Translate

Saturday, October 31, 2015

تقرير عن عازفة الكمان حنين علم

وقفة مع الإعلام القبطى ٣١/ ١٠/ ٢٠١٥

رسالة الإعلام بصفة عامة هى رسالة تنويرية وخدمية بغرض إظهار الحقيقة وعلاج الخلل وتفادى العيوب، وليس للتشهير والانتقام والخداع وتحقيق مصالح شخصية. من هنا يجب أن يتحلى العاملون بجهاز الإعلام بالأمانة الكاملة والصدق مع النفس وتقديم الحقيقة بدون تزييف أو خداع أو رغبة فى التشهير بالمسؤولين.
أقول هذا، حيث ظهرت فى الآونة الأخيرة بعض مواقع الإعلام القبطى، وكذلك كتابات لبعض الصحفيين الأقباط فى بعض المجلات والجرائد تبث أخبارا كاذبة وخادعة وتدعو إلى الفُرقة والانقسام داخل المجتمع القبطى، ومثال ذلك ما حدث من أحد المواقع الإلكترونية عندما نشرت خبر (أن إحدى الكنائس القبطية «الأرثوذكسية» بإحدى المدن الكندية قد قامت مؤخراًـ بتأييد من أسقف المقاطعة وكاهن الكنيسةـ برسامة أسقف كاثوليكى ليكون كاهناً فى الكنيسة)!! هذا الخبر فى حد ذاته أزعجنى كما أزعج الكثير من أبناء الكنيسة المخلصين لكنيستهم والمتمسكين بهويتها وطقوسها وتقاليدها وأيضاً إيمانها الراسخ الذى استقر فى الكنيسة منذ كرازة القديس مرقس فى بداية النصف الثانى من القرن الأول الميلادى (عام ٦٤ م). ولما لم أجد أحد من مسؤولى الكنيسة القبطية يفند تلك الأخبار، أرسلت إلى أصدقائى الأوفياء بتلك المدينة، فكان ردهم الصادق هو (أن إحدى الكنائس السريانية المسيحية بالمدينة استعارت من الكنيسة القبطية إحدى الكنائس الصغيرة المُلحقة بها وأقامت بها الشعائر الخاصة بهم، دون أن يكون للأقباط سواء الأب الأسقف أو الكهنة أو الشعب أى دور فى هذه الاحتفالية، كما أن ذلك الموقع الإلكترونى ألصق بصورة الاحتفالية صورة أخرى للأب الكاهن مع الأسقف وهى خدعة إعلامية)، فكيف يقوم الإعلام القبطى بتشويه الحقائق وتقديم صورة مُزيفة بعيدة عن الواقع؟.
أعلم أنه عقب نشر هذه الكلمة سوف أنال من الإهانات والسباب من تلك المواقع بسبب كشفى للحقيقة!! ولكنى أرجو من الإعلام القبطى التحلى بالصدق والموضوعية لأننا أمام الله سنُحاسب على كل كلمة كاذبة قلناها أو كتبناها، وخدعنا بها الآخرين.
د. مينا بديع عبدالملك - أستاذ بهندسة الإسكندرية

خدعوك فقالوا بقلم د. وسيم السيسى ٣١/ ١٠/ ٢٠١٥

خدعوك فقالوا إن اليهود عبروا البحر الأحمر، وهم يقولون فى التوراة «خروج ١٥ عدد ٤»، «فغرق أفضل جنود فرعون ومركباته فى بحر سوف، وفى الترجمة الإنجليزية Reed Sea أى بحر البردى أو البوص، والبردى لا ينمو فى المياه المالحة كالبحر الأحمر، ولكنه ينمو فى المياه العذبة (كالبحيرات المرة التى كانت عذبة قبل توصيلها بالبحر الأبيض عن طريق قناة السويس)».
أصل الحكاية أن تركيا «الخلافة العثمانية» أعطت للبحار أسماءً بالألوان فى القرن الـ ١٨، فأعطت بحر القلزم اسم البحر الأحمر، فما كان من محترفى الكذب إلا أنهم غيروا Reed Sea إلى Res Sea!! فتحولت البحيرات العذبة «بحر البوص» إلى البحر الأحمر الذى لا ينمو فيه البردى أو البوص!
ولو كانت الوصايا العشر فيها: لا تكذب.. لما غيروا البحيرات إلى بحار، البردى Reed إلى أحمر Red.
خدعوك فقالوا إن ملوك مصر القدماء كانوا قساة القلوب فراعنة!
فرعون كلمة معناها البيت العالى، بر = بيت، عا = العالى، أى بيت الحاكم فى مصر القديمة، كان عدد ملوك مصر ٥٦١ ملكاً، كان القانون فى مصر القديمة يحتم على الملك أن يكون فى مقدمة صفوف جيشه أثناء الحروب، استشهد «الفرعون» سقنن رع، و«الفرعون» كاموس فى الأسرة ١٧، وكاد رمسيس الثانى أن يفقد حياته فى حروبه مع الحيثيين الأسرة ١٩، كما تشكلت محكمة من ١٥ قاضياً لمحاكمة أميرين فى عهد رمسيس ٣، وحكموا بإعدام الأميرين، ولما اكتشفت هيئة المحكمة أن اثنين من القضاة كانا موالسين مع الأميرين، حكمت المحكمة بإعدام القاضيين، فانتحر القاضيان قبل تنفيذ الحكم.
أراد تحوتمس الثالث، مؤسس الإمبراطورية المصرية، أن يغير أحد القوانين، فكان رد قاضى القضاة: اعلم أن كلمة الحاكم لا تعلو فوق كلمة القانون، فاعتذر تحوتمس الثالث، وطلب المغفرة! هوذا الفلاح الفصيح يخاطب محافظ وادى النطرون رنسى ابن ميرو: رد لى مالى، لماذا فى العدالة أنت بطىء؟ هل عينك الملك محافظاً على الإقليم حتى تكون معيناً للصوص وقطاع الطرق؟! كان هذا فى عصر أمنحات الأول.. الأسرة ١٢، وبعد هذا كله نقول فراعنة، وسُـخرة، وظلم، منكم لله أيها الكذبة المنافقون.. يا أولاد الأفاعى كما سماكم السيد المسيح.. شوهتم تاريخنا وحضارتنا، ونحن كالببغاء نردد ما تقولون!!
خدعوك اليهود فقالوا: كنا عبيداً عند المصريين، عذبونا وسخرونا فى بناء الأهرام!!
والأهرام بنيت قبل إبراهيم بألف ومائة عام طبقاً للمتحف البريطانى أو قبل إبراهيم بثلاثة آلاف عام طبقاً لمانيتون وأندريه بوشان ١٩٧٣م!
كيف كانوا عبيداً وكانت بيوتهم مثل بيوت المصريين حتى إن الله طلب منهم علامة الدم على بيوتهم حتى يعبر عنها، ويهلك كل بكر فى بيوت المصريين «خروج إصحاح ١٢»، كيف كانوا عبيداً مساكين، وقد أعطاهم المصريون ذهبهم وفضتهم وثيابهم حين طلبوها منهم! «خروج إصحاح ١٢ عدد ٣٥» وهل يعطى السيد خادمه أو عبده ثيابه وذهبه وفضته؟!
كيف كانوا عبيداً عندنا وهم الذين ثاروا على موسى وهارون بعد خروجهم من مصر لأنهم جاعوا، يقولون: ليتنا متنا فى أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً حتى نشبع! «خروج ١٦ عدد ٢»!
خدعوك فقالوا إن الأهرامات مدافن فقط للملوك! بينما هى مراصد فلكية، ومحطات لتوليد نوع من الطاقة لقطع الجرانيت اسمها: Pizo - Electric - Effect هذه الطاقة مستمدة من الصفائح التكتونية حاملات القارات، المؤلف كريستوفر.. Christopher Dunn والكتاب: Lost Technologtes، التكنولوجيا المفقودة فى مصر القديمة، قدمت هذا الكتاب للدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، وقد أمر بترجمته بعد موافقة الناشر، والكتاب فى طريقه للمكتبة العربية.

سلطان مصر على «سلطان»! بقلم مفيد فوزى ٣١/ ١٠/ ٢٠١٥

لم أصادف رجلاً أحب مصر بهذه الكيفية، حيث تهفو روحه إلى سماء مصر ونيلها وشوارعها وحتى أزقتها مثل هذا الرجل. لم أقابل إنساناً تسكن مصر تحت جلده وفوق جفون عينيه، وقد صارت مصر وشماً مرسوماً على قلبه مثل هذا الإنسان. لم ألتق بعاشق صبابة لمصر، يفرح لأفراحها ويحزن حتى الدمع لأحزانها ويبتهج لانتصاراتها ويكتئب لانكساراتها.
هذا الهوى المجنون المتفرد ليس حبا شفوياً ولا أفلاطونياً، بل إنه يحب مصر بشكل عملى، يتحرك ويبادر ويضيف ويضمد جراحها ويمول ويتبرع ويشارك وكأنه يعيش معنا تحت سمائنا، هو يملك أصالة عربية وفى قلبه ترنيمة مصرية، حقاً إن لمصر سلطاناً عليه، عن حاكم الشارقة فى دولة الإمارات العربية سلطان القاسمى، أتحدث.
■ ■ ■
الشيخ سلطان عاش سنوات مصر متنقلاً وهو طالب بكلية الزراعة جامعة القاهرة بين شارع نوال فى الدقى وشارع البحر الأعظم، وفى بيته ومكتبته الخاصة فى الشارقة مئات الصور الفوتوغرافية لأحياء مصر الشعبية، ذلك أن التصوير إحدى هوايات سلطان القاسمى منذ كان طالباً حتى الآن، فلسفته فى التصوير أنه «يحبس لحظة أو إحساساً أو مكاناً فى فرخ من ورق»، وعندما كان الشيخ سلطان طالباً بزراعة القاهرة قسم بساتين، كان هاجس مصر الأمنى حاضرا وعالياً وكان الشيوعيون والإخوان بعبع النظام فى مصر، ومن فرط استخدام الشيخ سلطان للكاميرا أثار الريبة، فلماذا هذا الشاب العربى يشرع فى تصوير أى شىء وكل شىء؟ ماذا عساه يفعل؟ المهم قبضت السلطات المصرية على الطالب سلطان محمد القاسمى واتهموه فى أمن الدولة بالتجسس (!!!) ويتساءل سلطان القاسمى فى قصاصات أوراقه الخاصة: منذ متى كان الحب الخالص النقى من كل مطمع تجسساً؟!
ويضيف: نعم أنا أتجسس. فى مصر لحساب مصر!!
فى أمن الدولة استدعوه وجلس أمام المحقق ومعه الكاميرا والأفلام، وأجاب على نحو خمسين سؤالاً بثبات شديد، ولم يفقد أعصابه لحظة واحدة، وبعد أن طبعوا الأفلام اكتشفوا أن معظمها لقطات من كل الزوايا لشارع البحر الأعظم! سئل بخبث أمنى: ماذا فى شارع البحر الأعظم؟ قال: شارع مصر يطل على النيل تقرأ فيه الهوية المصرية، وناسه بسطاء ودائم التردد عليه، ولى صداقات فيه، لم يعرف محقق أمن الدولة أن فى بيت حاكم الشارقة لوحة كبيرة تزينها لقطات بكاميرا الشيخ سلطان لشارع البحر الأعظم منذ كان طالباً فى مصر، لقد ظن أمن الدولة وقتئذ أنهم قبضوا على عميل إسرائيلى (!!) وأفرجوا عنه بعد أن تبين لهم أنه محب لمصر واشترك فى حرب ٥٦، ومن الغريب أن يظل سلطان القاسمى حاكم الشارقة مفتوناً بمصر رغم هذه «الندبة» ولكنها لم تترك أثراً فيه، ومع الأيام كبر حب الشيخ لمصر وصار حقيقة وجدانية.
■ ■ ■
لم يكن حب الشيخ سلطان لمصر مجرد مشاعر عاطفية فيها حفنة من ذكريات الصبا المبكر وأيام التلمذة وصداقات عادل إمام وصلاح السعدنى، الطلبة بكلية زراعة القاهرة، كان حباً عملياً غير مسبوق، لأنه شعر وهو حاكم بدين كبير عليه لمصر وهو الشاب الناصرى الذى عاش أزمات مصر وأفراحها، لعلها درجة «الحب المسؤول» لمصر، نعم كان لمصر سلطان على الشيخ سلطان القاسمى تمثل فى البداية بتحديث معامل كلية الزراعة التى كان طالباً فيها، ثم تكلف أكثر من ٣٠ مليون جنيه حين أسس مكتبة مركزية للبحوث الزراعية، ثم مكتبة مرجعيات علمية وتبرع للبحوث العلمية بخمسة ملايين دولار.
حين كان يفعل هذا كان يتحاشى النشر والإعلان، كان يقول «هأنذا أسدد ديناً على الطالب سلطان محمد القاسمى»، ويوم سمع باعتداء صبيان الإخوان على المجمع العلمى، انتفض قلبه كالعصفور وأصابه الذهول وكان يحاول الإجابة عن سؤال «لماذا المجمع العلمى؟» لكنه قرر ترميم آثار الحريق الذى تصدعت الجدران بعده على حسابه وأهدى المجمع العلمى مخطوطات نادرة بديلاً عن الكتب والمخطوطات التى احترقت.
لقد كان أول إنسان يبادر «بدون إعلان» فى الوطن العربى، للترميم مهما تكلف، ولم يعلن إلا مؤخراً عما فعله الشيخ سلطان، حبه لمصر فوق المزايدات أو المهاترات، إنه حب تحت سطوة اليقين، ما كانت مصر فى وجدانه زمناً ميتاً إنما أزمنة فوق جسور موصولة، صحيح هو لا يحمل جواز سفر مصرياً، لكن جواز سفره مخبوء بين الضلوع وفى ثنايا الروح، إنه مغرم بتاريخ مصر وعبقريتها وفصولها وعصير خبراتها، وأكاد أشعر أنه فى السر - لولا الملامة - يقدم أوراق اعتماده بنفسه سفيراً لأرض الكنانة، إنه يدافع عن كينونة الشعب المصرى فى مجالسه ويفرح بقدوم صديق مصرى لأرض الشارقة يحدثه فى الأمسيات عن شارعى نوال والبحر الأعظم!
مثلاً، لقد أتى بنجوم صوت العرب ليؤسسوا أول إذاعة فى الشارقة تنقل صوت الإمارة إلى الدنيا، وتلقى الأستاذ سعيد عمارة، أحد أكبر كادرات صوت العرب، تكليفاً بإنشاء إذاعة للشارقة بناءً على رغبة حاكمها الشيخ سلطان القاسمى، وسعيد عمارة من قامات صوت العرب «أحمد سعيد ومحمد عروق وعبدالوهاب قتاية وسعد زغلول نصار»، وكان من يتجول فى إذاعة الشارقة يشعر أنه فى إحدى ردهات صوت العرب فى القاهرة، والشيخ الإماراتى الجنسية «مصرى الهوى» مفتون بتجليات الغيطانى ولسعات السعدنى الكبير وهديل صوت الأبنودى ويدرك عن وعى أن كل من يهاجم مصر أو يريد بها شراً، سوف تطحنه عجلات الأيام، انظروا إلى دعم حاكم الشارقة المادى لصندوق معاشات «اتحاد الكتاب»، انظروا إلى مشروع حاكم الشارقة فى الجمعية التاريخية المصرية فى التجمع الخامس، انظروا إلى مشروع مجمع المجامع العلمية العربية فى ٦ أكتوبر، كلها مشروعات الشيخ، انظروا إلى ٢٥ مسجداً بناها الشيخ سلطان باسم ٢٥ شهيداً راحوا فى مجزرة رفح أيام الإخوان، كل مسجد يحمل اسم شهيد، ثم رعاية أسر هؤلاء الشهداء، انظروا إلى تبرع الشيخ سلطان بثلاثين مليون دولار لقصور الثقافة فى مصر، وعند صابر عرب، وزير الثقافة الأسبق، الخبر اليقين، انظروا إلى ترميم كلية الهندسة بعد حريق الإخوان، الذى تم على نفقته.
■ ■ ■
أول دعوة رسمية تلقاها الشيخ سلطان القاسمى كانت من رئيس وزراء مصر الراحل الدكتور عبدالقادر حاتم، يومها استقبله د. حاتم بنفسه، وأقام فى شيراتون، ضيفاً على مصر، وفى اليوم الثانى لوصوله طلب من مرافقيه زيارة «الشغالة» فى أبوالعلا، وبالفعل زارها ووجدها فى ركن من الشارع العريض أمامها «مشنة الخضار وصفيحة ميه» وذكرها بنفسه، فركزت نظرتها فى وجهه وعرفته، ثم طاف بشوارع القاهرة كعاشق «يمر على بيت الحبايب» هو الذى يقول «اتعلمت من مصر والمصريين». هو الذى يقول «شعب متحضر رغم أهوال السنين»، هو أول حاكم فى الإمارات ينشئ «نادياً للمصريين» فى الشارقة، وليس مصادفة أن معظم المصريين الذين يعملون فى دولة الإمارات يسكنون فى الشارقة، وليس مصادفة أن يطلب الشيخ خط طيران «القاهرة - الشارقة - القاهرة»، وليس مصادفة أن يكون أول بنك فى الشارقة «بنك القاهرة».
■ ■ ■
ماذا يعنى كل هذا العطاء لمصر من الشيخ الإماراتى العاشق لمصر؟ يعنى كلمة واحدة هى «الوفاء»، صحيح لقد صار الوفاء ندرة، ولكن الشيخ سلطان القاسمى كسر القاعدة وأثبته عملياً، الوفاء تلك «العملة النادرة» التى تنقص بعض رجال المال والأعمال فى مصر، وشيخ الشارقة نموذج ومثال على «حب غير أفلاطونى لمصر».. و...
وقد يغضب حاكم الشارقة الشيخ سلطان محمد القاسمى من الكتابة فى موضوع «ترميم وتدعيم وتبرع» لمصر، ولكن الحق يحتاج أحياناً إلى لسان ينطق به أو قل إلى قلم يسجله للأجيال، ويوم دعته جامعة القاهرة لتمنحه الدكتوراه الفخرية فى ١٢ مايو ٢٠١٥ واستقبلته بقاعة أحمد لطفى السيد أرادت أن تقول له: شكراً.

