Translate

Friday, September 13, 2019

د. مينا بديع عبدالملك يكتب عن: د. عزيز سوريال.. عميد مؤرخى العصور الوسطى بقلم ١٣/ ٩/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم

وُلد عزيز سوريال عطية فى ٥ يوليو ١٨٩٨ بقرية العايشة من قرى مركز زفتى – محافظة الغربية. وبعد حصوله على شهادة البكالوريا التحق بكلية طب قصر العينى. ولوطنيته وحماسه وقف بشجاعة معهودة ضد الاحتلال البريطانى، ففصلته الإدارة الأجنبية من الجامعة! فعمل لوقتها بوزارة الزراعة فى وظيفة صغيرة. وفى أثناء عمله درس فى مدرسة الحقوق الفرنسية ووقتها أعُلن عن دراسات مسائية للمعلمين العليا، فسارع للالتحاق بها ولنبوغه الشديد احتل المركز الأول فى الامتحان النهائى عام ١٩٢٧ على طلبة القسمين المسائى والنهارى، مما حدا بوزارة المعارف لإرساله فى بعثة دراسية إلى إنجلترا. وقد كان وقتها يرغب فى دراسة التاريخ القديم والحديث حيث أنه لم يكن مُلماً بتاريخ العصور الوسطى، ولكن بعد حضوره أول محاضرة فى التاريخ الوسيط اكتشف ميوله وأصبح يتابع أستاذه بروفسور «كوبلنت» (توفى عام ١٩٧٥ عن عمر يناهز ١٠٠ عام). وتمخضت دراسته فى البداية عن البحث الأصيل فى حروب الفرنجة (التى يُطلق عليها اسم الحروب الصليبية). وأصر وقتها الممتحن الخارجى عميد المؤرخين فى إنجلترا على أن تكون هذه الدراسة للدكتوراه بدلاً من الليسانس إلا أن الجامعة لم تجد فى قوانينها ما يبرر ذلك. فحصل على درجة الليسانس فى تاريخ العصور الوسطى والحديثة من جامعة ليفربول بمرتبة الشرف الأولى عام ١٩٣١.
وبمناسبة الحديث عن جامعة ليفربول، أذكر أنه فى عام ١٩٨٦ كنت فى مهمة علمية فى العلوم الرياضية بجامعة ليفربول، وكنت دائم المراسلة مع د. عزيز سوريال عطية. وفى رسالة منه إلىّ بتاريخ ٥ يونيو ١٩٨٦ كتب يقول: (.. أكتب لأشكركم على تذكرى وأيامى فى ليفربول لا يمكن أن تُنسى راجياً لكم أياماً مثلها مملوءة بالنجاح، ولعلكم تعلمون أننى أحرزت هنالك أعلى الدرجات الأكاديمية التى يمكن الحصول عليها، وكم يسرنى لو أستطعت العودة ولو لزيارة خاطفة أراكم فيها وأجدد ذكريات العشرينات والثلاثينات من هذا القرن..). رسالة تنم عن التواضع الشديد والحقيقى. وفى سنة ١٩٣٣ حصل على درجة الدكتوراه فى الدراسات العربية والإسلامية (قرن ١٤) من جامعة لندن. وفى العام التالى صدر له أول كتاب بعنوان (حملة نيكوبلى الصليبية) والذى أعيد طبعه للمرة الثانية عام ١٩٧٨. ثم أعقبه المرجع الضخم الذى يُعد المرجع الأساسى فى مجال الحملة الصليبية وذلك عام ١٩٣٨ بعنوان (الحملات الصليبية فى العصور الوسطى المتأخرة) وقد أعيد طبعه عام ١٩٦٥. وقد وصف العالم الأستاذ «جون لامونت» هذا المرجع بأنه عملاً أصيلاً فى هذا الحقل. وقد لقى د. عزيز سوريال عطية من أساتذة جامعة لندن تقديراً واحتراماً، فرشحوه للعمل فى هيئة التدريس بالجامعة. وبعدها حصل على درجة دكتوراه فى الآداب وهى أعلى درجة علمية تُمنح لعالم فى إنجلترا. وفى عام ١٩٣٥ أنتقل من لندن إلى بون بدعوة من المستشرق الألمانى «بول كالى» وانضم لعضوية هيئة التدريس بمعهد الدراسات الشرقية بتلك الجامعة. وعند قيام الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ عاد إلى وطنه مصر حيث شغل وظيفة أستاذ مساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة وقام بتدريس مادة تاريخ العصور الوسطى. وفى عام ١٩٤٢ انتقل إلى جامعة الإسكندرية حيث شغل وظيفة أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب حتى عام ١٩٥٤. وفى خلال تلك الفترة عمل فى وظيفة وكيل كلية الآداب (١٩٤٩ – ١٩٥٠) ثم رئيساً لقسم التاريخ بها (١٩٥٢ – ١٩٥٤). وفى أثناء ذلك (١٩٤٩ – ١٩٥٠) اختارته جامعة الإسكندرية للمشاركة فى رحلة علمية إلى دير سانت كاترين بسيناء، بالاشتراك