ثم فإن الغالبية الساحقة من الدواعش الفارين من سوريا والعراق ستكون وجهتهم ليبيا. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن من بين هؤلاء الدواعش تشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مصرى سافروا إلى العراق للقتال فى صفوف «داعش» منذ بدء الحرب هناك، وغالبيتهم سافر استجابة لدعوات «مرسى» ومرشده وشيوخ السلفية الذين نادوا بشد الرحال إلى العراق للقتال فى صفوف «داعش»، وهو أمر أحسب أنه محور اهتمام الأجهزة الأمنية المصرية وشغلها الشاغل فى الوقت الراهن.
فى تقديرى، أن الخطر الأعظم لفلول الدواعش سيكون على بلدنا، فمصر هى التى أسقطت مؤامرة الراعى الأمريكى لمشروع «داعش»، الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى الثلاثين من يونيو، وشعبها هو الذى أنهى أحلام المرشد والجماعة فى حكم المنطقة، انطلاقاً من مصر، وجيشها هو الجيش القوى المتماسك، فضلاً عن أنها تعمل بقوة فى عملية عقاب الراعى الإقليمى من خلال التنسيق مع دول خليجية، وهى التى تمارس دوراً فاعلاً فى دعم الدولة فى سوريا وليبيا، لذلك لم يكن غريباً أن تشير معلومات استخباراتية غربية إلى أن الطائرات القطرية تقوم بنقل هؤلاء الدواعش من سوريا والعراق عبر الأراضى التركية إلى ليبيا.
فى تقديرى أيضاً، أن مصر باتت محط أنظار هذه الجماعات وفلولها الفارة من العراق وسوريا، وأن تعليمات الرعاة الإقليميين (تركيا وقطر ومن خلفهما السودان) هى التدفّق إلى ليبيا لشن حرب عصابات على مصر، وإجهادها اقتصادياً ونفسياً، وهو الأمر الذى يتطلّب عملاً ضخماً من أجهزتنا الاستخباراتية، تعاوناً بين أجهزتنا الأمنية، وتنسيقاً شاملاً بينها، وقبل كل ذلك تطهير هذه المؤسسات والأجهزة من خلايا الجماعة التى نشطت، ثم عادت للنوم مجدداً داخل أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية والقيام بتنفيذ تكليفات نقل الأسرار والتحركات والتخريب من الداخل.. إنها الحرب فى أقذر أشكالها وأخبث أهدافها، القتل والتدمير ونشر الفوضى والخراب فى الطريق لإقامة دولة دينية فى زمن لم يعد فيه مكان لمثل هذه الأفكار والأحلام.

Monday, October 23, 2017

د. عماد جاد - الدولة وهيبتها - جريدة الوطن - 24/10/2017

تخوض الدولة المصرية حرباً شعواء ضد فلول الجماعات الإرهابية الموجودة على أراضينا من بقايا زمن حكم المرشد والجماعة، ومجموعات أخرى تفد إلينا من الخارج بعد أن تلقت ضربات شديدة فى مواطنها أو المواقع التى كانت تمثل بيئة خصبة لها، فلدينا تيار قوى من الجماعات المتشددة التى تنتمى إلى الجماعة والتيار السلفى ورصيدهما من الشباب الذى تم التغرير به ودفعه إلى تبنى الأفكار المتشددة بفعل مناهج التعليم المدنى والدينى والتنشئة على أيدى رجال دين متشددين، ففى زمن الجماعة وسنة حكم المرشد فوجئنا جميعاً بضخامة من كشف عن انتمائه للجماعة وللتيار السلفى، هذا عدا عن الانتهازيين والمنافقين الذين يرتدون ثياب كل تيار يصل إلى السلطة، وقد تعاون هؤلاء جميعاً فى زمن الجماعة حيث قفز عدد من أعلن عن انتمائه للجماعة، كما شهدنا مظاهرات ومسيرات هائلة وبرز بقوة التيار السلفى الذى قام باستعراض عضلاته وعضويته فى جُمعتى «قندهار» ثم «الشريعة والشرعية» وتحركت عناصره وأعلنت عن الدفع بعناصر منها للقتال فى سوريا وليبيا بل والعراق لاسيما ضمن صفوف «داعش». وزاد على ذلك ما بدأ يتسرب إلى أراضينا من عناصر متطرفة مسلحة فقدت أرضيتها فى العراق وسوريا ثم ليبيا، وقررت التسلل إلى مصر عبر الحدود مع ليبيا والسودان للقتال ضد الشعب ومؤسسات الدولة، ومحاولة الانتقام من المصريين الذين قلبوا الطاولة فى المنطقة بالكامل فى الثلاثين من يونيو. وقد شهدنا تزايد نشاط هذه الجماعات على أراضينا على مدى العامين الأخيرين من تفجير للكنائس واعتداءات على الأقباط بشكل جماعى وأيضا فردى، إضافة إلى استهداف مؤسسات الدولة المصرية.
إذن، هى حرب معلنة من جماعات العنف والإرهاب ضد الشعب المصرى ومؤسسات الدولة المصرية، هذه الحرب تقتضى أولاً اليقظة الشديدة من جانب مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وتقتضى ثانياً أعلى درجات التعاون بين هذه الأجهزة وبعضها البعض، فنحن لسنا فى مرحلة استعراض لعضلات من مؤسسة على أخرى أو من جهاز على آخر، فالحرب على الشعب والدولة حادة وقاسية ومن ثم فإن مواجهتها تقتضى أعلى درجات الحيطة والحذر وأقصى درجات الشفافية والتنسيق والتعاون بين مؤسسات الدولة وأجهزتها.
أيضاً لا بد من احترام الشعب المصرى ومصارحته بالحقائق فى الإطار الذى لا يضر بأمن البلاد أو يؤثر على سير العمليات ضد الجماعات الإرهابية، فكل من هو موجود على رأس سلطة أو جهاز لا بد أن يقتنع بأنه موظف عام مكلف من قبل المصريين بأداء مهام محددة لمدة محددة ويحصل فى سبيل ذلك على مقابل مالى مادى ومقابل معنوى (نفوذ) ومن ثم لا بد من تطبيق معايير التقييم على كل من هو فى موقع مسئولية ومحاسبة جميع المسئولين وفق معدلات الأداء، فلا أحد فوق المساءلة ولا أحد فوق القانون. تطبيق معايير الشفافية والمحاسبة يساعد فى ضبط الأداء ويطبق مبدأ الثواب والعقاب ومن ثم يتحقق الإنجاز المطلوب وتتشكل ملامح هيبة الدولة وصورتها فى الداخل والخارج. أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة فى خضم حربها على الإرهاب هو تنحية القانون جانباً وتغليب المكون الأمنى على المكون السياسى، فمثلما هو معروف أن قرار الحرب أخطر من أن يترك للعسكريين، لأن الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى، فإن معركة الإرهاب أخطر وأكبر من أن تترك لرجال الأمن، بل هى مسئولية سياسية بالكامل، ووفق الدستور المصرى لمجلس النواب محاسبة المقصر من الوزراء والتصويت على عزله من منصبه.

