Translate

Thursday, June 24, 2021

يوسف إدريس والسينما - د. خالد منتصر - جريدة الوطن - 23/6/2021

 الكتب التى أصدرها مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة فى هذه الدورة، كانت وجبة ممتعة وإضافة ثرية لعالم السحر الجميل الذى شكّلته مجموعة الأفلام المتميزة التى عُرضت هذا العام من خلال أوركسترا قاده المايسترو عصام زكريا باقتدار.

من أهم الكتب التى اطلعت عليها وحضرت ندوة مناقشته كان كتاب «يوسف إدريس بين الأدب والسينما» للسيناريست الكبير عاطف بشاى، وعندما يكتب بشاى عن إدريس فلا بد أن تكون النتيجة تفرداً له طعم خاص، فمؤلف الكتاب كان مشروع تخرجه فى معهد السينما عن قصة يوسف إدريس «لغة الآى آى»، وبعدها ربطتهما صداقة عقل وفن وعمل أيضاً رغم أن إدريس كان بركاناً مستعصياً وجواداً جامحاً يثير دائماً غبار المعارك، وصداقته مخاطرة فى حد ذاتها.

كتاب عاطف بشاى قصيدة حب لأمير القصة القصيرة وعريضة اتهام لمبدعى السينما الذين لم يستفيدوا من فن يوسف إدريس كما ينبغى، فمن بين كل الأفلام التى أُخذت من قصص يوسف إدريس لم ينفذ إلى العمق ويصيد لؤلؤته إلا بركات فى فيلم الحرام، ولذلك احتل «الحرام» مساحة كبيرة فى الكتاب، وكتب عنه وحلله «بشاى» بمنتهى الحرفية، مستعيناً بكل ما كُتب عن تلك الأيقونة السينمائية.

«الحرام» كان معزوفة شجن وصرخة ألم ووثيقة إدانة لمجتمع منافق، عزيزة فيه مجرد ضحية، وعمال التراحيل فيه مجرد جثث تتنفس، أضاء عاطف بشاى مناطق رمادية وضبابية فى الفيلم بقلمه الرشيق، وفتح العدسة على مشهد اغتصاب اجتماعى لقاء التواطؤ أكبر من مشهد الاغتصاب لقاء جدر البطاطا.

ناقش عاطف بشاى أسباب ضعف الأفلام الأخرى التى اقتُبست من قصص إدريس، وكلها قصص رائعة وقوية، ولكنها عندما تحولت إلى شريط سينمائى لم تكن على مستوى تلك القوة والروعة والإتقان.

كنت أتوقع شخصياً أن فيلماً مثل «حادثة شرف» سيكون أفضل أو على نفس مستوى «الحرام»، لكن الفيلم للأسف لم ينجح جماهيرياً أو فنياً، ونفس المشكلة واجهت قصص يوسف إدريس التى تحولت إلى أفلام قصيرة أو مشاريع تخرُّج لطلبة المعهد، حلل عاطف بشاى أسباب هذا القصور السينمائى، وأعتقد أن سقف الإبداع والتجاوز والجموح القصصى عند إدريس وكمّ التابوهات التى يحطمها بمطرقته لم تستطع تلك الأفلام أن تصل إليه، ولا أظن أن الرقابة الحكومية هى السبب، فمعهد السينما لا رقابة على أفلامه، ولكنها الرقابة الذاتية والتابوهات التى تسكن المبدع السينمائى نفسه الذى لم يحسم مع نفسه أولاً قضايا الجنس والدين، وهما أهم تابوهين واجههما يوسف إدريس وتصادم مع السائد والبديهى حولهما.

التحية لعاطف بشاى على هذا الجهد الذى بذله فى تأليف هذا الكتاب الذى استمتعت به وبمناقشته فى قصر ثقافة الإسماعيلية، وفى انتظار عاطف بشاى السيناريست الذى اشتقنا لأعماله الكوميدية الرائعة منذ زمن طويل.


No comments:

Post a Comment