Translate

Thursday, April 29, 2021

«الاستقبال المهيب» - الأنبا إرميا - 28/4/2021 - المصري اليوم

 احتفل مَسيحيُّو الشرق الأحد الماضى بـ«عيد أحد السَّعَف» أو «عيد الشَّعانين» أو «عيد دخول السيد المسيح إلى أورُشليم»، وتحتفل الكنيسة القبطية به قبل الاحتفال بعيد الفصح. لقد كان دخول «السيد المسيح» إلى أورُشليم محفوفًا باستقبال مهيب من الشعب البسيط، الذى جال بينه السيد المسيح يعلمه ويصنع الخير والمعجزات؛ فأشبع الآلاف بقليل من الخبز وصغار السمك، وشفى الأمراض: فتجد العمى يبصرون، والعرج يمشون، والصم يسمعون، بل الموتى أيضًا يُقامون من الأموات كما حدث مع ابن أرملة نايِين وابنة قائد المائة و«لعازر» الذى أقيم بعد موته بأربعة أيام؛ فقد ورد: «إن العُمْى يبصرون، والعُرْج يمشون، والبُرْص يطهَّرون، والصُمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشَّرون».

وهٰكذا تقدم «السيد المسيح» فى موكب عظيم، اهتزت له المدينة بأسرها، واستقبله فيه تلاميذه والشعب استقبال الملوك: فرفعوا سعف النخل، وأغصان الشجر، ومنهم من فرشوا ثيابهم على الطريق أمامه، يهتفون أمامه كأبواق لا تسكت ولا تهدأ: «أوصَنّا لابن داوود! مبارَكٌ الآتى باسم الرب!». أما السيد المسيح فتقدم فى تواضع عجيب فريد، ممتطيًا أتانًا تارة وجحش ابن أتان تارة أخرى، معلنًا أن العظمة الحقيقية تكمن فى المحبة والخير، لا فى القوة أو السلطة، إذ نسمع رؤساء الكهنة والكتبة، الذين يملكون السلطة والعظمة، يطلبون إليه منزعجين أن يسكِت هُتاف الشعب وصيحات الأطفال.

و«شَعانين» مشتقة من الكلمة الآرامية «هُوْشَعْنا» (وتناظرها فى اليونانية لفظة «أُوصَنّا»: أى «خلِّصنا»؛ حيث تتكون من مقطعين: «هُوْشَعا» ويعنى «خلِّص» أو «أَنقِذ»، و«نا» الذى يدل على شدة الاحتياج؛ ليُصبح المعنى: «خلِّص الآن». فقد ترددت أصداء نداء أفراد الشعب إلى «السيد المسيح» أن يصبح ملكًا عليهم ليخلصهم، غير مدركين أن ملكوته ليس أرضيًا، بل ملكوت سماوى؛ فهو لم يأتِ لمقاومة الاحتلال الرومانىّ الذى يئنون تحت وطأته، بل ليقدم لهم الخلاص الأعمق خلاصهم الروحى، وليعلّمهم عن حياة البر والمحبة والقداسة؛ ومن أولٰئك من أدرك رسالته وقبِلها، ومن أظلمت بصيرته ورفضها.

إن حياة «السيد المسيح» هى إشراقة شمس البر فى عالمنا، حاملاً فى أشعتها رسالة محبة الله إلى الإنسان، ورغبته فى خلاصه، فهو - تبارك اسمه: «الذى يريد أن جميع الناس يَخلُصون، وإلى معرفة الحق يُقْبِلون». كذٰلك قدم السيد المسيح للبشر الطريق الملوكى إلى الملكوت السماوى من خلال المحبة: محبة الإنسان لله، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان؛ فنراه حين أتاه شخص ناموسىّ ليجربه سائلًا: «يا معلم، أية وصية هى العظمى فى الناموس؟»، يعلّمه: «تحب الرب إلٰهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هٰذه هى الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء». بل علّم أن المحبة الحقيقية ترتفع إلى مستوى محبة الأعداء: «أحبوا أعداءكم.

بارِكوا لاعِنِيكم. أحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم، لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السمٰوات، فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويَمْطُر على الأبرار والظالمين». إن هٰذه المحبة هى التى ينبغى أن تقود العالم إلى التصالح والسلام مع الله والنفس والآخرين، سلام يسعى له الجميع بكل السبل والوسائل، ولن يجدوه إلا بالمحبة والخير نحو كل إنسان. إن رسالة «أحد السعف» إلى الجميع رسالة المحبة والخير، فهما القوة الحقيقية التى تشع بوهجها على الحياة.

ويعقب الاحتفال بيوم «أحد السَّعَف» الاستعداد لـ«أسبوع الآلام» أو «الأسبوع العظيم» أو «أسبوع الفِصْح» أو «أسبوع البَصْخَة». وكلمة «بَصْخَة» آرامية معناها بالعربية: «العبور»، وبالعبرية: «الفِصْح». وفى ذٰلك الأسبوع يتّبع المَسيحيون خطوات «السيد المسيح» وتعاليمه حتى صلبه ودفنه وقيامته، و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

Tuesday, April 27, 2021

رسائل الحب في زمن «الواتس أب» - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 26/4/2021

 ما زلنا نشتاق إلى عناق القلم والأوراق فى زمن الـsms والواتس أب، نفتقد فضول وبهجة وترقب وتفاعل وانتظار الرسائل، هذه رسالة ترجمها الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج، الرسالة من الروائى الشهير ألبير كامو إلى الفنانة ماريا كازاريس بتاريخ الثلاثاء 28 ديسمبر 1948.

تقول الرسالة:

كلمة فقط حبيبتى، حتى لا ينتهى هذا اليوم دون الكتابة لك.

الوقت متأخر، وأشعر بتعب لا يشبهنى. بوضوح أكثر، أحسُّنى مستهلكاً من يوم بكامله من اللقاء مع الذكريات، الحى الذى كبرت فيه (بِلْكُور)، والِديْن منسييْن، صديق طفولة تعشّيت معه قبل قليل. حقيقة، أحتاج إلى ألا أعود بشكل متواتر إلى مدينة الجزائر. ومع ذلك، فأمر كهذا لم يكن سيئاً كلياً. يمكنك أن تأخذينى إلى بروتانيا (Bretagne) التى ولدتِ فيها ثانية.