خالد منتصر - «الوصايا العشر للطبيب النابه» - جريدة الوطن - 24/10/2017

وصلتنى هذه الرسالة المهمة من الأستاذ الدكتور سامح مرقس، أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة شفیلد، المملكة المتحدة، وهو قبل أن يكون طبيباً ماهراً فهو مصرى مهموم بقضايا وطنه وهو فى الغربة يحمل وطنه معه مهما ابتعد بالجسد، يقول فى رسالته:
«الطبيب النابه» هو من يجمع بين المعرفة العلمية الرصينة والضوابط الأخلاقية الواضحة. يبدو لى أننا فى مصر نكتفى فى برامج التعليم الطبى بالتركيز على الناحية العلمية فقط، دون الاهتمام بالجوانب الأخلاقية وكيفية التواصل الحساس مع المرضى. فى المملكة المتحدة، حيث مارست الطب لما يقرب من أربعين عاماً، يقوم المجلس الطبى العام البريطانى بإصدار نشرات دوریة لمساعدة الأطباء فى ممارسة عملهم المهنى على أعلى مستوى لخدمة المريض. ومن أهم هذه النشرات وثیقة بعنوان «الممارسة الجيدة لمهنة الطب» Good Medical Practice هذه الوثيقة تقدم شرحاً وافياً للصفات التى يجب أن يلتزم بها الطبيب ليقدم خدمة طبية ناجحة لمرضاه، الوصايا العشر فى هذا المقال تستلهم بعض النقاط الهامة من الوثيقة البريطانية. الوصية الأولى: المعرفة العلمية المتعمقة مع الإحاطة الكاملة بالإرشادات الإكلينيكية من قبَل الجمعيات العلمية المتخصصة. الطبيب النابه يجب عليه أيضاً الحرص على المراجعة الذاتية لممارساته الإكلينيكية clinical audit بصفة دورية. الوصية الثانية: عليك أن تتصرف فقط فى حدود قدراتك وخبراتك الإكلينيكية ولا تتردد فى أن تطلب مساعدة من هو أوسع خبرة للتعامل مع مشكلة المريض التى تتجاوز قدراتك. الوصية الثالثة: كل القرارات الإكلينيكية يجب أن تكون مبنیة فقط على أدلة علمية رصينة ومطابقة للإرشادات الإكلينيكية المتعارف عليها، مع الاهتمام الدائم بتخفيف آلام المريض ومعاناته. الوصية الرابعة: يجب أن تحصل على موافقة المريض، بعد شرح مفصل لأى إجراءات إكلینیكیة، وتوثق هذه الموافقة كتابياً، خاصة قبل العمليات أو التدخلات الجراحية. الوصية الخامسة يجب الاحتفاظ بسجلات إكلینیكیة متكاملة للمريض يوثق بها كل ما تم من إجراءات علاجية وفحوصات تشخيصية، والمعلومات التى أُعطيت للمريض. هذه السجلات لا يُسمح بالاطلاع عليها لغير الطبيب المعالج وفريق الخدمة الطبية.
الوصية السادسة: سلامة المريض هى مسئولية أساسية للطبيب. ويجب التدخل الفورى وإخبار المسئولين إذا شعر الطبيب أن أوضاع مكان تقديم الخدمة الصحية، أو الأجهزة المستخدمة فى علاج المريض، غير ملائمة وتهدد سلامته. يلتزم الطبيب أيضاً بتسجيل أى تفاعلات غير متوقعة للدواء، وعلى وجه الخصوص تفاعلات الحساسية، ويجب إخبار المريض بوجود هذه الحساسية الدوائية، حتى يتفادى استخدام هذا الدواء أو ما يشابهه كيميائياً فى المستقبل.
الوصية السابعة: أهمية التواصل الإنسانى السلس مع المريض وأسرته فى احترام وبلغة واضحة سهلة الفهم، وذلك بعد الاستماع الجيد لشكوى المريض. ويلتزم الطبيب بالحفاظ التام على خصوصية المشاورات الإكلينيكية مع المريض وأسرته. كما يلتزم باحترام اختيارات المريض بخصوص نمط حياته، وكذلك ممارساته الثقافية والدينية، دون إبداء أى تحفظات على هذه الاختيارات والممارسات.
الوصية الثامنة: يتحلى الطبيب النابه فى مكان تقديم الخدمة بدرجة عالية من الانضباط السلوكى، ويتعامل مع الجميع بالاحترام الواجب دون تعالٍ أو إسفاف.
الوصية التاسعة: إذا حدث خطأ ما فى علاج المريض، يجب إخبار المريض فوراً، مع تقديم الاعتذار الواجب. ويلزم القيام بشرح طبيعة الخطأ وتأثيره على المريض على المدى القريب وأيضاً البعيد، مع شرح كيفية معالجة هذا الخطأ والتعامل معه.
الوصية العاشرة: كافة القرارات الإكلينيكية التى يتخذها الطبيب فى سياق تقديم الخدمة الصحية للمريض ينبغى أن تكون موضوعية، وليست بغرض تحقيق أى منافع شخصية للطبيب المعالج. يلزم أيضاً رفض قبول هدايا من شركات الأدوية، أو شركات الأجهزة الطبية فى مقابل تحيُّز الطبيب المعالج لمنتجاتهم. وبشكل عام يجب على الطبيب أن يكون صادقاً فى كل تصرفاته وفى كتابته للتقارير الطبية ويلتزم الطبيب أثناء قيامه بالأبحاث الإكلينيكية بالموضوعية والصدق فى تقديم هذه الأبحاث.