Friday, October 30, 2015

دنيا مسعود - بتناديني تاني ليه

اخر النهار - محمود سعد | لقاء من باريس مع الفنانة دنيا مسعود "اغنية ت...

أنبا موسى مريض.. حمدي رزق الخميس 29-10-2015 المصرى اليوم

مَن يلمس طيبة قلب الأنبا موسى، أسقف الشباب، يدعُ له من قلبه أن يشفيه، صلوا من أجله وأضيئوا الشموع لمَن وهب حياته لإضاءة شموع الفرح فى القلوب الحزينة، لم يلعن الظلام أبدا، دوما ينير شمعة، منير هذا الرجل، قلبه يسع آلام البشر، وهن العظم منه ولكن لاتزال روحه شابة تحتضن الشباب.
اختلف شباب الكنيسة كثيرا من حول أساقفة الكنيسة، ولكن هناك اتفاق على أسقف جليل، محترم، زاهد، بسيط، طيب، لا تغادر الابتسامة وجهه، ويلهج لسانه بطيب الكلم، ويقدم الحب فى كفيه حَبا تلقطه الأفراخ الصغيرة فيمتلئون حُباً للوطن.
علاقة هذا الشيخ الوقور بشباب الكنيسة مثال يُحتذَى، بعيد عن التكبر، والغلظة، عَطوف يذوب رقة، متواضع كخادم فى الكنيسة، معطاء قلبيا، جواد إنسانيا، حصيرته واسعة، للمسلمين المحبين فيها مكان، يجيد الحوار، ينصت للقول، يميز بين الغث والسمين، ثقافة موسوعية تزيده احتراما، يلمس القلب برفق، ويذهب بعلمه الغزير إلى العقل، يملك عقلا متفتحا، يجول بين الناس بالحسنى.
لو خُيِّر شباب الكنيسة بين أسقف شاب لأسقفيتهم (أسقفية الشباب) وأنبا موسى (وُلد فى أسيوط عام 1938)، لاختاروا هذا الأسقف الورع، الشباب شباب القلب ولو ابيَضَّت اللحى، يملك روحاً شابة، خفيف الدم، رقيق القول، عندما يعظ مشوق، وعندما يكتب مقالات ملهم، وإذا اختلف يرق بالقول، وكأنه يعتذر مسبقا، وإذا تأذى من قول، بادر هو بالاعتذار، خليق بالاحترام.
أنبا موسى مريض، شفاه الله وعافاه، وفى مرضه يتقاطر المحبون للزيارة، وتحفه الدعوات الصالحات، تفقد الكنيسة قدرا من طيبتها إذا توعك الأسقف الجليل، وتفقد أسقفية الشباب كثيرا من حيويتها إذا ألم به مرض، ويفقد الوطن مساحة حب إذا غاب هذا الرجل، هو من مسالك الحوار (المسلم/ المسيحى) على أرضية وطنية، هو الحاضر فى قلب الجماعة الوطنية، هو الزاهد فى كرسى البابوية، المتبتل فى خدمة كنيسة الوطن، من خُدَّام الكنيسة العظام.
حتى المختلفون معه، لهم فى قلبه محبة، ولا يترك ما علق فى القلوب ليلا يبرد حتى الصباح، يبادر بمسح الألم، يربت على الظهور، ويمسح الرؤوس، أحبة الأنبا موسى بين إخوته المسلمين ربما تفوق أحبته بين المسيحيين، هو جسر عبور بين أبناء الوطن، ويعرف للناس أقدارهم، ويُنزل الناس منازلهم، ويقف حائط صد منيعا ضد الفتنة الطائفية ما ظهر منها وما بطن.
أسَرَّ لى ذات مرة بأن نفراً من أبناء الكنيسة فى الجامعات ينعزل ويتشكل فى مجموعات كنسية، وطلب منى المساهمة فى علاج هذه الظاهرة، وسعيت سعيا، وكسرنا بمعونة صادقة من حبريته هذه الحلقة الشريرة التى كانت تضيق بشباب الكنيسة فى رحاب الوطن، خشى أن يفارقوا الجماعة الوطنية وهم أبناء هذا الوطن.
بينه وبين الكنائس المصرية الأخرى مودة ورحمة، لم يبتدرهم أبدا بما يُشقيهم، ولم يجادلهم إلا بالحسنى وزيادة، ولم يصدر عنه حرف يؤذى، حادب على جمع الشمل المسيحى، يجمع ولا يفرق، ولا يتأخر عن النداء، ونصب عينيه كل أولاد الكنيسة أبناؤه، وأبناؤه هم أبناء الوطن الذى أحب، حب الوطن ملأ عليه حياته، يصلى للوطن دوما.. صلوا من أجل الأب الطيب فى دير الملاك.

Thursday, October 29, 2015

هيكل والمسكوت عنه بقلم لينين الرملى ٢٩/ ١٠/ ٢٠١٥

أهم ما بقى من عهد عبدالناصر هو السيد محمد حسنين هيكل. فهو حاضر فى كل الأحداث. منذ عام ١٩٥٢ وأسلوبه فى الحديث لا تفهم منه شيئا، إلا أنه الرجل الوحيد الباقى عندنا ليتحدث لنا. فيشرح كل الأمجاد الذى حققها الزعيم فى الماضى وأيضا ما يجب علينا أن نفعله كما فعل الزعيم والأخطاء الذى وقع فيها كل رئيس للجمهورية تلاه وحتى الساعة.
فهو العالم بكل شىء وحاضر طيلة الوقت والعصور التى مرت بنا واشترك فيها ويملك الوثائق الهامة ويتنبأ بكل شىء. وربما كان يعلم بنكسة ٦٧ قبل حدوثها وقبل علم الرئيس بها. وهو العالم بكل الأخطاء- إذا كان قد حدثت لنا أخطاء- مثلا كان مع إلغاء كل الأحزاب ومجلس النواب ومجلس الشورى، وكل شىء عدا جماعة الإخوان، الذى ضم ثلاثة لوزارته، ومثل زعيمه لم يكن هيكل ضد جماعة الإخوان حتى وقع الرئيس معهم عندما حاولوا اغتياله فانقلب عليهم وكان ضد الصحفيين الذين خرجوا عن طوع الزعيم وكان معه عندما هاجم الاشتراكيين، وكان يسخر منهم عندما كانوا فى السجون. حتى أخرجهم الرئيس منها بشرط أن يحلوا حزبهم. وبعد حل الحزب بقليل أعلن الاشتراكية فأصبح هيكل مع الاشتراكية (لكن على طريقة عبدالناصر طبعا). فهو يلحق بالرئيس على طريقه. وهو يحلل كل شىء لكن بعد وقوعه. ويهاجم الذين حول الرئيس عندما يقرر الرئيس التخلص من بعض المحيطين به من زملائه.
وعندما كنت شاباً كتبت إحدى التمثيليات فاعترض رئيس الرقابة وكتب تقريراً يقول فيه حرفياً (الكاتب من جماعة اليساريين الجدد الذين يهاجمون محمد حسنين هيكل) ! لكنى وجدت نفسى أمام رئيس الرقابة وليس اللجنة التى قرأتها فقط. وكان هو محمد على حماد الصحفى اليمينى المعروف وقتها والذى كان يرأس مجلة سابقا، أظن أن اسمها (الشعلة). تعجبت لأن حكومتنا الاشتراكية تعين صحفياً يمينياً يعادى الاشتراكية بشدة فى هذا المكان، فقد كنت غرا، لأن الرقيب اليمينى أفضل من يراقب كل ما هو اشتراكى. فالنظام لا يقصد الاشتراكية بقدر ما يقصد التغرير بالطبقة العاملة!. كنا فى أغسطس ٦٨ وكان الزعيم الذى تغاضى عن بعض النقد بعد تمثيلية التنحى، قد أنتظر ثلاثة أشهر ثم أصدر بعدها فرماناً سرياً بعدم التعرض لهيكل بأى نقد! بمن فيهم كبار الصحفيين والكتاب بل وكبار السياسيين! الغريب أن التمثيلية تقع أحداثها أيام الاحتلال قبل ١٩٥٢ عن عمال يكافحون الإنجليز ومعهم ابن رجل رأسمالى. وبالتالى لا يوجد بها ناصر ولا هيكل ولكنه رفضها بسبب شخصية تسأل «من قرأ جرنان (الآثار) بتاع الجمعة دى» فيرد آخر ويقول آخر «كاتبها (حسن البهلوان). طبعا هو فيه حد غيره بيدافع عننا يا محترم» حاولت مناقشة الرقيب ولكن هيهات. فالرجل عنده تعليمات بتجنب أى شبهة إسقاط. ولم يكن هناك أى شىء آخر يؤخذ على القصة إلا إذا كانت بسبب جريدة (الآثار) وربما اسم (حسن البهلوان). وكان يمكن أن يشطب الثلاث كلمات ولم أكن سأعارضه. لكنى فهمت أنه متلهف على منع العمل حتى يترقى فى عمله. وقبل أن أترك الرقيب قال لى خافضا صوته حتى لا يسمعنا أحد (يعنى بذمتك أنت عاجبك اللى حاصل فى البلد دلوقت؟) وراح يكيل النقد للأوضاع الجارية قاصدا أن يوقع بى.
وتعاقب الرؤساء على حكم مصر فكان يقف بجوارهم حتى يبعده الرئيس فيصبح ضده كما فعل مع السادات، ثم مع مبارك لوقت. ولم يهاجم الإخوان بوضوح انتظارنا ليتحسس الطريق. وجاء السيسى للحكم ولم يجد من يسمعه إلا بعض الصحفيين الذين يأخذون منه التصريحات كى يظل فى الصورة وينشروا له ما يقوله دون أن يحرجوه بأى أسئلة، ليظلوا هم أيضا معه فى الصورة.
هل من أحد يسأله اليوم عما كتبه بأن ناصر كان يرى فى العقيد القذافى شبابه؟ أو يسأله عن وفاة الطبيب أنور المفتى فى نفس الليلة بعد أن صارحه بأنه مصاب بالسكر القرمزى، أو يسأله عن حادث موت عبدالحكيم عامر، صديق الزعيم ورفيقة الذى أدخله الكلية الحربية؟، وهل تراجع الصحفى الملم بكل شىء عما كتبه عندئذ عما حدث؟، وهل يسأله أحد عن ملابسات موته والذى تتهمه أسرة عبدالحكيم بأن الزعيم كان خلفها؟، ولماذا لا يعيد نشر الصحفى الملم بكل شىء بمقاله الذى كتبه عنه غير أنه كان رجلاً طيباً؟.

