Translate

Monday, October 31, 2016

دفع عجلة «الكلام» فى مصر والشرق الأوسط..!! بقلم د. مصطفى حجازى ٣١/ ١٠/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

إحدى أشهر عمليات «النصب السياسى» التى سيذكرها التاريخ هى تلك التى ابتدعها «كذوب» السياسة الدولية الماكر «هنرى كيسنجر».. فى شأن قضية السلام فى المنطقة العربية..!
كل ما فعله الرجل أنه أحال «قضية» السلام إلى «عملية» السلام..!!
فأصبح معيار النجاح هو إطلاق «عملية» السلام.. وصار الهدف هو استمرار «عملية» السلام.. وبات الخبر هو ضرورة دفع «عجلة» السلام.. من أجل بقاء «عملية» السلام..!
وفى طيات تفصيلات وتعقيدات واختناقات وانفراجات «عملية» السلام.. والتى لا تعدو كونها لقاءات تنعقد لتنفضّ.. غابت «القضية» بالكلية.. وغاب أكثر الهدف من «السلام» بالأساس، وهو اقتفاء «عدل» ما.. واستعادة حقوق مشروعة.. وإرساء أسس تعايش إنسانى لبشرٍ ظُلِمَ كثيرا..!
لم يفعل هذا الداهية الكذوب أكثر من أنه أهدى- أو بالأحرى ألهى- المنطقة العربية حكوماتٍ وشعوباً فيما تُحسِنُه.. وهو الثرثرة و«وهم» المقايضة أو الفصال.. والإغراق فى الشكليات، الذى تمليه عليهم عقلية «الخيمة» و«البازار» كما كان يعرف عنا أكثر منا..!
فهو يعرف أن تقديس «التراتُبية» من شيخ القبيلة أو الجنرال الأوحد أو الحاكم الملهم هو محور الحياة والحركة.. وأن الاختلاف فى التفاصيل ونحن ذاهلون عن مقاصد ما نختلف عليه هو دأبنا وديدننا..!
لم يكن الرجل حاد الذكاءِ بقدر ما كنا نحن قابلين للاستغفال..!
ومن عجبٍ.. أننا فى مصر وعالمنا العربى المنكوب.. نحتاج إلى «الكلام».. كاحتياجنا لـ«السلام» وقد يزيد..!
ولكن مأساة «قضية الكلام» فى مصر والعالم العربى.. أننا وإن لم نَشْكُ نُدرةَ «الرغى» ولا غياب حق الصخب.. غاب الحوار فينا وجَدُب.. فنحن مُتخمون بالثرثرة.. فُقراء حوار..!
مصرُ- والعالم العربى وراءها، ليس اليوم ولا أمس ولكن منذ عقود- «تريد» الكلام.. بقدر ما تكره التدنى وانحدار قدرها بين الأمم..
ومصر «تحتاج» الكلام.. بقدر احتياجها لمستقبلٍ مستحق.. حَجَبَه عنها «رَغىُ» نَفَرٍ من محتكرى الحديث باسمها..!
«الكلام» الذى «تريده» مصر هو «حوار عقل» غائب أو منعدم.. فى وسط أمواج من اللغو السياسى والاقتصادى والاجتماعى وحتى الفنى..!
و«الكلام» الذى «تحتاجه» مصر هو «حوار شراكة» واجب.. تَعرِف أطرافه أن الحوار هو ملاذ شركاء الحيرة.. وليس تجمعاً لمُدَّعِى مِلكية الحقيقة..!
حوارٌ الأصل فيه الإقرار بالعجز عن تشخيص المرض وعلاجه.. والهدف منه استشراف إلهام العقل الجمعى لخبرات مؤهلة تأمل فى كسرِ دائرة العجز..!
«الكلام» الذى تنجو به مصر.. هو أقرب لتَبَتُّلِ الناسكين ملتمسى النجاة.. الذى يتحرى الإخلاص فى إخفاء صدق الفعل قبل أن يطلب العلن والمجاهرة.. الإمعان فى المجاهرة به قرينة رياء أو وثنية..!
«الكلام» الذى «تبقى به» مصر هو حوار مصيرى جاد.. فيه الجدية بغير التشنج.. وفيه المصارحة بغير شخصنة ولا تجريح.. بغير محاولة تصيُّد خطأ ولا محاولة هروب إلى الأمام خوفاً من مظنة المساءلة والحساب والتأثيم..!
حوار يلزمُ أن يخلو كثيراً من مسالك الدروشة والفهلوة وما ابتُلينا به من مكائد قهر الخصوم.. فى مواقف ليست بجدية الحديث عن دولة..!
حوار يلزم أن يَعفّ أطرافه عن التدنى به إلى دروب المناورة السياسية.. أو إلهاء المجتمع.. أو التعمية به عن جوهر التحديات الكبرى باسم ظاهر تلك التحديات..!

«الكلام» الذى ليس لمصر ولا لغيرها مستقبل بغيره.. هو حوار «منطقى علمى» يناقش المبادئ والأسس والرؤى.. حوار له «شروطه وآدابه».. وقبل ذلك وبعده له «منهجه العلمى» الواضح الذى يقرر مَن يجلس ليتحاور.. بأى أهلية يتحدث.. فيمَ يتحدث.. وكيف يتحدث..؟!
وأخشى أن فى مصر- ممن كانوا ومازالوا فى سلطة أو مجتمع- مَن قد يؤمن بأن الحل لقضية الحوار المنعدم هو فى إطلاق «عملية الكلام» رسمياً.. ظناً بأنها الحوار.. أو أملاً فى أن تنتج فضاءً سياسياً يُغنى عن موت السياسة.. أو رغبة فى شراء وقت.. أظننا قد أحرقنا من رصيدنا فيه ما يكفى..!
وللخلصاء حسنى النوايا من هؤلاء نقول.. إنه فى مجتمع وصل ألم غياب المنطق فيه حتى النخاع، وصارت جروح لحمه العارى على ملأٍ.. ولا يُجدى معها تجميل لجرح أو تسويف لعلاج أو تسكين لألم.. لن يكون معيار النجاح هو إطلاق «عملية» الكلام.. ولن يُعين أن يكون الهدف هو استمرار «عملية» الكلام.. ولن يقبل أحد أن يُهان بأن يُصبح الخبر السَّيَّار هو ضرورة دفع «عجلة» الكلام..!!
وإن استطاع كذوب السياسة كيسنجر أن يُفلِت بـ«عملية سلامِهِ» حين كان هناك بعض من دماء فى عروق المنطقة يمكن استنزافه.. حتى ولو كانت دماء الخيبة وقلة الحيلة.. فلن يستطيع أى من مُحدَثى السياسة أن يُطلق «عملية كلام» تستمر فى مجتمعات جفت فيها العروق..!
لا أرى فى الحديث عن الكف عن اللغو والشروع فى «حوار مصر» «المنهجى والمنطقى والعلمى والوطنى»- الواجب والغائب- أى شُبهَة حُلم..
وإن كان أن نكف عن «التكاذب» حُلماً.. أراه حلماً قد تَوَجَّبَ لمَن تبقى من عقلاء فى مصر..
وبغير أن يُلقى القبض على أحدٍ وهو يرتكب «الحُلم».. بتعبير محمود درويش..!
سَيُبنَى هذا الوطن من أحلام استحقت.. وتأخر الوفاء بها.. ولا عزاء لكَذَبَةِ السياسةِ ولا لمُحدَثيها..!
فَكِّرُوا تَصِحُّوا..

د. عماد جاد - قفزات نوعية (٤) - جريدة الوطن - 31/10/2016

ناقش المؤتمر الوطنى الأول للشباب على مدار ثلاثة أيام عشرات الموضوعات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والدينية، جرت المناقشات بحرية تامة، وفى حضور رئيس الجمهورية وأيضاً شباب الأحزاب والقوى السياسية بما فيها قوى من اليسار والتيار القومى. كان الجميع سعيداً بالأجواء العامة التى سادت المؤتمر، فللمرة الأولى فى تاريخ مصر تجرى مثل هذه المناقشات، يطرح كل مشارك رأيه بحرية، الشباب يدخل فى سجال مباشر مع بعضه بعضاً، ويتدخل رئيس الجمهورية الجالس فى مقاعد الحضور فى النقاش من حين إلى آخر للإدلاء برأيه أو التأكيد على أفكار محددة، وكثيراً ما تدخل الرئيس لنصح الشباب بالهدوء والتريث واحترام قواعد الحوار واحترام الكبير وصاحب الخبرة من ناحية ثانية، فقد لاحظ الرئيس ومعه من شارك فى المؤتمر أن الشباب كان يتعامل مع المؤتمر على أنه مؤتمره هو، وهو صحيح، لكنه ليس مؤتمره وحده، ولا يوجد توجه فى العالم يغيب عنصر الخبرة عن مثل هذه المؤتمرات، ففى كافة قضايا النقاش كانت هناك قامات وطنية دورها نقل الخبرة للشباب وتقديم النصائح، ولكن ما حدث هو أن الشباب، فى بداية المؤتمر، لم يكن مستعداً لسماع الخبرات المصرية فى المجالات المختلفة، بعضهم قال إننا استمعنا كثيراً وطويلاً لهم وعلى مدار سنوات طويلة، وآن الأوان أن يستمعوا هم لنا، آن الأوان أن نتحدث نحن، ويستمعوا هم، وهو أمر تم طرحه باندفاع الشباب على النحو الذى دفع الرئيس السيسى للتدخل أكثر من مرة وتقديم النصائح للشباب بألا يستعجلوا من ناحية ويقللوا من قدر القامات المصرية المشاركة معهم، التى تعمل على صقلهم بالخبرات التى راكموها عبر عشرات السنين. أيضاً دار سجال طويل وحر حول: هل يؤسس الرئيس حزباً سياسياً يمثل الظهير السياسى له؟ أم يظل الرئيس فوق الحزبية ويتعامل مع الأحزاب السياسية الرئيسية الموجودة على الساحة بأنها الظهير السياسى له؟ انقسم الحضور ما بين مؤيد لأن يكون للرئيس حزب سياسى، وبين محذر من ذلك بقوة على أساس أن فى ذلك إعادة إنتاج للحزب الوطنى، فبمجرد إعلان تشكيل حزب سياسى للرئيس سوف تسعى غالبية النواب من مختلف الأحزاب والقوى والانتماءات السياسية إلى الانضمام للحزب الجديد بحثاً عن المصالح والمنافع الخاصة، كما كان الحال فى عهد الحزب الوطنى. والملاحظة العامة هنا أن الشباب كانوا أكثر ميلاً لفكرة تأسيس حزب سياسى للرئيس من كبار السن، وأن الشباب المستقل غير المنتمى حزبياً كان الأكثر تأييداً لفكرة تأسيس حزب سياسى للرئيس، الملاحظة الجوهرية أن الرئيس كان ينصت للسجال الدائر حول تأسيس حزب سياسى خاص به، باهتمام شديد، وخلص من هذا الجدل بإرسال رسالة غاية فى الأهمية، قال إننى أريد تسليم السلطة لمن يأتى بعدى بشكل ديمقراطى ووفق الدستور، صحيح أن الرئيس لم يعلن موقفه المحدد من مسألة تشكيل حزب سياسى خاص به، إلا أن الاستنتاج العام هو أن الرئيس لا يفضل ذلك، وأتصور أنه الموقف الحكيم الذى يصب فى مصلحة البلاد ويساعد على تطوير نموذجنا الخاص فى التحول الديمقراطى، فتأسيس حزب سياسى جديد للرئيس يعنى أنه سيكون حزب الأغلبية من اللحظة الأولى، حيث سيتسابق أصحاب المصالح من كل حدب وصوب للالتحاق بالحزب الجديد بحثاً عن مصالحهم الخاصة، وهنا ستتحول كافة الأحزاب السياسية القائمة إلى أحزاب قزمية تلعب دور الكومبارس، هذا فى حين أن التجربة تقول إن هذه الأحزاب تتطور بمرور الوقت وتنضج وتضعنا على أول طريق التحول الديمقراطى الذى يبدأ بعدم وجود حزب مهيمن ومسيطر وأن من يشكل الحكومة عليه أن يأتلف مع أحزاب سياسية أخرى، حتى يحوز الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة.
وللحديث بقية

