Translate

Sunday, April 29, 2018

لماذا أكتبُ بالطباشير؟ بقلم فاطمة ناعوت ٣٠/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


أعكفُ هذه الأيام على مراجعة وتنقيح وتطوير أحد كتبى القديمة، ليصدر فى ثوبه الجديد هذا العام، فيكون هديةً إلى صديقة جميلة، أعتزُّ بها، ويعتزُّ بها مثقفو مصر.
هذا الكتابُ الذى أعتزُّ به كثيرًا من بين كتبى الخمسة وعشرين، بدأتُ كتابته عام ٢٠٠٢، وصدر عام ٢٠٠٦ عن دار «شرقيات» بعنوان (الكتابة بالطباشير). وعن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، سوف تُعادُ طباعته قريبًا، فى ثوبٍ جديد، ولون جديد (بالطباشير الملوّن)، فى لحظة وعى مختلفة بعد مرور اثنى عشر عامًا بين الطبعتين، اتسعت فيها عيناى وتشاسعت مداركى، مع مرور كل يوم من تلك الأيام والليالى الطوال.
يُعدُّ الكتاب الجديد صيحةَ فرح بواقعة فريدة فى تاريخ مصر. حلمٌ قديم ناديتُ به سنواتٍ طوالا، تحقق أخيرًا، وشهدت موكبَه الثرىّ بعينى.
هذا الحلمُ القديم هو أن تحملَ حقيبةَ الثقافة فى مصر امرأةٌ نابهة مثقفة فنانة، واستثنائية. وتحقق هذا كلُّه فى شخص الجميلة د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة المصرية، الفنانةُ المُرهفة وعازفةُ الفلوت العالمية، ومديرُ دار الأوبرا المصرية لسنوات، وأيقونةُ «اعتصام المثقفين» الشاقِّ الشيّق المُشوّق الذى أفضى إلى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، الشريفة.
قد يرى البعضُ أن شهادتى مجروحة فى صديقة عزيزة على قلبى، مثل إيناس عبدالدايم. لكن المتابع لى يعرف أننى، حينما أكتبُ فى أىّ أمر، أتجرّدُ من أثوابٍ ثقيلة عديدة، من بينها ثوبُ الهوى. حينما أمسكُ قلمى لأكتبَ أحاولُ أن أملأه بمداد الموضوعية الجادّة، فلا أُخضعُ قلمى لهوى الصداقة أو الخصومة، أو الميْل أو النفور، أو الاتفاق أو الاختلاف. هكذا أفهم فعل الكتابة الخطير، الذى لا يقلُّ خطورةً وشرفًا عن القضاء أو الطب؛ فالقاضى الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ العدل فيظلم، والطبيب الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ العلم فيقتل. كذلك الكاتبُ الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ الموضوعية فيبخسُ الحقُّ، أو ينافق.
ولهذا، حين طلبت منى صديقتى التاريخية الشاعرةُ والروائية د. سهير المصادفة، رئيس قطاع النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، أن أختار من بين كتبى ما تعيد طباعته عن «هيئة للكتاب»، لم أجد أجملَ من هذا الكتاب، لأقدمه هدية للقارئ المصرى والعربى من عُشّاق الفنون الجميلة، وللمايسترا المثقفة، وزيرة الثقافة المصرية. لأن الكتاب مغزولٌ بخيوط الموسيقى والفنّ، والأدب والمسرح والسينما والأغنية والأوبرا والرقص والتشكيل، وبالطبع أيضًا بخيوط العمارة مجال دراستى ومكمن عشقى. وكل ما سبق من خيوط الحرير، ليس إلا متَن النسيج الثرىّ الشاسع المطرّز بدانتيلا الأناقة والذوق، الذى اسمه: «نسيج الثقافة»، الذى تغزل على نوله اليوم الموسيقارة: إيناس عبدالدايم.
الكتاب فى طبعته الأولى كتب مقدمتَه مفكرٌ مصرىّ شاهقُ القامة، هو الراحل الجميل، وأستاذى، محمود أمين العالم، الذى غادرنا فى يناير ٢٠٠٩. ولقدر هذا الرجل، ومكانته فى قلبى، وفى العقل الجمعى العربى، احتفظتُ بتلك المقدمة التاريخية الثرية فى الطبعة الجديدة من الكتاب فى عنوانه الجديدة (الكتابة بالطباشير الملوّن)، وقد أضيف له تصديرٌ جديد بقلم فيلسوف شاهق هو الدكتور مراد وهبة، ذلك التصدير الذى أعتبره وسامًا آخر فوق صدرى.
فى مقدمته الثريّة لهذا الكتاب، قال المفكر المصرى الراحل محمود أمين العالم- رحمه الله: «أيها القارئ العزيز، حذارِ أن تصدِّقَ عنوان هذا الكتاب! فكتابتُه لم تتم وتتحقّق، كما يزعم عنوانُه، بالطباشير! فهى ليسـت بالكتابة السَّطحية التى يمكن أن تُمسـحَ أو تُنسى بمجرد مغادرتِها. بل هى بالحـق، وفى غير مغالاة، كتابـةٌ بالحفـر العميـق فى حقائقِ وظواهـرِ تجاربنا الثقافية القومية والإنسانيّة، التراثيـّة والمعاصـرة عامة،… والحق أن قراءتى لفصول هذا الكتاب على تنوّعها ووحدتهـا معًا كانت لحظةً معرفيّةً حضاريّةً متنامية، تجمعُ بين تراثِ الماضى الإنسانىّ بعامة، وليس القومىّ فحسب. هذا كتابٌ يُعدُّ إضافةً عميقةً وجادةً ملهمَة إلى تراثنا النقدىّ العربىّ المعاصر، وتستحقُّ عليه الشاعرةُ والمهندسة والناقدة فاطمة ناعوت كل تقدير واعتزاز».
وبعد تلك المقدمة الجميلة، حدثت واقعةٌ طريفة للغاية مع أمى، سأحكيها لكم فى مقال قادم. وأما إجابة السؤال: لماذا أكتب بالطباشير؟، فله سبب طريفٌ آخر سأحكيه لكم لاحقًا.

خالد منتصر - دراسة علمية عن الإخوان - جريدة الوطن - 29/4/2018

وصلتنى تلك الرسالة من الصديق د. حاتم توفيق، يقول فيها: قرأت لك هذا الأسبوع كتاباً شديد الأهمية، مكتوباً باللغة الإنجليزية للمفكر المصرى الفذ وأستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة كامبريدج ببريطانيا د. حازم قنديل، وفيه يطرح الكاتب دراسة علمية منهجية لفكر جماعة الإخوان، وهى دراسة بحثية قحة لا دخل فيها للعواطف الإيجابية أو السلبية تجاه تلك الجماعة.
ويبدأ الكاتب بأطروحة أن فشل الجماعة يعود إلى ما يطلق عليه المؤلف نزعة الجماعة إلى معاداة المذهب العقلانى فى التفكير
ويسوق أدلة كثيرة على ذلك، منها مثلاً أسس اختيار وتجنيد الأعضاء الجدد، وما أثار انتباهى هو ما أشار إليه الكاتب أن الجماعة تشترط فى اختيار أعضائها منذ اللحظة الأولى أن يكون العضو متواضع الثقافة، متمتعاً بقدر يسير من المعلومات حول السياسة والتاريخ بل والدين أيضاً!!! وإن كان جامعياً، فإن الجماعة تتعمد تجنيد أعضائها من الكليات العلمية من طب وهندسة وصيدلة وعلوم وتتعمد إبعاد طلبة العلوم الإنسانية، مثل التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع، تلك التخصصات التى تعتمد على الجدل والسجال بين نظرية وأخرى وهو ما لا تحتمله جماعة ترى أنها الحق المطلق، وفهمت أخيراً سر تفشى ظاهرة الأخونة والأسلمة فى كليات الطب، حيث لا وقت لهؤلاء الطلبة الغارقين فى دراستهم فى الجدل، ولا حتى التفكير فيما تفرضه عليهم الجماعة، فالمطلوب هو الطاعة العمياء لتفسير الإخوان الخاص للقرآن والسنة، تماماً كما يطيع الجندى قائده فى وقت الحرب بمعنى آخر المطلوب هو جندى للإخوان بعواطف جياشة وحب غريزى للدين بدون علم ولا عمق حتى لا يشكك فيما يتلى عليه وربما هذا الطرح يفسر أن فكر الإخوان كان وسيظل دائماً أيديولوجية بلا منظّرين. تعانى دائماً من الإفلاس العقلى وهو ما لمسناه جميعاً فى مشروع النهضة المهلهل الفضفاض وطائره الهلامى الذى لم يحط على أرض صلبة أبداً.
يفاجئنا الكاتب فى الفصل الثالث بأطروحة فلسفية تفسر كثيراً من تصرفات الإخوان وشعاراتهم العجيبة إبان حكمهم القصير لمصر، وهى ما يطلق عليها المؤلف أطروحة الحتمية الدينية، وهى أطروحة اقتبسها الإخوان بسطحية شديدة من الفلاسفة الماركسيين وأساسها تفسير إخوانى مغلوط لآيات الكتاب الحكيم «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم»، حيث يرى المفكر الإخوانى (إن وجد) أن الطريق الصحيح لتحقيق النجاح الدنيوى هو التحول للنهج الإسلامى من لبس وطعام وكلام.. إلخ، وأنه إذا نجح الإخوان فى أسلمة المجتمع طبقاً لنهجهم الخاص، فإن ذلك سيؤدى تلقائياً إلى نصر من الله قريب، وازدهار للمجتمع على المستوى الاقتصادى والسياسى والعلمى دون أى مجهود دنيوى يذكر من قبل القائمين على الحكم من رجالات الإخوان، وهذا يفسر المقولة التى كان يرددها الإخوان على مسامعنا ليل نهار: «اصبروا على مرسى شوية»، فالصبر لم يكن لغرض تحقيق مجهودات تنموية ملموسة بقدر ما كان محاولة لإعطاء فرصة للرئيس السابق لالتقاط الأنفاس وأسلمة المجتمع الذى سينهض تلقائياً بعدها فى حتمية دينية سقطت سقوطاً مدوياً كنظرية فى يونيو 2013 وأصابت مريدى جماعة الإخوان بصدمة أيديولوجية ما زالوا يعانون من آثارها النفسية حتى اليوم بعدما أوهمهم منظّرو الإخوان من خطباء الاعتصام أن معتصمى رابعة هم «جيل النصر المنشود»، الذى سيعيد بناء المجتمع المسلم ويعيد مجد الإسلام السابق وتخليص الأمة من المنافقين والكفار (اللى هما إحنا أفراد الشعب المصرى).
وربما يفسر هذا التوجه الفلسفى لدى الإخوان المعنى الحقيقى لشعار الإخوان الفضفاض (الإسلام هو الحل)، الشعار الذى طالما طالبت أصدقائى من الإخوان بتفسيره، وربما خجل العقلاء منهم أن يشرح لجاهل مثلى المغزى الحقيقى من وجهة نظر الإخوان أن أسلمة المجتمع هى الطريق والغاية والوسيلة.
فى نهاية الكتاب، يطرح الكاتب أطروحة مفاجئة أن ثورة 25 يناير 2011 وليس فض اعتصام رابعة هو ما دفع الإخوان للعنف مرة أخرى، حيث يرى الكاتب أن اختفاء السلطة الحاكمة المفاجئ فى عدة دول عربية استراتيجية بعد 2011 خلق فراغاً هائلاً فى السلطة أشبه بالثقب الأسود شجع الإسلاميين المتطرفين من جميع أنحاء العالم على العودة للمنطقة إلى سيناء وليبيا وسوريا واليمن وخلق طبيعة تنافسية بين الفصائل الإسلامية المتناحرة البقاء فيها فى النهاية قد يكون للأكثر دموية بسبب ميل تلك الحركات الفطرى للعنف وهو ما دفع الإخوان للعنف مرة أخرى منذ 2011 أو على الأقل الإعداد والاستعداد جيداً له وهذا يفسر ما حدث فى مصر من أحداث عنف بعد 2013.
وماذا بعد، هل انتهى الفكر الإخوانى، وهل انتهت ظاهرة الأسلمة؟

Saturday, April 28, 2018

أنا معك فى هذه المعركة.. بقلم د. وسيم السيسى ٢٨/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


