Translate

Tuesday, February 19, 2019

تغيير الدستور: هل هو غاية أم وسيلة؟ بقلم د. محمد أبوالغار ١٩/ ٢/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

ترجع أهمية الدستور إلى أنه يشمل كل ما يتعلق بوجود الدولة ومقوماتها وعناصر تكوينها وطرق ممارسة السلطة فيها، ويقرر الحقوق والحريات العامة والضمانات لحمايتها، وينظم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
بدأت ملامح أول نص شبه دستورى بعد أيام محمد على، واهتم بالفصل بين السلطات، وساعد هذا النص على إنشاء أول مجلس شورى للنواب عام ١٨٦٦.
أحد أهم إنجازات ثورة ١٩١٩ كان دستور ١٩٢٣ الذى صاغته لجنة من ثلاثين عضواً، وقد قرر لأول مرة أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة لا يتجزأ منها شىء وحكومتها ملكية وراثية وشكلها نيابى، ونص على المساواة والمواطنة والحرية الشخصية، وأنه لا جريمة ولا عقوبة بدون قانون، وكذلك على حرمة المنازل والملكية وعدم التنصت على الرسائل والتليفونات إلا بالقانون، ونص على حرية الرأى والصحافة وتنظيم التعليم وإلزام المواطنين بالتعليم الأساسى ويكون مجاناً، ونص على حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، ولكنه أعطى الملك سلطة التصديق على القوانين التى يصدرها مجلس النواب وأعطى السلطة التنفيذية للملك فى حدود الدستور، وإذا رفض الملك التصديق على القانون أعيد للبرلمان، وإذا وافق بأغلبية الثلثين يكون سارياً، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، ولمجلس النواب أن يقيل الوزارة ولا يتم الاقتراض بدون موافقة البرلمان.
وقد حدث الانقلاب الدستورى الديكتاتورى الأول حين قرر إسماعيل صدقى بالاتفاق مع الملك على حل البرلمان ومجلس الشيوخ وإيقاف دستور ١٩٢٣ وإعلان دستور ١٩٣٠ الذى أعطى للملك الحق فى رفض القوانين التى يقرها البرلمان، وأن القوانين المالية تكون من سلطة الملك فقط، وكذلك حل مجلس النواب أو تأجيل اجتماعاته، والملك يعين الوزراء ويقيلهم، والانتخابات تكون على درجتين الأولى اقتراع عام والثانية يجب أن يتوفر فيها شرط الكفاءة المالية.
وقد تلا ذلك انتخابات مجلس نواب مزورة لا تمثل الشعب، وخلال خمس سنوات استمر فيها دستور صدقى بدأت القلاقل وانتهت بغضب شعبى عارم أدى إلى رضوخ الملك وإلغاء دستور ١٩٣٠ العودة إلى دستور ١٩٢٣ وانتخاب الوفد.
وفى عام ١٩٥٢، أصدر الضباط الأحرار إعلانا دستوريا بإلغاء دستور ١٩٢٣ وتكوين لجنة من خمسين عضواً لإعداد دستور جديد عام ١٩٥٤ ولكن مجلس قيادة الثورة رفض الموافقة على المشروع لأنه توسع فى الحقوق والحريات.
صدر دستور ٥٦ الذى منع الحريات العامة والحقوق وأعطى كل شىء للسلطة التنفيذية، وبعد الوحدة مع سوريا صدر دستور ١٩٥٨ المؤقت وبدأت سلسلة من الإعلانات الدستورية غير المنظمة، ثم صدر دستور مؤقت تغيبت عنه الديمقراطية عام ١٩٦٤. وفى عام ١٩٧١ صدر دستور جديد صاغته لجنة من ثمانين عضواً، حدد إطار النظام السياسى وضمان الحريات، ولكنه عظم دور مؤسسة الرئاسة وأحال الكثير من المواد إلى القانون، مما أدى إلى انحسار الحراك السياسى. وفى عام ١٩٨٠، تم تعديل مبادئ الشريعة الإسلامية لتصبح المصدر الرئيسى للتشريع، وإضافة التعددية الحزبية وفتح مدد الرئاسة، ما يعنى إمكانية بقاء الرئيس إلى وفاته ولكن السادات تم اغتياله فى العام التالى.
و فى عام ٢٠٠٥، أضيفت مادة تتيح لأكثر من مرشح الدخول فى معركة الرئاسة وإلغاء الاستفتاء على منصب الرئيس.
وفى عام ٢٠٠٧، حدث تعديل غريب على قواعد الترشح للرئاسة وكان الغرض منه إتاحة الفرصة لجمال مبارك للترشح مع تقييد المنافسين له.
ويتضح من التعديلات التى تلت دستور ١٩٢٣ أنها كلها كانت تعديلات لإضافة مزيد من السلطات للملك أو للرئيس ولتعميق الديكتاتورية ومحاربة الحريات والحقوق والديمقراطية بصفة عامة.
وبعد ثورة ٢٥ يناير وعلى عجالة صدر الدستور الأول الذى اختلف المصريون حول مقاطعة الاستفتاء عليه أو الذهاب للتصويت وكانت نسبة الحضور ٣٢% وتمت الموافقة على الدستور بنسبة ٦٤%. واحتوى على نصوص اعتبرها الكثيرون تحولاً إلى دولة دينية.
وبعد ٣٠ يونيو تمت صياغة دستور جديد بواسطة لجنة الخمسين، والدستور كان فريداً من نوعه لأنه كان الدستور الوحيد منذ ١٩٢٣ الذى توسع فى الحريات وأعطى سلطة أكبر لمجلس النواب واهتم بالصحة والتعليم وحدد مدة الرئاسة باثنتين فقط ووافق عليه الشعب بحوالى ٩٨%. ولكن هناك البعض يرون أنه يعطى الحريات بأكثر مما يجب ويعتقدون أن تقليل الحريات وإعطاء سلطات أكبر للسلطة التنفيذية أفضل.
الآن قدم مجلس النواب مقترحاً بتعديل الدستور سوف يجرى عليه استفتاء ويجب أن تتاح الفرصة للمؤيدين والمعارضين لشرح وجهة نظرهم بحرية وعلى جموع المصريين أن يتوجهوا للصناديق للتصويت بما يمليه عليهم ضميرهم وقناعاتهم حتى لا ننتهى بدستور يتم تغييره بعد فترة قليلة كما حدث مراراً فى تاريخ مصر الحديث.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك


No comments:

Post a Comment