إنى لأعجبُ كيف يمكنُ أن يخونَ الخائنون! بقلم فاطمة ناعوت ٢٣/ ١٠/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم


اللهم اربطْ على قلوب الثكالى أمهات الأبطال، شهداء مصر من أبناء الشرطة، الذين ذهبوا عنّا إلى فردوس الله، فى كمين الواحات. اللهم أحسِنْ عزاءَ مصرَ برحمتك وعوّضها خيرًا فيمن فقدتْ من أنبل وأكرم أبنائها ممن سهرت عليهم مصرُ سنواتٍ حتى تعلّمهم وتدرّبهم على العمليات القتالية الخاصة ليحموا حِماها ويذودوا عن ثراها. وبعد، آن وقتُ الالتفاف حول الوطن ونبذ أيّة مذهبياتٍ وطوائفَ وعنصرياتٍ وتكتلات. آن وقتُ أن نجتمع حول حروف ثلاثة شريفة ليس لنا ملاذٌ إلا بين حضنها، الذى لا نعرف لنا حضنًا غيرَه: مصر. آن وقتُ أن يتركَ كلٌّ منّا أحزانَه الخاصة جانبًا، ونجتمع لنحيط بقلب مصر قبل أن يخفُت، لا سمح اللهُ ولا قدّر، فتخفُت معه قلوبُنا، ونموت.
وبعد. «إنّى لأعجَبُ كيف يمكن أن يخونَ الخائنون!/ أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟/ إنْ خانَ معنى أن يكون/ فكيف يمكنُ أن يكون؟!».
وجدتُ تلك الأبياتُ، لـ«بدر شاكر السيّاب»، تحفرُ حروفَها فى ثنايا قلبى جاريةً مجرى الدم، وأنا أقرأ عن الضابط الذى رجّحت مصادر أمنية تورطه فى العملية الإرهابية الأخيرة، جعلها اللهُ أخيرةً. الضابط السابق، الذى فُصِل من القوات المصرية، لينضمّ لتنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى، ثم تنظيم داعش الوحشى. ذلك العميل الذى استغلّ معرفته بمداخل ومخارج الطرق الجبلية الوعرة، وخبرته فى استخدام الأسلحة، التى علمته مصرُ الطيبةُ كيف يحملها ليحميها مع رفاقه، لكنه صار شوكةً فى خصرها، حين سلّم عشرات من جنود مصر النبلاء إلى حتفهم، لتخسرهم مصرُ وتدمى قلوب أمهاتهم الحزانى، وقلوبنا!، كيف أمكنه أن يكوّن خليةً إرهابية حقودة على الأرض الكريمة التى أنجبتهم، فراحوا يُهرّبون الأسلحة والذخائر والنواسف من حدود ليبيا إلى داخل أرض مصر الشريفة، فيكونون نبتةَ عارٍ لا يستحقون شرف الانتساب للجميلة أم التاريخ حاضنة الدنيا؟!.
تصفه التقاريرُ الأمنيةُ بأنه يُعدُّ من أخطر العناصر الإرهابية، بعد التحاقه بالقوات الخاصة، الصاعقة، كفرد تأمين عقب تخرجه، وثارت حوله الشبهات، حين وبّخ ببذىء القول قارئَ قرآن فى أحد المساجد التى كان يصلى بها بسبب خطأ فى التلاوة. ثم فُصل من القوات المسلحة المصرية، بعد محاكمة عسكرية، إثر تحريضه المباشر ضد الجيش المصرى. وسرعان ما كوَّن خلية إرهابية تضم مجموعة من التكفيريين، بينهم أربعة من ضباط الشرطة المفصولين من الخدمة، لعلاقاتهم المشبوهة بالإخوان والجماعات التكفيرية. ثم رصدت الأجهزة الأمنية سفره لتركيا عام ٢٠١٣، ثم تسلله عبر الحدود إلى سوريا، وتلقيه تدريبات حول «تصنيع المواد المتفجرة والعمليات القتالية»، ليشارك فى عدة عمليات إرهابية، منها مذبحة كمين الفرافرة فى يوليو ٢٠١٤، ومذبحة العريش الثالثة فى فبراير ٢٠١٥، واشتراكه فى اعتصام رابعة المسلّح، وغيرها.
هذا الخائن، إن ثبت تورطه فى تلك المذبحة الآثمة، فسوف تتم محاكمته ومعاقبته بما يليق، ولكن، كيف لنا أن نعاقب الشامتين فى دم أبناء مصر، المختبئين كالجرذان فى تركيا وقطر؟!، هل أقل من أن يُحرَموا من شرف هائل لا يستحقونه، هو شرف الانتساب لمصر، ولنا بالتبعية كمصريين، بكل أسف؟، إنى أشعرُ بالعار أن يحمل أولئك الخونة ذات الجنسية الكريمة التى أحملُها ويحملُها أطفالى، ثم أطفالُ أطفالى حين يرون نورَ الحياة كمصريين نبلاء!.
أوجه سؤالى إلى القضاء المصرى وإلى الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وإلى كلّ صنّاع القرار فى بلادى، وإلى تشريع بلادى وصائغى قوانينها: «ألم يئن الأوانُ بعد لتُسقطوا الجنسيةَ المصرية الشريفة عن الشامتين فى دماء جنود مصر النبيلة؟!»، إنى لأتساءل: من أىّ دنس قُدّت أرواحُ أولئك الحاقدين على مصر من أبناء مصر، بكل أسفٍ أقولها؟!، من أية عفونةٍ صيغت قلوبُهم وألسنهم، التى تفرز القيح فى حق مصر كل صباح وكل مساء؟!، ثم سؤال أوجّهه للأزهر: «ألم يحِن الحينُ ليكون خطابكم أكثر تحديدًا وحسمًا بشأن التكفيريين والدواعش، الذين يملأون جنبات مصر على منابرها وشاشاتها وشوارعها وإعلامها؟!».
وفى الأخير، أرسل حبى واحترامى والتحية الراقية لإحدى أيقونات مصر النبيلة. الفنانة الجميلة، الوطنية النبيلة د. إيناس عبدالدايم، التى قررت إلغاء حفلات «دولة الأوبرا» ثلاثة أيام كاملة، بما فى ذلك حفلتها الصولو الخاصة، التى ننتظرها شهورًا طوالاً، حدادًا على شهداء مصر النبلاء. شكرًا لكل نبيل يحمل اسم بلادى وعزاءً طيبًا يا مصر.