فى مقالتى السابقة كتبت عن تمثال بارتولدى الذى يصور جان فرانسوا شامبليون، واضعاً قدمه على رأس أحد ملوك مصر القديمة، وكيف أصدرت السفارة المصرية كتالوج «مصر فى باريس»، وكيف أن الدكتورة كاميليا صبحى «ملحقنا الثقافى» لم تجد إلا جزمة شامبليون على رأس أحد ملوكنا حتى تضعها عنواناً لهذا الاحتفالية.. إلخ. وصلتنى رسالة رقيقة من الدكتورة كاميليا صبحى أستاذة اللغة الفرنسية بكلية الألسن، تقول: لقد كانت هذه الاحتفالية سنة ١٩٩٨، وكنت أنا ملحقة ثقافية فى السفارة المصرية فى باريس سنة ٢٠٠٥، فما ذنبى فيما يدعيه الفنان المسرحى هشام جاد؟. أود فقط أن أصحح هذه المعلومة التى دأب على تناقلها السيد هشام جاد، ولا أدرى سبب إصراره عليها.
أرسل لى الفنان هشام جاد فيديو جديدا، وفيه تحتفل الـ «ليسيه دى جرونوبل» بوضع تمثال صورة طبق الأصل من تمثال بارتولدى الموجود فى الـ:كولج دى فرانس! ويعلق هشام قائلاً: تأملوا أيها المصريون! تأمل يا دكتور جابر عصفور، تأمل يا دكتور ممدوح يا دماطى، تأمل يا سفيرنا فى فرنسا، هذا هو الرد: على حضارتنا التى علمت العالم، وعلى مشاعرنا وقدرنا عندهم، هذا هو التمثال الذى احتلفوا به فى ٢٢ سبتمبر ٢٠١٤. انتهى كلام الفنان هشام جاد، أما أنا فلم أر تحدياً يشبه هذا التحدى، ولم أر وقاحة تشبه هذه الوقاحة، كما لم أر بروداً ولا مبالاة من المسؤولين عن هذا الأمر مثل هذا البرود أو مثل هذه اللامبالاة! إلا واحدة، إنها الوزيرة إيناس عبدالدايم، قرأت مقالتى، قالت لى: أريد أن ألم بأطراف الموضوع، اتفقنا على لقاء قريب لدراسة هذا الموضوع واتخاذ الخطوات اللازمة له.
فى طريقى للإسكندرية بدعوة كريمة من المهندس عبدالفتاح رجب، كان الفيديو الأخير: ليسيه دى جرونوبل، وتمثال شامبليون وحذاؤه المقلد من تمثال بارتولدى الأصلى، يحرقان دمى نحن فى عالم شيمته التجبر! ولا ينفع معهم خطاب من هذا أو ذلك!
والشر إن تلقه باللين ضقت به رذرعا وإن تلقه بالشر ينحسم!. قلت لنفسى: هذا الشر سوف ألقاه بالحزم، بنفس الكأس التى نشرب منها، وسوف يحسون مرارتها، ومهانتها.
اتصلت بصديقى الأستاذ الدكتور محمد زينهم الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية بجامعة القاهرة، قلت له: دمى يحترق، قصصت عليه الموضوع، لديكم فى الكلية قسم للنحت والتماثيل، أريد تمثالاً لشامبليون وهو يصفع بارتولدى على وجهه قائلاً له: كيف تصورنى بهذا الشكل يا غبى، وأنا القائل: يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمة!
أو تمثالاً لشامبليون وهو يعتذر لتوماس يونج البريطانى، ويوحنا الشفتشى المصرى ويقول: لقد أخذت جهودكما فى كشف رموز الكتابة الهيروغليفية ولم أذكركما!.
أو تمثالاً لنابليون بونابرت وهو سجين فى زنزانة بريطانية يرفرف عليها علم بريطانيا، فى جزيرة سانت هيلانة بعد هزيمته فى موقعه واترلو.
أو تمثالاً لهتلر وهو يصول ويجول فى باريس بعد هزيمته الساحقة لفرنسا ١٩٤٠، وكيف رفع علم النازية فوق باريس!.
كل هذه التماثيل تمثل تاريخاً حقيقيا، وليس تاريخاً مزيفاً كاذباً وقحاً، مات نابليون مهزوماً وترك تحتمس الثالث لنا خططه العسكرية التى استعان بها الورد اللنبى فى الحرب العالمية الأولى، كما استعان بها جنرال مونتجمرى فى الحرب العالمية الثانية!. صحيح ما يقال:
إن العدو وإن تقادم عهده فالحقد باق فى الصدور مقيم.
قال الدكتور زينهم: أنا معك فى هذه المعركة.

خالد منتصر - ماذا لو صرفنا ميزانية الأزهر على أكاديمية الفنون؟ - جريدة الوطن - 28/4/2018

هل شاهدتم موسيقاراً بعد أن يعزف على البيانو ويحيّى جمهور الأوبرا يذهب ليذبح مخالفاً له فى الرأى وهو يهتف أمام الشاشات مبتهجاً «الله أكبر»؟! هل صادفتم فناناً تشكيلياً بعد أن رسم «بورتريه» أو لوّن لوحة أو نحت تمثالاً يحيط خصره بحزام ناسف ليفجّر آمنين أمام محطة أوتوبيس أو مرضى فى مستشفى بحجة أنهم كفار يستحقون القتل؟؟ هل سمعتم عن راقصة باليه بعد إسدال الستار على عرض بحيرة البجع أو كسارة البندق قد ذهبت لتجاهد مع «داعش» فى العراق أو سوريا وتهب نفسها وجسدها لمجاهد ملتحٍ هناك كاحتياطى استراتيجى قبل ذهابه لمقابلة الحور العين فى السماء؟!
الفن صفاء للروح وسموٌّ بالوجدان، ولا يمكن لفنان حقيقى ترك الفن وشماً فى تلافيف عقله وضميره أن يطعن ويسحل ويحرق ويدمر ويذبح ويلعب بالجماجم. الفنان «بيكار»، هذا الرقيق الشفاف، كفّروه وسجنوه بتهمة البهائية، وهو الذى كان يُغمى عليه حين يشاهد ذبح دجاجة، بينما كرموا الشيخ «القرضاوى» الذى حرّض على ذبح «القذافى» وبارك كل العمليات الإجرامية التى قام بها من يسمونهم المجاهدين!! عمر خيرت مختلف عن عمر عبدالرحمن، الأول تخرج فى أكاديمية الفنون والثانى حصل على الدكتوراه من الأزهر، لن نقضى على التطرف وفكر الإقصاء الدينى مسيطر ومتغلغل فى العقول التى يتم برمجتها منذ الطفولة، ميزانية الأزهر تخطت الاثنى عشر مليار جنيه، وحسب ما دار فى مجلس النواب، وهذا هو اللينك:
https://m.youm7.com/story/2017/5/20/12-مليار-و821-مليون-جنيه-إجمالى-موازنة-الأزهر-للعام-المالى/3242403
يقول التقرير: «وأوضح مشروع الموازنة أن إجمالى الموارد بدون عجز يمول من الخزانة 198 مليوناً و145 ألف جنيه، وبلغ معدل العجز الذى يمول من الخزانة العامة وفقاً للمشروع 12 ملياراً و623 مليوناً و416 ألف جنيه، ليصل إجمالى الموارد المقدّرة لموازنة 2017/2018 للأزهر الشريف 12 ملياراً و821 مليوناً و561 ألف جنيه، بينما كانت تبلغ فى موازنة 2016/2017، 12 ملياراً و299 مليوناً و9 آلاف جنيه!!!»، فى نفس الوقت الذى ميزانية أكاديمية الفنون فيه عبارة عن 112 مليون جنيه مرتبات لأعضاء هيئة التدريس والمتفرغين والمعيدين والمدرسين المساعدين والموظفين، و94 مليوناً لكل ما تبقّى من أنشطة مسرح وسينما وباليه وموسيقى ومشاريع تخرج... إلخ، ومنها مبانٍ متوقفة منذ ٢٧ سنة!!
الأزهر ليس من وظيفته تخريج مهندسين وأطباء وزراعيين ومحاسبين، ولا يمكن فى أى بلد فقير يحارب التطرف أن يصرف ١٢ مليار جنيه من أجل تخريج رجال دين يُفتى أحدهم بأن دم لاعبى المنتخب المفطرين حلال، والآخر يصف المسيحيين بالكفرة وبأن عقيدتهم فاشلة، والثالث يبيح زواج الطفلة ذات الست سنوات بشرط أن تكون مربربة، ورابع، أو رابعة، يفتى بنكاح البهائم، وخامس برضاع الكبير، وسادس بتكفير منكر العلاج ببول الإبل، وسابع يخترع لنا طباً جديداً بقوله إن أقصى مدة للحمل هى أربع سنوات!! وثامن يفتى بهدم الكنائس وبأن علينا إخراج الطفل المسلم من رحم أمه المسيحية الحامل حتى لا يُدفن فى مقابرهم، وتاسع يخبرنا بنتيجة من الكنترول فى كشك الفتوى بأن مجدى يعقوب لن يدخل الجنة، وعاشر يطمئننا بأن الزلازل عقاب إلهى على خطايانا... إلخ، الدين ليس فيه وساطات، والنصوص المقدسة لم تنزل طلاسم أو شفرات، ومن الممكن جداً، وقد كنا كذلك طوال تاريخ مصر، أن يقتصر الأزهر على تخريج شيوخ فى علوم الدين يأخذون بأيدينا إلى السماحة الرحبة والأخلاق السمحة وسكينة النفس، وأعتقد أن هذا لا يمكن أن يحتاج ١٢ ملياراً من الجنيهات التى ندفعها جميعاً مسلمين ومسيحيين فى مصلحة الضرائب وليس فى المساجد.

Friday, April 27, 2018

خالد منتصر - الدواء بدون تجارب على البشر وهم - جريدة الوطن - 27/4/2018

هل من الممكن وقوف الأبحاث الطبية العلمية عند مرحلة أطباق وأنابيب المعمل وفئرانها فقط.. هل بعد تلك المراحل بدون التجربة على بشر يستحق هذا المركب الكيميائى لقب دواء؟
بالطبع لا، لأننا نعالج بالدواء بشراً فلابد من تجربته على البشر، لكن كيف نحل هذه المعضلة وتكون التجربة على البشر ليست جريمة لا أخلاقية؟
الحل بسيط ولن نخترع العجلة، ولأنه مكتوب علينا أن نناقش البديهيات فى حياتنا، وما كنا نظنه قد حُسم وفهمه الجميع نجد أنفسنا نناقشه من المربع رقم واحد مرة ثانية وكأننا نمارس رياضة الجرى فى المكان، وما إن يخرج علينا أى شخص ويدّعى أنه قد اخترع دواءً نجد الناس تهرول والدولة تطنش والجميع يقول: لو فيه منفعة أهو نستفيد وأكيد مافيش ضرر والراجل اللى اخترعه أكيد مش حيكذب واهو إحنا بنجرب!! ونظل نصرخ يا جماعة التجارب على الدواء، خاصة على البشر، لها قواعد وضعتها اتفاقية هلسنكى، ومن أجل هذا واختصاراً للغط والجدل، ها هى أمامكم اتفاقية هلسنكى واللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
المبادئ الأساسية لاتفاقية هلسنكى، من النص الذى اعتمدته الجمعية الطبية العالمية الثامنة عشرة (هلسنكى، فنلندا، 1964) وأعيد النظر فيه بواسطة الجمعية الطبية العالمية الخامسة والثلاثين عام 1983م:
1- يجب على البحث الطبى الحيوى الذى يتناول حالات بشرية أن يمتثل للمبادئ العلمية المقبولة بصفة عامة، وأن يكون على معرفة مستفيضة بكل ما جاء وكُتب فى المراجع العلمية.
2- ينبغى لكل تصميم وأداء بشأن إجراءات تجريبية تتناول حالات بشرية، أن يصاغا بوضوح فى بروتوكول تجريبى يتعين إرساله إلى لجنة مستقلة تعين خصيصاً لذلك بغية القيام بفحص وإبداء تعليقاتها وتوجيهاتها.
3- ولا ينبغى أن تجرى البحوث الطبية الحيوية إلا بواسطة أشخاص مؤهلين علمياً، وتحت إشراف شخصى من ذوى الكفاءة ومتخصص طبياً وإكلينيكياً، وإن المسئولية تجاه الحالة البشرية موضوع البحث يجب أن تكون دائماً على عاتق شخص مؤهل طبياً، وألا تكون أبداً على عاتق الشخص موضوع البحث، حتى ولو كان هذا الشخص قد أعطى موافقته على ذلك.
4- لا يمكن إجراء بحث طبى حيوى يتناول حالات بشرية سليمة إلا إذا كانت أهمية الهدف المنشود متناسبة مع المخاطرة التى يتعرض لها الشخص موضوع البحث.
5- إن كل مشروع بحث حيوى يتناول حالات بشرية ينبغى أن يكون مسبوقاً بتقويم دقيق للمخاطر المتوقعة بالمقارنة مع المنافع المتوقعة للشخص موضوع البحث أو لغيره، ويجب أن يسود الاهتمام دائماً بمصالح الشخص موضوع البحث على مصالح العلم والمجتمع.
6- يجب دائماً احترام حق الشخص موضوع البحث فى المحافظة على سلامته، ويتعين اتخاذ كل حيطة فى سبيل احترام حياته الخاصة، والتقليل ما أمكن من آثار الدراسة على سلامته البدنية والعقلية وعلى شخصيته.
7- ينبغى للأطباء أن يمتنعوا عن الاشتراك فى مشروعات بحثية تتناول حالات بشرية ما لم يكونوا مقتنعين بأن المخاطر يمكن فى تقديرهم التنبؤ بها. وينبغى أيضاً للأطباء أن يكفوا عن أى بحث إذا وجدوا أن المخاطر المذكورة تفوق الفوائد المحتملة فى أهميتها.
8- يتحتم على الطبيب عند نشر نتائج بحوثه أن يحافظ على دقة نتائجه، ويتعين عدم قبول نشر تقارير التجارب التى لا تتفق مع المبادئ الواردة فى هذا الإعلان.
9- يتعين عند إجراء أى بحث على شخص ما إبلاغه على نحو ملائم بالأهداف ومناهج البحث والفوائد المتوقعة والمخاطر المحتملة للدراسة والمشقة التى قد تستلزمها، وينبغى إخطاره أيضاً بأن له مطلق الحرية فى الامتناع عن الاشتراك فى الدراسة، وأنه حر فى سحب موافقته على الاشتراك فى أى وقت يشاء، وينبغى للطبيب حينئذ أن يحصل على موافقة هذا الشخص بعد إخطاره بما سبق وأن يكون ذلك بحرية تامة، ويفضل أن تكون هذه الموافقة كتابة.
10- ينبغى للطبيب عند حصوله على الموافقة، بعد الإخطار بالأمر، أن يكون حذراً بوجه خاص إذا كانت الحالة موضوع الدراسة ذات علاقة تبعية به، أو أعطت موافقتها تحت الإكراه، وفى مثل هذا الموقف ينبغى الحصول على الموافقة على أساس العلم بأبعاد الموقف بواسطة طبيب غير مشترك، ولا علاقة له بالمرة بالموضوع.
11- فى حال عدم الأهلية القانونية للشخص المعنى، ينبغى الحصول على الموافقة من الوصى الشرعى عليه وفقاً لقواعد التشريع الوطنى، وحيثما يتعذر بسبب العجز الجسمانى والعقلى الحصول على موافقة تراعى أبعاد الأمر، أو عندما يكون الشخص قاصراً فإن الحصول على الإذن من قريبه المسئول يمكن أن يحل محله موافقة هذا الشخص، وذلك بما يتفق مع التشريعات الوطنية، ومتى كان الطفل القاصر قادراً فى الواقع على الموافقة، تعين حينئذ الحصول على موافقة هذا القاصر بالإضافة إلى موافقة الوصى الشرعى عليه.
12- ينبغى أن يحتوى بروتوكول البحث دائماً على بيان عن الاعتبارات الأخلاقية المتبعة، وأن يشير أيضاً إلى امتثاله للمبادئ الواردة فى هذا الإعلان.

