Translate

Friday, June 12, 2020

محمود مسعود ومسرح الطليعة - خالد منتصر - جريدة الوطن - 6/2020 /12









أغلبكم يعرف الفنان الراحل محمود مسعود من خلال شاشة التليفزيون والمسلسلات أولاً ثم السينما ثانياً، لكنى عرفت وشاهدت هذا الفنان المبدع من خلال المسرح، وبالتحديد من خلال مسرح الطليعة، ذلك المسرح الذى كان أكاديمية تثقيف مستقلة، ومنصة فكر متجدد ومتمرد، وكنز مواهب لا ينضب، ومشتل فن لا تجف ثماره أو تذبل زهوره، مجموعة من مجانين المسرح وعشاقه يقودهم عبقرى اسمه سمير العصفورى، كانوا يعملون فى ظروف صعبة، بعد أن أطلقت سفينة الستينات والسبعينات المسرحية صفارتها وغادرت الشاطئ، مرحلة ودعت بزخمها كل محبى المسرح، حتى ظن الجميع أن خشبة المسرح صارت خشبة الحانوتى، طغى المسرح الخاص الرخيص الذى كان يقدم هزاراً سمجاً تحت اسم الكوميديا، لكن المخرج المبدع سمير العصفورى ابن هذا الزمن الذى شهد نهضة مسرحية غير مسبوقة، والذى عاد من البعثة برغبة عارمة فى التغيير والتمرد، تمرد وجمع كتيبة الموهوبين وقرر أن يكون بؤرة ضوء فى هذا الظلام المسرحى الدامس، كان على رأس هؤلاء الموهوبين محمود مسعود، كان بمثابة الجان والجوكر، بصوته الآتى من أعماق الروح وكأنه مشدود إلى الأورطى، وعينيه اللامعتين ببريق الموهبة الفياضة، ورشاقته التى تجعله فراشة تارة وفهداً تارة أخرى، قدرة مدهشة على التلون والتجسيد.
كتيبة أبناء العصفورى كانت كبيرة وثرية، أذكر من بينهم الفنانين محمد كامل وسامى مغاورى وصبرى عبدالمنعم وإبراهيم عبدالرازق وآمال الزهيرى وغيرهم ممن كنت أذهب إليهم كل أسبوع ليضخوا فى روحى أوكسيجين البهجة والمتعة والثقافة، كان هذا المبنى المتواضع فى العتبة بالنسبة لى كعبة فنية وثقافية، أحج إليها أنا والأصدقاء كل أسبوع للفرجة، وأحياناً لمجرد الثرثرة مع هؤلاء المجانين من عشاق «أبوالفنون»، شاهدت محمود مسعود فى عرض بديع بعد رحيل صلاح عبدالصبور، كان العرض تركيبة ساحرة من عدة مسرحيات لهذا الشاعر الجميل الذى اختطفه الموت الغادر فجأة، العرض كان من إخراج الفنان أحمد عبدالعزيز الذى لم يشارك فيه بالتمثيل حتى يتفرغ لصياغة رؤيته.
كنا نجلس فى شبه غرفة ضيقة، نتحلق فى دائرة حول الممثلين، وبإمكانيات هزيلة صنع هؤلاء العشاق عملاً فى منتهى الجمال والبساطة والفن، كنت أنا وأصدقائى «شوية عيال» نحب هذا العالم السحرى، وكنا بالنسبة لعملاق مثل العصفورى مجرد متفرجين، من حقه ألا يرد عليهم كمدير مشغول وعصبى ومنهمك فى عمله، لكن شوية العيال طلبوا منه أن يشاهدوا مأساة الحلاج التى أبدع العصفورى فى إخراجها، وكانت بطولة محمد السبع، كان الرد المفترض والمتوقع: اخرجوا بره وماتوجعوش دماغى، أجيب لكم الحلاج منين دلوقتى، لكن هذا المبدع الجميل حقق لشوية العيال المستحيل، ومن خلال تليفزيون قديم متهالك، تجمعنا فى مسرح الطليعة لنشاهد فيديو مسرحية «مأساة الحلاج» التى لم يكن يعرضها التليفزيون المصرى باعتبار الحلاج من الزنادقة والكفرة!! والأجمل والأكثر إدهاشاً أنه بعد المسرحية دار نقاش بيننا نحن الصعاليك وبين مسرحيين كبار من بينهم المخرج الكبير فهمى الخولى، أحسست وأنا أستقل الأوتوبيس من العتبة إلى بيتى، أننى أطير وأرقص فوق السحاب، والفضل فى وجبة السعادة الأسبوعية كان دوماً لسمير العصفورى وكتيبته ومنهم محمود مسعود.

No comments:

Post a Comment