Translate

Tuesday, May 1, 2018

خالد منتصر - أصابع لوليتا - جريدة الوطن - 1/5/2018

«لا شىء ميت فى الجسد إلا ما نريد قتله»، جملة عابرة فى رواية «أصابع لوليتا» البديعة للكاتب الجزائرى الجميل صاحب اللغة الأنيقة والسرد الرشيق واسينى الأعرج، يونس مارينا بطل الرواية كاتب روائى شهير يهرب بجسده إلى المنافى لكن روحه هناك فى الجزائر، يسكن المطارات لا البيوت ويحلم بقبر والده الذى بنى عليه السد فخذله الزمان والمكان وخذلته الثورة التى راهن عليها، لوليتا الطرف الثانى فى الرواية عارضة الأزياء المعجبة بروايات مارينا والتى بدأت علاقتها معه فى فرانكفورت بطلب توقيع رواية وانتهت فى باريس بانفجار جسدها إلى شظايا متهمة بمحاولة اغتيال هذا الروائى المطارد، جسد لوليتا الذى كانت تحافظ عليه كسلعة تسويق وتشكله طبقاً لرغبات هذا العالم الذى لا يرحم، عالم الأزياء، هذا الجسد وذاك اندمجا فى علاقة كانت هى الأقواس التى تفتح وتغلق على جملة القهر المشترك التى تطل علينا فى كل أحداث الرواية، القهر هو خلفية تلك الجدارية الروائية البديعة، فمارينا الذى حمل أكثر من اسم وتنكر فى أكثر من صورة دخل قهراً عالم السياسة، مثله الأعلى صديق والده المناضل «الرايس بابانا» الذى صار رئيساً للبلاد بعد الثورة ثم اعتقل ولم تكسر رتابة حياته فى الزنزانة إلا ذبابة صارت صديقته ومستودع أسراره، كتب مارينا مقالاً يدافع عنه، طاردته ذئاب العقيد التى صارت عنواناً لروايته فيما بعد، تم تهريبه إلى فرنسا ليطارد بعدها من ذئاب الدين وسماسرة العقيدة الذين يريدون اغتياله لأنه كافر وكان السبب روايته «عرش الشيطان» التى هز فيها عرش الكهنة، يقول مارينا: «مشكلتى ليست مع الأديان ولكن مع بشر يلبسون هذه الأديان كما يشتهونها ويفرضون علينا الشكل الذى ارتضوه لها، ولهذا لا يخلو أى دين من الملائكة والضحايا، ولا يخلو أى دين أيضاً من الشياطين والقتلة»، حتى فى باريس بلد النور التى لجأ إليها وهو معزول مقهور تعد عليه أنفاسه من البوليس، يعيش محاصراً بالكاميرات فى شقته التى تحتضن لوحة نفيسة يحاول اللصوص سرقتها مراراً، عليها ذبابة أيضاً تكسر عزلته كذبابة «الرايس بابانا»، لوليتا تعيش قهراً آخر، بعض الجرامات من الممكن أن تلقى بها على قارعة الطريق وتفقدها كل الضوء والمجد، ترى صديقتها تموت رويداً رويداً وتتحول إلى هيكل عظمى بعد إصابتها بمرض الـAnorexia (فوبيا الأكل) خوفاً من السمنة، تنتحر نموذجها الأعلى كلارا عارضة الأزياء الشهيرة ومعشوقة نجوم العالم من الفنانين والساسة، تحسب كلارا فى عملية حسابية سريعة كم سيتبقى من وزن جسدها بعد إحراقه وتحوله إلى رماد، وتقرر أن تتحول إلى رماد!، تقول لوليتا: «عالم الموضة خطير، كل شىء فيه مؤقت، العواطف، الحب، علاقات العمل، أنت لا تساوى شيئاً إلا بقدر وزنك مادياً أو جمالياً، ولا شىء غير ذلك، الباقى كله تفاصيل غير مهمة»، يدهشنا واسينى الأعرج فى كل رواية بفتح نوافذ عالم جديد نجهله، يدهشنا بالتفاصيل التى تطرز نسيجه الملون الموشى بلغة يطاردها وتطارده فى لعبة استغماية تبهرنا وتأسرنا ونلهث معها، نافذة عالم الأزياء هى نافذة جديدة تماماً علينا فى الرواية العربية، نطل منها ليس كما تخيلنا على عالم من الرفاهية، ولكن على غابة من الشجن، الرواية لا تعتنى بتفاصيل عالم الأزياء فقط ولكن بها تفاصيل مؤلمة موجعة عن خلافات كتيبة المناضلين وانتقاماتهم المؤلمة الصادمة من بعضهم البعض وقسوتهم الفاشية اللاإنسانية برغم أنهم قد ثاروا لتحقيق الديمقراطية ولكنهم بعدها ساروا على جثث أعز الأصدقاء والرفاق، لقاءاتى مع واسينى وما سمعته منه شخصياً يجعلنى أقول إن يونس مارينا يحمل الكثير من ملامح واسينى نفسه الذى يعود لأصول إسبانية مثله، وفقد عنوان قبر أبيه مثله، وارتبط بأمه القوية التى ظلت حياتها تبحث كإيزيس عن قبر زوجها حتى ماتت، رواية هى قطعة دانتيلا لكن بنصل سكين.

No comments:

Post a Comment