Sunday, October 30, 2016

د. عماد جاد - قفزات نوعية (٣) - جريدة الوطن - 30/10/2016

وجهت رئاسة الجمهورية الدعوة لمختلف ألوان الطيف السياسى والفكرى للمشاركة فى المؤتمر الوطنى الأول للشباب، لم تستثن أحداً، من الذين يؤمنون بالحوار كأداة لحل الخلافات والوصول إلى توافقات، من الدعوة، وشارك الجميع عدا أحزاب وقوى سياسية صغيرة بعضها له مقاعد فى البرلمان (مثل حزب الكرامة والحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى) وبعضها لا مقاعد له (مثل التيار الشعبى)، فقد رفضوا تلبية دعوة رئاسة الجمهورية، وحرموا شبابهم من المشاركة فى حوار وطنى غير مسبوق تصدره الشباب وشارك فيه رئيس الجمهورية. وقد شارك بعض ممن قاطعت قياداتهم المؤتمر، شاركوا فيه وساهموا فى مختلف المناقشات، وقد كانوا سعداء للغاية لأنهم سبق وهاجموا الرئيس والحكومة بكل قوة وشراسة، ورغم ذلك أخذوا أماكنهم على منصة المؤتمرات وطرحوا أفكارهم بكل قوة وكل حرية، وتفاعل الحضور معهم إيجابياً، وقد تفاعل الرئيس أكثر من مرة مع مداخلات محمد عبدالعزيز، أحد أبرز شباب التيار الشعبى الذى يقوده حمدين صباحى. وشارك شباب من حزب الكرامة الناصرى الذى قاطع المؤتمر، وكان شبابه غاية فى السعادة والحزن فى آن واحد، السعادة لأنهم يشاركون فى مؤتمر وطنى بحضور رئيس الجمهورية، والحزن بسبب الحملة الشرسة التى شنها عليهم شباب التيار والحزب واتهموهم فيها بالخيانة وعدم الوفاء، هذا بينما كان الشباب المشارك يرى فى المشاركة فعلاً وطنياً إيجابياً، وقد تحدثت مع بعضهم وكانوا سعداء بتجربة المشاركة وأكدوا أنهم لم يتوقعوا مشاركة الرئيس ولا الروح الإيجابية التى سيطرت على المناقشات، وخلصوا إلى عدم جدوى المقاطعة، وأن ما شهده المؤتمر من حوارات ومناقشات قد غير كثيراً من أفكارهم المسبقة. وفى تقديرى أن ذلك يعد إنجازاً رئيسياً للمؤتمر، وهو خروج شباب وطنى واعد من دائرة المقاطعة والخصومة مع النظام، إلى دائرة الاشتباك الإيجابى مع الأفكار المطروحة والسجال مع شباب الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، هذا بينما كشف هذا الموقف الإيجابى من الشباب، مواقف القيادات القائمة على الرفض للرفض، قيادات بنت تاريخها السياسى على قول لا، ترفض الحوار وتخشاه، ليس لديها منطق فى الحوار ولا مبرر للمقاطعة، وأتصور أنها قيادات انتهت صلاحيتها وعليها أن تترك مواقعها لقيادات شابة لديها القدرة على التفكير الإيجابى ولا تحمل على أكتافها وزر تاريخ من المقاطعة، قيادات تظهر فقط عندما تتأزم الأوضاع أو يواجه الوطن تحديات، والظهور يكون للإعلان عن فشل القيادة القائمة وطرح الذات كبديل، ومن ثم بات مستقراً لدى الرأى العام المصرى أن ظهور هذه القيادات من الداخل أو الخارج بات «دليل شئوم» فالظهور أو التغريد على مواقع التواصل الاجتماعى مرتبط بأزمات الوطن. باختصار هى قيادات انتهت صلاحيتها وآن الأوان لها لأن تتنحى وتبتعد عن المشهد لصالح قيادات شابة قادرة على التواصل مع نظرائها من القوى والتيارات السياسية المختلفة.
ومن ثم نستطيع القول إن من أبرز نتائج المؤتمر الوطنى الأول للشباب كشف تهافت وضعف مواقف قيادات سياسية معارضة عاشت تجربتها على نقد النظام وقول لا، ومن ثم قررت مقاطعة المؤتمر، هذا بينما شارك شباب من هذه القوى السياسية واشتبك إيجابياً مع الأفكار المطروحة وبرهن على قدرته على الحوار والسجال للوصول إلى توافق وطنى، ومن ثم فإن استمرار حوار الشباب سوف يخلق قنوات للتواصل بين الأجيال الجديدة من مختلف التيارات السياسية على النحو الذى يبنى تجربة جديدة فى الحوار الوطنى والتفاعل بين القوى والتيارات السياسية والفكرية المختلفة، عكس حال القيادات التاريخية لقطاع من التيارين اليسارى والناصرى بنى حياته السياسية على المعارضة وقول لا، فى وقت الوطن فيه فى أمس الحاجة لمن يقول نعم للحوار على أرضية وطنية.

خالد منتصر - شجون أطباء كبد - جريدة الوطن - 30/10/2016

حضرت ندوة ثرية وجلسة عصف ذهنى لأطباء كبد من خبراء التخصّص الكبار والبارزين برعاية شركة «فارميد هيلث كير»، طبعاً التفاؤل موجود، وبداية حلم القضاء على فيروس سى قد تحققت، لكن لا بد أن نُؤمن بأنها ما زالت بداية وليست نهاية المطاف. 
وقد أجمع الأطباء الحاضرون كلهم على أن ما يُقال إنه فى غضون أربع أو خمس سنوات سنكون قد قضينا على المرض نهائياً، كلام أقل ما يُقال عنه إنه بعيد عن الدقة، لا بد أن نُؤمن بأن الطريق ما زال طويلاً، والعدد كبير، وسُبل الوقاية والتوعية شبه منعدمة فى ثقافتنا ومنظومتنا السلوكية ووسائل إعلامنا التى لا تهتم بنشرها قدر اهتمامها بالتلميع الإعلانى، تحدث د. جمال عصمت، ود. حلمى أباظة، ود. صيدلى محمد مبروك، ود. هشام أيوب، ود. أحمد شعراوى، ود. حسنى سلامة، وباقة من كبار الأساتذة، تحدّثوا عن ضرورة تثقيف الناس والأطباء الشباب أيضاً عن الوقاية وأيضاً عن بروتوكولات العلاج، من الأشياء المهمة التى أُثيرت فى الندوة، اختفاء دواء البلهارسيا، وهذا خبر مزعج، فليس معنى أننا قد عالجنا مرضى البلهارسيا، وأننا قد قلصنا عدد المصابين إلى رقم بسيط جداً أن نحذف الدواء!!، فنحن ما زلنا نُشاهد حالات بلهارسيا وما زال الدواء مطلوباً توفيره، لكن المفاجأة الكابوسية هى أنه لا يوجد قرص دواء للبلهارسيا فى مصر كلها من الإسكندرية حتى أسوان، ولذلك رجاءً من وزارة الصحة توفيره بأى شكل، النقطة الثانية هى نقطة أننا لا بد أن نعرف أننا فى حرب مع كائن خبيث ولئيم اسمه الفيروس، ولا بد أن نعرف أن الحرب طويلة وشرسة ولا تنتهى فى خمس سنوات، فى تلك الحرب هناك تكتيك واستراتيجية، هناك كر وفر، هناك خبث ودهاء، ومكاسب وأشواط تقطع، وأيضاً عثرات فى الطريق، هناك وحش اسمه سرطان الكبد، وقد سألتهم من واقع خبرتهم الميدانية، سواء فى المستشفيات أو عياداتهم الخاصة، أجمع الكل على أن حالات سرطان الكبد قد زادت فى مصر بشكل كبير جداً، هذا يستدعى دراسة جادة وعلى مساحة كبيرة لمعرفة الأسباب وطرق المواجهة، أثير أيضاً موضوع الإحصائيات، وهل كانت هناك مبالغة، بدليل سؤال: أين ذهب هذا العدد الرهيب فجأة؟، وكانت الإجابة هى ليست فجأة، هناك نجاح بالفعل على الأرض، هناك من كان يعالج بالحقن «الطرطير» المقيئ فى الستينات والخمسينات، وتوفى وسقط من الإحصائيات، وهناك أسباب أخرى، لكن بالطبع النسبة رهيبة ومقلقة، الموضوع المهم الآخر الذى حدث حوله عصف ذهنى هو موضوع علاج المريض الذى يحمل فيروس سى وبى فى الوقت نفسه، وهل عند علاج فيروس سى تظهر شراسة فيروس بى؟!، وما البروتوكول العلاجى لمريض يحمل الفيروسين؟، هذه الأسئلة وغيرها تثبت أنه ما زالت أمامنا مواجهات ومواجهات مع هذا الفيروس اللعين، وما زالت الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولم يلقِ الفيروس سلاحه بعد وما زال محتفظاً ببعض دروعه، إلا أنه بالمنهج العلمى السليم، بداية من مفاوضات تخفيض سعر الدواء وحتى العلاج فى المراكز، مروراً بتشكيل اللجنة نفسها من أسماء لها ثقل ووزن فى مجال علاج الكبد على مستوى العالم.

Saturday, October 29, 2016

المسكوت عنه فى التوتر المصرى ـ السعودى: الخطر الإيرانى! بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

يُقال فى أول درس فى العلاقات الدولية، إنه ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، ولكن فقط مصالح دائمة. وينطبق ذلك بشكل ربما واضح تماماً على ما يبدو أنه توتر مكتوم رسمياً، بين مصر والسعودية فى الشهور الأخيرة، وتحديداً منذ التسوية الأمريكية ـ الإيرانية للملف النووى، وما تبعه من رفع الحِصار الاقتصادى الأمريكى عن إيران، والإفراج لإيران عن عدة مليارات من الدولارات كانت مُجمدة فى البنوك الأمريكية، وكذلك إعادة تشغيل وضخ وتصدير النفط من الحقول الإيرانية التى ظلّت مُعطلة خلال عقود الحِصار.
قد لا يبدو كل ذلك مشكلة بالنسبة للمواطن المصرى، الذى لا تحمل ذاكرته التاريخية خوفاً، أو بغضاً، أو كراهية لإيران أو لثقافتها الفارسية. ولكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لعرب المشرق عموماً، ولعرب الجزيرة والخليج خصوصاً. كما يبدو أن الذاكرة التاريخية للفُرس الإيرانيين، بدورها، سهلة التحريك والتعبئة والاقتحامية لمُحيطها الجغرافى ـ السياسى. فمنذ معركتى القادسية ونهاوند فى القرن الأول الهجرى (٦٥١ ميلادية) اللتين انتصر فيهما العرب، لأول مرة فى التاريخ على الفُرس، ورغم دخول الإسلام وانتشاره فى إيران بعد المعركتين، إلا أن الإيرانيين لم يتعربوا، كما حدث مثلاً فى العِراق والشام ومصر والمغرب.. لماذا؟
لأن الفُرس يعتبرون أنفسهم آريين، والمُنحدرون من الجنس الآرى، مثلهم مثل الألمان، يعتبرون أنفسهم أكثر تميزاً وتفوقاً على جيرانهم العرب الساميين. لذلك تمسك الفُرس بلغتهم وثقافتهم، وتحالفوا مع أى أطراف أخرى ضد جيرانهم العرب، بما فى ذلك المغول، الذين أسقطوا آخر الممالك العربية فى بغداد عام ١٢٥٨ ميلادية.
هذا فضلاً عن عدم تقدير معظم المصريين، بمن فيهم كبار المسؤولين، لخطورة المشاريع الإيرانية للاختراق والسيطرة على دول الجِوار العربية فى الخليج وبلاد الشام. كما لا يشعر المصريون عامة لا بالتفوق ولا بالغطرسة الفارسية. ربما لأنهم أبعد جغرافياً، وربما لأنهم أنفسهم أصحاب ثقافة وتاريخ وحضارة أقدم من نظائرها الفارسية، وهى الحضارة الفرعونية. بل إن الإيرانيين الفُرس أنفسهم يُرددون أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا توجد بها إلا ثلاثة كيانات جيوسياسية، جديرة بالاحترام والمُعاملة الندّية، وهى: مصر وإيران وتركيا. أما بقية الكيانات فهى تكوينات قبلية بدائية، ترفع «أعلام دول»!، وهذا الادعاء هو انعكاس أمين للاستعلاء والغطرسة الفارسية، تجاه شعوب وبُلدان الجِوار العربية.
إن هذه الخلفية النفسية المجتمعية الفارسية، التى تشعر بها بُلدان الجِوار العربية، فضلاً عن مُمارسات الاختراق العسكرى ـ السياسى الإيرانى لخمس دول عربية، هى البحرين، والعِراق، واليمن، وسوريا، ولبنان ـ تجعل الإخوة الخليجيين، وخاصة فى السعودية، ذوى حساسية مُفرطة من أى تقارب مصرى مع إيران. ومن هنا حرّكت مُقابلة وزير الخارجية، سامح شُكرى، مع نظيره الإيرانى، جواد ظريف، على هامش الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، مخاوف الخليجيين، ثم ضاعف من هذه المخاوف تصويت مصر، فى مجلس الأمن، إلى جانب روسيا فى قرار يخص الشقيقة العربية سوريا، وذلك ضد المشيئة المُعلنة للسعودية وبقية بُلدان مجلس التعاون الخليجى، والتى لا ترى حلاً للحرب الأهلية السورية إلا بالتخلص من نظام بشار الأسد.
طبعاً، لا تدرك السعودية وبُلدان مجلس التعاون أن هناك ملفات عديدة لمصالح مصرية ـ روسية مشتركة، أهمها توريد السلاح المُتقدم، الذى لا تسمح به أمريكا لغير طفلتها المُدلّلة فى المنطقة، وهى إسرائيل. هذا فضلاً عن أن روسيا لأسباب جيوسياسية تتعاون مع إيران تعاوناً وثيقاً. وروسيا من جانبها تفعل ذلك لاعتبارات عديدة، منها بالطبع الوجود الإيرانى الراسخ المُمتد فى سوريا، وفى لبنان، من خلال حزب الله.
وهكذا، فإن المواطن المصرى العادى، لا يستطيع بسهولة أن يستوعب الغضب، أو العتاب السعودى، لمصر، وبمُبادرتها بإلغاء، أو تأجيل تنفيذ صفقة بترولية كان البلدان (مصر والسعودية) قد وقعاها منذ عدة شهور.
من جانب آخر، تنقسم مواقف النُخبة المصرية نحو السعودية إلى قسمين، أولهما يحمل ازدراء للسعودية، منذ العهد الناصرى، وكان يُمثله بامتياز، الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، والذى استمر من خلال جيل جديد يُمثله الصحفى النابه إبراهيم عيسى، وصحيفته المقال، فى الوقت الحاضر.
أما القسم الثانى من النُخبة، فهو الأكثر محبة ومودة للسعودية، بُحكم الوشائح التاريخية والروحية. ويستدعى أفراد هذا الجزء من النُخبة المصرية مواقف نبيلة لملوك السعودية فى لحظات تاريخية عصيبة مرت بها مصر. ربما كان أهمها موقف العاهل السعودى فيصل بن عبدالعزيز، فى أعقاب الهزيمة المصرية المروعة فى حرب يونيو ١٩٦٧. فرغم التوتر الشديد الذى كان قائماً بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر، بسبب الموقف من الثورة اليمنية (١٩٦٢)، إلا أن فيصل فى القمة العربية فى الخرطوم، فى أعقاب تلك الهزيمة، هو الذى بادر بالدعم المادى والمعنوى لمصر وسوريا والأردن لمواجهة تداعيات تلك الهزيمة، ولإعادة بناء قواتها المُسلحة للصمود والتحدى.
وموقف قريب من ذلك تكرر من عاهل سعودى آخر، فى لحظة تاريخية فاصلة أخرى قريبة، وهى ثورة يونيو ٢٠١٣، التى انتفض فيها الشعب المصرى ضد حُكم المُرشد، والرئيس الإخوانى محمد مرسى، حيث بادر العاهل السعودى عبدالله بن عبدالعزيز، بالتأييد والدعم للجيش المصرى الذى وقف مع تلك الانتفاضة.
مع استدعاء تلك الخلفيات المُضيئة فى العلاقات المصرية السعودية، والتى عبّر عنها أبلغ تعبير الكاتب الصحفى الكبير، مكرم محمد أحمد (الأهرام ١٤/١٠/٢٠١٦) فى مقال بعنوان «وقفة مع الشقيق السعودى.. لماذا بات ضرورياً تصحيح مسار العلاقات السعودية ـ المصرية؟».
وأظن أن ما جاء فى ذلك المقال العاتب يُصلح كجدول أعمال لحوار بين المُخلصين من أفراد النُخبتين المصرية والسعودية. وأنتهز بدورى دعوة كاتبنا الكبير، لكى يتبنى مركز ابن خلدون، أو مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مثل هذا الحِوار، خلال الشهور القليلة القادمة. فمثل هذه العلاقات الحيوية، أخطر من أن تُترك للهواة من نُشطاء الشبكات الإلكترونية، أو للسياسيين من أهل الكهف.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد،
وعلى الله قصد السبيل.

