Translate

Tuesday, April 9, 2019

د. محمد أبوالغار يكتب: التاريخ الأسود لأستراليا أثناء ثورة ١٩١٩ ٩/ ٤/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


هناك أحداث كثيرة فى ثورة ١٩١٩ كشفت عنها المؤتمرات والوثائق التى ظهرت خلال الاحتفالات المكثفة للذكرى المئوية للثورة. تحدث فى القاهرة وزير خارجية أستراليا فى عام ٢٠١٠ السيد كيفين رود عن التاريخ الأسود لأستراليا فى مصر أثناء ثورة ١٩١٩.
أستراليا فى هذا التوقيت كانت مستعمرة بريطانية وجزءا من التاج البريطانى. وقامت بريطانيا بتجنيد عشرات الآلاف من الشباب الأسترالى الصغير السن القوى الجثمان، ليحاربوا فى صفوف الجيش البريطانى والحلفاء، وفقد ٦٠٠٠٠ جندى وضابط أسترالى حياتهم فى ميدان الحرب، ووصلت منهم أعداد ضخمة إلى مصر وتوجد لهم صور كثيرة تحت سفح الهرم وأبوالهول.
لم يكن الغرض الأول لنقل هذه الأعداد الهائلة من الشباب الأسترالى إلى مصر استعدادًا لتجهيزهم للحرب ضد الألمان فى أوروبا، وإنما كان جزءا من المهمة الخوف من الحركة الوطنية المصرية التى قد تثور فى أى لحظة ويحدث مثل ما حدث فى ثورة عرابى عام ١٨٨٢. وقد تم تدريب الأستراليين البيض المعزولين عن العالم فى جزيرتهم البعيدة على أيدى عتاة الاستعماريين من بريطانيا بحيث قيل لهم إن الحرب فى مصر هى حرب عرقية ضد الملونين والأجناس المختلفة الذين يريدون أن يبيدوكم، وهى للحفاظ على الجنس الأبيض. وكان هذا الشباب المعزول عن العالم والمحدود التعليم صيدًا سهلًا للنزعة الاستعمارية البريطانية بحيث كان هؤلاء الشباب رأس الحربة فى العنف الشديد ضد المصريين. وحلت القوات الأسترالية محل القوات البريطانية المدربة التى كانت تحارب فى أوروبا ضد الألمان.
فى هذا الوقت امتصت بريطانيا وحلفاؤها الاقتصاد المصرى، وأدى ذلك إلى تضخم كبير فى الاقتصاد وزيادة رهيبة فى الأسعار، وقامت بريطانيا بتجنيد حوالى ٣٠٠ ألف فلاح مصرى لأعمال الخدمات فى جيش الحلفاء وكانت تدفع لهم أجورا ضئيلة، وسافروا إلى فلسطين وسوريا واليونان وفرنسا. وفقد الكثير منهم حياته فى هذه الحرب التى ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل. وفى نفس الوقت كانت الوظائف فى مصر تعطى للإنجليز ولم يجد المصريون المتعلمون عملاً.
وحين قامت ثورة ١٩١٩ واشتدت المظاهرات أمر الإنجليز المجندين الأستراليين فى مصر وكانوا أعدادًا كبيرة بإيقاف المظاهرات بالقوة المسلحة. وفى يوم ١٧ مارس ١٩١٩ هاجم الجنود الأستراليون مظاهرة فى مينا القمح وقتلوا ٣٩ مصريًا وجرحوا ٢٥ وغرق ٤٠ مصريًا فى الترعة المجاورة. وفى ٢٧ مارس قتلوا فى الشرقية ٣٠ مصريا. ومجموع من قتل أثناء الثورة من المصريين من ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ مصرى حسب التقارير البريطانية و٣٠٠٠ حسب تقرير عبد الرحمن الرافعى ومعظم القتلى كانوا بأيدى الجنود الأستراليين.
ويذكر التاريخ حادثة جمهورية زفتى التى بدأت بمظاهرة طلابية وذهب إليها المحامى والناشط السياسى يوسف الجندى، ولما كان غضب الطلاب شديدًا تضامن معهم الأهالى وحمس ذلك يوسف الجندى على الذهاب للمأمور وكان اسمه حمد، وكان رجلًا وطنيًا فحدث التفاهم على أن لا تحدث معركة بين الشرطة والشعب وفعلًا اجتمعت مجموعة برئاسة يوسف الجندى وأعلنوا جمهورية فى مدينتهم زفتى، وقاموا بطبع منشورات وصحيفة فى مطبعة عجينة أفندى، وبدأت اللجنة فى جمع التبرعات للصرف على المدينة وردم بعض البرك والمستنقعات. ولما شعروا بأن هناك احتمال وصول قوات بالقطار قطعوا خط السكة الحديد إلى زفتى واستمرت الحركة والحماس وعرف أمر جمهورية زفتى فى القاهرة، وكتب عنها فى الصحف. وعندما شعر الأهالى بقرب الهجوم عليهم قاموا بحفر الخنادق حول المدينة وفى النهاية أرسلت القوات البريطانية فرقة من الجنود الأستراليين الذين قدموا عن طريق النيل ونصبوا مدافعهم تجاه المدينة، وتواصل معهم المأمور حمد واتفق على أن يدخلوا المدينة ويعسكروا فى مكانين فيها وأن الجمهورية سوف تنتهى وذلك حقنًا للدماء.
وحاولت الفرقة الأسترالية القبض على يوسف الجندى، ولكن تم تهريبه خارج المدينة وظهر لاحقًا فى القاهرة. وانتهت جمهورية زفتى بدون مذابح ولكنها كانت شرارة أشعلت الحماس فى قلوب المصريين أثناء الثورة. وكان الجنود الأستراليون شبابًا صغيرًا معظمهم أقل من عشرين عاما، وكانوا يسيرون جماعات فى الشوارع ويخيفون الناس ويضربون المارة وفى أحيان كثيرة كانوا سكارى يحطمون المحلات. وأعتقد أن الوجه المظلم لأستراليا فى مصر هو جزء من تاريخنا ويجب أن نعرفه جيدا. صحيح أن أستراليا كانت جزءا من المستعمرات البريطانية، ولكن جنودهم استخدموا أسوأ استخدام فى قهر المصريين وقتلهم أثناء ثورة ١٩١٩.
وأخيرًا اعترف المؤرخون الأستراليون بالجرائم التى ارتكبها جنودهم فى مصر خلال هذه الحقبة وهم الآن يعيدون كتابة التاريخ للتكفير عن ذنوبهم.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.

No comments:

Post a Comment