Translate

Monday, July 15, 2019

د. مينا بديع عبدالملك يكتب: د. سهير القلماوى.. مسيرة علمية متميزة ٥/ ٧/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

وُلدت سهير القلماوى فى ٢٠ يوليو ١٩١١ لأب كردى كان يعمل طبيباً جراحاً، رجل مستنير، مثقف واعٍ فى مدينة طنطا وأم من أصول شركسية. حين رُزقت الأسرة بالبنت أطلقوا عليها اسم «سهير» وسمحوا لها فقط بتعلم الرسم وعزف الموسيقى وفق تقاليد زمانها، واستجابت الأم بعد فترة لضغوط الأب فقد أصر على دخولها كلية البنات الأمريكية ليس من أجل الحصول على شهادة دراسية بقدر ما تتأهل لتصبح «سيدة منزل ممتازة». حصلت على البكالوريا من مدرسة (كلية البنات الأمريكية). تمنت الفتاة أن تصبح طبيبة كأبيها وتقدمت إلى كلية العلوم وظلت بها مدة عام دراسى يؤهلها لدخول كلية الطب ولكن العميد رفض قبولها بدعوى أن شهادة البكالوريا الخاصة بها ليست مصرية، لكن الحقيقة أنها فتاة. وكانت الصدمة! ولكن الله أرسل لها من مد لها يد العون، معلمها الأول د. طه حسين أوجد لمأزقها مخرجاً، قسم اللغة العربية يسمح بدخول حاملى البكالوريا المصرية أو ما يعادلها. وفى عام ١٩٢٩ كانت أول فتاة تلتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، حيث التحقت بكلية الآداب التى كان عميدها د. طه حسين، ودخلت الفتاة قسم اللغة العربية.
كانت الفتاة الوحيدة بين ١٤ زميلا من الشباب فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب وكانت تتفوق عليهم.. وحصلت سهير القلماوى على درجة الليسانس وجاء ترتيبها فى المركز الأول وتم تعيينها معيدة بالجامعة، وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن فتوفى الأب الدرع الواقى للفتاة التى لقيت معارضة جديدة من الأم بسبب اختيارها شغل الوظيفة. وبمنتهى الهدوء أكدت سهير القلماوى لأمها بأنها لم تهمل أمراً من أمور المنزل، وسافرت بعدها فى بعثة لفرنسا للتحضير لرسالة الدكتوراه عن «ألف ليلة وليلة» مع دراسة نقدية، وبالفعل حصلت على الدكتوراه عام ١٩٤١ لتصبح أول فتاة مصرية تحصل عليها وصاحبة الرقم ٣ فى ترتيب الحاصلين عليها وكانت قد نجحت فى انتخابات اتحاد الكلية.
وهنا أذكر أنه فى منتصف الستينيات – وكنت مازلت طالباً بالمرحلة الثانوية – كانت د. سهير القلماوى تحضر إلى قصر ثقافة الإسكندرية (حالياً مركز الإبداع) فى ندوة ثقافية، فكان والدى يصطحبنى معه وهو يقول لى: (تعال معى لتستمع وتشاهد ابنة وتلميذة د. طه حسين)، فكانت فرصة نادرة لى أن أستمع وأشاهد د. سهير القلماوى.
بدأت سهير القلماوى تكتب المقالات فى الصحف والمجلات وتلقى الأحاديث على أثير الراديو. واختيرت سكرتيرة تحرير مجلة الجامعة المصرية التى ترأسها طه حسين، وكتبت القصة والشعر، وتواصلت مع مجلات الرسالة والثقافة وأبوللو وكوكب الشرق، وبعدها تزوجت من الدكتور يحيى الخشاب.
تولت منصب أستاذ الأدب العربى الحديث بكلية الآداب عام ١٩٥٦، ثم منصب رئيس قسم اللغة العربية (١٩٥٨- ١٩٦٧). كما تولت الإشراف على (دار الكتاب العربى)، ثم الإشراف على مؤسسة التأليف والنشر فى الفترة (١٩٦٧-١٩٧١). كانت أول من أقام معرضاً دولياً للكتاب بالقاهرة عام ١٩٦٩ وشاركت فى عضوية مجلس اتحاد الُكّتاب، واختيرت عضواً بالمجالس القومية المتخصصة. مثلت مصر فى العديد من المؤتمرات العالمية. فى الاحتفال بذكرى د. طه حسين الذى أقيم فى فبراير ١٩٧٥ وقفت التلميذة النجيبة وقالت: (علمنا طه حسين تقديس العلم، واحترام مواعيد الدرس وقاعاته، وإجلال العلماء، وإفساح مكانة لهم فى قلوبنا، إلى جانب مكانتهم فى عقولنا، أحببنا الجامعة واعتبرناها جامعاً نصلى فيه لله سبحانه وتعالى بما نبذل من جهد فى سبيل أن نتعلم وأن نُعّلم وأن نعطى بسخاء لا يعرف للعطاء حدوداً).
من الطريف أنه عندما رفض عميد كلية الطب قبولها بالكلية لأنها فتاة! اصطحبها أحد أقربائها إلى د. طه حسين طالباً منه المشورة، وبعد أن استمع طه حسين إلى المشكلة ابتسم وقال لها: عاوزة تدرسى الطب ليه؟ قسم اللغة العربية فى كلية الآداب سوف يُعلمك التشريح!! أدرك طه حسين أن الطالبة التى أمامه لم تدرك ماذا يقصد، فقال ألم تسمعى عن هجاء الجرير والفرزدق؟ إنكِ ستجدين على الأقل كل أسماء أعضاء الجسم.
نالت د. سهير القلماوى عددا من الأوسمة منها: جائزة مجمع اللغة العربية (١٩٤١)، جائزة الدولة التقديرة (١٩٧٧). كانت أول رئيس لمؤتمر الفنون الشعبية (١٩٦٧)، ورئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب (١٩٦٧)، ورئاسة اللجنة العليا للرقابة على المصنفات الفنية (١٩٨٢). من أشهر من تخرجوا على يديها د. جابر عصفور د. عبدالمنعم تليمة، الشاعر صلاح عبدالصبور، والأديب فاروق خورشيد. كانت عضواً بمجلس الأمة (١٩٥٩)، والاتحاد الاشتراكى العربى (١٩٦٣)، وعضوا بمجلس الشورى (١٩٧٩) عن دائرة حلوان. وبعد حياة حافلة بالعطاء والجهد والتضحية والإيثار رحلت فى ٤ مايو ١٩٩٧.

No comments:

Post a Comment