Wednesday, October 28, 2015

عائلة مبارك.. اخطر فيلم وثائقى عن الرئيس السابق

آنجيلا ميركل وابنتى بقلم نادين البدير ٢٨/ ١٠/ ٢٠١٥

هل كان إنجابى لطفلة مقامرة فى هذه المنطقة التى لا تثق بنسائها كل الثقة لأنهن متخلفات أو معوجات.
أشعر أنى بورطة رغم سعادتى البالغة. إذ أحاول تخيل الطريقة التى ستتشكل بها ذهنيتها حين تكبر. نعم، سأبذل كل الجهد كى لا ترتاد نفس المدرسة الصغيرة التى حولت أيام صباى لأوقات ملتهبة من الحيرة والضياع. لم تؤثر بى لأنى قاومت التطرف الذى اكتسحها، لكن غالبية الطالبات تحولن عقبها إما لداعيات أو لأمهات دعاة أو إلى مرحلة القناعة المطلقة بجماليات اللاشىء.
مدرسة بأفكار قاعدية داعشية، كل شىء فيها كان حراماً، ابتداء من الصور ومرورا بالرقص والغناء، وحتى التمارين البدنية والشعر، كلها حرام فى حرام. ذات صباح وفيما كانوا يوزعون علينا جوائز سخيفة، صفقت لدى سماعى اسم الفائزة الأولى، فرمقتنى الحاضرات باستغراب كأنى ارتكبت منكرا، فيما أخذن يرددن بصوت مرتفع يعلو ويعلو ويصدح: الله أكبر. الله أكبر.
تلك التكبيرات كانت دارجة كبديل عن التصفيق الذى عُد وقتها بدعة.
ليس الفارق كبيرا فى شكل ومضمون الحاضنة المدرسية بين الأمس واليوم. أناقش كثيرين فى مجال التعليم، فيخبروننى قصصا فظيعة يرتكبها المعلمون والمعلمات فى التحريض على النظام السياسى وبث دعايات التطرف والإرهاب والتكفير وكره الآخر. عدا بنية المناهج التى لم تتغير، ولا تزال تفرخ سنوياً أجيالا جديدة من فكر ما بعد داعش وخراسان.
على امتداد مناهج العالم العربى، لا أريد لابنتى أن تتلقى دروساً تمارس فيها البنت دور الطبخ والكنس، فيما الولد يظهر بصفحة الكتاب مهندسا أو جندياً أو قاضياً.
هل أكون مذنبة إن حرصت على أن تنشأ ابنتى فى وطنها العربى الكبير حيث تنعدم كل فرص الأمل بمستقبل بديع لأحلام الإناث. مخترعة، رائدة فضاء، رئيسة، زعيمة، والية وفقيهة ومفتية وإمامة..
بلاد يظن سكانها أن التحدث مع الأطفال بلغة غير العربية هو أقصى معايير الحضارة، وتسيطر عليهم عقدة المستعمر وتقليد لهجته التى تبحث عنها الأمهات بشق الأنفس لتتباهى أمام الصديقات والمعارف، فابنتها تجهل العربية وتتقن الإنجليزية بلكنة أمريكية، فى الوقت الذى تتشرب فيه كل تعاليم الطاعة المطلقة لزوجها والمرتبطة بطاعة السماء. تعاليم تتناقض تماما مع تعاليم الغرب الذى يستمتن لتقليده فى ملبسه ولغته.
كم تعجبنى المستشارة الألمانية وهى تلقى خطابها أمام الزعماء بلغتها الأم، فتجبرهم على الاستعانة بالسماعات لينصتوا للترجمة. ليتسمروا أمام حالة من تراكمات الحضارة، اسمها آنجيلا.
آنجيلا ميركل. متى تخرج من أرحام العربيات واحدة تشبهها؟
طالما أن التمسك بالعربية أثناء الحديث دون إدخال مفردات من كل القواميس صار تخلفاً، فالمفترض أن نخجل تباعا من الحزمة العربية بأكملها، والتى تضم إلى جانب اللغة العادات والتقاليد والأعراف والموروثات والغضب المخزى الذى يعترى الوجوه كلما أتينا على ذكر المساواة.
لكن ريثما نتخلص من كل هذه الجذور المعيقة للإبداع والذكاء وأحلام اكتشاف باطن الأرض والفضاء. هل ستلومنى آنجى على حياتها هنا، أم أن آنجيلا يمكنها الظهور حتى بأقسى الظروف تعاطياً مع الأنثى؟ أشك فى ذلك.

Tuesday, October 27, 2015

انتخابات لم تحقق الطموح بقلم د. محمد أبوالغار ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٥


انتهت الجولة الأولى فى أول مرحلة فى الانتخابات وتظهر النتيجة النهائية بعد ظهور هذا المقال وأهم الظواهر هى:
أولاً: ضعف الإقبال والذى بلغ ربع من له حق التصويت وهى ظاهرة خطيرة ولكنها متوقعة فهى أقل من نصف من حضروا الانتخابات البرلمانية السابقة ولها أسباب كثيرة، أهمها الغضب العارم عند الشباب من النظام الحالى، وتعمد الدولة إصدار قانون انتخابات مجحف صنع بطريقة لضمان أن يكون البرلمان فى أضعف أحواله. وبالرغم من أن قائمة «فى حب مصر» بها بعض شخصيات جيدة إلا أن بها شخصيات يكن الشعب لها كراهية شديدة، وانعكس ذلك على نسبة التصويت السلبى على انتخابات القوائم بوضوح. وكان واضحاً للجميع أن القائمة المطلقة هى نظام انتخاب استبدادى لا يمكن أن يتم فى أى دولة بها أى هامش من الديمقراطية. كل ذلك بالإضافة إلى ملل المواطنين من طول فترة تأجيل انتخابات البرلمان.
ثانياً: عدم الثقة عند أغلبية المصريين من أن البرلمان القادم سوف يمثلهم تمثيلا حقيقيا ويدافع عن مصالحهم ويحقق مطالب ٢٥ يناير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».
ثالثاً: التدهور الاقتصادى السريع والكبير ومضاعفة معاناة الفقراء أضفى جواً من الكآبة واليأس منعهم من حضور الانتخابات.
رابعاً: الانتخابات مرت فى ظروف أمنية جيدة وحوادث العنف والقتل المعهودة سابقاً لم تحدث وهذا شىء إيجابى من الشعب والشرطة وربما يرجع ذلك إلى غياب الإخوان.
خامساً: رموز الحزب الوطنى الكبار امتنعوا عن الترشح ومعظم من ترشحوا حققوا نتائج سيئة ومثلاً اليد اليمنى لأحمد عز فى الصعيد، وهو من عائلة كبيرة، سقط سقوطاً مروعاً فى أسيوط ومثله كثيرون.
سادساً: من الأحزاب حقق المصريون الأحرار المركز الأول وهو نتيجة عمل دؤوب منظم فى اختيار المرشحين ذوى الشعبية، وبالطبع بدعم مادى كبير، وجاء فى المركز الثانى حزب مستقبل وطن وكان هذا أيضاً أمراً متوقعاً لأنه يقال إنه مدعوم من أحد أجهزة الدولة.
سابعاً: الإعلام وسيلة مهمة فى المعركة الانتخابية، والإعلام الخاص حر فى تأييده للمرشحين، ولكن ليس حراً فى الإساءة بالباطل للمنافسين وتوزيع اتهامات كاذبة. والإعلام الحكومى مسؤول عن توزيع فرص متساوية للجميع وكل هذا لم يحدث.
ثامناً: من الأمور الإيجابية المشاركة الكبيرة من المسيحيين فى الحضور، وفى الترشح وسوف ينتخب أقباطا لأول مرة فى الفردى منذ عام ١٩٥٢ بدون تزوير وهذا شىء جيد يجب تشجيعه.
تاسعاً: لم يحقق السلفيون شيئاً يذكر لأنهم بدون القيادة المنظمة من الإخوان قيمتهم الانتخابية محدودة.
وأخيراً فإن مصر سوف تصبح دولة مدنية حقيقية حين يتم رفع العقبات من أمام الأحزاب وتشجيعها لأن خطر الإخوان ما زال موجوداً ولن ننجح إلا بأحزاب لها شعبية كبيرة مثل وفد سعد زغلول ومصطفى النحاس، وتغيير النظام الانتخابى إلى قوائم نسبية (مثل كل دول أوروبا وكذلك إسرائيل) هى الطريقة الوحيدة لتمثيل الجميع وهو أمر حتمى لا تريده الدولة..
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

الدكتور أحمد عكاشة لـ«المصري اليوم»: السيسى غير مؤهل ليكون «فرعون» ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٥