مع المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان وذلك بهدف تصوير مخطوطات ووثائق مكتبة الدير. وبعبقريته وصبره وإخلاصه وتفانيه فى العمل كشف عن عدد من مخطوطات الدير النادرة وبخاصة فيما يتعلق بتاريخ المسيحية الشرقية وآدابها حيث قام بتصوير المهم من هذه المخطوطات فى حوالى ٢ مليون صفحة فى ١٢ لغة أهمها اليونانية وثانيهما فى الأهمية العربية. وقد قامت دار نشر «جون هوبكنز» عام ١٩٥٥ بنشر كتابه بعنوان «المخطوطات العربية فى دير سيناء». وعندما ذاع صيت الدكتور عزيز سوريال طلبته جامعات أوروبا للتدريس بها. وعندما زار الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٠ كأستاذ زائر فى مشروع هيئة الفولبرايت والخاص بتبادل الأساتذة فى مصر، طلبته أكثر من عشرين جامعة أمريكية للتدريس فيها، فحاضر فى جامعات ميتشجن وكولومبيا وإنديانا. وكان موضوع محاضراته بوجه عام «فترة الحروب الصليبية والعلاقات فى العالم الإسلامى وأوروبا المسيحية فى العصور الوسطى» وبخاصة فى المجالات الثقافية والتجارية.
وفى عام ١٩٥٤ قام الدكتور عزيز سوريال بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور سامى جبره مدير معهد الآثار المصرية سابقاً والأستاذ مراد كامل أستاذ اللغات السامية بجامعة القاهرة ومدير مدرسة الألسن بتأسيس معهد الدراسات القبطية بالقاهرة أسوة بالنشاط المتميز الذى تقوم به جمعية مارمينا العجايبى للدراسات القبطية بالإسكندرية (تأسست فى نوفمبر ١٩٤٥) فى خدمة الدراسات القبطية، حيث أعجب بنشاطها الدكتور عزيز سوريال وأشترك فى تحرير رسائلها السنوية. وللأسف أنتهى تاريخ المعهد فى وقتنا الحاضر لعدم وجود متخصيصين!
ثم زار الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى عام ١٩٥٥، ووقتها اختير أستاذاً زائراً للدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأدنى فى جامعة ميتشجن. ثم اختير أستاذاً لتاريخ المسيحية فى العالم عام ١٩٥٦ وذلك بالمعهد اللاهوتى بنيويورك. وفى عام ١٩٥٧ اختير أستاذاً للتاريخ العربى والإسلامى بجامعة برنستون خلفاً للأستاذ الدكتور «فيليب حتى» (١٨٩٩ – ١٩٧٨) الذى كان قد تقاعد عام ١٩٥٤، وفى العام التالى انتخب عضواً بمعهد الدراسات العليا الأمريكية الذى يضم كبار علماء العالم فى العلوم الرياضية والطبيعية والإنسانية، وقد أختير مكتبه مواجهة للمكتب الذى كان يشغله عالم الطبيعة «أينشتاين» ولم يلبث أن اجتذبته جامعة «يوتا»، وهناك اهتم بتأسيس مركز الدراسات العربية والمتعلقة بالشرق الأوسط وظل مقيماً هناك منذ عام ١٩٥٩ حتى وفاته فى سبتمبر ١٩٨٨ مكرساً نفسه تكريساً تاماً لخدمة هذا المركز. وهناك بدأ يُعلم الأمريكان اللغة العربية ويعمل على انتشارها، وفتح فصولاً لتعليم اللغة العربية لأساتذة الجامعات الأمريكية، وهذا ما حدا بالمنظمة المصرية- الأمريكية فى العشرين من إبريل ١٩٨٦ ولأول مرة تقديم جائزة الخدمات المرموقة إلى ذلك المؤرخ المصرى الكبير وذلك لما أسهم به فى مجال الدراسات العربية والجهد الجبار الذى بذله فى جامعة «يوتا». وفى عام ١٩٦١ منحته جامعة «بادون ولسن» درجة الدكتوراه الفخرية فى القانون تقديراً لخدماته العلمية فى أمريكا كما انتُخب فى مجلس أمناء جماعة الدراسات الشرقية بنيويورك التى تجمع كبار المستشرقين المهتمين بالدراسات الشرقية.
وبعد زهاء نصف قرن من هذا العمل المُثمر فى خدمة الوطن والكنيسة، وفى ٢٤ سبتمبر ١٩٨٨ ترك الدكتور عزيز عطية قلمه ومكتبه وأصدقاءه وتلاميذه ومضى إلى ربه تاركاً لنا سيرته المضيئة وأعماله الخالدة وقدرته الحقيقية. رحم الله الدكتور عزيز سوريال نظير ما قدمه للبشرية جمعاء ولوطنه مصر بصفة خاصة من أعمال عظيمة سجلها له التاريخ بأحرف من نور.


No comments:

Post a Comment