د. عماد جاد - مَن المسئول؟ - جريدة الوطن - 23/10/2017

لن أتناول الجريمة الإرهابية التى ارتكبت ضد قوات الشرطة على طريق 6 أكتوبر - الواحات من زواياها الفنية المتخصصة، فتلك مسئولية خبراء الأمن فى بلدنا، وما أكثرهم، كما أنها مسئولية الجهات المعنية داخل وزارة الداخلية ومؤسسات الدولة، ولكننى سوف أتناول فقط قضية العقلية التى أدارت المشهد إعلامياً، فقد كشفت الإدارة الإعلامية للأحداث عن غيبوبة سياسية وجريمة فى حق الوطن والمصريين، فهناك من أصدر تعليمات للفضائيات المصرية الخاصة، وبعث ببرقية إلى المسئول عن التليفزيون المصرى يطلب فيها بوضوح مواصلة خريطة البرامج كالمعتاد، وتجنب الحديث عما يجرى على أطراف محافظة الجيزة، وقد كان، فتناقلت وسائل التواصل الاجتماعى الحدث، وتدحرجت كرة الثلج وتضخّمت، ووجدت قنوات الجزيرة القطرية ضالتها المنشودة للتشفى من مصر والمصريين، وأخذت تبث مواد كاذبة ومعلومات خاطئة عما يجرى، وما زاد من حيرة المصريين وبلبلتهم أن «الجزيرة» كانت تنقل مشاهد الكر والفر على الهواء، وتقول إنها تقوم بتغطية ما يجرى على أطراف محافظة الجيزة مباشرة، فى وقت جرى فيه عن عمد تغييب الإعلام المصرى عن المشهد، اندفع المصريون للبحث عن معلومات حول ما يجرى على أراضيهم، بحثوا فى الفضائيات الإخبارية العربية، مثل العربية وسكاى نيوز، وفى الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية، مثل بى بى سى، وفرانس 24، ودويتش فيله، والحرة، وتعرضوا لعملية غزو معلوماتى بعضه خبيث عن عمد، والأنكى أن بعض المتنطعين والباحثين عن الوجود فى المشهد، ولو على جثث المصريين تدخلوا وكتبوا على صفحاتهم معلومات خاطئة تماماً وأسهموا فى الترويج للمعلومات الكاذبة التى وردت فى بعض القنوات، مثل «الجزيرة»، وهناك من انبرى للتأكيد على ضخامة عدد الضحايا فى صفوف قوات الشرطة، ورقم الخمسين ضحية ذُكر على صفحة شخصية إعلامية تدّعى ليل نهار قربها من رأس السلطة والأجهزة المعنية. وهناك من حاول تحقيق سبق إعلامى على جثة الوطن بأن أعاد بث فيديو مفبرك قيل إنه حوار بين مسئولين وضباط فى موقع الحادث، خلاصته بث حالة من الفزع والخوف والتأثير سلبياً على الروح المعنوية للشعب والقوات.
وبعد أن وقعت الكارثة وانتشرت الأكاذيب كالنار فى الهشيم، صدرت الأوامر للفضائيات المصرية بتغطية ما يجرى، ولكن بعد أن حقق الأعداء ما أرادوا ونشروا البلبلة وروجوا الأكاذيب وشاركهم فى ذلك بعض ضعاف العقول من الإعلاميين المصريين.
السؤال هنا: مَن الذى أصدر الأوامر بعدم التغطية، ما موقعه الوظيفى، وهل هناك فى الأجهزة اليوم من يعتبر نفسه سيداً، والشعب من العبيد أو الخدم عليهم الطاعة العمياء؟ مَن أقنعه بذلك، فى تقديرى أن منع الإعلام المصرى من حكومى وخاص عن تغطية جريمة الواحات يمثل جريمة فى حق مصر والمصريين، ولا بد من محاسبة المسئول عن ذلك بشفافية كاملة، فنحن نلمس رغبة دفينة فى إعادة إنتاج إعلام الستينات، فى حين أن عجلة الزمن لا تدور إلى الخلف، فلا الواقع كما كان فى الستينات، ناهيك عن التطور التكنولوجى الهائل، ولا الشعب اليوم مثلما كان فى الستينات.

Sunday, October 22, 2017