 
تصوير- محمد حسام
عكاشة يتحدث لـ«المصرى اليوم»
قال الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى ، عضو المجلس الرئاسى الاستشارى لعلماء مصر ، إن نسبة إقبال الناخبين للتصويت، فى المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان لعام ٢٠١٥، التى جاءت ٢٦% - طبيعية، لأنه جرت العادة أن يكون الإقبال ضعيفا فى المرحلة الأولى، وتزداد نسب المشاركة فى المراحل التالية، تدريجيا مع اشتداد المنافسة، وأرجع انخفاض مشاركة الشباب إلى سوء الأداء الإعلامى الذى يهتم بالكرة والفنانين والراقصات ويهمل الانتخابات.
وأضاف «عكاشة»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، أن القول بوجود تشابه كبير بين الرئيسين عبدالناصر، والسيسى «سراب كبير»، وأن الدولة فى مرحلة «الحبو الديمقراطى»، منوها إلى أن من يروّج أن الشباب أكثر الناس مشاركة فى الانتخابات فى العالم إلا مصر- «مغرض».
وتابع: «كثرة مشاركة الشباب فى الاستحقاقات السياسية التى تمت بعد ثورتى يناير ويونيو- أدت إلى خمول البعض، وهى سمة قديمة لدى عدد من الشباب، وإن كانت مشتركة فى عدد كبير من دول العالم، حيث تكون البداية دائما حماسية وقوية عند بدء عمل معين، ومع مرور الوقت يتلاشى هذا الحماس وتقل القوة حتى تصل إلى الخمول التام».. وإلى نص الحوار:
■ كيف تفسر ضعف الإقبال على الانتخابات البرلمانية فى المرحلة الأولى؟
- هناك تضخيم وتهويل فى هذا الشأن، حيث تحدثت كثير من المنابر الإعلامية، سواء داخل مصر أو خارجها عن ضعف الإقبال على الانتخابات، وأنا شخصيا أرى هذا الأمر مبالغا فيه، لأننا ما زلنا فى المرحلة الأولى، ودائما ما تتسم بأنها أقل فى عملية التصويت، من غيرها، حيث تزداد نسب المشاركة فى المراحل التالية تدريجيا، مع اشتداد المنافسة، والأهم من ذلك أن نسب التصويت انخفضت فى كل دول العالم، حيث جاءت الإحصائيات الأخيرة بأن التصويت كان قبل سنوات يتراوح ما بين ٥٠ و٧٠% فى معظم دول العالم، أما الآن، فأصبح لا يزيد على ٤٠%، يعنى انخفاضها الى ما يقرب من ٣٠% فى كل مكان، وبالتالى، فهذا أمر عادى، وحسب الإحصائيات الرسمية لا تزيد على ٢٦% فى الوقت الذى تشكك فيه كثير من المؤسسات الإعلامية، وتردد القول بأن النسبة لم تزد على الـ١٠%، وهو ادعاء غير حقيقى، لأننا رأينا كثيرا من اللجان مزدحمة، وطبيعى أن يكون للمرشحين أنصار ومحبون، ما يرفع من نسب التصويت، وعلينا التنبه إلى أن هناك جهات تسعى لإفشال العملية الانتخابية، وعلى رأسها الإخوان الذين يحاولون تصوير الأمر كأنه كارثة، وهذه تصرفاتهم دائما فضلا عن ضيق الوقت الذى سبق الانتخابات.
■ ماذا عن عزوف الشباب عن الانتخابات؟
- للأسف، هذه المقولة نشرها مثقفون (كما يطلق عليهم) وهم بعيدون تماما عن الثقافة، ولا يعرفون شيئا عن الانتخابات، ونسب التصويت فى الوقت الذى يتحدث فيه هؤلاء عن ندرة ذهاب الشباب للتصويت، فإن العالم أجمع يعرف أن أقل الناس ذهابا للانتخاب هم الشباب والفقراء، إضافة لمستوى المعيشة المتدنى الذى يعمل على العزوف عن الاهتمام بالانتخابات، وأيضا البطالة تؤدى إلى اليأس وأصحاب التعليم المتدنى أقل تعلقا بالأمر والإحصائيات العالمية تؤكد هذا القول، لكن أن يأتى أحد، ويزايد ويقول إن الشباب هم أكثر الناس ذهابا للانتخابات فى كل مكان إلا مصر، فهو شخص جاهل أو مغرض، وأنصحه قبل أن يتحدث فى هذا الأمر أن يقرأ جيدا عن الانتخابات فى الخارج وكيفية إجرائها ومن الأكثر حضورا سيجد أن كبار السن هم أحرص الفئات على الحضور، أيضا من هم فى حالة مادية جيدة، ولكن يمكن أن نكون منطقيين ونقول إن إقبال الشباب انخفض بنسب ضيئلة عن ذى قبل، ولهذا أسبابه العلمية.
■ ما الأسباب التى أدت إلى ضعف إقبال الشباب فى مصر عن ذى قبل؟
- الحقيقة هناك أسباب كثيرة وراء إهمال بعض الشباب للعملية الانتخابية، يأتى فى مقدمتها التعاطى الخاطئ للإعلام مع الأمر، حيث رأينا الفترة السابقة الجهات الإعلامية تعمل وكأن الانتخابات شىء ثانوى ليس ضروريا، فقامت بإبراز أحداث كرة القدم، فمثلا اشتعلت الصحف بأحداث مباراة السوبر بين الأهلى والزمالك وكأنها الأهم بالنسبة للمصريين، أيضا اهتمام الشاشات بالراقصات والعرى والفنانين وتقديمهم على أنهم أبطال وتلميعهم فى الوقت الذى تدق فيه طبول حرب الانتخابات عمل على تهميش الاستحقاق السياسى الأبرز وانشغل الشباب بالكرة والراقصة والنجم، وانفض بعيدا عن الانتخابات، أيضا قلة الثقة فى المرشحين عملت على إهمال الشباب للعملية الانتخابية، فهناك أعداد هائلة من اللافتات التى تحمل صور أشخاص غير معروفين مطلقا فأنت تسير فى شوارع المنطقة التى تسكن فيها وتشاهد صورا لأفراد لم ترهم من قبل وأسماء أول مرة تسمع عنها وغير معلوم عنهم أى معلومات سوى أنه مرشح، وبالتأكيد يؤدى ذلك إلى العزوف، فى الوقت الذى يرى فيه الشباب قائدا ورئيسا يعمل كثيرا ولديه من المقومات التى ولدت داخلهم الثقة الكاملة فى قدرته على خدمتهم وبالمقارنة بالمرشحين وتاريخهم تجد أن هناك فرقا شاسعا بين الاثنين، فالأول هو الرئيس، ابن المؤسسة العسكرية، وله تاريخ وحاضر وجاد فى تحقيق النجاحات، أما الآخرون، فهم راغبون فقط فى الحصول على كارنية يجلب لهم حصانة ووجاهة اجتماعية دون تعب أو أدنى مجهود، لذا فمن الطبيعى أن يبتعد عن اللجنة الانتخابية، وهو فى الوقت نفسه لديه الثقة فى رئيسه الحالى.
■ هل هناك أسباب أخرى وراء هذا العزوف؟
- بالتأكيد هناك سبب آخر مهم ألا وهو تأجيل الزواج نظرا للظروف المادية، فى عدد كبير من دول العالم ومنها مصر، حيث تسبب هذا الأمر فى إيجاد حالة من الكبت الجنسى لدى بعض الشباب فى الوقت الذى أهملت فيه الحكومة، الأمر ولم تعمل على امتصاص طاقات الشباب، كما تفعل الدول المتحضرة التى تمتص الطاقات عبر توفير أنشطة مختلفة، مثل أماكن الرياضة والأعمال الثقافية والفنية وتوفير المسارح وأماكن تعلم وسماع الموسيقى وإنشاء الجمعيات الخيرية وإسنادها للشباب حتى ينفث فيها طاقاته المتزايدة، بدلا من إهدارها فى أعمال سلبية، أما هنا فى مصر، فإن الحكومة غير منشغلة بهذا الأمر ما يؤدى إلى انصراف الشباب إلى النت لفترات طويلة ليلا والنوم نهارا، ما يعمل على ابتعاد عدد منهم عن الانتخابات.
■ هل كثرة الاستحقاقات السياسية منذ ثورة يناير تعد أحد أبرز الأسباب؟
- كثرة مشاركة الشباب فى الاستحقاقات السياسية التى تمت بعد ثورتى يناير ويونيو- أدت إلى خمول البعض، وهى سمة قديمة لدى عدد من الشباب، وإن كانت مشتركة فى عدد كبير من دول العالم، حيث تكون البداية دائما حماسية وقوية عند بدء عمل معين ومع مرور الوقت يتلاشى هذا الحماس وتقل القوة حتى تصل إلى الخمول التام وأنا أشبه ذلك بالقرص الفوار الذى يفور، ويثور فى بداية ملامسته للماء، ثم ما يلبث أن يهدأ شيئا فشيئا حتى يتلاشى تماما لذلك كان الشباب فى بداية الثورة لديه طاقات كبرى واهتمام واضح فى المشاركات، واتضح ذلك جيدا فى بداية الانتخابات، وفى انتخابات الرئاسة الأخيرة الذى فاز به الرئيس عبدالفتاح السيسى إلا أن هذا الحماس انخفض بعد فترة، نظرا لتشبع الشباب بكثرة الانتخابات.
■ ذكرت الحماس وتلاشيه داخل الشباب.. هل بات ذلك سمة لديهم؟
- أن يكون الحماس مشتعلا دائما ومستمرا كما هو فى البداية أمر صعب على الإنسان بشكل عام، ويجب عليه ترتيب نفسه وقوته حتى يحتفظ بحماسه إلى النهاية وبصراحة، فإن عددا من المصريين يعرفون بعدم القدرة على الاستمرار فى المثابرة والإصرار، وينخفض الحماس الشديد لديهم، وسرعان ما يتبدل ذلك بخمول وجمود، وهذا أمر غير جيد، وأتذكر أن الأديب العالمى نجيب محفوظ قال جملة قريبة من ذلك المعنى فى إحدى رواياته، حيث نوه إلى أن أهل الحارة بينسوا بسرعة ونجد الناس فى أول الأمر دائما يتحدثون عن الأفعال، وماذا سيقدمون، وهناك قوة هائلة من الحماس وكيفية التنفيذ، وبعد مرور وقت معين نجد الأمر أصبح باردا جدا لديهم، وكأنه فقاعة هواء.
■ ما الحل للاحتفاظ بالحماس اللازم لإنجاز الأعمال على أكمل وجه؟
- الأخلاق المتمثل فى الانضباط والالتزام والمصداقية، بمعنى أن هناك عملا ما، ولدينا الحماس، لذا يجب أن نحترم أقوالنا، ونكون على قدر هذا العمل لتحمل المسؤولية والمثابرة، وهناك أمر فى غاية الأهمية، إلا وهو العمل بروح الفريق وإنكار الذات، لأن الأعمال التى يتم إنكار الذات فيها يكتب لها النجاح السريع، وخير دليل على ذلك أسلوب عمل المؤسسة العسكرية التى يعمل فيها الجميع بروح الفريق الواحد، وفيها إنكار الذات مقابل الرغبة فى الإنجاز، وأنا دائما أقول إن فرص المصريين فى الفوز بالبطولات الرياضية يكون أكبر بالنسبة للأفراد عن الفرق، لأن الأفراد يكون بداخلهم قوة العمل والفوز أكبر من الفريق الذى يضر به أحيانا الأنانية وحب الذات، وهما كافيان لإفشال أى فريق، وأقول إننا يمكن أن نكون أول العالم مثلا فى الإسكواش والسباحة الفردية ورفع الأثقال وكمال الأجسام والمصارعة والملاكمة لما فيها من أعمال فردية لا تخترقها الأنانية، انظر مثلا إلى أن هناك كثيرين يلقون القمامة فى الشارع ولا يفعل ذلك أمام منزله أو داخله، كما أن قيادات السيارات تجد فيها شيئا من الأنانية وعدم احترام الغير، وهى صفات تجدها لدى العرب بشكل عام ونسميها الأخلاق العلمية، وهى التى يجب أن يتجاوز فيها الذات للوصول إلى النجاج المطلوب والحياة المتحضرة.
■ كيف يمكن الوصول بالأفراد إلى الصحة النفسية التى تجعله مفيدا للوطن؟
- عملية تربية تبدأ منذ الصغر، ويتم فيها الاهتمام بإنكار الذات عن طريق تعليم الأطفال العمل الجماعى، وله طرق كثيرة منها الرياضة الجماعية وفرق الجوالة والكشافة وكثرة الحديث عن الجماعة وفائدة ذلك للمجتمع وللفرد والاهتمام بالحضانة، بحيث تقوم على معلمين مثقفين ومدارس بها مدرسون على قدر من العلم والأخلاق كى يستطيعوا أن ينقلوا للنشء الصفات الجميلة التى تخلق داخلهم التعاون والاحترام والعمل والمناهج المدرسيىة لا بد أن تحتوى على علم مفيد يركز على الأخلاق وحب الوطن والانتماء وقبل كل ذلك الأم والأب لا بد أن يكون لدى الاثنين ثقافة وعلم وأخلاق، فهى عملية تربوية أصيلة ولنشاهد كيفية التعامل فى الشوارع، فمثلا انظر إلى سائقى السيارات تجد أن كثيرا منهم يفتقد هذه الأخلاق، وشاهد من يقوم بسب وقذف آخر وغيرذلك من المشاهد السلبية التى نقابلها يوميا، وتؤكد ثقافة فاعليها.
■ هناك مقولة بأن الشباب أصبح فاقدا الأمل بسبب عدم مشاركته فى الحكم؟
ـ أتفق بعض الشىء مع هذا الرأى حيث إن الشباب صنع ثورتين على نظامين فاسدين ولم يلق الوضع الذى تخيله أثناء جهاده ضد الفساد، لكن بأمانة فإن تمثيل الشباب بعد ثورة يونيو أفضل كثيرا من تمثيله بعد ثورة يناير لأن الإخوان سرقوا الثورة وقاموا بالاستيلاء على كل شىء ولم يتركوا للشباب شيئا مطلقا، أما بعد يونيو فالوضع تغير عن ذى قبل وإن لم يصل لطموحات كل أبناء الثورة وأتوقع أن يحدث الحلم الذى ناضل الشباب من أجله على مراحل لأن بناء الدولة يحتاج إلى إنكار الذات والعمل الجماعى.
■ ما تفسيرك لإخفاق الأحزاب التاريخية فى الانتخابات البرلمانية؟
ـ أولا عدد الأحزاب وصل إلى ٩٠ حزبا تقريبا وهذا أمر غريب وعجيب ولاتوجد دولة فى الدنيا يكون فيها هذا العدد من الأحزاب حيث تجد كل شلة عاملة حزب دون تمثيل أى قطاع من الشعب مطلقا وطبيعى أن يكون الفشل نصيبها لأنها لم تعمل على خدمة الشارع والاقتراب من مشاكل المصريين، وقام الحزب على أساس المكاسب الشخصية والحصول على شهرة وبعض السطوة وأيضا منها مايرغب فى مكاسب مادية دون النظر إلى مصالح المواطنين، أما الأحزاب القديمة فالجميع يعلم أنهم يعملون بشكل عقيم بعيدا عن الشعب وأصبحوا منعزلين تماما عن الجمهور لأنهم استقروا كأحزاب وباتوا مشغولين بمشاكلهم الداخلية فى الصراع على الرئاسة والزعامة للحزب ومن له صفة إصدار بيانات ومن له حق الحضور أمام الرئيس وهذه أمور كلها تصب فى اتجاه الفشل الذريع أما القوائم التى نجحت فأعتقد أنها بدأت تأخذ سياسة الاختلاط بالشارع والوصول إلى كل الناخبين بشكل عملى مما ساهم فى نجاحهم.
■ الانتماء يمثل حجر الزاوية بالنسبة لنهضة الأمم كيف يمكن تنميته؟
ـ الانتماء دائما يكون لله وللوطن ويشعر الإنسان بانتمائه ويزداد عندما تقوم الدولة بإشباع رغباته البيولوجية بمعنى أن توفر له الأمن والتعليم وتقدم له العدالة بمعنى أن يطبق القانون على الجميع دون استثناء فلافرق بين شخص وآخر ولا لكون إنسان فى مركز اجتماعى كبير أو لديه أموال كثيرة، بمعنى أنه يجب أن يكون الجميع على قدم المساواة وأن توفر له العلاج المناسب لصحته وتوفر له الصحة والحرية وأن تمنحه الدولة الأشياء اللازمة للحياة الكريمة فضلا عن توفير فرص للعمل وقتها يشعر الإنسان بالانتماء للوطن، لكن حتى أكون منصفا فإن الدولة يمكنها أن تقدم كثيرا لكن تجد شخصا يتمادى فى الحديث عن افتقاده لأشياء وأنه لاينتمى لوطنه فمثلا هناك من لايعمل وينتقد الدولة ويقول إن البطالة سبب رئيسى فى نكرانه لانتمائه وهو لايعلم أن هناك فرص عمل كثيرة لكنه لم يؤهل نفسه لها فأنا أرى أن البطالة يمكن أن يكون جزء كبير منها سرابا نظرا لوجود فرص كثيرة ولكنها تحتاج إلى مهارات وتنمية والأشخاص يرغبون فى العمل وهم نائمون وهذا أمر فى غاية الغرابة لأن حقوق الأفراد على الدولة يقابلها حقوق للدولة على الأفراد وهى أن يكون الفرد راغبا فى التعليم والثقافة ومجتهدا وجادا فى الحصول على فرص عمل مثلا.
■ ذكرت أن الحرية من أسباب الشعور بالانتماء ما رأيك فى هامش الحرية الآن فى مصر؟
ـ نحن نعيش فى هامش حرية جيد ويزداد تدريجيا مع استقرار الأوضاع وانحصار الإرهاب.
■ أفهم من ذلك أننا قادرون على انتقاد الأوضاع فى البلاد بما فيها رئيس الدولة دون محاسبة؟
ـ بكل أمانة وصدق أرى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقبل الانتقاد ويستمع جيدا لآرائنا المخالفة له وحدث كثيرا فى اجتماع مجلس كبار العلماء أن كانت هناك انتقادات وتقبلها بصدر رحب وهذا دليل كبير على الحرية ولكن الظروف التى تمر بها البلاد من وجود جماعة الإخوان الإرهابية التى تحاول أن تحدث فوضى وتعمل إرهابا فى كل مكان يحتاج إلى كثير من الاحتياطات، وللعلم فإن إعطاء الحرية للجاهل مثل إعطاء سلاح لمجنون يمكن أن يقتل به أى إنسان بسهولة، وأنا أرى أننا بدأنا خطوات الديمقراطية ونحن فى مرحلة الحبو مثل الأطفال الذين يقومون قبل المشى بالحبو والآن نتعلم الديمقراطية وهى تحتاج إلى وقت والمعروف أن أسوأ برلمانات تأتى دائما بعد الثورات لكن الحمد لله انتهى زمن الأشرار من جماعة الإخوان، وبدأنا فى تصحيح مسار الديمقراطية بعد ٣٠ يونيو والديمقراطية طريق طويل يجب أن نعلمها لآبنائنا حتى يكبروا وهم على وعى ودراية بالأمر وقديما كنا نتعلمها لأن الاحتلال كان قابعا فى البلاد فكنا نخرج من المدارس ونكافح الاحتلال ونحن مازلنا فى المدارس، والآن يجب أن يتعلم الطلاب الديمقراطية الصحيحة بعيدا عن أفكار الجماعات الإرهابية فلا تحدثنى عن تعليم ديمقراطية، وهناك جماعات إرهابية وهم الإخوان يقومون باختطاف أطفال الشوارع بالأموال لتفجير الأماكن العامة ورجال الشرطة والجيش فهنا وفى هذه الحالة الدولة تتعامل مع الأمر بقوة وتضرب بيد من حديد على المتورطين فنحن فى ظروف استثنائية.
■ توجد مقارنات بين الرئيس الراحل عبدالناصر والسيسى؟
- القول بوجود تشابه بين عبد الناصر والسيسى «سراب كبير»، ولعلمك نحن هنا فى مصر يقوم أشخاص باختراع قصة ويصدقونها ويحاولون أن يُقنعوا غيرهم لتصديقها، فالحقيقة لا يوجد أى تشابه بين السيسى وعبد الناصر إلا أنهما ابنا المؤسسة العسكرية فقط، أما بخصوص السمات الشخصية فهى مختلفة تماما عن بعضها، ولنعرف أن خلق زعيم فى عام ١٩٥٢ يختلف كليا عن خلق زعيم فى عام ٢٠١٥ لأن المجتمع يتغير من وقت لآخر، وكان عبد الناصر يحكم ٢٢ مليون مصرى، أما السيسى فهو يحكم الآن ٩٠ مليونا أضف إلى أن الأول كان لديه أموالا فائضة من الملكية، أما الرئيس الحالى فقد استلم البلاد منهوبة تماما، ولقد قال السيسى إن عبدالناصر كان محظوظا بالإعلام لكنه شخصيا غير محظوظ بهذا، وبالفعل النقد سهل لكن البناء صعب، فالآن فعلا كمية كبيرة من النقد الهادم لم يوجد فى عهد عبدالناصر، وقال السيسى إن كثيرا من الشخصيات ترفض مواقع وزارية خوفا من السب والقذف الذى يطول المسؤولين من الإعلام، كما أن الأجواء السلطوية فى الخمسينيات والستينيات كانت تُهيئ للرئيس سلطات مطلقة فى كل دول العالم، وكان أصدقاء عبدالناصر من الرؤساء مثل نهرو وتيتو وغيرهما يحكمون بسلطات مطلقة، أما الآن فأصبح مستحيلا ولم يحصل عليها سوى رئيس كوريا الشمالية، الذى يعتبر مارقا عن غيره، فالأجواء فى عهد عبدالناصر كانت تشجع على الديكتاتورية وإلغاء الأحزاب، وكان العالم أجمع مشبع بهذه الطريقة فى الحكم، أما الآن فهناك معارضة وأحزاب وديمقراطية ومظاهرات، وسمات السيسى الشخصية بعيدة عن أن يكون فرعونا.
■ ومن ناحية الكاريزما؟
- الكاريزما هى القدرة على جلب حب الناس والالتفاف حول الشخص وتُسمى الذكاء العاطفى الطبيعى الذى يوجد فى الشخص وهى هبة ربانية لأصحابها، ولكن أرى أن كليهما يمتلك كاريزما مختلفة تماما عن الآخر وللعلم فإنه من الطبيعى أن يوجد كاريزما لأشخاص متتاليين فى الحكم، وأن تكون مختلفة وليس من الضرورى أن تكون متوافقة، وممكن ألا تكون لدى رئيس كاريزما مطلقا مثل محمد مرسى وحسنى مبارك، فلم يكن لأى منهما كاريزما، أما الرئيس السادات فكان يمتلك كاريزما.
■ ما الفرق بين ذكاء عبد الناصر وذكاء السيسى؟
- الاثنان امتلكا نسبة عالية من الذكاء، ولكن سياسة كل واحد كانت مغايرة تماما للآخر مثلا الرئيس عبدالفتاح لديه أسلوب وطريقة فى التعامل مع السياسة الداخلية والخارجية مختلف عن الأسلوب، الذى سلكه الزعيم جمال عبدالناصر وعموما الذكاء فى كيفية التعامل مع المستجدات التى تتغير بتغير الزمن والأوضاع الإقليمية والدولية.
■ كيف ترى شعبية الرئيس السيسى بعد مرور عام وبضع شهور على حكمه.
- الرئيس شعبيته فى تزايد مستمر لأنه بكل بساطة غير مؤهل لأن يكون «فرعون» وثقة الشارع فى شخصه كبيرة جدا، والدليل استجابتهم دائما لجميع نداءاته فضلا عن فوزه الكاسح فى انتخابات الرئاسة، وإن كانت هناك موجة غلاء وزيادة فى أسعار الكهرباء والبنزين، إلا أن هذا الأمر، نظرا للظروف التى مرت بها البلاد، ولنرى حال الأمن الآن، وكيف استقر عن أيام محمد مرسى، وأيضا عدم انقطاع الكهرباء وتوافر الخبز بالنظر إلى حالة الحرب فى كل مكان.
■ فسر لنا الحالة النفسية التى عليها أعضاء الإخوان حاليا؟
- الإخوان أشبه حالتهم الآن بعقدة المسادة، وهى التى كانت بين الرومان وإسرائيل عندما عاش اليهود فوق الجبل، وعندما علموا أن الرومان قادمون لحربهم قاموا بمحاولات الانتحار، بعد أن اقتنعوا بأنهم على حق والآخرون على باطل، وأن الجنة لهم فقط هكذا يفكر الإخوان بأنهم أصحاب الحق والحقيقة، وأن قتلاهم فى الجنة ويعتقدون أن العالم جميعه ضدهم وهو ما يُسمى فى العلم بديكتاتورية الفكر الدينى، الذى يسيطر على الإخوان والسلفيين وداعش والقاعدة، فنجد مثلا أن السلفيين لا يؤمنوا بالديمقراطية، ويقولون إنها حرام لأنها من وضع الإنسان ويحاربون الحكام والدولة دائما.
■ كيف ترى أداء النخب فى مصر؟
- أداء كثير منهم فردى وأنانى جدا، ويغلب عليه طابع الانتهازية بمعنى أن صاحب هذا الفكر يعمل لنفسه فقط دون النظر لمصلحة الوطن وتعليم النشء، فيقوم بتحليل الأوضاع وفقا لما يرى مصالحه الشخصية ولا يهمه سوى نفسه ومكاسبه، ولذلك تجده فى مواقف كثيرة متناقض، حيث يتفق فى موضوع ويختلف فى آخر مع أن الموضوعين واحد، ولكنه يسير وفق أهوائه الشخصية، وأنا أدعو عواجيز الفرح من النخب الذى تملأه النرجسية إلى بذل الجهد والعطاء، والابتعاد عن الشخصنة والاتجاه لتنوير الشباب، ونقل المهارات إليهم بدلا من المزايدات المستمرة.