من حسن حظى أن أمى هنا وقريبة، وسأبذل كل غالٍ ونفيس من أجل أن تتعرفى عليها. اليوم فى جلسة الغذاء ذكرتك كثيراً. كنت أريد أن أكلمها عنك.. عنّا. الذى منعنى هو الرغبة فى عدم زعزعة سكينتها. تفادى تقليب مواجع قلبها الصافى جداً، والطيب. مع أنى لو صارحتها بفرحى وحزنى، كان ذلك سيحررنى. هى الكائن الوحيد الذى أشعر نحوه بالحاجة إلى المكاشفة بهذا الحب العميق الذى استولى اليوم على حياتى كلها. لست متأكداً من أنها ستفهم ذلك، ولكنى على يقين من أنها تتفهّمنى لأنها تحبنى.

لا أشعر بالحرج فى مقاسمتك هذا كله، على الرغم من علمى المسبق بأن ذلك سيوقظ فيك ما هو مؤلم. هى أحاسيس حقيقية ولا يمكننى أن أخفيها عنك. وهو ما يجعلنى أفهم ذلك الجانب الخفى فيك الذى تصمتين كلما تعلق الأمر به. فى انتظار أن نتقاسم آلامنا بشكل كامل، حزنك حزنى، شقاؤك شقائى، حبيبتى.

يوم بهى. تنتابنى رغبة آسرة فى الذهاب، بل الهرب من هنا والركض نحوك أخيراً. لم أتوقف أبداً عن التفكير فيك. ترافقيننى دوماً حتى عندما تتمنعين عن ذلك. صورتك تواجهنى فى غرفتى. أقف أمامها بحنان فى كل اللحظات.

فى الخارج، كل شىء يذكّرنى بيومياتنا. ويحدّ من صبرى عليك باستمرار.

اشتهيت رسالة منك اليوم، ولكن يبدو أنه لا يزال الوقت مبكراً. لهذا فخيبتى منك هذا المساء غير مبررة، لأنى وجدت علبة البريد فارغة. لم يبقَ أمامى من حل سوى استحضارك بخيالى، وهذا ما أحاول القيام به، بكل صفاء.

فأنتَ إذا تخليتَ عن الجسد شهراً، يستغنى هو عنك ستة أشهر. وهذا حقيقى. ما يخيفنى فى النهاية هو الشهر السابع؟

وأنت؟ ما دمتُ أنا بانتظارك؟ قلبى يغرق فى غيابك.

مساؤك سعيد حبيبتى.


Sunday, April 25, 2021

رابح النفوس حكيم.. الحكمة الإلهية الأنبا موسى - الأنبا إرميا - 25/4/2021 - المصري اليوم

 يحدثنا الرسول يعقوب فى المنهج العملى السلوكى، عن خطورة اللسان وأخطاء الكلام، بينما يحتاج كل إنسان إلى الحكمة، ولذا ينادينا بأن نتضرع إلى الله طالبين أن يمنحنا إياها، ويحدثنا عن طريقة الحصول عليها والتعبير عنها، موضحًا الفرق بين: الحكمة الإلهية، والحكمة البشرية.

أولًا: اللسان والحكمة:

أ- اللسان وخطورته (يعقوب 1:3-12): يتحدث الرسول يعقوب عن بعض أخطاء اللسان مثل:

1- حب التعليم: هناك ضرورة للتعليم والتعلم حتى لا يهلك الشعب، من عدم المعرفة، لكن هناك خطر«حب التعليم»، وهو أن يتمسك الإنسان بوضعه وضع المعلم باستمرار، ويرفض وضع المتعلم، والكتاب المقدس يقول: لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتى لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا. بمعنى شهوة أنا أضع نفسى وضع المعلم فى كل موقف ومع كل أحد. والإرشاد. فهذا يحمل فى طياته حبًا للذات وكبرياء خفية، مع سوء تقدير لواقع النفس كثيرة التعثر والخطأ.

2- انفلات اللسان: فيتكلم بكل ما يجرى عليه، ويكون الإنسان «كدار ليس لها حارس» كما يقول الآباء فى بستان الرهبان، إن اللسان المنفلت يضر صاحبه، ويقوده إلى التهلكة، فهو كالدفة الصغيرة التى تقود السفينة، وهو كالشرارة البسيطة التى تشعل حريقًا ضخمًا.

3- تدنيس الجسم: كما يقول سليمان الحكيم: «لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ» (جامعة 6:6)، وكما ينصحنا القديس العظيم الأنبا أنطونيوس: «لا تدن أخاك لئلا تسلم إلى خطاياك القديمة».

لا شك أن اللسان يدنس الجسم بما يشترك به من أحاديث هدامة.

4- لعن الناس: اللسان الشرير لا يبارك، بل بالعكس يلعن الناس، الذين خلقهم الله على صورته ومثاله.

5- الينبوع الشرير: اللسان يتحدث من فضلة القلب، لذلك فالخطر الحقيقى كامن فى الينبوع الداخلى، الذى إن طهرته النعمة الإلهية، صار مملحًا بملح، وإن لم تطهره، صار الكلام فاسدًا ومفسدًا.

ثانيًا: الحكمة والتعبير عنها (يعقوب 13:3-18):

هناك نوعان من الحكمة ذكرهما الكتاب المقدس وهما:

أ- الحكمة الإلهية: وهى من الله، كما يقول سليمان الحكيم: «لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِى حِكْمَةً» (أمثال6:2)، وهذه تتسم بالطهارة، والسلام، والرفق، والوداعة، والرحمة، والثمار الصالحة، والثقة الكاملة، وعدم الرياء، وتثمر بالبر والسلام فى قلوب مريديها.

2- الحكمة البشرية: وهى ليست من الله، بل هى أرضية بشرية، من البشر.. نفسانية أى بدوافع الإنسان العتيق.. شيطانية أى يتحكم فيها الشيطان ويوجهها.