سر الحضارة.. الشباب والعدالة بقلم د. وسيم السيسى ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم


دعوة كريمة من رئاسة الجمهورية لحضور المؤتمر الوطنى الأول للشباب تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية بشرم الشيخ، كان عدد الشباب والشابات ثلاثة آلاف، كما كان عدد المدعوين من الوزراء والشخصيات العامة ثلاثمائة، الشباب هو من ١٨ سنة حتى الخامسة والثلاثين، كان الشباب كالغزلان، الشابات كالفراشات، قلت لنفسى: مصر بخير، لأن نسبة الشباب فيها ٦٥ بالمائة، إنهم ثروة مصر الغالية.
كان أمير الشعراء يتحسر على شبابه الضائع بكل ما فيه من سعادة وحب وإقبال على الحياة قال:
شيعت أحلامى بقلب باكِ
ولممت من طرق الملاح شباكى
وتركت أيام الشباب وعهده
أمشى مكانهما على الأشواك
وكان يعجب من انتحار الطلبة الذين رسبوا فى امتحان الثانوية العامة قال:
لم يُمتّع من صبا أيامه
ولياليه أصيل وسحر
تمنى الشيخ منه ساعة
بحجاب السمع أو نور البصر!
استقبلنا السيد الرئيس بالحب والتصفيق الحاد، نحس بأنه يعمل بأقصى ما فى جهده، تسلم مصر وفيروس سى يفتك بأكباد أبنائها.. اليوم أصبح تاريخاً، العشوائيات أربعون بالمائة.. اليوم مساكن آدمية برسوم تتراوح من ٣٠٠ إلى ١٠٠ جنيه! تعليم منهار، تطرف دينى مخيف، سيناء مرتع للحمساوية وبيت المقدس... إلخ، ما أشد عقوق بعض أبنائك يا مصر، إنه غياب الوعى بالحروب الصهيو أمريكية وأذنابها المعروفة داخل مصر وخارجها، اغتيال الملك فيصل بيد ابن أخيه، انقلاب الابن على أبيه فى قطر، وحين أرادت الإمارات حماية نظام الأب، وانطلقت طائراتها، جاءتها الأوامر الأمريكية بعدم التدخل، تمهيداً لقناة الجزيرة وأثرها المدمر على الأمة العربية!، إنهم لم يقرأوا كتب الصحفى الأمريكى الشجاع روبرت دريفوس: رهينة فى يد خومينى، والثانى: لعبة الشيطان.. دور أمريكا مع الجماعات الإسلامية لتخريب الدول العربية.
قاعات المؤتمر حوالى عشر قاعات، تعقد فيها الحوارات بين الشباب والمدعوين، بمتوسط عشرين ورشة عمل فى كل قاعة على مدى ثلاثة أيام، تحدثت فى برنامج صباح الخير يا مصر، قلت ما أشبه اليوم بالبارحة، قامت حضارة مصر على العدالة والشباب!، هذه الزراعات، والمعمار والحروب كلها لا تتم إلا بالشباب، حتى الرئيس كان يجرى فى ماراثون مع الشباب، إنه احتفال «حب سد» المصرى القديم الذى كان الملك يقوم به كل سنة لإثبات كفاءته الجسمية، إنها جينات حور محب المصرية مازالت تعمل فى أبنائها حتى الآن، كما كان الملك يذهب لمعبد ربة العدالة ماعت كل سنة ليؤكد لها أنه كان يحكم بالعدل. إن شعار المؤتمر: «أبدع انطلق»، ولا أقدر على الإبداع من الشباب، ذلك لأن تعريف الإبداع: الاستجابة المغايرة للأحداث، وهذه الاستجابة تعتمد على شيئين: ١- شجاعة مواجهة القديم ٢- الخروج عن المألوف وما تعود عليه الناس.
فى إحدى القاعات كانوا يناقشون: الفصحى والعامية فى العربية، تحدث رامى جلال عامر، كان مبدعاً كأبيه العظيم أستاذ جلال عامر، قال: إننا نترجم القرآن الكريم إلى لغات مختلفة، لماذا لا نترجم معانيه إلى العامية حتى يفهمه الناس إلى جانب حفظه؟!، قال البعض إن الفصحى ندرسها كلغة أجنبية وهى صعبة!. كان أحد الأسئلة: لماذا نعبر بالعامية عن أنفسنا؟، قلت ذلك لأن العامية هى لغة عموم الناس وليس عامة الناس، فالوزير يتحدث بها كالغفير كما أنها تتسع لآلاف الكلمات من لغات أخرى مثل المصرية القديمة والإنجليزية والفرنسية والإيطالية. إن سر قوة الإنجليزية أنها أخذت من كافة لغات العالم: العربية مثل سكر SUGAR، قطن COTTON قلوى ALKALI.. إلخ، فأصبحت اللغة العالمية الأولى، وسر تقدم الهند أن أطفالها يتحدثون الإنجليزية منذ طفولتهم المبكرة، يوم الخميس ناقش الشباب كتابى - مصر التى لا تعرفونها - على مدى ساعتين، وأنا سعيد جدا أن الشباب بدأ يعرف مصر التى كان لا يعرف عن تاريخها العظيم شيئا.

د. عماد جاد - قفزات نوعية (٢) - جريدة الوطن - 29/10/2016

على مدار ثلاثة أيام، ناقش المشاركون فى المؤتمر الوطنى الأول للشباب، جميع القضايا المثارة فى مصر من سياسية واقتصادية واجتماعية، جرت المناقشات فى أجواء ديمقراطية غير مسبوقة، شارك الشباب بقوة فى كل المناقشات، طرحوا أفكارهم بكل حرية، واندفاع وحماس أيضاً. كان الرئيس يختار الجلسات التى تناقش قضايا مثيرة للجدل، فقد شارك فى جلسات تناقش حرية الرأى والتعبير ودور وسائل الإعلام، الأحزاب والمشاركة السياسية للشباب، الهوية المصرية وتطوير الخطاب الدينى، الذى انتقل إلى الحديث عن تطوير الفكر والفقه. وشارك ممثلون عن الأزهر فى المناقشات، وطرحوا أفكاراً اشتبكت إيجابياً مع المناقشات. شارك الشيخ أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية وعضو مجلس النواب. وشارك الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، وطرح أفكاراً متطورة. أيضاً تم طرح موضوع الهوية المصرية، وماذا جرى لها وللمصريين، وجرت المناقشات بمشاركة ممثلين عن الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية، وقد ركز الجميع على القيم المشتركة بين الأديان، وثار جدل حاد بين من قال بتشوه الشخصية المصرية وفقدانها لمقوماتها الأساسية بفعل تغيّرات كثيرة بدأت مع هزيمة يونيو ١٩٦٧، وتعمّقت مع مجىء «السادات» فى بداية السبعينات، الأمر الذى أسفر عن حالة من التشدّد الفكرى الغريب عن الشخصية المصرية، وأن المطلوب اليوم هو استعادة الشخصية المصرية لسماتها الرئيسية التى شكلت على الدوام هوية مصر.
ومن بين الجلسات التى أثارت جدلاً شديداً، تلك التى تناولت قضية حال الإعلام المصرى، التى شهدت سجالاً تدخّل فيه الرئيس طارحاً رؤية موضوعية تحافظ على حرية الرأى والتعبير، وفى الوقت نفسه تُنهى الفوضى السائدة فى مجال الإعلام المرئى، وتطرّق الجدل إلى قضية حرية الإعلام والإعلاميين وضرورة الإفراج عن جميع المحبوسين فى قضايا الرأى، مثل إسلام بحيرى.
عكست المناقشات تنوعاً فى الرؤى، وطرح كل صاحب فكر وتوجه رأيه بكل حرية، دون خوف ودون رهبة، وفى حضور رئيس الجمهورية، وجاء ثراء المناقشات وجديتها من تنوّع الخلفيات الفكرية والسياسية للمشاركين، وهو أمر يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لم يستبعد أى فصيل فكرى أو سياسى من المشاركة، فقد شارك فى المؤتمر كل ألوان الطيف الفكرى والسياسى التى تقبل بفكرة الحوار البنّاء، وطبيعى أن من لا يُؤمن بالحوار سبيلاً للتوافق وحل الخلافات، لا مكان له فى المؤتمر، أما كل من يؤمن بأن الحوار سبيل للتوافق أو هو أداة التحاور للوصول إلى حلول للخلافات القائمة، فقد وجهت له رئاسة الجمهورية دعوة للحضور، ومن غاب عن المشاركة فى المؤتمر من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، غاب بقرار ذاتى، هو من قرّر عدم المشاركة، وأعلن مقاطعته للمؤتمر، أى قاطع حواراً دعا إليه رئيس الجمهورية، وللأسف الشديد فإن من بين من رفض الحضور أحزاباً سياسية صغيرة، لها نواب فى البرلمان، منهم من قاطع، لأنه عاش ويعيش فى صورة المناضل الذى يقول دائماً: لا، ولا يصح أن يشارك فى عمل إيجابى بنّاء، يُظهره بمظهر التوافق مع السلطة والنظام، ففى ذلك خيانة لتاريخه النضالى، ومنهم من قاطع، لأن شباب حزبه ضغطوا عليه، ومن ثم قاطع، نزولاً على رغبة الشباب، ومن ثم لا يستحق أن يكون سياسياً، وقد التقيت شخصياً خلال المؤتمر بشباب من تيارات قاطعت قياداتها المؤتمر، كانوا فى غاية السعادة بالمشاركة، وفى الوقت نفسه فى غاية الحزن من الحملات غير اللائقة التى شنّها عليهم شباب تيارهم الفكرى.
السؤال هنا: أيهما كان أفضل للقوى الصغيرة التى قاطعت المؤتمر، المشاركة والاشتباك الإيجابى لشباب هذه القوى مع الشباب المشارك من مختلف التيارات السياسية المصرية وأقاليم الدولة المصرية، والاشتراك فى المناقشات وطرح ما لديهم من رؤى وأفكار فى حضور السيد رئيس الجمهورية، والاستفادة من خيرة عقول مصر فى كل المجالات، أم الاستمرار فى مسيرة أن غاية النضال هى قول «لا» لكل ما تطرحه السلطة؟
وللحديث بقية..