Wednesday, April 25, 2018

د. محمد أبوالغار يكتب: قانون يقتل البحث العلمى ٢٥/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

مشروع قانون وزير الصحة لا يوجد مثيل له فى العالم، وإذا صدر فسوف يؤدى إلى تدهور وضع مصر العلمى، وسنكون كالدبة التى قتلت صاحبها.
١- الادعاء بأن المرضى المصريين فئران تجارب باستخدام أدوية غير مسجلة غير حقيقى، لأنه لا يمكن استخدام هذه الأدوية إلا بعد موافقة وزير الصحة، ومن سلطته حالياً إيقاف الطبيب وشركة الأدوية اللذين يخالفان ذلك، بل تحويلهما للنيابة. وهذا النوع من الأبحاث أقل من ١% من ١٥٠٠٠ بحث طبى يُنشر سنوياً.
٢- البحث العلمى من اختصاص وزير البحث العلمى، لأن أكثر من ٩٩% من الأبحاث تجرى فى الجامعات والمراكز المتخصصة التابعة لوزارة البحث العلمى، ولا علاقة لها بوزارة الصحة، فكيف يضع وزير الصحة اللائحة التنفيذية ويختار رئيساً وأميناً للمجلس؟
٣- هناك قواعد مطبقة بدقة للبحث العلمى فى جميع الجامعات والمراكز البحثية، ومن ضمنها موافقة لجنة أخلاقيات المهنة.
٤- مشروع القانون به ثلاث لجان: اللجنة المؤسِّسة والهيئات القومية للرقابة والمجلس الأعلى المكون من ١٥ عضواً. كيف ينظر هؤلاء الأعضاء فى ١٦٠٠٠ بروتوكول كل عام، وما الوقت الذى سوف يستغرقونه فى عشرات الفروع من الطب؟
٥- باستشارة أساتذة القانون الدستورى أفادوا بأن هناك شبهة واضحة بعدم دستورية القانون، لأنه بمراجعة المواد ٢٤ و٢٥ و٢٦ و٢٨ وُجد أنها تنطوى على اعتداء على استقلال الجامعات فى ممارسة مهامها البحثية.
أقترح أن يجتمع وزير البحث العلمى بكل من د. مجدى يعقوب ود. محمد غنيم ود. رشاد برسوم ود. حسين خالد، وغيرهم من البارزين فى البحوث لدراسة الأمر.
لا أعتقد أن د. شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، سيكون سعيداً لو مرّ قانون فى وزارته أدى إلى انهيار البحث العلمى فى مصر، وأنا واثق أنه سيكون على استعداد لسماع رأى العلماء المتخصصين.

خالد منتصر - أخلاق العشوائيات وأخلاق أولاد البلد - جريدة الوطن - 25/4/2018

عندما يتساءل شخص مندهشاً: «إيه اللى بيحصل راحت فين أخلاق ولاد البلد؟!»، يقولها معلقاً على البعض ممن أُكرموا بنقلهم من العشوائيات إلى مكان منظم ونظيف وإنسانى فيعيثون فيه فساداً ويقلبونه أوكاراً واعتداءات على الشوارع والأرصفة واستغلال الشقق فى غير أغراض السكن وسرقة كهرباء... إلخ، ثم يمارسون بلطجة بالامتناع عن دفع الإيجار، ويدمرون الجمال ويزرعون القبح، لكن السؤال: هل هؤلاء هم فعلاً أولاد البلد القدامى وسكان الأحياء الشعبية؟، الأحياء الشعبية وولاد البلد لهم قيمهم الاجتماعية، التى من الممكن أن تكون مختلفة عن قيم ساكنى الأحياء التى نطلق عليها أرستقراطية، ولكن الاختلاف هو اختلاف شكلى، لكنه يظل فى إطار نفس المنظومة القيمية الأخلاقية، وهؤلاء وأولئك يختلفون تماماً عن قيم العشوائيات وأخلاق الزحام ومفردات الفوضى. ابن البلد الذى كان يظهر فى أفلام الخمسينات والستينات، وساكن الحى الشعبى الذى كان فى روايات نجيب محفوظ، يتميز بالشهامة والنخوة والمبادرة والانتماء، لكن العشوائى نبت شيطانى بلا جذور يحتاج إلى علاج قيمى وأخلاقى واجتماعى، غفلت عنه الدولة. ما يسكنه العشوائى لا ينتمى إليه ولا يحس أنه جزء منه، أخلاقيات الزحام فى العشوائيات زرعت لديه إحساس المطارد، المتمرد على أى قانون، والخارج عن أى انضباط، القبح المحيط به نزع منه وعنه إحساس الجمال وإيقاع التناغم مع الخارج، يحس أن المحيطين به أو الآخرين عموماً هم سبب فقره وظروفه البائسة، لديه إحساس انتقام مزمن يعكسه حتى على مكان سكنه ومأواه. فقير الحى الشعبى أو ابن البلد -كما كنا نصفه- له كبير يترد عليه، أو يلجأ له، أو نلجأ له نحن -كما يقال فى اللغة الشعبية- كبير له احترامه ووجاهته، يحسم ويفصل فى المشكلات الاجتماعية الداخلية فى الحارة أو الزقاق، لكن نبت العشوائيات الشيطانى هو بركان حُمم لا يحترم كبيراً أو صغيراً، هو ابن مصلحته الضيقة فقط والفرصة الوقتية، قتل الأب عنده بمعناه الأشمل هو قانونه الخاص، حتى خناقات ابن البلد لها قواعد وقوانين مهما بلغت حدتها، لا يعرف تمزيق الجثث وسحلها عرايا، وتجريسها بالتوك توك فى أرجاء الشوارع!، لذلك لا ينفع استدعاء قيم ابن البلد للتعامل مع العشوائى، ولا بد ألا تنسى الدولة التأهيل النفسى والاجتماعى قبل الإقدام على خطوة تنظيم العشوائيات، فالمشكلة ليست فى الأمكنة العشوائية، ولكنها فى الأخلاقيات والضمائر والقيم العشوائية.

Monday, April 23, 2018

توحيد التعليم الأساسى: يا فرحة ما تمت بقلم د. محمد أبوالغار ٢٤/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

هذا المقال ليس هجوماً على المدارس الأجنبية أو الأزهر، ولا دعوة لإلغائهما أو التدخل فى التعليم فيهما، وإنما هو دعوة لتوحيد التعليم الأساسى فى مصر وهو أمر موجود فى العالم كله شرقاً وغرباً.
خلال هذا الأسبوع أعلن وزير التعليم أنه ينوى توحيد التعليم الأساسى فى مصر، فقلت إن هذا شىء عظيم ولو استطاع الوزير تنفيذ الوعد فهو خطوة كبيرة فى الحفاظ على هوية مصر فى سبيل التقدم للأمام.
أولاً: العالم كله عنده تعليم أساسى موحد يتعلم فيه التلاميذ اللغة القومية وأساسيات تاريخ وجغرافيا الوطن ومعلومات عن العالم وتاريخ الحضارات بالإضافة إلى تعليم الرياضيات ومبادئ العلوم. فى مصر هناك تعليم أساسى عام يطبق فى جميع مدارس الدولة ويطبق أيضا فى بعض المدارس الخاصة والأجنبية، ثم هناك تعليم أجنبى مختلف بعضه لا يدرس اللغة الوطنية ولا تاريخ ولا جغرافيا الوطن، وهناك تعليم أزهرى يهتم بالعلوم الدينية المختلفة وحفظ القرآن. النتيجة أن مصر أصبحت ما يطلق عليه «بزرميط». البعض يتلقى التعليم الحكومى الذى يتضمن مناهج جزء كبير منها بالٍ والكثير من المدارس متهالكة، وباستثناء بعض الطلبة وعدد من المدارس المتميزة فإن معظم التلاميذ ينتهون من تعليمهم الأساسى بمستوى علمى ضعيف حتى إن بعضهم لا يستطيع القراءة والكتابة وهو حاصل على شهادة إتمام التعليم الأساسى. معظم الطلبة بعد أن يتموا دراستهم الجامعية يكونون غير قادرين على المنافسة فى سوق العمل بسبب تدنى مستواهم فى اللغات الأجنبية وقدراتهم فى استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، ولذا فإن فرصتهم فى الوصول إلى مناصب قيادية فى الصناعة والبنوك أو شركات التكنولوجيا والاتصالات وغيرها محدود.
أما خريجو المدارس الأجنبية فهم يتلقون تعليماً متميزاً حديثاً يعطيهم الفرصة للتنافس بكفاءة شديدة وهم يحصلون على أهم الوظائف ويتفوقون عن طريق معرفتهم بفنون التكنولوجيا والتواصل الاجتماعى بالإضافة إلى إجادتهم لغات أجنبية وكذلك قدراتهم الاقتصادية. هؤلاء الشباب فى الأغلب لا يتحدثون مع بعضهم بالعربية وعلاقتهم بالثقافة الوطنية محدودة وهم لا يهتمون بقراءة الصحف المصرية، ومعرفتهم بالواقع المصرى ضعيفة، بعضهم لم يزر حيا شعبيا فى حياته، وأما العشوائيات فهى شىء غامض بالنسبة لهم. هذه المجموعة هى التى تدير الصناعة والتجارة والاستيراد والتصدير والبنوك والشركات والمشروعات ومن لا يجد العمل المناسب يسافر إلى الخارج. وهم لا يعرفون تاريخ مصر باستثناء الحضارة الفرعونية باعتبارها جزءاً من الحضارة العالمية. أغنياء مصر الآن أصبحوا مختلفين عن عقود سابقة حين كانوا يحرصون على أن يتعلم أولادهم المنهج الوطنى وكانوا يهتمون بإجادة اللغة العربية. الآن هم يدفعون أبناءهم للبعد عن الثقافة المصرية والواقع المصرى.
أما المجموعة الثالثة فهى التى تتلقى التعليم الأزهرى وهى أيضاً مجموعة بائسة لأن معظمهم يأتون من خلفية فقيرة ولصعوبة الظروف الاقتصادية يذهبون إلى تعليم مجانى ويكون مصحوباً بمساعدات مختلفة للتلاميذ ومعظم خريجى هذه المدارس والمعاهد الأزهرية التى تتلقى تعليماً دينياً لا يجدون عملاً، القليل يدخل بعض الكليات العملية والباقى إما أن يكتفى بتعليم أزهرى متوسط أو يتخرج من الكليات الدينية المختلفة. هناك أكثر من ٢ مليون مصرى يتلقون التعليم الأزهرى وحجم البطالة فى الخريجين رهيب. ونظراً لنوعية بعض الأساتذة وبعض المناهج وكونها معاهد تقبل المسلمين فقط فهناك سهولة فى أن ينخرط بعض الطلبة والخريجين فى أشكال مختلفة من التطرف الدينى.
انظروا إلى التعليم فى أمريكا. هناك منهج واحد للطلاب الأمريكان. صحيح أن المدارس الموجودة فى الأحياء الغنية بها خدمات ومستوى أرقى للتعليم لأن أموال الضرائب التى تذهب للمدرسة أكبر وصحيح أن هناك مدارس خاصة ولكنها قليلة وتدرس نفس المنهج. صحيح أن الجامعات تطلب مصروفات كبيرة ولكن لا يوجد متفوق لا يستطيع دخول الجامعة عن طريق المنح الدراسية.
فى دول شمال أوروبا المدارس كلها موحدة والتعليم حتى الجامعى مجانى وعلى درجة كفاءة واحدة. النتيجة أن التلميذ الأمريكى والفرنسى حين ينهى دراسته الأساسية يصبح مواطناً لهذا البلد ويشبه إلى حد كبير بقية المواطنين. أما فى المحروسة فإن خريجى مدارس الحكومة والمدارس الأجنبية والمعاهد الأزهرية مختلفون تماماً وكأنهم مواطنون من دول مختلفة. فى زمن سابق كنا ندرس منهجاً أساسياً موحداً وكانت المعاهد الأزهرية قليلة وفى عواصم المحافظات فقط. والمدارس الأجنبية التى لا تدرس المنهج الوطنى كانت محدودة وتقريباً مخصصة للأجانب فقط. وكانت الجامعة الأمريكية يدخلها العشرات من الطلبة محدودى الكفاءة والقدرات بدون مجموع. كانت مصر نسيجا واحدا حتى مع اختلاف القدرات المالية وكانت هناك فرصة حقيقية للصعود إلى مرتبة أعلى، كل حسب مجهوده.
فكرت كيف يمكننا أن نساعد وزير التعليم فى قراره الصائب، ولكننى فوجئت بعد بضع ساعات بتصريح آخر للوزير ينسحب فيه تماماً من موقفه ويقول إن التعليم فى الأزهر هو تعليم موازٍ! وعرفت لماذا لا يمكن أن يكون هناك وحدة فى الفكر المصرى وشعور حقيقى بالمواطنة التى تتكون فى فترة الطفولة ومراحل الشباب الأولى. وتأكدت أن إصلاح التعليم يتطلب الإرادة وليس فقط حل مشاكل التمويل.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.