التعبير عن الحكمة الشيطانية فينتج عنه الغيرة المرة والانشقاق والتحزب والكراهية.

أ- سمات الحكمة الإلهية:

يحدد لنا معلمنا يعقوب سمات الحكمة الإلهية فيقول: «وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِى مِنْ فَوْقُ فَهِىَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ» (يعقوب 3: 17).

والطريق إلى هذه الحكمة: هو الطلب من الله، وفى هذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِى يُعْطِى الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يعقوب 5:1-6).

والتعبير عن الحكمة الإلهية: يكون بالتصرف الحسن، الوديع.

إذن، فالحكمة الإلهية تتسم بما يلى:

1- طاهرة: فى دوافعها وسلوكياتها وأهدافها التى هى إرضاء الله. أى نقية مقدسة ليس بها شر، خالية من كل خطية، بعكس الحكمة البشرية الملوثة بالضعف البشرى والطمع والأغراض الشخصية.

2- مسالمة: تصنع السلام دائمًا لأنها حكمة إلهية، فتصنع السلام لأننا أبناء صانع السلام. أى فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشرى المجرد، يعنى العجرفة والكبرياء، ويقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات والمهاترات.

3- مترفقة: طويلة البال، فليست خاضعة للانفعال، ولا للميول الذاتية، تجعلك تحاور فى هدوء وصبر، حتى تريح وتربح الآخرين وتريح نفسك، دون تسرع أو تهور أو تعسف أو ثورة... وهنا يقول سليمان الحكيم: «الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط» (أم 15: 1).

4- مذعنة: بها روح الخضوع (لينة). أى تجعلك قابلا لتصحيح موقفك، فاتحًا صدرك للرأى الآخر مهما بدا مضايقًا أو مناقضًا لك، فهى تعلمك أن تذعن للحق، والحق هو الله، وكتلميذ للرب تتفاهم فى هدوء عارضًا رأيك فى وداعة، منتظرًا آراء الآخرين ونقدهم، مستعدًا للتنازل عنه حين يبدو لك ضعف الرأى أو خطؤه.

5- مملوءة رحمة: ليس بها سيطرة ولا تحكم. أى أنها حانية رقيقة، غير متكبرة على الآخرين، بل تحس بأحاسيسهم، وتحترم مشاعرهم، وتحنو عليهم حتى فى أخطائهم، أو ضعفاتهم، كى تقودهم إلى الله. فالذى تختلف معه أحبه بزيادة، وبالمحبة ممكن نتفق معه.

6- أثمارها صالحة: وما هى أثمار الحكمة الإلهية إلا ثمر الروح من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف.

7- عديمة الريب والرياء: ليس بها روح شك. أى تُظهر ما تُبطن، وتُبطن ما تُظهر ما فى داخلها يظهر.

أى خالية من التشكك والوسوسة، إذ يكون الإنسان واثقًا من فكر الله، وقادرًا على تمييز مشيئته، أى لا تشك، ولا تقرأ ما بين السطور وتحمل الشىء أكثر من اللازم. بل بالحرى يكون واضحًا ومستقيمًا ونقيًا، أمام الله والناس، فى السر كما فى العلانية.

فى النهاية يقول سليمان الحكيم: «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ» (سفر الأمثال5:3)، لذلك فلنلجأ إلى الحكمة الإلهية.. أما الحكمة البشرية.. فهذا هو موضوعنا فى العدد القادم إن شاء الله.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

صناعة الأكسجين على المريخ - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 24/4/2021

 المانشيتات هذا الأسبوع تحمل خبراً علمياً ثورياً لم نلتفت إليه:

• تم إجراء توليد الأكسجين فى المريخ بواسطة وحدة صغيرة فى العربة الجوالة تسمى Moxie.

• صناعة 5 جرامات من الغاز أى ما يعادل ما يحتاجه رائد فضاء على المريخ للتنفس لمدة 10 دقائق تقريباً.

• «ناسا» تفكر فى أن البعثات البشرية المستقبلية ستأخذ نسخاً موسعة من Moxie معها إلى الكوكب الأحمر بدلاً من محاولة حمل كل الأكسجين اللازم من الأرض للحفاظ عليها.

• «ناسا» تحلق بنجاح بطائرة هليكوبتر صغيرة على سطح المريخ.

• هل ستكتشف مركبة ناسا الجوالة القادمة الحياة على المريخ؟

تلك المانشيتات وغيرها تشغل الدنيا فى هذه الأيام، وتعطى أملاً فى إمكانية الحياة على الكواكب الأخرى، وربما فى المستقبل السكن فيما هو أبعد من نجمنا المتوهج (الشمس) بكل توابعه من كواكب، الأكسجين (O₂) ليس للتنفس فقط فى رحلات الفضاء، لكنه هو أيضاً جزء لا يتجزأ من الكيمياء التى تدفع الصاروخ، يتم تحقيق الدفع عن طريق حرق وقود فى وجود عامل مؤكسد، والذى يمكن أن يكون أكسجيناً بسيطاً.

يهيمن ثانى أكسيد الكربون على الغلاف الجوى للمريخ بتركيز 96٪. الأكسجين 0.13٪ فقط، مقارنة بـ21٪ فى الغلاف الجوى للأرض. هذا الـMoxie قادر على تجريد ذرات الأكسجين من جزيئات ثانى أكسيد الكربون، والتى تتكون من ذرة كربون واحدة وذرتين من الأكسجين، منتج النفايات هو أول أكسيد الكربون، والذى ينفث فى الغلاف الجوى للمريخ، ويدير فريق ناسا خلف Moxie الوحدة فى أوضاع مختلفة لاكتشاف مدى نجاحها، والمتوقع أنه يمكن أن ينتج ما يصل إلى 10 جرامات من O₂ فى الساعة، وبالطبع هذه كمية قليلة جداً.

