Translate

Friday, August 21, 2015

ثورة أم انقلاب؟ طشت أم قناة؟ بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٢٢/ ٨/ ٢٠١٥

رغم الأحداث الكُبرى التى تجتاح مصر والوطن العربى منذ ثورات الربيع العربى، التى بدأت فى تونس (ديسمبر ٢٠١٠) واشتعلت فى مصر (٢٥ يناير ٢٠١١)، ثم فى ليبيا، والبحرين، واليمن، وسوريا، وما زال البعض، ومنهم مثقفون مرموقون ـ مثل عالم الاجتماع الإيرانى آصف بيات، أو عالم السياسة المصرى د. أسامة الغزالى حرب، يُشكّكون فى أن ما حدث كان ثورة، ويُفضلون وصفها «بالانتفاضة» أو «الحركة»، أو «الهبة» الشعبية.
وبنفس النزعة لإنكار أو التقليل من حجم الإنجازات الوطنية الضخمة، مثل حفر قناة السويس الجديدة، خرج علينا بعض أساطين جماعة الإخوان المسلمين يصفونها بأنها مثل طشت الاستحمام الذى كانت تستخدمه السيدة جدته، رحمها الله!
وقد تعلمنا من علم الاجتماع المعرفى، أن التسميات والمُصطلحات، بل وحتى الأطروحات والنظريات، تخضع للمزاج الاجتماعى العام، وحتى للانتماءات والمصالح الطبقية، والانحيازات الأيديولوجية، بل وتتغير المواقف من نفس الأحداث، بمرور الزمن، إما لظهور مُستجدات محلية، وطنية، أو لمُتغيرات إقليمية ودولية.
ولنبدأ، فى هذا المقال، بإشكالية توصيف ما حدث مصرياً خلال الثمانية عشر يوماً من ٢٥ يناير إلى ١١ فبراير ٢٠١١، فقد أطلق كثير من المُراقبين الدوليين على ما حدث تعبير ثورة، وكانت مُبرراتهم فى ذلك ما يلى:
١ـ إن ما بدأ فى ميدان التحرير فى ذلك اليوم، كاحتجاج ضد تجاوزات الشُرطة، وتصاعد فى الأيام التالية، قد أدى فيما أدى إلى إسقاط نظام سياسى (نظام الرئيس حسنى مُبارك) الذى كانت قد باءت بالفشل كل المحاولات السابقة فى إسقاطه، طيلة العشرين عاماً الأخيرة من حُكمه.
٢ـ إن نفس الحدث انطوى على تغييرات نفسية ـ اجتماعية هائلة وعميقة، أهمها كسر جِدار الخوف عند أغلبية المصريين، لأول مرة فى تاريخهم الطويل، الذى كان قد شهد على مدى ستة آلاف سنة، تعميقاً لعُقدة الخوف من السُلطة والسُلطان عند المصريين. ولأول مرة طوال هذا التاريخ الطويل، يُسقط الشعب حاكماً. بل وإمعاناً فى تأكيد هذه النزعة الجديدة فى التصدى للسُلطة، فإن نفس المصريين قد أسقطوا حاكماً ثانياً، هو الرئيس الإخوانى، د. محمد مُرسى، بعد مُظاهرة غير مسبوقة مصرياً وعربياً وعالمياً، من حيث حجمها الذى قُدّر بثلاثين مليوناً، يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
٣ـ وفى العامين التاليين لإسقاط نظام الرئيس مُبارك توجه الناخبون المصريون إلى مقار الاقتراع أربع مرات، للتصويت على قضايا مفصلية ـ مثل الاستفتاء على الدستور، وانتخاب مجلس نواب، وأربع جولات لانتخاب رئيس للجمهورية. وكان الجديد واللافت لنظر الأقربين والأبعدين، هو الإقبال غير المسبوق على المُشاركة، وخاصة من النساء، ومن سُكان المحافظات الحدودية، وهو ما أوحى للمُراقبين الغربيين بإطلاق مُصطلح الربيع العربى، على تلك السلسلة من الأحداث.
٤ـ إن هذا الحِراك وذاك الزخم الشعبى المصرى، غير المسبوق، تم اختياره تنموياً، حينما توجّه رئيس الجمهورية المُنتخب، عبد الفتاح السيسى إلى المصريين بنداء لتمويل مشروع عملاق، ألا وهو حفر قناة سويس جديدة موازية لقناة السويس القديمة، التى حُفرت فى ستينيات القرن التاسع عشر، ولكن القناة الجديدة تكون أعرض وأعمق، لكى تستوعب السُفن والناقلات العملاقة (Super – Tankers)، ولكى توائم وتستجيب للنمو فى حركة التجارة العالمية حاضراً ومُستقبلاً. واستجاب المصريون للنداء بشكل مُذهل، سواء بالإقبال على الاكتتاب لتغطية نفقات المشروع بحوالى ستين مليار جنيه مصرى فى أسبوع واحد، أو بتنفيذه حفراً فى سنة واحدة، بدلاُ من ثلاث سنوات، كما كان مُقدراً، وحيث تم افتتاح المجرى الجديد فى احتفال عالمى أسطورى، يوم ٦ أغسطس ٢٠١٥.
٥ـ إن الذين ما زالوا يُنكرون أن ما حدث فى مصر فى السنوات الأربع (٢٠١١-٢٠١٥) هو ثورة، إما أنهم ضد تلك الثورة، أو مع حُسن النوايا، هم مُتأثرون بالشكل الكلاسيكى للثورات، أى تلك التى انطوت على سفك الدماء، والحواجز فى الشوارع والميادين، والمُحاكمات والإعدامات لرموز وأركان نظام سياسى سابق، بواسطة الثوار الذين انتفضوا ويكونون بصدد إرساء قواعد لبناء نظام سياسى جديد.
وأظن أن ذلك كان بالقطع فى ذهن عالم الاجتماع الإيرانى آصف بيات، فى الحديث الذى أدلى به لصحيفة الشروق (٢٢/٧/٢٠١٥). فهو مُتأثر بتجربة الثورة الإيرانية، التى بدأت أحداثها ضد نظام الشاه فى يناير ١٩٧٧، وانطوت بالفعل على سفك كثير من الدماء، ومن المحاكمات، ومن الصراعات المُسلحة فى الداخل الإيرانى، أو مع دول الجوار (الإمارات ـ العِراق ـ البحرين).
وفى كل الأحوال، فهى وجهة نظر لها اعتبارها ومُبرراتها ولا تختلف عما يحمله قلة قليلة من الفرنسيين وإنكارهم أن ما حدث فى بلادهم من الهجوم على سجن الباستيل فى ١٤ يوليو ١٧٨٩، كان بداية ثورة، أو ما يعتقده كثير من الروس فى أن ما حدث من مظاهرات ضد القيصر فى فبراير ١٩١٧، كان بداية ثورة، استكملت فى أكتوبر ١٩١٧ من نفس العام، وسُميت بالثورة البلشفية.
ولكن إذا كان ذلك مفهوماً بالنسبة لصديقنا الإيرانى آصف بيات، فإنه غير مفهوم بالمرة، بالنسبة لصديقنا عالم السياسة المصرى، أسامة الغزالى حرب، (الشروق ٢٥/٧/٢٠١٥)، فنرجوه التوضيح والتصحيح.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

No comments:

Post a Comment