كيف يكون لدينا دولارات كثيرة؟ عبد المنعم سعيد

لم ينافس أزمة «الإضراب السياسى» بانصراف غالبية المصريين عن التصويت فى الانتخابات النيابية، إلا ما بات معروفا بأزمة الدولار. هذه الأخيرة تسمية غير موفقة لأنه لا يوجد أزمة فى الدولار الذى هو كما يعرف الجميع هو عملة تنتمى إلى دولة أخرى هى الولايات المتحدة الأمريكية. أما ما لدينا فهو أزمة الجنيه المصرى، الذى هو عملتنا الرسمية، والذى يضعف أو يقوى حسب أحوال الاقتصاد المصرى. دون الدخول فى تفاصيل كثيرة فإنه قبل ثورة يناير المباركة كانت الاحتياطيات المصرية من الدولار قدرها ٣٦ مليار، وكان البنك المركزى يستثمر فى البنوك المصرية بمقدار ٧،5 مليار، كما كان هناك ٩ مليارات جاءت نتيجة مشاركتنا فى حرب الخليج وإصبحت مجنبة للطوارئ والأيام غير السعيدة. الإجمالى من الاحتياطيات الدولارية التى تملكها مصر كان ٥٢،٥ مليار غداة الثورة؛ وبالمقابل كان الدولار يساوى ٥ جنيهات وأربعين قرشا وبدون السوق السوداء المدللة باسم «السوق الموازية»!. الموقف الآن لدينا احتياطى قدره ١٦ مليار دولار، والدولار بات مساويا لثمانية جنيهات فى السوق الرسمية، أما بشأن السوق «الموازية» فلا أحد يعلم عنها على وجه الدقة.
بالطبع فإن قيمة العملة لا تتوقف فقط على حجم الاحتياطى المتاح لدى بلد ما؛ القيمة تعود إلى الحالة الكلية للاقتصاد ليس فقط كما هو عليه الحال، وإنما أيضا على ما هو متوقع لحالة هذا الاقتصاد. وعندما تتراجع عملة ما فمعنى ذلك أن أحوال الاقتصاد ليست على ما يرام، وأن مستقبله المعلوم ليس موثوقا به. كل ذلك فيه الكثير من التبسيط، ولكنه الأقرب إلى الحقيقة المرة. كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ هناك العديد من الأسباب: أخطرها أننا نحاول الالتفاف على القوانين الاقتصادية، وأهمها أنه لا يمكن افتعال أسعار للعملة التى تعكس «القيمة» فى السوق، لا يمكن الهروب منها أو حتى «الزوغان». والغريب فى الأمر أننا جربنا هذا الوضع مرات عديدة فى تاريخنا المعاصر، وفى كل مرة كان نفس السيناريو وهو محاولة التغلب على قوانين الطبيعة، فإذا ما فشلنا، وه ما يحدث كل مرة، فإننا نبدأ فى لوم المضاربين للإيحاء بأن القضية كلها مفتعلة. بالطبع هذا لا يكفى فلابد من لوم الاستيراد «المنفلت»، ولن يعدم أولى الأمر من بعض السلع التى يرونها رفاهية لا لزوم لها من أول «التفاح» وحتى غذاء القطط والكلاب، حتى نصل إلى «اللولى». طبعا لن يقول لك أحد ما نسبة ذلك كله من الاحتياجات الاقتصادية الأخرى من غذاء ومستلزمات إنتاج؛ ولن يشرح لك أحد لماذا لم تفرض جمارك على هذه السلع الترفيهية أكثر مما هو حادث فتزيد موارد الحكومة، ولن يقول لك أحد من الذى يشترى هذه السلع وفى ماذا يستخدمونها؟ السبب الثانى والذى ربما لن يقل خطورة هو أننا ننفق أكثر مما يأتينا من موارد، ونستورد أكثر مما نصدر، ونحول أموالا للخارج أكثر مما يأتى إلينا، وهناك عجز مزمن فى الموازنة العامة نتيجة كل ذلك.
كيف نعالج هذه الأزمة التى عرفناها كثيرا، وعالجناها بالخطأ كثيرا أيضا، أن نعود إلى الأصول الاقتصادية: احترام قوانين الاقتصاد، أن نرشد الحال فى الموازنة العامة، ومعنى ذلك أن يكون الإنفاق أقل، والحصول على الموارد أكثر. تقليل الإنفاق يبدأ بوقف نزيف ما لا يلزم الناجم عن أمرين: مؤسسات خاسرة، ولا يوجد فى الأفق ما يدعو أنها سوف تربح أو حتى تتوازن، ولو جربنا حظنا فى إصلاحها فمعنى ذلك إنفاق ما ليس متاحا مع انعدام ضمان النجاح بعد الإنفاق. وبعد أن تمت الوحدة الألمانية أجرت ألمانيا أكبر عملية عرفها التاريخ للتخلص من المؤسسات الخاسرة وهى كثيرة، حتى بيع بعضها بما يقابل «مارك» واحدا (لم يكن اليورو قد تم تطبيقه بعد) فقط لا غير؛ يأخذها المشترى بما لها وما عليها، المهم أن تتخلص الدولة من نزيفها. تخيل حالة مصر الاقتصادية بعد أن يتوقف نزيف مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وغيرها قرابة ١٦٥ شركة ومصنع، بالإضافة إلى مؤسسات وهيئات عامة من صحف قومية إلى محطات تليفزيونية. ساعتها سوف تكسب مصر مجموعة من المكاسب: سوف تحصل الدولة على بعض العوائد من عملية البيع؛ ولكن إذا بيعت كل هذه المؤسسات الخاسرة بجنيه واحد فإن الورم السرطانى الجاثم على صدر الدولة سوف يزول. ببساطة سوف ينتهى النزيف. ولكن المكسب الأكبر الذى سوف تحصل عليه مصر سوف يكون عندما تبدأ بعض هذه المؤسسات فى العمل بكفاءة أكثر بكثير من حالتها الراهنة بحيث تكون قابلة لفرض الضرائب والرسوم التى تزيد من موارد الدولة. بالطبع فإن بعضا من هذه الهيئات يساوى الكثير من الدولارات، فلم تعد شركات الطيران «الوطنية» تابعة للدولة فى معظم بلدان العالم، ولا حتى المطارات أو الموانئ. لا يحتاج الأمر لذكاء كبير أن أيا ممن سوف يشترى ما لدينا، وبعد أن يستثمر فيه ويحوله من الخسارة إلى المكسب، سوف يحمله على كتفه ويرحل إلى بلاد بعيدة.
التخلص من الخسارة سوف يجنى دولارات كثيرة، ولكنها لا تكفى للتعامل مع متطلبات بلد ناهض مثل مصر لديه قائمة طويلة من «المشروعات القومية» التى تحتاج كلها إلى تمويل. الحل هو أن نقوم أولا بتحرير الاقتصاد، ونتخلص من الحالة القائمة التى تجعلنا فى مؤخرة الدول فى التعامل مع الاستثمار؛ لا بأس من التقدم حتى المكانة الخمسين، المكانة الأولى بعيدة المنال، وأحلام صعبة التحقق، ولكن الدخول فى منتصف الترتيب سوف يأتى لنا باستثمارات المصريين فى الخارج، وكذلك العرب، وتصبح مغرية للاستثمارات الأجنبية الحالية فى مصر أن تتوسع، وتصدر. وثانيا ربما نحتاج قدرا من الترشيد فى المشروعات القومية، وهو ترشيد لا يمنع المضى فيها، وإنما يجرى تقسيمها إلى مشروعات يقوم بها القطاع الخاص، ومشروعات أخرى تتحول إلى شركات عامة كبرى يساهم فيها المصريون أو يستثمرون فيها كما جرى فى قناة السويس الجديدة، ومشروعات ثالثة تقوم بها الدولة وتلك الخاصة بالأمن القومى.
كل ذلك يجعل من الممكن تخفيض سعر الفائدة على الجنيه المصرى حتى نشجع المصريين على شراء الأسهم، أو شهادات الاستثمار فى المشروعات الجديدة. وبالطبع فإن الأرض المصرية مصدر هام للدولارات، ولكن الأمر يحتاج بعضا من الشجاعة لكى ننشئ بنكا للأراضى؛ فلا يمكن قتل الدجاجة التى تبيض ذهبا على طريقة مشروع «بيت الوطن» الذى يتحمل القائمون عليه المسؤولية التاريخية لفقدان المصداقية فى استخدام الأرض كمصدر للعملات الأجنبية. وكما هو واضح فإن كل ما ذكر له علاقة بوقف النزيف من ناحية، والترشيد من ناحية أخرى، والاستثمار من ناحية ثالثة. ولكن هناك أمر أخير من الجائز أن يكون مفيدا، فالثابت كما ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى أن هناك ٥ ملايين لاجئ فى البلاد الآن، وهؤلاء بطرق متنوعة، ولأسباب تاريخية، يعيشون ويعملون ويتعلمون ويتفاعلون بأشكال مختلفة. فلماذا لا نمنح مليونا من هؤلاء الجنسية مقابل إما دولارات تقدر، أو الاستثمار بما يماثلها فى المشروعات المختلفة. إن مليونا يعيشون وسط ٩٠ مليونا من المصريين لن يستعصوا على الاستيعاب، والهضم، ومعظمهم من الدول العربية المختلفة اعتادوا أصلا العيش فى مصر والزواج منها والتجارة مع أهلها. إن متابعة اللاجئين العراقيين والسوريين والفلسطينيين والسودانيين تشير إلى أن نسبة غير قليلة منهم لديه القدرات المالية، والمهارات الاستثمارية، والصلات العائلية فى مصر ما يجعلهم مؤهلين للجنسية المصرية التى لا بد لها من مقابل وهى التى تمنح لهم التعليم والأمن والسلع المدعمة. هل هذه شطحة بعيدة، ربما، ولكن التفكير خارج الصندوق يتطلبها؛ فإذا ما نفذناها وكل ما سبق فإن الجنيه المصرى لن يكون فى أزمة لأن الدولار سوف يكون متاحا بأكثر مما يتوقعه الكثيرون.