«Moxie ليست فقط الأداة الأولى لإنتاج الأكسجين فى عالم آخر، إنها التقنية الأولى من نوعها التى ستساعد البعثات المستقبلية للعيش بعيداً عن الأرض»، باستخدام عناصر من بيئة عالم آخر، تُعرف أيضاً باسم استخدام الموارد فى الموقع.. قال ترودى كورتيس، مدير عروض التكنولوجيا فى مديرية مهام تكنولوجيا الفضاء التابعة لناسا: «إنها تأخذ الثرى، المادة التى تجدها على الأرض، وتضعها فى مصنع معالجة، وتحولها إلى هيكل كبير، أو أخذ ثانى أكسيد الكربون - الجزء الأكبر من الغلاف الجوي - وتحويله إلى أكسجين. تتيح لنا هذه العملية تحويل هذه المواد الوفيرة إلى أشياء قابلة للاستخدام: دافع، هواء قابل للتنفس، أو مع الهيدروجين والماء».

وقد صنعت التاريخ تلك المروحية الصغيرة التى ابتكرتها «ناسا» فى تلك الرحلة الأسطورية من خلال إجراء أول رحلة تعمل بالطاقة والتحكم بواسطة طائرة فى عالم آخر، فى طلعتها الثانية، سترفع الطائرة بدون طيار نفسها إلى 5 أمتار فوق الأرض، وتتحرك جانبياً بمقدار 2 متر، وتدور وتلتقط بعض الصور، قبل أن تعود إلى نقطة الإقلاع للهبوط.

كأننا نتكلم عن فيلم خيال علمى، لكن العلم دائماً يبدأ بخيال وحلم وإرادة أن تنفذ هذا الخيال وتحقق ذلك الحلم.

Friday, April 23, 2021

قناة وزارة الثقافة - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 23/4/2021

 فى احتفالية مئوية د. ثروت عكاشة بمكتبة الإسكندرية، قال أستاذنا وأستاذ الطب النفسى د. أحمد عكاشة، إن شقيقه كان عازفاً عن الإعلام وزاهداً فيه، وكان ردى «معك كل الحق د. عكاشة»، لكن فى المقابل الإعلام لم يكن عازفاً ولا زاهداً فى متابعة المجهود والمشاريع الثقافية التى كان يقوم بها «د. ثروت»، والأهم من المتابعة وإلقاء الضوء، أن الإعلام كان يشكل المتلقى ويعمق ثقافته الفنية ويسهم فى جعل المشاهد أو المستمع مهيأً لفهم كل الفنون الرفيعة والإحساس بها، فما قيمة أن أهتم بمعبد فرعونى سيأتى مواطن ليحطم أحجاره أو ينادى بتفجيره أو يشخبط على جدرانه؟ وما قيمة أن أدعم الباليه والمتفرج يشتم راقصة الباليه ويصفها بالفاجرة؟ وما جدوى أن أنشر الموسيقى الكلاسيك ورجل الشارع مقتنع بأن سامعها ومتذوقها سيصب فى أذنيه الرصاص المصهور؟ وهل هناك أمل فى أن تنقذ معارض الفن التشكيلى وجدان شخص مؤمن بأن الرسامين فى قاع جهنم، وسيطلب منهم أن ينفخوا الروح فى شخوص لوحاتهم؟!!

إذاً لا بد أن نصنع المواطن المتذوق حتى يؤثر الفن ويحقق وينجز دوره المنشود، ونظرة سريعة على خريطة التليفزيون فى زمن ما قبل الفضائيات لنعرف الفرق، ونعرف كيف تحقّق هذا اللمعان الثقافى بجناحى الثقافة والإعلام، قائمة البرامج كانت تضم نادى السينما لتذوق السينما العالمية وسينما لا تكذب ولا تتجمل وغيره لعرض الأفلام التسجيلية وتحليلها، كانت هناك برامج مثل أتيليه للفن التشكيلى وبرنامج الفن الشعبى للدكتور أحمد مرسى، وبرنامج د. سمحة الخولى لتذوق الموسيقى الكلاسيك وبرنامج د. رتيبة الحفنى للموسيقى العربية، وكان هناك برنامج الفنانة منى جبر عن فن الباليه، وبرامج تكنولوجيا وعالم البحار والعلم والإيمان للثقافة العلمية، ومن المسرح العالمى لترجمة وعرض المسرحيات الكلاسيكية المشهورة.. إلخ، أين كل هذا الآن؟، كل المجهود الذى تبذله وزيرة الثقافة والأوبرا والمتاحف وقصور الثقافة والكونسرفاتوار ومعهد الباليه والأكاديمية كلها، أين يصب؟، وما حال المستهلك المستهدف؟، هل نترك ذوقه دون أى توجيه أو مساعدة؟، هل نترك أنفسنا لمنطق «السوق عايز كده»؟

مطلوب قناة مستقلة لوزارة الثقافة تتابع العروض والمعارض وتصور متاحف الفن التشكيلى وتعقد ندوات وصالونات ثقافية وتنشر الثقافة العلمية والفنية والتاريخية، تكون نافذة تنوير، ولنفكر خارج الصندوق بالنسبة للتمويل، وصدقونى كل جنيه يُصرف على تلك القناة هو استثمار فى البشر، حتى ولو عشرات الملايين، هذا مكسب وليس خسارة، من يتذوق اللوحة ويستمع إلى الموسيقى ويثق فى العلم لن يذبح أو يفجر أو يقتل، تثقفوا تصحوا.


Thursday, April 22, 2021

لعبة نيوتن والمخرج المهندس - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 22/4/2021

 لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، إنه ليس قانوناً فيزيائياً لنيوتن فقط، ولكنه قانون درامى للفنان أيضاً، هو القانون الثالث لعبقرى العلم نيوتن، ولكنه القانون الأول للسيناريست والمخرج إذا أراد صنع عمل فنى محكم وجميل وجذاب، لذلك «لعبة نيوتن» ليست مجرد عنوان مسلسل، ولكنها روح عمل فنى جميل ومتألق، يتفرد بمساحة تميز وسط الأعمال الأخرى لها مذاق خاص ومتفرد، تحس منذ اللحظة الأولى أنك أمام عمل فنى بمقاييس الجودة ومعايير الأيزو، والتى على رأسها أن المخرج هو صاحب بصمة العمل ونافخ الروح الفنية المتميزة فيه، هو الألف وهو الياء، هو الدكتاتور النبيل الذى لا بد أن يحتفظ بالروح الديمقراطية فى مرحلة ما قبل البلاتوه، أما عند التصوير فممنوع لىّ ذراعه من أى عنصر فنى، هذا ما جعل مسلسل لعبة نيوتن استعادة لما افتقدناه كثيراً من تراجع دور المخرج لصالح دراما النجم والسوق، وقد فهمت النجمة منى زكى، لأنها مثقفة وفنانة حتى النخاع، هذه الصيغة، فهمت أنها ستنجح إذا احترمت منظومة المخرج المبدع صاحب الروح، لذلك ظهرت منى زكى فى دور وأداء لا أبالغ إذا قلت إنه أفضل أداء فى تاريخها وأفضل أداء لدراما هذا العام بين كل النجمات.