خالد منتصر - دروس جائزة محمد صلاح - جريدة الوطن - 24/4/2018

جائزة محمد صلاح هى جائزة للجهد والإصرار والعزيمة والتصميم واحترام أن الرياضة صارت علماً وليست دعوات، والتدريب صار خطة لا فهلوة، والاحتراف أصبح نظاماً صارماً وليس سبوبة سماسرة، الجائزة تلخص رحلة شعارها «كن ضد اليأس والإحباط حتماً ستنجح».
هل نجح محمد صلاح لأنه اجتهد أم لأنه سجد؟، سؤال أثارته تعليقات الملايين ممن يحشرون الدين فى كل شىء، البعض أرجع الجائزة إلى أن محمد صلاح يسجد بعد كل هدف، ويصر إعلاميون على التأكيد بأنه اللاعب المسلم رقم كذا الذى حصل عليها، يرجعون فوزه لأنه الملتزم أبومكة.. إلخ، والسؤال الأهم: هل لو ظل «صلاح» فى مصر وسجد العمر كله فى ظل هذا الاحتراف المصرى الهمايونى والتدريب الكلشنكانى والطب الرياضى الذى بعافية ومدربى الساحات الشعبية للياقة البدنية المعتمدين على اتكل على الله وهى حتنقضى وحنكسب بدعوات الوالدين، هل كان سيصبح محمد صلاح الذى شاهدته أمس؟!، هو صار محمد صلاح لأنه دخل السيستم الصح الذى لا يترك شيئاً للفهلوة والأمنيات والتواكلات والبركات والمعجزات وذبح العجل وزيارة ضروح الأولياء، إقحام الدين والحديث بلغة عنصرية فى الرياضة ومحاولة تضميد جراح الدونية بشاش النعرة الدينية وإضفاء هوية اللاعب العقائدية فى كل حديث لدرجة أن مذيعاً قد نصّبه سفيراً للإسلام وكأنه فى غزوة وليس فى لعبة أو مباراة، هذا الإقحام تخلف حضارى وتأكيد على أننا مجتمع لم ينضج بعد، مجتمع ما زال فى مرحلة المراهقة الدينية والتلسين القبلى وصراع الديوك المذهبى.
الجائزة لمحمد صلاح ونحن جميعاً كمصريين فرحون بها، ولكن الجائزة أيضاً للمجتمع المدنى العلمانى الذى منحها للاعب مصرى أسمر مسلم دون أن ينظر إلى ديانته أو لونه أو عرقه أو جنسيته، مجتمع المواطنة الذى يحاسب ويكافئ على قدر الجهد والموهبة والعرق والمثابرة، الفرحة ستكون مضاعفة لو عرفت أن الطفل مينا، الذى طرده أحد مدربى حراس المرمى الملتحين، قد تم تتويجه كأفضل لاعب مصرى بعد أن نكون قد أصبحنا وطناً يضم جرجس وميخائيل ولوقا المصريين إلى المنتخب دون حساسيات، ولا يمتعض الجمهور أو المدرب من لاعب شيعى أو بهائى أو يهودى يحاسب على اختياره الحر وعلاقته الشخصية بربه بعقابه وحرمانه وتجريسه.
جائزة محمد صلاح تشير إلى فساد وترهل نظامنا التعليمى، كيف مر محمد صلاح بمراحل التعليم المصرية دون أن ينتبه مدرس واحد إلى أن هذا الطفل نبيه وذكى، لا أقول لاعب كرة جيداً، لكنه انتباه مجرد انتباه إلى نباهته التى ظهرت بعد ذلك فى سرعة التقاطه للغات واندماجه فى المجتمعات الغربية التى سافر إليها بسرعة واستجابته المدهشة لتعليمات مدربيه، كل هذا يعبر عن مرونة نفسية ولياقة سيكولوجية اجتماعية لم ينتبه إليها أحد فى حينها وتركت للصدفة لكى يكتشفها الآخرون.
جائزة محمد صلاح فضحت الصربعة الإعلامية المخجلة، فقبل إعلان الجائزة بساعتين تناقل الإعلاميون أو 99% منهم خبر حصوله على الجائزة اعتماداً على صورة يحمل فيها الكأس وهى صورة كانت قبل الحفل وتكررت مع كل المرشحين، بلغ الاقتناع حد تكذيب قناة «أون سبورت» والحديث عن عملية نصب قامت بها على الجمهور فى إذاعة حفل بايت!، وبدأت حمى العنعنة وهستيريا الصربعة والتسرع والهطل واللكلكة، لا أحد يتقصى الأخبار ولا يجهد ذهنه لتقصى المصدر، لم يفكر أحد إلا ما تيسر من الإعلاميين فى الدخول على موقع ليفربول مثلاً للتأكد، ولكنه مرض التفكير بالتمنى والاستسهال الذى يؤدى إلى إسهال السبق وحمى اللايكات وشهوة البريمو!، عورة عقلية كشفتها الجائزة عبرت عنها بوستات الـ«فيس بوك» وتغريدات «تويتر» التى شيرها المصريون لكافة أنحاء الدنيا، ما يجعلك لا تثق فى إعلامك ولا فى نخبتك ولا فى مرجعياتك السياسية أو الثقافية، الكسل والفهلوة واعتبار أن الكذب شىء عادى وأليف صارت أمراضاً مصرية مزمنة علينا أن نعالجها لنستحق أن نصبح على خريطة العالم المتحضر مثلما أصبح محمد صلاح على خريطة الرياضة العالمية.

لماذا يُقبّل البابا أقدامَ الفقراء؟ بقلم فاطمة ناعوت ٢٣/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم


فى كل عام يتكرر مشهدٌ أسطورى فى ليلة «خميس العهد»، كما بالأدبيات المسيحية. وهى الليلة التى سبقت مثول السيد المسيح عليه السلام، أمام هيئة قضاة ظالمة أدانته بتهمة التجديف فى الدين (حاشاه!)، فحُكم عليه بالموت صباح اليوم التالى: «الجمعة العظيمة»، أو «جمعة الآلام» حيث حمل صليبَه الخشبيّ الهائل ومشى فى طريق الآلام، ثم صُلب لينزفَ دمَه الطاهرَ. وهنا تتشعّبُ روايتان. وفق أدبياتنا الإسلامية؛ لم يمُت السيد المسيح، إنما رُفع بأمر الله للسماء عزيزًا حيًّا، واستُبدل به الخائنُ يهوذا، ليُصلَب ويموت جزاءَ خيانته سيده. بينما تقول الأدبياتُ المسيحية إنه نزف حتى الموت على الصليب، من أجل افتداء البشريةَ وحمل خطاياها؛ ثم دُفن، فى القبر، وقام من مواته بعد ثلاثة أيام ليصعد إلى السماء.
فى تلك الليلة قبيل محاكمته عليه السلام بساعاتٍ، تناول السيد المسيح العشاءَ الأخير مع تلاميذه الاثنى عشر، ثم غسل أقدامهم، ومن بينهم يهوذا، حتى يعطيهم درسًا فلسفيًّا مقدّسًا فى التواضع وقتل الكِبر فى النفس. حيث هو المقدّسُ الأعلى يغسل أقدام من هُم دونه قيمةً ومقامًا ومجدًا وعلمًا.
فى مصر، فى عصور قديمة راقية، كان حكّامُ الدولة المسلمون يحتفلون بذلك اليوم مع أقباط مصر، فيصكّون عُملاتٍ تذكاريةً من الذهب الخالص، تُوزّع على رموز الدولة، تخليدًا لليوم المهيب. كذلك فى الفاتيكان، يحتفل البابا فرنسيس بذكرى ذلك اليوم، بتطبيق نفس الطقس الفلسفيّ الأعظم الذى فعله السيدُ المسيح مع حوارييه. حيث يقع اختيارٌ عشوائى على اثنى عشر لاجئًا من جنسيات وديانات مختلفة أو سجينًا منهم مسلمون وهندوس وغير ذلك، ثم يقوم البابا الكاثوليكى، بغسل أقدامهم وتقبيلها بكل تواضع ومحبة، ليُعطى للعالم رسالةً ناصعةً فى وجوب شيوع المحبة والتبجيل بين كل أبناء البشرية على هذا الكوكب، مهما اختلفت الألوانُ والمعتقداتُ والأعراقُ والطبقاتُ الاجتماعية.
لماذا يقبّل البابا أقدامَ بشر لا ينتمون إليه بالقرابة ولا النسب ولا العقيدة ولا العِرق ولا الهُوية؟ وهو الرجل ذو المكانة القدسية والسياسية الرفيعة، كيف يقبَلُ أن يخفضَ رأسه وينحنى بهامته حتى مستوى أقدام لاجئين وسجناء بسطاء، قد يراهم البعضُ مجرمين أو مشردين أذلاء، لا وطن لهم، بعدما هُجّروا قسرًا من أوطانهم؟ وأنا أشاهد ذلك الفيديو رحتُ أتأمل ذلك المشهد الهائل وأحاول أن أصل إلى طرح أبعد من مجرد محاكاة البابا للسيد المسيح والاقتداء بأفعاله القدسية المبجّلة. للحق كنتُ أرى البابا وهو يغسل أقدام المشرّدين ويقبّلها، كأنما كان يُقبّل صنيعةَ الله ويُمجّد ثمرةَ يديه تعالى.
الإنسانُ، كل إنسانٍ، هو صنعُ الله وثمرةُ يديه الربوبيتين. فحين تتأملُ زهرةً مشرقةً، وحين تستنشقُ شذاها، وحين تراقبُ فراشةً جميلة تخفق بجناحيها فوق الزهر، وحين تشخصُ فى وهج الشمس البرتقالى أو ضوء القمر الفضيّ أو تلألؤ النجوم الألماسيّ أو سريان الغيم فى السماء، فأنت تُمجّد صنع الله الإعجازى وتقول: «سبحان ربيّ ما أبدعَ صنعك!» وحين تُقبّل رأس طفل فكأنما تقول: «سبحان الله العظيم ما أجمل ما قدّمت للأرض خليفةً لك، ليُعمّر الكون ويُحسن إلى غيره من الناس!». ولكن، حين تقوم بتقبيل «أسفل» ما فى الإنسان، قدميه، فالرسالةُ تكون أبلغَ وأعمق تقول: «ها أنا يا ربُّ أنحنى بجبهتى، وأنا صنعتُك الكريمة، حتى تمسَّ هامتى أحطَّ وأسفلَ ما فى صنعتك الكريمة: قدم إنسان آخر».
تُعلّمنا الأديانُ كافّةٌ أن الكِبر والغرور من سمات التصدّع الروحى وفقر الإيمان. المؤمن الحقُّ لا يكون إلا متواضعًا وهو عزيزٌ، مهما اعتدّ بنفسه ومهما اعتزّ بكرامته. فالكرامة، لا تتناقض مطلقًا مع التواضع، إنما تؤكده وتُكرسّه. فكأنما يقول البابا الحكيم لأولئك البسطاء: «إن كنتم سجناء أو لاجئين، لكنكم غالون عند الله، لأنكم صنيعة يديه. لا يعنينى أيَّ المعتقدات تعتقدون، ولا من أى أعراقٍ تنسلّون، إنما أنا أحبكم واحترمكم وأُجلُّ حتى أقدامكم، لكونكم: إنسانًا». فالإنسانُ قيمةٌ عليا فى ذاته، مهما اعتقد، ومهما انتمى، ومهما كان ظرفه السياسى أو الاجتماعى. حتى الخُطاة المذنبون لهم قدرٌ ومكانةٌ فى منظومة الإنسانية. يقول البابا للبشرية: «نحن جميعًا سواءٌ متساوون، مسلمون ومسيحيون وهندوس، جميعنا أبناءُ الله. وأما الحروب والاقتتالات التى تحدث فى العالم، فليس من صانع لها إلا تجار السلاح الذين يودون أن يزدادوا ثراء على جثامين البشر، وإن فنى العالم. فدعونا ننشر السلام والمحبة بين الناس. لأن الله هكذا يريد».
لشدّ ما نحتاجُ جميعًا أن نتأمل ذلك المشهد المتحضّر فى مجتمعاتنا العربية، فنحبُّ بعضُنا بعضًا، ونتواضعُ أمام بعضنا البعض. فالدينُ لله، والمحبة والاحترام والإنسانية للجميع.