Monday, October 26, 2015

يا ناكل منها الشهد.. يا هنشرب عصير برسيم!! بقلم د. محمود عمارة ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٥

أثناء زيارة العبقرى «أنور السادات»، إلى إسرائيل عام ٧٧، طلب زيارة «معهد بحوث الصحراء» هناك.. لأنه كان يعرف أن مستقبل مصر فى تنمية صحاريها.. ويعلم أنهم مُتربِّعون على عرش استصلاح واستزراع وتنمية الصحراء، والدليل: أنهم بـ٢ مليار متر مُكعب من المياه، نجحوا فى الاكتفاء الذاتى لـ٦.٥ مليون من البشر، ويصدِّرون مُنتجات غذائية، وأعشاب طبية. وزيوت عطرية، وتقاوى وورود بـ١٢ مليار دولار سنوياً!! ونحن بخمسين مليار متر مُكعب مياه للزراعة، نستورد بـ٢٠ مليار دولار أكل وشرب ودخان، وإجمالى ما نُصدَّره من خضار وفاكهة و«برسيم» لأحصـنة ومـواشى الخليـج بـ ٢ مليار دولار!!
كان الرئيس (الداهية) يريد أن يفهم: كيف نجحت بحوثهم الزراعية فى إنتاج تقاوى، يُنتج منها الفدان بالتنقيط ١٤ قنطار «قُطن» (ونحن بالغمر نُنتج ٥ قناطير)؟.. وكيف استطاعوا إنتاج قطن حيوى «ألوان» (أبيض، وأزرق، وفوشيا)؟.. ويُنتجون من فدان «الفول» ٣ أطنان، وإحنا يدوب «طن».. يصدَّروا «تقاوى» وكبد البط، وإحنا بنستورد ٤٠ ألف طن «قُطن» من بوركينا فاسو سنوياً، ونستورد بمليار دولار سجاير ودخان!!.
وبعدين نسأل هوَّ ليه الدولار طالع زى الصاروخ؟.
وبعد كل هذه «الخيبة» رايحين قال نغزو الصحراء.. بدون بحوث زراعية، ولا حتى دراسة جدوى اقتصادية.. ولا حتى نقرأ التجارب المُميَّزة، وناخد آخر سطر منها!!.. غُشومية قول.. عشوائية قول.. فتحة صدر قول!!.. لغاية ما الاتحاد الأوروبى قال من أسبوع: هذا عمل غير مؤسسى.. فقرَّرت الحكومة إنشاء شركة لإدارة المليون ونصف المليون فدان.. قبل حتى الاطلاع على تجربة «هيئة المشروعات والتعمير الفاشلة».. التى تأسَّست بقرار جمهورى عام ١٩٧٥، بغرض ظاهر من اسمها.. وبعد ٤٠ سنة مدينة الآن بـ٣١ مليار جنيه!!.
ثانياً: تعالوا نشوف ونتعلم، من تجربة إسرائيل للقرى التعاونية (أول قرية كيبوتس) تأسست عام ١٩١٠ على بحيرة طبرية، وللشركة التى أسّستها المخابرات الإسرائيلية، من خمسين سنة تحت اسم «أجرسكو».. ماذا فعلوا ليستمر نجاحهم إلى اليوم؟
١- جمَّعوا الشباب فى قُرى تعاونية «الكيبوتس».. مساحة القرية لا تزيد على ألفى فدان (عندهم بالدونم، والدونم = ١٠٠٠ متر)!!
٢- كل «كيبوتس» أو أكثر من المجاورين له، «يزرع صنفا واحدا»: فراولة- عنب- أعشاب طبية- نباتات عطرية... ليه؟
لتسهيل عمليات الزراعة بالميكنة الحديثة.. الإرشاد ومكافحة أمراض النبات.. الحصاد وتجميع المُنتجات.. ثم الفرز والتعبئة والتغليف والتبريد والنقل والشحن من مكان واحد!!.
(عندنا كل واحد يزرع اللى على مزاجه، بلا قاعدة بيانات أو إرشاد- كُله يزرع برتقال وبعد خمس سنين نقلَّع البرتقال.. «مشمش» ونقلًّع المشمش).. وكل واحد يبنى باكنج هاوس لنفسه.. يشتغل شهرين وقافل طوال السنة!!.
٣- فى مراكز التجميع والفرز.. تقوم «التعاونيات» بجمع فرزة التصدير من الدرجة التانية، لبيعها فى أسواق من المُنتج إلى المستهلك مُباشرةً (دون سماسرة أو وسطاء) فيتحصَّل المزارع على سعر معقول لمُنتجه، ويحصل المستهلك على السلعة بأسعار مقبولة (عندنا البرتقال بستين قرش بالمزرعة- فى السوق بأربعة وخمسة جنيه- والبصل بخمسين قرش، وللمستهلك بـ ٣ و٤ جنيه) فالفلاح يُفلس، والمستهلك يُلطم!! (عندهم الفرزة درجة تالتة، تذهب إلى التصنيع، فيخلقون فرص عمل بالآلاف تحتاج إلى مُهاجرين، ومنهم للأسف مصريون)!!.
٤- هُـناك كل المؤسسات المالية، تُقرض المزارع والمُصدِّر والمُصنِّع، وشركات للتأمين على المخاطر (مخاطر تقلبات الطقس- عدم الدفع للمُصدرين من المستوردين)!! عندنا إبقى قابلنى، لو لقيت بنك يُمِّول مشروعات زراعية!!.
٥- عندهم «Logo» واحد JAFA.. علامة تجارية موحَّدة.. فيسهُل الإعلان الجماعى بالأسواق العالمية.. (عندنا كل مُصدَّر عامل لنفسه Logo- غالباً اسم زوجته أو عشيقته (كتبت مرَّة عن واحد كاتب على الكراتين شركة Zizi.. وباعت البضاعة للسوق الفرنسية.. مش فاهم إن كلمة Zizi بالفرنساوى معناها: العضو الذكرى!!.. والفرنسيين يفـطسوا مـن الضحك علينا)!!.
٦- عندهم الرقابة على الواردات والصادرات بحق وحقيقى (عندنا بالرشاوى تاخد ورق بخاتم النسر على بياض- وتحط كراتين سجاير فى قلب كراتين الخرشوف.. وتدهن الزيتون الأسود بالورنيش) كل دا حصل وبيحصل حتى الآن.. بلا حساب، وممثلينا التجاريين فى الباى- باى (اللى بيتاجر فى الروبل، واللى بيأجَّر شقق مفروشة، واللى بيدلَّع نفسه (شُفت بعينى محدش قال لى)!!.
٧- لديهم منظومة للنقل (البرى والبحرى والجوى) وأرصفة بكل موانئ الدول المُستهدفين لأسواقها.. وتجدهم فى كل المعارض الدولية (فى سيال بباريس، وأنوجا فى ألمانيا) وسفيرهم واقف بنفسه يستقبل الزبائن.. وإحنا قاعدين بنجادل ونقاوح.. وبعدين نتكلم عن «المؤامرة الكونية»!!!!
صباح الخير أيها المسؤول عن المليون فدان (اللى ما نعرفش هوَّ مين):
عايزين تعملوا شركة تصلَّح وتزرع، وتصدَّر وتصنَّع، وتعمل تنمية مُستدامة.. اقرأوا وافهموا تجارب الآخرين الناجحة، وناخد آخر سطر.. وبغير ذلك هنلبس فى الحيط!!.
الخُلاصة: لكم الخيار: «يا ناكل منها الشهد.. يا هنشرب عصير برسيم»!!
ونستكمل الإثنين القادم
■ ملحوظة: نسيت أقول لك: «إن الإسرائيليين (بمعهد بحوث الصحراء) قالوا للسادات: إنهم استفادوا جداً من أبحاث علماء مصر: د. القصاص، ود. مصطفى طلبة، ود. مُستجير!! (وما قالوش ده عيب ولا حرام).. عشان كده راحوا الفضااااء، وإحنا غرقانين فى شبر مــاااء!!
(الله يرحمه» أنور السادات.. (كان سابق عصره بخمسين سنة)!!.

Sunday, October 25, 2015

الانتخابات.. ردح إعلامى وتجنيس حزبى! بقلم رامى جلال ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٥

بنسبة مشاركة ٢٦%- وهى ليست قليلة أو «مقاطعة» كما يصورها البعض- انتهت الجولة «الأولى» من التصويت بانتخابات مجلس النواب. ولى الكثير من الملاحظات، أذكر منها سبعا فيما يلى:
١- الأحزاب «التاريخية» هى ماض مكانه كتاب التاريخ للصف الرابع الابتدائى. أما الأحزاب الجديدة فهى فى مجملها ليست أحزاباً، هى مفوضيات قامت بإعطاء غرباء عضوياتها (مثلما تجنس قطر الرياضيين). وهذا ليس عملاً حزبياً، بل عمل من أعمال المرتزقة.. وسلم لنا حضرتك على الأيديولوجيا الجامعة لكل هؤلاء، وبلغها أن توجهاتهم شخصية وليست حزبية، لذلك لا يمكن تحريكهم ككتلة فى اتجاه معين كما يظن صانع القرار بتلك الأحزاب.
٢- دور الإعلام هو توعية الناس وليس الردح لمن لم يشارك منهم. ودور الدولة هو تأمين العملية (حدث بالفعل)، وضمان النزاهة (تحقق داخل اللجنة فحسب). وتهيئة بيئة سياسية مناسبة، وهذا لم يحدث، لأنه تم استبعاد إجرائى لقوائم بعينها (مثل «صحوة مصر»)، وهذا خطأ سياسى. فضلاً عن طول فترة إعداد القوانين الذى قابله «سلق» للعملية على الأرض.
٣- الارتفاع الكمى لعدد المرشحين لم يقابله تجويد نوعى لهم؛ حيث نسبة المشبوهين بهم تجعلنا لا نعيد النظر فى الانتخابات والديمقراطية فحسب بل فى جدوى وجود أجهزة رقابية!
٤- لا أفضل فرض غرامات لعدم التصويت. لكن لو حدث فلابد من تطبيقها مثل دول كثيرة (الغرامة فى تركيا ٣ دولارات، وفى سنغافورة ٥٥ دولاراً، وفى أستراليا ٢٠ دولاراً، ومن لا يدفع يتحول للمحكمة ويواجه غرامة ١٧٠ دولاراً غير مصاريف التقاضى، فضلاً عن احتمالية توجيه عقوبة جنائية). من الممكن فى مصر تحصيل المبالغ وقت تجديد بطاقة الرقم القومى مثلاً.
٥- انتهت فزاعة السلفيين، لانفصال قواعدهم عنهم (بعضهم سيعود للمساجد وآخرون سيراودهم نموذج داعش). عموماً مشاركتهم السياسية أفضل من عملهم تحت الأرض.
٦- جزء من تجاهل الناخبين للمرشحين هو انعكاس لتجاهل المرشحين للناخبين بعدم التوجه لهم والاهتمام بهم، لأن آليات الانتخاب وأنماطه لا تزال قديمة (عصبية وقبلية واستقطاب وشراء أصوات) لا أحد يهتم بالناخب العادى الذى ملّ عملية الاقتراع ويحتاج لحافز قوى (١٢ استحقاقاً خلال أربع سنوات!).
٧- «حزب الكنبة» عاد لقواعده سالماً، ولن يشارك مرة أخرى إلا فى الأزمات أو عند رفع الوعى وإصلاح الإعلام وبناء المؤسسات للوصول للديمقراطية، وليس القيام بإجراءاتها الشكلية دون توفر مقوماتها!