د. عماد جاد - المراجعة المطلوبة - جريدة الوطن - 22/10/2017

ارتكبت الجماعات الإرهابية جريمة نكراء بحق نخبة من ضباط وجنود وزارة الداخلية من الأمن الوطنى، القوات الخاصة والأمن المركزى، الأمر الذى أدى إلى سقوط أكثر من خمسين شهيداً وعدد كبير من المصابين. أكدت وزارة الداخلية فى بيان مقتضب أن معلومات وردت للوزارة بوجود عناصر إرهابية على طريق الواحات، ومن ثم توجهت القوات للتعامل معها، فوقع الاعتداء، البيان لم يسمن ولم يغنِ من جوع، فقد كان عاماً مبهماً فى وقت تجنب الإعلام المصرى تغطية الجريمة وواصل برامجه كالمعتاد وكأن شيئاً لم يحدث، وهو الأمر الذى دفع المصريين إلى البحث عن معلومات حول ما يجرى على أطراف محافظة الجيزة، بحثوا أولاً فى مواقع التواصل الاجتماعى، فوقعوا فى بلبلة شديدة وحيرة أشد، فالعالم الافتراضى متخم بكل المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة، ينشط فيه الوطنى المحب لبلاده والكاره للبلد بسبب كرهه للنظام والمتعاطف مع الجماعات الإرهابية والباحث عن مصالحه معها. فى ظل الصمت الغريب والمريب من وسائل إعلام بلدهم، عاد المصريون إلى عادة مارسها آباؤهم فى الستينات، وهى البحث فى وسائل الإعلام العربية والأجنبية، الفارق أن الآباء كانوا يبحثون عن الإذاعة البريطانية (بى بى سى)، أما الأبناء فيبحثون عن القنوات الإخبارية العربية والأجنبية الناطقة بالعربية، وكان لافتاً للأمر هرع غالبية المصريين إلى القنوات العربية والأجنبية لمعرفة ما يجرى على أطراف محافظة الجيزة. وقد وقع المصريون فى حيرة شديدة نتيجة ما سمعوا وشاهدوا فى القنوات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية التى قدمت لهم كماً هائلاً من المعلومات، منها الصحيح، ومنها الخاطئ عمداً.
نعم، العملية ضخمة، وهى غالباً محصلة عمل إقليمى ضخم وتعاون بين جماعات وأجهزة استخبارات، وتنطوى على تقديرات بحدوث اختراق للجهاز الأمنى من ناحية، وتخطيط دقيق من جانب الجماعات الإرهابية على النحو الذى أوقع قواتنا فى كمين معد مسبقاً، دون فحص شامل وتقدير موقف لسلامة المعلومات ناهيك عن الاستعداد الجيد لمواجهة الإرهابيين، فكيف لعملية من هذا النوع أن تتم فى بيئة صحراوية وعرة دون أن تكون هناك تغطية مصاحبة من الجو لا سيما أن وزارة الداخلية تملك طائرات هليكوبتر مجهزة لمثل هذه المهام، كما كان بمقدور الداخلية الاستعانة بالقوات المسلحة على غرار ما يحدث فى شمال سيناء.
الجريمة مفزعة، وكشفت عن نواقص عديدة فى تعاملنا مع الجماعات الإرهابية، على رأسها عدم تطهير الجهاز تماماً من بقايا الجماعة والخونة، وعدم التعامل الجدى مع المعلومات وعدم فحصها والاستعداد الجيد لملاقاة الإرهابيين، وعدم الاستعانة بالطائرات للتمشيط والتغطية والمعاونة والمساندة للقوات فى بيئة صحراوية وعرة، وأخيراً كشفت هذه الجريمة وتعاطى الوزارة معها إعلامياً عن عورة من عورات الوضع القائم، وهو محاولة التعمية على ما يجرى وإخفاء الحقائق عن الشعب فى زمن السموات المفتوحة، راجعوا الأخطاء والخطايا فى الواقع القائم حتى نتمكن من استعاد لُحمة تيار 30 يونيو، الذى تم تفتيته عمداً فكانت النتيجة وهناً وأخطاء متراكمة.