خالد منتصر - حكايات إخوانية للذكرى - جريدة الوطن - 29/10/2016

نحن أقدم حضارة وأضعف ذاكرة، فنحن لدينا ذاكرة السمك، لا نتذكر إلا ما يحدث الآن واليوم، بل لا نتذكر إلا ما حدث منذ ساعة، لذلك لا بد من فتح صفحات التاريخ كلما تحدث شخص من باعة مبادرات المصالحة، لذلك قمت باستفزاز ذاكرة الأستاذ ثروت الخرباوى المنشق عن الإخوان ليحكى ما خفى عن الناس، أدهشنى الأستاذ ثروت بالحكايات والقصص التى لم تنشر والتى ليست متداولة وغير مكتوبة فى الكتب المؤرخة للإخوان ومن بعدهم حركات الإسلام السياسى التى خرجت من رحمهم، كل حكاية لها دلالة لا بد أن نستوعبها، الحكاية الأولى حتى لا نندهش لماذا يستبيح الداعشيون أجساد أعدائهم ويلعبون بجماجمهم الكرة، حكى الخرباوى أن طلبة الطب من الإخوان، الذين كانوا يحرمون التشريح، لكنهم كانوا مضطرين من أجل اجتياز الامتحانات أن يدرسوا التشريح، لذلك كانوا يوصون نباشى القبور أن يأتوا لهم بجثث المسيحيين حتى يشرحوها ولا يحسوا بالذنب، ففى رأيهم أن تشريح جثث المسيحيين حلال وأجساد المسلمين تشريحها حرام، لكن بالطبع بتعريف المسلمين الطبعة الإخوانية سيصير تشريح جثة المسلم غير الإخوانى حلالاً ولا يظل مستعصياً على التشريح إلا الإخوانى عضو الجماعة ويمكن أن يقصروها على أعضاء مكتب الإرشاد فقط!!
الحكاية الثانية لكى نفهم كيف يشجع الإخوان منتخب كرة منافساً لمنتخبنا الوطنى ويرقصون فى الشوارع عندما ينهزم منتخبنا الوطنى!! قصة قديمة منذ زمن سجون عبدالناصر وقصة حديثة من زمن آخر كأس عالم وصلنا إليه، عندما طلب اليساريون فى السجن أن يعملوا دورى كرة قدم واقترحوا أن تكون أولى المباريات مع الإخوان، رفض الإخوان وقالوا لهم أنتم لستم أهل كتاب، فضحك رفعت السعيد كما روى الخرباوى وقال له ما ماركس ألف كتاب!! على سبيل الهزار، لكن المأساوى فى القصة هو أن الإخوان شجعوا فريق اليهود الذى لعب معه الماركسيون الذين هُزموا بتسعة أهداف مقابل هدف واحد!! وعلى هامش القصة كان سبب الهزيمة الراحل الجميل سعد هجرس الذى كان حارس المرمى الذى لم يصد ولم يرد، أما القصة الثانية المتعلقة بالكرة فهى أن الإخوان كانوا يوصون شبابهم بعدم تشجيع منتخبنا فى كأس العالم بحجة أن هذا يقوى النظام ويجب أن نشجع الخصم حتى يسقط النظام غير الإسلامى وتقوم الخلافة!!
الحكاية الثالثة على لسان الخرباوى هى عن الكذب بما يسمى المعاريض، وهى الكلمة التى تحتمل معنيين، على سبيل المثال ولأن الجمارك حرام من وجهة نظرهم، فقد كان سليم العوا عندما يسأله موظف الجمرك عما معه مما يستحق الجمارك كان رده مافيش معايا حاجة دى أشيائى!
حكايات الإخوان لا تنتهى وذاكرتنا السمكية التى يتبخر فيها فعل القتلة ويتم نسيان أطفال تم إلقاؤهم من فوق السطوح وجنود قتلوا وهم يستعدون للصلاة أو وهم يبدأون إفطار المغرب فى رمضان، ينسى الضباط الذين تم حرق أجوافهم بماء النار حين طلبوا إرواء ظمئهم، ينسى العمال المسيحيون الذين ذُبحوا بدم بارد فى ليبيا، إنهم قوم يستعصون على التوبة وتستعصى التوبة عليهم.

خالد منتصر - هل يجوز أن يكون فى المسجد مسرح وجيم؟! - جريدة الوطن - 27/10/2016

يتم بناء الآلاف من المساجد كل عام فى كل أنحاء مصر المحروسة من الإسكندرية حتى أسوان، وكان لا بد أن نتوقع مع كل هذا الكم من المساجد والجوامع والزوايا انعكاساً على رقى الأخلاق والسلوك، كان متوقعاً ارتفاع فى حساسية رادار الضمير واتجاه بوصلته نحو الخير والحق، لكن هذا كله لم يحدث للأسف، نرى من يهرول إلى وزارة الأوقاف أو إلى الأزهر ليتبرع بالفدان اللى حيلته ليبنى عليه جامعاً أو معهداً أزهرياً لقريته وعندما تطلب من نفس الشخص تبرعاً عشرة جنيهات لبناء وحدة صحية أو تطوير مدرسة تجده يزوغ ويتعلل بضيق ذات اليد، الكثيرون ممن بنوا زوايا أسفل عماراتهم كانوا يريدون الاستفادة من الإعفاءات ومن تخفيضات المياه والكهرباء تحت شعار (الزاوية دى بيت ربنا)، هذا الشعار كان يقوله مالك العمارة للضرائب لكنه بعيداً عن التعامل مع الضرائب حين يتعامل مع السكان يمارس أقسى أنواع السادية وخراب الذمة وقلة الضمير!، أما زوايا المؤسسات والهيئات الحكومية التى فى كل دور وأمام كل سلم فإنها لم تنعكس بمثقال ذرة على سلوكيات الموظفين الكسالى والموظفات المتجهمات والسعاة المرتشين!، ألم يحن الوقت لنفكر خارج الصندوق ونستغل كل هذا الكم من المساجد العظيمة للارتقاء الروحى والجسدى والنفسى والعقلى للمسلمين، وبجانب الصلاة وهى مهمة أصلية وأصيلة للمساجد تكون هناك مهام أخرى تصب فى نفس المصب الروحى والأخلاقى، وعندما يصرخ معترض بأن المساجد للصلاة فقط، أرد عليه قائلاً اشمعنى بتعمل مستوصف وسمحت بعيادات للكشف فى الجامع وترفض أن يكون هناك مسرح أو جيم (صالة ألعاب رياضية وتمرينات لياقة بدنية)!!، هل لأن المستوصف أو المركز الطبى يمنحك مكاسب سياسية أثناء الانتخابات ويؤهلك للسيطرة على الشارع؟، إنه السبب الحقيقى وراء لجوء كثير من المساجد التى يسيطر عليها السلفيون والإخوان لإنشاء مستوصفات، أليس المسرح ارتقاء بالروح والنفس؟، أليس «الجيم» لتشكيل جسد سليم صحى؟، هل نزل نص صريح سماوى بشكل المسجد وتكوينه وطريقة بنائه؟، طبعاً سنسمع هجوماً وسباباً وشتيمة وتكفيراً من قبيل واغوثاه يريدونها دعارة وفجوراً وفسقاً، الحقونا سيحولون المساجد لكباريهات.... الخ، نفس الطريقة الممجوجة المملة فى الهجوم عندما نتحدث عن النقاب تجدهم يصرخون عايزين الستات يمشوا عرايا فى الشوارع!!، عندما تذكر حرية العقيدة تجدهم يجعرون بأعلى طبقة وتون فى الحنجرة هؤلاء الملاحدة يريدون حرق المصحف وتزويج الرجال من بعضهم ونشر الشذوذ!!.... الى آخر هذه المغالطات من مدمنى الكذب وسماسرة الدين، السؤال أليست قراءة الشيخ عبدالباسط ومحمد رفعت للقرآن هى مزج لفن الموسيقى والمقامات بالتلاوة؟، إنه الدين عندما يتشرب بإيقاع الفن وإنه الفن عندما يصطبغ بروحانية الدين، أليس أداء الشيخ الشعراوى المؤثر ووصوله إلى قلوب الناس بسرعة وقوة، أليس هذا بسبب الأداء المتشبع بروح المسرح؟، فالكثير من قبله كانوا يتحدثون بنفس كلامه وربما أقوى ولكنهم كانوا أصحاب إيقاع واقع فى الكلام «مونوتون» يثير النوم، لذلك كانت قوة الأداء المسرحى جسراً لنجاحه، إن دعوتنا للمسرح ليست دعوة إلى البورنو!!، ودعوتنا إلى الجيم ليست دعوة للبلطجة!!، لكنها دعوة لمجتمع جديد يفكر بطريقة جديدة ومختلفة.

Wednesday, October 26, 2016

خالد منتصر - خطبة الجمعة من الذى سرقها دينياً وسوَّقها سياسياً؟ - جريدة الوطن - 26/10/2016

كل معارك التنوير ستفشل وتتحطم على صخرة المتاجرين بخطبة الجمعة، فمهما فعل أهل التنوير وفعلت الحكومة وجاهدت وزارة الثقافة وعقدت مؤتمرات ثقافية.. إلخ، لن يؤثر ذلك على تغيير الوعى الجمعى المصرى إلا كما يؤثر خدش قلم رصاص على حجر جرانيت، ذلك لأن هناك على الجانب الآخر من الشاطئ مائة ألف منبر أسبوعى تلقى عليها خطب ذات اتجاه سياسى مخلوط بوجهة نظر سلفية وهابية تعتمد على اجترار تراث مضاد للعلم، إلا من رحم ربى وهم قلة قليلة نادرة من الخطباء ممن يلتزمون بغرض خطبة الجمعة الأساسى وهو الذكر، هذا هو الغرض الأساسى كما فهمته من فقيه لا يحجب معلومة لتحقيق غرض، فقد جمعتنى ندوة فى مؤسسة الأهرام بصديقى د. سعد الدين الهلالى الفقيه المستنير الذى عرض وجهة النظر تلك وهاجم الاستغلال السياسى لخطبة الجمعة، هذا ملخص ما قاله أكتبه لتعميم الفائدة، قال د. سعد:
قال تعالى فى كتابه العزيز: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، وتفسير هذه الآية الكريمة يوضح أن صلاة الجمعة ذِكْر وليست صلاة وعلماً بنص القرآن الكريم، والذكر هو ذكر الله عز وجل، أما العلم فيحتاج إلى مناقشة وللعلم أماكن ومحاريب يقوم من خلالها الدارس بتلقى العلم، والأستاذ يلقى معلومات للدارسين ولو كان الدارس لا يتمكن من مناقشة أستاذه فهذا يسمى تلقيناً وتحشيداً، والعلم فيه إقناع ومناقشة عكس الحشد والتلقين فهل خطبة الجمعة ذكر أم أنها علم؟ كل الخطباء يقولون لا يجوز للعلماء مناقشة خطيبهم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جعلنا خطبة الجمعة علماً، والعلماء مصرون أن تكون علماً، فلابد أن يسمحوا للمصلين بمناقشتهم، لكن النص القرآنى يقول إن خطبة الجمعة ذِكر، وهنا يجب أن أقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الجمعة فى المدينة المنورة 10 سنوات وكل سنة فيها 52 خطبة جمعة، إذاً عدد الجمع التى خطبها الرسول تقريباً 520 خطبة، والمفاجأة أنه لم يرد لنا من أى كتاب من كتب السنة أى شىء عن هذه الخطب رغم أن الصحابة كانوا أمناء فى نقل كل شىء عن الرسول، فهذا مؤشر أن خطبة الجمعة ذِكر وليست علماً. وبعض الروايات تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة من القرآن. والفقيه الأول تاريخياً «أبوحنيفة» قال إن خطبة الجمعة جملة ذكر واحدة مثل الحمد لله، الله أكبر، سبحان الله، أما الإمام «مالك» فقال إن خطبة الجمعة تكتمل بجملتين لا ثالث لهما مثل أن يقول الخطيب (اتقوا الله وأطيعوه فيما أمر وانتهوا عما نهى وزجر) هكذا اكتملت الخطبة عند الإمام مالك، وباقى الفقهاء قال خطبة الجمعة خمس جمل؛ الأولى: الحمد لله، والثانية: الصلاة على الرسول، والثالثة: اتقوا الله، والرابعة: ذكر آية من القرآن ولو أصغر آية، والخامسة: دعاء للمؤمنين مثل اللهم اغفر للمؤمنين. وتحولت إلى علم منذ عصر الدولة الأموية خاصة الحجاج بن يوسف الثقفى.
انتهى كلام د. سعد الهلالى وبقيت إجابة السؤال معلقة: مَن الذى سرق خطبة الجمعة وسوّقها سياسياً؟!.

