Translate

Sunday, May 19, 2019

دينا عبدالفتاح - المستثمرون الجدد! - جريدة الوطن - 5/2019 /19

ترتبط كل تجربة تنموية حول العالم بظهور جيل جديد من المستثمرين يطلق عليه مصطلحات مختلفة، من بينها «المستثمرون الجدد - الشركات الناشئة - رواد الأعمال»، يعمل هؤلاء المستثمرون بخطط وأهداف ومعطيات مختلفة عن المستثمرين التقليديين، فيتمكنون من تحقيق قفزات هائلة فى حجم أعمالهم فى فترات وجيزة، وينجحون فى الوصول إلى مؤشرات قياسية على صعيد الأداء المالى، ومستوى جودة المنتج، ودرجة التنافسية فى السوق.
يعتبرون هم الدافع الأول لجهود التنمية، وعادة ما تشكل ابتكاراتهم السمة الرئيسية التى يتميز بها الاقتصاد، فنتيجة تميزهم فى صناعة السيارات فى ألمانيا خلال النصف الأول من القرن العشرين، تميّزت ألمانيا بأن بها أكبر قلاع صناعة السيارات حول العالم، حيث شهدت هذه الفترة ظهور وتأسيس شركات «مرسيدس بنز 1916»، «بى إم دبليو 1926»، «فولكس فاجن 1936».
ونتيجة تميزهم فى صناعة الإلكترونيات والتكنولوجيا فى اليابان، أصبحت اليابان بلد التكنولوجيا حول العالم، حيث شهدت مرحلة النهضة اليابانية ظهور شركات عملاقة ركزت على الصناعات الإلكترونية، وأبرزها «توشيبا، شارب، سونى، باناسونيك، كاسيو، سيكو».
لذا فارتباط ظاهرة المستثمرين الجُدد بنظرية التنمية، يجعلنا نبحث فى مصر عن هؤلاء المستثمرين بالتزامن مع العملية التنموية الشاملة التى تشهدها الدولة حالياً، هذا من ناحية.
ويجعلنا من ناحية أخرى نبحث فى الأوضاع المحيطة بنا، ونقيمها، لمعرفة مدى تهيئتها لظهور هؤلاء المستثمرين.
من خلال بحثى ومراجعتى المستمرة لأسماء ومجالات عمل الشركات الجديدة التى تظهر فى السوق المصرية بين الحين والآخر، يمكننى تدوين بعض الملاحظات المهمة فى هذا الملف شديد الأهمية.
أولاً؛ وجدت أن أغلب الشركات الجديدة التى تظهر فى السوق، وتحقق انتشاراً سريعاً، فى وقت قياسى، ولديها إمكانيات لتحقيق النمو المتصاعد فى المستقبل، تعمل فى المجال التكنولوجى، وبالتحديد فى مجال تطويع التكنولوجيا لخدمة الأفراد، سواء فى ما يتعلق بالتجارة الإلكترونية أو توصيل الطلبات، أو النقل، وغيرها.
وبالتالى لا بد من التركيز على تهيئة البيئة الاستثمارية للصناعات التكنولوجية فى مصر، وذلك من خلال مراجعة التشريعات الحاكمة فى هذا المجال، والتأكد من توافر شركات الإمداد لهذه الشركات الجديدة، وأقصد هنا شركات البرمجة، وبناء النظم والتطبيقات الإلكترونية، وصيانتها وتطويرها.
فضلاً عن ضرورة تطوير النظم التعليمية بمصر فى ما يتعلق بالمجال التكنولوجى، وأقصد هنا مناهج وطرق التدريس فى كليات الحاسبات والمعلومات وهندسة الحاسب والاتصالات والإلكترونيات.
كما ينبغى تعزيز دور المنظمات والجهات المعنية بالمجال التكنولوجى فى تدريب الشباب وتحفيز ظهور مستثمرين جدد فى هذا المجال، وأقصد هنا وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وغرفة تكنولوجيا المعلومات باتحاد الصناعات، ولا بد من تنسيق الجهود بين هذه الجهات لتحقيق نتائج قياسية فى المستقبل.
ثانياً: لاحظت أن هناك الكثير من الشركات التكنولوجية التى ظهرت فى السوق، لكنها ما زالت تقدم خدماتها على نطاق جغرافى محدود بداخل الدولة، أو لشريحة محدودة من جمهور المستهلكين المستهدف، وهذا الأمر يقيد نمو هذه الشركات، ويحد الدور الكبير الذى يمكن أن تلعبه فى بناء الاقتصاد.
ويتطلب هذا الأمر ضرورة تحديد هذه الشركات من قبل الجهات الحكومية المعنية، وعقد لقاءات معها، لبحث أسباب عدم توسّعها بالشكل المطلوب حتى الآن، رغم نجاحها الكبير فى المناطق، أو مع الشرائح المستفيدة من خدماتها.
فقد يعود عدم التوسّع، لمشاكل تتعلق بالتخطيط السليم، وبالتالى لا بد أن تساند الدولة هذه الشركات فى وضع خطط التوسع، وقد يكون لديها مشاكل فى التمويل، وهنا ينبغى أن تلعب البنوك، خاصة البنوك الوطنية، دوراً فى تحفيز هذه الشركات للحصول على التمويل وعدم التخوف من المخاطرة، طالما هناك تجربة ناجحة فى عملها.
ثالثاً: لاحظت قصوراً كبيراً فى عدد الشركات الجديدة التى يتم تأسيسها وتتخصص فى قطاعات الاقتصاد الحقيقى، وأقصد هنا قطاعى «الصناعة - الزراعة»، ويمثل هذا الأمر معضلة كبيرة لو لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح، فتطور صناعة التكنولوجيا لا يغنى أبداً عن الصناعة، وبالتحديد الصناعات التقليدية، ولا ينبغى أن تترك هذه المجالات، دون منافسة للسلع المستوردة من الخارج.
وبالتالى ينبغى على الدول أن تعمل على ظهور جيل جديد من المصنّعين، وأن تسارع الزمن فى تجهيز وتشغيل التجمعات الصناعية التى أنشأتها بعدد من المحافظات، وأن تنسق مع الشركات الكبرى على تدريب عدد من العاملين فيها على الاستقلال بصناعات صغيرة مغذية لها، وذلك فى إطار المسئولية المجتمعية للشركات الكبرى، التى ينبغى ألا ترتبط ببعض التبرعات أو المشروعات الخيرية فقط.
كما أن الدولة مطالبة بتنشيط عملية الزراعة والاستمرار فى تنفيذ مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتحفيز الشباب على الحصول على الأراضى بهذا المشروع، وتنميتها من خلال إنشاء شركات منظمة لديها رؤية واضحة لتنمية أعمالها فى المستقبل.

No comments:

Post a Comment