خالد منتصرهل المعركة فى الواحات فقط؟ - جريدة الوطن - 22/10/2017

الضباع البشرية التى هاجمت قوات الشرطة فى الواحات وقتلت شهداءنا الأبرار، لم يكونوا مدججين ومسلحين بالـ«آر بى جى» والأسلحة الثقيلة فقط، ولكنهم كانوا مدججين ومحملين بأفكار سوداء ظلامية اعتنقوها وتوارثوها وجندوا بها آلاف الأتباع، إذا كان قائد تلك الخلية الإرهابية هو ضابط الصاعقة المفصول هشام عشماوى -كما يتردد- فمن يضمن لنا حتى لو قتلناه ألا يخرج لنا ألف عشماوى آخر؟، ما دامت تلك الأفكار ترعى فى حقولنا وتنتشر كالسرطان سينبت فى أرضنا هؤلاء العشماويون، تنظيمه اسمه «المرابطون»، لكن اتضح للأسف أننا نحن الذين ما زلنا مرابطين على نفس تراثنا المحنّط وأفكارنا القديمة وطرق مواجهاتنا الفكرية العقيمة، خرج علينا شيخ الأزهر أمس الأول بحوار يؤكد فيه قدسية «البخارى»، وأن الأحاديث هى وحى من الله!، فى نفس الوقت الذى انتقد فيه ملك السعودية شخصياً كثيراً من تلك الأحاديث وشكل لجنة لتنقيتها!!، عندما يستمع شاب إلى كلام شيخ الأزهر ويقدس حديث البخارى «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا منى دماءهم وأموالهم..»، يقدسه لأن شيخ الأزهر قال إنه وحى من الله، برغم أن الله صاحب الوحى والقداسة قال فى كتابه «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ألم يقتنع هشام عشماوى وجماعته واستطاع تجنيد الآلاف منهم بحديث البخارى «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، من المؤكد أن جماعة المرابطين وكيانها الأكبر القاعدة قد اقتنعت بقدسية هذا الحديث وبأنه وحى، الحديث الذى يقول «إن النبى صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعرى رضى الله عنه والياً إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل رضى الله عنه، فلما قدم عليه ألقى أبوموسى وسادة لمعاذ، وقال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل»، لكن دماء شهدائنا ما زالت تنزف وتروى أرض الشرق والغرب، سيناء والواحات، لكن هذا عند بعض الدعاة لا يهم، فالمهم هو قدسية الأوراق الصفراء والأفكار المتحفية، المهم هو أن تحكمنا القبور، المهم هو أن نسجن من يتحدث ولو همساً بأنه يجب نسف تلك الأفكار حتى لا تنسف حياتنا، العالم يتقدم بأفكار الحداثة والحرية ونحن ما زلنا نلوك أحكام الردة ونصوص التكفير وذبح المختلف ومطاردة المرأة ووأدها والتجسس على هرموناتها ودفنها وهى حية، ما زلنا نتسول من المؤسسة الدينية أن تتعطف علينا وتجدد الخطاب الدينى، لكن هيهات، المعركة ليست فى الواحات إنها تحت العمامات!!.

