Translate

Sunday, September 8, 2019

كيف نتعامل مع وسائل الإعلام؟ بقلم الأنبا موسى ٨/ ٩/ ٢٠١٩ - المصرى اليوم


نحتاج كشعب، وكأسر وعائلات، وكأفراد إلى أمور مهمة لنستطيع أن ننتفع بكل ما هو إيجابى، ونتلافى كل ما هو سلبى فى وسائل الإعلام. وهذه بعض النقاط المهمة، فى هذا المجال:
١- الرسالة الإعلامية
تحتاج بلادنا، وكل بلاد العالم، أن يكون وراء الإعلام «عقل جمعى» أو «مجموعة مفكرين» يرسمون سياسة الإعلام، وخطوطه العريضة، وأهدافه المهمة، فلا يتركون البرامج والمسلسلات تترى دون رؤية بناءة، فهذا إعلام الدولة، الذى يمكن لرجال الدين والتربية والثقافة والسياسة والإعلام والاقتصاد... إلخ أن يستثمروه فى منظومة بناءة، تبنى أجيالنا الصاعدة.
ولا نقصد هنا «التحكم» فى الإعلام ولكن «الرسالة» الإعلامية، التى يحددها خبراء من كل التوجهات والتخصصات بموضوعية بناءة. وذلك ليكون الإعلام الذى مازال بين أيدينا، فرصة تربية وإنماء للأجيال الصاعدة، ويكفى ما أمامهم من فضائيات وشبكات اتصال لا حصر لها، ولا تخطيط أو تهديف بنّاء لبرامجها، بل ولا سلطان لأحد عليها.
لذلك نتمنى لو أمكن تكوين مجلس فكرى متنوع التوجهات، بهدف إسهام إعلام الدولة فى تكوين مواطن صالح، وشخصية إنسانية متكاملة، قادرة على التفاعل مع معطيات العصر الحديث، والنمو بصفة مستمرة نحو الأفضل.
٢- الإشباع الثقافى
من المهم لمن يريد أن يتعامل حسنًا مع الميديا، أن يشبع ثقافيًا، أى أن يقرأ كثيرًا، ويجعل عقله نشطًا فى اكتساب المعارف والعلوم والثقافة والفن والأدب والفكر... إلخ.
.. فهذا كله يسهم فى تكوين ما نسميه «العقل النقدى» (The Critical Mind)، أى العقل القادر على التفريق بين الصواب والخطأ، وبين الغث والسمين. كما أنه العقل الذى يرفض «التسطيح» أو «البلادة الفكرية» التى طالما يشكو منها المثقفون حينما ينتقدون برامج ومسلسلات التليفزيون.
إن العقل الفعال والمستنير والمثمر هو عقل إيجابى، يفكر ويناقش ويدرس ويبدع، بعكس ذلك العقل البليد، الذى يجلس سلبيًا أمام الشاشات بأنواعها (السينما والتليفزيون والإنترنت) فى سلبية، يتلقى فقط دون تفاعل، ويتأثر دون مقاومة!
لذلك يحتاج شبابنا إلى إنماء روح القراءة والدراسة والبحث، ورفض تلك الاستكانة المريضة أمام الشاشات المختلفة، أو الجلوس على المقاهى بلا عمل، يجترون الكلام، ويدخنون السجائر والشيشة، ويدمرون أجسادهم مع عقولهم وأرواحهم.
٣- القدرة على الانتقاء
وهذه محصلة طبيعية لما سبق، فالإنسان الشبعان روحيًا (بالممارسات الدينية)، والشبعان ثقافيًا (بالقراءة والدراسة والبحث) هو قادر بالضرورة، وبنعمة الله، على الانتقاء السليم، والاختيار البناء. لهذا فهو يأخذ قراره باستنارة جميلة: هل يقرأ هذا الكتاب أم لا؟ هذا المقال أم لا؟ هل يصادق هذا الإنسان أم لا؟ هل يشاهد هذا الفيلم أم لا؟ هل يدخل إلى هذا الموقع أم لا؟
والمهم ليس فقط القدرة على الاختيار، ولكن القدرة على تنفيذ الاختيار البناء، ورفض الاختيار الهدام. وهذا بالطبع ممكن، بسبب روح التمييز الذى بداخله، ونعمة ربنا الكامنة فيه، وبذل الجهد، والتهديف المستمر لحياته ووجوده ونشاطاته.
٤- تربية الضمير
أودع الله الضمير والناموس الأخلاقى الطبيعى الداخلى، كبوصلة هادئة، تقود الإنسان إلى ما لا يرى، وما لا نهاية.. إلى الله، والخلود، والسماء.. إلى التدين والقداسة.
فالإنسان فيه جوع إلى المطلق واللانهاية، ولا يشبع هذا الجوع سوى الله غير المحدود.. وفيه الحاجة إلى الخلاص من الخطيئة والتلوث الروحى الداخلى.
والإنسان الروحى، كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث: هو الإنسان الذى روحه تقود جسده، والله يقود روحه. بالتالى ينتصر بعمل نعمة ربنا، وبذل الجهد على كل ما يثور داخله وخارجه من أخطاء، بل أكثر من ذلك أن يمتلئ داخله برغبات هادفة وبناءة ومقدسة.
وبالشبع الروحى يزداد الضمير إرهافًا، بفعل عمل الله، فيصير حساسًا لكل خطأ، ولكل شر، وهكذا يصير الإنسان مدققًا فى حياته: فى الفكر والحواس والمشاعر والإرادة والأفعال والسلوك، ويكون الكل لأبديته، وبالتالى يبقى الضمير سعيدًا وهانئًا، والإنسان مثمرًا وهادئًا.
لذلك فالمهمة الثانية للإنسان أن يربِّى ضميره وذلك بمراعاة الله فى كل تعاملاته، ويكون تحت إرشاد مرشد حكيم، وهكذا يكون حساسًا لكل ما تعرضه أمامه وسائل الإعلام، أو أصدقاء المرحلة، أو حتى إيحاءات الشيطان، وحروب الفكر!
٥- الإشباع الروحى
تعتبر هذه النقطة من أهم النقاط، فلاشك أن الروح الشبعانة بالله والحياة الدينية تستطيع أن تجد سعادتها فى الله، وتستطيع- بالتالى- أن ترتفع بقوة الله فوق تأثيرات الميديا. وقديمًا قال سليمان الحكيم: «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أم ٧:٢٧)، فإن كانت الميديا تقدم لنا أطباقًا لا تنتهى من عسل، يصيب الإنسان بالتخمة، ويؤذى روحياته، بل ربما هو عسل مسموم ينحرف بالإنسان عن طريق النمو والفضائل والطهارة، إلا أن الشبع الروحى يجعل الإنسان «يدوس» بسهولة على هذا العسل.. وهكذا يختار ما يبنيه، ويرفض ما يهدمه.
ويعتبر التأمل، والتفكير، والتحليل، والرؤية، وإعمال العقل، والقيم، والتقاليد.. وسائل إشباع وأمور ضابطة للنفس بغرائزها وعواطفها وانفعالاتها، فالله أعطى الإنسان روحاً عاقلة، بها يتعرف على الكون والعلم والفن والأدب والفلسفة.. وبها يدرك الله العظيم من خلال مصنوعاته وقوانينه، كمهندس أعظم لهذا الكون، وكموجد لهذه الحياة.
الأنبا موسى
أسقف الشباب العام
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية


No comments:

Post a Comment