Sunday, April 22, 2018

خالد منتصر - الخوف على جينات المصريين هلاوس لا علمية - جريدة الوطن - 22/4/2018

بالإشارة إلى المشروع المقدم من وزارة الصحة الخاص بتنظير البحوث الإكلينيكية، أود أن أعرض بعض الملاحظات التى استقيتها من خلال مناقشاتى مع بعض كبار أساتذة الجامعات من أصحاب الأوراق البحثية المتميزة وسأكون لسانهم:
نرجو الإحاطة بالعلم أنه لم يتم دعوة أىٍّ من مراكز الأبحاث فى جلسات التحفيز لهذا المشروع، رغم أن هذه المراكز مسجلة ومعتمدة من وزارة الصحة، ولديها المعلومات الكافية عنها، وكذا لم يتم دعوتها إلى لجنة استماع القانون التى تمت يوم الأربعاء الماضى، وبذلك لم يؤخذ بآراء العاملين فى هذا المجال من باحثين رئيسيين ومراكز أبحاث تُجرى فيها الأبحاث الإكلينيكية.
ونظراً لأهمية هذا القانون من حيث مستقبل الأبحاث الطبية فى مصر ووجودها على الخريطة العالمية مع الدول الرائدة فى هذا المجال وترتيب الجامعات المصرية عالمياً، وارتباط هذا القانون بإنتاج وتصدير أدوية مصرية جديدة، وخلق فرص للاستثمار، وكذا فرص عمل للقائمين بهذه الأبحاث، وإمكانية حصول المريض المصرى على العلاجات المبتكرة عالية التكلفة، خصوصاً الأمراض الخطيرة، مثل السرطانات بأنواعها، لذلك يود الباحثون أن تُؤخذ تلك الملاحظات بعين الرعاية، ليخرج هذا القانون بشكل علمى مشجّع ومقبول يليق بصورة مصر وبرغبتها فى مشاركة العالم تقدّمهم العلمى، وبذلك لا بد أن نأخذ بعين الحذر ونعرف أن هذا القانون يحتوى على بعض المواد التى تؤدى إلى التأثير السلبى على مناحى البحث العلمى والاستثمارات الخارجية، من ضمن تلك المواد الآتى:
بخصوص المادتين 4و5:
أخذ الموافقات من الجهات المعنية قبل بدء العمل فى البحث.. تعدد لجان مراجعة الأبحاث دون مواعيد زمنية محددة، حيث إن الدول الرائدة فى هذا المجال يوجد لديهم مواعيد زمنية محددة للمراجعة
(transparent predictable time lines for protocol approval)
بخصوص المادة 8:
تشكيل المجلس الأعلى للبحوث الطبية من الوزير المختص (وزير الصحة)، والأوقع أن يكون التشكيل بقرار من وزيرى الصحة والتعليم العالى.
بخصوص المادة 12:
- منع مصر من المشاركة فى المرحلة الثانية من الأبحاث الإكلينيكية، علماً بأن مصر قطعت شوطاً طويلاً فى إجراء هذه المرحلة من الأبحاث بنجاح على كل المستويات، بما فيها مستويات الجودة (audits / Inspections).
- معاملة الدراسات غير التداخلية مثل الدراسات التداخلية من وجهة نظر الموافقات من الجهات.
بخصوص المادة 25:
- حظر خروج عينات بشرية فى البحوث الطبية من ج.م.ع:
نرجو توضيح أن خروج العينات ضرورى للمشاركة فى الأبحاث العالمية (Multinational trials)، لمنع التحايل على نتائج التحاليل (Bios)، ولكى تتم التحاليل على المشاركين من كل مراكز الأبحاث فى كل دول العالم بنفس الطريقة وتكون متبعة لنفس المعايير (standardization of the results).
وعلماً بأن هناك الكثير من التحاليل المحلية توجد أساساً فى مصر، وبالإشارة إلى التخوّفات الأمنية من الدراسات الجينية على المرض اللعين نرجو العلم أن كثيراً من المصريين يتم علاجهم بالخارج على نفقة الدولة + أكثر من 7 ملايين مصرى يقيمون فى الخارج، ويتم علاجهم وإجراء الفحوصات الطبية لهم بصفة دورية + والمعامل الخاصة تقوم بإرسال عينات للتحاليل فى الخارج بصفة يومية.
بخصوص فرض العقوبات على الباحثين الرئيسيين (مادة 30):
توضيح فرض العقوبات فى حالة ثبوت الإهمال وعدم التزام الباحث بالقواعد المنظمة للأبحاث الإكلينيكية (GCP)، علماً بأنه لا يمكن توقع حدوث بعض الآثار السلبية للعقار الذى يجرى عليه البحث.

Saturday, April 21, 2018

خالد منتصر - اقتلوا المنتخب أو أجّلوا المونديال! - جريدة الوطن - 21/4/2018

كل الدول التى وصلت منتخباتها إلى مونديال كأس العالم لكرة القدم تقف على أطراف أصابعها الآن مشغولة بتجهيز فرقها، تدريبات على أعلى مستوى، لقاءات مع فرق قوية قبل الكأس حتى يستعد اللاعبون بدنياً ونفسياً على جو كأس العالم، تجميع اللاعبين المحترفين فى إجازات من فرقهم الأوروبية أو الأمريكية التى يلعبون كمحترفين فيها حتى يتحقق الانسجام المفتقد نتيجة السفر والترحال والغربة، تلك الدول الجادة تجهز الآن أكثر خبراء الرياضة كفاءة وأمهر الأطباء لتحديد خطط اللعب ودراسة الفرق المنافسة، وتحديد الأحمال التدريبية وطريقة تصاعدها، وحساب السعرات الحرارية التى يحتاجها اللاعبون، وكيف يتعامل اللاعبون مع مناخ روسيا... إلخ، كل الدول تفعل ذلك إلا مصر المحروسة، تركت كل هذه السفاسف والتفاهات وتفرغت لأهم قضية مقدسة ستضمن لها الفوز والمكسب واحتلال المركز الأول والحصول على البطولة ورفع الكأس أمام أعين كفار العالم وفى قلب قلعة الشيوعية العالمية سابقاً، دخلت مصر فى جدل: هل يصوم لاعبو المنتخب أم أن إفطارهم حلال بلال؟! إلى أن أراح واستراح رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر، وأطلق فتواه العبقرية بأن فاطر المونديال دمه حلال فى الحال! يهديك يرضيك يا عم الشيخ، لا يمكن، اللى حيفطر ستطير رأسه، وبالطبع سنفقد الأهداف التى كان من الممكن إحرازها بضربات الرأس لأن عمنا الشيخ الجليل قد أمر بجزّ الرقبة ومنع جماهير الكرة من أهداف «الهيد» ماركة على أبوجريشة المسجلة، ولكن والحمد لله سمح لنا فضيلته بـ«الدبل كيك» ووعدنا بمتعة لا تنتهى مع معجزة الضربة الخلفية المزدوجة للاعب بلا رأس!
لم أطمئن إلا عندما أنهى الشيخ الأزهرى كلمته العظيمة وفتواه الكريمة بإدانة «داعش» وأن هؤلاء لا يمثلون الإسلام وأن الأزهر خط أحمر وليس خطين كنادى الزمالك، خبط لزق كده يا عم الشيخ، وإيه حكاية إنهاء كل فتوى من فتاويكم بتلك العبارة النورانية الملائكية «دمه حلال»، هل نحن فى موضع إفتاء أم فى ساحة سلخانة؟! منتخب إيه وكورة إيه ورياضة إيه اللى احنا عايزين نكسبها فى وطن رهن عقله فى سوق نخاسة فكرية يتحكم بها سماسرة دين وتحتلها بوتيكات الفاشية الدينية؟! نحن بأيدينا أعلنا خسارة المنتخب من قبل أن يلعب، شغلنا لاعبيه بتلك المتاهات الخزعبلية والحوارات البيزنطية والهلاوس السمعية والبصرية، وبالطبع سيفضل اللاعب أن ينزل أرض الملعب مترنحاً كسيحاً مجاهداً فى سبيل الله ما دام شيخه الموثوق قد أمره بذلك، الله يكون فى عونك يا «كوبر»، رماك القدر فى مجتمع يصوم عن التقدم ويصوم عن الضمير ويصوم عن الصدق ويضع رأسه بكل إرادته تحت مقصلة دواعش يسكنون منتجعات القاهرة وقصورها يفتون لنا فى أدق تفاصيل حياتنا بينما هم الذخيرة الفكرية الحية للدواعش الذين فى كهوف سيناء، وبعد ذلك يطلبون منك يا خواجة أن تعود بكأس العالم. يا «كوبر» صدقنى، اخلع فأنت لست فى مناخ رياضة، بل أنت فى حفلة زار وسيرك موالد، اخلع واكتفِ بالفتة التى أكلتها فى الإعلان.

Thursday, April 19, 2018

خالد منتصر - نداء عاجل إلى نساء مصر - جريدة الوطن - 19/4/2018

جدد الخطاب الدينى فى أى قضية وأى شىء من الممكن أن يغفر لك رجال الدين، إلا قضية المرأة عموماً والحجاب خصوصاً، فدونها -كما يقولون- خرط القتاد ومرارة الحصرم وإراقة الدم على الجوانب!، لذلك كانت العاصفة والبركان والهياج والثورة على الكاتب «شريف الشوباشى»، الذى نادى بخلع الحجاب فى سطرين على «الفيس بوك» فقامت القيامة، صارت معركة وثارت قبيلة، فضحت تلك المعركة عورات العقل المصرى وتشوهاته النفسية، وكان لا بد من توثيقها ليخرج لنا هذا الكتاب صغير الحجم كبير القيمة «نداء عاجل إلى نساء مصر»، الصادر عن دار العين، الذى كنت أتمنى أن يكون عنوانه «معركتى مع الحجاب»، لأنه يتناول ويركز على تلك القضية تحديداً، التى كان بوست «الفيس بوك» شرارتها الأولى وحجرها الصغير الذى حرك المياه الراكدة، «الشوباشى» كاتب متمرد ضمن طابور طويل من كتيبة الاستنارة المصرية التى كانت المرأة المصرية همها الأول ورقمها الصعب ومعادلة التغيير المضنية، لأنها ببساطة لوحة التنشين السهلة التى يصوب إليها المجتمع كل سهام العُقد والكبت والكلاكيع وأمراضه النفسية المزمنة وتفسيراته الدينية المدمنة، معركة شريف الشوباشى مختلفة عمن سبقوه من كتاب ورواد ومفكرين، لأن ميدانها الأول أفرزته وسائل التواصل الاجتماعى، وهى الاختراع الحديث الذى استغله -للأسف- المصريون والمسلمون أسوأ استخدام، لذلك كان من أهم فصول الكتاب الفصل التوثيقى لتعليقات «الفيس بوك» على نداء «الشوباشى» لنساء مصر بخلع الحجاب، غطاء بلاعة الصرف الصحى قد تم رفعه، لتخرج كل هوام الأرض بعفن السباب والقذارة تحت شعار نحن ندافع عن الله والدين!!، ولا أعرف كيف يستقيم هذا مع ذاك؟!، وكيف يتوافق الضمير والإيمان مع التطاول وقلة الأدب والتهديدات بالقتل والاغتيالات المعنوية، التى قادت الكاتب إلى مقاطعات من الأصدقاء وشبه عزلة أحياناً عن نشاطات المجتمع، كشف لنا الكتاب عن عورات عقلية ونفسية للمجتمع المصرى والثقافة الإسلامية، منها التلذذ بالقمع والقهر واستعذابهما، خاصة من المرأة!!، إنها عقدة ستوكهولم، المرأة تدافع عن جلادها وقيودها، المجتمع كاره للمنطق، عدوانى ضد العقل، فاشى تجاه الآخر، من فرط إحساسه بالدونية يغتال التحضّر، «الشوباشى» لم يكتب لأنها طقت فى دماغه، أو لركوب موجة، أو للموضة، أو حباً فى الفرنجة، إنه فعلاً ابن ثقافة فرنسية، ويتقن لغتها، لكنه قبل ذلك ابن مصر الستينات، عاش فى كلية الآداب مع زميلات فى زمن لم يعرف التحرش رغم الملابس القصيرة، وعدم ارتداء الحجاب، فقد كانت الزميلة فى الكلية هى شياكة عقل وشياكة زى وليست قطعة لحم، ابن جيل الاستنارة والتفتح على العالم وثقافاته، وهذا سر حماسه ودهشته وصدمته ومرارته وحزنه وغضبه، فالحجاب لم يكن قطعة قماش، لكنه باكيدج أفكار وحزمة مفاهيم، استطاع الإخوان زرعها فى عقل ووجدان المرأة بعد هزيمة ١٩٦٧، فكرة أنها عورة وشيطان ومصدر غواية ومفهوم أنها نجاسة وخطيئة ومركز شهوة، باختصار شطب إنسانية وإلغاء هوية، تلك الفكرة هى الجسر الذى عبر عليه الإخوان لاستعمار واستحمار المصريين، فضح الكتاب النخبة التى تصرح فى العلن بغير ما تقوله فى السر، وتهرب من المعارك الاجتماعية الدينية، إيثاراً للسلامة وهرباً من وجع الدماغ، وقد قابل المؤلف منهم الكثير ممن تركوه عارى الصدر بلا درع فى معركة تكسير عظام من ضباع جائعة.
الكتاب ليس مجرد توثيق لمعركة، لكنه إطلالة على خريطة العقل المصرى التى احتلت بخرافات وأوهام جعلت مصر تتقهقر حضارياً وتتكلس وجدانياً، بعد أن كانت مركز الجمال والبهجة ومنارة العقل والحكمة.

