Translate

Saturday, May 19, 2018

نيافة الأنبا موسى يكتب لـ«المصري اليوم»: الشباب والتغيير ١٣/ ٥/ ٢٠١٨ - المصرى اليوم

الملاحظ الآن أن العالم انتابته حمى التغيير، بمعنى أن هناك متغيرات سريعة ومتلاحقة، سواء بسبب الإنجازات العلمية المتسارعة، أو ثورة الاتصالات والمعلومات، أو سيل الإعلانات الاستهلاكية المطروحة على الشاشة الصغيرة، أو شبكات الإنترنت... تغير فى كل شىء... فالأحداث تتسارع بحيث نسمع فى كل دقيقة جديداً على خريطة العالم.. والمنتجات والسلع ترى أمام المشاهدين.. والموضات «فى الملابس وتسريحة» الشعر أو حلاقته تماماً.. تجذب الشباب يميناً ويساراً.. حتى إن البعض سماها «الرغبة العارمة فى التغيير» أو «هستيريا التغيير».. فلا استقرار على حال، سواء فى مجال العلوم أو السياسة أو حتى على مستوى الأسرة والمجتمعات الصغيرة.. كل يوم هناك جديد، والشباب يلهث وراءه!!.
لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن فى خارج الإنسان، ولكنها تكمن فى داخله!!، فالإنسان الراسخ الفكر والتوجهات، الذى له فى حياته ثوابت ورؤى وفلسفة، لا يهتز أمام هذه المتغيرات، بل يختار ما هو إيجابى، ويرفض ما هو سلبى!.
المشكلة إذن هى فى التمييز بين الثوابت والمتغيرات فى حياة الإنسان.
أولاً: التغير سمة المحدودات: وهذه بديهية فلسفية قديمة: فـ«التغير والأزلية لا يتفقان»... التغير هو للمحدودات، أما غير المحدود (إلهنا العظيم) فهو ثابت لا يتغير.. ومن المتغيرات- كمجرد أمثلة- التاريخ، والإنسان، والعلم.
أ- فالتاريخ: حركة دائبة لا تهدأ.. ومع أن هناك مقولة شهيرة «التاريخ يعيد نفسه» لكن هذا لا ينفى أن التاريخ حركة تغيير مستمرة، ربما بدأت متباطئة فى عصر الزراعة، فاستغرقت آلاف السنين، ثم تسارعت فى عصر الصناعة، الذى استغرق مئات السنين، حتى دخلنا إلى عصر التكنولوجيا والفضاء والمعلومات والأقمار الصناعية والهندسة الوراثية، فصار التغيير من يوم إلى آخر، ومن لحظة إلى أخرى.
إيقاع الزمن تسارع مع ثورة الاتصالات، فصرنا نعايش الأحداث حين وقوعها، وليس بعد وقوعها.
وهكذا اختلطت الثقافات والحضارات والشعوب، وتداخل البشر معاً من خلال التلاقى الإنسانى على مستوى: الأسفار والرحلات والهجرات المؤقتة والهجرة الدائمة. كما تداخلوا من خلال ثورة الاتصالات والمعلومات التى جعلت من العالم قرية صغيرة، أو ربما حجرة صغيرة، أو حتى ركناً صغيراً فى إحدى الغرف، فمن خلال كمبيوتر صغير (موبايل) يصل إلى العالم كله، بكل ما يحدث فيه من تغيرات؛ إنسانية وفكرية وعلمية وسياسية واقتصادية واجتماعية، حتى صرنا فى الطريق إلى نشوء ما يسمى بالثقافة الكوكبية «Culture Global» فى عصر يمكن أن نسميه عصر العولمة «Globalisation». التاريخ إذن متغير دائماً، سواء فى دورته، أو حتى فى حركة ذات اتجاه واحد.. المهم أنه غير ثابت.
ماذا عن الإنسان؟
ب- الإنسان: مع أن الله خلق الإنسان بطبيعة خاصة، من روح عاقلة خالدة ناطقة، ومن طين مادى جسدى.. إلا أن الإنسان متغير أيضاً، بمعنى أنه دائم الحركة والتطور، سلباً أو إيجابياً، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع.. والتغير فى الإنسان يحدث فى كل عناصره.
- فالجسد يتغير من الحمل، فالولادة، فالطفولة، والرجولة والكهولة،والشيخوخة.
- والنفس تتغير بغرائزها وانفعالاتها وعواطفها.
- والروح تتغير بتوجهاتها نحو الشر أو الخير، نحو السماء أو الأرض، نحو الله أو العالم.
- كذلك يتغير العقل بقدر ما يفكر، ويحلل، ويستنتج، ويدرس ويقارن، وينمو، ويحاور، ويتفاعل.
* أما العلاقات فتتغير بحسب ما يحيط بالإنسان من بيئة اجتماعية: من المنزل إلى الحضانة، فالجامعة، فمكان العبادة، فالمجتمع، فالإنسانية، على اتساعها.. والعالم أيضاً يصيبه التغيير باستمرار.
ج- العالم: هناك فرق شاسع ما بين عصر الدواب البدائى وعصر المركبات ثم السيارات ثم الطائرات ثم الأقمار والصواريخ و«الفمتوثانية»!.
- وهناك فرق بين عالم القبيلة وعالم العولمة. وهناك تغير مستمر فى أسلوب الحياة، والحضارات، والثقافات، وفى الحروب الصغيرة والكبيرة، وفى الإبداع الإنسانى فى الفن والأدب والعلم.
- إذن فالتغير سمة هذه المحدودات: التاريخ والإنسان والعالم... فهل من ثوابت؟!.
ثانياً: الثابت الوحيد هو إلهنا العظيم لسبب بسيط للغاية ومنطقى وفلسفى، أن إلهنا العظيم أزلى أبدى سرمدى، لا نهائى، بلا حدود.. ولهذا فهو فوق أى تغير!!.
(وإلى المزيد إن شاء الله).
* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

No comments:

Post a Comment