Translate

Tuesday, February 2, 2021

ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وشهداء ٢٥ يناير ١٩٥٢ بقلم د. محمد أبوالغار ٢/ ٢/ ٢٠٢١ - المصري اليوم

 


تحتفل مصر الرسمية بعيد الشرطة يوم ٢٥ يناير، وأحيانًا بذكرى ثورة ٢٥ يناير، وفى الأسبوع الماضى أشاد الرئيس فى خطابه بشباب الثورة. وتحتفل مصر الشعبية بذكرى ثورة ٢٥ يناير، وللأسف لا يعرف الكثيرون تفاصيل وأسباب تحديد يوم ٢٥ يناير كعيد للشرطة. هذا العيد ليس له علاقة بالشرطة فى العقود الأخيرة. هو لتمجيد شهداء الجنود من الشرطة الذين استشهدوا فى معركة غير متكافئة مع جنود الاحتلال البريطانى فى يوم ٢٥ يناير ١٩٥٢. وهو يوم مهم فى تاريخ مصر، وتلته أحداث جسام غيرت مجرى التاريخ.

بعد مفاوضات طويلة وقّع مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر، فى لندن معاهدة ١٩٣٦ الشهيرة، والتى بفضلها ينتهى الوجود العسكرى الإنجليزى فى وادى النيل وتنتقل قواته إلى منطقة قناة السويس على ألا تزيد على عشرة آلاف جندى و٤٠٠ طيار، وتعترف بريطانيا باستقلال مصر، وتتعهد مصر بمساندة بريطانيا فى وقت الحرب. وفى عام ١٩٥٠ وبعد عودة وزارة الوفد برئاسة النحاس بدأ فى شهر مارس مفاوضات مع بريطانيا لتحقيق الجلاء التام، واضطر النحاس إلى إنهاء المفاوضات بعد ٩ شهور وأعلن من جانب واحد إلغاء معاهدة ١٩٣٦، فى خطابه الشهير فى البرلمان: «من أجل مصر وقّعنا على معاهدة ٣٦، ومن أجل مصر قررنا إلغاء المعاهدة».

وفى عام ١٩٥١ بدأت الضغوط على القوات البريطانية بأعمال الفدائيين المتطوعين الذين قاموا بأعمالهم البطولية بتشجيع من الحكومة ومساندة خفية من البوليس، ومساندة علنية قوية وحماسية من الشعب والصحافة المصرية، ومساندة من الشعوب العربية وعدد كبير من شعوب العالم. وقام الوفد بتشجيع عشرات الآلاف من العمال المصريين الذين كانوا يعملون مع الجيش البريطانى بالاستقالة على أن تقوم الحكومة بتوظيف البعض وإعطاء معونات مادية للبعض، وأحدث ذلك خللًا كبيرًا فى الوحدات العسكرية الإنجليزية ووضعهم فى مأزق كبير، ثم جاءت الخطوة التالية بتوقف متعهدى الأغذية من خضار وفاكهة وغيرهما عن التوريد للجيش فزادت المشكلة. وازدادت هجمات الفدائيين وارتفعت خسائر البريطانيين من القتلى والجرحى مع تشجيع الصحف والإذاعة وحماس الشعب لضرباتهم، وكانت الهجمات تأتى من شعب القنال والمتسللين من المتطوعين من وادى النيل. وكانت القرى القريبة من الإسماعيلية مكانًا مناسبًا لاختباء الفدائيين. وهاجمت القوات البريطانية القرى، ومن أشهرها كفر عبده، وأبادت مناطق بأكملها، واتهمت بريطانيا البوليس المصرى بالتعاون مع الفدائيين ومساندتهم. وفى هذه الفترة وبالرغم من الحكم العسكرى البريطانى لمنطقة القناة إلا أن الفوضى بدأت تدب فى أرجائها وقررت بريطانيا ترحيل عائلات الضباط إلى بلادهم.