Wednesday, April 18, 2018

خالد منتصر - عقاب إعلامى إخوانى بتعيينه رئيساً لقناة!! - جريدة الوطن - 18/4/2018

نريد أن نفهم هل الدولة تحارب الإخوان بجد فى الإعلام أم تكرمهم؟!، وإلا فليفسروا لى وليساعدوا عقلى القاصر وليأخذوا بيد فهمى الضعيف ويجيبونى عن هذا السؤال الساذج: كيف يعينون إعلامياً إخوانىّ الهوى مسئولاً عن قناة تمت بصلة قرابة للدولة؟، ويجعلونه فى مقام رئيس القناة الذى يسيّر أمورها؟ هذا الإعلامى كان مستشاراً لـ«مرسى»، وهو الوحيد الذى تم اختياره من مكتب الإرشاد لإجراء الحوار مع مندوب الإخوان فى الرئاسة محمد مرسى، هذا الحوار الذى ذهب به لمكتب الإرشاد، لكى يطمئنوا عليه ويمنتجوه براحتهم ليجمّلوا وجههم القبيح، وظلوا عشر ساعات يعلنون عن قرب بث الحوار حتى أذيع فى منتصف الليل، هذا الإعلامى ظل فى منصبه الاستشارى لعصابة الإخوان، استغل هذا المكان للثأر من قناته القديمة التى استغنت عنه، فقطع عنها البث وذهب ليهدد صاحبها فى مكتبه!، علامات تعجب أود أن أرشّها فى كل المقال بالملاحة لتعبر عن مدى دهشتى من هذا التصرف وذلك السلوك، هذا الإعلامى لم يكتفِ بما فعله فى زمن الإخوان بعدما قفز من القارب وهو على وشك الغرق، بل عمل من الباطن ضد ثورة يونيو وأتى بسائق توك توك فى مسرحية مدبّرة ومعدّة مسبقاً لدق إسفين إخوانى فى ذروة المشاهدة!، برغم ذلك كله تم تكريمه وتدليله وتسمينه وصناعة نيولوك لكى يدير قناة المفروض أنها مع ثورة يونيو!، كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وبأى منطق؟، لا تسألنى، الإخوانى يا سادة ليس بالضرورة حامل كارنيه أو عضوية، من يحمل الهوى القطبى حتى ولو تدثّر بعباءة الفن هو أخطر وأشد تأثيراً، وقد بدأ هذا الإعلامى مسيرته فى تلك القناة بإعادة تدوير نفس الفكرة البالية عن السينما النظيفة!، استضاف فى لقاء لا إنسانى فنانة كبيرة السن فى المستشفى وفى ذراعيها غرست حقن وإبر المحاليل، فقط لكى يمرر فكرته عبر سؤال خبيث، فقد أبدى إعجابه بأنها الفنانة التى لم تلبس فستاناً قصيراً ولم يمسك ممثل يدها وسألها عن السر العظيم؟، المهم ليست الإجابة ولكنه السؤال، ففى النهاية هذه الفنانة مسكينة غير قادرة على الكلام أصلاً فضلاً عن التحليل والجدال، لكن الإعلامى قد تناسى أنه يتحدث عن فن السينما وليس عن فضل الاعتكاف!، أفيدونا أفادكم الله، هل نحن نحارب أحفاد الإخوان فى سيناء بينما يتسللون إلينا فى غرف النوم عبر الشاشات؟!، أم أن مذيعى الإخوان كالقطط بسبع شاشات؟.

Tuesday, April 17, 2018

تحية واجبة إلى «المصرى اليوم» بقلم د. محمد أبوالغار ١٧/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

تحية كبيرة لأهم صحيفة مستقلة ظهرت فى مصر بعد عام ١٩٥٢، قبل ذلك كانت هناك صحف مستقلة مثل الأهرام وأخبار اليوم، وصدرت الأخبار عام ١٩٥٢ وغيرها، ولكن كلها أصبحت منذ عام ١٩٥٤ تحت إمرة النظام الحاكم إلى أن تم تأميم الصحافة وأصبحت صحفا حكومية وأطلق عليها اسم قومية. بالطبع كانت هناك صحف حزبية، وكان لسان حزب الوفد العريق جريدة «المصرى»، تم إغلاقها وهرب صاحبها خارج مصر.
خلال حكم مبارك، ظهرت عدة صحف أسبوعية مستقلة، معظمها كان تأثيرها محدوداً. أما الصحف المصرية اليومية فبجانب «المصرى اليوم» حقق «اليوم السابع» نجاحاً إلكترونياً جماهيرياً عن طريق الموقع المتميز. وربما كانت «الدستور» الأصلية التى ترأس تحريرها إبراهيم عيسى هى الصحيفة الأسبوعية الوحيدة التى انتشرت وكان لها تأثير قوى ومهم وأتاحت الفرصة لعدد كبير من شباب الصحفيين للظهور والانتشار، إلى أن حدثت ضغوط على صاحب الصحيفة، وتم بيعها فى صفقة مريبة شارك فيها رئيس سابق لأحد الأحزاب.
كان ظهور «المصرى اليوم» فى بدايات القرن الواحد والعشرين طفرة كبيرة فى الصحافة المصرية، وانتشرت بسرعة، وأصبحت بدون جدال الأهم والأقوى والأكثر تأثيراً على الرأى العام. وفى بداية تكوين «المصرى اليوم» عهد أصحابها لواحد من أعظم الصحفيين وأكثرهم نقاءً ومهنية فى تاريخ مصر وهو الراحل الكبير مجدى مهنا، وفعلاً بدأ فى تأسيس الجورنال، وعند صدور العدد الزيرو اكتشف أصحاب الجريدة بما لهم من خبرة فى البيزنس أنك قد تكون أعظم صحفى فى العالم ولكنك لن تكون بالضرورة أحسن رئيس تحرير. واستمر مجدى مهنا العظيم يكتب فيها حتى رحيله واحداً من أهم الأعمدة فى تاريخ الصحافة المصرية، وأصبح خليفة أحمد بهاء الدين فى عموده المؤثر، وكان هذا العمود هو أحد أسباب نجاحات «المصرى اليوم» فى أوائل صدوره. توالى على رئاسة تحرير «المصرى اليوم» نخبة متميزة من الصحفيين، منهم: الأساتذة أنور الهوارى ومجدى الجلاد وياسر رزق ومحمد السيد صالح، وتعامل أصحاب «المصرى اليوم» وهم من رجال الأعمال بمهنية شديدة، فلم يتدخلوا فى التحرير إلا فى أضيق الحدود المسموح بها.
مرت الجريدة بظروف صعبة فى عهد مبارك، لأنها كان لها خط واضح فى تأييد الحريات والديمقراطية، وكانت واضحة فى معاداة الفساد والفاشية الدينية منذ أول يوم لصدورها. وكانت التغطية الإخبارية للأحداث فى غاية المهنية، هى لم تكن صحيفة معارضة لنظام مبارك ولكنها كانت تنشر كل وجهات النظر المختلفة، وبذا اختلفت عن الصحف القومية التى كانت لها وجهة نظر أحادية، فأصبحت هى الأكثر توزيعاً والأقوى تأثيراً ومصداقية، حتى إن كبار المسؤولين كانوا شديدى الاهتمام بما يكتب عنهم فى «المصرى اليوم».
وأثناء ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو فاق توزيع «المصرى اليوم» جميع الآفاق، لأنها كانت تعبّر بصدق عن مشاعر جموع المصريين التى كانت تريد الحرية وتكره الفاشية الدينية. أعطت «المصرى اليوم» الفرصة لصحفيين متميزين للظهور، بعضهم كانوا صحفيين قدامى وعندهم الخبرة والحس الصحفى مثل حمدى رزق رئيس التحرير الحالى، وهو كان صحفيا مرموقا فى دار الهلال، وللأسف كان توزيع مجلاتها محدوداً، ولكن عموده فى «المصرى اليوم» جعله نجماً قومياً وأصبح القراء كلهم يقدرون خبرته ومهارته الصحفية. هناك أمثلة كثيرة لصحفيين كانوا رؤساء تحرير لصحف كبرى ولكن لم يكن يقرأ لهم أحد إلا حين كتبوا فى «المصرى اليوم». وأعطت «المصرى اليوم» الفرصة لعدد كبير من الكتاب غير الصحفيين، وأنا منهم، فى الكتابة المنتظمة، وأصبح كثير من هؤلاء الكتاب من المؤثرين فى الرأى العام فى مصر والمنطقة.
«المصرى اليوم» ساندت الدولة المصرية بكل قوة فى الفترات العصيبة ولم تكن أبداً ضدها، وكانت بالمرصاد لأى اعتداء على مصر داخلياً وخارجياً. كانت مع الحق وصدق المعلومة دائماً.
«المصرى اليوم» صحيفة متميزة، بها خبرات وشباب وحماس، ووجود هذه الصحيفة أمر شديد الأهمية لمصر وللنظام الحاكم.
يطلق على الصحافة اسم السلطة الرابعة، والصحافة فى الغرب هى صمام الأمان الذى ينبه الحاكم إلى أخطاء قد لا يراها، ويعبر عن رأى أجنحة من الشعب وقادة الرأى، وتنير الطريق للنظام الحاكم ليرى ما قد تخفيه عليه أجهزته. إغلاق الصحف أصبح عديم القيمة لأنه بدلاً من المواقع المغلقة يتم فتح عشرات المواقع كل يوم، ووسائل الاتصال تتطور أكثر وأكثر وهناك عشرات من الطرق الإلكترونية التى يتم فتح المواقع المغلقة لمن يريد. وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت جزءاً من البيزنس والصناعة والتجارة، وقفلها بالكامل يعنى قفل السياحة والتجارة والبيع والشراء. وأخيراً، ما أهمية إغلاق أو إضعاف صحيفة تبيع عشرات الآلاف من النسخ ويقرؤها مليون مواطن، بينما هناك قنوات معادية يشاهدها عشرات الملايين لا يستطيع أحد أن يغلقها؟!
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك

Monday, April 16, 2018

خالد منتصر - مدرسة «أم اليابانيين» - جريدة الوطن - 17/4/2018

كنت أتصور أن تكون المدارس اليابانية بداية تدريس كتاب الأخلاق المشترك الذى أثناء تدريسه لا يُطرد المسيحى من الفصل لكى يأخذ الدرس فى الحوش، وفى حصته لا ينمّى المدرس مشاعر التوجس والتربص والكراهية للآخر، فاليابان لم تنمُ حضارياً بالتكنولوجيا فقط، ولكنها نمت وتقدمت وتحملت أهوال الحرب بالأخلاق اليابانية التى جعلت العالم ينبهر بهم ويصفهم بكوكب اليابان! لا بد أن نعترف بأن الأخلاق كانت قبل الأديان، وهناك مجتمعات لا تعرف الأديان الإبراهيمية وأخلاق أفرادها أفضل بكثير من الدول التى تدّعى أنها متدينة بطبعها، وضمائرهم أكثر شفافية وصدقاً وأقل زيفاً من مجتمعات كثيرة تعيش ازدواجية مقيتة بطقوس أكثر وزيف أضخم وكذب أفدح وعمل ووضوح والتزام أقل، فالمدارس اليابانية التى لا تعرف مدرّسى الدين هى التى خرّجت لنا عمالاً يتظاهرون اعتراضاً على الإجازات، ومدارسنا الوهابية العفيفة الشريفة، بكل جحافل مدرّسى الدين بداخلها، هى التى خرّجت العامل والموظف المصرى الذى يعمل 27 دقيقة فى اليوم وما زال يبحث عن ضم إجازة عيد عروسة النيل لقائمة أطول إجازات فى العالم! لم أسمع عن طلبات توظيف أمناء معامل من خريجى كليات العلوم يحصلون على أعلى راتب فى المدرسة كإجراء ثورى من الوزير، فهذا الشخص هو ما نحتاجه للحاق بقطار الحضارة والحداثة الذى غادر المحطة منذ زمن زحف السلفيين على عقول المصريين، معمل الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا هو ما جعل اليابان تتقدم وليس مدرّس الدين أو كتّاب سيدنا، فالمدرسة اليابانية التى ستُقحم النصوص الدينية فى اللغة العربية وتفرض على معتنقى دين آخر حفظها هى مدرسة تستحق لقب «مدرسة أم اليابانيين» بامتياز، المدرسة اليابانية التى ستقوم بتدريس كتاب عقبة بن نافع وقصة واإسلاماه ويحفظ فيها الطلبة مشهد الطفل الذى يقطع رأس الرجل لإثبات بطولته ويصبح كمّ الدماء فى مخيلته أكثر من كمّ ابتسامات البهجة وزغاريد الفرح وشقاوة اللعب البرىء المناسبة لسنّه، تلك المدرسة ليست يابانية وإنما طالبانية تحمل لافتة طوكيو! فى النهاية، وبتلك الأفكار المحنّطة، ستتحول المدارس اليابانية إلى مدرسة بنى قينقاع الابتدائية والتوحيد والنور الإعدادية وتورا بورا الثانوية.
ليست بحصة الجودو أو الكاراتيه تصبح المدرسة يابانية يا معالى الوزير، وليس بارتداء الكيمونو فى احتفالات التخرج نكون قد قلدنا اليابان، ولكن بالثورة الفكرية والثقافية والتفكير خارج الصندوق المغلق والنعش المصمت وبعقل مختلف عن عقول المومياوات المحنّطة. المدارس اليابانية فرصة لكى نفكر بحرية أوسع وعقل أرحب، ليس معنى ذلك نفى الدين، وإلا فكيف عرف اليابانى الذى يعتنق الشنتو أو البوذية أو أى ديانة أخرى تفاصيل ديانته؟ عرفها من مصادر أخرى، وكذلك كل الدول العلمانية، المتدين فيها يحصل على معارفه الدينية من دور عبادته ومن منزله وبنفسه ودون إجبار أو تعليب مسبق، فالمدرسة هى مكان صناعة الوجدان الوطنى المشترك وليست محطة قطار الجنة. لديك، معالى الوزير، مليون مدرسة فيها حصص الدين ومدرسو الدين، على عينى وراسى ولهم كل الاحترام، لكن لنجرب التجربة اليابانية بمفهومها الواسع وأخلاقياتها المستوعبة لكل الاختلافات، ليس معنى هذا تحويل الطلبة إلى جماعات بوذية، ولكننا سنحولهم إلى جماعات إنسانية لهم أخلاق اليابانى السمحة المتسامحة، لن نمطّ ونفرد عيونهم لتشبه عيون اليابانيين الضيقة، ولكننا سنفتح عيونهم على الفضول والشغف اليابانى بالعلم وآفاقه المتسعة.. ليس هكذا تورد الإبل، وليس هكذا تُبنى المدارس اليابانية وتُستلهم التجربة اليابانية.