Saturday, October 21, 2017

خالد منتصر - اليونيسكو المصرى - جريدة الوطن - 20/10/2017

هل انتهت معركة اليونيسكو حقاً؟ هل خسارة السفيرة مشيرة خطاب للمنصب تعنى أن نستكمل الخسارة ونعمقها بوضع أيدينا على خدودنا فى انتظار الفرج؟ هل مكتوب علينا أن نكون وطن الفرص الضائعة دوماً ونهدر كل ما كان فى تلك المعركة من علاقات بنتها ورسختها مشيرة خطاب وجسور أقامتها ودعم خارجى وداخلى حصلت عليه، نهدره ولا نستغله؟ المعركة لم تنته فى رأيى بل بدأت، وإذا كنا قد خسرنا معركة اليونيسكو الفرنسى فلنكسب معركة اليونيسكو المصرى، اليونيسكو شعار ودلالة ومعنى، اليونيسكو حفاظ على ثقافة التنوع وهذا ما اكتشفنا من خلال المعركة أننا افتقدناه وخسرناه، خسرنا قبول الآخر المختلف الذى لا يحمل سلاحاً لفرض فكرته المختلفة، معركة اليونيسكو ألقت بمرآتنا النرجسية التى كنا نتفرج فيها على أنفسنا بزهو وفخر، وأحضرت مرآة كاشفة شبيهة بجهاز الأشعة، هذه المرآة كشفت عوراتنا المخبوءة، عورة عدم قبول الآخر المختلف سواء كان هذا الآخر مختلفاً دينياً أو مذهبياً أو جنساً أو عرقاً.. إلخ، السفيرة مشيرة خطاب دخلت المعركة وهى تحمل سيرة ذاتية مشرفة ولكنها دخلت وبلدها يحمل أيضاً إرثاً اجتماعياً كارهاً للآخر، وهذا كان مكبلاً لخطواتها وهى تنافس ومصدر تربص مشتت للتركيز والانتباه، لم يكن سهلاً على المجتمع الدولى قبول كراهيتنا للشيعى والبهائى والنوبى.. إلخ، أما عن المرأة فلم يقتنع هذا المجتمع الدولى بأن القاهرة متحضرة، لأن فيها ألف مئذنة، فالمهم ليس كيف بنيتم الألف مئذنة ولكن المهم كيف ظهر المليون متحرش؟! صارت القاهرة أخطر مدن العالم على المرأة، كارثة تهدد أى منصب وتجهض أى تنافس، اليونيسكو ليس مبنى فى فرنسا ولكنه معنى فى مصر، معنى الحضارة ولد فى مصر ولا بد من استعادته، لم يعد ينفع أن نتقدم للعالم بشعار خمسة آلاف سنة حضارة، لأن السؤال المطروح من العالم كم سنة لديكم حداثة؟ الحداثة بمعنى احترامكم للمواطنة وحرية الاعتقاد وحرية التفكير، أنت حر ما لم تضر، الحكومات والدول ليس من مهامها الدستورية إيصالك إلى السماء وإدخالك الجنة وتحضير الفراش للحور العين، هذه ليست حداثة بل هى عودة إلى الكهف وتشرنق فى الماضى وتحنط فى ما قبل التاريخ وتكلس فى بدلة جبس الكتب الصفراء!! لذلك أدعو إلى إنشاء جماعة ضغط ثقافى تكون فى نواتها الصلبة تلك التجربة التى خاضتها مشيرة خطاب، تكون مهمة تلك الجماعة استعادة وجه مصر الحضارى والسعى لإدماجها فى عصر الحداثة والإلحاح على حماية حق الآخر فى ممارسة اختياره والإعلان عنه بل والدعوة إليه ما دام لم يشكل خطراً بسلاح أو يمارس عنفاً، هذه هى الحداثة وهذه هى المعركة التى تستحق، معركة التنوير التى تحتاج إلى ألف يونيسكو مصرى.

د. عماد جاد - الرهان على «ترامب» - جريدة الوطن - 20/10/2017

احتفى كل مَن عانى من سياسات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بهزيمة مرشحة الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى جرت فى نوفمبر من العام الماضى، وتضاعف الاحتفاء بإعلان فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب، من منطلق أن المرشح الفائز سوف يقوم بتغيير دفّة السياسة الأمريكية ويبعدها تماماً عن خط «أوباما»، وأن الرجل يعد عدواً لجماعة الإخوان، وسبق أن أعلن إبان حملته الانتخابية أنه سوف يعلن جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وقد كشفت اللقاءات التى أجراها مع قادة عرب، وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى، قُبيل الانتخابات، عن أن للرجل رؤية مناقضة تماماً لرؤية الإدارة السابقة التى عانت منها مصر كثيراً، وتسببت فى تمزيق العديد من الدول العربية.
بعد تسلّم الرجل لمهامّ منصبه بدا واضحاً أنه يقود دفة السياسة الأمريكية من منطلق رجال الأعمال الذين يحسبون كل خطوة بحساب المكاسب والخسائر المباشرة، فالرجل ركز على حلول عاجلة لمشكلات الاقتصاد الأمريكى، عبر إبرام صفقات مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ثم لفّ على باقى دول الخليج وحصل على صفقات هائلة، تلاعب بالتناقضات العربية، وحصل من قطر على صفقات أيضاً، واستغل الخلافات «القطرية - السعودية، المصرية، الإماراتية، البحرينية» فى الحصول على المزيد من الصفقات، تلاعب بالجميع فى حين ظل جوهر السياسة الأمريكية على حاله، لم تحدث تغييرات جوهرية فى توجهات السياسة الأمريكية نحو المنطقة، بل إن كل التفاؤل الذى ساد ببدء مرحلة جديدة من العلاقات مع روسيا الاتحادية، سرعان ما تبدّد، بل وشهدت العلاقات مزيداً من التدهور فى ظل إصرار المؤسسات الأمريكية على اتهام روسيا الاتحادية بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية لمصلحة «ترامب»، ووقف الأخير عاجزاً عن مجرد منع استمرار التدهور فى العلاقات مع موسكو.
خلاصة الأمر أن «ترامب» حتى هذه اللحظة بدا كظاهرة صوتية أكثر منها شخصية سياسية بمقدورها إحداث تغيير فى توجهات السياسة الأمريكية، وبعيداً عن مآل الجهود الرامية إلى إقصائه، نقول: إن الرجل لن يؤثر فى توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، وإن مؤسسات الدولة هى الأكثر قدرةً وتأثيراً، والخطأ كل الخطأ فى إهمال مؤسسات الدولة رهاناً على علاقة ودية متصورة لدينا نحن ولدى صانع القرار الأمريكى، فما هكذا تدار دفة الأمور فى الدول الكبرى ذات المؤسسات الديمقراطية، فالشخص هناك يمكن أن يؤثر، ولكن المؤسسة أقوى، وتأثيرها أكثر، وهى الأبقى.