د. عماد جاد - ألاعيب إخوانية - جريدة الوطن - 26/10/2016

يلجأ الإخوانى من رأس الجماعة إلى أصغر عضو قاعدى، إلى أساليب متعارَف عليها بين الجماعة، ومتفق عليها فى ما بينهم من أجل تحقيق ما تصبو إليه، وهى أساليب يُدرّب عليها الإخوانى منذ صغره، ويُتقنها تماماً إلى الدرجة التى تجعلك بعد معايشة واحتكاك مباشر، أو حتى متابعة فى وسائل الإعلام، تتعرّف على الإخوانى من المفردات اللغوية التى يستخدمها والرسالة التى يريد إيصالها وطريقة التفكير، الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وبما أنهم يتصوّرون أن غايتهم مشروعة فلا ضير من استخدام الكذب والغش والخداع والتضليل، يُكفّرون «مكيافيللى» ويُنفذون مبدأه الأساسى، وهو «الغاية تبرر الوسيلة»، ويحفظون عن ظهر قلب كل النصائح التى قدمها لـ«الأمير». فمن ناحية هناك رسالة يجرى تعميمها، ومن ثم يكون التكليف بترديدها وترويجها دون كلل أو ملل، يجرى ترديد الرواية دون تفكير أو تأمل، فالتكليف هو ترديد الرواية والوصول بها إلى عوام الناس وبسطائهم. وقد وضحت هذه الأساليب خلال سنة حكم الجماعة، ومن قبيل ذلك ترديد أكذوبة أنهم «ثوار أحرار»، وأن غايتهم مصالح الناس البسطاء، ورددوا خلال هذه السنة مجموعة من الأكاذيب، منها أن جميع ضحايا «الاتحادية» من جماعة الإخوان، قالها المرشد العام وسار خلفه «الإخوان» وصار يُرددها كل أعضاء الجماعة، حتى بعد كشف زيفها. أيضاً جرى ترديد روايات هى محض أكاذيب، مثل رواية أن المسيحيين يُشكلون غالبية متظاهرى «الاتحادية»، أو أن جبهة الإنقاذ خططت لاختطاف «مرسى» وإخفائه، ثم الادعاء أنه هرب إلى قطر، جرى ترديد هذه الروايات بهدف إقناع بسطاء المصريين ودغدغة المشاعر الدينية للعامة، دون توقف، أمام زيف الرواية، أو ما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات كارثية على الوطن. كانت ولا تزال لديهم ناحية الفرق الإلكترونية المدرّبة تدريباً جيداً على ترويج روايات الجماعة بطرق شتى وأساليب متنوعة والهجوم على من يُفنّدها أو يناقشها بالعقل والمنطق، حملة قاسية تتضمّن عبارات السب والقذف وأبشع الألفاظ بحق المختلف فى الرأى، أو حتى من يناقش الرواية ويُفككها قبل أن يُفندها. ثم تأتى بعد ذلك مهام خلايا «الإخوان» النائمة، فتبدأ هذه الخلايا فى التحرك وتسعى إلى دعم روايات الجماعة ومقولاتها من منطلق أنها تحمل آراء مستقلة لا علاقة لها بالجماعة، ومن ثم تعرف خلايا الإخوان النائمة من عبارة «أنا لست إخوانياً، لكن ....»، «أنا لا أنتمى إلى الجماعة ولكن ....»، «أنا رجل حرفى مهنى، قانونى، متخصص فى القانون الدستورى وغير منتمٍ حزبياً، أنا أستاذ جامعى أقوم بتدريس مادة القانون الدستورى ولا صلة لى بالجماعة»، كل هذه العبارات تكشف لك خلايا «الإخوان» النائمة التى كانت مهمتها الاستيقاظ فى لحظة ما تُحدّدها الجماعة والقيام بمهمة تبنى أو الدفاع عن أفكار الجماعة من خارج الجماعة، ورغم هذه الألاعيب والمناورات لم يعد صعباً كشف خلايا الجماعة النائمة، التى حان وقت استيقاظها ونشاطها لخدمة الجماعة فى مرحلة التمكين. أيضاً من ألاعيب الجماعة تجنيد أعداد هائلة من المحامين، بهدف رفع دعاوى على المخالفين للجماعة ومنتقديها أو من تتصوّر الجماعة أنهم يقفون فى وجه عملية التمكين، يتحرّك جيش المحامين لرفع دعاوى فى محافظات مختلفة من أجل إرهاق المدعى عليهم، وهو أمر اتسع نطاقه بعد تعيين نائب عام خصوصى للجماعة، فالرجل تجاوب مع دعوى رفعها محامٍ اتهم فيها «البرادعى» و«صباحى» وعمرو موسى بالتخطيط لقلب نظام الحكم، ورغم أن مقيم الدعوى ليس لديه دليل واحد على ما يقول ويدعى، فإن النائب العام تجاوب معه وانتدب قاضياً للتحقيق، وجاء التراجع من جانب مقيم الدعوى الذى قدّم طلباً للنائب العام بتأجيل التحقيق إلى حين جمع أدلة على ما يدّعى، ثم قال الرجل بعد ذلك إنه تنازل عن الدعوى من أجل المصالحة الوطنية.
وما إن أسقط الشعب المصرى حكم المرشد والجماعة، حتى كشفت الجماعة عن وجهها الحقيقى من أنها جماعة إرهابية، بل هى التنظيم الأم لكل الجماعات الإرهابية، وهو ما عبّر عنه محمد البلتاجى عندما قال بوضوح وصراحة وبطريقة مباشرة إن الإرهاب الذى انفجر فى وجه المصريين داخل البلاد وفى شمال سيناء سوف يتوقف فى اللحظة التى «يتراجع فيها السيسى عن الانقلاب». وتواصل عناصر الجماعة الهاربة التحريض على البلاد ومؤسساتها، يشمتون فى سقوط شهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة، يحتفلون بالدماء، ويرقصون على رائحتها، اليوم يعاودون المحاولة ببث رسائل غير مباشرة تحاول استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد من أجل خداع المصريين من جديد ودعوتهم إلى الخروج ضد النظام فى ١١ نوفمبر المقبل، يدّعون التعاطف مع الفقراء والبسطاء، فى محاولة لتكرار تجربة خداع المصريين من جديد، وهى محاولة بائسة وفاشلة، فالشعب المصرى قد يئن من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، قد يُعبّر عن آلامه، لكنه يعشق تراب وطنه ويعمل على حفظ أمنه واستقراره، ومن ثم لن تنطلى ألاعيب «الإخوان» على المصريين، وكلنا ثقة فى بدء عملية إصلاح اقتصادى حقيقى عبر الاستعانة بالخبرات المصرية المشهود لها عالمياً، من أجل وضع برنامج إصلاحى جذرى مع الأخذ فى الاعتبار تحمّل الفئات القادرة الثمن الأكبر لهذه العملية حتى تبدأ مرحلة جديدة تأخذ بلدنا إلى الأمام وتعالج أخطاء المرحلة السابقة.

Tuesday, October 25, 2016

رحلة قصيرة إلى الولايات المتحدة بقلم د. محمد أبوالغار ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٦ - المصرى اليوم

بعيداً عن السياسة والاقتصاد، ذهبت فى الأسبوع الماضى لحضور مؤتمر الجمعية الأمريكية للخصوبة وأطفال الأنابيب وألقيت محاضرتين ورأست ورشة عمل استمرت يوماً كاملاً. أنا مواظب على حضور هذا المؤتمر سنوياً منذ أكثر من ربع قرن والمؤتمر يقام فى مدينة أمريكية مختلفة كل عام، وقد حضر عدد من الزملاء أخصائى الخصوبة فى مصر وبعض الدول العربية، منهم الطبيب المصرى خالد ذهنى الذى يعمل فى كندا وأعطانى روايته سيزيرين (العملية القيصرية) وكتبت بالعربية وكتب مقدمتها د. محمد المخزنجى.
أقيم المؤتمر هذا العام فى مدينة مختلفة وهى سولت ليك سيتى، وهى مدينة صغيرة تعدادها مليون نسمة فى ولاية من أصغر الولايات وهى ولاية يوتا، وتعدادها ثلاثة ملايين نسمة وموجودة فى منطقة رملية صخرية بها جبال عالية وفى الشتاء تكون إحدى المناطق المفضلة للتزحلق على الجليد، وأقيمت الدورة الأولمبية الشتوية هناك.
أهم ما يميز هذه الولاية أنها موطن أغلبية من المورمون «Mormons» وهذه الديانة هى انشقاق عن المسيحية فى عام ١٨٢٠ بواسطة جوزيف سميث ويقدر عدد المورمون فى العالم حوالى ١٢ مليون نسمة أكثر من نصفهم بعيشون فى الولايات المتحدة وهم يحرمون الخمر والسجائر والقهوة والشاى. وعند بداية تجمعهم فى شرق الولايات المتحدة كانت الديانة تسمح بتعدد الزوجات وبصعوبة، وبعد عدة سنوات رضخ المورمون لقانون الولايات المتحدة بعدم السماح بتعدد الزوجات وتحت ضغط الاضطهاد فى منتصف القرن التاسع عشر بدأت هجرة جماعية ناحية الغرب وتوقفوا فى المناطق الواقعة شرق كاليفورنيا وأسسوا معبدهم الضخم. وقد زرت المعبد مع أصدقاء مصريين، والظاهرة الأولى أن كل شىء به فخامة، وعلمت أن كثيرا منهم من الأغنياء وقد خاض أحدهم وهو مت رومنى انتخابات الرئاسة أمام أوباما ولم يوفق.
هذه الطائفة لها كتاب دينى اسمه المورمون، وهناك مسرحية تعرض فى لندن ونيويورك من سنوات اسمها «كتاب المورمون» وتهتم هذه الطائفة بالتبشير وخاصة فى أمريكا الجنوبية.
و استمعت إلى مناظرة بين هيلارى كلينتون وترامب وكنت قد شاهدت أجزاء من المناظرتين السابقتين فى مصر. أنا أعلم أن الكثير من المصريين وجزءا هاما من القيادة السياسية يرغب فى نجاح ترامب وتعليقى على المناظرة هو:
١. احتمال نجاح ترامب بعيد جداً وأتوقع نجاح هيلارى باكتساح، فبالإضافة إلى نجاحها فى مناطق الديمقراطيين المعروفة مثل نيويورك وكاليفورنيا فإحساسى أنها سوف تفوز فى ولايات جمهورية أيضاً.
٢. معظم زملائى من الأطباء الأمريكيين وهم تقليدياً ينتخبون الحزب الجمهورى قد انقسموا هذا العام والأغلبية سوف تنتخب هيلارى. أما الأطباء الأمريكيون من أصل مصرى فمنهم نسبة كبيرة سوف تنتخب ترامب.
٣. هيلارى كلينتون سوف تأخذ معظم أصوات السود والأمريكيين من أصل لاتينى والمسلمين وكثير من الفنانين، هوليوود كلها معها. ومعظم اليهود وهم عادة ينتخبون الديمقراطيين وسوف ينتخب معظمهم هيلارى. المرأة قوة مؤثرة فى الانتخابات الأمريكية وهناك احتمال أن يفقد ترامب جزءا من أصوات النساء.
٤. استطاعت هيلارى أن تجمع أموالاً طائلة من أكبر رجال الأعمال فى أمريكا وهذه المبالغ سوف تساعدها على النجاح.
٥. غلبت الوقاحة وقلة الأدب لأول مرة فى تاريخ أمريكا على انتخابات الرئيس. وتبادل المرشحان ألفاظاً لا تليق وخاصة دونالد ترامب. ومن أسباب ضعف ترامب تاريخه السيئ فى معاملته للناس وخاصة النساء بالإضافة إلى عدم إعلان موقفه الضريبى وهو أمر يتم إعلانه من جميع المرشحين منذ أكثر من نصف قرن، ويبدو أن النظام الضرائبى الأمريكى الذى تغير جذرياً فى عهد الرئيس ريجان وتأكد فى عهد بوش أتاح الفرصة لكبار رجال الأعمال بعدم دفع ضرائب بطرق قانونية وهو ما فعله ترامب.
٦. لا أعتقد أن موقف أمريكا من مصر سوف يتغير بتغير نتيجة الانتخابات لأن المؤسسات الأمريكية هى التى تضع سياسة ثابتة والرئيس يمكنه تعديلها فى حدود ضيقة.
٧. الشعب الأمريكى عنده مشكلة كبيرة جداً فى التعامل مع الصين التى أصبحت صاحبة ثانى اقتصاد فى العالم بعد أمريكا. أمريكا تريد اقتصاداً مفتوحاً مبنيا على المنافسة وهى فلسفة الرأسمالية الأمريكية منذ نشأتها، وفى نفس الوقت أصبح واضحاً أن أمريكا غير قادرة على منافسة الصين فى مجالات كثيرة وهناك مشكلة عند واضع السياسة الأمريكية هل يتخلى النظام عن الرأسمالية المبنية على المنافسة أم يتدخل فى الاقتصاد ليدافع عن المنتج الأمريكى.
٨. أمريكا التى زرتها عشرات المرات منذ أوائل السبعينيات قد تغيرت كثيراً فلم تصبح سيطرة الرجل الأبيض كاملة سياسياً واقتصادياً لأسباب مختلفة وبينما كانت أمريكا هى الدولة الأعظم بدون منافسة أصبح لها منافسون أقوياء.
أخيراً العالم يتغير وعلى مصر أن تتغير لتستطيع المنافسة والخروج من المستنقع وهذا أمر فى أيدى المصريين وقيادتهم السياسية ولا يوجد حقيقة ما يسمى بأهل الشر أو المؤامرة الدولية على مصر. المؤامرة هى عدم قدرتنا على النهوض اقتصادياً وسياسياً فى عالمنا الحالى.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك..