عفواً حزب النور.. دوركم انتهى بقلم عبدالناصر سلامة ٢٥/ ١٠/ ٢٠١٥

بعد الإطاحة بالإخوان المسلمين مباشرة، كان من المفترض أن يلحق بهم السلفيون فورا، وتحديداً الجناح السياسى، المسمى حزب النور، هكذا كانت رؤية ٣٠ يونيو، ولهذا تداولت الأنباء أسماء قيادات الحزب فى قضايا مازالت كامنة حتى وقت اللزوم، وهكذا كانت تتوقع كل القوى السياسية، إلا أن رؤية فردية فرضت إرادتها فى النهاية، باعتبارها صاحبة الكلمة الأخيرة، وقد انطلقت هذه الرؤية من ضرورة الاستفادة منهم إلى أقصى مدى ممكن، وأن الإطاحة بالحزب ككل سوف تكون بشكل ديمقراطى من خلال الصناديق، وليس على طريقة الإطاحة بالإخوان.
وقد كانت هذه الرؤية ثاقبة إلى حد كبير، حيث أخذت فى الاعتبار عدة عوامل مهمة هى:
* أن الطريقة التى جرى بها الطلاق البائن بين النور والإخوان خسر معها الحزب نسبة كبيرة جدا من الشارع الإسلامى الذى لا ينتمى رسميا لا إلى هذه ولا إلى تلك، ومن ثم فإن موقف الحزب فى أى عملية تصويتية سوف يحمل تراجعا كبيرا.
* أن الحزب قد خسر كثيرا من قواعده، خاصة الشبابية منها، الذين لم يقبلوا بهذا الموقف، والدليل على ذلك أن اعتصامى رابعة والنهضة قد ضمَّا الآلاف من الشباب المنتمين لحزب النور رسميا، وبذلك أصبح الحزب يتحلل من داخله.
* أن المواقف السياسية لقادة الحزب، مخيون وبرهامى وبكار، الذين انخرطوا فى التنازلات، لن تلقى قبولا بأى حال بين أعضاء الحزب الذين يُغلبون عامل الدين على اللعب بالسياسة، ومن ثم فسوف تنفض من حولهم أعداد كبيرة بمرور الوقت، وقد كان.
* أضف إلى ذلك أن الفتاوى الدينية العديدة التى صدرت عن برهامى تحديدا، على مدى العامين السابقين، كانت كلها محل انتقاد شديد، ليس بين أعضاء الحزب فقط، ولا بين علماء الدين، وإنما فى أوساط العامة أيضا، الذين رأوا فيها خللا واضحا.
* إلى جانب ذلك أيضا، فإن المواقف المتضاربة للحزب تجاه كل القضايا تقريبا، سياسية كانت أو دينية، قُوبلت باستياء شديد، حتى لدى خصومهم، الذين تبنوا حملة تشهير بالحزب على كل الأصعدة، ما جعل منه مادة دسمة للتندر.
* الأهم من ذلك أن الحزب، بشكله الحالى، أصبح يمثل عبئا على النظام السياسى، حيث النص الدستورى على منع إشهار أحزاب على أساس دينى، والهجوم الضارى طوال الوقت من الأحزاب العلمانية عليه، وسط مخاوف من تفوقه فى الانتخابات.
المهم أن ساعة الخلاص من الحزب قد حانت، وقد يتم إغلاق هذه القضايا التى تدينهم، أو التغاضى عن تلك الملفات بشأنهم، رداً للجميل، فهم الذين أفتوا من قبل بعدم جواز الخروج على الحاكم فى عهد الرئيس مبارك، ثم رأوا جواز ذلك مع الرئيس مرسى، ثم حرّموا ذلك مع الرئيس السيسى، وهم الذين أجازوا الدعاء على أحد الرؤساء، ورأوه حراما على الرئيس الآخر، وهكذا كانوا طوال الوقت مجالا خصبا للانتقاد، بل للسخرية أيضا.
الغريب فى الأمر أن قادة الحزب، وعلى مدى عامين وأربعة أشهر تقريبا، لم يحاولوا أبدا أن يعوا الحقيقة، وهى أنهم ورقة تم استخدامها فى وقت ما لضرب تيار مشابه، سواء بالفتاوى أو بالتصريحات، ولن تكون هناك حاجة إليهم فى المستقبل، لا سياسياً، حيث كثرة أعداد أحزاب النفاق وتقديم فروض الولاء والطاعة، ولا دينياً، حيث كثرة مشايخ آخر الزمان، بدءا بمشايخ الميادين والمظاهرات، حتى مشايخ الفنانات والفضائيات.
هى نتيجة كانت متوقعة، وسقوط لم يكن مفاجئا، لحزب آثر العمل بالسياسة عن العمل بالدعوة على خلاف ما كان يجب، وآثر الانفصال عن قاعدته، لحساب السلطة الحاكمة، وأغرت قياداته شهرة الفضائيات ولقاءات العسكريين والتنفيذيين عن الالتحام بالشارع والاحتكام إلى الله، ولذلك فقد رأى البعض أنهم خسروها دنيا وآخرة معا، وكما نرى فقد سادت حالة من الارتياح العام فى الشارع المصرى ككل، أو بمعنى آخر (فما بكت عليهم السماء والأرض).
إلا أنه رغم كل ذلك يبدو أن الرسالة لم تصل الحزب حتى الآن، وليس أدل على ذلك من كلام ياسر برهامى نفسه فى أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات (السيسى سابنا ننضرب)، فى تصريح غريب يؤكد أنه كان يتوقع تدخلاً فوقياً فى مواجهة إرادة الناخبين، أو فى مواجهة حملة التشهير بالحزب، فهو لم يعِ، حتى اللحظة، أن التعبير الأدق، حسبما ردد أحد أعضاء الحزب، هو أن السيسى ضربنا، أو قد يكون وعى الأمر، ولكن لا يريد أن يصدق.. إنها الملهاة.
أعتقد فى أعقاب هذه الانتخابات مباشرة، وبالتزامن مع الضائقة المالية والاقتصادية التى تمر بها البلاد، ومع حالة الاهتراء العام على كل الأصعدة، لن يكون حزب النور وحده هو النموذج فى هذا المضمار، هناك الكثير من الكيانات التى سوف تلحق بالحزب، ويجب أن تلحق به على وجه السرعة، منها ما هو السياسى، والإعلامى، ومنها ما هو التنفيذى والأهلى، وأيضا فى مجال الخبراء والمستشارين.
بمعنى أصح، القضية لم تعد حزب النور، الذى أصبح من الماضى، سياسيا على الأقل، نحن الآن فى حاجة إلى ثورة تصحيح حقيقية، محورها الفاسدون والمفسدون والانتهازيون، إضافة إلى الزملاء والأصدقاء والرفقاء، ولنكن على يقين أنها إن لم تكن بقرارات القيادة فسوف تكون بقوة الشارع، وإن لم تكن عن طيب خاطر فسوف تكون قسرا وإلزاما، وإن لم تكن بحجم المأساة التى نعيشها فهى ملهاة إضافية.

Saturday, October 24, 2015

أغنية التيوس! بقلم د. وسيم السيسى ٢٤/ ١٠/ ٢٠١٥



يعتقد معظم الناس أن فن المسرح بدأ فى اليونان ٩٠٠ ق. م، ولكن حقيقة الأمر أنه بدأ فى مصر القديمة قبل الأسرة الأولى حوالى ٣٤٠٠ ق. م «عصر الاتحاد الأول» حيث إن الملك مينا موحد القطرين ٣٢٠٠ ق. م هو صاحب عصر الاتحاد الثانى، وقد يكون فن المسرح بدأ قبل ٣٤٠٠ ق. م بكثير.
المسرحية التى عثرنا عليها كانت على حجر أسود، استخدمه القرويون المصريون لطحن الغلال لذا سميت هذه المسرحية بمسرحية حجر الطاحون، وهذا الحجر موجود الآن فى المتحف البريطانى.. لندن.
فى سنة ٨٠٠ ق. م أمر «شبكا» ملك مصر بإعادة كتابة هذه المسرحية للأجيال القادمة، مرت الأيام ووقع هذا الحجر الثمين فى يد القرويين الآنف ذكرهم، فجعلوه قاعدة لطاحون تُطحن عليه غلالهم، ضاعت الكلمات، لكن ما تبقى لنا لا يقدر بثمن.
هناك فى هذا الحجر فجوة فى الوسط مؤلمة، وما تبقى لنا جزء على اليمين، وجزء على اليسار، والخاتمة.
هذه المسرحية تعتبر دراما تمثل انتصار الخير على الشر، كذلك نجد على جدران معبد إدفو تمثيلية أخرى باسم: انتصار حورس على أعدائه، ويرجع تاريخ نسخ هذه المسرحية إلى أوائل الأسرة الثانية عشرة.
إن كلمة دراما كلمة يونانية وليست مصرية، وهى تنطق Dramatis ومعناها قصة ممثلة عن الحياة الإنسانية، يمثلها أشخاص يقلدون العصر الذى جرت فيه، فى لغته، وملابسه، وظروفه المحيطة به، والدراما تنقسم إلى ١- الكوميديا. ٢- التراجيديا. ٣- التراجوكوميديا.
أما التراجيديا فمعناها حرفياً: أغنية التيوس! ذلك لأن Tragos معناها تيس Goat، Aoide معناها أغنية، وسميت كذلك لأن المنشدين للإله ديونزيس اليونانى، كانوا يلبسون جلد التيس أثناء الغناء.
تُرى ما الفرق بين الدراما المصرية، الدراما اليونانية؟ يحدثنا سليم حسن فى كتابه: الأدب المصرى القديم.. جزء ٨، أن الدراما المصرية أقدم بآلاف السنين، بل وأنضج بكثير حتى إنها تكاد تقارب دراما العصر الحديث! أيضاً نجد انتصار الخير على الشر فى الدراما المصرية، بينما نجد القدر يلعب دوراً مهماً فى الدراما اليونانية.
كذلك المسرح متنقل فى مصر القديمة «شعبياً مثلاً»، وثابت فى المسرحيات اليونانية، وبالتالى فالخلفية «المناظر» طبيعية فى الدراما المصرية، ولكنها صناعية فى الدراما اليونانية.
أخيراً نجد الحوار يغلب على الغناء فى المسرحيات المصرية، بينما فرق المنشدين «الغناء» يغلب على الحوار فى المسرح اليونانى.
جاء طاليس فى القرن السادس قبل الميلاد إلى مصر، تعلم الفلسفة، وعاد إلى بلدته أيونيا ينقل إليها ما تعلمه عندنا، كما جاء أفلاطون وأقام فى مصر ١٣ سنة، وذكر فى كتابه القوانين: ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه عن مصر، أيضاً سولون.. اعتنق الأمونية، وعلمناه القانون، وترك لنا كلماته التى تقول: أخذنى أحد الكهنة المصريين وأرانى البيت الذى كان يسكنه أفلاطون، وقال لى بعد أن رَبَتَ «طبطب» على كتفى: أنتم أيها اليونانيون أطفال بالنسبة لنا!
كتب الدكتور طه حسين فى كتابه: مستقبل الثقافة فى مصر: اليونانيون يعرفون أنهم تلاميذ للمصريين فى حضارتهم القديمة، وأخيراً الكتاب الرائع أثينا السوداء للمفكر الأمريكى: مارتن بارنال: حضارة اليونان كلها.. بل نصف أبجديتها من مصر! حقاً مصر أستاذة اليونان فى علومها وفنونها المختلفة حتى الفن المسرحى!