المخرج المبدع تامر محسن هو مهندس سابق، ولكنى أعتقد أنه لم يتخلَّ عن مهنته الأولى، فقد طبّق فن الهندسة المحكم فى هذا المسلسل الذى ستحبس معه أنفاسك حتى آخر لقطة، كيف يبدأ الحلقة بمشهد الذروة مع الاحتفاظ بغموض فاتن وجميل، ثم يكشف بالتدريج وبالتوازى بين عالمين مختلفين تماماً، عالم العم سام الأمريكى، وعالم ريف ومزارع مصر، الزوجة التى سافرت لحلم ولادة طفلها فى قارة الوفرة والثراء، والزوج الذى لم يفلح فى السفر معها وظل يرعى النحل فى المزرعة، التوازن فى الفعل ورد الفعل، والتوازى بين العالمين، والانتقال بين هذا وذاك، تم بدقة عالم فى معمل، مع الاحتفاظ بخيال فنان جامح لا يحده سقف أو سور، الدقة والبيرفيكشن والاهتمام بالتفاصيل وعين المخرج الكاشفة كأشعة رنين مغناطيسى، راجعوا مشهد موت شاهين بقرصات ولدغات النحل، راجعوا اختياره البيت الذى يسكنه سيد رجب، وأعتقد أنه فى قرية تونس بالفيوم، البيت جزء لا يتجزأ من شخصية ساكنه ومن روح المسلسل، كل ممثل تحس أنك تراه لأول مرة، وتعرف وتتأكد أن هناك وراء كل حركة ولفتة مخرجاً فاهماً وواعياً ويحترم عمله.

الممثل محمد فراج ومحمد ممدوح وسيد رجب وعائشة، كلهم متميزون بطعم خاص وبأداء عبقرى لكنه محكوم بخدمة روح العمل ككل، ومن المرات النادرة التى أجد فيها أن ورشة الكتابة مسيطَر عليها بواسطة جهاز عصبى مركزى وجنرال يلملم كل التفاصيل تحت مظلة واحدة بروح ولون العمل الفنى الذى يتصدى له.

أرشح لكم «لعبة نيوتن»، ممتع فى غموضه، إنه التوتر العذب والفضول المستفز والرومانسية المبتورة بحكم قانون الحياة البخيل، شكراً تامر محسن، وشكراً كل كتيبة نيوتن.


«الرب معكم» - الأنبا إرميا - 21/4/2021 - المصري اليوم

 كل عام وجميعكم بخير، فبعد أيام قليلة يحتفل المِصريون جميعًا بذكرى «تحرير سيناء». نطلب إلى الله أن يمنح «مِصر» كل خير وسلام ويحفظها من كل شر.

رغِب «البابا كيرلس السادس»، قبل اختياره بطريركًا، أن يعيش فى حجرة تحت «كنيسة مار مينا الأثرية بمريوط»، فأرسل إلى مصلحة الآثار التصريح له بالسكن هناك. ولم تصل الموافقة على هذا الأمر إلا بعد اختياره بطريركًا. فبدأ فى تعمير المنطقة بأسرها: حيث اشترى مائة فدان على دفعتين من «هيئة تعمير الصحراء»، ليضع حجر أساس الدير فى أول عيد «للشهيد مار مينا العجائبى» بعد سيامته بطريركًا، لتعود الحياة إلى تلك المِنطَقة.

كذلك جدد «البابا كِيرِلُّس السادس» «الكاتدرائية المَرقسية الكبرى بالأزبكية»، وأعاد بناء الكنيسة الصغرى الملحقة بها (كنيسة الشهيد إسطفانوس) حيث وُضعت لها أساسات جديدة، وبُنيت بالخرسانة المسلحة، مع زيادة مساحتها. أيضًا شيد قداسته «الكاتدرائية المَرقسية الكبرى بالعباسية»، ووضع حجر أساسها يوم ١٩٦٥/٦/٢٤م، ثم افتتحها ١٩٦٨/٦/٢٥م، بحضور الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» والإمبراطور «هَيلاسِلاسى الأول» عاهل إثيوبيا. كذلك بنى قداسته «الكلية الإكليريكية»، ومنزل الطلبة الملحق بها، ومبنى المطبعة.

وقداسته أيضًا «بابا كارز»، فقد نشر الكرازة فى خارج القطر المِصرى: فبُنيت أولى الكنائس بأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعدد من البلاد العربية، إلى جانب إيفاد قداسته عددًا من الآباء الكهنة إلى دُول أوروبا لإقامة الصلوات والخِدمات الطقسية بمختلف المدن. وقداسته هو أول بابا اهتم برسامة أساقفة عُموميين.

أما عن وطنية «القديس البابا كِيرِلُّس السادس»، فقد أصدر قداسته وفضيلة الإمام الأكبر آنذاك «الشيخ حسن مأمون» شيخ الأزهر بيانًا مشتركًا تاريخيَّا، يؤكدان فيه تضامن المِصريِّين جميعًا فى القضايا التى يخوضها الوطن، مؤكدَين وَحدة الهدف والموقف تجاه جميع ما يخص «مِصر» و«الشرق الأوسط»، وأهمه موقف المِصريِّين من قضية «القدس»، وقد تقدَّما مسيرةً شعبيةً تعبيرًا عن رفضهما لما حدث من اعتداءات «إسرائيل» على «فِلَسطين» و«بيت المقدس» بمقدساته الإسلامية والمَسيحية. كذلك أدلى قداسته بعدد من الأحاديث الصحفية، وأجرى بعض الحوارات للتليفزيون الفرنسى من أجل «القدس» وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، ثم أصدر قرارًا بمنع الأقباط من زيارة «القدس» احتجاجًا على ما يحدث من عُدوان.