الدكتور مراد وهبة المفكر الكبير فى حوار لـ«المصري اليوم»: «عبدالناصر» وراء تغلغل الإخوان فى المنظومة التعليمية (١-٢) - ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٦

تصوير- أدهم خورشيد
وهبه أثناء حواره لـ «المصرى اليوم»
انطلق حوارنا مع الفيلسوف الدكتور مراد وهبة من ثلاثة محاور، الشخصى، والسياسى والمعرفى، وكان الهدف تقديم قراءة منهجية، وتاريخية، ومعاصرة من منظوره للمشهد العربى الراهن، وما استجد عليه من أمور معقدة، وعصية على التفسير.
الدكتور وهبة أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، وعضو فى مجموعة من الأكاديميات والمنظمات الدولية، ومؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد، والتنوير فى ١٩٩٤، وورد اسمه فى موسوعة الشخصيات العالمية من بين الـ ٥٠٠ شخصية الأكثر شهرة فى العالم، كما أنه عضو فى عدة منظمات دولية، وأكاديمية وإنسانية وفلسفية، إضافة إلى المجلس الأعلى للثقافة.
للدكتور مراد وهبة العديد من الكتب التى أثرت فى الفلسفة المصرية والعالمية مثل «المذهب فى فلسفة برجسون» و«محاورات فلسفية فى موسكو» و«فلسفة الإبداع» و«مستقبل الأخلاق» و«جرثومة التخلف» و«ملاك الحقيقة المطلقة» و«الأصولية والعلمانية» وكلها تركز على العقلية العربية ومصادر تخلفها وتداعيات هذا التخلف.
وفى هذا اللقاء مع الفيلسوف المثير للجدل دوما لم يكن مفر من الجرأة والمكاشفة فى الأسئلة والإجابات، وبلا أى مواربة سواء تعلق الأمر ببعض المؤسسات المعرفية الرسمية أو بالأسماء المعروفة فى المشهدين السياسى والثقافى، أو بأفكار الدكتور مراد وهبة نفسه!، إنه حوار للعامة والخاصة معا فلا معنى لفكر أو فلسفة أو صحافة لا تقود إلى رفاهية الإنسان والأوطان فى النهاية.. وإلى نص الحوار:
■ أخذت الحركات «الأصولية» وأعلى مراحلها الإرهاب أشكالا مختلفة من عهد إلى آخر، فكيف ترصد وتحلل العلاقة بين الإخوان وجماعات الإسلام السياسى عموما وبين كل من عبدالناصر والسادات وصولا إلى مبارك؟
- أبدأ من النظام الملكى وأنا كنت ضده وكنت أتساءل: إذا كان الجيش مع الملك فكيف تقوم الثورة ضد الأوضاع القائمة آنذاك، التى كانت متأزمة، كما أن المثقفين كانوا منقسمين بين إخوان ويسار وشيوعيين وأصابنى الاكتئاب، فإذا بى أرى الثورة تقوم على يد الجيش. وقبل ١٩٥٢ أصدر كمال أتاتورك فى ١٩٢٤ قرارا بإلغاء الخلافة الإسلامية وبدأ حلم إحياء الخلافة يخايل كثيرين، منهم ملك مصر وأصدر على عبدالرازق كتابه «الإسلام وأصول الحكم» فى عام ١٩٢٥ اعتبر فيه الخلافة الإسلامية «وهما» وهذا الكتاب كان فى حقيقته تأييدا لكمال أتاتورك لمنع الخلافة فى مصر وكأنه كتب لمنع الخلافة الإسلامية فى مصر، وفى محاكمة عبدالرازق فإن هيئة كبار العلماء فى الأزهر بالإجماع صادرت الكتاب واتهمته بالكفر لأنه أنكر الخلافة الإسلامية وليس لأنه ينكر الإسلام.
■ وبعد يوليو ١٩٥٢؟
- فى عام ١٩٥٤ بعد ثورة يوليو كان الاحتكاك العنيف بين عبدالناصر والإخوان، وعبدالناصر كان عضوا فى «حدتو» الشيوعية وفى جماعة الإخوان أيضا، وكان رأيى أنه كان يحاول فهم الاثنين لتحقيق توليفة ثورية ووطنية، وكان لى قريب مدرس لغة إنجليزية كان يدرس اللغة الانجليزية لعبدالناصر فى مدرسة النهضة بالفجالة كان يناقشه فى الكثير من الأمور السياسية، كما كان زعيما لطلبة المدرسة وبعد الثورة بأسبوعين سألنى قريبى هذا (فكرى إبراهيم) من قام بالثورة؟ فقلت محمد نجيب، فقال لى: «لأ وإنما عبدالناصر»، فقلت لماذا؟، فقال: «لأننى قابلته قبل الثورة بأيام فى سوق روض الفرج وسألته إزى الحال فقال له ناصر قريبا ستسمع أخبارا جيدة».
■ أنت قلت ما معناه أن عبدالناصر لم يختلف إسلاميا وفكريا مع الإخوان إنما اختلف مع تطلعاتهم السياسية؟
- الصدام الحقيقى بين ناصر والإخوان بدأ بين عبدالرازق السنهورى باشا الحاصل على الدكتوراه من السوربون فى الخلافة الإسلامية، ولما أنشئت الجامعة العربية قال السنهورى «سموها الجامعة العربية فليكن ولكن جذورها إسلامية»، فكان الاحتكاك العنيف بين ناصر والسنهورى وأهين السنهورى، وظللت أرقب الموقف للتأكد من وجهة نظرى ففى ١٩٦١ قرأت كتابا بعنوان «الكنائس والتغير الاجتماعى السريع»، صادرا عن مجلس الكنائس العالمى ووجدت فيه تحريضا واضحا للأقباط للثورة على عبدالناصر بزعم أنه يضطهدهم، وأن الدعوة إلى القومية والتصنيع تؤدى إلى الكفر ومجلس الكنائس العالمى حصل على تمويل من روكفلر الرأسمالى الأمريكى بمليونين ونصف مليون دولار لإنجاز دراسة عن العالم الثالث، وقد هاجمت المجلس بعنف فيما يشبه النشرات أو المذكرات التى أصدرها لى الأب متى المسكين مما أحدث صداما بينه وبين الكنائس العالمية، واجتمع المجلس فى باريس وأرسل مذكرة لوزير الداخلية (آنذاك) زكريا محيى الدين شديدة اللهجة بسبب الهجوم على المجلس واستدعى عبدالناصر صحفيا مقربا منه وهو سامى داود ليطلب منه الذهاب لمقابلتى.
■ ماذا قال لك مندوب عبدالناصر وقتها؟
- سألنى لماذا فعلت هذا؟ وكان قد جاءنى قبل وصول تقرير من المخابرات لناصر. وأؤكد مجددا أن الخلاف بين ناصر والإخوان ليس فكريا فقد قابل ناصر الهضيبى مرشد الإخوان قبل الثورة بأسبوعين وطالبه الهضيبى بتأجيل الثورة حتى يتمكن الإخوان من التغلغل فى المنظومة التعليمية فقال له ناصر «إحنا مستعجلين ولكننى أعدك بتطبيق مبادئ الإخوان ومنهج الإخوان فى التعليم»، وكان هذا باديا فى عهد كمال الدين حسين ومن بعده السيد يوسف، وقرر كمال الدين حسين إلغاء مادة الفلسفة فى التعليم الثانوى، وعملت حملة ضده فى صفحة الأدب التى كنت أشرف عليها بجريدة وطنى وكتب فيها الأساتذة زكى نجيب محمود ويوسف مراد وعثمان أمين، وكتب عزيز ميرزا رئيس تحرير الجريدة افتتاحية يهاجم فيها القرار وبعد شهر ألغى ناصر قرار كمال الدين حسين وأعاد الفلسفة للدراسة. ولكن فى عام ١٩٦٤ كان هناك من يحكم بينما ناصر كان بعيداً عن التأثير الذى نتصوره.
■ كيف؟
-هناك حادثة وقعت فى ١٩٦٤ حيث قام شمس بدران من مكتبه بالإتصال تليفونياً بعبدالناصر وقاله له إنه يستطيع إقالته من الرئاسة وهو فى مكتبه لأن ناصر كان مصمما على التدخل فى ترقية الضباط العظام إلا أن شمس بدران وعبدالحكيم عامر اعترضا على هذا التدخل.
■ ألا تنطوى هذه القصة على كثير من المبالغة؟
- أقول إنه فى ١٩٦٥ أسس عبدالناصر التنظيم الطليعى ومجلة الطليعة وكان هو صاحب الامتياز فهل يعقل أن يكون رئيس دولة يصفه البعض بأنه ديكتاتور يلجأ لتأسيس مجلة ويمنع هيكل من مراقبة هذه المجلة وهى داخل الأهرام؟، وهل يمكن أن يكون ديكتاتورا و«يتفشكل منه» الاتحاد الاشتراكى فيؤسس تنظيما سريا؟، هذه الطريقة يقوم بها رجل خارج السلطة وليس رجلا على رأس السلطة مما يعنى أن ناصر فى تلك المرحلة كان خارج السلطة.
■ ألم تضع فى اعتبارك أن عبدالناصر كان «مدرس تكتيك» فى مدرسة الأركان، فهو مناور وقد لجأ للإخوان قبل إعلان الثورة كعمل تكتيكى ليأمن شرهم أكثر من كونه قريباً من أفكارهم؟
- نعم لكنه لم يكن ضد فكر الإخوان!
■ الأغلبية ترى أنه كان ضد فكر الإخوان وتنظيمهم بل انتقد سياقهم الفكرى فى أكثر من خطاب له، كما أنه لم يكن خارج السلطة بدليل إقالته لعامر وبدران وغيرهما؟
- مرة أخرى أرى أنه لم يكن فى السلطة بدليل تأسيسه للتنظيم والمجلة، وأنا فى المجلة عملت ملحقا مستقلا اسمه «الفلسفة والعلم» لتغيير الذهنية، وكتبت مقدمة فيها فقرة عن العلمانية فإذا بى أفاجأ برفع فقرة العلمانية بزعم أنها كان من شأنها أن تغلق المجلة مما يعنى أن النظام كان يعمل لحساب الإخوان والقوى المحافظة. لقد قال لى أستاذى فى علم النفس يوسف مراد بعد الثورة إن عبدالناصر قال له ستسافر إلى فرنسا لمعرفة الاختبارات التى يمكن إجراؤها لترقية الضباط العظام، وقبل سفره قال لى «ستكون معى فى هذه الاختبارات»، وسافر يوسف مراد لستة أشهر وعاد ووجد مكتبه مغلقا بالشمع الأحمر وظنى أن شمس بدران هو من قام بهذا ليظل مسيطرا على معايير الترقى، كما أن مشروع معهد الضباط العظام لم يتم إنشاؤه وحولوا يوسف مراد إلى لجنة تطهير ولكن تمت تبرئته. هذا دليل آخر على وجود ناصر- بمعنى من المعانى- خارج السلطة.
■ هناك فارق بين كونه يتحسب للتيار المحافظ وبين أنه عاجز بسبب سلطة الإخوان أو سلطة شمس بدران والدليل أنه اهتم كثيرا برأيك فى تطوير التعليم؟
- فى ١٩٦٩ كان أحمد بهاء الدين رئيس تحرير المصور وطلب منه جمال عبدالناصر فتح ملف عن التعليم، وطلب منه أن يجعلنى أشارك فى الملف وكتب بهاء الدين مقدمة ممتازة للملف واستمر الملف لمدة شهر، وبعد قليل صرت مستشارا سريا لعبدالناصر فى شأن التعليم وكان لى مكتب فى الرئاسة ويعرض علىّ ورق أبدى رأيا فيه ولكن لا أقابل أحدا!، لماذا سرى؟ وما الخطورة؟. كان ناصر قد قام بتعيينى فى معهد الدراسات الاشتراكية وقال لهم إن تعيينى بغرض تدريب الطلبة على طريقة التفكير الفلسفى. مدير المعهد الدكتور فوزى منصور وهو ماركسى متزمت قال «بدلا من تضييع الوقت فى إملاء المحاضرات الأفضل أن نقوم بطباعتها» وقد كان. إلا أن محاضراتى لم تطبع. وقال فوزى منصور لو طبعناها لتم إغلاق المعهد. مرة أخرى تأكدت من تغلغل الإخوان الذى وصل إلى هذا المعهد والتحكم فيه سرا.
■ أنت قلت إن فوزى منصور ماركسى متشدد فكيف استجاب لتحكم الإخوان؟
- ما رأيك أننى الوحيد فى اليسار الذى كنت أهاجم الإخوان فى عهد مبارك وكان جميع اليسار بأطيافه ضدى واتهمونى بأننى مصاب بفوبيا الإخوان، وحين أنشئ حزب التجمع ضم «إخوان» و«يسار» وماركسيين وقوميين ولم يعرض علىّ أن أكون عضواً به.