Sunday, April 15, 2018

الأرخميديون بقلم فاطمة ناعوت ١٦/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

«كلُّ معمارى عظيم هو بالضرورة شاعرٌ عظيم، فعليه أن يكون مترجمًا عظيمًا لعصره». صدق «فرانك لويد رايت» قائل تلك الكلمة البليغة. فالمعمارى هو الجسرُ الأول بين الإنسان وبين الطبيعة. أينما نظر الإنسانُ حوله ليحاور الطبيعة، فى لحظات سحرها ولحظات شراستها، يبرزُ «المعمارى»، ليترجم هذا الحوار. لأنه الأقدرُ على فهم لغة الطبيعة المعقدة وفك شفراتها، ثم ترجمة تلك الألغاز لصالح الإنسان.
كنتُ أفكّر فى تلك المسألة وأنا أشاهدُ طلابَ قسم العمارة بكلية الهندسة جامعة عين شمس، يمثّلون مسرحية «يوريكا»، التى ألفوها وأخرجوها وأنتجوها ومثلّوها بخبيئة إبداعهم الناضج الطازج. هم أبناء جامعتى وكُليتى التى تخرجت فيها، فكنتُ أنظرُ إليهم وأرى نفسى منذ سنوات بعيدة وأنا طالبةٌ أدرس العمارة وأكتبُ الشِّعرَ وأرسمُ اللوحات وأمثّلُ على مسرح الجامعة دور «الراوى» فى مسرحية «مسافر ليل»، للشاعر الآسر صلاح عبدالصبور.
شاهدتُ نفسى بينهم فى صباى أمام الأستاذ الذى علّمنى فى سنوات الجامعة معيدًا، وقد صار اليوم رئيس قسم العمارة الذى يُعلّم الطلاب الهندسة والعمارة ويشجعهم على إنتاج فنون المسرح والكتابة الأدبية. أ. د. حسام البرمبلى، الأكاديمى المثقف الذى دعم أبناءه ليُطلقوا العنان لجياد إبداعاتهم الجموح لتُحلّقَ فى فضاءات الفن على نحو أدهش الحضور لما تحمل مسرحيتهم الأولى من رسائل فلسفية ووجودية.
«يوريكا» هى الصيحة الشهيرة التى أطلقها عالمُ الفيزياء الإغريقى «أرخميدس»، حين اكتشف قانون الطفو الذى مكّنه من تصميم أول سفينة عملاقة فى التاريخ فى القرن الثالث قبل الميلاد. طلب منه الملك هيرون أن يجد طريقة لتصميم سفينة شراعية تفوق حجم السفن الحربية بخمسين ضعفًا، لكى يقدمها هدية لملك مصر العظيم بطليموس. وأطلقوا عليها اسم «سيراكوسيا»، على اسم المدينة الإغريقية. مواصفات السفينة كان مخيفة فى ذلك الوقت: أن تكون قادرة على حمل أوزان هائلة تتكون من ٤٠٠ طن من الحبوب،١٠،٠٠٠ قنينة سمك مملح، ٧٤ طنًا من مياه الشرب، ٦٠٠ طن من الصوف، بالإضافة إلى ١٠٠٠ مسافر، ٢٠ حصانًا، فضلا عن ثمانية أعمدة مراقبة على هيئة تماثيل للعملاق الأسطورى أطلس الذى يحملُ العالم فوق كتفيه. وأن يكون فى مقدمة السفينة منجنيق ضخم يقذف أحجارًا بوزن ١٨٠ رطلا. وعلى متن السفينة متنزه للتسرية عن المسافرين، وحدائقُ وحمام سباحة، ومكتبة حاشدة بالكتب والتماثيل، وكذلك معبدٌ للآلهة «أفروديت»، وجيمانيزيوم للتريض! شىء أسطورى يشبه القصر العائم، كما «تيتانيك»، لكنها فى القرن الثالث قبل الميلاد، قبل ثورة العلم والصناعة باثنتين وعشرين قرنًا من الزمان! كيف تطفو سفينةٌ وزنها ٢٠٠٠ طن على سطح الماء، لتقطع عباب البحر من اليونان إلى شواطئ مصر، هديةً مهيبة لمليكها المهيب؟
لم يكن مسموحًا للعالِم الجليل بالفشل فى تصميم تلك المعجزة الطافية، فعصف بأفكاره حتى اكتشف قانون الطفو. وصل للمعادلة وصاح «وجدتها، يوريكا» وهو مستلقٍ فى حوض الاستحمام غارقًا فى معادلاته، فوجد أن الماء يفيض عن الحوض بنفس حجم الجزء المغمور من جسده.
هكذا استلهم طلابُ قسم العمارة تجربة العبقرى «أرخميدس»، الذى تعلّم فى مكتبة الإسكندرية القديمة، ليقدموا مسرحية فلسفية رمزية جميلة خلُصت إلى حكمة تقول إن فى داخل كلّ منّا حلاً لمشاكله. من العبث أن يبحث المرءُ عن حلول المشاكل عند الدولة أو الأهل أو الحظ، الحلُّ دائمًا موجودٌ فى أعماقنا، كل ما علينا هو التنقيب داخلنا لنهتف: «يوريكا»، حين نبصر الإشراق مع تفكك الأزمات.
كانت قاعة المسرح حاشدة بالحضور المميز من الشخصيات العامة: د. عصام شرف، رئيس الوزراء المثقف، المعمارى المثقف سيف أبوالنجا، والمعمارى عصام صفى الدين واللواء إبراهيم صابر، رئيس حى مصر الجديدة، وزميل دراستى مهندس خالد أبوضيف، رئيس حى النزهة، وكاتبة السطور، وغيرنا الكثير من جمهور المكتبة، جئنا يحدونا الشغفُ لنرى ما فى جعبة أولئك الصغار الواعدين. وكان الفرحُ غامرًا بتلك العقول النابهة التى قررت تغيير العالم بدءًا من تغيير النفس. الأسبوع القادم سأحدثكم عن مجلة «حبر أونا» المدهشة، التى دشّنها ذلك الشباب الرائع. تحية احترام لكليتى، هندسة عين شمس، التى تنجب العظماء.

خالد منتصر - لماذا يكره السلفى الفن؟! - جريدة الوطن - 15/4/2018

كراهية السلفى للفن تنبع من بئر مسمومة أخرى، بئر الخوف من سحب بساط السلطة والتأثير، هو يدرك جيداً ويعرف أن الفن هو خصمه على مساحة الوجدان، السلفى مرعوب من هذا المنافس الناجح، المنافس الذى يتعامل مع البهجة بينما السلفى يتعامل مع الجهامة، المنافس الذى يتعامل مع ثقافة الحياة بينما السلفى يتعامل مع ثقافة الموت. هو يخشى هذا المنافس الذى يستعمل اللون والنغمة واللحن والرقصة والإيقاع، الفن لغته أبسط وأسهل وأسلس وأكثر هزاً للوجدان وأعمق وأرحب، السلفى ما يقتات به ويتاجر فيه ويؤثر به هو استغلال خوف الإنسان من الموت والفناء، لكن الفن يلعب على وتر «عش الحياة واستمتع»، رقى الوجدان سيصل بك إلى أعلى درجات المتعة الروحية والإيمان التصوفى وليس الإيمان الانتهازى الذرائعى الطقوسى، السلفى يكره الصوفى لأنه لمس هذه النواة الفنية السحرية، الصوفى يهتز رقصاً وطرباً ويتعبد بالشعر ويغنى، لذلك الصوفى هو أعدى أعداء السلفى.
وكما لن يخرج من بين السلفيين عالم فيزياء أو بيولوجى... إلخ حقيقى، كذلك لن يخرج منهم فنان، لأنهم يغفلون عن إنسانية الإنسان ويظلون يطاردون فيك النموذج الأيقونة بالنسبة لهم، نموذج المجاهد التكفيرى المكشر الفاقد للتواصل الإنسانى، ما زال السلفى يغطى التماثيل، بل يحطمها ويقدم بلاغات فى من يضع على صفحته تمثالاً عارياً!! نفخ فى الفضاء العام أنها أوثان فأصبح قسم النحت فى كلية الفنون الجميلة ينعى من بناه!! ما زال السلفى يطارد الأفلام، ونقل العدوى إلى الفنانين أنفسهم، فصاروا يدّعون ويتباهون بأنهم يقدمون سينما نظيفة وكأننا نغسل الشاشة بسافو ورابسو!! الباليه يعتبره عرياً، الموسيقى هى مزامير الشيطان، السلفى يفزعنا بأن الملائكة لن تدخل بيتاً فيه تصاوير، هو يكره الفن لأن وجدانه سقيم.. متصحر.. متجهم.. عقيم.. يكره الخصوبة والنماء، حتى فن تلاوة القرآن الذى مصّر قراءته وفنّنه المصريون.. حاربه. صادر عبدالباسط والمنشاوى من أجل الحذيفى والسديس، أزاحت الرتابة الوهابية وقراءة المقابر التى بلا روح، طعم الفن المصرى المعبّر الساحر الجذاب الحى، وكأنهم يخافون من ألوان طيف الفن أن تخدش سواد قلوبهم الصخرية.

خالد منتصر - لماذا يكره السلفى المرأة؟! - جريدة الوطن - 15/4/2018

الضلع الثالث فى مثلث الكراهية المقدسة عند السلفى هو تاء التأنيث، المرأة، السلفى يريدها ويتلظى فى نيران شهوته البدائية الخام الغريزية الحمقاء الخالية من مذاق الجنس الإنسانى، ويكرهها لنفس السبب، لأنها من الممكن أن تخجل تلك الفحولة وتفضح فشله، هو يريدها مجرد وعاء لإفرازاته اللزجة، والمرأة دوماً تحتاج إلى شحنات الحب والعطاء البراقة، وهو لا يستطيع لأنه تعلم النكاح لا الحب، استقوى بالملائكة لإذلالها إن تمنعت وهى مجرمة إن استمتعت، السلفى يريدها دمية جنس وماكينة إنجاب، إن تعطرت فهى زانية، هى حطب جهنم، إن أدبرت أو أقبلت فمعها الشيطان، هى دنس، نجاسة، إغواء، فتنة، حرام، حية تسعى، ونار تحرق، يكرهها لأنها كانت آلهة الأساطير القديمة، غموضها السحرى جعلها معادل الخلق حين الولادة، ظلت البشرية تمنح لها القرابين وتصلى تحت أقدامها، جاء بعضلاته واستولى على عرشها وقرر وأدها واغتيالها حية وافتراسها على حلبة الفراش!!، نون النسوة تستفز السلفى الذى من الممكن أن يتنازل ويفاصل فى كل تفاصيل الفقه إلا ما يتعلق بالمرأة، ملابسها.. ميراثها.. حقوقها.. ضربها وعقابها.. ملكيته وحقه فى التعدد.. إلى آخر كل ما هو مرتبط بظروف المكان والزمان بالنسبة لامرأة هى خط أحمر.. إنه الخوف منها ومن ضعفه تجاهها، هذا هو ما يشكل المعادلة الصعبة التى تؤرقه وتعذبه، يحتقرها ويرغبها، رغبته فيها لا تنتهى مثنى وثلاث ورباع، وكلما عدد وضم جوارى وإماء إلى قبيلته كلما عطش أكثر وكأنه يروى ظمأه من ماء البحر المالح، يصرخ مطالباً بختانها لأنها إن تُركت بالبظر كانت هلوكاً تطلب الجنس متعطشة له لذلك يجب تهذيبها حتى لا يحتك بملابسها الداخلية فتهتاج!!، ولكن عندما يبرر التعدد ينسى أنه وصفها بالنشاط والطاقة الجنسية الأعلى ويقول مبرراً التعدد بأن الرجل طاقته الجنسية أعلى وجائع إلى التعدد، إنه جورب التبرير السلفى الأولسايز!، لا طايقك ولا قادر على بعدك هو شعار السلفى مع المرأة.
العلم والفن والمرأة.. كل منها عدو لدود.. وكل منها محطم سدود.. سدود الجهل والفاشية والتخلف.. ولكى ننتصر فى تلك المعركة لا بد أن نستخدم هذا السلاح الثلاثى الفعال، ولكى نبحر إلى شط الحضارة علينا بقارب مجدافه العلم وشراعه الفن ودفته المرأة.