وعام ١٩٦٧م، شارك «البابا كيرِلُّس السادس» فى الندوات والمؤتمرات الشعبية التى أقيمت من أجل لمّ شمل المِصريِّين معًا، ولتدعيم موقف الرئيس «جمال عبدالناصر» - ويعرف جميعنا موقف قداسته إزاء إعلان الرئيس «جمال عبد الناصر» تنحيه عن الرئاسة عام ١٩٦٧م. وفى تلك المرحلة الحرجة، أصدر قداسته أمرًا بأن يقيم الشعب صلوات القداس فى جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية، من أجل «مِصر» حتى يعطيها الرب الحماية والصمود، حتى إن «إذاعة إسرائيل» الموجَّهة باللغة العربية تهكمت على ذلك قائلة: «أبشِر يا (عبد الناصر)! فإن معك (كِيرِلُّس السادس)، أما نحن فمعنا الإسطول السادس». إلا أن تلك الروح الوطنية سرت فى المِصريِّين جميعًا، إذ بدأت إعادة بناء القوات المسلحة، ثم دارت رحى «حرب الاستنزاف» التى أنهكت العدُّو بخَسارات متتالية فادحة.

لقد عاش «القديس البابا كِيرِلُّس السادس» حياة الرهبنة الزاهدة فى أثناء رعايته لشعبه: فقد ظل ناسكًا فى مأكله وملبسه، يقدم ما يصله من هدايا لأبنائه ورعيته، وظل هكذا حتى نياحته فى التاسع من مارس ١٩٧١م، بقلايته بالبطريركية بالأزبكية، مودعًا شعبه بكلماته: «الرب معكم. الرب يدبر أموركم»، بعد أن قضّى على الكرسى المَرقسى ١١ سنة و٩ أشهر و٢٩ يومًا. وقد دُفن «القديس البابا كيرلس السادس» فى «دير الشهيد مار مينا العجائبى» بصحراء مريوط، بحسب وصيته. و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

خالد منتصر يكتب: «الاختيار» وعلاج الذاكرة السمكية - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 21/4/2021

 اختلف المتخصصون فى علوم البحار حول ذاكرة السمك، فمنهم من قال إنها تستمر لمدة ٣ ثوانٍ، ومنهم من قال إنها تستمر لمدة ٣ أشهر، لكن الثابت والمؤكد عندنا من ملاحظاتنا العادية أن السمك يظل يأكل الطعم كلما ذهبنا فى رحلة صيده، وعلى مدار آلاف السنين لم تخبر سمكة صديقاتها وتحذّرها من التهام طعم السنارة، لذلك السمك من الممكن أن تكون له ذاكرة، لكنها ليست ذاكرة تاريخية، فالذاكرة التاريخية يصنعها التراكم وتوثيق هذا التراكم وتخزينه فى الهارد ديسك الوطنى والشعبى والاجتماعى، وما يفعله مسلسل «الاختيار ٢» هو صناعة تلك الذاكرة التاريخية وعلاج المصريين من الذاكرة السمكية، فالذى يخرج علينا بكل تبجُح ونطاعة وجلد سميك ليحدثنا عن المصالحة، هو شخص يراهن على «الزهايمر» المصريين وذاكرتهم السمكية التى تشطب «ديليت» سريعاً كل الأحداث، الوطن الذى يمتلك أعمق وأطول ماضٍ لا يحتفظ به ولا يحفظه، رغم أن المصريين القدماء كانوا حريصين على تسجيل تاريخهم على جدران المعابد، فنحن نهدره فى الثرثرة وننساه بعد دقائق.

ما يفعله مسلسل «الاختيار» الآن هو نقش جديد على جدران معابد ذاكرتنا المثقوبة، حتى لا ننسى السبعين كنيسة، ما بين تدمير وحرق وتخريب وقتل، حتى لا ننسى دماء آلاف الضباط والجنود الذين أريقت دماؤهم دفاعاً عن الوطن ضد تلك العصابة المجرمة، حتى لا ننسى مذبحة كرداسة، حتى لا ننسى إلقاء الأطفال من على السطوح، حتى لا ننسى ثأر محمد مبروك الذى فضح عمالتهم وخيانتهم وتخابرهم وتجسّسهم، حتى لا ننسى وننتبه إلى ضعاف القلوب من المتدروشين الذين تسللوا فى غفلة من الزمن لأجهزة حساسة وانقلبوا إلى طابور خامس، حتى لا ننسى الذبح والقتل والترويع باسم الدين، حتى لا ننسى المليارات التى تدفّقت على تلك العصابة بغرض حرق هذا الوطن وتحويله إلى أطلال، حتى لا ننسى تفجير مديريات الأمن، حتى مستشفى الأورام الذى فجره هؤلاء الفجرة القتلة مصاصو الدماء، حتى لا ننسى تدمير المتحف الإسلامى، حتى لا ننسى مذبحة مسجد سيناء وقتل الأبرياء العزل بالرشاشات، حتى لا ننسى كل هذا أبدع المسلسل فى الربط ما بين الواقع والمشاهد الحقيقية، وما بين الدراما، واختار أبطالاً من لحم ودم، لهم لحظات ضعفهم الإنسانى الذى تغلفه قوة الشخصية والإيمان بعدالة القضية، غلفها بلحظات هزار وخفة دم تلطف من جو التوتر والشحن والغضب.