■ حزب العمل ومن قبله حزب الوفد عند التأسيس ضما عددا كبيرا من الكوادر الإخوانية وأيضا الأقباط؟
- نعم وهناك مركز أنشئ فى كاتدرائية الأنبا رويس كان يتردد عليه الإسلاميون من عينة الدكتور محمد عمارة وطارق البشرى وسليم العوا وكونوا مجموعة إسلامية داخل هذا المركز القبطى فيا للعجب!
■ الفكر المحافظ يتوافق مع بعضه البعض تماما مثل واقعة وفد كوبنهاجن حين وقف كادر حماسى ضدك وأيده حاخام أيضا.. لكن لنعد إلى ناصر والإخوان والتعليم؟
- أقول بدأ الوعى الأخير لعبد الناصر فى ١٩٧٠ عندما أيقن أن التعليم قد أصابه الانحطاط بسبب التخريب الإخوانى عندما تغلغلوا فيه وتملكوا منه.
لقد كان عبدالناصر يطلب من إسماعيل صبرى حين يسافر أن يشترى له كتبا معه وهو الذى عين إسماعيل صبرى مديرا لدار المعارف واختارنى إسماعيل صبرى مستشارا للدار وألفت كتاب «قصة الفلسفة» فقال المسؤول عن النشر «الأفضل أن تؤثر السلامة وتغير ما ورد فى هذا الكتاب» ورفضت إلا أن إسماعيل صبرى أصر على النشر فنشر.
■ السادات غازل الإسلاميين واستقوى بهم فى مواجهة خصومه ثم توحش الإخوان فى عهده فضلا عن التيارات التكفيرية وانتهى شهر العسل بمقتل السادات ذاته؟
- أريد أن أذكر نقطة مهمة تفسر موقف السادات، حين هاجمت مجلس الكنائس العالمى وبدأت أقرأ فوجدت أن جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكى، ألف كتابا بعنوان حرب أم سلام فى عام ١٩٥٠ قال فيه إن العدو الأساسى هو الحزب الشيوعى السوفيتى، وعلى وجه الدقة ستالين، وبالتالى علينا القضاء على ستالين والحزب الشيوعى بطريقتين الأولى تقديم معونات عسكرية واقتصادية، وهذه طريقة سلبية أما الطريقة الإيجابية فهى توحيد جميع القوى الدينية فى العالم ضد التيار الشيوعى، وتم تنفيذ ما جاء فى الكتاب بحذافيره، بدعوى أن الشيوعيين كفار وتم إنشاء المجلس العالمى للكنائس والمركز الإسلامى برئاسة سعيد رمضان، وهما موجودان فى جنيف بسويسرا فى مواجهة بعضهما، والتعاون تام بينهما وعقد اجتماع للمركزين فى لبنان فى ١٩٥٤ وكان فيه سعيد رمضان والأنبا صمويل أسقف الخدمات، وقررا تدريس مادة الدين كمادة أساسية، فالتحالف بين المؤسستين المسيحية والإسلامية بدأ فى ١٩٥٤ ثم اجتمعتا فى جنيف فى ١٩٦١ ما يؤيد القول بأن القوى الدينية ستلعب دورا رئيسيا فى مجريات الأمور على مستوى العالم واستثمار الغرب لهذا، وهذا دور مدعوم من أمريكا ولاحقا من دول أوروبية وعربية..
■ لنعد إلى السادات؟
- السادات دعا ١٠٠٠ أستاذ جامعى لاجتماع بالقاعة الكبرى بجامعة القاهرة وكان لايزال جديدا على مقعد الرئاسة وبحضور على صبرى وحسين الشافعى وكنت حاضرا، وإذا به يقول لنا: أنا أفكر فى الإفراج عن الإخوان المعتقلين وأريد رأيكم؟ وصمت على صبرى وحسين الشافعى، وكان ما يدور فى ذهن السادات مقدمة لما جاء بعد ذلك من إطلاق الوحش مبكرا.
■ تحدثت كثيراً عن تحالف الرأسمالية الطفيلية مع الإسلاميين لهزيمة المشروع التقدمى الناصرى.. ما دليلك على ذلك؟
- فى ١٩٧٦ دعيت من جامعة هارفارد لإجراء حوارات مع أساتذتها وهناك التقيت أستاذ اقتصاد خبيرا فى الاقتصاد المصرى. قلت له إنكم قمتم بشىء عجيب حينما جئتم إلى مصر بدلا من السوفييت دعمتم الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية وهى التى ضد الرأسمالية المستنيرة. والسؤال لماذا؟ فكان جوابه هذا الدعم كان مقصوداً لتدمير القطاع العام ثم تأسيس القطاع الخاص. وكان ردى على ذلك أن هذا الدعم سيفرز قيماً طفيلية لن تسمح بقيام قطاع خاص مستنير. وكان أحمد بهاء الدين قد وصف الانفتاح الاقتصادى الذى صدر بقرار من الرئيس السادات بأنه «سداح مداح» أما أنا فقد سككت مصطلح الرأسمالية الطفيلية، التى تعمل فى غير المشروع وفى غير الإنتاج وتتاجر فى السلاح والمخدرات والدعارة.. والسخرية هنا أن مدرس الألعاب الرياضية سامى على حسن كان فى قبضته اقتصاد البلد، وقد نبهت مرارا إلى هذا الخطر ووقفت بعنف ضد السادات ولهذا فصلنى من الجامعة، بدعوى أننى أفسد عقول الشباب، وأننى أخطر أستاذ فى الجامعات المصرية على النظام السياسى وكنت الوحيد فى كليات التربية الذى صدر ضده قرار بالفصل، ما يعنى أن كليات التربية محكومة بالإخوان.
■ هل كان الأمريكان يعرفون أن السادات سيؤيد تلك الخطة؟
- خذ هذه المفاجأة الخطيرة.. أثناء وجودى فى جامعة هارفارد فى ذلك العام دعيت إلى اجتماع مغلق كضيف شرف نظمه صحفى أمريكى شهير اسمه «شين» كان صديقا للأستاذ هيكل، وضم الاجتماع عشرين شخصا، وكان موضوع الندوة هو «السادات»، وكانت الأسئلة المطلوب الإجابة عنها هى على النحو الآتى: هل تفكيره غير علمى؟ وهل يمكن التنبؤ بما سيفعله؟ وهل هو متآمر مع الأمريكان أم الروس؟ أنا كنت أؤيده فى معاهدة السلام لكنى اكتشفت من هذا اللقاء وبعده أن النقطة المهمة فى حرب ٧٣ تكمن فى بداية تدمير الاتحاد السوفيتى.
■ تكاد تقول إن الحرب كانت تمثيلية مثلا؟
- لا.. لا أقصد هذا على الإطلاق إنما أقصد أن الحرب أدت إلى ما هو أبعد مدى من تحرير الأرض ذاتها، وأذكر أن السادات طلب من لطفى الخولى أن يسافر مع بعض أعضاء هيئة تحرير مجلة الطليعة إلى الاتحاد السوفيتى فى ١٩٧٤ لإعادة العلاقات ثم تأجل السفر إلى عام ١٩٧٥ وفى حينها قلت للطفى هذا أمر غير ممكن ولا يستقيم مع أسلوب طرد السوفييت، وعندما ذهبنا إلى موسكو واجتمعنا بالقيادات العليا قالوا لنا سلبيات لا تشى بالعودة، مثال ذلك: قال لنا المسؤولون عن الصحف، ومنهم رئيس تحرير كل من برافدا وازفستيا، إنهم تلقوا آلاف الرسائل من الشعب السوفيتى يطالبون فيها بإيقاف المعونات للعالم الثالث، متعللين بأنهم يتعرضون منهم للشتيمة والجوع. وقابلنا كبار القيادات والسياسيين وكان مدير معهد أفريقيا بلاييف والمستشار السوفيتى لمنطقة الشرق الأوسط قال إن السادات لن يحصل على شىء من أمريكا لكننا ننتظره فى المسقبل ما يعنى أننا سنتركه لفترة طويلة، وفى النهاية قابلنا السفير حافظ إسماعيل، سفير مصر لدى الاتحاد السوفيتى، فقلت له إن العلاقات انتهت ولن تعود فيما عارضنى زملائى فى الوفد وفى مقدمتهم لطفى الخولى إلا أن السفير قال لى: لو صدق تحليلك سأستقيل فورا وبالفعل استقال بعد أسابيع، ومن دهاء السادات أنه أتى بحافظ إسماعيل مستشارا للأمن القومى، وهو الذى قابل كيسنجر للتفاوض معه بعد حرب ١٩٧٣.
■ هل من تفسير منطقى لتحالف السادات مع الإسلاميين وهو فى النهاية رجل علمانى محب للحياة والغناء والطرب وغيرها من مظاهر الحياة؟
- حين تحالف السادات مع الإخوان كان يظن أنها مرحلة تكتيكية وتنتهى ولم يفطن إلى طبيعة فكر الإخوان الاختراقى، فالسادات لم يكن «غاوى» قراءة ولا يمكن لمن لا يقرأ أن يعرف الإخوان.. كان صبره ينفد من القراءة حتى إنه كان لا يقبل تقريرا أكثر من نصف صفحة.. لقد طلب مرة من الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله تقريرا عن الاقتصاد المصرى، فكتبه الرجل بعناية ودقة لكنه كان فى ٣٠ صفحة، فرماه السادات جانبا بحضور صاحبه، إذ لم يطق قراءته وطلب منه أن يعيد كتابته فى نصف صفحة. ولأنه لم يفهم فكر الإخوان ظن أنه بالتحالف معهم ضد الناصريين واليسار وضد خصومه سيخلو له المشهد ويصبح الطريق مفتوحا أمامهم للتغلغل فى مؤسسات الدولة والتعليم، ولم يدرك أن المسألة عندهم مسألة حياة أوموت.
■ حياة أو موت عند الجهاديين وليس الإخوان؟
- هما واحد، فقد أخبرنى المحامى أحمد مجاهد - نائب رئيس حزب العمل وقتذاك - أنه حينما ذهب ليدافع عن حسين عباس المتميز فى الرماية والذى أطلق الطلقة القاتلة على السادات فى المنصة علم منه أن الإسلامبولى ذهب إليه فى منزله، وقال له انت هاتروح الجنة لأنك ستقتل السادات، وقال المتهم لأحمد مجاهد: «هتدافع عنى ليه.. بدل الإعدام هاخد مؤبد مثلا؟ أنا مستعجل عايز أروح للحور العين فى الجنة». إذن لم يكن السادات دارسا لفكر الإخوان كما أنه هو من حرك المادة ٢ فى دستور ١٩٧١ القائلة بأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع
■ مسؤولية انتشار التيارات الأصولية والفكر الأصولى ومواجهتها مسؤولية جماعية فهى مسؤولية الثقافة والإعلام والتعليم ورغم كونك عضوا فى إحدى المؤسسات الثقافية الرسمية إلا أنك انتقدت النخبة المثقفة واتهمتها بالجمود والتقاعس وغياب تواصلها مع الشارع وعدم تجديد خطابها واتهمتها بالتواطؤ فلنتحدث عن هذا؟
- نعم لقد عينت فى لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة، اقترحت إقامة ندوة نناقش فيها كتاباً به أبحاث عن ابن رشد، فوافق أعضاء اللجنة وفوجئت بعد ذلك بثلاثة أعضاء ثائرين ضدى يطالبون بإلغاء الندوة، وهم أحمد أبوزيد، رئيس اللجنة وفؤاد زكريا وتلميذه محمود رجب وكانت جلسة عاصفة وقالوا إما التوافق على إلغاء الندوة أو نقيمها لساعتين فقط، لأن ابن رشد لا يستحق، واكتشفت أن الثلاثة معارون إلى الكويت أحمد أبوزيد رئيس تحرير مجلة عالم الفكر، وفؤاد زكريا مستشار هناك، وأيضا محمود رجب، فهل تلقوا تعليمات من التيار الإسلامى فى الكويت بإلغاء الندوة؟ ونشر فؤاد زكريا فى الأهرام تصريحين، وقال إن الذى أقام الندوة الخاصة بابن رشد فلان عنده سوء نية وإن ابن رشد فيلسوف عادى لا يستحق مهما يكن من أمر إلا أننى عقدت الندوة على النحو المطلوب وقلت هذا للدكتور جابر عصفور، أمين عام المجلس، وامتنعت عن حضور جلسات اللجنة ثلاث مرات متتالية ليتم فصلى وفصلونى، ولكننى لم أستقل، كان هذا عام ١٩٩٤.

