Translate

Friday, December 20, 2019

خالد منتصر - أحبوا اللغة العربية لكن لا تقدسوها - جريدة الوطن - 12/2019 /19

أنا سعيد بأجواء الاحتفال بيوم اللغة العربية فأنا من عشاقها، لكنى غير سعيد بتصريحات ترفعها لدرجة القداسة مثل أن كل اللغات ستنقرض إلا اللغة العربية وأن لغة أهل الجنة هى اللغة العربية وأننا متميزون لأن الله اختصنا باللغة العربية... إلخ، غير سعيد لأن التقديس منهج فكر وبناء شخصية، ومن سيقنعك بأن اللغة العربية مقدسة سيتمكن من إقناعك بأن الداعية مقدس وأمير الجماعة مقدس والمرشد مقدس... إلخ، وقد كتبت من قبل فى هذا الموضوع وهوجمت بشراسة لأن معظمنا يتبنى هذا الرأى الذى يتحدث من منطق التعالى والفوقية من خير الأمم على باقى البشر، وأتمنى ألا يزايد أحد على شخصى المتواضع فى حبى للغة العربية وعشقى للشعر العربى، إلا أننى مع كل هذا العشق، ورغم كل هذا الهيام، فإن هذا لا يجعلنى أُردّد مع المردّدين أنها لغة مقدسة ولا أنها أجمل أو أعظم اللغات.. إلى آخر أفاعل التفضيل التى نُردّدها كل صباح ومساء، وهى مبالغات لا تصمد لأى مناقشة علمية ولا تخضع لأى منطق، لأنه ببساطة لا توجد هذه الأفضلية المزعومة فى مجال المقارنة بين لغات هى اختراعات بشرية لمجتمعات مختلفة، وكل لغة لها جمالها ونقاط جاذبيتها، أما الكلام بأن الله تعهّد بحفظها فهو كلام لدغدغة المشاعر واستدعاء الدينى فى مجال نقاش بشرى وإرهاب المعترض وإفزاعه بالسماء، حتى يخرس عن الجدل، الله تعهّد بحفظ الذكر، أى القرآن، بمعانيه وليس بلغته، بدليل أن فارس كانت تتحدث العربية التى انقرضت، وحلت محلها اللغة الفارسية وظل القرآن، وبعض الأقوال تقول إن اللغة القرآنية، التى أدخلت إليها حروف منقطة فى ما بعد، دخلتها السريانية والآرامية ولغات أخرى، فأين تلك القداسة المزعومة للغة العربية؟، هذا الوهم الاستعلائى الغريب الناتج من بذرة إحساس بدونية تجاه الغرب لا تجد له متنفساً إلا فى كلام من قبيل الإعجاز العلمى والإعجاز اللغوى عند العرب!!، مما يجعل رئيس جامعة الأزهر السابق فى تصريحه المدهش الذى أشرت إليه يقول إن جميع اللغات ستنقرض، لأنها تحمل بذرة موتها إلا اللغة العربية، وهذا ما جعل بعض الأساتذة فى إنجلترا يكتبون أبحاثهم باللغة العربية!! ما رأى رئيس جامعة الأزهر فى قول «اليونيسكو» إن عدة لغات ستنقرض فى المستقبل من بينها اللغة العربية؟! ومن الذى يؤكد ويجزم بأن اللغة العربية هى لغة أهل الجنة؟! وإذا صح ذلك فما علاقة أن تكون هى اللغة المعتمَدة فى الجنة؟، ورغم أننى لا أجد لهذا التخصيص المزعوم منطقاً، لكن لنقل إنه صحيح ما علاقة ذلك بحفظها وعدم انقراضها على الأرض؟!، اللغة منتج ثقافى وقوة الدولة التى تتحدث تلك اللغة تجعل الآخرين يبحثون ويهتمون بتعلمها، ونجد هذا حتى فى اللغة الصينية الصعبة على سبيل المثال التى افتتحت لها أقسام فى جامعات العالم ومن بينها مصر لأن الدولة التى تتحدثها يحتاجها سكان كوكب الأرض كلهم فى أدق تفاصيل حياتهم، وبما أننا نحن العرب فى ذيل الأمم لا ننتج ولا نضيف شيئاً للحضارة، فما الذى سيجعل المواطن الذى يجهل لغتنا يجهد نفسه فى تعلمها، بل نحن نجد العكس، وهو أن كل أسرة تبحث عن مدرسة إنترناشيونال لتعلم أولادها اللغة الإنجليزية بطريقة جيّدة، ولا تهمهم اللغة العربية، بل تراهم متذمرين منها، وهم معذورون فى ذلك، فقد أصبحت لغة متكلسة لا تتفاعل مع التقدّم والتغيير والتطور، وهناك مشكلات جمّة فى بنيتها لا بد أن ينتبه إليها علماء اللغة لكى تتمكن من الاستمرار، ليس معنى أن اللغة العربية هى اللغة التى نقرأ بها القرآن الآن أن نُضفى عليها قداسة وسرمدية خارج الزمن وفوق اللغات، وإلا فأين سنضع جمال لغة شكسبير أو رامبو أو لوركا؟ لدينا المتنبى وأبوالعلاء وابن الرومى نعم وأنا أعشقهم، لكن لديهم بول إيلوار وإليوت ورسول حمزاتوف.
كفانا وهماً واستعلاء وخداعاً للنفس.

No comments:

Post a Comment