التوثيق الدرامى الذى يحدث فى مسلسل الاختيار عمل تاريخى بامتياز، فالتاريخ ليس مجرد سرد فى الكتب لمعارك وقادة وانتصارات وهزائم، الدراما جبرتى جديد ينتشل الذاكرة من الغيبوبة، ويراكم الأحداث، والأهم يحلل ما وراء الأحداث وما هو خلف الكواليس، الدراما الآن هى نحت فى جدار هذا الزمن الذى تلعب فيه الشائعات وتزييفات الوعى وغسل الأدمغة دوراً فى هزائم الشعوب دون إطلاق رصاصة واحدة، لذلك ننتظر «الاختيار ٣» ليجيب لنا عن جذور الإرهاب، ولماذا أصبح هؤلاء الفاشيون ضباعاً بأنياب تراثية ماضوية دموية.


Tuesday, April 20, 2021

«القاهرة كابول» والقتل الحلال - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 19/4/2021

 من أجمل الحوارات الدرامية فى مسلسلات رمضان لهذا العام الحوار الرباعى الذى تم بين الأصدقاء أبطال مسلسل «القاهرة كابول»، الحوار انتهى بمقتل خالد الفنان مخرج السينما الذى أخرج فيلماً تسجيلياً عن الإسلام السياسى، الثلاثة الآخرون هم رمزى أمير الإرهاب والخليفة المنتظر، وطارق كساب الإعلامى الثرى الذى لا تهمه قضية بقدر ما تهمه الفرقعة والفلوس على جثة أى شىء وبلا ضمير، والثالث هو عادل ضابط أمن الدولة.

عبقرية الحوار ومصدر متعته هى أنه بين أصدقاء عمر مختلفى المشارب، مما يسمح برفع مستوى حدّة الحوار إلى مستويات يسمح بها العشم القديم وبلا خجل، لذلك دخل الحوار إلى مناطق ملغومة، واستمر بدون أن تستغرب أو تستنكر كمشاهد، كان مشهداً مسرحياً ظل مدة طويلة على الشاشة، لكن الملل لم يتسرب إلى المشاهد أبداً فى أى لقطة أو لحظة من الحوار، ارتفع إيقاع الحوار حتى وصل إلى الكليماكس، ذروة المشهد، بقتل المخرج السينمائى بتحريض من صديق العمر الذى كان يقصد قتل الضابط، لكنه فى وسط الحوار أدان المخرج وقال له إن حكمه فى الدين هو القتل أيضاً، قتل رمزى الصديق وحكم بالردة على الآخر، وكله بالحلال، وهو متأكد أنه يدافع عن الله وعن الدين وعن الشرع، قمة القسوة والحماقة والخلل العقلى.

بداية لقاء الأربعة كانت حلماً تحت البطانية وهم أطفال: من حلم بالمال، ومن حلم بالعدل، ومن حلم بالخيال، ومن حلم بالخلافة، كل فى اتجاه، وكل سعى لتحقيق حلمه، التقط أحد الجيران المتشددين الطفل رمزى وصار يؤجج فيه نار الكراهية حتى لأبيه وأمه، وهذا بالفعل ما نراه فى معظم المتطرفين الإرهابيين، البداية دائماً درس دينى، أو ما يطلق عليه كذباً كذلك، وهو فى الحقيقة درس كراهية وحقد وغل وسواد، ليبدأ طريق التكفير والعزلة والجهامة والقسوة والجلافة وغلظة الحس.

واللفتة الذكية أن السيناريست عبدالرحيم كمال اختار نموذجاً كثيراً ما قابلته فى رحلة حياتى، خاصة فى مرحلة الجامعة، الشاعر مرهف الإحساس الذى يتحول فجأة، أو ما نتخيله ونحسبه نحن فجأة، إلى قاتل، يهجر بيت الشعر ليسكن كهف التكفير، رمزى كان شاعراً، حاول الأصدقاء أن يذكّروه بأبياته التى كتبها فى حب جارتهم منال، لكنه خاصم الشعر والفن، لأن قلب الإرهابى وعقله لا يستوعبان خيال الفن وجماله، لأن الفن سيجعله يتساءل ويحس، والقاتل عدو السؤال وعدو الإحساس، رمزى اعتبر أصدقاء العمر أعداء الإسلام، واعتبر عادل من الطاغوت، وحسب خالد على كارهى الدين بالرغم من أنه يحاول إنقاذ هذا الدين من سموم الخرافات وأفكار العنف والإقصاء، كل هذا الشعور العدوانى، وياللعجب، من أرضية دينية.

بالطبع لا أريد إغفال دور المخرج الذى قاد هذا الحوار فى هذا الديكور الضيّق ببراعة، وأشيد بأربعة ممثلين أدوا مباراة تمثيل ممتعة ومشبعة على أعلى مستوى، طارق لطفى وفتحى عبدالوهاب وخالد الصاوى وأحمد رزق، وبمناسبة أحمد رزق أقول للمنتجين والمخرجين: لا تستسهلوا قولبة الفنانين، فجّروا طاقاتهم الكامنة، فليس معنى أن أحمد رزق نجح فى دور كوميديا أن أحصره وأحاصره فى تلك النوعية، أعتقد أن هذا الحوار الرباعى سيظل بصمة لا تُنسى فى الدراما الرمضانية.


Sunday, April 18, 2021

خلقنا أحرارًا - الأنبا موسى - 17/4/2021 - المصري اليوم

 الحرية هى هبة الله الذى خلقنا بها، وهى كلمة جميلة الوقع على السمع، يتمسك بها الطفل حتى وإن لم يفهمها، ويصر عليها الفتى حسب مفهومه القاصر، ويعتبرها الشاب حياته بأكملها، ويموت من أجلها الألوف والملايين فى أنحاء العالم، ويعتبرون حياتهم رخيصة من أجلها.يعرّف المعجم العربى مفهوم «الحرية»: بأنه حالة يكون عليها الكائن الحىّ، الذى لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة، ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته، بحرِّيَّة: بلا تكلُّف وبلا احتراس.

ولكن كم من جريمة ارتُكبت باسم الحرية بهذا المفهوم القاصر، وبهذه الحرية المطلقة؟!.. لذلك هل الحرية مطلقة؟ وما المفهوم السليم الذى يمكننا - بحرية - أن نطالب به، ونتمسك به، ونصير بالحقيقة أحرارًا بلا خوف من تداخل المفاهيم؟

أولًا: هل توجد حرية مطلقة؟

لا يوجد ما يسمى «الحرية المطلقة»..