Friday, October 23, 2015

حرق أوبرا القاهرة

الوثنية السياسية بقلم د. مصطفى حجازى ٢٣/ ١٠/ ٢٠١٥

هل نحن وثنيون؟! قبل أن يصدمك السؤال.. فلتصدمنا الإجابة.. «نعم».. أكثرنا.. «وثنيون»..!!
الوثنية هى ليست بالضرورة أن تتعبد وثناً أو تسجد لصنم.. وفقاً لتعريفات الأفلام التاريخية أو المألوف فى السرد والحكايات..!
الوثنية- كما أعرفها- هى ألا تَرُدَّ أى حقيقة إلى أصل منشئها وأن تُنكِرَ طبيعة تكوينها ومسببها الأول.
تُنكِرَهُ جهلاً أو كِبراً أو جُرماً لا فرق.. تَتَكبر بفرطِ الجهلِ أو تَجهَل بفرط الكبر لا فرق.. يبقى الأمر مؤثماً ومُفسِداً..!
تذكرون «النُمرود».. ذلك الملك الوثنى الأشهر فى التاريخ، والذى كان طرف المحاجة التاريخية مع أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام..
الوثنية لدى «النُمرود» لم تكن رغبة منه فى أن يعبد صنماً.. النمرود- فقط- رأى من الحقيقة حوله ظاهر الحدوث لا أصل السبب.. وادعى لنفسه قُدرةً ودوراً وفضلاً فى أصل السبب بأن قال: «أنا أحيى وأميت»..!
وثنية النمرود- ومن عجب- كانت «وثنية سياسية» فوق كون ظاهرها «وثنية دينية»..!!
فأكثر من كونه ينكر الخالق.. كان يتعالى بجهله على طبائع الأشياء ويؤسس علاقته بمجتمعه على هذا النحو.
لم يفهم النمرود من شأن «الحياة والموت» فى ذلك الإنسان إلا فقط كونه جثة تتحرك أمامه يستطيع هو أن يقرر لها أن تتحرك أو تسكن.. بأمر أو بقتل.. لم يفهم من شأن الحياة والموت فى ذلك الإنسان روحه وعقله وحرية إرادته ووجدانه وعاطفته وقدرته على الاختيار صواباً أم خطأً.. وأنه لا يملك أياً من ذلك فيه.
كم مارسنا «الوثنية السياسية» فى مصر وعالمنا العربى وفى العالم على اتساعه..!
وفى مصر على وجه الخصوص.. كم ادعى- منا- من ادعى أو توهم أنه هو مَن «أقام وأقعَد».. ومَن «حرَّك وسكَّن».. ومَن «ثوَّر وهدَّأ».. ومَن «أحيا وأمات»..!
كم دفع الكبر والجهل أُناساً أن يظنوا تارة فى أن تحرك المصريين فى يناير ٢٠١١ وفى نوفمبر ٢٠١١ وفى يونيو ٢٠١٣ كان بين أصبعى حناجرهم أو فضائياتهم أو أجهزتهم أو تنظيماتهم أو دسائسهم أو أموالهم.. وأنه حين تحرك الأحياء ممن ينتمون للإنسانية وليس لغيرها.. أنهم تحركوا بإيعاز ممن أوعز.. وبنداء ممن نادى.. وبدعوة ممن دعا..!
أخطر ما فى «الوثنية السياسية» أنها تورث أوهاماً تصل بالناس للضلالات والهذيان.. سقط أسيرها مبارك فأسقطته.. وسقط أسراها مَن لحقوه من نظامه أو تنظيم الإخوان ودائرة الإسلام السياسى وبقايا ممتهنى السياسة من مختلف المشارب.. فأسقطتهم.. صورت لهم ضلالتهم أن المجتمع يعود لإنسانيته أو يفتقد حريته أو يتمنى العدل.. بأمر أو بتآمر..!
كل مَن اعتنق «الوثنية السياسية»- سلطة أو حكاماً أو محكومين- وتصور أن قلوب الناس بين أصبعى أمره أو أمواله أو فضائيته أو مؤامرته.. سيبقى فى غيه..!
نعم يستطيع أن يقتل الناس بالخوف أو التوتر أو القلق أو العوز أو ألا يقتلها.. مثله كمثل النمرود..!
ولكن أيضاً مثله كمثل النمرود لن يملك للناس إحياء لـ«إنسانية» ولا مواتاً لها.. ولا «إقبالاً ولا إعراضاً».. ولا «اصطفافاً ولا انفضاضاً».. و«لا توحداً ولا تنافراً».. ولا اعتقاداً فى قضية.. إلا بأصل طبيعة البشر بأن يعتقد هذا الإنسان ما يعتقده بوجدانه ويُقِرهُ بقلبه.. فيؤمن بأنه يملك وطناً يَعِدُهُ حُلماً.. كما اعتقد بإيمانه فيمَن يعبده أنه يملك عقيدة تعده نعيماً وقيمة وخلاصاً من نكد الدنيا.
فلا الأحياء (الكتلة الحية) من المصريين أزاحوا مبارك، امتثالاً لمؤامرة خارجية أو داخلية.. ولا تضامناً مع ما يعتقده الإخوان ولا غير الإخوان.. ولا بمثلها ألزموا مَن جاءوا بعده من نظامه بأن يُبقوا على بعض ما وعدوا..!
ولا الأحياء من المصريين أزاحوا الإخوان تلك الإزاحة الخشنة، امتثالاً لصراخ إعلام ولا لدسائس أجهزة ولا نسياناً لفشل نظام مبارك ولا قبولاً بفضلاته الإعلامية والسياسية والدولتية بينهم..!
المصريون شأن كل خلق الله يحيون «إنسانيتهم» أو يموتون «إنسانيا» بسنن خالقهم فيهم.. بأن يحرك قلوبهم وعقولهم بما يَمسها ويُقنِعُها.. لا بأمر «نُمرود» خارج ولا «نُمرود» داخل..!
فمن شاء أن يكون جاداً صالحاً مصلحاً فى شأن هذا الوطن.. فليبدأ بأصل الأمور وحقائقها بأن يعرف- ويجتهد فى أن يعرف- كيف يصل بالناس- اقتناعاً وإيماناً ومنطقاً.. لا قهراً وتدليساً وجهلاً- بأن يملكوا وطناً يقومون على شأنه.. يحمون حُلمَه قبل أن يحموا أرضه.. فهكذا خلق الله البشر وهكذا أراد لهم.
فلا الناس بطوناً تمشى على الأرض ولا ببغاوات عقلها فى أذنيها.. ولا آلات تُجبَرُ على الإنتاج والعمل.. وإن بقيت فينا بطون وببغاوات وآلات..!
بالمناسبة هذه السطور وما سبقها وما قد يلحقها بإذن الله.. ليست نصيحة لأحد.. ولا تذكرة لأحد.. ولا تبصرة لأحد.. ولكنها اقتفاء للحقيقة وبحث عنها.. وبقدر صدق اقتفائنا لها يكون حظنا من أن نكون أحياء أو أمواتاً تعيش بين أحياء.. وكفى بالحقيقة- لكل مَن أراد أن يعيش حياً لا ميتاً- تَذكِرةً وتَبصِرةً ونصحاً..!
يا سادة.. لقد تجاوزنا فى مصر- وبصدق- وقت التناصح الاقتصادى أو السياسى أو الاجتماعى بتصورات أو بخطط.. وتجاوزنا وقت التبصرة بالقيم والتنادى عليها.. فلا قيمة لتناصح فى مجتمع اعوجت فيه الفطرة أكثر من كونه فسد.. هذا وقت البحث عن الحقيقة والاستقامة عليها لمَن استطاع.. ثم يُجدى التناصح مع مَن حيا!
فقديماً قال بشار بن برد: «لقد أسمعت لو ناديت حياً..!» وحديثاً قال مارتن لوثر كينج: «كل إنسان يموت.. وليس كل إنسان يحيا»..!
من سنة الله فى خلقه فى أوقات التغيير الجذرى كالتى نحن فيها أن يكون الأمل عظيماً بقدر عظم التحدى وعظم الفساد.
أملى ويقينى أن بمصر أحياء كُثُراً.. مستقيمين كُثُراً.. يعرفون أنه ليس للوثنية مكان فى مستقبل هذا الوطن..!
فكروا تصحوا..

أحزابنا المريضة.. عالجوها لا تقتلوها بقلم د. عمار على حسن ٢٣/ ١٠/ ٢٠١٥

هل الأحزاب السياسية فى بلادنا مريضة؟ الإجابة: نعم.
وهل تترك الأحزاب هكذا حتى تموت؟ الإجابة: لا.
مريضة، والدليل ما جرى فى الانتخابات البرلمانية السارية والجارية، فمرشحو الأحزاب بلغوا نصف أمثالهم من المستقلين، أما من نجحوا منها أو دخلوا جولة الإعادة فأقل من هذا بكثير.
نعالجها واجب والدليل هو نسبة المشاركة فى الانتخابات، إذ لو كانت لدينا أحزاب قوية، كان بوسعها أن تصنع برامج سياسية متنافسة، وبدائل متعددة، فتجذب الناس إلى السياسة، ومن ثم إلى الانتخابات.
فى ضوء هذا هناك فرق واسع وشاسع بين نقد الأحزاب ونقضها. فالنقد واجب لأنه يروم تصويب الخطأ، وتصحيح المسار. أما النقض فأمر مكروه، لأنه يريد قتل الأحزاب، وبالتالى موت السياسة، بما يجعل الأمر فى قبضة شخص واحد، أو جهة واحدة.
وفى النقد نقول بوضوح إن أحزابنا ضعفت أو أنهكت بسبب خمسة عوامل، يمكن ذكرها على النحو التالى:
١ ـ صناعة الأحزاب على عين السلطة: فتلك الأحزاب فى أصلها نتاج تجربة المنابر التى أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات فى عام ١٩٧٦، يمين ووسط ويسار، ولذا بدأت فى كنف السلطة، لتؤدى دورا مرسوما لها بعناية، كزينة للحكم، تضفى عليه طابعا تعدديا شكليا. وكل حزب أراد فيما بعد أن يتمرد على هذه الصيغة المعوجة، تم ضربه من الداخل، وتضييق الخناق عليه حتى يعود إلى الحيز المرسوم صاغرا.
وقد اخترعت السلطة طيلة عهد مبارك صيغة تضمن بقاء هذه المعادلة سمتها «لجنة الأحزاب» والتى كانت لا توافق على قيام حزب جديد إلا إذا ضمنت أن من يقودونه موالون للسلطة، وأن برنامجه فى نطاق المقبول منها. وحتى الحزب الذى أعاد ترتيب صفوفه خارج هذه الصيغة، مستندا إلى حكم قضائى، وهو حزب الوفد، سرعان ما انضوى تحت لوائها، تدريجيا، بعد رحيل فؤاد سراج الدين، لتندلع ثورة يناير، وهو ليس استثناء مما وصم الحياة الحزبية برمتها.
٢ ـ تدخل أجهزة الأمن فى التجربة الحزبية: فكل حزب أراد أن يطرح نفسه بديلا حقيقيا للحزب الحاكم (الحزب الوطنى الديمقراطى) عبثت فيه أيدى أجهزة الأمن، وقامت بتأليب بعض قياداته على بعض، فانقسم إلى أجنحة متصارعة، كما أطلقت الشائعات حوله بما صنع له صورة سلبية فى أذهان عموم الناس، واستغلت قانون الطوارئ فى حجب الحزبيين النشطين عن الجمهور. ولم تتركه هذه الأجهزة إلا وهو ضعيف مترنح، لا حول له ولا طول، موقنا بعد مجاهدة وتجريب أنه ليس بإمكانه سوى الخضوع لما هو محدد ومقدر له بعناية.
٣ ـ غياب الديمقراطية الداخلية: فشمولية نظامى السادات ومبارك واستبدادهما تسربا إلى معارضيهما الشكليين، فى الغالب الأعم، وكما شاخ من اعتلوا السلطة شاخ قادة الأحزاب، ولم تعقد انتخابات دورية لتجديد دماء قادتها، وإن أجرتها فهى منظر لا جوهر. وهذه الشيخوخة جعلت المفاصل السياسية للأحزاب تتيبس، والرؤى تتكلس، والافتقاد إلى الطموح، والقدرة على التطوير والتغيير، يصير سمة بارزة. وبمرور الوقت انصرفت أجيال متعاقبة عن الانضمام لهذه الأحزاب، إلا قليلا، بما ضيق قواعدها، وأثر سلبا على فاعليتها، ونظرة عموم الناس لها.
٤ ـ ضعف الإمكانيات المادية: فهذه الأحزاب ولدت محاصرة ماليا فى ظل التزاوج المستمر بين السلطة والثروة، فأصحاب المال الذين تربوا فى حجر أهل الحكم وراكموا ثرواتهم مما جادت به السلطة عليهم، لم يكن لديهم أدنى استعداد للمساهمة فى الإنفاق على مرشحى المعارضة فى الانتخابات المتعاقبة أو الانضمام إليها، فى المقابل أنفقوا على مرشحى الحزب الحاكم، وانضموا إليه، بل ترشحوا باسمه، وأنفقوا بسخاء شديد.
ولم يكن بوسع أحزاب المعارضة أن تبحث عن بدائل للإنفاق، فى ظل تحكم السلطة فى كل شىء، وقدرتها على تشويه كل شىء. وبالتالى لم تتمكن أحزاب المعارضة من فتح مقار جديدة، والإنفاق على الدعاية لبرامجها.
٥ ـ فقدان المصداقية: وهذا مرده إلى سببين، الأول هو ما فعلته هذه الأحزاب بنفسها، حين ارتضت بالفتات المتاح، والعيش فى الهامش البارد، والثانى هو ما تجنت به السلطة على الأحزاب، مستغلة امتلاكها لوسائل الإعلام هى ورجال الأموال الموالين لها، مع كل استحقاق انتخابى بتصويرها بأنها غير مهتمة إلا بجنى مكاسب لقادتها بغض النظر عن المصلحة العامة للبلاد.
لهذا قامت ثورة يناير ليرفع الثوار فى الميادين شعارا دالا ولافتا هو: «لا إخوان ولا أحزاب.. الثورة ثورة شباب» ولو أن أيا من هذه الأحزاب كان قد حافظ على استقلاليته عن نظام مبارك، وقاوم ورتب صفوفه، وفهم أن الحرية تنتزع لا توهب، ودعا هو إلى خروج الناس إلى الشوارع احتجاجا، لوفر على مصر الكثير من الجهد والمال، وهى تتخبط فى طريق البحث عن خلاص، فلا تجده، بعد انقضاض الإخوان المظلمين على الثورة، إلا فى العودة إلى ما يشبه الماضى، أو الماضى، لكن بوجوه جديدة، ليس للحاضر فيه من شىء سوى ما انتزعه الشعب من جعل الإرادة بيده، حتى وهو صامت يتابع وينتظر.
ورغم قيام عشرات الأحزاب بعد الثورة نظرا لرفع القيود عن تكوينها، وانفتاح شهية الناس على المشاركة السياسية، فإن أيا من الأحزاب الجديدة لم تفارق المحطة التى كانت تقف عندها أحزاب ما قبل يناير، إما لاستمرار الثقافة السياسية لمن يتصدرون المشهد السياسى غير معتبرين ولا متعلمين شيئا من الشعب الذى ثار، أو لأن السياق المفعم بالاستبداد ورواسبه لم يغادر بعد إلى غير رجعة، إنما تحور وعاد فى طور جديد.
ولعل ما يبرهن على ذلك هو التشويه المنظم الذى يقوم به بعض الإعلاميين المعروف ارتباطهم بالرئاسة أو بأجهزة الأمن، للأحزاب السياسية، ليس نقدا لها، فهذا مشروع وضرورى، إنما نقض، وهدم، وتفريغ للساحة السياسية أمام جهة واحدة ورجل وحيد.
لكن على الأحزاب السياسية أن تبدأ هى بنقد ذاتها، وتصحيح مسارها، ودمج ما يتوافق منها فى تكتل واحد، لنربح فى النهاية عدة أحزاب كبرى تشكل رافعة لحياتنا السياسية، إذ لا ديمقراطية بلا تعددية، ولا تعددية فى دولة مدنية حديثة بلا أحزاب سياسية تتنافس على السلطة بطريقة علنية وسلمية ومشروعة، وتتداولها بيد الشعب صاحب السيادة.
إن وجود حزب أو أحزاب مدنية قوية هو صمام الأمان لعدم وقوع البلاد مرة أخرى فى يد أى من التنظيمات المتطرفة التى تتخذ من الإسلام أيديولوجيا بغية تحصيل السلطة السياسية والإمكانات الاقتصادية، وهذا ما لا يفهمه أولئك الذين يهاجمون الأحزاب بضراوة، بل يدعون الناس إلى نبذها وهجرانها، وعدم التصويت لها فى الانتخابات، ويحسبون بهذا أنهم يحسنون صنعاً، ولو كانوا يعلمون لأدركوا أن قتل الأحزاب يعنى موت السياسة، وإن وقع هذا فإن من يغتالون السياسة من أجله، وهو رئيس الجمهورية الذى قال عن نفسه- ويا للعجب- إنه ليس سياسيا، هو أول من سيدفع الثمن، ومن قبله، والأهم، سيدفع الوطن الثمن الأكبر، وهذه هى حكمة التاريخ القريب جدا التى لا يريد أن يفهمها من وصلوا إلى السلطة، ويعتقدون أنهم فى غنى عن كل الكيانات والممارسات السياسية بما فيها الأحزاب.