خالد منتصر - تاجر القماش الذى عرَّى وكشف - جريدة الوطن - 25/10/2016

كل تجار القماش فى الدنيا مهمتهم أن يغطوا أجسادنا إلا هذا التاجر فهو الوحيد الذى كانت مهمته التعرية والكشف!!، إنه الهولندى أنطون فان ليفنهوك الذى عرى جهلنا وكشف قصورنا والذى احتفل «جوجل» بعيد ميلاده أمس، ليفنهوك المولود فى 24 أكتوبر 1632، فى القرن السابع عشر حيث يتوجه الجميع إلى الاكتشافات الكبرى الضخمة، إلى خارج مدينتهم الصغيرة حيث يبحرون إلى القارات المجهولة، خارج كوكبهم الضئيل حيث يراقبون السماء والنجوم، خارج محيط أجسادهم الواهنة حيث البحار والفلك والغابات والأحراش، قرر ليفنهوك أن يبحر عكس التيار ويغوص إلى الداخل حيث الأشياء الدقيقة، لم يبحث عن الضخم المرئى بل بحث عن الضئيل غير المرئى، هوايته فى جلخ الزجاج ودأبه الذى لم يتسرب إليه الملل يوماً ما وفضوله العاصف لاكتشاف الأسرار، جعلته يصنع نحو 400 عدسة مكبرة وحواملها وبالتباديل والتوافيق صنع الميكروسكوب الذى بلغت قوة تكبيره 270 مرة، هنا انفتح له باب الفردوس المفقود ولمست عصاه السحرية شفرة السر ولغز الحياة وعالم العلم الممتع، عاش تسعين سنة من الفضول المزمن، عرى جهلنا المقيم وكشف عن خرافاتنا المطبوعة كالوشم فى عقولنا المغروسة كأنياب الضبع فى أرواحنا، كنا نظن الأمراض من الجن والشياطين وكنا نظن الكائنات الدقيقة التى تسببها تتوالد تلقائياً، اكتشف الميكروب وقدم تفسيراً كان ثورة فى حينها حين رفض أن السوس يتوالد من الحبوب وأن يرقات الذباب تتوالد من اللحم أو الرمل.... إلخ، وأن هناك بويضات ودورة حياة منفصلة لتلك الكائنات، لم نكن نفهم ما هى مكونات قطرة الدم وقطرة الماء، جاء ليفنهوك بمجهره العجيب تتلبسه روح الفضول العلمى، يجرح نفسه ليشاهد قطرة الدم تحت الميكروسكوب، لم يخجل أن يراقب سائله المنوى حتى يشاهد كائناً جديداً لم يكن معروفاً من قبل وهو الحيوان المنوى وكشف كل أساطير وأوهام ما قيل عن طريقة الإخصاب والتلقيح، أصابه جنون اكتشاف كل ما تطاله يداه، شعر الإنسان.. قطرات الدم وقطرات الماء.. أجنحة وسيقان الحشرات والأنسجة الجلدية والعضلية، اللعاب والمخاط والمنى، أوراق النباتات وفضلات المستنقعات.... إلخ، واصل الليل بالنهار، خاصم النوم، أرسل ما يقرب من الـ400 رسالة علمية إلى الجمعية الملكية الهولندية والبريطانية، لم يخرج من متجره ولم يهجر مجهره أو يغادر معمله، لم يتقن إلا اللغة الهولندية، ظل راهباً فى محراب الفضول العلمى، صار قبلة سياحية فى أمستردام، زاره قيصر روسيا وملكة إنجلترا وكبار ساسة أوروبا ليشاهدوا من خلال ميكروسكوبه العجيب أسرار الحياة وغرائبها، بلغة العلم الأكاديمية المحايدة من الممكن أن نسرد إنجازاته سريعاً، شرح ليفنهوك مسار الكريات الحمراء فى البلازما، وفى شعيرات أذن الأرنب والضفادع، وأظهرت مشاهداته لقطرات المطر ولعاب الإنسان وجود الحيوانات الدقيقة التى تعرف حالياً بوحيدات الخلية والبكتيريا والتى سماها الحيوينات، كما بين وجود نوعين من النطاف فى بعض أنواع القشريات تحدد الجنس.. ووصف ليفنهوك دورتى حياة النمل والمن، كما وصف أنسجة نباتية لساق أحادية الفلقة وثنائياتها، ووصف النقاعيات والدوارات، وبراعم الهيدرا، ودوران الجنين فى بيض بلح الماء العذب، ووصف العضلات الهيكلية وبنية الأسنان، وعدسة عين الحيوانات الراقية، والعين المركبة للحشرات، كما أعطى وصفاً لثلاثة أنواع من البكتيريا (العصيات، والمكورات، واللولبيات)... إلخ، لكن بلغة التاريخ فإن ليفنهوك هو حياة حافلة ونشاط مذهل ولحظة فارقة فى رحلة العلم، إنه لا يستحق فقط من «جوجل» الاحتفاء بل من كل العالم خاصة من بلادنا التى سكنتها كراهية العلم.

د. عماد جاد - من دولة «أتاتورك» إلى قاعدة للتطرف والأصولية - جريدة الوطن - 25/10/2016

طلب، أمس الأول، رئيس الوزراء التركى من الاتحاد الأوروبى الرد على نحو واضح وحاسم بشأن عضوية بلاده فى الاتحاد الأوروبى. وتقديرى أن طرح مثل هذا السؤال على الأوروبيين يعنى أن المسئول التركى مصاب بخلل فكرى، فالرجل وقادة بلاده يعلمون منذ عقود أنه لا مكان لتركيا فى الاتحاد الأوروبى وأن بروكسيل أبلغت أنقرة ذلك بوضوح أكثر من مرة، وطرحوا على الأتراك صيغة من صيغ الشراكة المميزة دون العضوية. حدث ذلك فى وقت كانت تركيا فيه عضواً مهماً فى حلف شمالى الأطلنطى وكانت تمثل الحاجز الرئيسى فى مواجهة التمدد السوفييتى إبان الحرب الباردة، حدث ذلك فى وقت كانت فيه تركيا تقترب أكثر وأكثر من المعايير الأوروبية فى طبيعة النظم السياسية العلمانية التى تفصل ما بين الدين والسياسة أو الدين والدولة، وكانت تسعى جاهدة لاستيفاء المعايير المختلفة من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية. كانت تركيا «أتاتورك» أقرب فكرياً من الاتحاد الأوروبى من تركيا اليوم تحت حكم العدالة والتنمية، الفرع التركى لجماعة الإخوان المسلمين، والعضوية النشطة للرئيس التركى فى التنظيم الدولى للجماعة. تحولت تركيا، على يد «العدالة والتنمية»، إلى قاعدة للتشدد والتطرف، فهى تستقبل فلول الجماعة الهاربة من التجارب التى خرجوا منها مدحورين وعلى رأسها مصر، تحولت إلى دولة تتحالف عملياً مع جماعات إرهابية متطرفة تقاتل نظماً وشعوباً عربية (ليبيا، سوريا، والعراق)، تمثل معبراً للمقاتلين من شتى أنحاء العالم، ومركزاً لعلاج جرحى ومصابى الجماعات الإرهابية المتشددة، تحتضن حركة «حماس» وتطرح شعارات أصولية. لم يعد التشدد فى تركيا سمة نظام، بل بات سمة لقطاع واسع من الشعب التركى الذى أقدم على سلوكيات تنم عن عودة روح العثمانى القديم المتسربل بالدين والرافع لشعارات دينية فى غير مكانها أو زمانها. فهذا المجتمع الأتاتوركى العلمانى تحول على يد أردوغان إلى مجتمع متعاطف مع المجرمين والقتلة، فقد أدت مجموعة من الأتراك صلاة الغائب فى مسجد بإسطنبول على روح الأخوين «كواشى» اللذين شنا الهجوم على صحيفة شارلى إبدو الفرنسية الساخرة، ورددوا هتافات مؤيدة لتنظيم القاعدة، وذلك فى حراسة الشرطة التركية التى تدخلت فقط عندما أرادوا الخروج من المسجد للقيام بمسيرة فى شوارع المدينة. يأتى ذلك فى الوقت الذى تحولت فيه تركيا إلى ملاذ آمن للمتطرفين من كافة أنحاء العالم ومن مختلف الجنسيات، كما تحولت الأراضى التركية إلى بوابة عبور المقاتلين الذين يرغبون فى الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، وباتت المستشفيات التركية ملاذ جرحى ومصابى التنظيم للحصول على العلاج، أيضاً باتت الموانئ التركية بوابة عناصر تنظيم الدولة للتوجه إلى ليبيا من أجل القتال ضد الجيش الوطنى الليبى.هكذا تحولت تركيا فى عهد حزب العدالة والتنمية، الفرع التركى للتنظيم الدولى للإخوان، إلى قاعدة للتطرف، تبدل حال الدولة التركية من دولة علمانية تجتهد لدخول الاتحاد الأوروبى، إلى قاعدة للتطرف وملاذ آمن للمتطرفين من مختلف الجنسيات. كان النظام التركى، منذ وضع أسسه أتاتورك، نموذجاً للنظام العلمانى فى بلد تدين غالبية سكانه بالإسلام السنى، فقد نجح الرجل الذى أنهى الخلافة فى تحديث تركيا ووضعها على أول طريق الحداثة، وكان النظام التركى الأتاتوركى يقدَّم باعتبارها مثالاً على إمكانية اتباع الديمقراطية الغربية فى مجتمع إسلامى، دمج أتاتورك بلاده فى الغرب تماماً ونجح فى دفع أوروبا للتعامل مع تركيا باعتبارها دولة أوروبية رغم أن نحو ٩٥٪ من أراضيها يقع فى آسيا، ولا تزيد نسبة أراضيها الواقعة فى أوروبا على ٥٪ من مساحة تركيا الإجمالية، قاد تركيا لعضوية حلف شمالى الأطلنطى، وطرَق أبواب الجماعة الأوروربية (الاتحاد الأوروبى) بشدة. قدمت واشنطن النظام الأتاتوركى التركى باعتباره المثال والقدوة للعالم العربى فى كيفية بناء نظام ديمقراطى علمانى فى دولة تدين غالبية سكانها بالإسلام. مع فوز تيار الإسلام السياسى بغالبية مقاعد البرلمان المصرى، ثم الفوز بمنصب الرئيس وسيطرة التنظيم على الأوضاع فى تونس، واليمن، والانتشار فى العراق وليبيا وسوريا، بدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا يخرج على تحفظه ويعلن دعمه المباشر للتنظيم الدولى للجماعة، بل ويدخل مباشرة طرفاً فى المعارك والحروب التى تشنها الجماعات المتطرفة ضد أنظمة حكم عربية. وقعت الصدمة الكبرى للنظام التركى فى الثلاثين من يونيو عندما ثار المصريون على حكم المرشد والجماعة وأطاحوا به، هنا فقد رئيس الوزراء التركى -آنذاك، ورئيس الجمهورية حالياً- اتزانه ودخل فى مواجهة سياسية مفتوحة مع النظام المصرى الجديد، ومنح أعضاء التنظيم الدولى ملاذاً آمناً، وباتت تركيا مقراً لاجتماعات التنظيم الدولى وحياكة المؤامرات ضد النظام المصرى الجديد. وبدا واضحاً أن «أردوغان» الذى أصبح رئيساً لتركيا قرر تحويل وجهة بلاده نحو الشرق فى محاولة لإعادة استنساخ الخلافة العثمانية من جديد، فقد أيقن الرجل أن بلاده لن تدخل الاتحاد الأوروبى، ومن ثم قرر أن يجعل من بلاده «كبير الشرق» وممثل العالم الإسلامى عبر إعادة استنساخ الخلافة، وهو ما يُفهم من طريقة استقبال أردوغان لمسئولين دوليين بعد تقلده منصب الرئيس، فهو يحرص على إفساح مكان لممثلين عن العصر العثمانى على مر التاريخ. وحوّل «أردوغان» بلاده من نموذج لدولة ديمقراطية علمانية فى مجتمع تدين غالبيته بالإسلام إلى قاعدة للتطرف وملاذ آمن للإرهابيين من شتى أنحاء العالم، وهو بذلك يحطم النموذج الذى بناه أتاتورك عبر عقود عديدة ويدفع بتركيا إلى أحضان العالم الثالث لتستقر فيه فترات طويلة. وفى هذا السياق تتشارك تركيا وقطر فى حياكة المؤامرات على مصر والمصريين، وبالأمس القريب كانت هناك زيارة للأمير القطرى إلى تركيا، فقد صور لهم خيالهم المريض أن ما جرى فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ قابل للتكرار، وهى أضغاث أحلام مثلها مثل حلم أمير قطر بدور فاعل ومستقل فى المنطقة، وحلم أردوغان بارتداء ثياب الخليفة.

منى شماخ تكتب لـ«الطريق»: ثورة المواطنين الشرفاء الأحد , 23 أكتوبر 2016 , الطريق

كلنا نذكر "المواطنين الشرفاء" ودورهم في فض الاعتصامات وتفريق المسيرات، وكيف بدأ هذا الدور واستمر منذ ثورة يناير حتى الآن.
ومصطلح "المواطنين الشرفاء" ابتدعه جهابذة الإعلام المصري لوصف الجماعات التي كان يتم الدفع بها لفض أية مسيرة أو اعتصام زاعمين أنهم تحركوا من تلقاء أنفسهم بسبب أن هذه الاعتصامات والتظاهرات كانت تعيق عملهم وتوقف عجلة الإنتاج، وهذا بالطبع لم يكن يحدث مع المظاهرات المؤيدة للنظام.
تذكرت هؤلاء المواطنين وأنا أتابع أخبار "ثورة الغلابة" المقرر "إقامتها " يوم 11/11 القادم.
هذه الثورة التي وأن كان يتوفر لها من الأسباب والدوافع مايفوق أسباب الثورات الأخرى التي حدثت بمصر في تاريخها المعاصر لكن من يعرف طبيعة المصريين يعلم أنها لن تحدث، لكني أرى أنه يمكن "إقامتها".
فالجماهير التي خرجت في ثورة يناير وعت الدرس جيدًا وعرفت أن الخروج دون تنظيم مسبق لن ينتج عنه سوى خسارة من قام به ومزيد من المكاسب لمن تم الخروج عليه .
لذا أرى أن من سيقيم "ثورة الغلابة" هو من استفاد من ثورة يناير ومن الموجة الثانية في 30 يونيو ليكسب أرضا جديدة بعد أن فشل في الحفاظ على مكتسباته
من سيقيم الثورة هو من اعتاد على استخدام "المواطنين الشرفاء" لتحقيق أهدافه ولترهيب "المواطن الحقيقي".
من سيقيم ثورة الغلابة هو من سيستثمرها لفرض المزيد من القيود، وتبرير الفشل.
الغلابة لن يعطوا موعدًا لثورتهم، لن يحشدوا لها على "الفيس بوك"، ولن يستخدموا أبواق رجال الأعمال في الفضائيات للتعريف بها.
المستفيد الوحيد من هذه الثورة هو النظام نفسه الذي سيقيم معركة  يحرز فيها نصرًا وهميًا ليطمس معالم فشله التي باتت واضحة للمواطن العادي الذي لم يتعدى حلمه الإحساس بالأمان والاستقرار.

لذا لا أستبعد أن يستخدموا "مواطنيهم الشرفاء" وأبواقهم الإعلامية لصناعة فزاعة جديدة تلفت النظر عن المشكلات المتراكمة التي أصبحت فوق مستوى احتمال المواطن ليهبط سقف تطلعاته مرة أخرى من السعي إلى حياة كريمة إلى "إحمدوا ربنا إنكم عايشين"