- فهناك أمور تحد من الحرية كقوانين الطبيعة والبيئة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية.. إلخ.

- والمدرسة السيكولوجية تقول: إن الإنسان يضغط عليه ما نسميه الرغبات.

- والمدرسة الوجودية الإلحادية: تنادى بأن وجود الله يلغى حرية الإنسان.

- لا توجد حرية مطلقة، بل لابد من ضوابط للحرية بحيث تصير حرية مسؤولة.

ومن أهم هذه الضوابط:

1- الضمير. 2- الدين. 3- الآخر.

4- المجتمع.

والحرية غير المسؤولة هى حرية بلا ضوابط، أما الحرية المسؤولة فلها هذه السمات:

1- تبنى (حرية للبناء وليس للهدم). 2- تناسب وتوافق. 3- تطلب ما هو للآخر.

ثانيًا: مفهوم الحرية

أ- من الناحية المسيحية هى التحرر الداخلى من كل عبودية مثل: عبودية الذات - عبودية المادة - عبودية الخوف - عبودية الخطية.

ويقول الكتاب المقدس: «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يو 34:8).

ب- من الناحية الفلسفية هى انعدام القسر الخارجى، واختيار الفعل عن رؤية، مع استطاعة عدم اختياره أو استطاعة اختيار ضده بمعزل عن أى ضغط خارجى على السلوك، ولكن هذا هو الوجه الخارجى للحرية، الذى يحوى الحرية: السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان.. إلخ.

ج- «تحرير النفس لا ينحصر فى ناحية واحدة، بل يلزم أن يشمل الحياة الداخلية كلها، أى أن الحرية بمعناها العميق هى أن أتصرف بحيث يأتى سلوكى تعبيرًا عن كيانى كله. فمثلًا: قد تتحكم فىّ إحدى الشهوات وأتصرف بموجبها، حينئذ فلست حرًا، بل أنا عبدُ الشهوة. ويقول القديس أغسطينوس على كونه حرًا: (وقفت على قمة العالم حينما أصبحت لا أشتهى شيئًا، ولا أخاف شيئًا)».

- «إن طبيعة النفس البشرية تقارن بريشة فى غاية الرقة والنعومة، فإذا لم تثقل بالشهوات المؤذية وتقيد بالعادات الرديئة، تستطيع أن تُحمل عاليًا لتعبر إلى السموات وإلى غير المرئيات.

ثالثًا: هل التدين يقيد حرية الإنسان؟

أ- الله يحب الإنسان لذلك يحترم حريته:

- خلق الله الإنسان حرًا على صورته ومثاله.

- الله يترك للإنسان حرية الاختيار بكامل إرادته، فيقول فى سفر التثنية: «قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَىْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ» (تث 19:30).

- أحد شعراء الهند يقول: «إنى أحترم الله لأنه أعطانى إمكانية إنكار وجوده»!.

- السيد المسيح فى تعاليمه ووصاياه كان يركز على البعد الداخلى والدوافع الداخلية أكثر من المظاهر الخارجية. ويظهر هذا فى توبيخه الدائم للفريسيين بسبب ريائهم.

رابعًا: كيف نحيا الحرية الحقيقية؟

1- العمل بوصايا الرب، وخضوعنا له فى استسلام كامل لمشيئته، ففى اللحظة التى نتحقق فيها من عمق كياننا أننا لا شىء، وأن الله هو كل شىء حينئذ نكون قد تحررنا حقًا.

2- تحرير الذات بحلها من رباطات العالم، ويقول أحد الآباء: «يا منهمكين بشهوات العالم وظلمته، ارفعوا رؤوسكم ليشرق النور فى وجوهكم، اخرجوا من أوجاع العالم ليخرج للقائكم النور الذى من السماء.. يا حبذا لو تقطعت رباطتنا لنرى إلهنا».

3- النضج بكل مستوياته، (سواء الروحى أو النفسى أو الاجتماعى أو التربوى)، «فالحرية لا تعطى إلا للناضجين».

خامسًا: معطلات الحرية

1- التربية السلطوية فى الأسرة والمجتمع. 2- الذات والمادة وعبادتها.

3- التدين المريض بكل صوره وأشكاله.

4- عدم الوصول إلى النضج الحقيقى (روحيًا - اجتماعيًا - نفسيًا).

5- قيود وربط العالم وشهواته.

سادسًا: كيف نحيا الحرية الحقيقية؟

1- تربية المشاركة:

أ- أسلوب الحوار والمساهمة فى صنع القرار.

ب- توزيع المسؤوليات بحيث يكون لكل شاب دور قدر الإمكان والإمكانيات.

ج- خلق الصف الثانى والقيادات الجديدة الواعدة.

2- تربية الإبداع:

أ- الاهتمام بتربية التكوين لا التلقين.

ب- اكتشاف الطاقات والمواهب المختلفة وتنميتها.

ج- الاهتمام بجوانب الشخصية ككل.

د- توفير مناخ الحرية الذى يساعد على الإبداع والابتكار.

3- تربية الاتساع:

أ- اتساع القلب: بحيث يشمل كل الناس، وكل البشرية، وكل الأنماط.

ب- اتساع الفكر: بحيث يقبل الرأى الآخر، والحوار، ووجهات النظر المختلفة، وينفتح على الثقافات الأخرى.

ج- اتساع الرسالة: فتكون رسالتنا رسالة انتشار وليست انحسارا.

4- تربية المعاصرة المتأصلة:

الانفتاح على العالم المعاصر، بما فيه من ثقافات وتكنولوجيا وعلم، وأخذ ما هو مفيد، وترك غير المفيد، مع الأخذ فى الاعتبار عدم التعارض مع تراثنا وأصالتنا وحضارتنا، التى تثبّت الجذور ولا تقتلع الثوابت، والتى تؤكد الأصالة وتجعل منها كائنًا حيًا يتصدى للمشكلات المعاصرة.. فتعالوا بنا نحيا الحرية الحقيقية.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية