Translate

Saturday, February 17, 2018

«المحروسة» اسماً للعاصمة الإدارية الجديدة بقلم د. سعد الدين إبراهيم ١٧/ ٢/ ٢٠١٨ - المصري اليوم


... ومهما تم تشييد مساجد وكنائس جديدة، كما حدث بالفعل، فإنها لن تحتل بسهولة المكانة الرمزية والهالة الروحية التى ارتبطت فى الوجدان الشعبى بالمساجد والكنائس القديمة التى تحتضنها القاهرة الحالية.
كذلك قيل فى مُعارضة العاصمة الإدرية الجديدة إن وقوعها على بُعد خمسين كيلومترا من الضواحى الشرقية للقاهرة الحالية لن يفعل أكثر من توسيع المجال العمرانى للعاصمة الحالية، مثلما حدث فى محاولة سابقة مع حلوان والمعادى جنوباً، أو مثلما حدث مع ضاحية هيليوبولس (مصر الجديدة) التى حاولها المستثمر العقارى البلجيكى إمبان، فى أوائل القرن العشرين!.
وكان ثمة تحفظات من فريق من المثقفين ذوى الخلفية المعمارية الإنشائية، وفحواه أن ثمة محاولات مُشابهة قد حدثت فى الهند (نيودلهى)، وباكستان (إسلام أباد)، والبرازيل (برازيليا)، ونيجيريا (أبوجا) ولم تفلح، أو كان حظها من النجاح محدوداً للغاية. فقد ظلّت تِلك المُدن الجديدة هياكل بلا روح. فإذا قصدها أهل تِلك الأقطار، للرغبة فى التملك العقارى، أو للقُرب من مؤسسات صُنع القرارات والسياسات، فإنهم مع ذلك لا يتخلون عن مساكنهم وأحيائهم التى نشأوا وترعرعوا فيها.
فالمدينة، أى مدينة، هى تاريخ وثقافة ومعتقدات اجتماعية تراكمية، ولا يمكن استزراعها، أو اصطناعها بقرارات إدارية.
وبعد كل جولة مناقشات، كُنت أسأل: أما وقد أصبحت العاصمة الإدارية حقيقة واقعة، وضُخّت فيها استثمارات بعشرات المليارات من الجُنيهات، فماذا تقترحون كاسم لها؟.
وقد وردت اقتراحات عديدة، تراوحت بين أسماء فرعونية، مثل معت، ورع، وأخرى إسلامية مثل بدر، ورمضان، واليرموك. ولكن قيل إن الأسماء الفرعونية لا تجد استجابة شعبية تلقائية، حيث تتطلب حداً أدنى من المعرفة بالتاريخ القديم، وهو ما لا يتوفر حالياً لمعظم المصريين المُعاصرين، أما الأسماء الإسلامية فقد تحفظ عليها كثيرون، لأنها توحى، أو قد توحى بانتصار إسلاموى للإخوان المسلمين فى معاركهم المستمرة ضد المجتمع والدولة.
ولكن ضن ما تردد من مقترحات وردت أسماء الزهراء، والفيحاء، والفردوس، والروضة. ورغم جمال تِلك الأسماء إلا أن التحفظ عليها كان إما لأنها أسماء مُدن قائمة بالفعل فى مصر، أو أنها تنطوى على انتحال صفات مُغرقة فى الإيجابية لا تتوفر، وقد لا تتوفر بالضرورة للمدينة الجديدة.
ومع ذلك حاز اقتراح اسم شبه تراثى بقبول واسع، وهو اسم «المحروسة». فقد كان ذلك هو الاسم المجازى لمصر، خلال خمسة قرون من الحُكم المملوكى- العثمانى. وكان ينطوى على تمييز إيجابى لمصر، مُقارنة أو مقابلة لأسماء بُلدان الإمبراطورية الأخرى شرق مصر، وغربها، وجنوبها.
فكما كانت الهند هى دُرة التاج فى الإمبراطورية البريطانية، التى لم تكن تغرب عنها الشمس فى القرون من السادس عشر إلى منتصف القرن العشرين، فكذلك كانت مصر، فى أكثر وأقوى دُرة أكبر إمبراطوية شيّدها المسلمون، وهى الدولة العثمانية التى امتدت من سور الصين العظيم شرقاً، إلى أسوار فيينا غرباً، وحظيت مصر وحدها، بين الأقطار الثلاثين لتِلك الإمبراطورية الشاسعة باسم المحروسة.
ومن طرائف وحقائق الفلكلور الشعبى المصرى أن المصريين دأبوا على إطلاق اسم مصرعلى عاصمتهم القاهرة.
فأهل الريف، وحتى أهل المُدن الأخرى من أسوان حتى الإسكندرية يطلقون على القاهرة اسم مصر.
وحينما استحدثت حكومتها القطار والسكك الحديدية، سُميت محطته الرئيسية فى القاهرة، اسم محطة مصر، ومُلحقاتها شُبرا مصر.
ولأن المصريين لن يتنازلوا بسهولة عن تسمية القاهرة بمصر، فيجب أن يكون اسم العاصمة الإدارية الجديدة بنفس الكُنْية التى كانت تُطلق على برْ مصر، وهو اسم المحروسة. فلتكن العاصمة الجديدة محروسة يحميها الله وشعب مصر، وهو اسم يسهُل كتابته ونُطقه بالعربية وكل اللغات الحية. والله أعلم.
وعلى الله قصد السبيل

No comments:

Post a Comment