وفى يوم ٢٥ يناير حدثت الكارثة الكبرى، وسوف أنقل ما قيل فى جلسة مجلس العموم البريطانى عندما طلب عضو حزب العمال المعارض، بيفن، من وزير الحربية تفاصيل ما حدث، فقال إن البوليس المصرى فشل فى منع الإرهابيين (هم طبعًا الفدائيون) وتواطأ معهم. وحضرت من القاهرة قوة إضافية من ٦٠٠ شرطى من المجندين، واتهم الوزير البوليس المصرى بالاشتراك مع الفدائيين فى الهجوم. وقال إن البوليس فى يومى ٣ و٤ ديسمبر ١٩٥١ قام بإطلاق النار وقتل ١١ جنديًا بريطانيًا، ويوم ١٨ ديسمبر قتلوا ضابطًا إنجليزيًا، وقامت القوات البريطانية بتمشيط المنطقة ووجدوا أسلحة ومتفجرات تحت حماية البوليس، وبعد انتشار الهجوم على القوات قرر القائد العام تجريد البوليس المصرى من أسلحته. وفى يوم ٢٣ يناير ١٩٥٢ وصل عدد القتلى من الجنود البريطانيين إلى ٣٣ والمصابين إلى ٦٩، وصدر القرار بسحب أسلحة البوليس المصرى ووافقت الحكومة البريطانية على القرار. فى يوم ٢٥ يناير كان هناك ٦٠٠ جندى فى مبنى المحافظة، و٤٠ جنديًا فى قسم الشرطة المجاور، وأُرسلت رسالة إلى نائب المحافظ وإلى قائد بوليس الإسماعيلية بطلب تسليم أسلحة الجنود. فى الساعة السادسة صباحًا أُذيعت بالميكروفون رسالة مطالبة بالاستسلام، وأطلق البوليس المصرى النار، وفى الساعة السابعة طالب الجيش البريطانى بالاستسلام ولكن البوليس المصرى استمر فى إطلاق النار، وفى الساعة التاسعة تم اقتحام المبنى بالدبابات والمدافع الثقيلة حتى العاشرة والنصف، وقُتل ٤١ جنديًا مصريًا وجُرح ٧٣، وقُتل ٣ جنود بريطانيين وجُرح ١٣.

هذا هو التقرير البريطانى، أما التقرير المصرى فكان من محافظ الإسماعيلية الذى اتصل بفؤاد سراج الدين، وزير الداخلية، وأطلعه على الأمر، فطالب الوزير بالدفاع عن مبنى المحافظة وعدم الاستسلام. وصلت الأخبار إلى القاهرة بتفاصيلها مساء ٢٥ يناير فلم تنم القاهرة، وصباح يوم ٢٦ يناير احترقت القاهرة الخديوية بواسطة مجموعات كبيرة من المتظاهرين. وهناك عشرات من الكتب والمحاضرات والدراسات تحاول أن تعرف من الذى أحرق القاهرة، هناك كلام عن الإخوان المسلمين أو مصر الفتاة ومجموعة أحمد حسين، وعن بعض ارتباطات الضباط الأحرار وغيرهم، والسبب الأكبر فى تقديرى هو إضراب بلوكات النظام (أمن مركزى هذه الفترة) احتجاجًا على مقتل جنود الشرطة فى الإسماعيلية واشتراك الشرطة فى المظاهرات مع الشعب، وبذا غابت الشرطة، وعندما نزل الجيش كانت القاهرة قد احترقت.

قرأت مقالًا طويلًا للصحفى محمد أبوالغيط ومعه فيلم تسجيلى عن حريق القاهرة وتقديره، وأنا أؤيد هذا الرأى، أن من أشعل الحريق مظاهرات عشوائية غاضبة على ما حدث فى الإسماعيلية اختلطت معها مجموعة من البلطجية واللصوص الغاضبين يحرقون، واللصوص يساعدونهم ثم يسرقون.

الخلاصة أن جنود الشرطة المصرية فى الإسماعيلية ضحوا بحياتهم دفاعًا عن شرف الوطن، ويستحقون كل التقدير، وهو فعلًا عيد شهداء الشرطة، وتصادف أن كان عيد الثورة فى نفس اليوم بعد ٥٩ عامًا.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك


No comments:

Post a Comment