Friday, April 13, 2018

خالد منتصر - لماذا يكره السلفى العلم؟! - جريدة الوطن - 13/4/2018

سألنى صحفى صديق فى «روزاليوسف»: ماذا يكره السلفى؟ فقلت له: أكثر ما يكره السلفى ثلاثة أشياء، العلم والفن والمرأة؟! يكره العلم ويستهلك منجزاته التكنولوجية، يهين المرأة ويشتهيها ويتزوج أربعاً ولا يشبع، يفزع من الموسيقى ويبشر عازفها بالجحيم فى نفس الوقت الذى يشيد فيه بإيقاع القرآن الذى هو موسيقى!! ولنبدأ بالعلم.. رغم استخدام السلفى، كما ذكرنا، لكافة حصاده من تكنولوجيا فإنه يكرهه، يستخدم الموبايل والإنترنت ووسائل التواصل ويدشن الفضائيات... إلخ، إلا أن المنهج العلمى الذى أفرز كل تلك التكنولوجيا هو عدو مبين، والسبب أن المنهج العلمى يطرح الأسئلة المزمنة وعلامات الاستفهام المؤرقة، وهو لا يريد تساؤلات أو قلقاً، هو يريد الإذعان والخضوع، العلم نسبى وهو يريد غسل الدماغ وتسطيح الوعى بالمطلق، العلم كله «أظن وربما وممكن»، السلفى ليس لديه «أظن أو ربما»، لكنه بين يدى شيخه كالجثة بين يدى مغسلها، العالم الحقيقى يفرح بأن تلميذه اكتشف خطأ فى الدراسة يجب تصحيحه لأن الاثنين فى خدمة الحقيقة، السلفى لحوم علمائه مسمومة لا يُمسُّون ولا يُنتقدون، العلم مستقبل والسلفى ماضٍ، العلم يقول: أعطنى دليلاً ملموساً مرئياً، بينما السلفى الدليل عنده هو العنعنة الشفهية، العلم لا يعترف بأن ما يقال حقيقة لأن قائله شخص ذو حيثية وسطوة ولا لأن الجميع قد اتفقوا عليه ولا لأنه قيل منذ ألف سنة، الحقيقة عنده هى ما أثبتته التجربة التى تعطى نفس النتائج فى أزمنة وأمكنة مختلفة، السلفى يكره العلم والعلماء التجريبيين ويريد سرقة تلك النار ومنح مشاعلها وصفاتها لمشايخ ودعاة وظيفتهم ومنهجهم الحفظ والترديد والتلقين، وعندما تطلب تطبيق منهج العلم الحقيقى على ما يسمونه «علوماً» يفزعون ويرتعبون ويسبون ويكفّرون! عندما تقول: أين وثائق تلك النصوص؟ يكون الرد: قال فلان عن فلان، عندما تقول: بعض الأحاديث تتعارض مع العلم الحديث والاكتشافات الحديثة يصرخ: لا علم إلا علم الأولين، وفين تروح انت يا صعلوك بين ملوك السلف؟!، عندما تطبق العلم على التاريخ وتسرد أحداثاً ومعارك بين الصحابة ومؤامرات كانت تحاك من خلفاء كبار يصرخ السلفى: إنها إسرائيليات يا كافر يا زنديق!! السلفى وقف ضد منع ختان البنات، حتى الطبيب السلفى الذى لم يدرس قط فى أى مرجع طبى ما يسمى بختان البنات على استعداد لإلقاء كل تلك المراجع فى سلة القمامة عندما يفتى له «الحوينى» أو «حسان» بأن الختان واجب، وقفوا ضد زرع الأعضاء من المتوفى وعطلوه حتى هذه اللحظة نتيجة عدم الاعتراف بالموت الإكلينيكى، يقاومون المرضى المحتاجين للتحول الجنسى الذى ليس مزاجاً ولا رفاهية عند البعض ولكنه علة ومرض ضاغط وله بروتوكول علاج محدد ومعروف طبياً، السلفى يبيع بول البعير ويجرى الحجامة ويعالج بالرقية الشرعية فى عالم صار يعالج بالهندسة الوراثية!! كراهية العلم لدى السلفى هى كراهية لنسبيته ولتفوقه ولاستفزازه المزمن لعقله المحنط المتكلس.

Thursday, April 12, 2018

خالد منتصر - مذبحة الفن السابع فى الأقاليم - جريدة الوطن - 12/4/2018

سعدت كثيراً بصدور أول أعداد المجلة السينمائية المتخصّصة «تلى سينما» والصادرة عن نقابة المهن السينمائية، المجلة مدهشة مضموناً وشكلاً، وبصمات رئيس التحرير أيمن الحكيم، الجاد المجتهد وصاحب الحس الصحفى المرهف والمدقّق المحقّق فى شئون الفن والسينما، هى بصمات واضحة وظاهرة على اختيار الموضوعات وزوايا التناول، وأرجو ألا يكون العدد هو بيضة الديك، أو الأول والأخير، مثل تجارب سابقة كثيرة، لكننى أراهن على حماس النقابة فى نشر الثقافة السينمائية لغير المتخصّصين قبل أعضائها المتخصّصين فى فروع السينما المختلفة، هذا الحماس الذى آمل أن يضخ دماء جديدة فى شرايين الصحافة الفنية الغائبة عن الساحة باستمرار، تلك المجلة المتميّزة، الموضوعات كلها بلغة الصحافة مخدومة، ومبذول فيها جهد، وغير مسلوقة، وظاهر فيها الاحترافية، ومنها ما يُعتبر دراسات مرجعية، ملف المخرج الكبير وشاعر السينما داوود عبدالسيد القليل الإنتاج والكثير العطاء والحالم دوماً بسينما مختلفة، وملف الناقد الجميل الذى فقدناه وترك فراغاً فى ساحة النقد والقراءة السينمائية على أبوشادى، وأيضاً ملف المتمرّد الجسور القافز فوق أسوار المألوف السينمائى، ملف أيضاً متميز، وذكاء من رئيس التحرير اختيار زوجة الفنان لكتابته. هناك دراستان فى المجلة خارج الصندوق، الدراسة الأولى هى عن الملحد، وكيف تناولته السينما المصرية، والدراسة الثانية عن صورة المرأة، هذه الدراسات التى تمزج الفن بعلم الاجتماع بالرؤية السياسية والثقافية، تمنح مذاقاً وعمقاً للمجلة، وتبعدها عن خفة التناول وسطحية العرض، أما التقرير الذى أزعجنى وأرّقنى فعلاً فهو التقرير الخطير عن دور السينما المغلقة التى تحولت إلى خرابات أو محلات أحذية، والأقاليم التى تصرخ الآن من عدم وجود دور عرض كافية وأحياناً انعدامها تماماً، هناك محافظات بلا دار عرض سينمائية واحدة وتلك كارثة!!، المجلة تدق ناقوس الخطر، ويكفى أن أنقل إليكم بعض الأرقام المفزعة والكارثية كأمثلة سريعة وإشارات لحجم المشكلة، الدقهلية تحولت فيها سينما الكواكب إلى مول تجارى، وسينما عدن إلى جراج، وسينما النصر إلى برج سكنى، وأوبرا إلى ساحة ركن سيارات، وسينما المنزلة إلى دار مناسبات وصوان عزاء!، وركس إلى خرابة، أما سينما التحرير فقد هُدمت تماماً!، محافظة الغربية كان فيها 12 دار سينما بقى منها خمسة فقط، أما المنوفية التى كان فيها شارع اسمه شارع السيما فلم يعد فيها أى دار عرض، ودمياط التى كان فيها 4 دور عرض أُغلقت جميعاً، وفى كفر الشيخ أغلقت سينما بلطيم، وضم المحافظ سينما الجمهورية إلى ديوان المحافظة!، الإسكندرية كارثة، فقد هُدمت فيها 46 دار عرض!، وفى كفر الدوار هُدمت السينمات الثلاث، وفى الشرقية هُدمت جميع دور السينما، وفى بورسعيد التى كانت ثالث مدينة تُفتتح فيها سينما، هذه المدينة الساحرة أُبيدت فيها «الأربعتاشر سينما» عن بكرة أبيها!، والإسماعيلية كان فيها 25 صالة عرض، تمت تصفيتها إلى أربع فقط، وفى السويس هُدمت 18 دار سينما!!، إنها مذبحة، وما زلنا نتساءل كيف نقضى على التطرّف ثقافياً؟!

Tuesday, April 10, 2018

أحمد خالد توفيق: لك محبتى واعذر جهلى بقلم د. محمد أبوالغار ١٠/ ٤/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

الراحل الكاتب والطبيب أحمد خالد توفيق، أرجوك اقبل عذرى وجهلى بمقامك الرفيع بين جموع الشباب المصرى، والذى كان واضحاً فى المشاعر الجارفة من جماهير المصريين الذين عبروا عن حزنهم لفقدك فى كل أنحاء المحروسة.
يبدو أننا نعيش فى مصر أخرى ولا نشعر بما يشعر به جموع من الشباب، وأننا فى وادٍ وهم فى وادٍ آخر. كان رد الفعل الشعبى لوفاة الدكتور أحمد خالد توفيق بالنسبة لى مذهلاً. نعم كنت أسمع وأقرأ عنه وكنت أعرف أنه طبيب وأنه كاتب وقصاص ولكنى لم أعرف بدقة نوعية الكتب التى يكتبها، وأدعى أننى متابع للحركة الأدبية فى مصر وأقرأ بانتظام مجلة أخبار الأدب وأبواب الثقافة والأدب فى مختلف الصحف وأقرأ لمعظم الروائيين لكن لم يشجعنى أحد النقاد على قراءته. شاهدت على وسائل التواصل الاجتماعى صورة غلاف كتابه يوتوبيا، وأتذكر أننى شاهدت هذا الكتاب فى إحدى جولاتى فى مكتبات القاهرة ولكننى لم أفكر فى أن أقتنيه.
لقد حزنت لفقدك بالرغم من أننى لم أعرفك شخصياً ولم أقرأ كتبك، لأننى ببساطة أتعاطف مع مشاعر المصريين البسطاء ومع الشباب وأحس بنقائهم، وعندما حزنت هذه الآلاف بفقدك حزنت معهم لأننى شعرت بأنك تمثل شيئاً جميلاً. وجعلنى أفكر فى أشياء كثيرة يجب أن نفكر فيها جميعاً:
١- هناك أبطال فى ذاكرة جموع كبيرة من المصريين لا يعرفهم من يقال إنهم المثقفون، ولا يعرف النظام الحاكم شيئاً عنهم، بينما تأثيرهم على الشباب، وهم أكثر من ٦٠% من الشعب المصرى، جارف وعظيم، ومحبتهم فى القلوب كبيرة. والجهل بذلك يعنى أننا مغيبون عما يحدث ولا نعرف ما هو المؤثر وما هو غير المؤثر.
٢- د. أحمد خالد توفيق مواطن من طنطا عاش فيها وعمل فيها وكتب وانتشر منها إلى أنحاء مصر. هذه ظاهرة غير مسبوقة، فجميع الكتاب والفنانين انتقلوا إلى القاهرة وأحياناً إلى الإسكندرية وما عدا ذلك قلما يخرج إنتاج فنى أو أدبى أو درامى خارج هاتين المدينتين. أحمد خالد توفيق كان متفرداً خارج هذه الظاهرة. ولم تُغْرِه القاهرة ولا الإسكندرية بالانتقال إليهما، بل استمر يكتب ويتحدث ويعمل فى طنطا موطنه الأول والأخير، وأثبت أنه يمكنك أن تنتشر فى أى مكان مادمت موهوباً وتقدم شيئاً يرغب الناس فى قراءته أو الاستماع إليه أو مشاركته.
٣- أثبتت وسائل التواصل الاجتماعى المتعددة أنها قد فاقت بمراحل الصحف والراديو والتليفزيون، وأنها تصل للملايين بسهولة بالغة، وقد أعطت هذه الوسائل الفرصة للمواطن العادى البسيط أن يعبر عن نفسه وهو غير القادر على الكتابة فى صحيفة أو التحدث فى وسائل الإعلام. هو يقول رأيه ببساطة شديدة وبتلقائية وعن طريق هذه الوسائل عرف الناس د. أحمد خالد توفيق وكتاباته.
٤- واضح أن الراحل أحمد توفيق كانت شخصيته عندها كاريزما طاغية، ويبدو أنه كان محباً للناس فأحبه الناس، وكان متواضعاً وبسيطاً ومتواصلاً مع جمهوره من الأصدقاء بكثافة، ويبدو أن التواصل كان أيضاً بصفة شخصية فأصبحت له جماهيرية.
٥- قرأت على وسائل التواصل الاجتماعى بعض أفكار أحمد خالد توفيق منقولة من البعض، وما كتبه، سواء اتفقت معه أو اختلفت معه، كتابات ناضجة وتظهر تفكيرا عميقا ووعيا كبيرا بالمجتمع المصرى وظروفه. أحمد خالد توفيق لم يكن ديماجوجياً ولا زعيماً ولا ثورجياً، وإنما هو كان مفكراً مرهف الحس. وقد أعجبنى تعليق شاعرنا الجميل أمين حداد حين قال: «الناس ليه متفاجئين من حب الشباب لأحمد خالد توفيق.. المشكلة مش إنكم ماتعرفوهوش، المشكلة إنكم ماتعرفوش الشباب ومنفصلين عنهم تماماً».
٦- كان هناك غضب عارم على وسائل التواصل الاجتماعى من التعليقات التى ظهرت من بعض كبار مقدمى البرامج والمذيعين الذين أظهروا الاستغراب وعدم التعاطف مع القبول الشعبى الكبير الذى صاحب وفاة د. أحمد، واتهمت هذه الوسائل مقدمى البرامج بأنهم منفصلون عن الشعب وعلاقتهم مرتبطة فقط بالسلطة وللدفاع عنها. ونشرت صديقة مقولة لأحمد خالد توفيق يقول فيها الحل الوحيد للمشاكل النفسية هو ألا تكون عاطلاً ولا تكون وحيداً أبداً. لأن ما ينتهى ببطء لا يعود بسرعة، وقد لا يعود أبداً. ومقولة أخرى عنه: إنك طاهر نقى ملكت القلوب بصدق لا برياء. وآخر نقلاً عنه: لقد فهمت الآن الحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوز الثمانين فى الأغلب، لأنه لو عاش الإنسان مائتى عام لجُنّ من فرط الحنين لأشياء لم يعد لها مكان.
وأخيراً أنا سعيد أن «المصرى اليوم» كتبت عدة مقالات عنه، و«الأهرام» نشرت نصف صفحة، وغلاف أخبار الأدب كانت تملؤه بالكامل صورة د. أحمد. إننا يجب أن نتعلم جميعاً درساً مهماً وهو أننا نعتقد أننا نعرف الكثير ولكن فى لحظات نكتشف أن هناك كاتباً فى مدينة فى وسط الدلتا له شعبية جارفة ويقرؤه الآلاف ويحبه مئات الآلاف وتذهب إلى توديعه أعداد غفيرة والكثيرون منا فى عالم آخر.
أرجوكم اعذروا جهلى، وتحية للشباب الذين كانوا يقرأون لأحمد خالد توفيق وذهبوا لتوديعه.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك