Translate

Monday, October 25, 2021

لماذا الإسراف؟! - الأنبا موسى - المصري اليوم - 24-10-2021

 يسرف البعض فى مصاريف الزواج بطريقة تؤثر فى حياتهم وعلاقاتهم، فمثلاً:

- أولاً: الشبكة والملابس:

من التقاليد المتأصلة فى الزواج، ضرورة تقديم الخطيب شبكة «مناسبة» لخطيبته، والهدف من الشبكة يتلخص فى أمرين:

1- اكتمال المظهرية الاجتماعية.

2- تحديد حركة العريس، حتى لا يفك الخطوبة بسهولة.

- والهدفان غير مقنعين: لسبب بسيط، أن المظهرية ليست هى الجوهر، فما أجمل حفل الخطوبة، التى غالبًا ما تكون فى قاعة أو فندق، وما أكثر المصاريف التى تصرف فيه، لكن الاختيار كثيرًا ما لا يكون إلهيًا، أحيانًا ما نضطر لفسخ الخطبة.

- أما هدف «تحديد حركة» العريس: فمن المعروف أن الزواج يجب أن يتم على أساس توافق: روحى، واجتماعى، وثقافى، ومادى، وعلى أساس اقتناع كامل، وأكيد أن الرب كشف لكل من العروسين سلامة اختياره. فإذا ما اهتز الاقتناع، كان الاختيار بين أمرين: شبكة قيمتها كذا، أو تعاسة طول العمر!! ولا شك أنه أى عاقل سيختار التضحية بالشبكة، ورد أى هدايا، أو أى متعلقات ثمينة، ما دام غير مستريح إلى الطرف الآخر.

1- لذلك نرى أن الزواج السليم لن «تربطه» أو تضمنه شبكة ذهبية، بل تفكير، وصلاة، واسترشاد، واقتناع هادئ وكامل، بحيث إن الإنسان لا يضع «الدبلة» فى اليد اليمين، إلا وهو متأكد - بنعمة الله - أنه سينقلها إلى اليد اليسرى. بمعنى ضرورة الاطمئنان لسلامة القرار، ذلك قبل التورط فى بدايات لا تصل إلى نهاية سعيدة.

2- من هنا كان على الطرفين ضرورة التأكد التام، بالصلاة والتفكير والاسترشاد. وحينئذ يكون أى شىء رمزى كافيًا لإتمام الخطوبة، وتتحول نقود الشبكة، والإسراف فى الحفل إلى شىء مفيد فى الجهاز، ونافع للحياة. أما ملابس الخطوبة والزفاف، فلا أعرف لماذا الإسراف فيها والبذخ، والإصرار على شراء فستان خاص، وأحيانًا فستانين - واحد للمراسم الدينية والآخر للقاعة أو الفندق الذى يليه. والذى يستخدم مرة واحدة، لمجرد التباهى، والمقارنة والمظهرية الكاذبة - لماذا لا نتفق على تقليد استئجار هذا الفستان؟ وما قيمة تخزينه فى الدواليب، حتى يتحول إلى غذاء دسم لحشرة «العتة»؟! وهذا بدأ يحدث حاليًا.

- مرة أخرى.. أيها الكبار اتركوا الشباب يبحث عن حلول غير تقليدية لتكوين بيت جديد، ولا تجعلوهم أسرى لعاداتكم وتقاليدكم القديمة، التى لم تعد تناسب هذا الزمان. وليس المهم أن تكون شبكة ابنتك أفضل من شبكة ابنة أختك، بل المهم أن يكون عريس ابنتك ابنًا لله، يريحها ويسعدها.

- ثانيًا: نفقات حفل الزواج:

- يتصور البعض أن الإسراف فى نفقات حفل الزواج، شىء يرفع من شأنهم فى المجتمع. مع أن هذا دليل على السطحية والمظهرية، فالسعادة ليست فى البذخ والتفاخر، والتباهى بالممتلكات، وإمكانية الصرف، ولكنها فى الحياة الداخلية السعيدة بالرب، والمترابطة مع الآخرين بالحب!!

- إن ازدياد نفقات حفل الزفاف، يضيف إلى مصاعب الزواج مصاعب جديدة. فلابد من «إخراج» حفل الزفاف بصورة «مشرفة»، يحكى عنها الناس لفترة. ولابد أن تكون صورة حفل زفاف ابنتى، مثل صورة حفل زفاف ابنة أخى، الأكثر منى غنى. ومن هنا تحدث المباريات فى الصرف التافه، الذى لا يدل على عمق ودسم داخلى، بل على سطحية تصل بالناس إلى التعاسة والخلافات.

- ما معنى الزينات الكثيرة، والكميات الضخمة من «بوكيهات» الورد، التى سرعان ما تذبل وتلقى فى صناديق القمامة؟! فيجب التعامل مع الأموال بحكمة وتدبير، ولنحذر من الإسراف والتبذير، ونتجنب البخل فالقناعة غنى، والاكتفاء يغنى الفقير.

ويقول سليمان الحكيم فى سفر الأمثال: «لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ» (أمثال1:17). وقد ذكر الكتاب المقدس مثل الابن الذى بدد أموال أبيه فى عيش مسرف، مع أصدقاء السوء، وفى النهاية وصل به الحال إلى العوز والاحتياج، حتى إن الكتاب المقدس يدعوه بالابن الضال. لذلك فلنطرح عنا الكبرياء والبذخ والإسراف على المظاهر والتقاليد العاتية المتعبة، فكلها إلى الحريق كالهشيم.

- هل هذه السعادة؟ وهل هذا هو «الفرح»؟ أليست الفرحة الحقيقية فى التوفيق الإلهى فى الزواج، وفى تكوين أسرة سعيدة متماسكة بالله وبالمحبة لمن حولها!.

- فماذا دهانا؟ نسينا الجوهر، وتمسكنا بقشور اجتماعية لا تنفع ولا تبنى، بل تجعل من حفل الزواج مشكلة مالية ضخمة لشباب يكدح ليل نهار ليبنى بيته.

- وفى النهاية يوبخ الكتاب المقدس المسرفين بقوله: «قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِى يَوْمِ الذَّبْحِ» (يعقوب 2:5). فكما أَنَّ الحيوانات تُسمَّن قبل ذبحها لكى تكسب لحمًا وشحمًا وتصبح أَطيب مذاقًا، هكذا الناس الذين يتنعمُّون بالأَطعمة، فهم يفعلون ذلك بأَجسادهم وكأَنهم يحضِّرونها للذبح.

ختامًا مرة أخرى.. أيها الكبار اتركوا الشباب، فلسوف يلغى هذه القشور، لأن نقاوته تجعله أصدق منا، وأقرب إلى كبد الحقيقة!!. فالسعادة الحقيقية ليست فى الإسراف الزائد فى الثياب الفاخرة أو الأطعمة الكثيرة أو كثرة نفقات حفل الزواج أو الكهارب والبهرجة، ولكن نجاح الزيجة فى السعادة والفرح بين الزوجين، وفى الاستقرار الأسرى.

أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

No comments:

Post a Comment