بقلم د. وسيم السيسى ٢١/ ١٠/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

ليه إحنا كده؟ 


لماذا انتهت الأحزاب السياسية فى مصر ولم يعد لها وجود؟ الأسباب كثيرة، منها غياب الحرية السياسية، ولكن أهم من ذلك غياب قيمة أخلاقية عظيمة.. ألا وهى إنكار الذات! الكل يريد أن يكون رئيساً!.
هوذا ألكسندر فلمنج مكتشف البنسلين يقول: لماذ يستوقفنى الناس فى كل مكان لتحيتى وتكريمى؟! لقد خلق الله البنسلين، وأنا اكتشفته!.
هوذا نيوتن يقول: معرفتنا قطرة وجهلنا محيط! إنما نحن أطفال نلعب على شاطئ بحر العلم!
بانتينج مكتشف الإنسولين، نال جائزة نوبل، تنازل عنها لزميله best.
أبوالعلاء المعرى يستكثر على نفسه اسم أبوالعلاء فيقول:
قالوا عنى أبا العلاء وهذا مين «كذب»، والحق أنى أبا النزول!
قالوا لتولستوى: لقد بلغت القمة، قال: أنا فى بداية البداية!
إنه التواضع وهو الوجه الآخر لإنكار الذات.
هبط الشاب الغريب على قرية بائسة مزقتها الصراعات، فكان للسلام صانعا وللحب زارعا، ازدهرت القرية ورفرفت السعادة على ربوعها، مات عمدة القرية، اجتمع أهلها لاختيار من يخلفه، استقر رأيهم جميعاً على هذا الشاب الغريب، أن يكون رئيساً لقريتهم، ذهبوا إلى بيته، هتفوا باسمه، خرج إليهم، وإذ بسحابة أرجوانية تلفه وتصعد به إلى السماء وفى غمرة ذهولهم، جاء صوت من السماء:
أيها القوم، تذكروه جيداً، وتذكروا تعاليمه، تذكروه وهو الذى عاش وسطكم بالرغم من أنه ابن الخلود وأنتم أبناء الفناء! إنه.. إنكار الذات.
دعانى سفير مالطة إلى حفل بالمعادى، وقص على كيف أن سفير «...» أخبره أن الجالية الوحيدة المريحة لهم، هى الجالية المصرية، ذلك لأن ليس لهم طلبات، والسبب فى ذلك أنهم فى خلافات وصراعات مستمرة، بينما الجاليات الأخرى مزعجة لكثرة طلباتهم! كان هذا الحديث منذ بضع سنوات، ودائماً أسأل نفسى: ليه إحنا كده؟!
أيضاً منذ سنوات جاءت بروفيسور هيكس إلى معهد السرطان، وفى حفل الوداع قالت: أقمت معكم خمسة عشر يوما، أشكر لكم كرمكم المصرى، ولكنى أحب أن أقول لكم إنكم فى حاجة للتعاون أكثر من حاجتكم للمنافسة! قالت بالنص:
you need less comptition and more cooperation.
لماذا قالت هذه الكلمات؟ ذلك لأن المجتمع كانت تمزقة الصراعات فى ذلك الوقت.
تمنيت أن أعرف إجابة؟ لماذا نحن كذلك؟
فى بداية عملى بإنجلترا عملت مع إيميه ديان وهو ابن عم موشيه ديان، قص على أنه غادر إنجلترا إلى أمريكا لأنه لم يحصل على رئاسة القسم، ثم عاد بعد سنتين بعد ضغط زملائه على الـ board! سألت نفسى لو كان مصرياً، هل يقف زملاؤه خلفه حتى يعود رئيساً للقسم؟!
مرة ثانية وثالثة: ليه إحنا كده؟
الأسباب كثيرة، ولكن مواطنة ما قبل الحملة الفرنسية هى السائدة الآن، ألا وهى:
١- العرق: تركى أم مصرى.
٢- الدين: مسلم أم آخر.
٣- القرب من الحاكم بالدم أو العمل.
٤- القوة المالية: غنى أم فقير.
جاءت الحملة الفرنسية لكى تضع مفهوماً جديداً للمواطنة:
حادثة الميلاد! لك كل الحقوق، وعليك نفس الواجبات التى لأى إنسان آخر ولد على هذه الأرض، بغض النظر عن الدين أو العرق أو القرب من الحاكم أو القوة المالية.
هذه هى المواطنة فى الدولة الحديثة، المواطنة التى تقوم على الكفاءة ولا تقوم على أى شىء آخر.
يعجبنى بند فى الدستور الأمريكى لتوماس جيفرسون يقول: نحن لا يهمنا لونك أو دينك، يهمنا أن تعطى هذا البلد أفضل ما عندك، وسوف يعطيك هذا البلد أفضل ما عنده.