Translate

Saturday, February 2, 2019

فى مسألة تعديل الدساتير بقلم د. عماد جاد ٣/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


دستور البلد هو العقد الاجتماعى الذى تتوافق عليه الغالبية ليكون بمثابة المرجعية فى التشريع وإصدار القوانين، وينظم العلاقة بين السلطات ويفصل كيفية أدائها لمهامها، ويحدد الحقوق والحريات وهو على هذا النحو عبارة عن مبادئ عامة تحدد الخطوط الرئيسية ولكنها تكون حاكمة لذلك لا يجوز مخالفتها من أى سلطة من السلطات، وتتولى المحكمة العليا أو الدستورية الفصل فى أى خلاف يتعلق بمدى دستورية تشريع أو تصرف من تصرفات السلطات العامة. باختصار هو العقد الاجتماعى الذى يعكس عند كتابته طبيعة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ودرجة الوعى الثقافى ومدى انتشار التعليم، وفى الوقت نفسه يعكس حالة من الطموح لتحسين أوضاع البلاد والعباد.
على هذا النحو فالدستور عقد اجتماعى يعكس المرحلة التى تمر بها البلاد، ومن ثم فهو ليس نصا مقدسا تجرى عبادته، وتعديله يكون أمرا واجبا فى حال اكتشاف خلل ما أو عدم سلامة تقديرات أو قرارات اتخذت فى ظروف غير طبيعية، وعملية تعديل الدساتير فى الدول المختلفة عملية معتادة ومتكررة بإدخال تعديلات على دستور قائم، وهنا يعد الدستور الأمريكى المثال الأبرز على دستور مستمر منذ كتابته عام ١٧٨٧ وحتى اليوم وجرى تعديله سبعاً وعشرين مرة أولها بإدخال عشرة تعديلات عام ١٧٩١ وآخرها جرى فى مايو ١٩٩٢، وخلال نفس الفترة الزمنية غيرت فرنسا دستورها خمس عشرة مرة وكان آخرها دستور ١٩٥٨ الذى أسس الجمهورية الخامسة الذى جرى تعديله عام ١٩٦٢ بطلب من الرئيس الفرنسى شارل ديجول وبموجبه أصبح انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع العام المباشر ولمدة سبع سنوات قابلة للتجديد.

إذن الغالبية الساحقة من دول العالم قامت بتعديل دساتيرها أو ألغت الدستور القائم ووضعت دستورا جديدا، وعادة عندما تحدث ثورات أو تغيرات كبرى فى البلاد، يجرى وضع دستور جديد يتوافق والمرحلة الجديدة التى تمر بها البلاد والتبدلات والتحولات التى تجرى فى البلاد.
بالنسبة لنا فى مصر والتى عرفت الدستور للمرة الأولى عام ١٩٢٣ (والذى وضع فى ظل الاحتلال الإنجليزي) فقد تم إسقاطه عام ١٩٣٠ ووضع دستور جديد للبلاد ثم أجبر الشعب الملك فؤاد على إعادة العمل بدستور ١٩٢٣ إلى أن وقعت حركة الجيش فى يوليو ١٩٥٢ فدخلت مصر فى مرحلة مضطربة من الدساتير المؤقتة أولها عام ١٩٥٣ ثم ١٩٥٦ ثم دستور الوحدة مع سوريا عام ١٩٥٨ ثم الإعلان الدستورى فى سبتمبر ١٩٦٢ بعد الانفصال، ثم الدستور المؤقت فى مارس ١٩٦٤ إلى أن صدر دستور البلاد الدائم عام ١٩٧١ وجرى إدخال تعديلات عليه عام ١٩٨٠ على يد السادات ليغير مدد الرئاسة من مدتين إلى مدد مفتوحة، وفى عام ٢٠٠٥ على يد مبارك لتهيئة الأجواء أمام نجله جمال للترشح من بعده على رئاسة الجمهورية، ثم أدخلت تعديلات جديدة بعد ثورة ٢٥ يناير بالتوافق ما بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان والسلفيين فصدر دستور ٢٠١٢.
وبعد ثورة الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ضد الجماعة، تم تجميد العمل بالدستور ووضع دستور ٢٠١٤.
إذن عملية تعديل وتغيير الدساتير عملية معتادة، فهى ليست نصا مقدسا، وإذا أثبتت الممارسة أو كشف التطبيق عن جوانب نقص أو أخطاء فى التقدير فلا يوجد ما يمنع تعديلها من أجل تصحيح خطأ أو تعديل نصوص ثبت بالتجربة العملية القدرة على تطبيقها أو أنها من البداية لم تكن واقعية. وفى تقديرى أن دستور ٢٠١٤ وقد وضع فى ظروف استثنائية كانت تمر بها البلاد فلا يوجد ما يمنع تعديله أو تغييره، مثل التسرع فى إلغاء مجلس الشورى، فبلد فى حجم مصر وتاريخها ووجود كفاءات بلادنا فى أمس الحاجة إليها يقضى بضرورة عودة مجلس الشورى، أيضا النص على انتخاب رئيس مجلس النواب ووكيله لمدة خمس سنوات هو أمر غير موجود فى دساتير العالم المختلفة، والانتخاب يكون مع رؤساء اللجان كل دور انعقاد.
هناك أيضا نصوص عديدة تحتاج إلى تعديل وتغيير جوهرى حتى يمكن تطبيقها واحترام الدستور بشأنها مثل النسب المخصصة للتعليم والبحث العلمى والصحة.
فى تقديرى الشخصى مسألة تعديل الدساتير مسألة معتادة ومتعارف عليها فى دول العالم المختلفة من متقدمة وكاملة الديمقراطية كفرنسا والولايات المتحدة أو نامية وفى طريقها للتطور وغير مكتملة الديمقراطية ككثير من دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل إن هناك دولا ديمقراطية تعيش بدون دستور مثل بريطانيا التى تحكمها تقاليد راسخة أو إسرائيل التى تحكمها قوانين أساسية.
أما عن محتوى التغيير ففى تقديرى أن دستور مصر الدائم الذى وضع عام ١٩٧١ يعد الأكثر تطورا وتقدما وإنصافا من بين كافة الدساتير المصرية، ففيه أساس لدولة مدنية حديثة وحقوق وحريات كاملة، وأساس لمواطنة غير منقوصة، أتمنى أن نأتى به وندخل عليه التعديلات المطلوبة فيكون دستورا لدولة مدنية حديثة بالفعل تسعى لبناء نظامها الديمقراطى الكامل.

No comments:

Post a Comment